العلل في النحو

أبو الحسن محمد بن عبد الله [ الوراق ]

العلل في النحو

المؤلف:

أبو الحسن محمد بن عبد الله [ الوراق ]


المحقق: مها مازن المبارك
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الفكر ـ دمشق
الطبعة: ٢
ISBN: 1-57547-843-9
الصفحات: ٤١٦

قيل له : الفصل بينهما أنك إذا قلت : زيد أفضل من عمرو ، فإنما نقصد إلى فضل زيد على عمرو ، فصار الفضل بمعنى المصدر ، والمصدر قد بينا أنه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث فلذلك لزم طريقة واحدة ، وأما ما دخلته الألف واللام فيصير وصفا للذات كقولك : زيد أفضل ، فلما صار صفة للذات جرى مجرى أصفر وأحمر فكما أن أصفر وأحمر يثنى ويجمع وكذلك الأفعال والفعلى.

فإن قال قائل : فلم صار ما في آخره ألف ونون نحو عثمان وبابه يمتنع من الصرف؟

قيل له : لأن الألف والنون في آخره زائدتان كالألف والنون في سكران ، وهاء التأنيث لا تدخل على ما كان مثل عثمان من الأسماء كما لا تدخل هاء التأنيث على سكران فجرى مجراه ، فلذلك لم ينصرف في المعرفة وانصرف في النكرة ؛ لأنه لم يبلغ بالشبه مبلغ سكران ، وذلك أن سكران مشابه لباب حمراء (١) من أكثر الوجوه ، وعثمان أشبه ما أشبه المؤنث فلذلك صارت علّة الشبه في عثمان أقل حكما منها في سكران. فأما عريان فمنصرف وإن كان صفة وفيه ألف ونون لأن الألف والنون في عريان ليسا بمنزلتهما في سكران وذلك أن هاء التانيث تدخل فيه كقولك : امرأة عريانة ، وإنما ساغ (٢) ذلك لأنه صفة ، وعثمان وبابه أسماء لا تغير عن موضعها ، فلما خالفت الألف والنون في عريان الألف والنون في سكران لم تشبها التأنيث فلذلك انصرف.

واعلم أن ما جعل من الأسماء اسما واحدا نحو : حضرموت ، ومعدي كرب ، وقالي قلا ، وبعلبك (٣) ، وما أشبه ذلك فلك فيه وجهان : إن شئت جعلت

__________________

(١) انظر كتاب ما ينصرف وما لا ينصرف ٣٥.

(٢) في الأصل : صاغ.

(٣) كتبت في الأصل : بعل بك.

٣٠١

الإعراب في آخر الاسم الثاني فبنيت الاسم الأول على الفتح إلا أن يكون في آخره ياء فتبنيه على السكون نحو : معدي كرب ، والوجه الثاني : أن تضيف وتجعل الإعراب في آخر الاسم الأول ، وإنما جاز الوجهان جميعا لأن أحد الاسمين غير الآخر فجاز أن تشبهه بالمضاف والمضاف إليه ، ولأن الاسمين جميعا هما لشخص واحد فيجوز أن تقدر الاسم الأول في حشو الكلمة الثانية ، فإذا صار الاسم الأول في تقدير بعض اسم وجب أن يبنى إذ كان بعض الاسم مبنيا. /

وإنما بني على الفتح لأن تركيب الاسمين اسما واحدا مستثقل فوجب أن يختار له أخف الحركات لثقله ، وإنما وجب أن يبنى الاسم الأول على حركة لأنه كان آخر الحروف حرف إعراب وحرف الإعراب يستحق الحركات [و](١) لما أزيل الإعراب لما دخله من البناء لم يخل من الحركة ؛ ليدل بحركته أنه مما استحق الإعراب إذ كان ياء قبلها كسرة لم يدخلها من الحركات إلا الفتح ، فلما كان حكم هذه الياء في حال الإعراب انقص رتبة من غيرها وكانت الحروف التي تستثقل فيها الحركات يبنى على الفتح وجب أن تنقص الياء رتبة من الفتح في هذه الحال ، وليس بعد الفتح انقص رتبة من السكون ؛ فلذلك ثبتت على السكون ، وبعض العرب يسكنها أيضا في حال الإضافة لتدلّ بإسكانها أنها مما يستحق السكون في حال البناء ومساغ الإضافة ، وهذه الأسماء غير واجب فجاز أن تعطى البناء لجواز الأمرين فيها.

واعلم أن الاسم الثاني إذا كان مما يعلم تنكيره انصرف في حال الإضافة نحو : بعلبك وحضرموت وأما معدي كرب فبعض العرب يصرف كربا وبعضهم لا يصرفه (٢) ، فمن صرف فلأن لفظه لفظ مذكر فحمله على أصل الأسماء من الصرف ، ومنهم من لا يصرف لأنه اعتقد في كرب أنه مؤنث.

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل يقتضيها السياق.

(٢) انظر : ما ينصرف وما لا ينصرف ١٠٢ ـ ١٠٣.

٣٠٢

واعلم أنك إذا سميت رجلا بفعل لا نظير له في الأسماء لم ينصرف نحو : دحرج ، وضرب ، إذا لم تسم فاعله ، فإذا سميته بفعل على لفظ ما سمي فاعله وله نظير في الأسماء انصرف ، وإنما وجب ذلك لأن أصل الأسماء الصرف ، وإنما تثقل الأسماء إذا كانت (١) على وزن يختص بالفعل فتثقل لثقل الفعل ، فإذا كان المثل (٢) مشتركا للاسم والفعل كان حمل الاسم على أصله أولى من نقله عنه إذ لم يغلب عليه ما يوجب الثقل ، وقد حكي عن عيسى بن عمر (٣) أنه لا يصرف رجلا سمي بضرب (٤) ويحتج بقول الشاعر (٥) :

أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا

متى أضع العمامة تعرفوني

فحكى أن الشاعر لم ينون [جلا](٦) وهو على وزن ضرب فدل على أن ضرب لا ينصرف وفي هذا البيت وجهان غير ما ذهب إليه عيسى بن عمر :

أحدهما : أن يكون أراد الشاعر الحكاية لأنك إذا سميت رجلا بضرب جاز أن تحكي حال التثنية والجمع ، وإنما جاز ذلك لأنه قد كان قبل التثنية له حال

__________________

(١) في الأصل : كان.

(٢) أي الوزن.

(٣) هو : مولى خالد بن الوليد المخزومي ، وقيل كان من ثقيف ، كان من قراء أهل البصرة ونحاتها ، أخذ عن ابن إسحاق ، وكان في طبقة أبي عمرو بن العلاء ، توفي سنة ١٤٩ ه‍. انظر : طبقات النحويين للزبيدي ٣٥ ، والإنباه ٢ / ٣٧٤.

(٤) جاء في الكتاب في باب ما ينصرف من الأفعال إذا سميت به رجلا : " زعم يونس أنك إذا سميت رجلا بضارب من قولك ضارب وأنت تأمر فهو مصروف وكذلك إن سميته ضارب وكذلك ضرب وهو قول الخليل وأبي عمرو ... وأما عيسى فكان لا يصرف ذلك وهو خلاف قول العرب ..." ٢ / ٧ (بولاق) ـ ٣ / ٢٠٦ (هارون).

(٥) البيت من الوافر وقد نسب إلى سحيم بن وثيل الرياحي أو اليربوعي في الكتاب ٣ / ٢٠٧ وفي شرح المفصل ، وفي شرح الشواهد للسيوطي ، وفي الكامل ١ / ٢٩١ ـ ٢ / ٤٩٤ ، وفي شرح أبيات سيبويه للنحاس ٣١٠ ، وشرح المفصل استشهد به في مواضع عدة ولأغراض عدة من المواضع ١ / ٦١ ، و ٣ / ٦٢ ، وفي ارتشاف الضرب ١ / ٤٥٨ ، وفي أوضح المسالك ٣ / ١٤٩ ، وفي المغني ٢١٢ ، وفي شرح شواهد المغني للسيوطي ١ / ٤٥٩ ، وفي الهمع ١ / ٩٨ ، وأخيرا في الخزانة ١ / ٢٥٥.

(٦) زيادة ليست في الأصل يقتضيها السياق.

٣٠٣

مستقرة في الاستعمال فصارت في التسمية كالمستعارة فلذلك جاز أن يحكى حاله فكان التقدير : أنا ابن الذي يقال له جلا الأمور وكشفها.

والوجه الثاني : أن تقدر في (جلا) ضميرا ، وإذا قدر فيه ضمير لم تجز فيه إلا الحكاية لأنه جملة ، والتسمية بالجمل لا تجوز فيها إلا الحكاية ، فإن سميت رجلا ب (قيل) و (رد) صرفته ؛ لأنه وإن كان في الأصل وزنه فعل فالكسرة في وسطه قد زالت ، وخرج إلى نظير الأسماء نحو : ديك ، وبر ، والاعتبار في منع الصرف ثقل الفعل فلما زال اللفظ الذي يختص باللفظ زال حكم الفعل ، والدليل على ذلك أنك لو سميت رجلا مساجد لم تصرف لثقل اللفظ فلو صغرته انصرف لأنه يصير إلى لفظ مسجد / فيزول عنه الثقل الذي أوجب منع الصرف ، وهو الشبه بالجمع وليس كذلك ثقل التأنيث ، لأنه لا يعتبر في التأنيث ثقل لفظ المعنى فلذلك افترق حكم التأنيث وحكم الشبه بالفعل إذ كان الفعل ليس له إلا حكم واحد وهو ثقل اللفظ.

واعلم أن تقدير المعدول من باب (فعل) أن يكون المعدول عنه معرفة نحو : عمر من عامر ، وزفر من زافر ، عدل إلى هذا اللفظ للتخفيف فبقي حكم التعريف الذي كان في الأصل (١) ولذلك لم ينصرف.

باب أسماء الأرضين

اعلم أن الأصل في أسماء البلدان التأنيث لغلبته عليها في كلامهم وإنما يذكّر بعضها وقد ذكرنا ما يذكرونها ، وإنما ساغ فيها هذا لأن تأنيثها ليس بحقيقي وإنما تؤنث إذا ذهب بها مذهب البقعة والبلدة ، فلما كانت البلدان كلها يسوغ فيها هذان التقديران جاز أن يذكر ويؤنث.

واعلم أن ما غلب في كلامهم تذكيره يجوز تأنيثه على ما ذكرنا [و](٢) إذا

__________________

(١) في الأصل : أصل.

(٢) زيادة ليست في الأصل.

٣٠٤

قدرنا مؤنثا لم ينصرف ، وكذلك ما غلب عليه في كلامهم التأنيث جاز أن يذكر على أنه يراد بذلك الاسم المكان والبلد فيصرف وإنما ساغ تذكير ما ذكرنا منها لأنها كثيرة في كلامهم إذ كانت أماكن (١) قريبة من العرب نحو : حراء وقباء (٢) وما أشبه ذلك ، فأما واسط (٣) فإنما غلب عليه التذكير لهذا المعنى.

فإن قال قائل : لم صار الغالب على البلدان التأنيث؟

قيل له : قد لحقها نقص من جهة المعنى وذلك أن الأرض بأسرها تسمى أرضا ومكانا وليس كذلك حكم الجمل ألا ترى أن بعض الأسماء لا تسمى (٤) باسم جملة فلما نقصت الأماكن عن حكم الأسماء صارت مضارعة للتأنيث إذ كان التأنيث أنقص حكما من حكم التذكير.

ووجه آخر : أن البلد لما كان اسما لأماكن كثيرة فشابه الجمع إذ كان مشتملا أشخاصا (٥) كثيرة ، فمن حيث أنث الجمع أنث أسماء البلدان.

ووجه ثالث : أن البلد لما خص بنية مخصوصة تخالف بها غيره من البلدان جرى مجرى الدار إذ كانت الدار والبلد إنما يحتاج إليها للإقامة فيهما والسكنى ،

__________________

(١) في الأصل : أمكان.

(٢) حراء : جبل بمكة ، فيه غار تحنث فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، القاموس (حرى).

وقباء بالضم موضع قرب المدينة وموضع بين مكة والبصرة ، القاموس (قبو).

وللتفصيل انظر معجم البلدان ٢ / ٢٣٣ ـ ٤ / ٣٠١.

واسط : في عدة مواضع : أولها واسط الحجاج لأنه أعظمها وأشهرها ... فأما تسميتها فلأنها متوسطة بين البصرة والكوفة ...

قال ياقوت : وأخبرني أبو الندى ، قال إن للعرب سبعة أواسط : واسط نجد ، وواسط الحجاز ، وواسط الجزيرة ، وواسط اليمامة ، وواسط العراق ، قال : وقد نسيت اثنتين.

انظر معجم البلدان ٥ / ٣٤٧ ـ ٣٥٣.

(٣) في الأصل : تسم.

(٤) في الأصل : أشخاص.

٣٠٥

فمن حيث كان الغالب على الدار التأنيث وجب أيضا أن يغلب على البلدان التأنيث والله أعلم.

باب ما كان من أسماء النساء معدولا

اعلم أن ما كان على (فعال) تريد به الأمر فإنما استحق البناء لأنه قام مقام فعل الأمر كقولهم : تراك زيدا ، تريد : اترك زيدا ، وكذلك مناع زيدا ، أي امنع زيدا (١) ، فلما قام مقام فعل وجب أن يبنى على السكون ، فالتقى في آخره ساكنان فكسر الآخر لالتقاء الساكنين على أصل ما يجب فيهما إذا التقيا.

واعلم أن سيبويه يجيز القياس على ما سمع من كلام العرب في هذا الباب ، فيجيز ضراب (٢) زيدا ، أي اضرب زيدا ، وإنما جاز القياس على دراك وبابه لكثرة العدل في باب الأفعال الثلاثية ، فلما كثر واطرد أجاز القياس عليه ، وأما ما كان معدولا من الفعل الرباعي فالقياس لا يجوز عليه ؛ لأنه لم يسمع إلا في حرفين أحدهما عرعار (٣) وهي / لعبة يلعبون بها وقرقار من السحاب المقرقر بالرعد كما قال الشاعر (٤) :

قالت له ريح الصّبا قرقار

فاختلط المعروف بالإنكار

__________________

(١) في الأصل : زيد.

(٢) في الأصل : ضارب.

(٣) قال سيبويه : " اعلم أن فعال جائزة من كل ما كان على بناء فعل أو فعل أو فعل ، ولا يجوز من أفعلت لأنا لم نسمعه من بنات الأربعة إلا أن تسمع شيئا فتحيزه فيما سمعت ولا تجاوزه فمن ذلك قرقار وعرعار ..." ٢ / ٤١ (بولاق).

(٤) البيتان منسوبان إلى أبي النجم العجلي في اللسان (قرر) ٦ / ٣٩٩ ، وفي الخزانة ٦ / ٣٠٧ ، وقد أورد البغدادي بيتا آخر مكان البيت الثاني ، والشاهد مذكور أيضا في الكتاب ٣ / ٢٧٦ ، والمساعد ٢ / ٦٤٩ ، وفي شرح المفصل ٤ / ٥١ ، وفي ارتشاف الضرب ٣ / ١٩٨.

أما معنى البيت فكما جاء في شرح المفصل : " أي قالت : قرقر بالرعد كأنها أمرت السحاب بذلك ، أي ألقحته وهيجت رعده ، وهو مأخوذ من قرقر البعير إذا صفا صوته ورجع ، وبعير قرقار الهدير إذا كان صافي الصوت في هديره ..." وجاء في الحاشية من الصفحة نفسها نسبة للأعلم : " وصف سحابا هبت له ريح الصّبا وألقحته وهيجت رعده ، فكأنها قالت له : قرقر بالرعد ، أي صوت ، والقرقرة : صوت الفحل من الإبل ..." ٤ / ٥٢.

٣٠٦

فلما لم يكثر لم يجز القياس عليه وأما ما ذكرنا عن الصفة الغالبة وما كان في معنى المصدر وما كان اسما غالبا فعلّة بنائه حمله على فعل الأمر ، وإنما حملت لأنها مشاركة له في اللفظ والمعنى ، وأما من جهة اللفظ فلاشتراكهما في العدل وأنهما مؤنثان. فلما شاركت هذه الأشياء الثلاثة فعال التي للأمر من جميع وجوهها حملت عليها ، والدليل أن فعال التي للأمر [للمؤنث](١) قول الشاعر (٢) :

ولأنت (٣) أشجع من أسامة إذ

دعيت نزال ولجّ في الذّعر

فقال دعيت ، وإنما ساغ التأنيث ها هنا لأنهم يريدون النزلة ، والمصادر قد تكون مؤنثة فلذلك ساغ التأنيث في (فعال) كأنه مصدر مؤنث أقيم مقام الفعل ، وأما بنو تميم فيخالفون فيما كان من فعال اسما غالبا فيجرونه مجرى ما لا ينصرف (٤) ، وإنما وافقوا أهل الحجاز في الصفة والمصدر ، لأن الصفة مضارعة للفعل ، والمصدر مشتق منه الفعل فيعمل عمله ، فصار بهذا أيضا مضارعا للفعل ، وكأنهم لما بنوا فعال التي قامت مقام فعل بنوا أيضا فعال التي يراد بها الصفة والمصدر لمضارعتها الفعل ، وأما فعال المعدولة عن اسم علم فليس بمضارع للفعل ، وقد كان قبل العدل لا ينصرف لأنه معرفة مؤنث ، والعدل لا يخرجه عن حكمه

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) البيت من الكامل وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ٢٨ ، وفي الكتاب ٣ / ٢٧١ ، وفي الكامل ٢ / ٥٨٨ ، وفي المقتضب ٣ / ٣٧٠ ، وشرح أبيات إصلاح المنطق ٥٣٩ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٣١ ، وفي أمالي ابن الشجري ٢ / ٣٥٤ ، وفي الإنصاف ٢ / ٥٣٥ ، وفي شرح المفصل ٤ / ٢٦ ، وفي اللسان (نزل) ١٤ / ١٨١ ، وفي الهمع ٥ / ١١٩ ، وفي الخزانة ٦ / ٣١٦.

ولصدر البيت رواية أخرى وهي رواية الديوان : ولنعم حشو الدّرع أنت إذا ...

(٣) في الأصل : ولا أنت.

(٤) قال سيبويه : " واعلم أن جميع ما ذكرنا إذا سميت به امرأة فإن بني تميم ترفعه وتنصبه وتجريه مجرى اسم لا ينصرف ، وهو القياس ، لأن هذا لم يكن اسما علما ، فهو عندهم بمنزلة الفعل الذي يكون فعال محدودا عنه ...". الكتاب ٣ / ٢٧٧ (هارون).

٣٠٧

من مع الصرف ، لأن كثرة العلل الموجبة لمنع الصرف لا تخرج الاسم عن هذا الحكم ، فلذلك أجروه مجرى ما لا ينصرف.

وقد احتج أبو العباس لأهل الحجاز بأن قال : إن هذه الأسماء قبل العدل كانت لا تنصرف والعدل يزيدها نقصا وليس بعد النقص لما لا ينصرف إلا البناء فلذلك بنيت (١) ، وقد بينا أن هذه العلّة ليست بشيء ، والدليل على ذلك أن كثرة العلل الموجبة لمنع الصرف لا توجب للأسماء البناء ، ألا ترى أنك لو سميت رجلا بحبلى ، لم ينصرف وألف التأنيث وحدها (تمنع من الصرف) في حال التنكير فانضمام علّة التعريف إليها لم تخرج الاسم إلى البناء ، فكذلك العدل أيضا لا يوجب البناء (٢) وإنما استحقت البناء لما ذكرناه من الشبه بفعال التي للأمر.

واعلم أن بني تميم يوافقون أهل الحجاز فيما كان آخره راء نحو قولهم : للكوكب (٣) حضار ، وسفار (٤) لماء معروف ، وإنما اختار بعض بني تميم الكسر لأن الإمالة فاشية في لغة تميم ليوافقوا لغتهم ويسهل اللفظ عليهم به ، ويكونوا قد ذهبوا في علّة البناء إلى ما ذهب إليه أهل الحجاز ، وبعض بني تميم [يعاملون](٥) ما آخره راء بمنزلة ما ليس في آخره راء ويصير على قياسه.

__________________

(١) قال الزجاج : " وكأن لأبي العباس مذهب في هذا :

كان يزعم أنك لو سميت امرأة ب (حاذمة) كنت لا تصرفها ، فلما عدلت (حذام) عن (حاذمة) بنيته ، لا مرتبة في خط الإعراب بعد ترك الصرف إلا البناء ...".

ما ينصرف وما لا ينصرف ٧٦.

(٢) في الأصل كررت الجملة كلها.

(٣) في الأصل : للوكوكب.

(٤) قال سيبويه : " فأما ما كان آخره راء فإن أهل الحجاز وبني تميم فيه متفقون ، ويختار بنو تميم فيه لغة أهل الحجاز كما اتفقوا في يرى ..." الكتاب ٣ / ٢٧٨ (هارون).

(٥) زيادة ليست في الأصل.

٣٠٨

باب التصغير

اعلم أنه وجب ضم أول المصغر لوجهين :

أحدهما : أن أصغر الحركات الضم لأنها تخرج من بين الشفتين وتضم عليه الشفتان ، وليس الفتح كذلك ولا الكسر ؛ لأن الفتح يخرج من الحلق ، وما خرج من الحلق لا يوجب انضمام / الشفتين والكسر يخرج من وسط اللسان ولا يوجب ذلك انضمام الشتفتين فجعلوا الحركة الصغرى أولى بالمصغّر ليشاكل معناه ، وفتحوا ثانيه لأن الفتح متسع المخرج وفيه بيان الضم.

والوجه الثاني : أن المصغّر قد صار متضمنا للمكبر فشابه فعل ما لم يسم فاعله فوجب ضم أول المصغر ، وممكن أن يعتل بعلّة أخرى وهو أن يقال إن المصغر لما كان له بناء واحد جمع له جميع الحركات التي تختلف في الأبنية للزومه طريقة واحدة.

فإن قال قائل : فلم وجب أن يلزم التصغير وجها واحدا ولم تختلف أبنيته اختلاف الجمع؟

فالجواب في ذلك أن الجمع يكون قليلا وكثيرا وليس له غاية ينتهي إليها (١) ، وقد خص بأسماء تدل على القلة والكثرة كالآحاد والعشرات والمئين والألوف وما زاد على ذلك أيضا من تضاعيفها ، والتصغير إنما الغرض فيه الإخبار عن تحقير ، وذلك أن التصغير اسم أقيم مقام الوصف فاختص هذا الوصف بالتحقير وجعل تغييرها زيادة بدلا من قولهم حقير وكان هذا معنى واحدا وجب أن يلزم لفظا واحدا فلهذا خالف حكم الجمع.

فإن قال قائل : التصغير تقليل (٢) للشيء فكيف صار لفظه بزيادة حرف عليه؟

__________________

(١) في الأصل : إليه.

(٢) في الأصل : ثقيل ، وقد وضعت ما يناسب المعنى.

٣٠٩

قيل له : إن الزيادة قد تكون نقصا إذا كان الشيء غير محتاج إليها ، وقد بينا أن الحروف المزيدة على الاسم تقوم مقام الوصف ، فصارت زيادته على بناء الاسم المكبر نقصا فيه ، إذ قامت مقام ما يوجب نقصه.

واعلم أن ما كان على أكثر من أربعة أحرف لا بد من حذف حرف منه ، إلا أن يكون على خمسة أحرف ورابعه حرف لين واو أو ياء أو ألف زوائد ، فإن كان على ذلك لم يحذف منه شيء ، وإنما وجب الحذف مما ذكرناه لطول الاسم وبحمله على الجمع ، وذلك أن الجمع مستثقل فحذف من الجمع لأن التصغير مضارع للجمع ؛ لأنه فرع على الواحد ولذلك حذف الاسم إذا طال ، وإنما لم يحذف منه إذا كان على خمسة أحرف ورابعه ما ذكرناه من الحروف ؛ لأن كل محذوف منه حرف أو حرفان يجوز أن يعوض قبل آخره منه حرف لين وهي ياء ساكنة وهو زيادة في الكلمة [ف](١) كان ما هو ثابت فيها أولى بالثبات ، وإنما جاز العوض بما ذكرناه ؛ لأن ما بعد ياء التصغير مكسور فكأنهم استغنوا بالكسرة وإشباع الكسرة يوجب ياء فلما كان ذلك سهلا عليهم زادوا الياء لما ذكرناه.

واعلم أن الاسم إذا كان على خمسة أحرف أصول حذفت آخر حرف منه ، وإنما كان بالحذف أولى ؛ لأن التصغير إليه انتهى ، وهو الذي أوجب طول الكلمة ومع ذلك فلأن آخر الكلمة يلحقها تغيير الإعراب فلذلك وجب أن يكون أولى بالحذف مما كان قبله في الكلمة ، فإذا كان على الكلمة التي على خمسة أحرف حرف واحد زائد حذفته أين كان كقولك في تصغير مدحرج ، دحيرج ، وفي حجفل : حجيفل ، وإن شئت عوضت من كل ما تحذف منه ياء قبل آخره ، وكانت الياء أولى بالعوض لأنها أمكن حروف المد إذ كانت تخرج من وسط اللسان ، والواو من الشفة ، والألف من أقصى الحلق ، والمتوسط أقوى من

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

٣١٠

المتطرف ، ومع ذلك فقد بينا أن ما بعد ياء التصغير / يجب أن ينكسر والياء من جنس الكسرة فتبعتها ، وإنما كان حذف الزائد أولى ، لأن الأصل هو الذي بنيت عليه الكلمة ، والزائد دخيل ، فلما وجب حذف حرف من هذه الجملة كان ما كان يزيد على الشيء أولى بالحذف من حذف ما كان من الأصل لاعتماد الكلمة عليه ، وإن كان الاسم الذي على خمسة أحرف فيه زائدتان متساويتان أعني في اللحاق ، فأنت مخير في حذف إحداهما ، وإنما كنت بالخيار لتساويهما ، فلابد من حذف إحداهما فلذلك لم يجب الحذف لإحداهما بعينه دون الآخر ، وأما ما كان زيادتاه مختلفتين ك (قلنسوة) وذلك أن النون والواو فيها زائدتان لغير الإلحاق لأنه لا نظير له في الأصول أعني لوزن قلنسوة فلذلك لم تكن زيادتهما للإلحاق فإذا صغرته فحذفت النون قلت : قليسية ، قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، وإنما انقلبت الواو وهي متحركة والقلب إنما يجب في الواو إذا سكنت وانكسر ما قبلها لأن هاء التأنيث في التقدير منفصلة مما قبلها فجعلت الواو طرفا مفردة لتقدير الانفصال ، وإذا كانت طرفا مفردة كانت ساكنة في الوقف فلذلك قلبت ياء بتقدير السكون فيها في الأصل ، ويدلك على الانفصال حكم الهاء من الاسم أنك لو صغرت قرعبلانة (١) لقلت : قريعبة ، فحذفت اللام والألف والنون وردت هاء التأنيث على المصغر فبان بما ذكرنا أن التصغير في التقدير يقع في الاسم بغير هاء ثم تلحقه الهاء فلذلك انقلبت الواو في قلنسوة ، فإن عوضت من النون ياء جئت بها قبل الياء المنقلبة من الواو فأدغمتها فيها فقلت قليسية.

فإن قيل في قلب الواو ياء أنه لا يجب قلبها إذا عوضت لأن ياء العوض ساكنة والواو بعدها متحركة فقد سبقتها الياء بالسكون ومتى اجتمعت الواو والياء والأول منهما ساكن قلبت الواو ياء إذا كان الأول واوا (٢) وأدغمت الأول في

__________________

(١) القرعبلانة : دويّبة عريضة محبنطئة بطيئة ، وأصله : قرعبل ... وتصغيره : قريعبة. القاموس (قرعل).

(٢) في الأصل : واو.

٣١١

الثاني فلما كان قلب الواو ياء واجبا في حال العوض ، وكان العوض في كلامهم أكثر ألزموا الواو القلب فانقلبت إذ لم يعوضوا لئلا يختلف طرفاهما في التصغير ، وإن حذفت الواو قلت : قليسنة ، وإذا كانت الزائدتان للإلحاق نحو : حبنطى (١) لأنه ملحق بسفرجل والدليل على زيادة الألف والنون أنه مأخوذ من حبط بطنه إذا انتفخ فإذا صغرته قلت : حبيطى ، فحذفت النون وقلبت الألف لانكسار ما قبلها ، وإن حذفت الألف قلت : حبينط.

فأما مقعنسس (٢) فالاختيار عند سيبويه حذف أحد السينين مع النون فيصير مقيعس (٣) وأما أبو العباس المبرد فيختار حذف الميم والنون فيصير تصغيره قعيسس ، وإنما اختار أبو العباس بقاء السين للإلحاق والميم والنون زوائد لغير الإلحاق ، والملحق بمنزلة الأصلي ، فلما كان بقاء الأصلي أولى من الزائد اختار بقاء السين (٤) ، وأما حجة سيبويه فإن السين وإن كانت للإلحاق فهي زائدة ، والميم وإن كانت زائدة لغير الإلحاق فلها معنى ، وهو لزومها لأسماء الفاعلين والمفعولين فصار المعنى مقاوما للإلحاق ثم حصل للميم قوة من وجهين / :

أحدهما : أنها في أول الكلمة والسين في آخرها ؛ والأواخر بالحذف أولى من الأوائل.

والثاني : أن التكرار يثقل عليهم فكان حذف السين أولى لاجتماع التكرير فيها وأنها طرف.

__________________

(١) الحبنطى : الممتلئ غيظا وبطنة. القاموس (حبط).

(٢) المقعنسس : الشديد ، تصغيره مقيعس ، أو مقيعيس ، أو قعيس. القاموس (قعس).

(٣) قال سيبويه : " وإذا حقرت مقعنسس حذفت النون وإحدى السينين ، لأنك كنت فاعلا ذلك لو كسّرته للجمع. فإن شئت قلت : مقيعس ، وإن شئت قلت : مقيعيس ..." الكتاب ٣ / ٤٢٩ (هارون).

(٤) قال المبرد : " لو كان سيبويه يقول في تصغير (مقعنسس) : مقيعس ، ومقيعيس ، وليس القياس عندي ما قال. لأن السين في مقعنسس ملحقة ، والملحق كالأصلي. والميم غير ملحقة ، فالقياس : قعيس ، وقعيسيس ، حتى يكون مثل : حريجم ، وحريجيم". المقتضب ٢ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

٣١٢

وأما منطلق فالميم والنون فيه زائدتان لغير الإلحاق إلا أن الميم تدخل لما ذكرناه ، والنون قريبة من الطرف فكان حذف النون أولى فنقول في التصغير : مطيلق ، وإن عوضت قلت : مطيليق.

واعلم أن ما كان من أسماء المؤنث على ثلاثة أحرف وليست فيه علامة التأنيث (١) فإنك ترد إليه علامة التأنيث في التصغير كقولك في هند : هنيدة ، وفي قدر : قديرة (٢) إلا ستة أحرف فإن العرب تجيز حذف الهاء منها ، وإنما وجب ردّ هاء التأنيث في التصغير ؛ لأن الاسم المؤنث حقه أن يكون لفظه زائدا على لفظ المذكر بعلامة ينفصل بها والتصغير يرد الأشياء إلى أصولها فكرهوا ألا يردوا هاء التأنيث في التصغير ، فيكون الاسم قد خلا من علامة التأنيث في كل وجه مع خفة اللفظ فوجب أن يكون التصغير رادا لهاء التأنيث ، وأما إذا كان الاسم زائدا على ثلاثة أحرف لم تلحق علامة التانيث كقولك في تصغير عقرب عقيرب ، وإنما لم يلحقوه علامة التانيث ؛ لأنه زاد حرفا على الثلاثي وليس يحتاج في بنائه إلى أكثر من ثلاثة أحرف.

فأما ما حصل من الأسماء على أكثر من ثلاثة أحرف فإن المراد به تكثير الأبنية لأن الحاجة تدعو (٣) إلى هذا البناء ، وإذا كان الأمر كذلك صار الحرف الزائد على الثلاثي عوضا من هاء التأنيث.

فأما الأسماء المؤنثة الثلاثية التي ذكرنا أن العرب تجيز حذف الهاء منها فهي : حرب ، ودرع الحديد ، وقوس ، وفرس ، والناب من الإبل ، وعرس (٤) ، وإنما ساغ حذف الهاء من هذه الأسماء ؛ لأن حربا كأنها مصدر حاربته (٥) حربا ، والمصدر

__________________

(١) في الأصل : التثنية.

(٢) انظر المقتضب ٢ / ٢٤٠ ، هذا باب ما كان من المؤنث على ثلاثة أحرف.

(٣) في الأصل : تدعوا.

(٤) ذكر المبرد ثلاثة منها فقط وهي : الناب ، والحرب ، والفرس ، انظر المقتضب ٢ / ٢٤٠.

(٥) في الأصل : حربته.

٣١٣

مذكر وتسميته بالمصدر لم يخرج المصدر عن معناه ، فلذلك جاز أن يبقى حكم المصدر فيه وإن كان اسما لمؤنث ، ومن أدخل الهاء فإن الحرب مؤنثة في المعنى فصارت كامرأة سميتها بزيد فيجب أن تقول : زييدة في تصغيرها ، وأما درع الحديد فلأنها تجري مجرى الدرع الذي هو القميص وهو مذكر فلما حصلت هذه الدرع في معنى المذكر أجازوا ألا تلحقها علامة التأنيث.

وأما الفرس فإنه يقع على الذكر والأنثى والمذكر سابق التأنيث فيبقى حكم تصغيره على لفظ المذكر وإن عني به المؤنث على ما ذكرناه في الحرب.

وأما القوس فيجوز أن يكون ذهب به إلى مذهب العود وهي مع ذلك على لفظ المصدر.

وأما الناب في الإبل فجاز حذف الهاء منها في التصغير لأنه مذكر في الأصل ، وإنما سميت المسنّة من الإبل نابا لسقوط نابها عند كبرها ، فصار حكم الناب ـ الذي هو السن ـ باقيا فلذلك جاز أن يصغر على أصله.

وأما العرس فجاز تذكيره لأنه في المعنى التعريس وهو اجتماع القوم إذا نزلوا من سفر ليصلحوا أمورهم فصار العرس بمنزلته ، فلذلك جاز أن يحذف منه علامة التأنيث.

فصل (١)

وأما ما كان من الأسماء ثانيه ألفا فإن كل مصغر لا بد من تحريك ثانيه بالفتح ، فإذا وجب تحريك الثاني وجب هنا تحريك الألف فلا بد من قلبها / إلى حرف سواها لأن الألف لا تكون إلا ساكنة فإذا وجب قلبها فأصلها أولى بها من حرف قريب منها.

__________________

(١) في التصغير أيضا.

٣١٤

فأما المجهولة نحو ألف ضارب وما أشبه ذلك ، فإنما وجب قلبها واوا ؛ لأن أول المصغر مضموم فجعل قلبها إلى أقرب الحركات منها ، والضمة من الواو فوجب أن تنقلب واوا.

وأما إذا كانت الألف والواو ثالثتين فإنما وجب قلبها ياء في التصغير ؛ لأن من شرط ياء التصغير أن ينكسر ما بعدها. وإذا كانت الألف والواو ثالثتين فياء التصغير تقع بعدهما فتلحق الكسرة للألف والواو ، فلما وجب قلب الألف ياء كان قلبها إلى الياء أولى لخفتها ولمجانسة حركتها.

وأما إذا كان الثالث واوا فلا بد من كسرها فتلتقي الواو والياء ، وقد سبقت الواو الياء بالسكون وما التقت الواو وياء الأول منهما ساكن فلا بد من قلب الواو ياء وإدغام الأول في الثاني ، وإنما وجب قلب الواو إلى الياء لأن الياء أقوى من الواو ؛ لأنها من وسط اللسان ، والواو من الشفة والوسط أقوى من الطرف ، فلما كانت أقوى منها وأخف وجب أن تكون الغلبة لها ، فلذلك وجب أن تقول في عجوز : عجيز فإن كانت الواو أصلية أو ملحقة جاز فيها وجهان : القلب ، والإقرار لها على صورتها ، فالأصلية نحو : أسود تقول في تصغيره : أسيد ، للعلّة التي ذكرناها ، ويجوز أن تقول : أسيود ، وإنما وجب هذا الوجه لأنها تظهر في الجمع إذا قلت : أساود ، والتصغير والجمع من واد واحد لما ذكرنا من تشابههما ، فلما وجب إظهار الواو في الجمع وكانت ألف الجمع بمنزلة ياء التصغير أجازوا أيضا إظهار الواو بعد ياء التصغير حملا على الجمع ، وأما واو عجوز فتنقلب في الجمع كقولك : عجائز ، فلذلك لم يجز إظهارها في التصغير ، وأما الملحقة فنحو الواو من الجدول لأنه ملحق بجعفر فالأجود أن تقول جديل على الأصل ، ويجوز الإظهار كما جاز في الأصل ، وأما إن كانت الواو لام الفعل فليس فيها إلا القلب كقولك في قشوة (١) قشية ، ولا يجوز : قشيوة ، وإنما لم يجز ذلك لأن القلب قد بينا

__________________

(١) القشوة : قفّة من خوص لعطر المرأة وقطنها ، ج : قشوات وقشاء. القاموس (قشو).

٣١٥

أنه المختار في الواو إذ كانت عينا وهو أقوى منها إذ كانت لاما ، فإذا كان القلب مختارا في الأقوى لزم الأضعف.

واعلم أن ما كانت فيه هاء التأنيث فإنك إذا صغّرته رددتها فيه بعد طرحك زائدة أو زائدتين أو زوائد (١) ، إن كانت فيه أو حذفت بعض الكلمة لتصيرها بها إلى بناء التصغير كقولك في قرعبلانه : قريعبة ، وإنما وجب رد هاء التأنيث لأنها بمنزلة اسم ضم إلى اسم فليس يجب أن يعتد بها ، فلذلك وجب أن تلحق في الاسم بعد التصغير ، وأما ألف التأنيث فلا يجوز فيها ذلك لأنها تجري مجرى الحروف الأصلية ، والدليل على ذلك أنه يعتد بها في الجمع كقولك في جمع : حبلى : حبالى ، فلما اعتد بها في الجمع [حذفت إذا طال الاسم في التصغير ، وهاء التأنيث لا تزاد في الجمع ؛ لأنه إذا جمعت الاسم](٢) جمع تكسير نقضت بناءه واستأنفت له بناء آخر ، وما كان متضمنا إلى الواحد من غير حروف فلا يجب أن يتبع الجمع إذ حكم الواحد المتبوع قد بطل ، فأما ألف (٣) التأنيث / فلما كانت مما يبنى عليه الاسم وجرت مجرى حروفه الأصلية وجب أن يعتد بها في الجمع ، فإذا ثبت أن ألف التأنيث كالأصل وكنا نحذف الأصل في التصغير إذ زادت حروفه على أربعة أحرف وجب أن تحذف ألف التأنيث إذا كانت خامسة ، فإذا كان معها حرف زائد كنت بالخيار إن شئت حذفتها وبقّيت الزائد وإن شئت حذفت الزائد وبقّيتها كقولك في تصغير حبارى (٤) إن حذفت ألف التأنيث : حبيّر ، وذلك أن الألف الأولى تنقلب ياء وتدغم فيها ياء التصغير لما ذكرنا قبل ، وإن كان أبو عمرو بن العلاء (٥) يقول حبيّرة ، فيجعل هاء التأنيث عوضا من ألف

__________________

(١) في الأصل : زوائد.

(٢) في الأصل كتبت على الهامش.

(٣) في الأصل : فأما ما ألف التأنيث.

(٤) الحبارى : طائر للذكر والأنثى ، والواحد والجمع ، وألفه للتأنيث ... ج : حباريات. القاموس (حبر).

(٥) في الأصل : العلي. وأبو عمرو بن العلاء هو : زبان بن العلاء البصري من أئمة اللغة والأدب ، وأحد القراء ـ

٣١٦

التأنيث (١) ، لأن الاسم قد كان مؤنثا بالألف فلما حذفتها وكان يجوز أن تعوض منها ياء قبل آخر الاسم جعل العوض هاء التانيث ليكون فيها دلالة على التأنيث ، وكان غيره لا يختار ذلك ؛ لأن ألف التأنيث لما ثبت أنها كالأصل وجب أن تحذف ، ولا تحتاج إلى علامة ثانية إذ كان ليس كل اسم مؤنث بعلامة ، فلذلك لم يجز العوض ، فإن كانت ألف التانيث رابعة تركتها على حالها ولم تكسر ما قبلها كراهة أن تزول علامة التأنيث وشبهت الألف بهاء التأنيث فكما يجب أن يكون ما قبل هاء التأنيث في التصغير مفتوحا ولا تؤثر فيها ياء التصغير فكذلك يجب أن يكون ما قبل هذه الألف لتحمل على الهاء لاشتراكهما في التأنيث ، وإنما وجب أن يكون ما قبل هاء التأنيث في التصغير مفتوحا لأن علّة فتح ما قبلها في التكبير موجود في التصغير ، وهي بمنزلة اسم ضم إلى اسم ، فكما وجب أن يكون آخر الاسم الأول مفتوحا وجب أن يكون ما قبل هاء التأنيث مفتوحا في كل موضع.

فإن قال قائل : فألف التأنيث تبطل في الجمع إذا قلت : حبالى ، وذلك أن ألف الجمع توجب كسر ما بعدها فإذا انكسر ما بعد ألف الجمع انقلبت ألف التأنيث ياء ثم قلبت ألفا استثقالا لياء قبلها كسرة في الجمع؟

قيل له : إن الذي ذكرت من حكم ألف التأنيث على ما ذكرت في الجمع ، وبين الجمع والتصغير فرق في حكم ألف التأنيث ، وذلك أن المصغّر والتصغير لا يزول حكمه ومعناه ، فلذلك جاز أن تراعى علامته ولا تحذف ، وأما الجمع فيجب إسقاط حكم الواحد ومجيء معنى آخر ، فإذا أسقط حكم الواحد لم يجب

__________________

ـ السبعة ت ١٥٤ ه‍ ، انظر : طبقات الزبيدي ٢٨ ـ ٣٤ ، معرفة القراء الكبار ١ / ١٠٠ ، والأعلام ٣ / ٤١.

(١) قال المبرد : " ... وكان أبو عمرو بن العلاء يقول في تصغيرها : حبيّرة ، فيحذفها ، ويبدل منها هاء التأنيث ، لتكون في الاسم علامة تأنيث ، ويفعل ذلك بكل ما فيه ألف التأنيث خامسة فصاعدا. ويقول : لم يجز إثباتها لأنها ساكنة ، فإذا حذفتها لم أخل الاسم من علامة تأنيث ثابتة." المقتضب ٢ / ٢٦٢.

٣١٧

أن تراعى علامته ، فلذلك وجب أن تقلب ألف التأنيث في الجمع ياء ولم يجب ذلك في التصغير لما ذكرنا.

فأما إن كانت الألف في آخر الاسم لغير التأنيث قلبتها ياء وأجريت حكم ما بعدها ياء بالتصغير على أصله بإيجاب الكسر ؛ لأن الألف إذا لم تكن علامة فليس يجب أن يراعى لفظها بها فلذلك وجب قلبها نحو ألف : معزى وما أشبه ذلك.

فإن صغرت اسما فيه ألف ونون ولم يكن فيه ما تنقلب ألفه في جمع التكسير أقررنا الألف والنون على حالهما كقولك في سكران : سكيران ، وفي عثمان : عثيمان ، وإنما وجب ذلك لأن الألف والنون زائدتان [و](١) قد ضارعتا ألفي التأنيث اللتين تثبتان (٢) في التصغير.

وأما ما انقلبت في الجمع ياء فنحو ألف : سرحان (٣) / وسراحين ، وسلطان وسلاطين ، فإنه تقلب في التصغير ياء لأن العرب لما قلبت الألف في الجمع دل قلبهم لها على أنها ليست مشهبة بألف التانيث ، وقد بينا لك ذلك فالتصغير والجمع يجريان مجرى واحدا فلذلك يجب أن تقول في تصغير سرحان وسلطان : سريحين ، وسليطين ، وتقلبها في التصغير كما قلبتها (٤) في الجمع ووجه ذلك أن يكون سرحان ملحق بسردان (٥) ، وسلطان ملحق بفسطاط فلما صارت الألف للإلحاق وجرت مجرى الأصلي انقلبت فهذه العلّة في انقلابها في الجمع والتصغير والله أعلم.

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) في الأصل : تثبتا.

(٣) السّرحان : بالكسر : الذئب كالسرحال ، والأسد ، وكلب ، ج : سراح وسراح وسراحين ، وذنب السّرحان :الفجر الكاذب. القاموس : (سرح) ٢٨٦.

(٤) مكررة في الأصل.

(٥) أثبت الناسخ في حاشية الصفحة قوله : " هكذا ... في الأصل. والذي في الأصل كلام نظيره كسرداح" والسرداح الناقة الضخمة أو العظيمة كما في القاموس.

٣١٨

وأما ما كان آخره مشددا نحو أصمّ ، ومدقّ (١) ، فإنما جاء وقوع الحرف المدغم بعد ياء التصغير لأنها لا تكون إلا ساكنة ، فإذا انفتح ما قبلها وقد جرت في بابها مجرى ألف الجمع كما أن الساكن المدغم يقع بعد ألف الجمع فكذلك يجوز أن يقع بعد ياء التصغير ، وإنما ساغ ذلك لأن المدغم ترفع به لسانك رفعة واحدة مكان الساكن كالمختلط المتحرك ، وصار المدغم وما قبله كالحركة ، فلذلك جاز الجمع بينهما وإن كان لا يجوز الجمع بين ساكنين في غير هذا لخروجه عن حكم علته إن شاء الله وقد أتينا على شرح الباب فاعرفه.

باب العدد

اعلم أن القياس كان في الواحد والاثنين من الأعداد أن يضافا فيقال : عندي واحد رجال ، واثني رجال ، كما يقال : ثلاثة رجال ، إلا أنهم أسقطوا الإضافة من الواحد والاثنين لأن الواحد ينبئ عن نوعه وعدده وكذلك الاثنان ، كقولك : جاءني رجل ، ورجلان ، فلما كان لفظ رجل ورجلين ينبئ عن العدد والنوع استغني بلفظ واحد عن لفظين وقد جاء في الشعر (٢) :

كأنّ خصييه من التدلدل

ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل

وكان حقه أن يقول : فيه حنظلتان ، فاضطر إلى ما ذكرنا ، وشبهت الاثنان بالثلاثة لأنهما جمع في المعنى ، ولم يجز ذكر العدد مفردا كقولك : ثلاثة وأربعة لأنه لا يعلم من أي نوع هو أعني العدد فوجب أن يذكر العدد مضافا إلى النوع لتقع الفائدة للمخاطب إذ الغرض ذكرهما جميعا.

__________________

(١) المدق : بضمتين ، نادر : ما يدق به (القاموس دقق).

(٢) اختلف في نسبة هذا الرجز ، فنسب إلى خطام المجاشعي ، وإلى جندل بن المثنى وإلى سلمى الهذلية وغيرهم ، والبيتان في الكتاب ٣ / ٥٦٩ ـ ٦٢٤ ، وفي المقتضب ٢ / ١٥٦ ، شرح أبيات إصلاح المنطق ٣٤١ ، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي ٢ / ٣٦١ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٢٨ ، وفي المساعد ٢ / ٧١ ، وفي شرح المفصل ٦ / ١٨ ـ ٤ / ١٤٣ ـ ١٤٤ ، وفي شرح الكافية ٣١١ ، وفي الارتشاف ١ / ٣٥٨ ، وفي الهمع ٤ / ٧٤ ، وفي الخزانة ٧ / ٤٠٠.

٣١٩

واعلم أن من الثلاثة إلى العشرة يجب أن يضاف إلى الجمع القليل إلا أن يكون الاسم لا يجمع جمع القلة كقولك : عندي ثلاثة أكلب ، ولا يجوز أن تقول ثلاثة كلاب لأن الكلاب جمع كثرة وأكلب للقلة. ولو قلت : ثلاث (١) شموع ، جاز ذلك لأن الشموع ليس له جمع إلا هذا فصارت الإضافة إليه ضرورة ونوي به القلة ، وإنما وجب إضافته إلى ما ذكرنا لأن الثلاثة إلى العشرة من القلة فأضيف إلى ما جانسها في القلة ، ووجه آخر أنه لما كان يجوز في بعض المواضع حذف المضاف إليه وإقامة المضاف مقامه اختاروا إضافة هذه الأعداد إلى الجمع الأقل ليكون متى ضفت الأعداد قام المضاف إليها مقامه فأدى عن معناها ، ولو أضيف إلى الجمع الكثير لم تكن إقامتها مقامها تدل على / الأعداد لاختلافها في المعنى.

واعلم أن جمع السلامة حقه أن يدخل في باب الجمع القليل وإن كان يجوز أن ينوى به الكثير ، وإنما وجب ذلك فيه لأنه على حد التثنية فلما كان بناؤها وحكم الاسم معه كحكمه معها وجب أن يقاربها في الحكم ومقاربتها لها أن ينوي لها القلة كقولك : عندي ثلاثة زيدين ، وثلاثة طلحات ، إذا عنينا بها رجالا فإن قال قائل : فلم خص كل واحد من هذه الأعداد باسم ولم يجعل اسما واحدا يجمعها؟

قيل له : إنما فعل ذلك ليدل به على مقدار الشيء والبواقي باسم واحد يشتمل على المقادير كلها ، ولو فعل ذلك في جميع الأنواع لم يكن في ذلك دليل على مقدار محصور ففعل ذلك أعني أن العدد بأسماء مختلفة فقالوا : واحد ، واثنان ، وثلاثة ، وأربعة ، ليدلوا بكل لفظ على قدر محصور.

واعلم أن الثلاثة إلى العشرة تدخلها الهاء وإذا أضيفت إلى جمع واحده (٢)

__________________

(١) في الأصل : ثلاثة.

(٢) في الأصل : واحد.

٣٢٠