المختصر من كتاب السياق لتاريخ نيسابور

الإمام الحافظ أبو الحسن الفارسي

المختصر من كتاب السياق لتاريخ نيسابور

المؤلف:

الإمام الحافظ أبو الحسن الفارسي


المحقق: محمّد كاظم المحمودي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: ميراث مكتوب
المطبعة: رويداد
الطبعة: ١
ISBN: 964-8700-02-8
الصفحات: ٥٥٦

ـ ١٨٠٠ (١) ـ

[أبو سعد التميمي الحنيفي]

ومنهم زيد بن محمد بن خيثمة بن محمد بن حاتم بن خيثمة بن الحسن بن عون التميمي الحنيفي أبو سعد ابن عم القاضي أبي الهيثم عتبة بن خيثمة. رجل فقيه معروف.

سمع الحديث عن الجويني وطبقته. وهو من بيت العلم والقضاء والعدالة.

توفي في شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعين وأربع مئة.

ـ ١٨٠١ (٢) ـ

[أبو سعيد النوقاني]

زاهر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي أبو سعيد النوقاني البيع الفامي. شيخ مستور ثقة معتمد.

سمع الحديث عن المخلدي وأبي بكر ابن عبدوس وأبي الحسن القزويني وسمع بالعراق من أبي الحسين ابن بشران وطبقته. وحجّ سنة اثنتي عشرة وسمع في الطريق. وخرّج له أبو الفضل الفلكي الحافظ الفوائد وسمع الأصحاب عنه بنيسابور.

وتوفي في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين واربع مئة.

ـ ١٨٠٢ (٣) ـ

[أبو الحسين الرستمي]

زيد بن هارون بن محمد بن محمد الرستمي الاصبهاني أبو الحسين شاب مجتهد.

قدم نيسابور وكتب الحديث الكثير باصبهان ورحل في طلب الحديث إلى العراق وخراسان.

__________________

(١) منتخب السياق ٧١١.

(٢) منتخب السياق ٧١٢ وفيه أبو سعد. وكان في النسخة : وخرّج له أبو الفضائل الفلكي.

(٣) منتخب السياق ٧١٧ ، وعلي بن القاسم الشاهد لعله المعروف بالنجّاد والمترجم فقط في سير أعلام النبلاء ج ١٧ ص ٣٤٠ قال الذهبي : الشيخ الثقة العالم أبو الحسن علي بن القاسم بن الحسن البصري النجاد مسند البصريين مع أبي عمر الهاشمي ، كان من كبار العدول ... لم أظفر بأخباره ... وكان في سنة ٤١٣ حيا ، وقد عمّر وتفرّد. وربما كان (الشاهد) تصحيفا عن (النجاد) أو لقبا آخر له ، وتقدم في الرقم ٧٤٦ ، ذكره بالنجاد.

٨١

وحدّث عن أبي عمر الهاشمي بالبصرة ، وأبي الحسن ابن الصلت ببغداد ، وعلي بن القاسم الشاهد وطبقتهم. وروى شيئا من مسموعاته في أسفاره.

وذكر الشيخ أبو صالح : أنه كتب عنه بنيسابور وأدركته المنية في بادئ الكهولة باصبهان ، ولم يتفق له كثرة الرواية.

الطبقة الثالثة

ـ ١٨٠٣ (١) ـ

[أبو القاسم الشحامي]

زاهر بن طاهر بن محمد بن محمد بن أحمد أبو القاسم الشحامي المستملي. شيخ مشهور ثقة معتمد ، من بيت العلم والزهد والورع والحديث والبراعة في علم الشروط والأحكام.

جدّه الشيخ أبو بكر من زهّاد عباد الله الصالحين وقد تقدم ذكره ، وأبوه الشيخ أبو عبد الرحمان بارع وقته. وسيأتي ذكره.

وأمّا هو [فقد] تخرج في علم الشروط حتى أنه تبرا (٢) على اقرانه بذلك وبالهدي في أساليبه.

وهو أتقن القوم وأبلغهم كتابة للحجج والوثائق ، عليه اعتماد الصدور والأكابر [٢١ ب] ومجلس القضاء ، زجّى على ذلك برهة من عمره ، لم يعهد له عثرة في أمره.

وقد سمع الحديث الكثير من مشايخ الطبقة الثانية كالكنجروذي والبحرية والبيهقي واكثر عنه من تصانيفه ، وحصل النسخ ، وجمع أبوابا من مسانيد المشايخ ، وأملى قريبا من عشرين سنة في الحظيرة المنسوبة إليهم في الجامع ، وأقام مراسم ذلك قبل الصلاة يوم الجمعة ، وهو الآن على ذلك ، وهو المنفرد بالرواية والحديث على السماع والاجابة إلى الاسماع ، عليه مدار الحديث والمحدثين. وقد

__________________

(١) منتخب السياق ٧٢٧ ، العبر ٤ / ٩١ ، غاية النهاية ١٢٨٢ ، ميزان الاعتدال ٢٨٢١ ، لسان الميزان ١٨٩٢ ، سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٩ / ٥ ، الكامل ١١ / ٧١ ، دول الاسلام ٢ / ٥٣ ، المغني في الضعفاء ١ / ٢٣٦ ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ١١٨ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢١٥ ، الشذرات ٤ / ١٠٢ ، المنتظم ٧٩١٠. وتقدمت ترجمة جدّه وابنه طاهر.

(٢) هذا ظاهر رسم الخط ومقصوده أنه أربى على أقرانه كما عبّر عنه في غير موضع.

٨٢

قرئ عليه الكثير من التصانيف والمتفرقات.

وهو الذي حملني على الشروع في هذا المجموع أوّلا اقتراحا واستدعاء ، وأعانني على [ذلك] بمشيته ثانيا [ظ] وعودا ، وتطلب الأجزاء والمشايخ وبذكري مالا أذكر ومن أغفل عن ذكره ، ولا يألو جهدا في الانتساخ بخطه ، وحث المستفيدين على التحصيل والسماع قبل الفراغ منه ، فأطير أنا بجناحه وأنطق عن لسانه.

وقد استملى على مشايخ عصره جملة إلى أن صلح أولاده للاستملاء ففوّضه إلى الأكبر منهم واشتغل بالاملاء كما تقدّم.

وله الاجازة عن شيخ الاسلام الصابوني وأبي حفص [ابن مسرور] والشيخ أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي والطبقة.

ـ ١٨٠٤ (١) ـ

[فاطمة الصابونية]

ومن النسوة المسماة زهراء [ظ] المعروفة بفاطمة بنت الاستاذ الامام شيخ الاسلام أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمان الصابوني ، الكبرى ، العزيزة المحترمة العفيفة الصالحة العالمة ، درّة صدف الصابونية وقرة أعينهم ، كانت كالأخت لأبيها ، نشأت في خدمته وصحبته وعاشت في رضاه إلى وفاته ووفاتها.

وقد سمعت الحديث قديما من أبي يعلى المهلبي وأقرانه ثم عن أصحاب الأصم وقرئ عليها وتوفيت.

__________________

(١) منتخب السياق ٧٢٨.

وتقدمت ترجمة أبيها وأخيها سعيد وأختها ستيك كما وستأتي أيضا في هذا المختصر ترجمة سعيد وستيك.

٨٣
٨٤

حرف السين

من الطبقات الثلاث

٨٥
٨٦

من اسمه سعيد

الطبقة الأولى

ـ ١٨٠٥ (١) ـ

[أبو عثمان القرشي]

سعيد بن العباس بن محمد بن علي بن محمد بن سعيد بن عبد الله بن أمية أبو عثمان القرشي الهروي. شيخ شريف مشهور ثقة مزكي (٢) هراة [٢٢ أ] وراوية الحديث بها.

كان مولده سنة سبع وأربعين وثلاث مئة.

وقدم نيسابور حاجّا سنة اثنتي عشرة وأربع مئة فعقد له الاملاء في ميدان تلاجرد وحضره المشايخ وسمعوا منه وانتخبوا عليه من أحاديثه.

وعاد إلى هراة وأملى سنين وطعن في السن وتوفي سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة بهراة.

وقد سمعنا الحديث من حافده أبي المكارم [الفضل بن محمد] عنه وعن جماعة من مشايخهم.

حدّث عن أبيه العباس ، وعن الرفاء ، وأبي الفضل ابن خميرويه ، وعن أبي منصور الأزهري ،

__________________

(١) منتخب السياق ٧٢٩ ، تاريخ بغداد ٩ / ١١٣ ، الأنساب ٤٤٦ / ب ، سير أعلام النبلاء ١٧ / ٥٥٢ / ٣٦٨ ، العبر ٣ / ١٧٨.

(٢) ن : مولى.

٨٧

والنضروي ، وأبي حاتم الفقيه ، وأبي الحسن الخزاعي ، وببوشنج من أبي القاسم منصور بن العباس ، وبنيسابور عن أبي سعيد المحاربي (١) وأبي عمرو ابن حمدان ، وببغداد عن أبي القاسم الحريري وأبي سعيد ابن الوضاح (٢) وأبي بكر الأبهري وطبقتهم.

ـ ١٨٠٦ (٣) ـ

[أبو سعد الكرابيسي الشعيبي]

سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر الشعيبي العدل أبو سعد الكرابيسي شيخ معروف من أهل الحديث. سمع هو وأبوه وأولاده واشتهروا به.

وابنه إسماعيل سمع الكثير وجمع وحصل ولم يرو الكثير أدركته المنية قبل أوان الرواية.

وهذا أبو سعد سمع حوالي الخمسين وثلاث مئة ، ورحل في طلبه وأدرك الاسانيد العالية بالعراقين وصنف وجمع الأبواب وأفاد الأولاد وتوفي ...

الطبقة الثانية

ـ ١٨٠٧ (٤) ـ

[أبو عثمان الزعفراني الحيري]

سعيد بن محمد بن محمد بن ابراهيم بن الحسن بن محمد بن علي أبو عثمان المقرئ الزعفراني العدل الحيري. شيخ كبير ثقة صالح كثير السماع ، كثير الحديث والشيوخ ، عالم في القراءات ، مقصود في علم القراءات.

سمع بنيسابور والعراق والحجاز ، حدّث عن أبي عمرو ابن نجيد وأبي عمرو ابن مطر ونحوهما ، وعن أبي الحسين ابن المظفر الحافظ وأبي القاسم ابن البيّع وأبي عبد الله محمد بن زيد الكوفي وأبي بكر ابن المفيد وطبقتهم.

__________________

(١) م : المخلدي ، ولعل الصواب : أبي محمد المخلدي.

(٢) م : المخلدي ، ولعل الصواب : أبي محمد المخلدي.

(٣) منتخب السياق ٧٣٠ ، وتقدمت ترجمة ابنه إسماعيل وحفيده أحمد.

(٤) منتخب السياق ٧٣١ ، لسان الميزان ٣ / ٤٣.

٨٨

وكان من وجوه القراء له مجلس وأصحاب.

قرأت من خط أبي صالح الحافظ : أنه تغير بعض التغير في آخر عمره [أمره (خ ل)] وحكي عن بعض الثقات : أنه خلط في بعض مسموعاته.

توفي في جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وأربع مئة ، ودفن في مدرسته.

وقرأت بخط الشيخ أبي القاسم ابن أبي محمد ابن أبي نصر الكريزي القرشي [الحسكاني] [٢٢ ب] يقول : سمعت أبا عثمان سعيد بن محمد الحيري يقول : سمعت اسماعيل بن محمد الكاتب ببغداد يقول : سمعت أبا بكر ابن دريد يقول : سمّي رجب رجبا لتعظيمه [و] من [ه] قول الكميت (١) :

ومالي إلّا آل أحمد شيعة

ومالي إلّا مشعب الحق مشعب

فمن عندهم أرضى لنفسي جنّة

ومن بعدهم ممن أجل وأرجب

أراد ممن أهاب وأعظم.

ـ ١٨٠٨ (٢) ـ

[أبو عثمان البحيري الملقاباذي]

ومنهم سعيد بن محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن بحير أبو عثمان البحيري العدل الملقاباذي. شيخ جليل كبير ثقة في الحديث ، من بيت التزكية والعدالة.

وقد ذكر الحاكم بيته وأسلافه في التاريخ وشرح أحوالهم ومناقبهم بما فيه مقنع ، وسيأتي ذكر الأخلاف في مواضع من هذا المجموع.

وهذا الشيخ أبو عثمان من وجوه أهل البيت من جملة المتصوّفة ، وله خانكاه وبيت كتب ومسجد بمحلة مولقاباذ كانت معمورة به وهي الآن باقية من آثاره.

وكان قد خرج مع الأمير محمود بن سبكتكين إلى غزو الهند ، وكان جريء القلب شجاعا ، فيه

__________________

(١) وأورد الابيات أبو الفرج الاصبهاني في الأغاني ١٥ / ١٢٤ والمسعودي في مروج الذهب ٢ / ١٩٤ ، والعباسي في المعاهد ٢ / ٢٦ ، والسيوطي في شرح شواهد المغني ص ١٣ وأول هذه القصيدة :

طربت وما شوقا إلى البيض أطرب

ولا لعبا منّي وذو الشيب يلعب

(٢) منتخب السياق ٧٣٢ ، الأنساب : البحيري ، العبر والشذرات (وفيات ٤٥١) ، سير أعلام النبلاء : ١٨ / ١٠٣ / ٤٩ ، الاستدراك ج ١ ، الورقة ٤٩. ولابنيه عبد الجبار وعمر وأخويه بحير وعمرو تراجم في هذا الكتاب.

٨٩

نوع من الرجولية والشجاعة.

سمع الحديث الكثير بخراسان والعراق وخرّج له الفوائد ، وسمع منه أكثر اولاد المشايخ.

حدّث عن والده الشيخ أبي عمرو ، وجدّه الشيخ أبي الحسين وأبي عمرو ابن حمدان ، والحاكم أبي أحمد ، والامام أبي علي زاهر بن أحمد بسرخس ، وسمع بمرو الصحيح من الكشميهني ، وعقد له مجلس الاملاء في الجامع القديم بعد أخيه أبي عبد الرحمان في شهر ربيع الاول سنة ست وأربعين وأربع مئة.

وتوفي يوم الثلاثاء ثالث شهر ربيع الآخر سنة احدى وخمسين وأربع مئة. وقد انقطع رواية الكشميهني لصحيح البخاري. وولدت أنا بعد وفاته بخمسة أيام ليلة الثامن من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وخمسين.

ـ ١٨٠٩ (١) ـ

[أبو سهل النيلي]

ومنهم سعيد بن عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن ابراهيم بن عبد المؤمن بن طيفور بن دوست (٢) أبو سهل النيلي أخو الاستاذ الامام أبي عبد الرحمان رجل جليل أديب نحوي فقيه على مذهب الشافعي ، شاعر ، إمام في الطب مشار إليه متبحر فيه ، فيلسوف.

ذكر أن مولده سنة سبع وخمسين وثلاث مئة. سمع الحديث الكثير [٢٣ أ] وكان ثقة فيه.

حدّث عن أبي سعيد الرازي ، وأبي عمرو ابن حمدان والحاكم أبي أحمد الحافظ وطبقتهم. ولم يحدّث الا باليسير مما سمعه ، لأنه أدركته المنية كهلا ومات فجأة سنة عشرين وأربع مئة.

وكان هو وأخوه أبو عبد الرحمان فريدي عصرهما : أبو عبد الرحمن في علم الاديان ، وأبو سهل في علم الأبدان.

وسمعت بعض الثقات : انه لما كان أبو سهل مجننا في بطن أمه رأى أبوه في المنام أنه وجد مفتاحا رمميا [كذا] فسأل المعبّر عنه فقال إن صحّت رؤياك فانه سيولد لك ابن يتبحر في علم الطب فولد

__________________

(١) منتخب السياق ٧٣٣ ، طبقات السبكي ٤١٣ ، عيون الأنباء ١ / ٢٥٣ ، بغية الوعاة ، يتيمة الدهر ٤ / ٤٣٠ ، معجم الادباء وفي المعجم واليتيمة إسمه بكر. ولأخيه وابنه مسعود ترجمتان في هذا الكتاب.

(٢) م : درست.

٩٠

أبو سهل وصحت رؤياه.

وسمعت ابنه الشيخ مسعود بن سعيد يحكي أنه كان يغير كل سنة بناءه [ظ] في داره إما أن يتخذه بيت صفة او صفة بيتا! أو غير ذلك وينفق فيه كثيرا من ماله في ترتيبه وتزويقه ثم يغيره من غير احتياج إلى عمارة أو خلل يحدث فيه. فقيل له في ذلك فقال : إني رجل ملازم بيتي فما أخرج بخلاف سائر الناس الذين يخرجون بعضهم إلى السوق وبعضهم إلى عمل وخدمة ، وبعضهم إلى دهقنة فلا يقيمون في بيوتهم ليلا ونهارا ، ويتفرحون بالخروج عن مساكنهم ، وأنا لا أخرج من داري فيضيق صدري برؤية داري على هيئة واحدة فأغير كل سنة بعض الأبنية ليكون لي تفرج بالبناء الجديد إلى أن يتهيأ شيء آخر.

وسمعت أنه دعي إلى غزنة [من] حضرة الأمير محمود على رسمه في استحضار الأئمة والعلماء من كل فن فخرج وقضى حق الخدمة ، ورجع فلما وافى باب نيسابور مات فجأة قبل أن يصل إلى بيته على نصف فرسخ ، فادخل البلد ميتا ، وحمل إلى داره.

وأنشدني ابنه الشيخ ابو الفضل مسعود له :

زجّيت عمرا طويلا في التماس اخ

يرعى الوداد إذا ما جله خانا

فكم أتيت وكم آخيت غير أخ

وكم تبدلت بالإخوان خوّانا

فقلت للنفس لما عزّ مطلبها :

بالله لا تألفي ما عشت إنسانا [٢٣ ب]

 ـ ١٨١٠ (١) ـ

[أبو عثمان الكرابيسي]

ومنهم سعيد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبدوس الحاجي أبو عثمان الكرابيسي المقرئ شيخ معروف صالح ، والد أبي القاسم ابن سعيد الذي كان يكتب الحديث ويحضر المجالس.

حدث عن أبي علي بن محمد بن علي الحافظ الاسفرايني السقاء وابن عمه ابي الحسن محمد بن محمد.

__________________

(١) منتخب السياق ٧٣٤ ، وفيه : وابن عمه أحمد بن محمد بن محمد ، ولم نعثر على ترجمة له ، كما لم نتعرف بعد على ترجمة ابنه أبي القاسم ، ولعل المقصود منه أحمد بن محمد بن عبدوس العنزي الطرائفي المتوفى سنة ٣٤٦ ، وعليه فيكون عمّ والده لا ابن عمه وهذا مما يدفع هذا الاحتمال ويضعفه.

٩١

ـ ١٨١١ (١) ـ

[أبو عثمان النصرآباذي]

ومنهم سعيد بن إبراهيم بن محمد بن محمويه أبو عثمان النصرآباذي الواعظ أخو الاستاذ إسماعيل النصرآباذي وكان أصغر منه. شيخ من بيت العلم والزهد والتصوف.

أبوه الشيخ أبو القاسم شيخ وقته وواحد عصره ، وأخوه إسماعيل واعظ زمانه وهذا ينحو نحوهما.

حدّث عن أبي عمرو ابن حمدان ، وأبي العباس البالوي ، والحليمي ، والامام أبي الحسن الوصي الهمذاني وطبقتهم.

وكان مولده بنيسابور وتوفي بهراة سنة ثمان وعشرين وأربع مئة.

ـ ١٨١٢ (٢) ـ

[أبو سهل البستي]

ومنهم سعيد بن محمد بن محمد بن أحمد أبو سهل [البستي] نزيل نيسابور شيخ مستور صائن من أهل العلم.

حدث عن أبي عمرو ابن حمدان [و] المخلدي وطبقتهما.

قال لي [أبو صالح] المؤذن : أجاز لي جميع مسموعاته.

ـ ١٨١٣ (٣) ـ

[أبو نصر الاسماعيلي]

ومنهم سعيد بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن عبد الله أبو نصر شيخ مستور صالح ولد سنة تسع وسبعين وثلاث مئة وسمع الحديث من الجوزقي وأقرانه.

قال الحسكاني : قرأت عليه من المتفق.

__________________

(١) منتخب السياق ٧٣٦ ، وتقدمت ترجمة أخيه إسماعيل ... ولوالده ابراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه ترجمة في تاريخ بغداد وسير أعلام النبلاء وغيرهما.

(٢) منتخب السياق ٧٣٧.

(٣) منتخب السياق ٧٣٩ وفي الكتاب ترجمة أبيه وأخويه مسعود وأحمد.

٩٢

توفي في صفر سنة سبع وعشرين وأربع مئة.

ـ ١٨١٤ (١) ـ

[أبو القاسم البقال الاصبهاني]

ومنهم سعيد بن محمد بن أحمد بن سعيد بن صالح أبو القاسم البقال الاصبهاني كتب الحديث الكثير ، ورحل في طلبه إلى العراق ومكة وخراسان ، ودخل نيسابور وغيرها ، وجمع المسانيد والأصول والتواريخ ، وكان ثقة سريع الكتابة ، صنف لنفسه الأبواب والمشايخ والتراجم.

وحدّث عن أبي إسحاق الاصبهاني التاجر ، وأحمد بن المرزبان الأبهري (٢) ، وأبي عمر ابن مهدي ، وأبي الحسن ابن الصلت ، وأبي عبد الله بن مندة [٢٤ أ] وطبقتهم.

أدركته المنية قبل الكهولة التامّة وتوفي سنة نيف وثلاثين وأربع مئة.

ـ ١٨١٥ (٣) ـ

[أبو المظفر القشيري]

ومنهم سعيد بن منصور بن مسعر بن محمد بن حمدان بن الحسن بن المستنير بن المنذر بن عقبة أبو المظفر القشيري المؤدب الصائغ.

سمع الحديث الكثير من أبي طاهر ابن خزيمة وغيره.

وتوفي في شعبان سنة نيف وخمسين وأربع مئة.

ـ ١٨١٦ (٤) ـ

[أبو عثمان العيّار]

ومنهم سعيد بن أبي سعيد أحمد بن [محمد بن] نعيم بن اشكاب أبو عثمان النيسابوري الصوفي

__________________

(١) تاريخ بغداد ٤٧٢٢ ، منتخب السياق ٧٤١ ، الأنساب : البقال ، توفي سنة أربع وثلاثين.

(٢) له ترجمة في سير أعلام النبلاء باسم أحمد بن محمد بن المرزبان وكما هو في المنتخب ، اما في العبر فقد ورد اسمه مثل ما هاهنا.

(٣) منتخب السياق ٧٤٣.

(٤) منتخب السياق ٧٤٥ ، الاكمال ٦ / ٢٨٧ ، تاريخ دمشق ... ، التقييد و ١٠٧ ، الوافي بالوفيات ٥ / ١٩٧ ، العبر والشذرات ومرآة الجنان (وفيات ٤٥٧) ، لسان الميزان وميزان الاعتدال في موردين : باسم سعيد بن أحمد وسعيد بن أبي سعيد ، سير أعلام النبلاء ١٨ / ٨٦ / ٣٩ ، اللباب : الاشكابي.

٩٣

المعروف بالعيّار. شيخ من شيوخ خراسان ، معروف بالحديث ، صحب جماعة من مشايخ الصوفية ، وطاف في البلاد ، وزار المشاهد ، وسمع صحيح البخاري من أبي علي الشبوي بمرو ، وحدّث به بنيسابور وسمع الطوائف منه.

وسمع من أبي طاهر ابن خزيمة ، والمخلدي ، وأبي بكر ابن هاني ، وأبي الفضل الفامي ، والجوزقي ، والخفاف ، والشريحي (١) وطبقتهم.

وخرج في آخر عمره إلى غزنة ، وروى الحديث في الطريق وبغزنة ، وسمعوا منه في عزّ ونفاق لعزّة الرواية عندهم ، وفاتني السماع عنه لغيبته مع الامكان ولم أظفر بالاجازة.

وتوفي [بغزنة في ربيع الأول](٢) سنة سبع وخمسين وأربع مئة.

ومن الطبقة الثالثة

ـ ١٨١٧ (٣) ـ

[أبو طاهر الميهني]

سعيد بن فضل الله بن أبي الخير الميهني الشيخ أبو طاهر ابن الشيخ أوحد وقته أبي سعيد ابن أبي الخير ، أكبر أولاده الذكور ، شيخ بهيّ المنظر حسن السيرة والسريرة ، متين الحال ، ثابت القدم في الطريقة.

صحب شيخه سنين ورأى قوّة حاله ، وسلطنة أيامه ، ومجاري أموره. ولقي المشايخ الطارئين على مجلسه ، وشاهد المناظرات من نقل قوله والمجالس الخاصة بين يديه.

وسمعت من نقل قوله : انه كان ينبعث في صباه إلى المكتب فكان يتباطا في ذلك ولا يرغب فيه ، فأخبر الشيخ بذلك فدعاه وقال : ان كنت لا ترغب في المكتب فقد أعفيتك عنه فينبغي لك ان تتولى خدمة المتوضأ للصوفية وتنظيف بيت الماء ، فتولى تلك الخدمة.

قدم نيسابور في جمع من أقاربه وأصحابه محفوفا بهم محترما بينهم لقدمه الراسخ [ة] وقوّة حاله وحسن مشاهدته.

__________________

(١) ن : الشيرجي.

(٢) من سير أعلام النبلاء نقلا عن السياق.

(٣) منتخب السياق ٧٥٠ ، ولابنيه طاهر والموفق ترجمتان في الكتاب.

٩٤

سمع الحديث من أبيه ، ومشايخ الطبقة الثانية [٢٤ ب] وسنّه يحتمل السماع من الطبقة الأولى من أصحاب الأصم.

وأعقب الكبار من الأولاد والأحفاد وتوفي يوم الأحد الثاني عشر من شعبان سنة تسع وسبعين وأربع مئة. جاء نعيه في هذا الشهر بعد وفاته بأيام.

ـ ١٨١٨ (١) ـ

[أبو منصور القاري]

ومنهم سعيد بن عبد الملك بن أحمد بن محمد أبو منصور القاري ، شيخ مستور كثير السماع ، كان يطوف على المشايخ من الطبقة الثانية ويحضر مجالس الحديث ويسمع.

حدث عن أبي حسان ، والنصروي ، وابن مسرور ، وأبي الحسين عبد الغافر بن محمد وطبقتهم.

ولد سنة أربع وأربعمئة ، وتوفي ليلة عرفة من ذي الحجة سنة سبع وسبعين وأربع مئة.

ـ ١٨١٩ (٢) ـ

[أبو سعيد السواري]

ومنهم سعيد بن عبد الحميد بن إسحاق أبو سعيد السواري النيسابوري الاستوائي شيخ معروف من أولاد الرؤساء والدهاقين بالنواحي ثم بالبلد ومن الخائضين في الأمور الجليلة ، والمتعصبين في المذهب ، والذابّين عنه.

كان في شبابه يداخل بيت الموفقية ويعاشرهم ليلا ونهارا ، ويسرع في أمورهم ويحضر معهم المحافل والمشاهد ، وكذلك عميد خراسان ، وينخرط في جملة العمّال والمتصرفين. وكان حسن العشرة ، سخيّ النفس ، في تجمّل ومروّة وثروة.

ثم في حال الكهولة خدم نظام الملك في أسفاره ، يطوف معه منادما وخادما إلى أن رسم [ظ] مدّة لأعمال خوزستان ومدة لأعمال فارس ، فأقام بشيراز وبقي سنين يعيش بها عيشا هنيئا في حشمة ومروة ومعاشرة الصوفية منفقا كلّ ما يحصل له من الدخل على المروّة وأسبابها.

__________________

(١) منتخب السياق ٧٥١.

(٢) منتخب السياق ٧٥٢.

٩٥

وصحب الشيخ الوالد طويلا في أسفاره وأقام عنده بشيراز وكان يحكي من إخباراته وعسسه اسمارا ومن عادته إنفاق ما يجده قليلا وكثيرا ، والاستقراض من الناس ما أمكنه لاتخاذ الضيافات والمااد (١) للمشايخ والصوفية. على ذلك زجّى عمره.

وكان نظام الملك يحبّه ويكرمه ويقضي ديونه.

وبقي كذلك إلى أن توفي بها سنة إحدى أو اثنتين [وستين] وأربع مئة.

سمع الحديث بنيسابور من أصحاب الأصم ومن بعدهم من الطبقة الثانية وبالعراق وبالحجاز وبفارس وإصبهان وغيرها.

ـ ١٨٢٠ (٢) ـ

[أبو محمد النيلي]

ومنهم سعيد بن إسحاق أبو محمد النيلي ، شيخ مستور [٢٥ أ] صالح من أولاد التجار ، رقّ فكان يحضر مجالس التذكير ويعيش متجملا ويتبرك بأهل الخير والصالحين. سمع الحديث من مشايخ الطبقة الثانية.

ـ ١٨٢١ (٣) ـ

[أبو سعد الصابوني]

سعيد بن الإمام شيخ الاسلام أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمان الصابوني أبو سعد شاب سديد مليح واعظ مقبول عند الأئمة والصدور ، مقبل على العلم والوعظ ، مأمول منه أن يسد مسد أبيه بعد تراجع أمر أخيه الشيخ أبي بكر. وإعراضه عن إقامة المجالس والقيام بحفظ النوبة. وأنا أذكر مجلس تذكيره في مبادئ بناء الجامع القديم في زحمة من العوام وقبول منهم ومنجح بمكانة فأصابته عين الزمان وتوفي شابا لم ينته إلى سن الكهولة. سمع الحديث.

__________________

(١) كذا ولعل الصواب : والموائد.

(٢) منتخب السياق ٧٥٣.

(٣) منتخب السياق ٧٥٥.

٩٦

ـ ١٨٢٢ (١) ـ

[أبو عطاء الصوفي]

سعيد بن اسماعيل بن علي بن العباس أبو عطاء الصوفي. شاب حضر المجالس معنا ، وسمع من مشايخنا بقراءتي وبقراءة غيري الكثير ، وسمع تاريخ يعقوب بن سفيان من الفقيه أبي القاسم ابن زاهر الطوسي وغير ذلك من الكتب.

ثم لما شبّ أخذ في الأسفار وسجع شيئا من الأسباب الدنيوية وحفظ شيئا من المجالس المرثية المزينة ، فكان يطوف في البلاد.

وخرج إلى غزنة بعض السنين وادّعى أنه سمع كتب الاستاذ الامام زين الاسلام من كتاب الرسالة ولطائف الاشارات وغيرها فلقي بسبب ذلك سوقا ونفاقا.

ثم سوّل له الشيطان ونزغاته وجنون الشباب ونزواته حتى ادّعى أنه من أحفاد الامام ، وخيّل اليه أنه ابن إسماعيل بن عبد الغافر لموافقة اسم الشيخ الوالد إسم أبيه ، وكتب لنفسه حافد الاستاذ الامام من قبل أمّه ، وقرئ عليه الرسالة ولطائف الاشارات في عزّ وحشمة ورواج سوق ، وأعطي على ذلك أموالا ونال إرفاقا إلى أن [اتفق ور] ودي على تلك الحضرة وحضرني الفقهاء والأصحاب الذين سمعوا منه ، وطلبوا منّي السماع فرويت لهم ، فحكوا لي أن أخا من إخوانك حضرنا وروى لنا الكتب فقلت : إن الله تعالى لم يخلق لي أخا من جهة النسب إلّا واحدا توفي صغيرا ولم يبلغ أوان الرواية ولا سافر قط.

وكان المسكين المحروم انتسب إلى غير أبيه في سخط الله ترويجا لسوقه [٢٥ ب] ولو انتسب إلى أبيه الشيخ الأوحد إسماعيل بن العباس الذي هو من مشاهير الصوفية من مريدي الامام لكان خيرا له في الدنيا والآخرة. فتعجبت من حماقته وجهله بأن مثل ذلك لا يخفى ولو بعد حين ، وان ذلك وأمثاله يكون سبّة وقدحة في وجهه. ثم بينت للقوم تزويره وأظهرت سوء صنعه ، فتركوا روايته.

وبعد ذلك سمعت من أثق به أنه دخل كرمان أيضا وادّعى بها أنه من أحفاد الشيخ أبي سعيد ابن أبي الخير قدس الله روحه تزويرا أيضا حتى اطلع عليه وزجر عنه ، وقد أغناه الله عن أمثال

__________________

(١) لسان الميزان ٣ / ٢٣ ، منتخب السياق ٧٥٧.

٩٧

ذلك لو هدي لرشده.

ثم كذلك تطوف البلاد إلى أن توفّي في الغربة وجاء نعيه إلى نيسابور وقعد أبوه للعزاء وتولّى تربية بناته. ومسموعاته الصحيحة معنا كثيرة لكنه عفا الله عنّا وعنه ساقط الرواية غير محتج به.

ـ ١٨٢٣ (١) ـ

[أبو عبد الله الفراتي]

ومنهم سعيد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبيّ بن أحمد بن الفرات أبو عبد الله الفراتي الأمير الرئيس ، أحد كبار العصر من أهل النواحي التي تتزين بمثله البلاد ، وله [في] المآثر والمعالي الطريف والتلاد.

أما أصل الدوحة فمن نسل الزهد والورع والعلم فناهيك به اعتدادا وافتخارا وعليه اعتمادا وبشرفه اعتضادا ، فهو الأساس والسيد والراس ثم اتصل به الحكومة والقضاء والحشمة والاستيلاء والرفعة في المنزلة والعلاء في آخر الأمر إلى الرياسة والزعامة ، واستتمام السيادة والسياسة ، وظهور البسط في المروّة والثروة ، واشتهار الذكر ، والقربة عند الملوك والسلاطين ، وبلوغ الأمر مبلغا صدقت الرعيّة في وصل الحبال من أغصان الوزارة بدوحتهم ، واستيفاء بعض اطرافها بمصاهرتهم ومناكحتهم ، حتى أثمرت الشجرة ثمارا جلت بتدليها وقرت العيون بتناسلها ومواليها.

وهذا الصدر بكمال فضله ، طرّز أكمام أصله ، ووطّد أسباب الامارة بمسامير عدله ، وسبق اوليه ببراعة ادركت منتهاها ، أما النثر ففاق النثرة قدرة بلغت مداها وغير في وجوه منافسيه بلاغة [كذا] ، وأما النظم فجاز الشعرى شعره وله الطبع القاذف ويزيد الملك والأمارة والطريقة التي هي على مرة نفسه المريرة من إظهار الامارة ، هل ما سبقت [ظ] إلى حضيض العدل والنسيب من نفاع الصنعة [ظ] [٢٦ أ] العجيبة والوصف الغريب في ذكر القراع والطعان ، وقطع السباسب والقيعان ، والتلاعب بالسيوف والرماح ، وامتطاء ظهور الفرح أمثال الرياح ، ومنادمة الثواقب في طلب المعالي والمناقب ، وهجران الكرى ووصل السير بالسرى في إدراك ما يعن من المنى في العلى وأمثال ذلك مما هو لذوي الهمم العلية لا القانعين بنيل مقتضى الشهوات الدنية.

__________________

(١) الأنساب ، الخوجاني ، التحبير ٢٤٣ ، منتخب السياق ٧٦٠.

٩٨

ومن نظر فيما احتوى عليه غواص خاطره مستخرجا من أصداف فكره من الدرر وابرزه خازن أعلاق ذخره من الغرر التي من وفى بفهم مغزاها وأدرك ما يتضمنه مبناها [و] معناها [ظ] فقد برز وحاز قصب الكمال وأحرز ، اعترف لي بما لو حب فيض من فيضه مخافة التطويل مع انه في ذكر مثله محبوب والاكثار مما هو محبوب مطلوب.

وقد تقدم ذكر بعض أسلافه الصدور والغطاريف في مواضع من هذا التصنيف ، وسيأتي ذكر الأخلاف في مواضع.

ومن خصائص هذا الصدر حسن اعتقاده في مذهب السنّة والجماعة ضمّا إلى كرم ميلاده والتفاخر فيما بين الامراء من أولاده ، وتزيين مجلسه بإلقاء المسائل والغوص على استنباط الفوائد ، وتهدّيه فيما يجري من كل فنّ إلى استخراج المعاني من مظانها ، وتغلغل آرائه في أساليبها ، مشحوذة بمسانها حتّى كأنه استفرغ جلّ أوقاته في ذلك الفنّ. مع أنّه غير متفرّغ إلى ممارسته في غالب الظن ، كل ذلك لما [ظ] جمعه الله من موجب الصفاية [ظ] السابقة ، وخصّه به من الكفاية اللاحقة ، فلا يخلو بابه من الزوار والعفاة ولا جنابه عن الأصناف من الأئمة والقضاة ، فينصرفون عنه بالرغائب ملء الحقائب ويملون الأملاء بالأبينة الفايحة والأدعية الصالحة ، مضافا إلى رغبة في سماع الحديث وطلبه ، وتحصيل كتبه ، وحضور مجالسه ، واحراز نفايسه.

ولا شك أنه سمع من الأولين من مشايخ الطبقة الثالثة ، وأدرك أصحاب أصحاب الأصم مثل ما عهدناه يحضر مجالس المتأخرين ، فان ظفرت بشيء من ذلك ألحقته مع لمع من مقطعاته الفايقة ، وجوايد أشعاره الرايقة.

ولقد طالعت ديوان شعره الذي يبلغ مجلدات [٢٦ ب] فما أمكنني انتخاب بعض منه لحسن كله ، إذ لا يمكن اختيار الأحسن مما كلّه حسن ، ووجدت فيه من القصائد الطوال ما يبلغ كل واحدة المئة ، فما فوقها من الأبيات في المعارضات والتشبيهات.

فمما قرأت بخطه أنه قال : رأيت بعض الناس في المنام أني أرى الشعراء ، فسأل بعض بعضا عن أمدح ما قالوه وأنسب ما قالوه وأنا أريد أن اسألك عن أمدح ما قلت؟ فقلت له : أمّا أنا فلست بمادح ، ولكني أذكر أبياتا ثلاثة أراها أمدح ما قلت. وذكرت هذه الأبيات :

ما إن يجود بشحّ نفسه أبدا

والشح بالشح أقصى غاية الكرم

٩٩

ولا يجود بعلق من مواهبه

ولا يحد يمان اثر ذي عدم

حتى يقول ولم يلبث لساعته

عودي فحضرة هذي عودة الدلم

ومما قرأت من فوائده :

وليس بموجدي فقدي كراما

ولكن من وجدت من اللئام

كأني الشمع زال الشهد عنه

فأبكته مصاحبة الضرام

[ومنها] :

لئن كانت أيام سوء بهجرة!

تراوحنا حينا وحينا تباكر

فبعد غروب الشمس يرجى طلوعها

وخلف ظلام الليل صبح يبادر

[ومنها] :

بلينا بأيام رأى الناس حلوها

وظنّوا به حلوا وذاقوا به مرّا

وكان المنايا للأماني قواطعا

فأضحت منايانا أمانينا طرّا

[ومنها] :

رأوا مالي أفرّقه فقالوا :

وهم عمّا جمعت به غفول

أكلّ المال تهلكه ضلالا

لقد ضلّوا وما لهم عقول

فخير المال ما أعطى جواد

وشر المال يمسكه البخيل

وليس المال يبقيه الليالي

ويبقى الأجر والذكر الجميل

١٠٠