المختصر من كتاب السياق لتاريخ نيسابور

الإمام الحافظ أبو الحسن الفارسي

المختصر من كتاب السياق لتاريخ نيسابور

المؤلف:

الإمام الحافظ أبو الحسن الفارسي


المحقق: محمّد كاظم المحمودي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: ميراث مكتوب
المطبعة: رويداد
الطبعة: ١
ISBN: 964-8700-02-8
الصفحات: ٥٥٦

من اسمه يحيى

من الطبقة الأولى

ـ ٢٣٠٤ ـ (١)

[أبو زكريا الحربي]

يحيى بن إسماعيل بن يحيى بن زكريا بن حرب أبو زكريا رجل جليل نبيل ثقة من بيت التزكية والعلم والحديث والزهد. وهذا أبو زكريا كان جنينا حين توفي أبوه فنشأ وورث مالا جزيلا وأدرك الأسانيد العالية.

توفي عشيّة يوم الأحد الحادي عشر من المحرّم سنة أربع وتسعين وثلاث مئة.

ـ ٢٣٠٥ ـ (٢)

[أبو زكريا السختوي]

ومنهم يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سختويه الشيخ أبو زكريا ابن أبي اسحاق المزكي

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٤ / ٢٣٨ ، منتخب السياق ١٦٣٩ ، الأنساب واللباب : الحربي ، سير أعلام النبلاء ١٦ / ٥٤٣ : ٣٩٧ ، تاريخ الإسلام ٤ / ٩٦ / ب ، العبر ٣ / ٥٨.

(٢) منتخب السياق ١٦٤٠ ، سير أعلام النبلاء ١٧ / ٢٩٥ : ١٧٩ ، العبر ٣ / ١١٨ ، تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٥٨ ، طبقات الاسنوي ٢ / ٢٩٦.

٤٢١

شيخ مشهور مذكر جليل ثقة عدل مرضيّ ، من أهل العدالة والحديث.

أبوه مزكي العراق وخراسان ، وهذا كان زاهدا ورعا صالحا صادقا في الرواية ، حضر مجلس إملائه جماعة من أصحاب الأصم مراعاة لجانبه مثل أبي عبد الرحمان السلمي ، والكوشكي السرّاج ، والسكّري وأملى على الصحّة.

توفي ليلة الثلاثاء الخامس من ذي الحجة سنة أربع عشرة وأربع مئة.

سمع من أبي العباس الأصم وطبقته ، وسمع ببغداد من عبد الباقي وطبقته ، وسمع بالكوفة من ابن دحيم الشيباني ، وبمكّة من جماعة وسمّع وروى.

ـ ٢٣٠٦ ـ (١)

[أبو زكريا الزجاجي]

ومنهم يحيى بن أحمد بن محمد بن إسحاق أبو زكريا الزجاجي الفقيه الحنيفي النيسابوري شيخ ظريف جليل ثقة في الحديث. سمع وسافر ، وكان يتهم بمذهب أهل القدر.

توفي سنة خمس عشرة وأربع مئة ، وكان يروي أحاديث أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر.

ـ ٢٣٠٧ ـ (٢)

[أبو القاسم الفامي الملقاباذي]

ومنهم يحيى بن محمد بن الحسن بن هارون أبو القاسم الفامي المعلّم الزاهد الملقاباذي (٣) شيخ ثقة ورع عفيف.

سمع عن أبي علي وروى كتاب الأموال لأبي عبيد وغير ذلك من المسانيد [٩٦ أ] وقرئ عليه وحدّث.

__________________

(١) منتخب السياق ١٦٤١ ، مجمع الآداب (فخر الدين).

(٢) منتخب السياق ١٦٤٣.

(٣) ن : المقاباذي.

٤٢٢

ومن الطبقة الثانية

ـ ٢٣٠٨ ـ (١)

[أبو القاسم البخاري]

يحيى بن علي بن أحمد البخاري أبو القاسم الفقيه الزاهد العابد المقيم بدهستان.

حدّث عن أبي سعيد الرازي وعن مشايخ البلد.

ـ ٢٣٠٩ ـ (٢)

[أبو بكر الساوي]

ومنهم يحيى بن زكريا بن أحمد بن محمد بن يحيى التاجر الساوي أبو بكر رجل صالح مستور ، سماعه مع أبيه في المهاجري وغيره. توفي سلخ سنة نيّف وعشرين وأربع مئة.

ـ ٢٣١٠ ـ (٣)

[أبو طالب الدستكردي]

ومنهم يحيى بن علي بن الطيب الفقيه الصوفي الدستكردي أبو طالب المقيم بحلوان خادم الفقراء ، وشيخ البلد ، والمفتي والمحدّث والقاضي.

كتب الحديث بخراسان ونيسابور والعراق وله تلامذة.

حدّث عن الغطريفي وابن المقرئ بأصبهان ، وصالح بن أحمد الهمذاني وأبي يعقوب القزاز وطبقتهم.

توفي يوم الجمعة في رجب سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة.

ـ ٢٣١١ ـ (٤)

[أبو سعد الهروي]

ومنهم يحيى بن الحسين بن محمد بن أحمد بن نجدة بن نبيل (٥) التميمي أبو سعد الهروي رجل

__________________

(١) منتخب السياق ١٦٤٤.

(٢) منتخب السياق ١٦٤٥.

(٣) منتخب السياق ١٦٤٧.

(٤) منتخب السياق ١٦٤٨ ، طبقات السبكي ٥٥٦.

(٥) لفظ (نجدة بن نبيل) كان مهملا.

٤٢٣

فاضل محترم. سمع الحديث بهراة ، ثمّ قدم نيسابور متفقها فاستوطنها وسمع الكثير.

توفي سنة أربعين وأربع مئة.

سمع الحديث من أبي محمد الشريحي وغيره.

ومن الطبقة الثالثة

ـ ٢٣١٢ ـ (١)

[أبو سعد الصاعدي]

يحيى بن محمد بن صاعد بن محمد قاضي القضاة أبو سعد ابن القاضي [الإمام أبي سعد ابن القاضي الإمام] عماد الإسلام أبي العلاء (٢) رجل كبير من بيت القضاء والإمامة ، ثمّ ولي قضاء الري ونواحيها بعد نيسابور. سمع الحديث من أبيه وجدّه وأملى سنين.

توفي بالري سنة ستين وأربع مئة في شهر ربيع الأول.

ـ ٢٣١٣ ـ (٣)

[أبو زكريا الشجاعي]

ومنهم يحيى بن عبد الله أبو زكريا الشجاعي رجل معروف مشهور متصرّف في مجالس القضاة.

سمع الحديث عن الزيادي وأصحاب الأصم وطبقتهما.

توفي ليلة الثلاثاء من شهر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وأربع مئة بقرية فرخك ونقل إلى داره.

ـ ٢٣١٤ ـ (٤)

[أبو محمد ابن شعلة]

ومنهم يحيى بن منصور بن شعلة أبو محمد رجل مشهور صالح أمين من أهل السوق.

__________________

(١) منتخب السياق ١٦٤٩ ، الجواهر المضية ولابنه صاعد قوام الدين ترجمة في مجمع الآداب في (قوام) نقلا عن معجم السفر ، وتقدمت ترجمة أخيه أحمد وجدّه.

(٢) ن : أبي المعالي.

(٣) منتخب السياق ١٦٥٠.

(٤) منتخب السياق ١٦٥١.

٤٢٤

سمع الحديث عن الشيخ أبي القاسم السرّاج وطبقته.

توفي سنة اثنتين وسبعين وأربع مئة.

ـ ٢٣١٥ ـ (١)

[أبو القاسم النصروي]

ومنهم يحيى بن زيد بن عبد الرحمان بن حمدان ابو القاسم رجل سديد صالح ، حافد الشيخ أبي سعد (٢) النصروي ، من أهل بيت العدالة والورع.

سمع الحديث من مشايخ الطبقة الثانية [٩٦ ب].

ولد تاسع عشر شهر رمضان سنة سبع عشرة ، وتوفي يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة [تسع] وثمانين وأربع مئة.

ـ ٢٣١٦ ـ (٣)

[أبو صالح الناصحي]

ومنهم يحيى بن عبد الله بن الحسين أبو صالح القاضي الإمام ابن قاضي القضاة أبي محمد الناصحي ، رجل فقيه مدرّس مفت على مذهب أبي حنيفة ، من بيت العلم والقضاء والإمامة.

سمع الحديث من مشايخ الطبقة الثانية وتفقّه على أبيه وتولّى نيابة القضاء مدّة وأملى سنين.

ولد سنة خمس وعشرين وأربع مئة ، وتوفي يوم السبت الحادي عشر من ذي الحجّة سنة خمس وتسعين وأربع مئة.

ـ ٢٣١٧ ـ (٤)

[أبو عمرو القاضي]

ومنهم يحيى بن صاعد بن سيّار أبو عمرو القاضي الإمام قاضي هراة ونواحيها ، رجل كبير فاضل من كبار أئمّة العصر وفضلائهم ، له النظم الفايق في الطبقة الأولى ، والنثر الرائق على الدرجة

__________________

(١) منتخب السياق ١٦٥٢.

(٢) ن : أبي صالح.

(٣) منتخب السياق ١٦٥٣.

(٤) دمية القصر ٣٢٦ ، منتخب السياق ١٦٥٦ ، مجمع الآداب : عماد ، الجواهر المضية ٢ / ٢١٣.

٤٢٥

العليا ، والفقه البالغ درجة الفتوى ، والنظر والوصول فيه إلى الغاية القصوى.

دخل نيسابور مرّات ، سمع الحديث وروى عن أبيه وجدّه.

توفي في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وخمس مئة.

فمن مليح أشعاره ما أنشدنيه بهراة [ظ] :

قد نعمنا بلذاذات الصبا

ورضعنا بأفاريق النسم (١)

ولهونا ونزونا طربا

مثل ما ينزو صغيرات النعم

وأتينا ما اتاه بشر

فإذا عاقبة الكلّ الندم

وله قوله في الإمام محمد بن الإمام أبي المظفر منصور بن محمد السمعاني :

قل للإمام ابن الإمام محمد

بن مظفر بن محمد السمعاني

عشقتك عيني إذ رأتك

وكان من قبل اللقاء يحبك السمعان

وأجابه الإمام محمد :

حييت بيحيى إذ رزقت لقاءه

ونلت به جدّا لأمري مساعدا

فلا زال يحيى واسمه فال عمره

وكاسم أبيه نجمه دام صاعدا

 ـ ٢٣١٨ ـ (٢)

[أبو بكر اللبيكي]

ومنهم يحيى بن أبي القاسم عبد الرحيم بن محمد المقري اللبيكي الاستاذ أبو بكر رجل سديد صالح عفيف فاضل ورع ، مقبل على شأنه مشتغل بنفسه ، مواظب على العبادة [٩٧ أ].

سمع الحديث الكثير من مشايخ الطبقة الثانية مثل الإمام شيخ الإسلام الصابوني ، وابن مسرور ، والكنجروذي ، وأبي الحسين عبد الغافر ، والبحيريّة ، وأبي يعلى [إسحاق بن عبد الرحمان الصابوني] وغيرهم ، وأملى مدّة على وجه الصحّة والسداد ، ثمّ تركه اختيارا وانزوى.

__________________

(١) ويمكن أن يقرأ : بأفاويق النعم.

(٢) منتخب السياق ١٦٥٩ ، التحبير ١١٠٣ ، وتقدمت ترجمة أبيه عبد الرحيم وأخيه عمر وتصحف اسم أبيه هنا وفي منتخب السياق إلى عبد الرحمان وفي ترجمة أخيه في منتخب السياق إلى (أبي القاسم ابن عبد الرحمان).

٤٢٦

من اسمه يعقوب

من الطبقة الأولى

ـ ٢٣١٩ ـ (١)

[أبو يوسف النوقيري]

يعقوب بن محمد بن شاذان النوقيري أبو يوسف ، شيخ مستور صالح من الدهاقين.

سمع الحديث من أبي علي الرفاء الهروي وطبقته ، ثمّ عن أبي العبّاس الميكالي ومن بعده.

ومن الطبقة الثالثة

ـ ٢٣٢٠ ـ (٢)

[أبو بكر الصيرفي]

يعقوب بن أحمد بن محمد بن علي أبو بكر ابن أبي يوسف الصيرفي ، شيخ نبيل ثقة ، من أولاد

__________________

(١) منتخب السياق ١٦٦٣.

(٢) منتخب السياق ١٦٦٤ ، تذكرة الحفاظ ٣ / ١١٦٠ ، سير أعلام النبلاء ١١٩ ، العبر ٣ / ٢٦٢.

٤٢٧

المياسير. لقي المشايخ والصدور ، وخدم في صباه وشبابه مجلس الإمام أبي الطيب سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكي ، وكان مليح العشرة ظريف المشاهدة.

سمع الحديث عن أبي بكر ابن عبدوس الحيري وأبي محمد المخلدي وعن ابن جهضم بمكة وعن أصحاب الأصم.

توفي بغتة سنة ست وستين وأربع مئة.

ـ ٢٣٢١ ـ (١)

[أبو يوسف الكردي الأديب]

ومنهم يعقوب بن أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد القارئ الأديب البارع الكردي [اللغوي] أبو يوسف ، أستاذ البلد واستاذ العربيّة واللغة ، شيخ معروف مشهور ، كثير التصانيف والتلامذة ، مبارك النفس [جمّ الفوائد والنكت والطرف].

قرأ الأصول على الحاكم أبي سعد ابن دوست وعلى غيره ، وصحب الأمير أبا الفضل الميكالي ورأى العميد أبا بكر القهستاني ، وقرأ الحديث على المشايخ ، وكان متواضعا خفيف المعاشرة ، كثير المخالطة للأدباء ، سهل النظم والنثر ، له مكاتبات واخوانيات نظما ونثرا.

توفي في رمضان سنة أربع وسبعين وأربع مئة.

حدّث عن أبي القاسم السرّاج وابن فنجويه والاستاذ أبي الحسن الفارسي والقاضي أبي بكر الحيري وطبقة أصحاب الأصم.

فمن أشعاره :

الدهر أخبث صاحب

واللؤم من أوصافه

إن شئت أن تحظى به

كن مثله أو صافه

[وله :

لا تحسبوا الخال الذي راعكم

إلّا سويداء فؤادي الكلف

__________________

(١) دمية القصر ٣٦٢ وأورد الأبيات المذكورة وغيرها ، بغية الوعاة ص ٤١٨ ، نقلا عن السياق وما بين المعقوفين منها ، منتخب السياق ١٦٦٥ ، وتقدم في ثنايا الكتاب ذكره فلاحظ فهرس الأعلام والرقم ٢١٤٣.

٤٢٨

أراد لثم الخط في خدّه ال

موصوف بالحسن فلم ينصرف]

[هذا] آخر الكتاب والحمد لله وحده وصلواته على سيّدنا محمد وآله وسلام [ه].

٤٢٩
٤٣٠

الملحقات

٤٣١
٤٣٢

[أبو عثمان الصابونى]

ذكره عبد الغافر فى السياق ، فقال : هو الأستاذ الإمام ، شيخ الإسلام أبو عثمان ، الخطيب ، المفسر ، المحدّث ، الواعظ ، أوحد وقته فى طريقته ، وعظ المسلمين في مجالس التّذكير ستيّن سنة ، وخطب وصلّى فى الجامع ، يعنى بنيسابور نحوا من عشرين سنة.

ثم قال : ورزق العزّ ، والجاه ، فى الدّين والدّنيا ، وكان جمالا للبلد ، زينا للمحافل والمجالس ، مقبولا عند الموافق والمخالف ، مجمعا على أنه عديم النّظير ، وثّق السّنّة ، ودافع البدعة.

وهو النّسيب ، المعمّ المخول ، المدلى ، من جهة الأمومة إلى الحنفيّة ، والفضليّة ، والشّيبانيّة ، والقرشيّة ، والتّميميّة ، والمزنيّة ، والضبّيّة ، من الشّعب النّازلة إلى الشيخ أبى سعد يحيى بن منصور بن حسنويه السّلمىّ ، الزاهد الأكبر ، على ما هو مشهور من أنسابهم ، عند جماعة من العارفين بالأنساب ؛ لأنه أبو عثمان إسماعيل بن زين البيت ابنة الشيخ أبى سعد الزّاهد بن أحمد بن مريم بنت أبى سعد الأكبر الزّاهد.

وأمّا من جهة الأب ، فهو الأصل الذى لا يحتاج نسبه إلى زيادة ، فقال : وكان أبوه أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور ، ففتك به لأجل التّعصّب والمذهب ، وقلّد الأمة صبيّا ، بعد حول سبع سنين ، فاستدعى أن يذكر صبيّا ، دعى للختم على رأس قبر أبيه كلّ يوم ، وأقعد بمجلس الوعظ مقام أبيه ، وحضر أئمّة الوقت مجالسه.

وأخذ الإمام أبو الطّيّب سهل بن محمد بن سليمان الصّعلوكىّ فى تربيته ، وتهيئة أسبابه ، و

٤٣٣

ترتيب حشمته ونوبه ، وكان يحضر مجالسه ، ويثنى عليه ، مع تكبّره فى نفسه ، وكذلك سائر الأئمة ، كالأستاذ الإمام أبى إسحاق الإسفراينىّ ، والأستاذ أبى بكر بن فورك ، وسائر الأئمّة كانوا يحضرون مجلس تذكيره ، ويتعجبّون من كمال ذكائه ، وعقله ، وحسن إيراده الكلام ، عربيّه وفارسيّه ، وحفظه الأحاديث ، حتى كبر ، وبلغ مبلغ الرّجال ، وقام مقام أسلافه فى جميع ما كان إليهم من النّوب.

ولم يزل يرتفع شأنه ، حتى صار إلى ما صار إليه ، من الحشمة التّامّة ، والجاه العريض ، وهو فى جميع أوقاته مشتغل بكثرة العبادات ، ووظائف الطّاعات ، بالغ فى العفاف ، والسّداد ، وصيانة النفس ، معروف بحسن الصلاة ، وطول القنوت ، واستشعار الهيبة ، حتى كان يضرب به المثل فى ذلك.

وكان محترما للحديث ، ولثبت الكتب.

قرأت من خطّ الفقيه أبى سعيد السّكّرىّ ، أنه حكى عن بعض من يوثق بقوله من الصالحين ، أن شيخ الإسلام ، قال : ما رويت خبرا ، ولا أثرا فى المجلس ، إلّا وعندى إسناده ، وما دخلت بيت الكتب قطّ ، إلا على طهارة ، وما رويت الحديث ، ولا عقدت المجلس ، ولا قعدت للتّدريس قطّ ، إلا على الطهارة.

وقال : منذ صحّ عندى أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقرأ بسورة الجمعة والمنافقين ، فى ركعتى صلاة العشاء ، ليلة الجمعة ، ما تركت قراءتهما فيهما.

قال : وقد كنت فى بعض الأسفار المخوفة ، وكان أصحابى يفرفون من اللّصوص وقطّاع الطريق ، وينكرون علىّ فى التّطويل بقراءة السورتين ، وغير ذلك ، فلم أمتنع عن ذلك ، ولم أنقص شيئا مما كنت أواظب عليه فى الحضر ، فتولّانا الله بحفظه ، ولم تلحقنا آفة.

وقرأت من خط السّكرىّ أيضا ، قال : قرأت فى كتاب كتبه الإمام سهل الصّعلوكىّ ، إلى زاهر بن أحمد الإمام بسرخس ، حين قصد الأستاذ الإمام إسماعيل أن يرحل إليه : لسماع الحديث صباء ، قعد ما قتل أبوه شهيدا ، وفى الكتاب بعد الخطاب : «وإذا عدّت الأحداث التى كانت فى هذه السّنين الخالية قطارا ، أرسالا ، ومتّصلة اتّصالا ، ومتوالية حالا فحالا ، كان أعظمها نكاية فى الدّين ، وجناية عليه ، ما جرى من الفتك بأبى نصر الصّابونىّ ، رحمه‌الله ، نهارا ؛ والمكر الذى مكر به كبّارا ؛ كما إذا عدّت غرائب الوقت ، وعجائبه فى الحسن ، كان بولده الولد الفقيه أبى عثمان

٤٣٤

إسماعيل ، أدام الله بقاء وسلامته الابتداء ، وبذكره الافتتاح ؛ فإنه بلغ ولم يبلغ بالسّنّ ما تقصر عنه الأمنيّة والاقتراح ، من التّدبّر ، والتّعلّم ، والوجاهة ، والتّقدّم على التّحفّظ ، والتّورّع ، والتيّقّظ ، وقد كان فى نفسه لذكائه ، وكيسه ، وفطنته ، وهدايته وعقله الرّحلة إلى الشيخ» فذكر فصلا فيه ، ثم قال : «ولا نشك أنه يصادف منه فى الإكرام ، والتّقديم ، والتّعظيم ما يليق بصفاته ، وإنجابه ، ودرجاته ، وأنا شريك فى الامتنان لذلك كلّه ، وراغب فى تعجيل إصداره إلى موضعه ، ومكانه فى عمارة العلم ، بقعوده للتّذكير والتّبصير ، وما يحصل به من النّفع الكثير ؛ فإن الرجوع لغيبته شديد ، والاقتضاء بالعموم لعوده أكيد ، والسلام».

وذكر عن الشيخ أحمد البيهقىّ ، أنه قال : عهدى بالحاكم الإمام أبى عبد الله ، مع تقدّمه فى السّنّ ، والحفظ ، والإتقان ، أنه يقوم للأستاذ عند دخوله إليه ، ويخاطبه بالأستاذ الأوحد ، وينشر علمه وفضله ، ويعيد كلامه فى وعظه ، متعجّبا من حسنه ، معتدّا بكونه من أصحابه.

قال السّكّرىّ : ورأيت كتاب الأستاذ الإمام أبى إسحاق الاسفراينى ، الذى كتبه بخطّه ، وخاطبه بالأستاذ الجليل ، سيف السّنّة ، وفى كتاب آخر : غيظ أهل الزّيغ.

وحكى الأستاذ أبو القاسم الصّيرفىّ المتكلّم ، أن الإمام أبا بكر بن فورك كان رجع عن مجلسه يوما ، فقال : تعجّبت اليوم من كلام هذا الشّابّ ، تكلم بكلام مهذّب عذب ، بالعربيّة والفارسيّة.

وحكى عن الشيخ الإمام سهل أيضا أنه كان يقول له بالفارسية : (أبى سرايخ براتيش است بيش است)

قرأت بخط السّكّرىّ ، أن الأستاذ أبا عثمان كان يتكلّم بين يدى الإمام سهل الصّعلوكىّ ، وكان ينحرف بوجهه عن جانبه ، فصاح به الإمام سهل : استقبلنى ، واترك الانحراف عنّى.

فقال : إنّى أستحي أن أتكلّم فى حرّ وجهك.

فقال الإمام سهل : انظروا إلى عقله.

ولقد أكثر الأئمّة الثّناء عليه ، ولذلك مدحه الشّعراء فى صباه ، إلى وقت شبابه ومشيبه ، بما يطول ذكره ، فمن ذلك ما قال فيه بعض من ذكر [من] أئمّة الأصحاب :

بينا المهذّب إسماعيل أرجحهم

علما وحلما ولم يبلغ مدى الحلم

وكتب أبو المظفّر الجمحىّ إليه ، بعد أن سمع خطبته ، بهذه الأبيات :

أستدفع الله عنه آفة العين

وكم قرأت عليه آية العين

٤٣٥

العلم يفخر والآداب فاخرة

منيرة يهتدى فيها ذوو الشّين

لو عاد سحبان حيّا قال من عجب

عين الإله على عين الفريقين

قد كان دينى على إتمام رؤيته

لمّا رأيت محيّاه قضى دينى

قل للّذى زانه علم ومعرفة

كم للعلوم بإسماعيل من زين

وقال فيه البارع الرّويانىّ :

ماذا اختلاف النّاس فى متفنّن

لم يبصروا للقدح فيه سبيلا

والله ما رقى المنابر خاطب

أو واعظ كالحبر إسماعيلا

ولقد عاش عيشا حميدا ، بعد ما قتل أبوه شهيدا ، إلى آخر عمره ، فكان من قضاء الله تعالى ، أنه كان يعقد المجلس ، فيما حكاه الأثبات والثّقات ، يوم الجمعة ، فى جانب الحسين ، على العادة المألوفة منذنيّف وستيّن سنة ، [و] يعظ الناس ، فبالغ فيه ، ودفع إليه كتاب ورد من بخارى مشتملا على ذكر وباء عظيم ، وقع بها ، واستدعى فيه أغنياء المسلمين بالدعاء على رؤس الأملاء ، فى كشف ذلك البلاء عنهم ، ووصف فيه أن واحدا تقدّم إلى خبّاز ، يشترى الخبز ، فدفع الدّراهم إلى صاحب الحانوت ، فكان يزنها ، والخبّاز يخبز والمشترى واقف ، فمات الثّلاثة فى الحال ، فاشتدّ الأمر على عامّة الناس.

فلما قرأ الكتاب هاله ذلك ، واستقرأ من القارئ قوله تعالى : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) ونظائرها ، وبالغ فى التّخويف والتّحذير ، وأثّر فيه ذلك ، وتغيّر فى الحال ، وغلبه وجع البطن من ساعته ، وأنزل من المنير ، فكان ظهرا لبطن ، ويصيح من الوجع ، وحمل إلى الحمّام ، إلى قريب من غروب الشمس ، فكان يتقلّب ظهرا لبطن ، ويصيح ويئنّ ، فلم يسكن ما به ، فحمل إلى بيته ، وبقى فيه ستّة أيام ، لم ينفعه علاج.

فلما كان يوم الخميس ، سابع مرضه ، ظهرت آثار سكرة الموت عليه ، وودّع أولاده ، وأوصاهم بالخير ، ونهاهم عن لطم ألخدود ، وشقّ الجيوب ، والنيّاحة ، ورفع الصّوب بالبكاء.

ثم دعا بالمقرئ أبى عبد الله خاصّته ، حتى قرأ سورة يس ، وتغيّر حاله ، وطاب وقته ، وكان يعالج سكرات الموت ، إلى أن قرأ إسنادا ، فيه ما روى ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «من كان آخر كلامه لا إله إلّا الله دخل الجنّة» ثم توفّى من ساعته ، عصر يوم الخميس ، وحملت جنازته من الغد ، عصر يوم الجمعة ، إلى ميدان الحسين ، الرابع من المحرّم ، سنة تسع وأربعين و

٤٣٦

أربعمائة ، واجتمع من الخلائق ما الله أعلم بعددهم ، وصلّى عليه ابنه أبو بكر ، ثم أخوه أبو يعلى ، ثم نقل إلى مشهد أبيه ، فى سكّة حرب ، ودفن بين يدى أبيه.

وكان مولده سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة ، وكان وفاقه طاعنا فى سنة سبع وسبعين من سنته.

وسمعت الإمام خالى أبا سعيد يذكر مجلسه فى موسم من ذلك العام ، على ملأ عظيم من الخلق ، وأنه يصيح بصوت عال مرارا ويقول لنفسه : يا إسماعيل هفتا دو هفت هفتا دو هفت ، بالفارسيّة ، فلم يأت عليه إلّا أيام قلائل ، ثم توفّى ؛ لأنه كان يذكر المشايخ الذين ماتوا فى هذه السن من أعمارهم.

ثم قرأت فى المنامات التى رؤيت له فى حياته ، وبعد مماته ، أجزاء لو حكيتها لطال النّفس فيها ، فأقتصر على شئ من ذلك :

ومن جملته ، ما حكاه الفقيه أبو المحاسن بن الشيخ أبى الحسن القطّان ؛ فى عزاء شيخ الإسلام ، أنه رأى فى النوم كأنه فى خان الحسن ، وشيخ الإسلام على المنير ، مستقبل القبلة يذكّر النّاس ، إذ نعس نعسة ، ثم انتبه ، وقال : نعست نعسة ، فلقيت ربّى ، ورحمنى ، ورحم أهلى ، ورحم من شيّعنى.

وحكى الثّقات ، عن المقرئ أبى عبد الله ، المخصوص به ، أنه رأى قبيل مرض شيخ الإسلام ، كأن منبره خال عنه ، وقد أحدق الناس بالمقرئ ، ينتظرون قراءته ، فجاء على لسانه : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) الآية.

قال : فانتبهت ، ولم أر أحدا ، فما مضت إلا أيام قلائل ، حتى بدأ مرضه ، وتوفّى منه.

وحكى بعض الصالحين ، أنه رأى أبا بكر بن أبى نصر المفسّر الحنفىّ ، جالسا على كرسىّ ، وبيده جزء يقرؤه ، فسأله عمّا فيه ، فقال : إذا احتاج الملائكة إلى الحجّ ، وزيارة بيت الله العتيق ، جاءوا إلى زيارة قبر إسماعيل الصّابونىّ.

وقرأت من خطّ الفقيه أبى سعد السّكّرىّ ، أنه حكى عن السيّد أبى إبراهيم بن أبى الحسن بن ظفر الحسينىّ ، أنه قال : رأيت فى النوم السّيّد النّقيب زيد بن أبى الحسن بن الحسين بن محمد بن الحسين ، وبين يديه طبق عليه من الجواهر ما شاء الله ، فسألته ، فقال : أتحفت بهذا ممّا نثر على روح إسماعيل الصّابونىّ.

وحكى المقرث محمد بن عبد الحميد الأبيوردىّ ، الرجل الصّالح ، عن الإمام فخر الإسلام أبى

٤٣٧

المعالى الجوينىّ ، أنه رأى فى المنام ، كأنه قيل له : عدّ عقائد أهل الحقّ. قال : فكنت أذكرها إذ سمعت نداء كان مفهومى منه ، أنّى أسمه من الحقّ تبارك وتعالى ، يقول : ألم نقل إن ابن الصّابونىّ رجل مسلم.

وقرأت أيضا ، من خطّ السّكّرىّ حكاية رؤيا رآها الشيخ أبو العباس الشّقّانىّ ، واستدعى منه شيخ الإسلام أن يكتبها ، فكتب : يقول أحد بن محمد الحسنوىّ : لولا امتناع خروجى عن طاعة الأستذ الإمام شيخ الإسلام ؛ لوجوبها علىّ ، لم أكن لأحكى شيئا من هذه الرّؤيا ، هيبة لها ، لما فيها ممّا لا أستجيز ذكرها ، فرقا منها ، ثم ذكر زيارته لتربة الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة يوما ، وأنه طاب وقته عندها ، فرجع إلى بيته ، ونام وقت الهاجرة ، فرأى الحقّ تبارك وتعالى فى منامه ذكر الإمام بما قال ، ولم يحك ذلك ، ثم عقّب ذلك بحديث الأستاذ الإمام ، وذكر أشياء نسيت بعضها ، والذى أذكر منها ، أنه قال : وأما ابن ذلك المظلوم ، فإن له عندنا قرى ، ونعمى ، وزلفى. إلى آخر ما كان منه.

ثم قال أبو العباس : كتبته ، وحقّ الحقّ ، لحرمته ، وطاعة لأمره.

وقرأت من خطّ قديم معروف ، أنه حكى عن يهودىّ أنه قال : اغتممت لوفاة أبى نصر الصّابونىّ ، وقتله ، فاستغفرت له ، ونمت ، فرأيته فى المنام ، وعليه ثياب خضر ، ما رأيت مثلها قطّ ، وهو جالس على كرسىّ ، بين يديه جماعة كثيرة من الملائكة ، وعليهم ثياب خضر ، فقلت : يا أستاذ أليس قد قتلوك؟

قال : فعلوا بى ما رأيت.

فقلت : ما فعل بك ربّك؟

قال : يا أبا جوانمرد ، كلمة بالفارسيّة ، لمثلى يقال هذا؟ غفر لى ، وغفر لمن صلّى علىّ ، كبيرهم وصغيرهم ، ومن يكون على طريقى.

قلت : أمّا أنا فلم أصلّ عليك.

قال : لأنك لم تكن على طريقى.

فقلت : إيش أفعل لأكون طريقك؟

فقال : قل أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله.

فقلت ذلك ؛ ثم قلت : أنا مولاك.

٤٣٨

قال : لا ، أنت مولى الله.

قال : فانتبهت ، فجاء من عنده إلى قبره ، وذكر ما رأى فى المنام ، وقال : أنا مولاه ، وأسلم عند قبره ، ولمى يأخذ شيئا من أحد ، إنّى غنىّ ، أسلمت لوجه الله ، لا لوجه المال.

وحكى أبو سهل بن هارون ، قال : قال أبو بكر الصّيدلانىّ ، وكان من الصالحين : كنت حاضرا قبره ؛ حين جاء اليهودىّ ، فأسلم.

وقرأت من مضمون كتاب ، كتبه الإمام زين الإسلام ، من طوس ، فى تعزية شيخ الإسلام أبى عثمان ، فصولا ، كتبت منها هذه الكلمات اختصارا : «يا ليلة فترة الشّريعة ، ليتك ترى الإصباح ، ويا محنة أهل السنة ، أنخت بكلكلك ، لعلّه لا براح ، ويا معراج السّماء ليت شعرى كيف حالك؟ وقد خلوت من صواعد دعوات مجلس شيخ الإسلام ، ويا ضلّة الإسلام ، لولا أنك محكوم لك بالدّوام لقلنا فنيت عن كل النّظام ؛ ويا أصحاب المحابر ، حطوار حالكم ، فقد استر بخلال التّراب من كان عليه إلمامكم ، وبا أرباب المنابر ، أعظم الله أجوركم. فلقد مضى سيّدكم وإمامكم.

وقالو الإمام قضى نحبه

وصيحة من قد نعاه علت

فقلت فما واحد قد مضى

ولكنّه أمّة قد خلت

وفيه فى فصل آخر «أليس لم يجسر مفتر أن يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى وقته؟ أليست السّنة كانت بمكانة منصورة ، والبدعة لفرط حشمته مقهورة؟ أليس كان داعيا إلى الله ، هاديا عباد الله ، شابّا لا صبوة له ، ثم كهلا لا كبوة له ، ثم شيخا لا هفوة له؟ ، أليس دموع ألوف من المسلمين كلّ مجلس بذكره كانت تتبّرج ، وقلوبهم بتأثير وعظه كانت تتوهّج؟ ترى أن الملائكة لم يؤمروا باستقباله ، والأنبياء والصّدّيقين ، لم يستبشروا بقدومه عليهم وإقباله»!

قلت : ولما انقلب إلى رحمة الله ، كثرت فيه المراثى والأشعار ، وكانت حاله كما قيل :

لقد حسنت فيك المراثى وذكرها

كما حسنت من قبل فيك المدائح

ومن أحسن ما قيل فيه ، ما كتبته بهراة ، فى مرثيته للإمام جمال الإسلام أبى الحسن عبد الرحمن بن محمد الدّاوودىّ البوشنجىّ ، حيث يقول :

أودى الإمام الحبر إسماعيل

لهفى عليه فليس منه بديل

بكت السّما والأرض يوم وفاته

وبكى عليه الوحى والتّنزيل

والشّمس والقمر المنير تناوحا

حزنا عليه وللنجوم عويل

٤٣٩

والأرض خاشعة تبكّى شجوها

ويلى تولول أين إسماعيل

إن الإمام الفرد فى آدابه

ما إن له فى العالمين عديل

لا تخدعنك منى الحياة فإنّها

تلهى وتنسى والمنى تضليل

وتأهّبن للموت قبل نزوله

فالموت حتم والبقاء قليل

هذا كلام عبد الغافر ، وقد اشتمل من ترجمة شيخ الإسلام على ما فيه مقنع وبلاغ. [طبقات الشافعية الكبرى ، ج ٤ ، س ٢٧٣ ـ ٢٨٣].

[إمام الحرمين الجوينى]

قال عبد الغافر الفارسى الحافظ ، فى سياق نيسابور : إمام الحرمين ، فخر الإسلام ، إمام الأئمة على الإطلاق ، حبر الشريعة ، المجمع على إمامته ، شرقا وغربا ، المقرّ بفضله السّراة والحداة ، عجما وعربا ، من لم تر العيون مثله قبله ، ولا ترى بعده.

ربّاه حجر الإمامة ، وحرك ساعد السعادة مهده ، وأرضعه ثدى العلم والورع ، إلى أن ترعرع فيه ويفع.

أخذ من العربية وما يتعلّق بها أوفر حظّ ونصيب ، فزاد فيها على كل أديب ، ورزق من التوسّع فى العبارة وعلوّها ما لم يعهد من غيره ، حتى أنسى ذكر سحبان ، وفاق فيها الأقران ، وحمل القرآن ، فأعجز الفصحاء اللّدّ ، وجاوز الوصف والحدّ ، وكل من سمع خبره ورأى أثره ، فإذا شاهده أقرّ بأن خبره يزيد كثيرا على الخبر ، ويبرّ على ما عهد من الأثر.

وكان يذكر دروسا ، يقع كلّ واحد منهما فى أطباق وأوراق ، لا يتعلثم فى كلمة ، ولا يحتاج إلى استدراك عثرة ، مرّا فيها كالبرق الخاطف ، بصوت مطابق كالرّعد القاصف ، ينزف فيه له المبرّزون ، ولا يدرك شأوء المتشدّقون المتعمقّون ، وما يوجد منه فى كتبه من العبارات البالغة كنه الفصاحة غيض من فيض ما كان على لسانه ، وغرفة من أمواج ما كان يعهد من بيانه.

تفقه فى صباه على والده ركن الإسلام ، فكان يزهى بطبعه وتحصيله ، وجودة قريحته ، وكياسة غريزته ، لما يرى فيه من المخايل ، فحلفه فيه من بعد وفاته ، واتى على جميع مصنّفاته ، فقلبها ظهرا البطن ، وتصرّف فيها ، وخرّج المسائل بعضها على بعض ، ودرّس سنين ، ولم يرض فى شبابه

٤٤٠