صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار - ج ٢

السيّد محمّد بيرم الخامس التونسي

صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد بيرم الخامس التونسي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

الإمبراطور يبقى معمولا به ، أما في المستقبل فيكون مرتب صاحب التاج مدة ملكه مقررا برسم من لهم مزية وضع الأحكام عند اجتماعهم وذلك بعد نصبه.

الفصل الخامس : في مجلس الأعيان

الثالث والعشرون : مجلس الأعيان يؤلف ممن هم في مرتبة الكردينال والماريشال والأميرال ومن الأهلين الذين يرقيهم الإمبراطور إلى رتبة سيناتور.

الرابع والعشرون : لا يتغيرون ووظيفتهم باقية ما داموا أحياء.

الخامس والعشرون : يصح أن يبلغ عددهم مقدار ثلثي أهل مجلس النواب ولا يصح للإمبراطور أن يعين فيه أكثر من عشرين في العام.

السادس والعشرون : رئيسه ونائب رئيسه يكون تعيينهما من قبل الإمبراطور وهو الذي يعقد المجلس ويطيل مدة انعقاده ، ويكون الجلوس فيه علانية ولكن عند طلب خمسة أعضاء منه يصح أن تجعل الجلسة خفية.

السابع والعشرون : مجلس الأعيان يحافظ على الشرط الأصلي الجوهري وعلى حرية العامة ، وله أن يتذاكر على التقارير المعروضة ويقترع على الضرائب.

الفصل السادس : في مجلس النواب

الثامن والعشرون : أساس الإنتخاب سكان المملكة.

التاسع والعشرون : أعضاء المجلس يكون انتخابهم عاما.

الثلاثون : مدة انتخابهم لا تنقص على ثلاث سنين.

الحادي والثلاثون : ولهم أن يتذاكروا على القوانين ويقترعوا على الضرائب.

الثاني والثلاثون : وأن ينتخبوا رئيسهم ونواب رئيسهم وكتاب أسرارهم.

الثالث والثلاثون : للإمبراطور أن يعقد المجلس ويؤخره أو يطيل مدة انعقاده وأن يحله ، لكنه عند حله يتعين عليه أن يعقد آخر في مدة ستة أشهر.

الرابع والثلاثون : الاجتماع يكون ظاهرا ولكن عند طلب خمسة أعضاء يصح أن يكون خفيا.

الفصل السابع : في مجلس الدولة

الخامس والثلاثون : مجلس الدولة مكلف على حسب إرشاد الإمبراطور بأن يرسم التقارير واللوائح والتنظيمات المتعلقة بالإدارة الدولية ، وبأن يحل المشاكل الناشئة من معاطاة الأمور.

السادس والثلاثون : وأن يرسم بإسم الدولة المذاكرة في المعروضات واللوائح في كلا المجلسين.

١٠١

السابع والثلاثون : للوزراء حق في حضور المجلس والإقتراع فيه اه.

فكان الإمبراطور يرى أن هاته القوانين ترضى عنه جميع الأهالي سيما بعد رجحان انتخابه من الجمهور ، وقد كانت إذ ذاك المشاحنة بين فرنسا وبروسية في ازدياد كما تقدمت الإشارة إليه في أخبار إيطاليا غيرة من فرنسا على ما نالته بروسية من الشهرة والإنتصار على النمسا مع وعد بروسيا سرا لفرنسا بأنها إذا تم قصدها فإنها تساعدها على تعديل حدودها جهة نهر السين وتعدو عن حقوقها من وضع العسكر في لكزنبورغ وإدخالها عضوا في العصبة الجرمانية مع أنها تحت تملك ملك هلاندة ، ولما حصلت بروسية قصدها ماطلت تلك الوعود السرية التلويحية فهاجت لذلك فرنسا وكان من تخمينها أنها إذا شهرت الحرب على بروسية تعاضدها النمسا عليها انتقاما مما حصل لها في سنة ١٢٨٦ ه‍ ١٨٦٩ م ، وبينما الأمر على ذلك وإذا بأهالي إسبانيا خلعوا ملكتهم وطلبوا أن يولي عليهم الأمير «دوهوهنزولرن» أحد قرابة ملك بروسيا ، فارعدت فرنسا لذلك وأبرقت وتداخلت انكلاتيرة في طلب إبقاء السلم لكن الإمبراطور نابليون أبى إلا الحرب وإلا فإن الأمير المطلوب إلى الولاية على إسبانيا رفض طلبهم ولم يقتنع بذلك الإمبراطور بل ذهب سفيره في برلين إلى ملك بروسيا في غير وقت وغير محل معتاد وأغلظ عليه الكلام بأن يتعهد هو بأن لا يقبل الأمير المذكور في المستقبل الولاية فألان له الملك الكلام لكنه امتنع من ذلك التعهد.

وهاجت ألمانيا جميعا على ما لحق الملك من الإهانة كما أن فرنسا غلت بطلب إعلان الحرب ولم يخالف إلا قليل من عقلائهم مثل «تيرس» ، فانتهزها نابليون فرصة لاشتغال فرنسا بالحرب عن الهيجان عليه إذ أنه وإن حصل على أكثرية الإنتخاب لكنه كان على يقين من أن حزب النفوذ كاره له ومنتقد عليه ، وكان وزير الحرب بفرنسا أعلن للمجلس بأن العساكر مستعدة كلها وأنها تتجاوز المليون وأن الحرب ولو دامت سنين فلا يحتاجون إلى زرة لباس ، وابتدأت فرنسا بإعلان الحرب وتقلد نابليون رياسة العسكر بنفسه وأناب زوجه في الملك ، فاتحدت ألمانيا على الدفاع وبقيت الروسيا معاضدة لألمانيا معنى لاتفاقها معها سرا فكانت بالمرصاد من النمسا لكي لا تعين بروسيا مع ما في نفسها أي النمسا على فرنسا من إعانتها لإيطاليا ومساعدتها من قبل لجرمانيا فلم تتداخل بشيء ، وما مضت تسعة عشر يوما من ساعة الإعلان بالحرب حتى وقع نابليون أسيرا بيد عدوه إذ في نفس الأمر لم تكن فرنسا مستعدة وكانت الأموال المعينة لمصاريف الحرب تصرف فيما يراه الإمبراطور ، حيث كانت الوزراء مسؤولون له لا لمجلس الأمة فيتصرف بهم كيفما أراد ، وكان يظن أنه بسرعة الهجوم يحصل على بهرجة الإنتصار ويعجل إلى عقد الصلح. لكن ألمانيا كانت له جواسيس من أعيانها في جميع دواوين فرنسا وفي قصور رجالها على صورة خدمة وغيرهم مع كمال استعدادها وتمرن أهاليها على الحرب ، إذ هي دولة عسكرية من قديم وأهالي فرنسا غلب عليهم الميل إلى التنعم ، فالتقى مركز الجيشين في سيدان من

١٠٢

عمل فرنسا وحمي الوطيس إلى أن تيقن نابليون بالغلب وقوة قرنه عدة وعدة ، فكتب إلى ملك بروسيا ما تعربيه :

«يا أخي حيث أني لم يتيسر لي أن أموت في مقدمة جيشي فها أنا أضع سيفي لدى قدميك» اه. ورفع من هناك أسيرا وسبحان الدائم عزه وملكه ، وهربت زوج نابليون واستقرت مع زوجها بلندرة إلى أن مات بها ، وأما العساكر التي معه فطلبت الإستسلام على وجه لا يحط بشرفها ، وحيث كانت المخاطبات الواقعة في هذا الشأن واقعة بين الرؤساء بالسلك البرقي ولها أهمية رأينا إثباتها هنا نقلا عن كتاب ألف وطبع في باريس ، وهي :

من الجنرال دووميسين الفرنساوي إلى الجنرال ملتك رئيس عساكر جرمانيا.

أريد أن أعرف ما هي شروط التسليم التي يريد ملك بروسية أن يوجبها علينا؟

جواب الجنرال ملتك : «شروطنا سهلة فإن جميع جيشكم أسرى مع كل ما عندهم من الأسلحة والذخائر ، ولكن نترك للضباط سيوفهم علامة على اعتبارنا لهم وعلى بسالتهم ولكن يكونون أسرى أيضا كبقية الجيش.

الجنرال دووميسين : هذه الشروط شديدة يا جنرال إذ الظاهر أن بسالة عساكر فرنسا تستوجب مراعاة أكثر من هذه أليس من الممكن لجيشي أن يستحصل على شروط على هذه الصورة الآتية؟ وهي : أن أسلم لكم سيدان بما فيها من المدافع ، وأما العسكر فتتركوه يخرج بما عنده من الأسلحة والأكحال والرايات بشرط ، أن لا يعود لمحاربة بروسية في هذه الحرب والإمبراطور يتعهد بنفسه بهذه الشروط بالمكاتبة ، وكذا أعيان ضباطه العسكرية ، ثم ينقل هذا الجيش إلى إحدى جهات فرنسا التي تعينها بروسية أو إن شئت ينقل إلى الجزائر إلى أن يبرم بيننا الصلح.

جواب الجنرال دوملتك : طلبكم هذا لا يقارن القبول.

الجنرال دووميسين : إني وصلت إلى هنا من صحراء أفريقية منذ يومين فقط ، وكان لي إلى الآن شهرة عسكرية مرضية والآن فوض إليّ رئاسة جيش في ميدان القتال فأصبحت مضطرا إلى أن أقيد إسمي في الإذعان لمصيبة مثل هذه حتى اضطررت أيضا إلى تحمل جميع المسؤلية بدون أن أكون قد أحدثت هذه الوقائع الحربية التي هي سبب في هذا التسليم ، وحيث أنك جنرال مثلي يلزمك أن تشعر بحالي المحزنة ولكن يمكنك تخفيفها باشتراطك عليّ شروطا أهون وأيسر ، وإلا فلا يمكنني قبول شروطكم وحينئذ ادعو جيشي إلى شرفهم واخترق بهم صفوفكم وإلا فأبقى في سيدان متوقعا.

جواب الجنرال ملتك : إعتباري لكم عظيم وشرح حالكم في محله ، ولكن أتأسف على أنه لا يمكنني فعل شيء مما طلبتموه وأما خرق الصفوف وخروجكم من سيدان فمن المحال وكذلك تحفظكم فيها ، نعم إن عندكم عساكر عظيمة ولا سيما المشاة فإنهم على غاية من المهارة والإقدام وكذا فرسانكم وطوبجيتكم وقد أوقعوا بنا ضررا كبيرا ، غير أن

١٠٣

جل عساكركم قد فسدت أطوارهم وعندنا اليوم من أسراهم أزيد من ٠٠٠ ، ٢٠ نفر غير الجرحى ، فلم يبق عندكم الآن أزيد من ٠٠٠ ، ٨٠ نفر فلا يمكنكم إذا خرق صفوف جيشي ، فيلزم أن تعلم أن من جيشي حولكم ٠٠٠ ، ٢٤٠ نفر و ٥٠٠ مدفع منها ٣٠٠ على هيئة الإستعداد لإطلاق النار على سيدان والباقي أعني ٢٠٠ تكون على هيئة الإستعداد في فجر الغد فإن شئت تحقيق ذلك فأرسل أحدا من ضباطكم إليّ وإلا أرسله إلى المواقع المذكورة حتى يشاهد بنفسه ما قلته لكم ، أما تحفظكم داخل سيدان فمن المستحيل لأن المؤنة التي عندكم لا تكفيكم إلا ٤٨ ساعة ولم يبق عندكم شيء من الذخائر.

جواب الجنرال الفرنساوي : الظاهر أن من مصلحتكم حتى من المصلحة السياسية أيضا أن شروط التسليم لا تكون مخلة بشرفنا لأن جيشي يستوجب ذلك ومرادكم عقد الصلح وما أظن إلا أنكم تريدون عقده بسرعة ، وأمة فرنسا كريمة أكثر من غيرها ومستعدة للغداء وعلى هذا فهي تقدر مكارمكم التي تخصونها بها وتراعي الجميل ، فإن أمكنكم أن تشرطوا علينا شروطا من شأنها مداراة خاطر الجيش فإن الأمة تحسبه أيضا تملقا لها فيخفف عنها مرارة الإنهزام وبت شروط الصلح على هذه الصورة يكون على الدوام ، أما إذا عاملتمونا بالقساوة فلا شك أنكم تثيرون الكراهة لكم والبغض في قلب كل عسكري وعزة نفس جميع الأمة تعود وقد استاءت وبذلك توقظون الإحساس الذميم الذي أنامه التمدن وتخاطرون بإيقاد حرب لا نهاية لها بين فرنسا وبروسية.

فأجابه البرنس بسمارك قائلا : برهانك يظهر بادىء بدء أنه على الجد وهو في الحقيقة كلام ظاهر ولكن كما أنه لا ينبغي أن يعتقد اعتقادا راسخا بممنونية الإنفراد فكذلك لا ينبغي أن نتوقع ممنونية أمة كاملة أو نركن إلى ممنونية ملك ومراعاة الجميل معه وإن شئت فقل مع أهله أيضا ، نعم أنه في بعض الأحيان يمكن الركون إلى عهد ملك ولكن أكرر لكم أنه لا يمكن انتظار مراعاة الجميل من أمة ولو كانت أمة فرنسا مثل بقية الأمم ولو كان عندها تنظيمات ومبادىء راسخة ولو كانت مثل أمتي تحترم أحكامها وتنظيماتها ولو كان عندها ملك جالس على سرير الملك على أصول راسخة ثابتة لكنا نعتقد بممنونية الإمبراطور وابنه ، أما فرنسا فقد مضى ثمانون سنة وحكومتها قد تغيرت نوعا وجنسا بصورة غير ثابتة فما عاد من الممكن أن يعتمد عليها فبناء آمالنا على مودة ملك فرنساوي يكون من قبيل بناء في الهواء ، فإذا صدقنا أن فرنسا تسامحنا عن ظفرنا بها مع كونكم أمة سريعة الهياج ومجبولة على الحسد والكبر إلى النهاية فذلك جنون ، فإنها أعلنت بحرب بروسية منذ مائتي سنة ثلاثين مرة وهذه المرة أعلنتم الحرب معنا حسدا كعادتكم إذ لم يمكنكم أن تسامحونا عن ظفرنا في واقعة «سدوه» فهل يمكنكم أن تسامحونا اليوم في ظفرنا في سيدان؟ كلا ثم كلا ، فإن عقدنا معكم الصلح الآن فبعد بضع سنين تعودون إلى حربنا حين يتيسر لكم ذلك

١٠٤

وهي المكافآت على الجميل التي ترقبناها ، أما نحن فأخلاقنا مخالفة لأخلاقكم فإنا أمة صادقة ساكنة لا تحرص على الفتوحات وإنما تحرص على أن تعيش بالسلم وقد كفى اليوم ، فيلزم أن تتأدب فرنسا على تجبرها ويلزمنا أن نطمئن على سلامة أولادنا ، ولذا يلزم أن يكون بيننا وبين فرنسا حدود منيعة فلا بد لنا من أرض وحصون وحدود لنكون دائما آمنين من هجومها.

جواب الجنرال الفرنساوي : قد غلطت يا أيها الذات الموقر في حكمك على أمة فرنسا فإنك إنما تتصور فرنسا في سنة ١٨١٠ وتتصور حالها من أبيات بعض الشعراء ومن كلام بعض الجرنالات وهي اليوم على غير حال ، فإن بهمة الإمبراطور صارت أفكار أهلها مشغولة بالتجارة والصنائع والعلوم وكل واحد منهم يسعى في تكثير مكاسبه وينظر إلى منافعه وكلهم يحبون الإخاء ، أنظر إلى انكلترة مثلا فأين اليوم تلك الكراهة التي طالما أبعدتنا عنها ، أليس أن الإنكليز اليوم أعز أحبابنا وكذلك يكون أهل ألمانيا إذا أظهرتم المكارم معنا؟

البرنس بسمارك : قف هنا يا جنرال إن فرنسا لم تتغير فإنها هي التي أكرهتنا على الحرب ولأجل خداع الأمة حرصا على نفع آل الإمبراطور نابليون الثالث أعلن بحربنا ، نعم إنا ندري أن كثيرا من أهل فرنسا وهم العقلاء لم يريدوا الحرب ولكن تلقوا فكر الأمبراطور بالقبول والباقي هم الذين تحمسوا للحرب ، حتى أصحاب الجنرالات أيضا فهؤلاء القوم يلزم تأديبهم ولذلك يلزمنا أن نسير إلى باريس ومن ذا الذي يدري ماذا يقع بعده ، إذ من المحتمل أنه ينشأ عندكم دولة من الذين لا يعفون عن شيء بل يحدثون أحكاما على حسب هواهم ولا يعترفون شروط تسليم جيشكم فربما ألزموا الضباط نقض عهودهم ، نعم إنا نروم الصلح ولكن الصلح الذي يكون على أساس الثبات والدوام وشروطه صارت معلومة لكم ، فيلزمنا أن نجعل فرنسا بصورة بحيث لا يعود ممكنا لها أن تقاومنا فيما بعد ، وقد قدّر الله أن تكون زهرة عساكركم أسرى عندنا فمن الهوس أن نعيدهم إليكم ليعودوا إلى محاربتنا وشأن ذلك دوام القتال ، ومصلحة بلادي تأباه أيها الجنرال مهما يكن من المصالح المختصة بذاتك ومهما يكن من أفكارك عن جيشكم فلا يمكنني الإجابة إلى مطلوبك أو تغيير شيء من الشروط التي أبلغتك إياها.

الجنرال الفرنساوي : فلا يمكنني إذا أن أوقع شروط التسليم على هذا المنوال بل يلزمنا إدامة القتال.

جواب الجنرال كستلان من أعيان الأمراء الفرنساوية إلى البرنس المشار إليه : «عندي أن الوقت قد حان لإبلاغ ما ذكرتم إلى الإمبراطور».

جواب البرنس بسمارك : إنا سامعون لكم.

الجنرال كستلان : قد كلفني جناب الإمبراطور أن أبلغ مسامع جناب ملك بروسية أنه

١٠٥

كان بعث إليه بسيفه بدون شرط وسلم نفسه له بلا شرط وإنما فعل هكذا أملا في أن الملك يشعر بما يوحيه هذا التسليم فيقع لديه موقع الإعتبار فيتساهل مع جيش فرنسا بتسليم أشرف لهم كما تستحقه بسالتهم.

البرنس بسمارك : أهذا كلامكم كله؟

الجنرال كستلان : نعم.

البرنس بسمارك : ما هو السيف الذي سلمه الإمبراطور هل هو سيف فرنسا أو سيفه الخاص به ، فإذا كان سيف فرنسا أمكن تعديل الشروط ولكن يكون جوابكم الأخير ذا بال.

الجنرال كستلان : السيف الذي سلمه لكم الإمبراطور هو سيفه فقط.

الجنرال ملتك : فعلى هذا لا يمكن تبديل شيء من الشروط وإنما يكون للإمبراطور ما يختص به.

الجنرال دووميسين : إذا نستأنف الحرب.

الجنرال ملتك : المهلة تنقضي في فجر الغد وفي الساعة الرابعة أشرع في إطلاق النار عليكم.

البرنس بسمارك : نعم أيها الجنرال إن عندكم عساكر شجعانا فلا أشك أنهم يظهرون غدا بسالة غريبة ويرزؤن منا ويوقعون بنا الضرر ، ولكن ما الفائدة من ذلك لأنك في مساء الغد لا تجد نفسك متقدّما أكثر مما تقدمت اليوم ويبقى في أعناقكم دم عساكركم بل عساكرنا أيضا الذين يسفكون دماءهم لغير فائدة ، فقد أخبركم الجنرال «ملتك» أن مقاومتكم لنا هوس.

الجنرال ملتك : إني أؤكد لك مرة أخرى أن خرق صفوف عساكرنا لا يمكن ولو كان عسكركم على أحسن أهبة لأنه لأنه فضلا عن كون عسكرنا أكثر عددا من عسكركم ، فإني مستولي على مواقع تمكنني من إحراق سيدان في بعض ساعات وهذه المواقع متسلطة على جميع الجهات التي يمكنكم المرور منها وهي منيعة فلا يمكنكم حوزها.

الجنرال الفرنساوي : ليست مواقعكم قوية كما تذكرون.

الجنرال ملتك : أنت لا تدري المواقع حول سيدان وإني أفيدك فائدة تبلغ من أمتكم المتكبرة وهي أنكم عند افتتاح الحرب بيننا وزعتم على ضباطكم خرائط كان رسمها وطبعها في ألمانيا إذ يمكن لكم حينئذ أن تطلعوا على مواقع بلادكم إذ لم يكن عندكم خرائط لها ، فأقول لكم الآن أن هذه المواقع فضلا عن كونها منيعة فالإستيلاء عليها ضرب من المحال.

الجنرال الفرنساوي : إني أغتنم الفرصة لإرسال أحد من ضباطي كما عرضتم عليّ في مبادىء الأمر حتى يرى مواقعكم المنيعة وعند رجوعه أجاوبكم.

الجنرال ملتك : لا ترسل أحدا فإن ذلك عبث إذ ليس لكم وقت طويل حتى تتداركوا

١٠٦

ما يلزم فعله ، فالوقت الآن نصف الليل وبعد أربع ساعات تنقضي المهلة ولا يمكنني أن أمهلكم بعدها ولو دقيقة واحدة.

الجنرال الفرنساوي : ولكن يلزم أن تعلموا أنه لا يمكنني بت الرأي على شيء وحدي فيلزم أن أشاور سائر رفقائي الضباط ولست أدري أين أجدهم في سيدان في هذه الساعة فلا يمكنني أن أعطيكم جوابا في الساعة الرابعة فمن الضرورة والحالة هذه إطالة المهلة ، فعند ذلك أسر البرنس بسمارك إلى الجنرال ملتك في أذنه وأشار إليه بتطويل المهلة إلى الساعة التاسعة أعني قبل الظهر بثلاث ساعات ، فلما حانت سلم الجنرال الفرنساوي جميع عساكر فرنسا الذين في سيدان على موجب شروط الجنرال ملتك وبذلك يتبين حالة قوة فرنسا إذ ذاك واستعدادها ، فلذلك انقلب رأي الأمة الفرنساوية وحملوا الذنب على نابليون وخلعوه وأعادوا الدولة الجمهورية ثالثا ، وعاندوا ألمانيا إلى أن حاصرت باريس وأخذت مئات آلاف من عساكر فرنسا أسرى منهم مائة وخمسون ألفا أو يزيدون سلموا من غير دفاع في قلعة متس تحت رياسة الماريشال «بازين» ثم عقدوا الصلح على نحو ما طلبت ألمانيا بأخذها ولاية الإلجاس وقسم من ولاية اللورين وغرامة خمسة آلاف مليون فرنك مقسطة على خمس سنين ، وتتوج ملك بروسيا إمبراطورا على ألمانيا في قصر فرساي وحضر له ملوك ألمانيا ودخلت عساكرهم إلى باريس على وجه الإنتصار بلا حرب ، ومن ذلك الوقت تغيرت السياسة الأروباوية وصارت ألمانيا هي معدلة الميزان لكن فرنسا استولى رياسة جمهوريتها الرجل الشهير «بترس» ولم شعثها بعد حصول حرب أهلية هائلة من جمعية تعرف «بالكومون» أي الإشتراكيين الذين يريدون أن تكون الناس كلهم شركاء في جميع ما يمكن أن ينسب إلى إنسان ، وأضروا بباريس أكثر من إضرار المانيا بها وقد أظهرت فرنسا من الغنى ما لم يكن في الحسبان ودفعت الغرامة تماما قبل أبانها بأزيد من سنتين ولم يؤثر ذلك في ماليتها أدنى خلل ، فإن المقدّر من خسائرها وغرامتها في ذلك الحرب نحو عشرة آلاف مليون ، ومع ذلك فإنها عند إرادتها استقراض ثلاثة آلاف مليون لدفع بقية الغرامة هرعت لها أرباب المال من كل فج حتى من ألمانيا ، وأحضروا لها ما ينيف عن الخمسين ألف مليون وأقبلت على إصلاح داخليتها وعساكرها بما أرجعها لاعتبارها وأوجس غالبها منها خيفة ، وقد أحدث الفرنساويون في حديقة الشانزي لزي محلا حيطانه مرايا مكبرة بحيث يحسبه الداخل بلا حيطان ويرى منه صورة حالة باريس من الحرق والهدم وقت الحرب تذكارا منهم لإحياء أخذ الثار ، وقد رأيت ذلك المكان وله منظر هائل واستقرت الحكومة إلى الآن جمهورية.

مطلب : في السياسة الداخلية في فرنسا

قد تقررت الحكومة الجمهورية على القانون الآتي ترجمته :

البند الأول : إن مجلس الأعيان ومجلس النواب يجتمعان كل عام يوم الأربعاء.

١٠٧

الثاني (١) : من كانون الأوّل يناير إلا أن يكون جمعهما قبلا رئيس الجمهورية ، فالمجلسان ينبغي أن يعقد جلساتهما أقله في مدة خمسة أشهر كل سنة وجلستا كليهما تجتمعان وتنتهيان معا وتقام الأدعية الجمهورية لله سبحانه في الكنائس والمعابد لالتماس المعونة منه تعالى في أعمال المجالس.

البند الثاني : إن رئيس الجمهورية يختتم الجلسة وله حق أن يستدعي المجالس للاجتماع فوق العادة وينبغي أن يستدعيها إذا ما صار الطلب في أثناء الجلسة من أكثرية الأعضاء المؤلفة لكل مجلس ، على أن رئيس الجمهورية له أن يؤجل اجتماع المجالس إنما لا يمكن أن يطول هذا التأجيل أكثر من شهر ولا يحدث أكثر من دفعتين في جلسة واحدة بعينها.

البند الثالث : وقبل ما ينتهي الأجل القانوني لسلطان رئيس الجمهورية أقله بشهر واحد ، يجب أن تجتمع الأعضاء في مجلس الأمة ليباشروا انتخاب الرئيس الجديد ، وإذا لم يضر استدعاء المجالس للاجتماع فعلى المجالس أن تجتمع من تلقاء ذاتها قبل نهاية سلطة الرئيس بخمسة عشر يوما ، وإذا ما توفي رئيس الجمهورية أو تنازل عن وظيفته يجتمع المجلسان حالا بسلطانهما الخاص وإذا ما وقف مجلس النواب حين ما يفرغ مسندا لرئاسة الجمهورية تبعا للبند الخامس من قانون ٢٥ شباط فبراير سنة ١٢٩٣ ه‍ ١٨٧٥ م ، تستدعى المجامع الإنتخابية حالا ويجتمع مجلس الأعيان الخاص بمطلق سلطانها.

البند الرابع : إن كلا من مجلس النواب والأعيان إذا اجتمع في غير الوقت المعين للجلسة العمومية يكون باطلا ولغوا مطلقا ، ما عدا الحادث المنبه عليه في البند السابق وما عدا ما إذا اجتمعت الأعيان للقضاء في الدعاوي والعدلية ، وفي هذا الحادث لا يحق لها إلا مباشرة الوظائف القضائية.

البند الخامس : إن جلسات الأعيان ومجلس النواب تكون مشتهرة على أن كل مجلس له أن يقيم جمعية سرية في طلب عدد معلوم من أعضائه معين بالقوانين ، ثم تقضى بموجب رأي الأكثرية المطلقة إذا ما اقتضى إعادة الجلسة جهارا على نفس المشروع.

البند السادس : إن رئيس الجمهورية يتخابر مع المجالس بواسطة رسائل يقرؤها أحد الوزراء ويحق للوزراء الدخول في المجلسين والتكلم فيما إذا ما طلبوا الإصغاء لأقوالهم ولهم أن يستعينوا بمعتمدين معلومين للبحث في إنشاء قانون معين بحكم رئيس الجمهورية.

البند السابع : إن رئيس الجمهورية يبث السنة في الشهر الذي يلي تسليم السنة المقررة نهائيا للحكومة ، وعليه أن يبث في ثلاثة أيام السنن التي حكم كلا المجلسين بوجوب السرعة في بثها ، على أن رئيس الجمهورية له في المهلة المعينة لإذاعة السنن أن يطلب

__________________

(١) أي مجلس النواب.

١٠٨

بواسطة إرسالية محقة ولا يرفض طلبه إعادة المخابرة في تقرير القانون والسنة.

البند الثامن : لرئيس الجمهورية أن يخابر في المعاهدات ويقرّرها ويبلغها للمجالس حالما تسمح له ذلك صوالح الدولة وأمنيتها ، أما المعاهدات المتعلقة بالصلح والتجارة والمعاهدات المرتبطة بمالية الدولة والمنوطة بحالة الأشخاص وبحق الملكية لتبعة الدولة الفرنساوية في الخارج فلا يجزم جزما نهائيا إلا بتقرر المجلسين ، ولا يعطى ولا يبدل شيء من الأراضي الفرنساوية ولا يضاف إليها شيء إلا بتقرير قانوني من المجالس.

البند التاسع : ولا يحق لرئيس الجمهورية أن يشهر الحرب بدون رضى المجلسين.

البند العاشر : إن كلا من المجلسين قاض في إنتخابية أعضائه وفي أحكام قانونية إنتخابه وله وحده أن يقبل اعتفاء من يعتفي من وظيفته.

البند الحادي عشر : إن رؤساء كل من المجلسين ينتخبون كل عام لمدّة الجلسة بتمامها ولكل جلسة فوق العادة تصير قبل الجلسة المألوفة في السنة التالية ، ومتى اجتمع كلا المجلسين بجلسة مجلس الأمة تتألف رؤساؤه من الرئيس ونائب الرئيس وكتمة أسرار الأعيان.

البند الثاني عشر : لا تقبل شكوى على رئيس الجمهورية إلا من مجلس النواب ولا يحكم عليه إلا الأعيان ، وتقبل الشكوى على الوزراء من مجلس النواب بجناية ارتكبوها في مباشرة وظيفتهم فحينئذ تقام محاكمتهم في الأعيان ، ولرئيس الجمهورية أن يقيم على الأعيان مجلس محاكمة بحكم يصدره في مجلس الوزراء لمحاكمة كل من تقدم عليه شكوى بذنب يخل بأمنية الدولة ، وإذا ما شرع بالإستعلام في محكمة العدلية المألوفة فيمكن أن يصدر الحكم باستدعاء الأعيان للاجتماع إلى حين استئناف الدعوى إليها ويقام قانونا يعين كيفية سماع الدعوى والإستنطاق والحكم.

البند الثالث عشر : لا تقام دعوى على أحد الأعضاء من كلا المجلسين ولا يطالب بشكوى في شأن رأيه واقتراعه حال كونه في مباشرة وظيفته.

البند الرابع عشر : ولا تقام دعوى على عضو من كلا المجلسين بمادة جنائية أو تأديبية ولا يلقى القبض عليه في مدة الجلسة إلا بإذن المجلس الذي هو عضو منه ، ما لم يؤخذ في حال فعله ، ويتوقف ضبط أحد الأعضاء من كلا المجلسين ومحاكمته في الجلسة وفي كامل مدتها بطلب المجلس اه.

فهذا القانون يبين لك أصول الإدارة ورئيس الجمهورية الآن قد عينت له مدة الرياسة خمس سنين وهو الآن البرت أقريفي. وأما بقية تفصيل الإدارة فهي على نحو ما تقدم في الكلام على سياسة إيطاليا من انفراد الإدارة العامة عن الأحكام الشخصية وتصرف رئيس الدولة بواسطة الوزراء ، وكون الوزراء مسؤلين لمجلس النواب ومجلس الأعيان ، بحيث أن الحكومة شورية حقيقة لا يصدر عنها إلا ما يوافق عليه غالب الأمة بواسطة وكلائهم ، يجري ذلك في حقير الأشياء وعظيمها ، والوزراء ينتخبون ممن تثق بهم أغلبية المجالس

١٠٩

لكي يأمن المجلس بتصرفاتهم ، لأن للمباشرة في الإجراء دخل عظيم في نجاح الأفكار ، ولأن بعض الأمور تفوت بفوات وقتها فهب أن الوزير مسؤول ويجري عليه العقاب بإخلاله لكن منفعة الأمة عموما تفوت بفوات الفرصة ، ولذلك كان انتخاب الوزراء ممن تعتمد المجالس عليهم زيادة على شروط الأهلية الذاتية ، وهكذا بقية الإدارات على نحو ما مر في إيطاليا. غير أن فرنسا لما كانت لها مستعمرات كثيرة فهي تعدهم مثل ولايات فرنسا وأوطانها في كيفية الإدارة ، وكون مصدرها هم الوزراء المعهودون من غير تخصيص بوزير للمستعمرات كما تفعل الدول التي لها مثل ذلك ، فهي من هاته الجهة تعد مستعمراتها جزءا منها لكنها تحرمهم مما تحوزه أهل فرنسا من الحقوق والمنح كالحرية وحق إدخال أعضاء في مجلس النواب وأعضاء في مجلس الأعيان إلى غير ذلك من الإمتيازات المحصل عليها أهل فرنسا ، فلذلك كانت مستعمراتها أسوأ حالا من غيرها لفقدانهم حريتهم الأصلية وعوائدهم واستقلالهم مع حرمانهم مما للمتسلط عليهم من الخصائص.

وأما إدارة الأحكام فهي أيضا على نوع ما تقدم في إيطاليا ، ومن أهم ما يذكر فيها وجود حكام الجوري وهم أعداد من مطلق الناس تنتخبهم العامة لمدة من الزمان لأجل مشاركة مجلس الجنايات الشخصية في النظر ، بمعنى أنهم يحضرون المجلس المركب من رئيس وعضوين ويعمل المجلس جميع المقدمات بمحضرهم ثم يسألهم رئيس المجلس عما يرون في النازلة. هل صاحبها مجرم أم لا؟ ومن أي نوع جريمته؟ فيتفاوضون وما يستقر عليه رأيهم يعلمون به المجلس ، ثم المجلس يطلق المدعى عليه حالا إن رأى الجوري براءته أو يعين العقوبة من القانون إن رأى ذنبه ، والسبب في إيجاد الجوري هو زيادة الإحتراس في الحكام عن ميلهم إلى محاباة الأمراء والوزراء ، لأن وظيفة الحكام وإن كانت عمرية وهم منتخبون بشروط العفة والأهلية ووراءهم احتساب مجلس الأعيان ومجلس الأمة ومن ثبت إرتشاؤه يعاقب أشد العقاب ولا تهمل العقوبة بعفو أو شفاعة ، لكن ربما أغرتهم مع ذلك الدواعي بالترقي إلى الرتب العالية التي هي بيد الأمراء والوزراء ويتعذر الإحتساب بما يرتب من الحيل ، فدفع هذا بمشاركة الجوري الذين هم ليسوا بمتوظفين ولا خوف ولا طمع لهم ، لكن في ذلك مفسدة أيضا إذ هؤلاء الجوري كثيرا ما يكونون غير فقهاء ولا دراية لهم بالأحكام ولا ببواعثها ولا بالتحري فيها فيخبطون خبط عشواء ويضيع الحق بسببهم ، إذ لا تعقب لما يرونه. وبه يعلم مدرك الشرع الإسلامي في إناطة الحكم بالعلماء أهل العدالة وما أدراك ما العدالة ومشاورة الحاكم للعلماء وكون حكمه جهريا ثم وراءه احتساب أهل الحل والعقد الداخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومن المفاسد الموجودة أيضا عندهم في انتخاب أعضاء مجلس النواب أو غيرهم ممن تنتخبه الأهالي ، أن أفرادا ممن يعدون أنفسهم للإنتخاب يعقدون مواكب ويدعون إليها الأهالي في أماكن فسيحة ويلقون عليهم خطبا يبينون فيها أفكارهم ومقاصدهم في سياسة المملكة وجدارتهم للقيام بالمناضلة عنها وثقتهم بالسامعين لأن يكونوا من حزبهم ، حتى

١١٠

يقع انتخابهم على الخطيب ومع ذلك يعطون الرشا لمن له صوت في الإنتخاب لكي يحصلوا بذلك أكثرية المنتخبين ، فكثيرا ما ينجح سعيهم ويحصلون على الوظيفة بذلك الطريق بعد أن تقع غوغاء وتشاتم وسباب بين أحزاب المنتخبين ، فيدخل بسبب ذلك في الوظيفة من لا ترتضيه الأهالي حقيقة أو من ليس جديرا بها لكثرة أغراضه وغير ذلك ، وهذه المفسدة ولئن كانوا جعلوا لها علاجا وهو أنه بعد التئام المجلس المنتخب ينظر في المنتخبين هل هم مستكملوا الشروط أم لا؟ ومن كان غير مستكمل يفصل عن المجلس ويعاد انتخاب غيره ، لكن ذلك لا يفيد في أغلب الأحوال لأن الذي انتخب بحيلته ورشائه قد يكون مستكمل الشروط الرسمية ، فلا يجد المجلس سبيلا للقدح فيه لكنه غير مستكمل الشرط الأساسي وهو ارتضاء الأمة حقيقة بمسلكه السياسي ، فلذلك كان ينبغي أن يعتبر أن طالب الولاية والأمانة يحرم منها فشرعنا الشريف ولله الحمد مزيح عنا مثل تلك المفسدة ، وطالب الولاية وإن كان عدلا متوفرة فيه شروط وظيفته فإنه يحرم منها بحرصه عليها ، هذا وقد تضمن كتاب أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك تفصيل إدارة هاته المملكة بما يعز وجوده في غيره وينبىء عن باع صاحب التأليف وبصارته في السياسة ، فمن أراد تحقق الأمور وتفصيلها فليرجع إليه.

مطلب : في السياسة الخارجية في فرنسا

اعلم أن فرنسا لما كانت من أعظم الدول الأوروباوية وفي طبيعة أهلها حب الفخر والوجاهة أكثر من غيرهم ، كانت تحب التداخل في أمر غيرها أشد ممن سواها ممن يقارنها وكفى بما ذكرناه في أحوال نابليون الأول والثالث وأسباب حرب سنة ١٢٨٧ ه‍ ١٨٧٠ م شاهدا على ما ذكر ، ولذلك كانت فرنسا لها ما لإيطاليا مما ذكرناه في سياستها الخارجية وتزيد بتطلب النفوذ في جميع الجهات ، إذ جعلت فيها مستعمرات كثيرة فكل مملكة جاورتها ولو في مستعمراتها تتطلب النفوذ لديها ولو بالإعتبار فيما إذا كان الجار ذا شوكة وشأن ، أما إذا كان ضعيفا في القوة والإدارة فإنها تلتقمه مهما سنحت لها الفرصة ، شأن طبيعة الدول القوية ودونك ما وقع في تونس هاته السنة وهي سنة ١٢٩٨ ه‍ مما يوضح هذا المقصد ، وهو الذيل الذي نبهنا عليه في الباب الثاني عند الكلام على سياسة تونس الداخلية والخارجية.

ذيل : في تسلط فرنسا على تونس

قد مر في المطلب الثامن من أحوال الإدارة الداخلية في تونس ، حالة وزارة وزيرها مصطفى بن إسماعيل وتصرفاته وما وقع في نازلة صانسي الفرنساوي التي كانت سببا في خوف هذا الوزير من القنصل ورام أن تبدله دولته ، وتقدم أيضا ما هي مقاصد فرنسا في تونس وأنها تروم نيل الدرجة العليا فيها ولما رأت سيرة الوزير المذكور لم تأمن وقوع ارتباكات مغايرة لما كانت راضية بالبقاء عليه ، وخشيت ضياع الفرصة من سهولة التوصل

١١١

على يد ذلك الوزير إلى ما لم يمكن التوصل به على يد غيره من ذوي العرض والعقل ، فلذلك بينما كانت مساعي الوزير جارية في إبدال القنسل وإذا بالسعاية إليه قد غيرت مشربه حتى طمع في ولاية العهد بأن يتولى هو الإمارة بعد سيده الوالي الحالي الصادق باشا إذا أتم إدخال تونس طوعا تحت فرنسا ، فراكن حينئذ قنسلها وأحكم معه المودة وصارت بطانة الوزير تأتي إليه معلمة بجميع أسرار الحكومة وسائر تصرفاتها ، وأضمر ابن إسماعيل الشر لمن كان أوعز إليه بأن يشتكى من القنسل إلى دولته ، ثم تفطن بذلك التواطؤ السري ونصحه بأنه لا ينتج له شيئا وعلى فرض الوفاء له بالوعد فإنه لا يلبث أن يناله ما نال الوزير ابن العلقمي (١) في انقراض دولة بني العباس من بغداد ، واتفق ذلك الوزير مع القنسل على شروط إدخال تونس تحت فرنسا غير أن الوالي لم يساعف على لائحة تلك الشروط التي قدمت إليه سرا بواسطة الوزير ، وخشي من الدول ومن الأهالي في البغي منه على الدولة العثمانية وفي تغيير حالة السياسة وجعل الوالي يسوف العقد من وقت إلى آخر ، وجعل الوزير يسعى في إحداث وجه لتداخل فرنسا وإنفاذ أمرها فأكثر من الرسل السرية إلى الأستانة متطلبا أن يدعى هو إليها رسميا أو يرسل بعض الأسطول العثماني إلى مرسى تونس ، مع إظهار زيادة التشيع إلى الدولة العثمانية حتى لا يتفطن إلى مساعيه الباطنية فلم يساعف من السلطان إلى مطلبه ، إذ لم يكن له من داع كما أنه لم تفد في الدولة العثمانية الإيقاظات إلى دسائسه وعزمه حتى تسعى في سعة لدفع الغوائل المتوقعة ، إذ من الملوم إن الدغل السياسي هو كالمرض المزمن الذي لا ينجح فيه العلاج إلا تدريجا عند أول حدوثه سيما إذا كانت الدولة المعالجة محتاجة إلى استمالة غيرها من الدول القوية إلى معاضدتها على قرنها القوي ، ومع ذلك أيضا قد عكر الوزير ابن إسماعيل حالة الخلطة مع إيطاليا لعلها تعلن على تونس الحرب ومنح للفرنساويين منحا لم يطلبوها مما يزيد في نفوذهم والشحناء معهم كما تقدم ذكره في المطلب الثامن من أحوال تونس ، ولما لم تنجح جميع تلك المساعي التي كان يمكن لفرنسا الإستناد عليها في وضع حمايتها على تونس أحدثوا أقاويل في إهمال حقوق الفرنساويين بتونس وأظهر الوزير المذكور الإستخفاف بقنسل فرنسا ومال عنه كل الميل ظاهرا ، ورام أن يظهر التعطيل في إجراء المنح التي أنالها إلى الفرنسيس بأوجه من الإعتذارات حتى أغريت رعايا فرنسا بتونس على أن تكتب تقريرا بالتشكي من ضياع حقوقهم وطلب دولتهم للإنتصاف لهم ، فلم يرع الأمم إلا أن فرنسا جلبت بخيلها ورجلها على حدود تونس معلنة بأن قصدها إنما هو حفظ حقوقها من جهة

__________________

(١) هو محمد بن أحمد بن علي أبو طالب مؤيد الدين الأسدي البغدادي المعروف بابن العلقمي (٥٩٣ ـ ٦٥٦ ه‍) وزير المستعصم العباسي وصاحب الجريمة النكراء في ممالأة هولاكو على غزو بغداد. توفي ببغداد غمّا في قلّة وذلّة. الأعلام ٥ / ٣٢١ شذرات الذهب ٥ / ٢٧٢ الوافي بالوفيات ١ / ١٨٥ مرآة الجنان ٤ / ١٤٧ فوات الوفيات ٢ / ١٥٢ النجوم الزاهرة ٧ / ٢٠ تاريخ ابن الوردي ٢ / ٢٠١ تاريخ الخميس ٢ / ٣٧٧.

١١٢

الحدود وغيرها واستندت في عملها لما تضمنته لائحة وزير خارجيتها إلى سفرائه وهذا نص تعريبها.

باريس ٩ مايس سنة ١٨٨١ أيها السيد أتشرف بأن نرسل لكم جملة رسائل في شأن تونس ونريد أن نحقق لكم المقصود إجمالا ونخبركم عن سبب إرسال العساكر الآن وعن النتيجة التي نرجو إتمامها ، فكم من مرة قد عرفت الدولة الجمهورية بدواعيها ومقاصدها وأنتم تتذكرون ذلك خصوصا ما صرح به السيد رئيس الوزراء في المجلس العام ، وهو لا يمكن أن يكون فيه أدنى شك من جده وصدقه ومع هذا فإني أريد زيادة إيضاح لكم لينفعكم لدى الدولة التي أنتم عندها فنقول : إن سياسة فرنسا في تونس ليس لها إلا مقصد واحد وهذا المقصد الذي يكفي لوضوح موضوع سيرتنا منذ خمسين سنة نحو المملكة هو الواجب علينا لحفظ راحة مستعمراتنا العظمى الجزائرية ، فمن سنة ١٨٣٠ لم تأت دولة من الدول المتتابعة وتركت هذه الهمة العظيمة وإنا لنعمل الواجب علينا لحفظ مستعمراتنا الإفريقية التي لا يوجد أحد من أوروبا أنكر علينا ذلك فيها لحفظها من جار عدو كثير الأراجيف ، وقد كانت القبائل التونسية مخوفين ومحاربين حتى فيما بينهم وقد فاق على الجميع قبائل وشتاتة والفراشيش وخمير ولا تعرف كمية المحاربين ولا كمية قوتهم ، فلذلك التزمنا الآن أن نرسل من العساكر عشرين ألفا وهذا مما يدل على قوتهم أي الأعداء المتحصنين في بلاد منيعة تقريبا ، وكان الداعي الأول لإرسال العساكر هو قهر قبائل حدودنا الشرقية ولكن لا فائدة في تقرير الأمن والراحة وأعداؤنا لا زالوا يهددوننا ، ونحن لا نخاف من الهجوم الكبير المنسوب لباي تونس إذا كان منه وحده لكن النظر القليل في العواقب ألزمنا التحري من اتحاد الباي مع غيره ، وهذه التشويشات يمكن أن يأتي لها وقت وتقلقنا كثيرا في الجزائر وتصل حتى إلى فرنسا ، فيلزمنا بناء على ما ذكر أن يكون لنا عند الباي محبة كبيرة واتفاق قلبي ، ويلزمنا جار يعوضنا المحبة التي لنا عنه ولا يسمع التشويشات الخارجية لضررنا واستحقار قوتنا الراسخة ، وقد وضحنا من نحو أربعين سنة بأنه يلزمنا لمحافظة فرنسا الجزائرية أن نحصل في المملكة على قاعدة راسخة ونحن نحترم بالتدقيق منافع الأجانب وهم يقدرون أن يتوسعوا بثبات مع فوائدنا ، والدول يتحققون أن مقاصدنا من جهتهم لا تتغير وإلى هاته المدة الأخيرة اتحادنا مع دولة الباي المفخم مستمر ، إلا ما يحدث أحيانا من الإختلاف في دفع تعويضات لقبائلنا المضرورين. ثم في الحين يرجع الإتحاد ويزداد ثبوتا بعد هاته الإختلافات الصغيرة ، إلا هاته المدة الأخيرة فإنه بأسباب يصعب الإطلاع عليها قد تغير ميل الدولة التونسية إلينا دفعة واحدة وكانت إذ ذاك الحرب ساكنة ، ثم لا زالت تزداد إلى أن وضحت وتقوت ومبناها ضد كل الإمتيازات التي حصلت للفرنساويين في تونس مع شدة الإرادة الرديئة إلى أن وصلت لهذا الحال وهذا هو السبب الثاني لإرسال العساكر الذي كنا نود التجنب منه.

ولكن بسبب السيرة الرديئة التي طالما صبرنا عليها التزمنا بما هو واقع ، ولو أننا بها

١١٣

ضمنا الباي في المطالب الحقانية لأننا نتعرف بتونس كمملكة مستقلة وأما الحالة في الخلطة الآن مع الباب العالي فهي مخالطة محبة وميل طبيعي وبودنا أن لو كنا رأينا نازلة تونس في منظر آخر غير التي هي عليه الآن ، ولكن قد بان ما يجب علينا مما ذكرناه سابقا وإننا نقدر أن نستفهم من الباب إذا كان باي تونس هو وال من قبلهم ، فلماذا لم يمنعوا سيرته التي فعلها نحو فرنسا منذ عامين؟ ولماذا لم يفتشوا ليمنع التحير الموجود الآن الذي نحن منذ زمن طويل كنا نسعى في عدم إيقاعه؟ ويلزم لهذا التميز الذي نحن مجتهدون في حصره أن ينتهي بشروط تؤمن حدودنا من الهرج المستمر والتشويش المغري لباردو إما من غيره أو من نفسه فهذان هما المقصدان لإرسال العساكر ، ولا نخف عند ما نقول أن لنا في أوروبا بالرضاء العام في جميع الجهات عدا الجهات التي بها النظر الفارغ المطمس للعقول ، وهذه هي أيها السيد التي خيمت حول الباب وحول تونس ومن كلا الطرفين فنحن مشمولون بالمحبة وجميع ما نرجو من الباي هو أن لا يكون عدوا لنا ، ولو أن المملكة تنظر لفوائدها فتقدر أن تحصل من إتحادها معنا فوائد لا تحصى أكثر مما نحصله نحن منها ، ونقدر أن نأتي لها بكل خير من العمران الحاصل عندنا. ففي سنة ١٨٤٧ فعلنا فيها البريد ، وفي سنة ١٨٥٩ وسنة ١٨٦١ فعلنا التلغراف ، وفي سنة ١٨٧٧ وسنة ١٨٧٨ فعلنا «الشمندفير» الذي طوله ٥٠ فرسخا من حدود الجزائر إلى تونس ، وفي هذا الزمان نفعل لها شمندفرين جديدين ، أحدهما : يربط تونس بابن زرت من جهة الشمال وطوله ٢٠ فرسخا ، والآخر : يربط تونس بسوسة من جهة الجنوب.

وسنبتدىء عن قريب في ابتداء عمل مرسى في تونس نفسها لتدخل المراكب من الشط ومن حلق الوادي حتى إلى ذات القاعدة ، ودين تونس وإن كان رأس ماله مشترك بين فرنساوي وإنكليزي وطلياني لكنه إذا اعتبرت النسبة فيوجد ثلاثة أخماسه لفرنسا وأن الحنايا الجميلة لإدريان التي تأتي بالمياه العذبة لتونس قد أصلحها أحد المهندسين الفرنساويين ، ولما ترجع الخلطة الطيبة فإنا لا نزال نفعل أشياء حسنة ومنارات على الشطوط وطرقا داخلية توصل بين البلدان العامرة الناجحة ونسقي الأرض بالترع الكبيرة في البلاد التي بها أنهر كثيرة ، ولكن هاته البلاد أهلها ليسوا معتنين بتلك الأنهر وكذلك الغابات ، وكذلك نعمل استخراج المقاطع الموجود بها كل نوع من المعادن ، وكذلك ترتيب الفلاحة في الأراضي الحسنة التي للأجانب في المملكة والتي للأهالي أيضا ، وكذلك استعمال المياه المعدنية التي اكتشفها الرومانيون واستعملوها ، وبالجملة إن مملكة تونس خصبة وغنى قرطاجنة القديمة يدل على ذلك وتحت الحماية الفرنساوية يمكن أن تزال جميع الحجب عن المنافع الطبيعية في هاته البلاد وتنتشر بقوة وبشدة الترتيب الجديد نقدر أن نزيد أشياء أخر ، وهي أنه إذا كان الباي يعتمد علينا في الترتيب الداخلي في المملكة فإنا نفعل تعديلا لازما قارا وهذا الخير الذي يسهل علينا عمله ، منه : ترتيب كيفية قبض المدخول وترتيب المخروج وترتيب دفاتر الحساب على مقتضى ما نستعمله

١١٤

نحن في ماليتنا ، ومنه أيضا خبر عظيم وهو ترتيب العدلية على الأصول التي فعلتها الدول في ترتيب العدلية في مصر ، وفائدة هاته التراتيب لا ترجع لفرنسا وحدها بل أن المملكة يرجع لها النفع وكذلك لجميع الدول المتمدنة التي نحن منها ومن غير فتح ولا حرب ، فلا شيء يمنعنا من عملنا في تونس مثل الذي فعلناه في جزائرنا والذي فعلته إنكلاتيرة في الهند ، وإذا نحن جعلنا باي تونس متكفلا بمطالبنا الحقانية فهو دليل على ما نحسبه دائما من أن تونس مملكة مستقلة من غير أن نراعي بعض آثار للتبعية بالإسم فقط لبعض أسياد قد تركوها منذ عدة قرون ، وقد تظهر تلك التبعية نادرا ولو تحسب المدة التي هي فيها مستقلة لكانت أكثر من مدة التبعية ففي سنة ١٥٣٤ أخذها المشهور «بباربوروس خير الدين» أربع أو خمس مرات بانتصاره على الإسبانيول ، وفي العام الذي بعده أخذها «شارل كين» (١) وكذلك في سنة ١٥٥٣ ثم أخذها داي الجزائر سنة ١٥٧٠ ، ثم أخذها «دون جوان» النمساوي سنة ١٥٧٣ ، ثم في طول القرن السابع عشر كانت تحت ظلم الإنكشارية من غير حكم ورؤساؤهم الموسومون بالدايات كانوا إذ ذاك أربعين فقسموها تقريبا كالمماليك الذين قسموا مصر ثم في سنة ١٧٠٥ كان أحدهم المسمى بحسين بن علي (٢) الذي أصله كريكي أو كرسكي صار مسلما ، وكان هو أحذقهم فعرف كيف يشدهم وقتل جميعهم واشتهر بالباي وبعصبيات العساكر أقام العائلة الحسينية ومن ذلك الوقت لم تزل الإمارة فيهم على هيئة السيادة الإسلامية ، والآن ٢٠٠ سنة تقريبا وهم مستقلون والرابطة الحقيقية ، بينهم وبين الباب العالي هي رابطة دينية ، وهم يعترفون بالخليفة إلا أنهم ليسوا تحت السلطان ومما يوضح هذا أنهم لا يدفعون له أداء ، إلا أنه عند ولاية كل باي يرسل هدية غنية تعظيما لرئيس الديانة القاطن بالقسطنطينية ، وفي باقي مدة الولاية فلا مسألة سياسية يمكن أن تذكر غير هاته التحية الودادية ، فليس لأمير المؤمنين حق آخر على باي تونس.

والمملكة تعقد شروطا كدولة مستقلة مع الدول الأجانب وتعقد معهم اتفاقات ويكون لها قوّة وذلك برضاء الباي فقط وعلى هذا النمط وقعت معاهدة مع فرنسا في سنة ١٧٤٢ ، وكذلك في العام الثالث والعام العاشر ، وفي سنة ١٨٢٤. وهكذا صارت المعاهدة المهمة في ٨ اغستوس سنة ١٨٣٠ التي تمنع ملك العبيد والتلصص في البحر ، ولا يلزم التكلم على المعاهدات الباقية كالتي في حق صيد المرجان وأن الباب لا يحكم على الولاية إلا

__________________

(١) هو كارل الخامس أو شارلكان (CharlesQuint) ولد سنة (١٥٠٠) امبراطور الغرب (١٥١٩ ـ ١٥٥٦) ملك إسبانيا (١٥١٦ ـ ١٥٥٦) احتل تلمسان (١٥٣٠) وتونس (١٥٣٥) وقصف الجزائر (١٥٤١) انزوى في دير يوست وتوفي فيه. المنجد ص (٥٧٩).

(٢) هو حسين بن علي تركي : أبو محمد (١٠٨٠ ـ ١١٥٣ ه‍) لقب بالباي وهو مؤسس الإمارة الحسينية في تونس وإليه نسبتها أصله من كريت ولكنه ولد في تونس نودي بإمارته سنة (١١١٧ ه‍). قتل في واقعة بالقرب من القيروان. الأعلام ٢ / ٢٤٧ دائرة المعارف للبستاني ٧ / ٥١.

١١٥

حكما وقتيا وهو راض باستقلالها ، ومما يؤيد هذا أنه في القرن الثامن عشر لم يقبل تشكي دول أوروبا من التلصص البحري والسعي البربري ، وليس له حكم عليهم وهو ليس مولاهم وهو لم يضمن السرقات التي فعلوها مخلة بتجارة البحر المتوسط ، وأن دول أوروبا عملوا الحرب عشرين مرة مع المملكة من غير عقد الحرب مع تركيا. وفي سنة ١٨١٩ كانت معاهدة «اكس لاشبيل» (١) قد حكمت على تونس بمنع التلصص البحري من غير أن تطلب من الباب التداخل على أنه متسيد على تونس ، وفي سنة ١٨٣٣ فمملكتا سردينيا ونابلي عملا الحرب مع تونس من غير عمله مع الباب لأنهم يرون مثل ما نرى أن تونس مستقلة ، ثم أن علاقة تونس مع فرنسا من وقت أخذ هاته الجزائر على النحو السابق من غير واسطة تركيا.

ولما قدم إلينا أحمد باي في سنة ١٨٤٣ اقتبل بكل ما يلزم من التعظيم للملوك والباب العالي لم يتوجع إذ ذاك من عملنا التعظيم الملوكي المذكور ، وكذلك جميع أوروبا لم تلم على ذلك لأن رأيها موافق لرأي اللورد «آبردين» الذي يقول في تسجيله ضد أخذنا الجزائر المكتتب بتاريخ ٢٣ مارث سنة ١٨٣١ : أن الدول الأروباوية من مدة طويلة يفعلون المعاهدات مع الدول البربرية مثل الدول المستقلين وخصوصا تونس فإنها لا تحسب نفسها إلا حرة ، والدليل الواضح الحقي الذي لا ينكره أحد هو عمل القوانين في تونس المسماة «بويورلدي» وحلف عليها الباي الموجود بتونس محمد الصادق لما جلس على الكرسي في ٢٣ أيلول سنة ١٨٥٩ مثل ما حلف أسلافه ، فإن قانونا واحدا منها وهو المسمى بالقانون النظامي لمملكة تونس قد احتوى على مائة وأربعة عشر مادة وانتشر بالعربي والفرنساوي في تونس وفي بونة ، ولم يصرح فيه ولا بكلمة واحدة تقول السلطان ، ومما لا يقدر أن يشك أحد معه في استقلال الباي ما نشر في الصحيفة الرابعة من المقدمة في ذلك القانون ونصه :

«إن المتوظفين الكبار التونسيين اختاروه بكلمة واحدة ليكون رئيس الدولة على مقتضى قانون الوراثة المعروف في المملكة وفي ذلك القانون فصول تامة شرحت الحقوق والواجبات للملك وحالة الأمراء من العائلة الحسينية وحقوق وواجبات الرعايا وكيفية خدمة الوزراء وترتيب خدمتهم ، والمجلس الكبير بالمملكة والمداخيل والحساب ولا شك أن من يطلع عليها يقدر أن يجد ذلك البيان غريبا إذا أراد أن يقيس على رأينا الأروباوي ، ومع هذا فهو دليل واضح على استقلال مملكة تونس وأنها ليست تحت دولة أجنبية ، وجميع المعاهدات التي بين الدول الأروباوية ومملكة تونس منذ مدة الثلاثة قرون الأخيرة لم تقل أبدا إلا مملكة تونس وملك تونس ، ومنها خمسة عشر أو عشرون معاهدة أمضيت بفرنسا فيها ذلك القول ، وفي سنة ١٨٦٨ المعاهدة التي وقعت مع إيطاليا مذكور فيها

__________________

(١) معاهدة «أكس لاشبيل».

١١٦

مملكة تونس ، وتونس أيضا لم تسم نفسها في قانونها النظامي إلا الإسم الذي أطلقته عليها جميع الدنيا ، وهي أرادت أن توضح المزية التي لها بالإستقلال والقدرة الموافقة له.

فبناء على ما سبق من الأدلة القطعية والمتعددة فالباب العالي لا يقدر أن يتعجب من إنكار فرنسا لسيادته على تونس مهما طلب هو ذلك حتى إلى الآن ، ونحن نقر بأن الباب شدد في طلبه منذ خمسين سنة وفي سنة ١٨٣٥ أدخل تحت سيادته طرابلس بعد ما ضبط التحيير الهائل هناك وأراد أن يعمم سيادته على تونس ، إلا أن قوة فرنسا المضادة له منعته من مقصده وبعد عشر سنين أي في سنة ١٨٤٥ أتى ما بينجي السلطان إلى تونس ومعه فرمان ليقلد الباي منصب الولاية ، إلا أنه لم يقبل منه ثم مضت عشرون سنة من غير تجربة جديدة ، ولكن في أواخر سنة ١٨٦٤ رجعت التخمينات القديمة وإنما هاته المرة كانت المملكة بنفسها هي التي طلبت التقليد ولكن هذا كان من الغريب إذ وقع من الأمير الذي هو حتى لذلك الوقت بعينه وهو يظهر المدافعة عن استقلاله ، وهذا إنما كان من الإشارات القوية التي خوفت الباي من حالته أمام الباب فأرسل لذلك أمير الأمراء خير الدين إلى القسطنطينية ليعرض ويأتي بالفرمان ، وهاته المرة أيضا فرنسا عارضت في ذلك وعوضا عن الفرمان السلطاني فالباي ومستشاريته التزموا بالرضاء بمكتوب وزيري متضمن لما في الفرمان ، ثم اغتنموا الفرصة وقت مصيبتنا في سنة ١٨٧١ وتمموا ما كانوا ممنوعين منه سواء كان في مدة الوي فليب الذي كان غالبا أسطوله يمنع الأسطول التركي من القدوم إلى تونس ، أو في مدة الأمبراطور الذي لم يقلل من العزم المشار إليه ، وفرمان ١٥ تشرين أوّل سنة ١٨٧١ الذي اتخذوه تحت ظل مصيبتنا اشتهر في ١٧ تشرين ثاني في باردو وأعلن به خير الدين بإسم السلطان وقبله الباي الذي كان طلبه له مع شيء من الغضب ، وفرنسا على كل حال سجلت بقوة وحسبت الفرمان باطلا أو كأنه لم يقع ، ومن مدة عشر سنين لم تبطل شيئا من عملها عند ما يقتضي الحال ومع نجاح الباب هو بنفسه له شك في إجراء حق فرمانه بتاريخ سنة ١٨٧١ الذي ضرب استقلال مملكة تونس المتقادم ، وهذا الفرمان انتشر قليلا إلا أنه عند الغالب لا يعرف ما عدا بعض الدول الذين لهم فوائد نوا ، وفي ترتيب الفرمان المذكور أن تونس تكون جزء تحت الباب مع أن حكم باي تونس باق كما كان يعرف من منذ مائتي سنة غير أن باي تونس صار واليا أي واليا عاما على أيالة تونس وعلى موجب ذلك فالوراثة في الحقيقة لم تكن مستمرة في العائلة الحسينية خلافا لما ذكره الفرمان ، بل الوالي يعزل بإرادة السلطان ومن الممكن أن يعرف الباي ضرره وضرر ملكه وحريته وحياته التي هي غلطة كبيرة حسبما أشاروا عليه بها ، ومحمد الصادق ليس له خوف من جهة فرنسا ولو مع ما عمل من الشر بها ومع هذا فهي ليست بضده لا لذريته ولا لذاته ولا لدولته ، وأما من جهة الباب فهو بالعكس وله الخوف الكبير منه لأنه يمكن أن يبدله بحسب الحال.

انتهت لائحة وزير فرنسا وإذا تأملها المتبصر وتدبر معانيها يجدها مخالفة للواقع في

١١٧

كثير من الأمور سيما بعض الأحوال التاريخية كما يتبين من مقابلة كلامه بما ذكرناه في تاريخ تونس وسياستها ووصلتها مع الدولة مع المكاتيب الرسمية التي نقلناها حرفيا حتى من متوظفي فرنسا ، ويؤكد ذلك ما تراه في لوائح الباب العالي الآتي بيانها ، فإن الحالة لما بلغت إلى درجة هجوم العساكر على الحدود تظاهر والي تونس بأن أرسل إذ ذاك إلى الباب العالي مكاتيب في التشكي من فعل فرنسا وأرسل إلى نواب الدول تسجيلا على ذلك أيضا ، ولما تحقق الباب العالي الأحوال الرسمية أرسل عدة لوايح إلى سفرائه مستنجدا بالدول لمحافظتهم على معاهدة باريس التي أشرنا إليها سابقا وعلى معاهدة برلين ، ومما يفصح عن مقاصد الباب وحقوق اللائحة التي أرسلها وزير الخارجية بالدولة العثمانية إلى سفراء الدولة ، ونص تعريبها :

القسطنطينية ١٠ مايس سنة ١٨٨١ ، إن إعلاماتي المختلفة عرفت فطانتكم الوقائع التي صارت في المسألة التونسية وقد نسيت بهجوم بعض القبائل البدويين جهة الجزائر ، ولهذا الهجوم فالحكام التونسيون أعلنوا بأنهم حاضرون ليضبطوه من غير تراخ ، فالدولة الفرنساوية حكمت بأنه يلزمها إرسال عدد وافر من العساكر الذين قد استولوا على جزء كبير من الولاية ولم يبعدوا عن المركز إلا بعض فراسخ ، فمن غير التفات إلى ما كنا أكدنا به على حضرة الباشا ليأخذ التدابير اللازمة لتمهيد الراحة في المواضع الثائرة ، فدولة الجمهورية لا تريد أن تنظر للمخالطة الإقترانية بتونس مع السلطنة العثمانية التي هي محسوبة جزءا متمما للسلطنة المذكورة ، وأظهرت بأنها لا تقبل قولنا للإتفاق الودادي معها لقطع الإختلاف الذي وقع وترتيب حقوق الباب العالي مع منافع فرنسا في ذاك المحل وترتيب الأشياء الموجودة من زمن قديم ، ولا نقدر أن نزيد في إيضاحها كما يلزم وهي سيادة السلطان التي ليس فيها اختلاف على هاته الولاية وهي سيادة لا تنكرها ولا دولة عموما ، وهذا الحق بقي إلى الآن صحيحا ولم ينقطع من زمن فتحها وهو إذ ذاك سنة ١٥٣٤ بخير الدين باشا وفي سنة ١٥٧٤ تقليج علي باشا وسنان باشا ، وكانت الدولة العلية أرسلت إلى تلك المواضع قوة عظيمة برا وبحرا ومن زمن ذلك الفتح فالتأسيسات التي فعلها الباب العالي هي أن جميع ولاة تونس يتوارثون الولاية من ذرية الوالي الأوّل المسمى من السلطان ، ويتقلدون إلى الآن المنصب منه وفرمانات الولاية تبقى في خزنة الديوان وكذلك جميع المكاتيب التي تأتي منهم للباب العالي فإنها تارة تكون في شأن مخالطتهم مع الدول الأروباوية وتارة تكون في شأن أحوالهم الداخلية ، والتي لهاته المدة الأخيرة فإن الباب العالي من استحفاظه على حقوقه زيادة على كونه يسمى الوالي العام ، فإنه يرسل من القسطنطينية إلى تونس قاضيا وباش كاتب الولاية ولم يكن إلا من ترحم الدولة العلية إن منحت الوالي أن يسمي هو بنفسه هذين المتوظفين ، وأيضا فاتباعا للمذهب وخصوصية سيادة السلطان فإن الخطب يذكر فيها إسم جلالته ويضرب على السكة أيضا ، وفي وقت الحرب ترسل تونس الإعانة إلى التخت وعلى حسب العادة القديمة يأتي إلى القسطنطينية

١١٨

دائما أناس رسميون ليقدموا تعظيمات الوالي وخضوعه لأعتاب السلطنة ، وليقبلوا أيضا الإذن اللازم من الباب العالي لأمور عظيمة في الولاية. ثم إن الباشا الموجود الآن والأهالي التونسيون طلبوا زيادة في التفضل وأعطي ذلك لحضرته السامية بالفرمان المؤرخ في سنة ١٨٧١ وتعرف به جميع الدول والآن قد استغاث الوالي بجهده سيده الحقي ليعينه على الحالة الرديئة التي وقعت فيها تونس الآن.

وهاته الأشياء التحقيقية لا ينكرها أحد فهل تريدون أن تعرفوا الآن تقريرها بالتاريخ وبالمكاتبات الرسمية هو سهل ، لكن نقتصر على المهم منها لئلا يطول الكلام في هذا التلغراف ففي المعاهدات القديمة التي بين تركيا وفرنسا تعدد ألقاب الحضرة السلطانية ويكون منها لقب سلطان تونس ، فانظر مثلا معاهدة ١٠ صفر سنة ١٠٨٤ ه‍ ١٦٦٨ م ، وفي هاته المعاهدات أيضا يوجد بأن كل المعاهدات التي بين الدولتين تجري أيضا في تونس ، وفي نصف القرن السابع عشر أي في ١٥ صفر سنة ١١٦٦ أرسل السلطان فرمانا للباي والحاكم الكبير بالولاية في رضاء الباب العالي بأن قنسل فرنسا يجمع خدمات قناسل الدول الذين لم يكن لهم إذ ذاك نواب بالقسطنطينية كالبرتغال وكتالوني وإسبانيا وفينيسيا وفرينسا وغيرهم ، والقنسل وكالته هي حماية السفن تحت الراية الفرنساوية في المراسي المشهورة بالولاية ، والفرمان يمنع تداخل قناسل الإنكليز والهولنديز وغيرهم من التداخل في خدمة نائب فرنسا وذلك سند منع التعدي بين الباب العالي والنمسا المؤرخ في ٩ رمضان سنة ١١٩٧ ه‍ المتقرر بمعاهدة «ستوفا» في ١٢ ربيع الآخر سنة ١٢٠٥ ه‍ فإنه يأذن حكام الجزائر وتونس وطرابلس الغرب ، بأن يحموا على إسم السلطان السفن المتجرية لسلطنة الرومان الفخيمة ، وأيضا فإن الإتفاق الذي تقدم هذا السند وتمم في ١٥ شوال سنة ١١٦١ ه‍ بالإذن من السلطان وكان هذا الإتفاق وقع بين الحكام المذكورين والسلطنة المذكورة ، فإن الوالي العام بتونس وهو إذ ذاك في رتبة بكلربيك ونال إسم على باشا ، يذكر في مقدمة كل مكتوب ممضي عليه منه هاته الكلمات بعينها وهي : «مولانا لسلطان الغازي محمود».

وعلى ذكر واقعات ذاك الزمان استطرد لكم الإذن الصادر من الباب العالي في ١٥ ربيع الأول سنة ١٢٤٥ ه‍ ١٨٢٧ م لحكام الجزائر وتونس وطرابلس الغرب فإنه يأمرهم أن لا يتداخلوا في الخلاف الواقع بين سلطنة النمسا ومملكة المغرب ، وكذلك الإذن الصادر من القسطنطينية لوالي تونس في ١٤ صفر سنة ١٢٤٧ ه‍ ١٨٣٠ م فإنه يأمر بترتيب العسكر النظامي بالولاية على نمط الترتيب العسكري النظامي العثماني ، وأيضا قد أتى مكتوب معين بالطاعة من الباشا التونسي لجلالة السلطان في سنة ١٨٦٠ وذلك الباشا هو الذي سماه السلطان واليا عاما وقد انتشر هذا المكتوب في جميع صحف أوروبا من غير أن يعارض ولا من جهة واحدة ، ونزيدكم شيئا آخر وهو أنه في سنة ١٨٦٣ في واقعة القرض التونسي الذي وقع في باريس من غير رضاء الباب العالي كان مسيو «دواروان

١١٩

دولويس» وزير خارجية الإمبراطور نابليون الثالث ، قد أعلن رأيه بناء على شكايات الدولة العثمانية وقال : إنه يلزم إما الباشا بتونس أو الصراف الذي يريد عقد القرض معه أن يطلب رضاء الباب العالي ليصح هذا القرض ، وللمدافعة عن حقوق الباب العالي فإن الوزير الفرنساوي أرسل يقول هذا الكلام للصراف المشار إليه ، وها نحن نضع بثبات الكلام السابق لدى ميزان العدل والحق الذي للدول الممضين على معاهدة برلين ، وإنا لمتحققون بأن فكر الدول محيط بدلائل كثيرة في الواجبات العمومية التي يقتضيها المؤتمر المحترم وأنهم يريدون أن يفصلوا بالعدل قولنا الذي قدمناه ، وأنهم يتحفظون على حقوق الباب العالي الأخرى المحفوظة بالمعاهدة المذكورة ويصلحون الحال بين الدولتين فرنسا وتركيا في علائقهما التي لهما في هاته الولاية المرؤف بها التونسية المتممة للسلطنة العثمانية والمرغوب من جنابكم أن تتكلم مع وزير الخارجية في مضمون هذا التلغراف وتشرح له ما تراه نافعا ، ولكم الإذن بأن تعطوا نسخة من هذا لجناب الوزير إذا طلبكم ا ه الإمضاء مصطفى عاصم.

ومن تأمل هذه اللائحة مع ما قررناه في سياسة تونس الخارجية ومقاصد فرنسا فيها لا يشك في أن فرنسا لم تكن تنازع قط في أن تونس من ممالك الدولة العثمانية وإنما غاية دعواها هو أن تلك الإيالة لها امتيازات جارية تحافظ هي عليها لأجل منافعها ، ويصدق ذلك تصريح وزير فرنسا ، «دواروان دولويس» في مجمع فيينا أثر حرب القريم ، لما سأل وزير الروسيا عن تعيين الممالك العثمانية للجهل ببعضها ومثل بتونس وأنه يتراءى فيها نزاع ، فأجابه الوزير الفرنساوي : بأن لا شك ولا نزاع في كون تونس من الممالك العثمانية وإن كانت لها امتيازات تخصها ، وكذلك المعاهدات المعقودة بين فرنسا وتونس حتى التي وقعت بعد الإستيلاء على الجزائر بمدّة طويلة يصرح فيها بأن سائر المعاهدات المعقودة مع الدولة العثمانية تكون مرعية الإجراء في تونس ، ولا يعزب عن عاقل أن ذلك التصريح لاتحاد تونس بالممالك العثمانية. ومع هذا كله لم يفد استصراخ الدول لأن فرنسا لم تعلن بعملها إلا بعد أن لمست أفكار أغلب الدول الكبيرة فوجدتهم غير معارضين إليها لأن دولة إنكلترة متول زمامها حزب الإطلاق الذي لا يرى نفع دولته في المحافظة على الدولة العثمانية بعد أن طال تجريبهم لها في الحث على الجريان على مقتضى نصائحهم ، ولكنهم لم يروا العمل ودونك ما نشر في الكتاب «الأزرق» من المخاطبات التي وقعت من الحضرة السلطانية ورئيس وزرائها ومع سفير إنكلترة بالأستانة حسبما أخبر بها وزيره بعدة تلغرافات تنبىء بما تقدم.

فمنها تلغراف من موسيو «غوشن» سفير انكلتره إلى وزير خارجيتها بتاريخ ١٩ نيسان سنة ١٨٨١ هاته ترجمته : إني وجدت جلالته أي السلطان مشغول الفكر بهذه الأفعال وبناء على ما عندي من الاذن ، أعلنت له بأن الدولة الإنكليزية تريد بقاء الحالة الموجودة في تونس والنائب الإنكليزي بتونس له الإذن ليرشد الباي إذا استشاره بأن يعين فرنسا في تقرير

١٢٠