خريدة العجائب وفريدة الغرائب

سراج الدين بن الوردي

خريدة العجائب وفريدة الغرائب

المؤلف:

سراج الدين بن الوردي


المحقق: أنور محمود زناتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-358-6
الصفحات: ٥٠٣

جميع العالم ويكفيهم لو صاروا إليه وأقبلوا عليه. قال : وما هو؟ فانطلقوا به إلى واد لا نهاية لطوله وعرضه ، يتقد من ألوان الدر والياقوت والكهرمان والأصفر والأزرق والزبرجد والبلخش والأحجار التي لم تر في الدنيا ، والجواهر التي لا تقوم. ورأى شيئا لا تحمله العقول ولا يوصف بعض بعضه ، ولو اجتمع العالم على نقل بعضه لعجزوا. فقال : لا إله إلا الله ، سبحان من له الملك العظيم ويخلق الله ما لا تعلمه الخلائق.

ثم انطلقوا به من شفير ذلك الوادي حتى أتوا به إلى مستوى واسع من الأرض لا تنهيه الأبصار ، به أصناف الأشجار وأنواع الثمار وألوان الأزهار وأجناس الأطيار ، وخرير الأنهار وأفياء وظلال ونسيم ذو اعتلال ، ونزه ورياض وجنات وغياض. فلما رأى ذو القرنين ذلك سبح الله العظيم واستصغر أمر الوادي وما به من الجواهر عند ذلك المنظر البهيج الزاهر. فلما تعجب من ذلك قالوا له : أي ملك ملك في الدنيا بعض بعض ما ترى؟ قال : لا وحق عالم السر والنجوى ، فقالوا : كل هذا بين أيدينا ولا تميل أنفسنا إلى شيء من ذلك. وقنعنا بما نقوى به على عبادة الرب الخالق. ومن ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه ، فاتركنا ودعنا بحالنا أرشدنا الله وإياك. ثم ودعوه وفارقوه وقالوا له : دونك والوادي فاحمل منه ما تريد. فأبى أن يأخذ من ذلك شيئا.

وجزيرة الحكماء : وهي جزيرة عظيمة وصل إليها الإسكندر فرأى بها قوما لباسهم ورق الشجر وبيوتهم كهوف في الصخر والحجر ، فسألهم مسائل في الحكمة فأجابوه بأحسن جواب وألطف خطاب. فقال لهم : سلوا حوائجكم لتقضى. فقالوا له : نسألك الخلد في الدنيا ، فقال : وأنى ذلك لنفسي؟ ومن لا يقدر على زيادة نفس من أنفاسه كيف يبلغكم الخلد؟ فقالوا له : نسألك صحة في أبداننا ما بقينا ؛ قال :

٢٢١

وهذا أيضا لا أقدر عليه. قالوا : فعرفنا بقية أعمارنا. فقال الاسكندر : لا أعرف ذلك لنفسي فكيف بكم؟ فقالوا له : فدعنا نطلب ذلك ممن يقدر على ذلك وأعظم من ذلك ، وهو ربنا وربك ورب العالمين.

وجعل الناس ينظرون إلى كثرة جنود الاسكندر وعظمة موكبه وبينهم شيخ صعلوك لا يرفع رأسه فقال له الإسكندر : مالك لا تنظر إلى ما ينظر إليه الناس؟ قال الشيخ : ما أعجبني الملك الذي رأيته قبلك حتى أنظر إليك وإلى ملكك. فقال الإسكندر : وما ذاك؟ قال الشيخ : كان عندنا ملك وآخر صعلوك فماتا في يوم واحد ، فغبت عنهما مدة ثم جئت إليها واجتهدت أن أعرف الملك من المسكين فلم أعرفه.قال : فتركهم الاسكندر وانصرف عنهم.

وأما عجائب هذا البحر : فمنها ما ذكره صاحب عجائب الأخبار أن في هذا البحر طائرا مكرما لأبويه ، فإنهما إذا كبرا وعجزا عن القيام بأمر أنفسهما يجتمع عليهما فرخان من أفراخهما فيحملانهما على ظهورهما إلى مكان حصين ويبنيان لهما عشا وطينا ويتعهدانهما بالزاد والماء إلى أن يموتا ؛ فإن ماتا الفرخان قبلهما يأتي إليهما آخران من أفراخهما ويفعلان بهما كما فعل الأوان وهلم جرا ؛ هذا دأبهما إلى أن يموت والدهما.

وفيه سمكة : يقال لها الدفين ولها رأس مربع وفم كالقمع لا تفتحه يقولون إذا أكل المجذوم من لحمها مطبوخا برئ من الجذام. وفيه سمكة : وجهها كوجه الإنسان وبدنها كبدن السمك تظهر على وجهه الماء شهرا وتغيب شهرا.

وسمكة : تطفو على وجه الماء فإذا رأت سمكة أو حيوانا من دواب البحر قد فتح فاه تدخل في فيه وتصير غذاء له.

٢٢٢

وفيه حيوان : يخرج من الماء إلى البر ويرتفع والنار خارجة من فيه ومنخريه فيحرق ما حوله من النبات فإذا رأى الناس تلك الأرض محترقة علموا أن ذلك الحيوان وقع هناك.

وسمكة طيارة تطير ليلا من البحر إلى البر ولا تزال تأكل في الحشيش إلى طلوع الشمس فتعود طائرة إلى البحر.

وفي هذا البحر المذكور المعطب الذي يسمى الدردور إذا وقعت فيه المراكب تدور ولا تخرج منه على طول الأزمان والدهور. والدردور هذا في ثلاثة أبحر : في هذا البحر وفي بحر الصين وفي بحر الهند. والله سبحانه وتعالى أعلم.

٢٢٣

فصل في بحر عمان

وجزائره وعجائبه

وهو شعبة من بحر فارس عن يمين الخارج من عمان ، وهو بحر كثير العجائب غزير الغرائب ، وفيه مغاص اللؤلؤ ويخرج منه الحب الجيد ، وفيه جزائر كثيرة معمورة مسكونة : منها جزيرة خارك (٣٢٨) : وهي كبيرة عامرة آهلة وبها مغاص اللؤلؤ. وجزيرة خاسك : وهي بقرب جزيرة قيس وأهلها لهم خبرة بالحرب (٣٢٩) وصبر عليه في البحر ، فإن الرجل منهم يسبح أياما في الماء وهو يجالد بالسيف كما يجالد غيره على وجه الأرض.

حكاية عجيبة : حكي أن بعض الملوك بالهند أهدى لبعض الملوك جواري هنديات حسانا فلما عبرت المراكب والجواري بهذه الجزيرة خرجن يتفسحن في مصالحهن في أرضها فاختطفتهن الجن ، ونكحهن فولدن هؤلاء القوم.

وجزيرة سلطى : وهي كبيرة وفيها قوم يسمع كلامهم وضجيجهم من مسافة بعيدة ، ومن وصل إليهم يخاطبهم ويخاطبونه غير أنهم لا يرون بأشخاصهم ، ويقال إنهم من الجن وهم مؤمنون ، فإذا وصل إليهم الغريب جعلوا له من الزاد ما يكفيه ثلاثة أيام فإذا أراد الرجوع إلى أهله حملوه في مركب وأوصلوه إلى قصده.

__________________

(٣٢٨) من الجزر المهمة في الخليج العربي ، وتبعد عن مصب نهر شط العرب بنحو ١٠٠ ميل بحري ، وتقع مقابل ميناء الأحمدي الكويتي.

(٣٢٩) الحرب War : فى علم السياسة تعنى : إعتداء منظم يقصد منه إجبار دولة أو جماعة على الخضوع لإرادة دولة أخرى (راجع الموسوعة السياسية ، ترجمة ، تحقيق : الكيالي ـ زهيري ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر).

٢٢٤

وجزيرة الشجر : وبها شجر يحمل ثمرا كاللوز في صفته وقدره ، يؤكل بقشره وهو أحلى من الشهد ويقوم مقام كل دواء ، ومن أكل منه من الرجال والنساء يزداد قوة وشبابا ولا يهرم أبدا ولا يشيب ، وإن كان آكله طاعنا في السن وقد ذهبت قوته وابيض شعره عاد في الحال إلى قوة الشباب واسود شعره. وذكر أن بعض الملوك بالهند زرعه في أرضه فأورق ولم يثمر.

وجزيرة الدهلان : وهو شيطان في صورة إنسان راكب على طير يشبه النعامة (٣٣٠) ، يأكل لحوم الناس ، إذا طلع أحد من المراكب إلى تلك الجزيرة أخذهم ودفعهم إلى مكان لا خلاص لهم منه وأكلهم واحدا بعد واحد.

وحكي أن مركبا ألجأته الريح إلى تلك الجزيرة ، وكانوا قد سمعوا بذلك الشيطان ، فلما أتاهم قاتلوه وصبروا على قتاله صبر الكرام ، فلما رأى ذلك منهم صاح بهم صيحة سقطوا منها مغشيا عليهم ، فجعل يجرهم على وجوههم إلى موضعه المعهود ، وكان فيهم رجل صالح فدعا عليه فهلك وعاد إلى موضعه طالبا لما فيه من الأموال والذخائر وأمتعة الناس.

جزيرة الصريف : وهي جزيرة تلوح لأصحاب المراكب فيطلبونها وكلما قربوا منها تباعدت عنهم ، وربما أقاموا لذلك أياما كثيرة فلا يصلون إليها وقيل إن أحدا منهم لم يدخلها قط ، إلا أنهم رأوا فيها دواب وأشخاصا.

__________________

(٣٣٠) النعامة : تشتهر النعامة بأنها أكبر طائر يعيش اليوم يصل طول الذكر البالغ ٥ ٢ م ويزن حتى ١٥٠ كيلو جرام وله رقبة طويلة ورأس صغير مكسو يهلب قصير بدلا عن الريش أما الفخذان فعاريان من الريش مما يسهل ركضها وللنعامة اصبعان فقط وتنتشر في معظم أنحاء افريقيا واسيا الجنوبية الغربية (موسوعة الحيوان ، ص ١٥٥).

٢٢٥

جزيرة القندج : فيها صنم من رخام أخضر ودموعه تسيل على ممر الأيام والليالي فإذا دخل الريح في جوفه صفر صفيرا عجيبا. ذكر المسافرون أنه يبكي على قوم كانوا يعبدونه من دون الله ، وقيل إن بعض الملوك غزا عباد ذلك الصنم فأفناهم وأبادهم عن آخرهم واجتهد في كسر ذلك الصنم فلم يقدر ولم تعمل فيه الآلة ، وكلما ضربوه بمعول عاد الضرب إلى الضارب فقتله. فتركوه وانصرفوا

جزيرة سرندوسة : وهي كبيرة عامرة ، بها أشجار وأنهار وثمار ، وعند أهلها من الذهب ما لا يكيف : فماعونهم ذهب ، وآنيتهم ذهب ، وقدورهم ذهب ، وخوابيهم ذهب ، وسلاحهم ذهب ، ولهم ملك يدفع لهم كل من يقصدهم أو يقصد الخروج من عندهم بشيء من ذلك. وعجائب هذا البحر كثيرة : وذكر أن العنبر الخالص ينبت في قعر هذا البحر كما ينبت القطن في الأرض ، فإذا اضطرب البحر قذف به ، وربما أكل منه الحوت العظيم الجرم فيموت فيطفو على وجه الماء في اليوم الثالث فيجذبه أهل المراكب بالكلاليب إلى الساحل فيأخذون العنبر من جوفه.

وملكان : نوع من السمك يطفو على وجه البحر في ثالث عشر كانون الثاني ، يدل ذلك على خروج ريح يضطرب لها البحر حتى يصل الاضطراب إلى بحر فارس ، ويشتد هيجانه ويتكدر لونه وتنعقد ظلمته بعد طفو هذا السمك بيوم واحد.

ومنها الأمشور : وهو سمك يأتي بالبصرة في وقت معين ، فيبقى مدة شهرين وينقطع فلا يعود إلا في ذلك الوقت بعينه من العام القابل. والجراف : أيضا سمك وأوانه مثل أوانه وانقطاعه. ومنها : حيوان يعرف بالتنين شر من الكوسج ، طوله كالنخلة السحوق ، أحمر العينين كريه المنظر ، له أنياب كأسنة الرماح ، يقهر الحيوانات كلها حتى الكوسج.

٢٢٦

ومنها : سمكة خضراء أطول من ذراع ؛ لها خرطوم طويل عظيم كالمنشار تضرب به من عارضها فتقده ؛ وفي هذا البحر دردور صغير.

حكى القزويني : أن رجلا من أصفهان ركبته ديون كثيرة ففارق أصفهان وركب هذا البحر صدفة مع تجار فتلاطمت بهم الأمواج حتى حلوا في الدردور ببحر فارس ، فقال التجار للرئيس : هل تعرف لنا سبيلا إلى الخلاص فنسعى فيه؟ فقال : إن سمح أحدكم بنفسه تخلصنا. فقال الرجل الأصفهاني المديون في نفسه : كلنا في موقف الهلاك وأنا قد كرهت الحياة وسئمت البقاء. وكان في السفينة جمع من التجار الأصفهانيين ، فقال الرجل لهم : هل تحلفون لي بوفاء ديوني وخلاص روحي وأقديكم بروحي وأوثركم بحياتي وتحسنون إلى عيالي ما استطعتم؟ فحلفوا له على ذلك وفوق ما شرط ، فقال الأصفهاني للرئيس : ما تأمرني أن أفعل فقد سلمت نفسي لله طلبا لخلاصكم إن شاء الله تعالى ، فقال له الرئيس : آمرك أن تقف ثلاثة أيام على ساحل هذا البحر وتضرب على هذا الدهل ليلا ونهارا ولا تفتر عن الضرب أبدا ، قلت : أفعل إن شاء الله تعالى. فأعطوني من الماء والزاد ما أمكن.

قال الأصفهاني فأخذت الدهل والماء والزاد وتوجهوا بي نحو الجزيرة وأنزلوني بساحلها فأخذت وشرعت في ضرب الدهل فتحركت المياه وجرى المركب وأنا أنظر إليهم حتى غاب المركب عن بصري ، فجعلت أطوف في تلك الجزيرة وإذا أنا بشجرة عظيمة وعليها شبه سطح فلما كان الليل وإذا بهدة عظيمة فنظرت فإذا طائر عظيم في الخلقة قد سقط على ذلك السطح الذي في الشجرة فاختفيت خوفا منه ، فلما كان الفجر انتفض بجناحيه وطار ، فلما كان الليل جاء أيضا وحط مكانه الذي حط فيه البارحة فدنوت منه فلم يتعرض لي بسوء ولا التفت إلي أصلا وطار عند الصباح.

٢٢٧

فلما كان ثالث ليلة وجاء الطائر على عادته وقعد مكانه جئت حتى قعدت عنده من غير خوف ولا دهشة إلى أن نفض جناحيه فتعلقت بإحدى رجليه بكلتا يدي فطار بي إلى أن ارتفع النهار ، فنظرت إلى تحتي فلم أر إلا لجة ماء البحر فكدت أن أترك رجله وأرمي بنفسي من شدة ما لقيت من التعب ، فتصبرت زمانا ، وإذا بالقرى والعمارة تحتي ففرحت وذهب ما كان بي من الشدة ، فلما دنا الطائر من الأرض رميت نفسي على صبرة تبن (٣٣١) في بيدر (٣٣٢) ، وطار الطائر فاجتمع الناس حولي وتعجبوا مني وحملوني إلى رئيسهم وأحضروا لي من يفهم كلامي ، فأخبرتهم قصتي فتبركوا بي وأكرموني وأمروا لي بمال وأقمت عندهم أياما.

فخرجت يوما لأتفرج وإذا أنا بالمركب الذي كنت فيه قد أرسى ؛ فلما رأوني أسرعوا إلي وسألوني عن أمري فأخبرتهم فحملوني إلى أهلي وأقاموا لي بالمال وفوق الشرط ، فعدت بخير وغنى وسلامة.

__________________

(٣٣١) التبن : عصفة الزرع من البر (القمح) ونحوه واحدته تبنة (اللسان ١ / ٤١٩).

(٣٣٢) البيدر : المكان الذي تدرس فيه الغلال ويداس فيه الطعام (اللسان ١ / ٢٢٩).

٢٢٨

فصل في بحر القلزم

وجزائره وما به من العجائب

وهذا البحر شعبة من بحر الهند ، جنوبيه بلاد بربر والحبشة ؛ وعلى ساحله الشرقي بلاد العرب وعلى ساحله الغربي بلاد اليمن. والقلزم اسم لمدينة على ساحله ؛ وهو البحر الذي غرق فيه فرعون ؛ وهو بحر مظلم موحش لا خير فيه باطنا ولا ظاهرا ؛ وفي هذا البحر جزائر كثيرة وغالبها غير مسكونة ولا مسلوكة

فمن جزائره جزيرة قريبة من أيلة يسكنها قوم يقال لهم بنو حداب ؛ ليس لهم زرع ولا ضرع ولا ماء عذب ؛ معاشهم من السمك ؛ وبيوتهم السفن المكسرة ، ويشحذون الماء والخبز ممن يمر بهم من المسافرين ؛ وعندهم دوارة في سفح جبل إذا وقع الريح عليها انقسمت قسمين ويلقي المراكب بين شعبين متقابلين فيثور الريح بينهما ويخرج من كليهما متخالفين ، فتنقلب المركب بمن فيها ؛ وقيل إن هذا الموضع غرق فيه فرعون.

وجزيرة الجساسة (٣٣٣) : وبها دابة تجس الأخبار وتأتي بها إلى الدجال ؛ قال تميم الداري (٣٣٤) رضي الله عنه ؛ وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وقد اختطفته الجن من صحن داره ؛ ومكث في بلاد الجن وغيرها مدة طويلة ورأى العجائب وقصته طويلة مشهورة ؛ قال : وركبنا هذا البحر فأصابتنا ريح عاصف ألجأتنا إلى هذه الجزيرة فإذا نحن بدابة استوحشنا منها وقلنا لها : ما أنت؟ قالت : أنا

__________________

(٣٣٣) الجساسة : دابة في جزائر البحر ، تجس الأخبار وتأتي بها الدجال ، وخبرها مفصل في معجم البلدان الجساسة).

(٣٣٤) تميم الداري : هو تميم بن أوس بن خارجة بن عدي بن عبد الدار ، أهدى النبي فرسا يقال له الورد ، فأعطاه عمر وروى حديث الجساسة الشهير (أنساب الأشراف (١ / ٥١٠) ، وأسد الغابة (١ / ٢٥٦).

٢٢٩

الجساسة ؛ قلنا لها : أخبرينا الخبر ؛ قالت : إن أردتم الخبر فعليكم بهذا الدير فإن به رجلا هو بالشوق إليكم ؛ فأتيناه فقال لنا : كيف وصلتم؟ فأخبرناه الخبر ؛ فقال : ما فعلت طبرية ؛ قلنا : تدفق الماء بين أجوافها ؛ قال : فما فعلت نخلات عمان؟ قلنا : يجنيها أهلها : قال : فما فعلت عين زغر؟ قلنا : يشرب منها أهلها ، فقال : لو نفدت لتخلصت من وثاقي فوطئت بقدمي هذا كل سهل وجبل إلا مكة والمدينة.

وبعضهم يزعم أنه ابن صياد ، الذي كان بمكة ، وكان يقال ذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره. قال ابن سعيد : صحبت ابن صياد من مكة ، قال : ماذا لقيت من الناس؟ يزعمون أني الدجال ، ألم يقل نبي الله إنه يهودي ، وقد أسلمت ، وقال إنه لا يولد له ، وقد ولد لي ، وقال : إن الله حرم عيه المدينة ومكة ، وقد ولدت بالمدينة وحججت إلى حرم مكة ، ثم قال في آخر قوله : والله إني أعرف أين هو الآن وأعرف أباه وأمه. وقيل له يوما : أيسرك لو كنت ذاك؟ فقال : لو عرض لي لما كرهته.

وقال نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما : لقيت ابن صياد في بعض طرق المدينة ، فقلت له قولا أغضبته ، فانتفخ حتى ملأ الطريق ، ثم دخلت بعد ذلك على حفصة (٣٣٥) زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد بلغها الخبر فقالت : يرحمك الله ما أردت من ابن صياد؟ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما يخرج من غضبة يغضبها.

__________________

(٣٣٥) حفصة : هي بنت عمر ، أم المؤمنين ، والزوجة الرابعة للنبي صلى الله عليه وسلم ، أمها زينب بنت مظعون ، توفيت سنة ٤١ ه‍ ، وهي التي حافظت على نسخة القرآن التي جمعت في عهد أبي بكر (أنساب الأشراف (١ / ٢١٤) ، الجوهرة (٢ / ٦٤) ، معجم أعلام القرآن (ص ٢١٧).

٢٣٠

وأما عجائب هذا البحر : فمنها سمكة تزيد على مائتي ذراع تضرب السفينة بذنبها فتغرقها.

ومنها : سمكة مقدار ذراع ، بدنها كبدن السمك ووجهها كوجه البوم. ومنها : سمكة طولها نحو عشرين ذراعا ومن ظهرها الدبل الجيد ، وهي تلد كالآدمية وترضع مثلها.

ومنها : سمكة تصاد وتجفف فيبقى لحمها مثل القطن يتخذ منه غزل وينسج منه ثياب فاخرة ، تسمى تلك الثياب سمكين.

ومنها : سمكة على خلقة البقر تلد وترضع كالبقرة ، وسمكة عريضة عرضها أميز من طولها يقال لها البهار ويقارب وزنها قنطارا ؛ طيبة اللحم والطعم. وسمكة : طولها شبران ولها رأسان ؛ رأس في موضعه العادي ، ورأس في موضع ذنبها ، وتسمى الخنجر.

وسمك : يقال له الفرس ، وهو نوع من كلاب الماء في البحر ، في فمه سبع صفوف أضراس وطوله عشرة أشبار ، وهو كثير الضرر والأذى.

٢٣١

فصل في بحر الزنج (٣٣٦)

وهو بحر الهند بعينه

وبلاد الزنج منه في جانب الجنوب تحت سهيل وراكب هذا البحر يرى القطب الجنوبي ولا يرى القطب الشمالي ولا بنات نعش ، وهو متصل بالبحر المحيط ، موجه كالجبال الشواهق وينخفض كأخفض ما يكون من الأودية وليس له زبد مثل سائر البحار ، وفيه جزائر كثيرة ذوات أشجار وغياض لكنها ليست بذوات ثمار ، مثل شجر الآبنوس (٣٣٧) والصندل (٣٣٨) والساج (٣٣٩) ، والعنبر يصاد ويلقط من ساحلها ، وبها يوجد منه كل قطعة كالتل العظيم.

__________________

(٣٣٦) الزنج : اسم اطلقه جغرافيو العرب على ما يعرف اليوم بالمحيط الهندي الجنوبي المجاور لشاطئ افريقيا الشرقي (القاموس ، ج ٣ ، ص ٨٩).

(٣٣٧) الأبنوس : Ebony خشب اسود صلب يمكن صقله لدرجة اللمعان المعدني. وتنمو اشجار الابنوس في اليابان والفلبين وجزر الهند الشرقية والهند وسريلانكا ، ومدغشقر وفريقيا وامريكا الجنوبية وامريكا الشمالية ولب خشب الابنوس الخشب الجوفي غامق اللون اما خشب النسغ فانه ضارب إلى الرمادي او ابيض ضار إلى الوردي ولب خشب الأبنوس اعلاه صلب ناعم الصقل وسهل النحت يتحمل الابنوس كذلك التلميع المكثف ويكون لب الخشب مو بعض انواع الابنوس بنيا قاتما بدلا من الاسود وقد يكون بخطوط ذات الوان مختلفة كالبني الخفيف او الاصفر او الاحمر. وقد يكون الصمغ الصلب الموجود في انسجة لب الخشب سببا في هشاشة الابنوس وقابليته للكسر وهذا يجعله سهر التشكيل والتصنيع والنحت وهناك انواع من الابنوس هي اشجار البرسيمون ولكن لهذه الاشجار لب اسود بمقدار قليل جدا لذلك فليس لها قيمة تجارية وتستخدم الطبقة الخارجية الصلبة من خشب البرسيمون الامريكي لصنع مشابك ورؤوس خشبية لا ندية الجولف ويستخدم الابنوس بصورة اساسية في صنع مفاتيح البيانو السوداء والناي ومقابض السكاكين والفرش والتلبيسات الخشبية على الاثاث ومجسامات اغراض جمالية اخرى.

(٣٣٨) الصندل Sandal Wood : هو نوع خشب له رائحة طيبة وقد أولى الطب الأوروبي عناية خاصة للصندل. حيث يستخم مسحوقه لعلاج العدوي بالمثانة ويساعد علي إنزال حصوات الكلى

٢٣٢

فمن جزائره المشهورة الجزيرة المحترقة : وهي جزيرة واغلة في هذا البحر قل أن يصل إليها أحد. قال بعض التجار : ركبت في هذا البحر فدارت بي الأوقات حتى نزلت في هذه الجزيرة فرأيت فيها خلقا كثيرا وأقمت بها زمانا وتأنست بأهلها وتعلمت لغتهم ، فلما كان في بعض الأيام رأيت الناس مجتمعين ينظرون إلى كوكب طلع من أفقهم وهم يبكون ويلطمون ويتودعون ، فسألت عن السبب فقالوا : إن هذا الكوكب يطلع بعد كل ثلاثين سنة مرة حتى إذا وصل إلى سمت رؤوسهم يركبون البحر ومعهم جميع ما يخافون عليه من المال والقماش والأمتعة فسامت الكوكب رؤوسهم فركبوا البحر وركبت معهم وصحبوا في المراكب جميع ما كان في الجزيرة مما يحمل وينقل ، وسرنا وغبنا عن الجزيرة مدة ثم عدت معهم فوجدنا جميع ما كان بها من الأماكن والبنيان والأشجار وغيرها قد احترق وصار رمادا ، فشرعوا في العمارة ثانيا ولا يزالون كذلك على الدوام ، في كل ثلاثين سنة تحترق الجزيرة ويجددون بناءها.

ومن جزائره جزيرة الضوضاء : وهي مما يلي الزنج. حكى بعض التجار أن بها مدينة من حجر أبيض ولا ساكن بها ، غير أنهم يسمعون بها جلبة وضوضاء يدخلها البحريون ويشربون من مائها ويحملون منه إلى المراكب ، وهو ماء طيب عذب وفيه رائحة الكافور ، وبقربها جبال عظيمة تتوقد منها نار عظيمة في الليل وحواليها حية

__________________

ويعالج إلتهابها. وزيته يستعمل كمرطب للجلد وفي الحمي والعدوي به وللمساج. ورائحته مهدئة. ويعالج السيلان.

(٣٣٩) خشب (الساج) : هو خشب شديد الإحتمال لا يؤذيه اتصاله بالحديد يتميز بالمرونة التي تسهل عملية استعماله إضافة إلى قدرته إلى البقاء طويلا في الماء حيث أنه يكاد يمتنع عن البلل ويمكنه البقاء في المياه أكثر مائتي عام وهذا في أوصافه في كتاب (العرب والملاحة في المحيط الهندي) ويستورد خشب الساج من الهند حيث يوجد هناك بوفرة.

٢٣٣

تظهر في كل سنة مرة واحدة فيحتال عليها ملوك الزنج ويصيدونها ويتخذون من جلدها فراشا يجلس عليه صاحب السل فيبرأ.

جزيرة العور : وهي جزيرة كبيرة حكى يعقوب بن إسحق السراج قال : قال لي رجل من أهل رومية : ركبت في هذا البحر فألقتني الريح في هذه الجزيرة فوصلت إلى مدينة أهلها قاماتهم طولها ذراع وأكثرهم عور ، فاجتمع علي منهم جمع وساقوني إلى ملكهم فأمر بحبسي في قفص ، فكسرته فأمنوني وتركوا الاحتجاز علي. فلما كان في بعض الأيام رأيتهم قد استعدوا للقتال فسألتهم عن ذلك فقالوا لنا عدو يأتينا في كل سنة مرة ويحاربنا وهذا أوانه فلم ألبث إلا قليلا حتى طلعت علينا عصابة من الطيور والغرانيق وكان ما بهم من العور من نقر الغرانيق فحملت الطيور عليهم وصاحت بهم ، فلما رأيت ذلك شددت وسطي وأخذت عصا وشددت عليهم وحملت فيهم وصحت فيهم صيحة منكرة ورميت منهم جماعة ، فصاحوا وطاروا هاربين مني. فلما رأى أهل الجزيرة ذلك أكرموني وعظموني وأفادوني مالا وسألوني الإقامة عندهم فلم أفعل ، فحملوني في مركب وجهزوني. وذكر أرسطاطاليس أن الغرانيق تنتقل من بلاد خراسان إلى بلاد مصر حيث مسيل النيل ، فتقاتل أولئك العور في طريقهم ، وهم قوم في طول ذراع.

جزيرة سكسار (٣٤٠) : وهي جزيرة عظيمة ، وهم قوم لا عظام لأرجلهم وسوقهم. حكى المؤرخ ابن إسحق قال : لقيت رجلا في وجهه خموش كثيرة فسألته عنها فقال : كنت في بحر الزنج مع جماعة فألقتنا الريح إلى جزيرة سكسار فلم نستطع أن نخرج منها لشدة الريح ، فأتانا قوم وجوههم وجوه الكلاب وأبدانهم أبدان الناس ، فسبق إلينا واحد منهم بعصا كانت معه ووقف جماعة من ورائنا فساقونا إلى

__________________

(٣٤٠) سكسار : يذكر عنها القزويني" جزيرة بعيدة عن العمران في بحر الجنوب.

٢٣٤

منازلهم فرأينا فيها جماجم وقحوفا وسوقا وأذرعا وأضلاعا كثيرة فأدخلونا بيتا فيه إنسان ضعيف وجعلوا يأتوننا بأكل كثير وطعام غزير وفواكه طيبة ، فقال لنا ذلك الرجل الضعيف : إنما يطعمونكم لتسمنوا وكل من سمن أكلوه.

قال : فجعلت أقلل أكلي دون أصحابي وصار كلما سمن واحد ذهبوا به وأكلوه ، حتى بقيت وحدي وذلك الرجل الضعيف ، فقال لي الرجل يوما : إن هؤلاء قد حضرهم عيد يخرجون إليه ويغيبون مدة ثلاثة أيام فإن استطعت أن تنجو بنفسك فانج منهم ، وأما أنا فكما تراني لا أستطيع الحركة ولا اقدر على الهرب فانظر في تدبير نفسك. فقلت : جزاك الله الجنة. وخرجت فجعلت أسير ليلا وأختفي نهارا. فلما رجعوا من عيدهم فقدوني فتتبعوني حتى يئسوا فرجعوا.

فلما أيست منهم سرت في تلك الجزيرة ليلا ونهارا فانتهيت إلى أشجار بها ثمار وفواكه وتحتها رجال حسان الصورة إلا أنه ليس لسوقهم عظم ، فقعدت لا أفهم كلامهم ولا يفهمون كلامي ، فلم أشعر إلا وواحد منهم ركب على رقبتي وأكتافي وطوق برجليه علي وأنهضني ، فذهبت به وجعلت أعالجه لأتخلص منه وأطرحه عني فلم أقدر ، وجعل يخمش وجهي بأظفاره المحددة ، فجعلت أدور به على الأشجار وهو يأكل من فواكهها وثمارها ويطعم أصحابه وهم يضحكون علي. فبينما أنا أطوف به بين الأشجار إذ دخلت في عينه شوكة من شجرة فانحلت رجلاه عني فرميته عن رقبتي وسرت فنجاني الله بكرمه. وهذه الخموش منه فلا رحم الله عظامه.

وأما عجائب هذا البحر فكثيرة :

منها المنشار : وهي سمكة عظيمة كالجبل العظيم ، ومن رأسها إلى ذنبها كالمنشار من عظام سود مثل الأبنوس ، كل سن منها أطول من ذراعين ، وعند رأسها عظمان

٢٣٥

طويلان طول كل واحد عشرة أذرع ، تضرب بالعظمين يمينا وشمالا في الماء فيسمع لها صوت عظيم ، ويخرج الماء من فيها ومناخرها ويصعد نحو السماء رمية سهم ، وينعكس على المركب كالسيل وهي بعيدة عن المركب. وإذا عبرت تحت المركب قطعتها نصفين ، فإذا رآها أصحاب المركب يبكون ويضجون إلى الله تعالى بالدعاء ويتأللون ويتودعون ويصلون صلاة الموت خوفا منها.

وسمكة البال : وهي سمكة طولها أربعمائة ذراع إلى خمسمائة ذراع ، وستمائة. تظهر في بعض الأوقات طرف جناحها كالشراع العظيم ، وتخرج رأسها من الماء وتنفخ فيصعد الماء كرمية سهم في العلو ، فإذا أحس بها أهل المراكب ضربوا الطبول والصنوج وصاحوا حتى تذهب ، وهي تحوش بذنبها وأجنحتها السمك إلى فمها فإذا زاد بغيها في البحر على دوابه أرسل الله عليها سمكة طول ذراع تسمى اللشك فتلتصق بأذنها فلا تجد البال منها خلاصا فتطلب قعر البحر وتضرب برأسها الأرض حتى تموت ، فتطفو على وجه الماء كالجبل العظيم فيجرونها بالكلاليب والحبال ويشقون بطنها فيخرج منها العنبر كالتل العظيم لأنها تأكله ويعرفه التجار بشوكته.

٢٣٦

فصل في بحر المغرب

وعجائبه وغرائبه

وهو بحر الشام وبحر القسطنطينية. مخرجه من المحيط ، يأخذ مشرقا فيمر بشمال الأندلس ثم ببلاد الفرنج إلى القسطنطينية ويمتد ببلاد الجنوب إلى سبتة ، إلى طرابلس الغرب ، إلى الإسكندرية ، ثم إلى سواحل الشام ، إلى أنطاكية.

وذكر في كتاب أخبار مصر أنه بعد هلاك الفراعنة كانت ملوك بني دلوكة في شق البحر المحيط من الغرب ، وهو البحر المظلم ، فتغلب الماء على بلاد كثيرة وممالك عظيمة فأخربها وركبها وامتد إلى الشام وبلاد الروم ، وصار حاجزا بين بلاد مصر وبلاد الروم ، على أحد ساحليه المسلمون وعلى الآخر النصارى. وهناك مجمع البحرين (٣٤١) وهما بحر الروم والمغرب ، وعرضه ثلاثة فراسخ وطوله خمسة وعشرون فرسخا. والمد والجزر هناك في كل يوم وليلة أربع مرات ، وذلك أن البحر الأسود وهو بحر المغرب عند طلوع الشمس يعلو فيصب في مجمع البحرين حتى يدخل في بحر الروم ، وهو البحر الأخضر إلى وقت الزوال فإذا زالت الشمس غاض البحر الأسود وانصب فيه الماء من البحر الأخضر إلى مغيب الشمس ويعلو البحر الأخضر على الدوام.

وفي هذا البحر من الجزائر شيء كثير :

فمن جزائره جزيرة الأندلس : وقد تقدم ذكرها.

__________________

(٣٤١) مجمع البحرين : هو المكان الذي التقى فيه موسى الخضر ، وهي حكمة ربانية ؛ ويرى البعض أن مجمع البحرين هو منطقة راس محمد الشهيرة في مصر (المنتقى (ورقة ١٠٥) ، وتفسير الطبري (١٥ / ١٧٦).

٢٣٧

وجزيرة مجمع البحرين : وهي جزيرة كبيرة وفيها منارة مبنية بالصخر المانع الصلد ، لها أساس راسخ ولا باب لها ولا يعمل فيها الحديد ، وعلوها أكثر من مائة ذراع ، وعلى رأسها صورة إنسان ملتف بثوب كأنه من ذهب ويده اليمنى ممدودة إلى البحر الأسود كأنه يشير بأصبعه لذلك الموضع من العدو.

وجزيرة صقلية : وهي جزيرة عظيمة بها أنهار وأشجار وثمار ومزارع وبها جبل يقال له جبل البركات ، يظهر منه دخان في النهار وبالليل نار ، يطير منه شرر إلى البحر فيصير حجارة سوداء مثقبة تحرق كل شيء صادفته وتطفو على وجه الماء ويأخذها الناس فيستعملونها في الحمامات لحدة الأرجل.

جزيرة إقريطش (٣٤٢) : وهي في بحر الروم وبها معادن من الذهب. جزيرة طاوزاق : وهو ملك له أربعة آلاف امرأة وليس له ولد ، وعندهم شجر إذا أكلوا منه أفادهم القوة في الجماع ، وأطاق الواحد منهم أن يجامع في اليوم مائة مرة وأكثر.

__________________

(٣٤٢) إقريطش أو كريت : هي أكبر الجزر اليونانية وخامس أكبر جزيرة في البحر الأبيض المتوسط.وموقعها تقريبا ٣٥ ش ، ٢٤ ق. وهي تطل جنوبا على بحر إيجه وعلى رغم أن مساحتها لا تزيد عن ٨٣٣٦ كيلو مترا مربعا وعدد سكانها أقل من نصف مليون نسمة فهي من أهم جزر اليونان من حيث أهميتها الحضارية. تنتصب فيها سلسلة جبلية ممتدة من الشرق إلى الغرب وتحدها شواطئ صخرية. وأعلى قمة فيها هي قمة بسيلوريتيس التي يصل ارتفاعها إلى ٢٤٥٦ مترا فوق سطح البحر. وعلى هذه السلسلة تنتشر بساتين الزيتون والكرمة وتزرع فيها الذرة والتبغ أطلق عليها العرب اسم" إقريطش" وعرفت عند الأتراك باسم" جزيت". وهي عبارة عن جزيرة مستطيلة الشكل طولها بين الغرب والشرق ٢٥٥ كيلو مترا ، وأكبر عرض لها يبلغ ٥٠ كيلو مترا ، وتبلغ مساحتها ٨٣٣١ كيلو مترا ، وترتفع أرض إقريطش في الوسط حيث تنتشر الجبال في خط يمتد من الشرق إلى الغرب ، وأعلى قممها تصل إلى ٢٤٥٦ مترا ، حيث جبال أيدهي أوروس. وتحاط سواحل الجزيرة بسهول ساحلية ، وتنحدر إليها أنهار قصيرة سريعة الجريان ، وتمتع سواحل الجزيرة الشمالية بعدد من الخلجان تصلح كموانئ طبيعية ، ومعظم مدنها موانئ على الساحل الشمالي.

٢٣٨

الجزيرة السيارة : أخبر البحريون أنهم رأوها مرارا كثيرة فيها أشجار وعمارات وجبال كلما هبت الريح عليها من المغرب سارت لنحو المشرق ، وكلما هبت من المشرق سارت لنحو المغرب ، وحجارتها خفاف فترى الحجر تظن أنه قنطار فيكون رطلا واحدا.

وذكر بعض اليهود أن مركبهم انكسرت على هذه الجزيرة فأقاموا أياما لم يكن غذاؤهم إلا السمك ، ووقعوا في جزيرة حجارتها وجبالها ووهادها وترابها كلها ذهب ، وكان قد سلم معهم زورق المركب فأوسقوه من ذلك الذهب فوق طاقته.وسافروا فلم يسيروا إلا قليلا حتى عطب الزورق ولم ينج إلا من قدر على السباحة.

جزيرة تنيس : وهي في بحر الروم ، وفيها مدن كثيرة ويخرج إليها من البحر نوع من السمك فيقيم بها يوما وينقطع ، ويظهر نوع آخر يقيم يوما وينقطع ولا يزال كذلك إلى آخر السنة تتمة ثلاثمائة وستين نوعا ، ثم يعود النوع الأول كالعادة. وجزيرة النوم : بها أشجار وثمار وأزهار ، من شم شيئا منها نام من ساعته. وجزيرة خالطة : قال أبو حامد الأندلسي : رأيت هذه الجزيرة وبها من الغنم شيء لا يحصى ، كالجراد المنتشر لا ينفر من الناس ، يأخذ أهل المراكب منها ما شاؤوا.وبها أشجار وثمار وأعشاب ، وليس بها إنس ولا جان.

جزيرة الدير : ذكر البحريون أنها بقرب قسطنطينية ، وفيها دير غائب في البحر فينكشف عنه الماء يوما في السنة وتحج أهل تلك النواحي إليه ويبقى ظاهرا إلى وقت العصر ، ثم يزيد الماء فيغطيه إلى العام القابل.

جزيرة الكنيسة : ذكر أبو حامد الأندلسي أن بهذه الجزيرة جبلا على شاطئ البحر الأسود عليه كنيسة منقورة في الصخر ، في الجبل ، وعليها قبة عظيمة وعلى

٢٣٩

تلك القبة طائر غراب (٣٤٣) ، يطير ويحط ولا يزال عليها. ومقابل القبة مسجد يزوره المسلمون ويقولون إن الدعاء فيه مستجاب. وقد شرط على أهل تلك الكنيسة ضيافة من يزور ذلك المسجد من المسلمين. فإذا قدم زائر للمسجد أدخل الغراب رأسه إلى داخل الكنيسة وصاح صيحات بعدد الزوار ، إن كان واحدا فواحدة ، أو اثنين فاثنتين ، أو عشرة فعشرة ، لا يخطئ أبدا. فينزل أهل تلك الكنيسة بالضيافة إليهم على عدتهم لا يزيدون ولا ينقصون. وذكر القسيسون أنهم ما زالوا يرون ذلك الغراب ولا يدرون من أين مأكله ومشربه؟ وتعرف تلك الكنيسة بكنيسة الغراب.

ومن عجائب هذا البحر ما ذكره أبو حامد من أنه قال : لما غاض بحر الروم انكشف عن مدن وعمارات لا توصف ، وبه الشيخ اليهودي وهو حيوان كالإنسان وله لحية بيضاء وبدن كبدن الضفدع ، وشعره كشعر البقر وهو في قدر البغل ، يخرج من البحر في كل ليلة سبت فلا يزال في البر حتى تغيب الشمس فيثب وثبة فلا يلحقه أحد ، وهو يثب كما يثب الضفدع.

وحدث عبد الرحمن بن هرون المغربي قال : ركبت هذا البحر فوصلنا إلى موضع يقال له الرطون وكان معنا غلام صقلبي ، معه صنارة فدلاها في البحر فصاد سمكة قدر الشبر فنظرنا فإذا مكتوب خلق أذنها الواحدة : لا إله إلا الله ، وفي قفاها وخلف أذنها الأخرى : محمد رسول الله.

البغل : وهي سمكة كبيرة قال أبو حامد الأندلسي : رأيت هذه السمكة بمجمع البحرين مثل الجبل العظيم ، وقد لازمتها سمكة أكبر منها في الظلمات ، فهربت المسماة بالبغل منها ، وجدت الأخرى في طلبها ، ولما عاين البغل منها لاجد صاحت

__________________

(٣٤٣) الغراب : من الطيور الصاخبة والجريئة والنشيطة في بنيتها ومنتشر في العالم كله تقريبا خاصة في الجزء الشمالي منه (موسوعة الحيوان ، ص ٢٠٤).

٢٤٠