خريدة العجائب وفريدة الغرائب

سراج الدين بن الوردي

خريدة العجائب وفريدة الغرائب

المؤلف:

سراج الدين بن الوردي


المحقق: أنور محمود زناتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-358-6
الصفحات: ٥٠٣

حجاب العزة؟ قال : حجاب العظمة. قال : فما فوق حجاب العظمة قال : حجاب الكبرياء. قال : فما فوق حجاب الكبرياء؟ قال : الكرسي.

قال : صدقت يا محمد ، لقد أوتيت علوم الأولين والآخرين وإنك لتنطق بالحق المبين ، فأخبرني ما فوق الكرسي؟ قال : العرش العظيم. قال : ما فوق العرش؟ قال : تعالى الله علوا كبيرا ، أمره فوق العرش وعلمه تحت العرش. قال : صدقت يا محمد ، هل يستوي مخلوق على العرش؟ قال : معاذ الله يا بن سلام ، الأدب الأدب. قال : صدقت وأصبت. أخبرني عن الشمس والقمر ، أهما مؤمنان أم كافران؟ قال صلى الله عليه وسلم : هما مؤمنان طائعان مسخران تحت قهر المشيئة. قال : صدقت يا محمد ، فما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور؟ قال : لأن الله تعالى محا آية الليل وجعل آية النهار مبصرة ، نعمة من الله وفضلا ، ولو لا ذلك لما عرف الليل من النهار. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن الليل لم سمي ليلا؟ قال : لأنه منال الرجال من النساء ، جعله الله ألفة وسكنا ولباسا ، قال : صدقت يا محمد ، ولم سمي النهار نهارا ، قال : لأنه محل طلب الخلق لمعايشهم ووقت سعيهم واكتسابهم

قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن النجوم كم جزءا هي؟ قال : ثلاثة أجزاء ، جزء منها بأركان العرش يصل ضوءها إلى السماء السابعة ، وجزء منها في السماء الدنيا كالقناديل المعلقة تضيء لسكانها وترمي الشياطين بشررها إذا استرقوا السمع ، والجزء الثالث منها معلق في الهواء وهي تضيء على البحار وعلى ما فيها. قال : صدقت يا محمد ، ما بال النجوم تبين صغارا وكبارا؟ قال يا بن سلام لأن بينها وبين السماء بحارا تضرب الريح أمواجها فتضطرب فتبين صغارا وكبارا ، ومقادير النجوم كلها واحدة. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني كم بين السماء والأرض من ريح؟ قال : يا بن سلام ، ثلاث : الريح العقيم التي أرسلت على قوم عاد وهي ريح سوداء مظلمة

٤٠١

يعذب الله بها من يشاء من أهل النار ، وريح حمراء يعذب الله بها الكفار يوم القيامة ، وريح أهل الأرض تغدو في جوانبها ، ولو لا تلك الريح لاحترقت الأرض والجبال من حر الشمس. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن حملة العرش كم هم صفا؟ قال : ثمانون صفا ، كل صف منها طوله ألف ألف فرسخ ، وعرضه خمسمائة عام ، رؤوسهم تحت العرش وأقدامهم تحت الأرض السابعة ، ولو كان طائر يطير من أذن أحدهم اليمنى إلى اليسرى ألف سنة من سني الدنيا لم يبلغ مدى ذلك ، ولهم ثياب من در وياقوت ، شعورهم كالزعفران وطعامهم التسبيح وشرابهم التهليل ، ومنها صف نصفه من ثلج ونصفه من نار ، ومنها صف نصفه رعد (٥٥٠) ونصفه برق (٥٥١) ، ومنها صف نصفه من ماء ونصفه من مدر ، ومنها صف نصفه من ماء ونصفه من ريح.

قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن طائر ليس له في السماء ملجأ ولا في الأرض مأوى ، ما هو؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تلك حيات بيض أعرافها كأعراف الخيل ، تبيض في الجو على أذنابها وتفرخ في الهواء إلى يوم القيامة. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن مولود أشد من أبيه قال : يا بن سلام ذلك الحديد ، مولد من الحجر وهو أشد من الحجر. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن بقعة أصابتها الشمس مرة واحدة فلا تعود إلى يوم القيامة إليها. قال : ذلك الموضع الذي

__________________

(٥٥٠) الرعد : صوت شديد يقترن بالبرق (يأتي بعده) فهو صوت تفريغ البرق حيث تتولد حرارة شديدة (تسخين للهواء فيتمدد بسرعة شديدة مؤديا لهذا الصوت المعروف بالرعد وهو يسمع بعد البرق نتيجة لأن الضوء أسرع كثيرا جدا من الصوت (القاموس الجغرافي ، ص ٢٤٢).

(٥٥١) البرق : وميض ضوئي يسبق سماع الرعد ينتج عن تفريغ كهربائي مفاجئ يتم بين سحابة وأخرى أو بين أعلى سحابة (شحنات موجبة) وأدناها (شحنات سالبة) واذا ما تم التفريغ الكهربائي بين أسفل السحابة وسطح الأرض فتعرف بالصاعقة ، وعادة ما يرتبط بوجود سحب المزن الركامي الممطرة خاصة من نوع المطر الانقلابي (القاموس الجغرافي ، ص ٢٢٤).

٤٠٢

أغرق الله فيه فرعون حين انفلق البحر وانطبق عليه. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن بيت له اثنا عشر بابا خرج منه اثنتا عشرة عينا لاثني عشر قوما.

قال النبي صلى الله عليه وسلم إن أخي موسى عليه السلام لما جاوز ببني إسرائيل البحر ودخل بهم إلى البرية شكوا العطش فمر بحجر مربع فأوحى الله عز وجل إليه أن اضرب بعصاك الحجر ، فضربه موسى فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا لأثني عشر سبطا (٥٥٢) من إسرائيل.

قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن شيء لا من الجن ولا من الإنس ، ولا من الطير ولا من الوحش ، أنذر قومه ، قال يا بن سلام : النملة أنذرت قومها حين قالت : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(٥٥٣). قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عمن أوحى الله إليه من الأرض. قال : أوحى الله إلى طور سيناء أن يرفع موسى نحو السماء ليأخذ الألواح. المنزلة عليه. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن مخلوق أوله عود وآخره روح؟ قال : ذلك عصا موسى بن عمران عليه السلام ، أمره الله ان يلقيها في بيت المقدس ، فألقاها فإذا هي حية تسعى.

قال صدقت يا محمد ، فأخبرني عن ثلاث ذكور لم يولدوا من فحل قال : هم آدم عليه السلام ، وعيسى بن مريم عليهما السلام ، وكبش إسماعيل عليه السلام. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن وسط الدنيا ، أي موضع هو؟ قال : بيت المقدس. قال كيف ذلك؟ قال : لأن فيه الحشر والصراط والميزان. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن الفلك المشحون؟ قال صلى الله عليه وسلم : السفن المبنية ، أما قرأت في التوراة : وحملناه على ذات ألواح ودسر قال : ما الألواح؟ قال : الأشجار التي شقت طولا هي

__________________

(٥٥٢) السبط : بكسر السين وسكون الباء ، ولد الولد او الحفيد (القاموس ، ج ٣ ، ص ٢٣٣).

(٥٥٣) سورة النمل : آية ١٨.

٤٠٣

الألواح ، والدسر : المسامير ، والعوارض من الحديد. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني كم كان طول سفينة نوح عليه السلام ، وكم كان عرضها وارتفاعها؟ قال : يا بن سلام كان طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها مائة وخمسون ذراعا ، وارتفاعها مائتا ذراع. قال : صدقت يا محمد ، فمن أين ركبها نوح عليه السلام؟ قال : من العراق. قال : وأين بلغت؟ قال : طافت بالبيت العتيق أسبوعا ، وبالبيت المقدس أسبوعا ، واستوت على الجودي.

قال صدقت يا محمد ، فأخبرني عن البيت المعمور ، أين كان لما أغرق الله الدنيا؟ قال : لما أغرق الله الدنيا رفع البيت الحرام من الأرض إلى السماء السابعة ؛ ومن ثم سمي البيت المعمور (٥٥٤). قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني أين كانت الصخرة وبيت المقدس وقت الطوفان؟ قال : أودعهما الله عز وجل في بطن جبل أبي قبيس. قال : صدقت يا محمد. فأخبرني عن المولود الذي لم يشبه أباه ، وربما أشبه خاله أو عمه ؛ قال : إذا جامع الرجل امرأته فإن غلبت شهوة الرجل شهوة المرأة خرج الولد بأبيه أشبه ؛ وإن غلبت شهوة المرأة شهوة الرجل خرج الولد بأمه أشبه ؛ وإن استويا خرج شبيها بهما ، وإن سبقت شهوة الرجل خرج الولد بعمه أشبه ، وإن سبقت شهوة المرأة كان الولد بخاله أشبه.

قال : صدقت يا محمد ، هل يعذب الله خلقه بلا حجة؟ قال : معاذ الله ، إن الله تبارك وتعالى ملك عادل لا جور في قضائه. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن أطفال المشركين ، أين يكونون أفي الجنة هم أم في النار؟ قال : يا بن سلام ، الله أولى بهم ، إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلق لفصل القضاء أمر الله تعالى بأطفال

__________________

(٥٥٤) يقال أنه البيت الذي كان ابراهيم الخليل مسندا ظهره اليه في السماء السابعة حين عرج رسول الله الى السماء السابعة ودخلها (مسلم (٢ / ٢١٤) ، والمنتقى (ورقة ١٦٧).

٤٠٤

المشركين فيؤتى بهم فيقول لهم عز وجل : عبادى وأبناء عبادي وإمائي ، من ربكم وما دينكم وما عملكم؟ فيقولون : اللهم أنت ربنا ، وأنت خالقنا ولم نك شيئا ، وأمتنا ، ولم تجعل لنا ألسنة تنطق بها ، ولا عقولا نعقل بها ، ولا قوة في الأعضاء نتعبد بها ، ولا علم لنا إلا ما علمتنا. فيقول الله عز وجل : فالآن لكم ألسنة وعقول وقوة للحركة في الأعضاء ، فإن أمرتكم يا عبادي بأمر تفعلونه؟ فيقولون : إلهنا تباركت وتعاليت ، لك السمع والطاعة ، مر بأيما شئت. فيأمر الله ملكا فيزجر جهنم حتى تفور ، ويأمر بأطفال المشركين أن يلقوا فيها ، فمن كان منهم قد سبق في علم الله له السعادة ألقى بنفسه في الحال بلا إمهال ، فتكون النار عليه بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم عليه السلام ، ومن سبق في علم الله له الشقاوة وامتنع من إلقاء نفسه في النار فأولئك يتبعون آباءهم ، والفرقة الأخرى يخرجون إلى الجنة مع المؤمنين. قال : صدقت وبررت وبينت وأزلت الشك يا محمد ، فزدني يقينا ، فأخبرني عن الأرض لم سميت أرضا؟ قال : لأنها أرض يداس عليها. قال : صدقت يا محمد ، فمم خلقت؟ قال : من الزبد ، قال : فالزبد مم خلق؟ قال : من الموج. قال : فالموج مم خلق؟ قال : من البحر. قال : صدقت يا محمد ، فكيف كان ذلك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل لما خلق البحر أمر الريح أن يضرب الأمواج بعضها في بع ، فاضطربت الأمواج حتى ظهر الزبد فأمره أن يجتمع فاجتمع ، ثم أمره أن يلين فلان ، ثم أمره أن يعتدل فاعتدل ، ثم أمره أن يمتد فامتد ، فسطحها أرضا ومهدها. قال : صدقت يا محمد. قال : فأخبرني بم أمسكها؟ قال : بجبل قاف المحيط بالعالم ، وهو أصل أوتاد الأرض التي نحن عليها.

قال : صدقت يا محمد. قال : فأخبرني ما تحت هذه الأرض؟ قال : تحتها ثور ، والثور على صخرة. قال : وما صفة ذلك الثور؟ قال : له أربع قوائم وأربعون قرنا وأربعون سناما ، رأسه بالمشرق. وذنبه بالمغرب ، ومسيرة ما بين قرن وقرن من قرونه

٤٠٥

خمسون ألف سنة. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني ما تحت الصخرة التي عليها الثور؟ قال : تحتها جبل يقال له صعود. قال : ولمن أعد ذلك الجبل يوم القيامة؟ قال : لأهل النار ، يصعد المشركون في النار في مدة خمسين ألف سنة ، حتى إذا بلغوا أعلاه نفضهم الجبل فيتساقطون إلى أسفله ويسحبون على وجوههم. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني ما تحت ذلك الجبل؟ قال : أرض. قال : وما اسمها؟ قال : هاوية. قال : وما تحتها؟ قال : بحر. قال : وما اسمه؟ قال : السهيل. قال : صدقت يا محمد ، فما تحت ذلك البحر؟ قال : أرض. قال : وما اسمها؟ قال : ناعمة. قال : وما تحتها؟ قال : بحر. قال : وما اسمه؟ قال : الزاخر. قال : وما تحته؟ قال : أرض. قال : وما اسمها. قال : فسيحة. قال : فصف لي يا محمد تلك الأرض. فقال صلى الله عليه وسلم : يا بن سلام ، هي أرض بيضاء كالشمس وريحها كالمسك ، وضوءها كالقمر ونباتها كالزعفران ، يحشر عليها المتقون يوم القيامة.

قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني أين تكون هذه الأرض التي نحن عليها اليوم؟ قال صلى الله عليه وسلم : تبدل بأرض غيرها. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني ما تحت تلك الأرض؟ قال : بحر. قال : وما اسمه؟ قال : القمقام. قال : وما فيه؟ قال : النون. قال : وما النون؟ قال : الحوت. قال : وما اسمه؟ قال : بهموت. قال : صدقت يا محمد ، فصف لي الحوت قال ؛ يا بن سلام ، رأسه بالمشرق وذنبه بالمغرب. قال : فما على ظهره؟ قال : الأراضي والبحار والظلمات والجبال. قال : فما بين عينيه؟ قال : بين عينيه سبعة أبحر ، في كل بحر سبعون ألف مدينة ، وفي كل مدينة سبعون ألف ملك. قال : فما يقولون؟ قال : يقولون لا إله إلا الله وحده لا شريك له : له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني ما تحت الحوت؟ قال : ريح تحمل الحوت بإذن الله تعالى. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني ما تحت الريح؟ قال : الظلمة. قال : فما تحت الظلمة؟ قال : الثرى. قال : وما تحت الثرى؟ قال : لا يعلم

٤٠٦

ذلك إلا الله تبارك وتعالى قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن ثلاث رياض في الدنيا هن من رياض الجنة. قال صلى الله عليه وسلم : أولها مكة ، وثانيها بيت المقدس ، وثالثها يثرب هذه ، قال : صدقت يا محمد.

ثم قال عبد الله بن سلام : يا محمد : أخبرني عن أربع مدن من مدائن الجنة في الدنيا. قال : أولها إرم ذات العماد ، والثانية المنصورة من بلاد الهند ، والثالثة سارية بساحل بحر الشام ، والرابعة البلقاء من أرض أرمينية. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن أربع منابر من منابر الجنة في الدنيا. قال : أولها القيروان وهي إفريقية بالمغرب ، الثانية باب الأبواب من أرمينية ، الثالثة عبادان بأرض العراق ، الرابعة خراسان خلف نهر جيحون. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن أربع مدن من مدائن جهنم في الدنيا. قال : أولها مدينة فرعون في أرض مصر ، الثانية أنطاكية بأرض الشام ، الثالثة بأرض سيحان من أرمينية ، الرابعة المدائن من العراق. قال : صدقت يا محمد. فأخبرني عن أربعة أنهار في الدنيا من أنهار الجنة. قال النبي صلى الله عليه وسلم : أولها الفرات وهو في حدود الشام ، الثاني بأرض مصر وهو النيل ، الثالث نهر سيحان وهو نهر الهند ، الرابع نهر جيحان وهو بأرض بلخ. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن شيء لا شيء ، وعن شيء بعض شيء ، وعن شيء لا يفنى منه شيء. قال : يا بن سلام أما شيء لا شيء فهي الدنيا ، يذهب نعيمها ويموت أهلها ويخمد ضوءها ، وأما شيء بعض شيء فوقوف الخلائق في صعيد واحد للحساب ، وأما شيء لا يفنى منه شيء فهي الجنة لا يفنى نعيمها ، والنار لا ينقضي عذابها. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن جبل قاف وما خلفه وما دونه. قال صلى الله عليه وسلم : خلفه سبعون أرضا من ذهب وسبعون أرضا من فضة وسبعة أراض من مسك. قال : ما سكان هذه الأراضي؟ قال : الملائكة. قال : كم طول كل أرض وكم عرضها؟ قال : طول كل أرض عشرة آلاف عام وعرضها كذلك. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني ما

٤٠٧

وراءه؟ قال : حجاب من الريح. قال : فما وراء ذلك؟ قال : كنف محيط بالدنيا كلها. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن أهل الجنة ، يأكلون ويشربون فكيف لا يب ولون ولا يتغوطون؟ وما مثل ذلك في الدنيا؟ قال : مثله في الدنيا الجنين الذي في بطن أمه يأكل مما تأكل ويشرب مما تشرب ، ولا يبول ولا يتغوط ، ولو بال أو راث لا نشق بطن أمه ولماتت أمه من تصاعد بخار ذلك إليها.

قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن أنهار الجنة ما هي؟ قال : يا بن سلام ، من لبن لم يتغير طعمه ، وخمر وماء وعسل مصفى. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني أجامدة هي أم جارية؟ قال : بل جارية بين أشجار وثمار ورياض. فقال : هل تنقص تلك الأنهار أم تزيد؟ قال : لا تنقص ولا تزيد. قال : فهل لذلك مثل في الدنيا؟ قال : نعم ، أما تنظر إلى البحار وما ينزل فيها من الأمطار وما يمدها من الأنهار منذ خلقت إلى الآن ، ولا يؤثر فيها زيادة ولا نقصان. قال صدقت يا محمد ، قال فأخبرني بأسماء أنهار الجنة وصفاتها. قال النبي صلى الله عليه وسلم : في الجنة نهر يقال له الكوثر ، رائحته أطيب من المسك الأذفر والعنبر ، حصباؤه الدر والجوهر والياقوت الأحمر ، عليه خيام من اللؤلؤ الأبيض ، وهو منزل أولياء الله تعالى.

قال : صدقت يا محمد ، فصف لي أشجار الجنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا بن سلام ، في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، أصلها در وأغصانها من زبرجد وثمرها من جوهر ، ليس في الجنة غرفة ولا حجرة ولا قصر ولا خيمة إلا وهي مطلة عليها. قال : صدقت يا محمد. فهل الدنيا لها من مثل؟ قال : نعم ، الشمس المشرقة ، تشرق على بقاع الدنيا ولا يخلو من شعاعها مكان. قال : صدقت يا محمد ، فهل في الجنة ريح؟ قال : يا بن سلام ، ريح واحدة خلقت من نور مكتوب عليها : الحياة واللذة لأهل الجنة ، ويقال لها البهاء ، فإذا اشتاق أهل الجنة أن يزوروا ربهم في الجنة هبت

٤٠٨

تلك الريح عليهم تنفخ في وجوههم النور والنضرة والسرور ، وتطيب قلوبهم ويزدادون نورا على نورهم ، وتضرب أبواب الجنان (٥٥٥) وحلق المصاريع ، وتسبح الأنهار بخريرها والأطيار بتغريدها والأغصان بتصفيقها ، فلو أن من في السموات والأرض قيام يستمعون لتلك اللذة لماتوا جميعا من طيبها وشوقا إلى مشاهدتها ، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب : سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، دار الثواب.

قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن أرض الجنة ما هي؟ قال : يا بن سلام ، أرضها ذهب وترابها مسك وعنبر ، ورياضها الدر والياقوت والزعفران وسقفها عرش الرحمن ، قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن طعام أهل الجنة إذا دخلوها. قال : يأكلون من كبد الحوت الذي يحمل الدنيا والأراضي والجبال ، واسمه بهموت.قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن أهل الجنة ، كيف ينصرف ما يأكلون من ثمارها وأطيارها من أجوافهم؟ قال : يا بن سلام ، ليس يخرج شيء من أجوافهم بل يعرقون عرقا طيبا أطيب من المسك وأعبق (٥٥٦) من العنبر ، ولو أن عرق رجل من أهل الجنة مزج به البحار لعطر ما بين السماء والأرض من طيب ريحه. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن لواء الحمد ما صفته وكم طوله وارتفاعه؟ قال : يا بن سلام ، طوله ألف سنة ، أسنانه من ياقوتة حمراء وياقوتة خضراء ، قوائمه من فضة بيضاء له ذوائب من نور ، ذؤابة بالمشرق وذوابة بالمغرب ، والثالثة بوسط الدنيا. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن الأسطر المكتوبة عليه وكم عدة ذلك؟ قال : ثلاثة أسطر ، الأول : بسم الله الرحمن الرحيم ، الثاني : الحمد لله رب العالمين ، الثالث : لا إله إلا الله

__________________

(٥٥٥) الجنان : البستان ومنه الجنات واشتقت من الاجتنان وهو الستر لتكاثف أشجارها (اللسان ١ / ٧٠٥).

(٥٥٦) العبق : الريح الطيبة.

٤٠٩

محمد رسول الله. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن الجنة والنار وأيهما خلق قبل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الجنة خلقت قبل النار ، ولو خلقت النار قبل الجنة لسبق العذاب الرحمة. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن الجنة أين هي؟ قال : في السماء السابعة ، والنار في تخوم الأرض السفلى. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني كم للجنة من باب وكم للنار من باب؟ قال : للجنة ثمانية أبواب والنار سبعة أبواب. قال : وكم بين الباب والباب من الجنة؟ قال : ألف سنة. قال : وكم ارتفاعها؟ قال : خمسمائة عام ، وعلى شرفاتها سرادق من ذهب بطانته من الزمرد ، وعلى كل باب جند من الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله تبارك وتعالى. قال : فما تقول تلك الملائكة؟ قال : يقولون : طوبى لأهل الجنة وما يلقون من النعيم وكرامة الله تعالى. قال : في أي الأعمار وأي الصفات يدخل أهل الجنة الجنة؟ قال : يدخلونها أبناء ثلاث وثلاثين في حسن يوسف عليه السلام ، وطول آدم ، وخلق محمد صلى الله عليه وسلم. قال : فصف لي بعض نعيم أهل الجنة. قال : إن أدنى ما فيه الجنة وليس في الجنة دنيء ، ولو نزل به جميع من في الأرض من العوالم لوسعهم طعاما وشرابا وفاكهة وقرى ولم ينقص مما لديه شيء ، ولو أن رجلا من أهل الجنة بصق في البحار المالحة لعذبت ، ولو أدلى ذؤابة من ذوائبه من السماء إلى الأرض لغلب ضوءها ضوء الشمس ونور القمر.

قال : صدقت يا محمد ، فصف لي الحور العين. قال : يا بن سلام ، الحور العين بيض كاللؤلؤ ، مشربات بحمرة الياقوت الأحمر. قال : صدقت يا محمد ، صف لي النار. قال : يا بن سلام ، إن النار أوقد علها ألف سنة حتى احمرت ، وألف سنة حتى ابيضت ، وألف سنة حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة ممزوجة بغضب الله لا يهدأ لهيبها ولا يخمد جمرها ، يا بن سلام لو أن جمرة من جمرها ألقيت في دار الدنيا لألهبت ما بين المشرق والمغرب من حرارة جمرها وعظم خلقها ، وهي سبع طباق : الطبقة

٤١٠

الأولى للمنافقين ، والثانية للمجوس ، والثالثة للنصارى ، والرابعة لليهود ، والخامسة سقر ، والسادسة السعير ، وأمسك النبي صلى الله عليه وسلم عن ذكر السابعة وبكى حتى جرت دموعه على لحيته الكريمة ثم قال : وأما السابعة وهي أهونها فلأهل الكبائر من أمتي.

قال : صدقت وبررت يا محمد ، فأخبرني عن يوم القيامة وكيف يقوم الخلائق؟ قال : يا بن سلام ، إذا كان يوم القيامة كورت الشمس واسودت ، وطمست النجوم وخمدت وانتثرت ، وسيرت الجبال وعطلت العشار وبدلت الأرض غير الأرض. قال : صدقت يا محمد : كيف تقوم الخلائق؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقيم الله الخلائق لفصل القضاء ، ويمد الصراط ، وينصب الميزان وينشر الدواوين ويبرز الرب للحكم بين الخلائق. قال : صدقت يا محمد ، فكيف يميت الخلائق إذا قامت الساعة؟ قال يأمر ملك الموت فيقف على صخرة بيت المقدس ويضع يمينه على السموات ويده اليسرى تحت الثرى ، ويصيح بهم صيحة عظيمة ، وينفخ صاحب الصور في صوره فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا إنس ولا جان ولا طير ولا وحش إلا خر ميتا ميتة رجل واحد ، فتبقى السموات خالية من سكانها والأرض عاطلة من قطانها ، والعشار معطلة والبحار جامدة والجبال مدكدكة ، والشمس منكسفة والنجوم منطمسة.

قال : صدقت يا محمد. فأخبرني عن ملك الموت هل يذوق الموت أم لا؟ قال : يا بن سلام إذا أمات الله الخلائق ولم يبق شيء له روح يقول الله لملك الموت : من بقي من خلقي؟ وهو أعلم بمن بقي ، فيقول : يا رب أنت أعلم ، لم يبق إلا عبدك الضعيف ملك الموت. فيقول الله : يا ملك الموت قد أذقت رسلي وأنبيائي وأوليائي وعبادي الموت ، وقد سبق في علمي القديم وأنا علام الغيوب أن كل شيء هالك إلا

٤١١

وجهي ، وهذه نوبتك. فيقول : إلهي ارحم عبدك ملك الموت ، فإنه ضعيف وأنت ألطف به. فيقول سبحانه : ضع يمينك تحت خدك الأيمن ، واضطجع بين الجنة والنار ومت قال عبد الله بن سلام : بأبي أنت وأمي يا محمد ، وكم بين الجنة والنار؟ فقال صلى الله عليه وسلم : مسيرة ثلاثة آلاف سنة من سني الدنيا فيضطجع ملك الموت بين الجنة والنار ، على يمينه ، ويضع يده اليمنى تحت خده واليسرى على وجهه ويصرخ صرخة ، فلو أن أهل السموات والأرض أحياء لماتوا من شدة صرخته ، قال : صدقت يا محمد ، فما يصنع الله بالسموات إذا مات سكانها؟ قال : يطويها بيمينه كطي السجل للكتاب ، ثمي قول جلا جلاله وتقدست أسماؤه ولا إلا غيره ولا معبود سواه : أين مدعي الملك والقوة؟ فلا يجيبه أحد. ثم يقول : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) فلا يجيبه أحد ، فيرد سبحانه على ذاته المقدسة : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ، الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ، لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ)

قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني كيف يحشر الخلائق بعد موتهم؟ قال صلى الله عليه وسلم : يا بن سلام ، يحيى الله إسرافيل وهو أول من يحيى من المقربين ، وهو صاحب الصور ، فيأمره أن ينفخ في الصور نفخة البعث. قال ابن سلام : فما يقول إسرافيل في الصور؟ قال صلى الله عليه وسلم : يقول : أيتها العظام البالية النخرة والأوصال المتفرقة المنفصلة هلموا للعرض على الله ، هلموا إلى جبار السموات والأرض. ثم ينفخ فيه مرة أخرى فإذا هم قيام ينظرون ، قال : فكم طول كل نفخة؟ قال : مدة أربعين سنة ، قال : فكم كلمة يتكلم إسرافيل في الصور وقت النفخ؟ قال : ست كلمات ، الكلمة الأولى : يكون الناس طينا ، الثانية : يكونون صورا ، الثالثة : تستوي الأبدان ، الرابعة : تجري الدماء في العروق ، الخامسة : تنبت الشعور ، السادسة : قوموا. فإذا هم قيام ينظرون. قال : صدقت يا محمد. فكيف تقوم الخلائق يوم القيامة؟ قال صلى الله عليه وسلم : يا بن سلام ، يقومون حفاة عراة وألسنتهم

٤١٢

جافة وبطونهم مظلمة وأبصارهم وجلة. قال ابن سلام : الرجال ينظرون إلى النساء والنساء ينظرن إلى الرجال. قال : هيهات يا بن سلام ، (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) من شدة هول يوم القيامة. قال صدقت يا محمد.

ثم أمسك ابن سلام عن الكلام ، فقال صلى الله عليه وسلم : سل عما شئت ولا تهب. فقال : الحمد لله الذي من علي بالنظر إلى وجهك يا محمد وأهلني لخطابك ، فأخبرني إذا كان يوم القيامة أين يحشر الله الخلائق؟ قال : يحشرون إلى بيت المقدس. قال : وكيف ذلك؟ قال : يأمر الله عز وجل نارا فتحيط بالدنيا وتضرب وجوه الخلائق ، فيهربون ويمرون على وجوههم ، فيجتمعون إلى بيت المقدس. قال : صدقت يا محمد ، فما يصنع الله بالطفل الصغير والشيخ الكبير؟ قال : من كان مؤمنا سارت به الملائكة وانتفضت النار عن وجهه ، ومن كان كافرا تلفح وجهه النار حتى يؤتى به إلى بيت المقدس.

قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني كم تكون يومئذ صفوف الخلائق؟ قال يا بن سلام : مائة وعشرين صفا. قال : كم طول كل صف وكم عرضه؟ قال : طوله مسيرة أربعين ألف سنة وعرضه عشرون ألف سنة. قال : صدقت يا محمد ، كم صفا من المؤمنين وكم صفا من الكافرين؟ قال : المؤمنون ثلاثة صفوف ، ومائة وسبعة عشر صفا للكافرين. قال : يا محمد فما صفة المؤمنين وما صفة الكافرين؟ فقال صلى الله عليه وسلم : أما المؤمنون فغر محجلون من أثر الوضوء والسجود ، وأما الكافرون فسود الوجوه ، يأتون الصراط. قال : وكم طول الصراط؟ قال : مسيرة ثلاثين ألف سنة. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني كيف تمر الخلائق على الصراط؟ فقال : يكسو الله الخلائق نورا ، فأما نور المسلمين والمؤمنين والموحدين فمن نور العرش ، ونور

٤١٣

الملائكة من نور الكرسى فلا يطفأ لهم نور أبدا ، وأما الكافرون فمن نور الأرض ونور الجبال.

قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن أول فئة تجوز على الصراط ، من هم؟ قال : المؤمنون قال : صدقت يا محمد ، فصف لي ذلك. قال : يا بن سلام ، من المؤمنين من يجوز في عشرين عاما على الصراط ، فإذا بلغ أولهم الجنة تدلت الكفار على الصراط حتى إذا توسطوا أطفأ الله نورهم فيبقون بلا نور ، فينادون بالمؤمنين (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) أليس فيكم الآباء والأصحاب والإخوان (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) في دار الدنيا (قالُوا بَلى ، وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ، مَأْواكُمُ النَّارُ ، هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ويقال لهم : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ). ويأمر الله جهنم فتصيح بهم من تحتهم صيحة فيسقطون على وجوههم ورؤوسهم في النار حيارى نادمين ، وتنجو عصابة المؤمنين ببركة الله ولطفه بهم.

قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني ما يصنع الله بالموت حينئذ؟ قال : فإذا صار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، أتي بالموت كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال لأهل الجنة : يا أولياء الله هذا الموت هل تعرفونه؟ فيقولون : نعرفه يا ملائكة ربنا ، اذبحوه حتى لا يكون موت أبدا. ويقولون لأهل النار : يا أعداء الله هذا الموت هل تعرفونه؟ فيقولون : نعرفه ، فتقول الملائكة : نذبحه؟ فيقولون : يا ملائكة ربنا ، لا تذبحوه ودعوه لعل الله يقضي علينا بموت فنستريح. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فيذبح الموت بين الجنة والنار ، فييئس أهل النار من الخروج منها وتطمئن أهل الجنة بالخلود فيها. فعند ذلك قال ابن سلام : صدقت يا رسول الله.

٤١٤

ونهض قائما على قدميه وقال : امدد يدك الكريمة لتشملني بركتها ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك محمد رسول الله ، وأن الجنة حق وأن النار حق ، وأن الحساب حق وأن الثواب حق ، وأن ما أخبرت به حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور. فكبرت الصحابة رضي الله عنهم عند ذلك ، وسماه صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سلام ، وصار من أكابر الصحابة رضي الله عنهم والنقمة على اليهود.

تمت المسائل بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وهذه نبذة منقولة من كتاب البدء لأبي زيد البلخي ، رحمة الله تعالى.

٤١٥

فصل فيما ذكر المدة من قبل خلق الخلق

روى حماد بن زيد عن طاوس ، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الت بنو إسرائيل لموسى بن عمران عليه السلام : سل ربك منذ كم خلق الدنيا؟ فقال موسى : يا رب أما تسمع ما يقول عبادك؟ فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه : يا موسى إني خلقت أربعة عشر ألف مدينة من فضة ، وملأتها خردلا وخلقت لها طيرا ، وجعلت رزقه كل يوم حبة من ذلك الخردل ، فأكل الخردل حتى فني ما في الخزائن ومات الطير بعد استيفاء رزقه ، ثم خلقت الدنيا ، فقيل لابن عباس : فأين كان عرشه؟ قال : على الماء فقيل : فأين كان الماء؟ قال : على متن الريح. وروي مثل هذا عن طاووس مرفوعا ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : هذا شيء غامض صعب موكول إلى علم الله تعالى ، إذ ليس يدرى ما الذي كان قبل هذا الخلق؟ أمثل هذا الخلق أم على خلافهم؟ وهل يعيد الدنيا بعد فناء هذه الدنيا أم لا. والأخبار واردة بأشياء عجيبة ، والقدرة صالحة لأضعاف أضعاف ذلك.

وزعم بعض الناس أنه عد قبل آدم هذا الذي ننسب إليه ألف آدم ومائتي آدم ، والله أعلم. وكله جائز لكونه تحت الإمكان ودخل في حد الإيجاد ، فأما الذي لا يسوغ القول إلا به ، ولا يلزم إلا اعتقاده ، هو انفراد الله سبحانه جل جلاله عن خلقه سابقا من غير شريك ولا جوهر قديم ، وإبداعه الأشياء لا من شيء ، سبحانه ، لا إله إلا هو.

٤١٦

ذكر مدة الدنيا

واختلاف الناس فيها :

قال الله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)(٥٥٧) فزعم قوم أن مدة الدنيا ستة آلاف سنة ، مكان كل يوم ألف سنة. روي عن كعب الأحبار رضي الله عنه أن الله وضع الدنيا على سبعة أيام ، مكان كل يوم ألف سنة ، وروي أبو المقوم الأنصاري عن ابن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الدنيا جمعة من جمع الآخرة. وروي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وأبان وعكرمة ، في قوله تعالى : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)(٥٥٨) قال : هي الدنيا من أولها إلى آخرها. وجاء في خبر آخر أنه مائة ألف سنة وخمسون ألف سنة.

قال البلخى رحمه الله : أخبرني هريد المجوسي وهو أعلم من الموبذان بفارس أن في كتاب لهم أن مدة الدنيا أربعة أرباع ، فأولها : ثلاثمائة ألف سنة وستون ألف سنة ، عدد أيام السنة ، وقد مضت. والربع الثاني : ثلاثون ألف سنة ، عدد أيام الشهر ، وقد مضت أيضا. والربع الثالث. اثنا عشر ألف سنة ، عدد شهور السنة ، وقد مضت أيضا. والربع الرابع سبعة آلاف سنة ، عدد أيام الأسبوع ، ونحن فيها

قال البلخي رحمه الله : وجدت في كتاب راوية عن وهب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : منذ كم خلقت الدنيا؟ فقال : أخبرني ربي أنه خلقها منذ سبعمائة ألف سنة إلى اليوم الذي بعثني فيه رسولا إلى الناس. وزعم أيضا أن مما يدل على ذلك ما جاء في الخبر أن إبليس عبد الله قبل أن يخلق آدم خمسة

__________________

(٥٥٧) سورة الأعراف : آية ٥٤.

(٥٥٨) سورة المعارج : آية ٤.

٤١٧

وثمانين ألف سنة ، وخلق عد ما خلق السموات والأرض من المدد ما شاء الله. والله سبحانه وتعالى أعلم.

٤١٨

ذكر ما وصف من الخلق قبل آدم

عليه السلام

روي في الحديث أن كل شيء خلقه الله من الخلق كان قبل آدم ، وأن آدم وجد بعد إيجاد الخلق ، لأنه خلق آدم آخر الأيام التي خلق فيها الخلق. وروى بقية بن الوليد عن محمد بن نافع عن محمد بن عبد الله بن عامر المكي أنه قال : خلق الله خلقه من أربعة أشياء : الملائكة من نور ، والجان من نار ، والبهائم من ماء ، وآدم من طين ، وذريته كذلك بالتبعية ، فجعل سبحانه الطاعة في الملائكة والبهائم لأنهما من النور والماء ، وجعل المعصية في الجن والإنس لأنهما من الطين والنار.

وروي عن شهر بن حوشب أنه قيل : خلق الله في الأرض خلقا وأسكنهم فيها ، ثم قال لهم : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فما أنتم صانعون؟ قالوا : نعصيه فلا نطيعه ، فأرسل الله عليهم نارا فأحرقتهم. ثم خلق الجن فأمرهم بعمارة الأرض ، فكانوا يعبدون الله حق عبادته ، حتى طال عليهم الأمد فعصوا وقتلوا نبيا لهم يقال له يوسف وسفكوا الدماء ، فبعث الله عليهم من الملائكة جندا ، وجعل عليهم إبليس رئيسا وكان اسمه عزازيل فأجلوهم من الأرض وألحقوهم بجزائر البحور. وسكن إبليس ومن معه من الملائكة الأرض ، فهانت عليهم العبادة وأحبوا المكث فيها.فقال الله عز وجل لهم : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)(٥٥٩) فصعب عليهم العزل ومفارقة المألوف ، وقالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها) على طريق الاستفهام من الله سبحانه (مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ).

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن الله تعالى لما خلق الجان من نار السموم ، جعل منهم المؤمن والكافر ؛ ثم بعث إليهم رسولا من الملائكة وذلك قوله

__________________

(٥٥٩) سورة الحج : آية ٧٧.

٤١٩

تعالى : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ)(٥٦٠) قال : فقاتل الملك المرسل بمؤمني الجن كفارهم فهزموهم وأسروا ابليس ، وهو غلام وضيء اسمه الحارث أبو مرة ، فصعدت الملائكة به إلى السماء ونشأ بين الملائكة في الطاعة والعبادة وخلق الله خلقا في الأرض فعصوه ، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة فنفوهم عن الأرض ، ثم خلق الله آدم فأشقى إبليس وذريته به.

وزعم بعضهم انه كان قبل آدم في الأرض خلق لهم لحم ودم ، واستدلوا بقوله :(أََجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ)(٥٦١) فلم يقولوا ذلك إلا عن معاينة.

واحتجوا أيضا بقول جويبر : إنهم كانوا خلقا فبعث إليهم نبي اسمه يوسف فقتلوه. والذين سكنوا الأرض قبل آدم ثلاث أمم : الذين إبليس من نسلهم ، والذين قتلوا نبيهم يوسف ، والذين أجلاهم إبليس من الأرض ، مع ما قيل إنه كان قبل آدم ألف آدم ومائتا آدم ، ونوح آخر الآدميين. وروي أن آدم لما خلق قالت له الأرض : يا آدم جئتني بعد ما ذهبت جدتي وشبابي وقد خلقت ، قال عدي بن زيد مفردا :

قضى لستة أيام خلائقه

وكان آخر شيء صوّر الرجلا

__________________

(٥٦٠) سورة البقرة : آية ١٢٧.

(٥٦١) سورة البقرة : آية ٣٠.

٤٢٠