خريدة العجائب وفريدة الغرائب

سراج الدين بن الوردي

خريدة العجائب وفريدة الغرائب

المؤلف:

سراج الدين بن الوردي


المحقق: أنور محمود زناتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-358-6
الصفحات: ٥٠٣

ذكر عدد العوالم كم هي

منقول من المشارع للرقي. في عدد العالمين ثمانية أقول :

الأول : أنهم مائة وثمانية وعشرون عالما. قال الضحاك : ثمانية وستون عالما حفاة عراة لا يدرون من خلقهم ، وستون عالما يلبسون الثياب.

الثاني : ألف عالم ، عن سعيد بن المسيب قال : لله تعالى ألف عالم ستمائة منها في البحر ، وأربعمائة في البر.

الثالث : ثمانية عشر ألف عالم ؛ قال وهب : لله تعالى ثمانية عشر ألف عالم ، الدنيا منها عالم واحد ، وما العمارة في الخراب إلا كفسطاط في الصحراء ، يعني أن المعمور من الأرض بالحيوان هو القليل كالخيمة المضروبة في الفلاة. الرابع : أربعون ألفا ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : إن الله أربعين ألف عالم ، الدنيا من شرقها إلى غربها عالم واحد.

الخامس : سبعون ألفا ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) قال : الذي فيه الروح ، قال : والجن والإنس عالم ، والملائكة والكروبيون عالم ، وسبعون ألف عالم سوى ذلك لا يعلمهم إلا الله سبحانه وتعالى.

السادس : ثمانون ألفا ، قال مقاتل بن حيان : العالمون ثمانون ألف عالم ، أربعون ألف عالم في البر ، وأربعون ألف عالم في البحر.

السابع : أن الرؤساء المتبوعين ثمانية عشر ألفا ، والأتباع لا يحصون. وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : العالمون ثمانية عشر ألف ملك ، منهم أربعة آلاف وخمسمائة بالمشرق ، وأربعة آلاف وخمسمائة ملك بالمغرب ، وأربعة آلاف وخمسمائة ملك

٤٢١

بالكنف الثالث من الدنيا ، وأربعة آلاف بالكنف الرابع من الدنيا ، مع كل ملك من الأعوان ما لم يعلم عدده إلا الله ، ومن ورائهم أرض بيضاء كالفضة ، عرضها مسيرة الشمس أربعين يوما ، ولا يعلم طولها إلا الله ، مملوءة ملائكة يقال لهم الروحانيون ، لهم زجل بالتسبيح والتهليل ، لو كشف عن صوت أحدهم لهلك أهل الأرض من هول صوته ، فهم العالمون منتهاهم العرش.

الثامن : أن عددهم لا يحصى. قال كعب : لا يحصى عدد العالمين إلا الله تعالى. قال الله تعالى : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ). وقال مقاتل بن سليمان : لو فسرت (الْعالَمِينَ) لاحتجت إلى ألف مجلد ، كل مجلد ألف ورقة. والله تعالى أعلم.

٤٢٢

ذكر التواريخ من لدن آدم

عليه السلام

روى عبد الله بن قتيبة (٥٦٢) في كتاب المعارف (٥٦٣) أن آدم عاش ألف سنة ، وكان بين موته والطوفان ألفا سنة ومائتا سنة واثنتان وأربعون سنة ، وبين الطوفان وموت نوح ثلاثمائة وخمسون سنة ، وبين نوح وإبراهيم عليهما السلام ألفا سنة وأربعون سنة ، وبين إبراهيم وموسى تسعمائة سنة ، وبين موسى وداود خمسمائة سنة ، وبين داود وعيسى ألف سنة ومائتا سنة ، وبين عيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ستمائة سنة وعشرون سنة ، فيكون من عهد آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة آلاف سنة وثمانمائة سنة وسنتان ، ومن مولد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عامنا هذا : ثمانمائة وثلاث وستون سنة ، فيكون جملة التاريخ من عهد آدم إلى يومنا هذا وهو عام ثمانمائة واثنين وعشرين سنة من الهجرة ثمانية آلاف سنة وستمائة سنة وثلاثا وستين سنة.

__________________

(٥٦٢) ابن قتيبة ، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى (٢١٣ ـ ٢٧٦ ه‍). ولد ابن قتيبة في بغداد ثم سكن الكوفة وولى قضاء الدينور مدة طويلة فنسب إليها ، وقضى معظم حياته في بغداد وأخذ من علمائها علوم الحديث والفقه واللغة والتفسير والنحو والأدب والأخبار وتوفي ببغداد ٢٧٦ ه‍ ، ويعتبر ابن قتيبة من أئمة الأدب ومن المصنفين المكثرين ومن خير النماذج التي التي تمثل ثقافة القرن الثاني الهجري ومن مؤلفاته الكثيرة كتاب الشعر والشعراء.

(٥٦٣) كتاب المعارف : هذا الكتاب هو دائرة تمتزج فيها مختلف خطوط الكتابة التاريخية ؛ إذ نجد فيه فكرة كتابة تاريخ عالمي يبدأ بالخليفة وينتهي بالمعتصم. وتظهر فيه وجهة أصحاب الأخبار والأنساب في كتابة التاريخ ؛ كما أنه يتناول أيام العرب بإيجاز ويبدو فيه اهتمام الفقيه بطريقة الفتح هل هي صلح أم عنوة ؛ واستفاد ابن قتيبة في كتاب المعارف من مصادر مكتوبة ومن الروايات ومن الروايات الشفوية ؛ ولك سبيل انتقاء معلوماته التاريخية بعد نقد مصادرة. وتتميز مادته التاريخية بالحياد والتأكيد على الحقائق.

٤٢٣

ذكر ما جاء في أشراط الساعة

روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ، ثم قام خطيبا فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبر به ، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه. والحديث طويل ، في آخره : وجعلنا نلتفت إلى الشمس هل بقي منها شيء؟ فقال صلى الله عليه وسلم : لم يبق من الدنيا إلا كما بقي من يومكم هذا.

وروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنما مثلي. ومثلكم كقوم خافوا عدوا فبعثوا ربيئة لهم فلما فارقهم إذا هو بنواصي الخيل فخشي أن يسبقه العدو إلى أصحابه ، فلمع بثوبه وقال : يا صباحاه. وإن الساعة كادت أن تسبقني إليكم.

وعن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال : أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر الساعة فقال : أما إنها لا تقوم حتى تكون قبلها عشر آيات. فذكر الدخان والدجال ، ويأجوج ومأجوج ، ونزول عيسى ، وطلوع الشمس من مغربها ، وثلاث خسوفات : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب.وآخر ذلك : نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر ، فيقال : غدت النار فاغدوا ، وراحت النار فروحوا ، وتغدو وتروح ولها ما سقط.

وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء : إذا اتخذوا المغانم دولا ، والأمانة مغنما ، والزكاة مغرما ، وتعلم العلم لغير الدين ، وأطاع الرجل امرأته ، وأدنى صديقه ، وأقصى أباه وأمه ، وارتفعت الأصوات في المساجد ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل مخافة شره ، وظهرت القيان ، والمعازف ، وشربت الخمور ،

٤٢٤

ولبس الحرير ، ولعن آخر الأمة أولها ، فتوقعوا عند ذلك ريحا حمراء ، وخسفا ومسخا وقذفا.

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن جبريل عليه السلام لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن أمر الدين فقال : متى الساعة؟ قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال : ما أمارتها؟ قال : أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. وعن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله رفع إلي الدنيا وأنا أنظر إليها وإلى ما هو كائن فيها إلى يوم القيامة ، كما أنظر إلي كفي هذه. ومنه خبر الهاشمي والسفياني والقحطاني ، والترك والحبشة والدجال ، ويأجوج ومأجوج ، وخروج الدابة والدخان ، ونفخة الصور وعيسى ، وطلوع الشمس من مغربها.

٤٢٥

ذكر الفتن والكوائن في آخر الزمان

عن أبي إدريس الخولاني عن حذيفة بن اليمان قال : أنا أعلم الناس بكل فتنة كائنة إلى يوم القيامة ، وما بي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرلي في ذلك شيئا لم يحدث به غيري ، ولكنه حدث مجلسا أنا فيه عن الكوائن والفتن التي يكون منها صغار وكبار ، فذهب أولئك الرهط غيري.

وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعدد ستا بين يدي الساعة ، أولهن موتي فاستبكيت حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكتني ، ثم قال : قل إحدى ، فقلت : إحدى.

والثانية فتح بيت المقدس ، قل : اثنتان. فقلت. قال : والثالثة موتان يكون في امتي كعقاص الغنم. قال : ثلاثة فقلت ثلاثة. قال : والرابعة : فتنة عظيمة تكون في أمتي لا تبقي بيتا في العرب إلا دخلته. قل : أربعة. والخامسة : هدنة بين العرب وبين بني الأصفر ، ثم يسيرون إليكم فيقاتلونكم. قل خمس. والسادسة : يفيض المال فيكم حتى يعطى أحدكم المائة من الدنانير فيسخطها. قل : ست. وعن أبي إدريس عن جده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول الناس هلاكا فارس ، ثم العرب على أثرهم.

وفي رواية معاوية بن صالح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : النجوم أمان لأهل الماء ، فإذا طمست النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون ، وأنا يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمان لأمتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ، والجبال أمان لأهل الأرض فإذا انشقت الجبال أتى أهلها ما يوعدون.

٤٢٦

وقد روى عطاء عن ابن عباس وسلمة بن الأكوع رضي الله عنهم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلائق ، يتسافدون على ظهر الطريق تسافد البهائم.

وفي رواية أبي العالية : لا تقوم الساعة حتى يمشي إبليس في الطرق والأسواق يقول : حدثني فلان عن رسول الله بكذا وكذا ، افتراء وكذبا.

وقال بعض أهل التفسير في قوله تعالى : (حم عسق) إن الحاء حرب في آخر الزمان ، والميم ملك بني أمية ، والعين عباسية ، والسين سفيانية ، والقاف القيامة. فمن ذلك ما مضى ، ومنه ما هو منتظر.

٤٢٧

ذكر خروج الترك

روى أبو صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمين الترك. قوم وجوههم كالمجان المطرقة ، صغار الأعين خنس الأنوف يلبسون الشعر. وقيل إن هلاك سلطان بني هاشم على أيدي الأتراك الإسلامية ؛ وهلاك الأتراك الإسلامية على أيدي كفرة الترك ، وقيل : هم أهل الصين يستولون على الأقاليم. والله سبحانه وتعالى أعلم.

٤٢٨

ذكر الهدة في رمضان وهي من أشراط الساعة

حكى البيروني عن الأوزاعي ، عن عبد الله بن لبابة ، عن فيروز الديلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : تكون هدة في رمضان (٥٦٤) توقظ النائم وتفزع اليقظان. وفي رواية الأوزاعي : يكون صوت في نصف شهر رمضان يصعق له سبعون ألفا ، ويخرس له سبعون ألفا ، وتتفتق له سبعون ألف بكر ، قال : ثم يتبعه صوت آخر. فالأول صوت جبريل ، والثاني صوت إبليس ، وقيل : الصوت في رمضان ، والمعمعة في شوال (٥٦٥) ، وتمييز القبائل في ذي القعدة (٥٦٦) ، ويغار على الحاج في ذي الحجة (٥٦٧). والمحرم (٥٦٨) أوله بلاء وآخره فرج ؛ قالوا : يا رسول الله من يسلم منه؟ قال : من يلزم بيته ويتعوذ بالسجود.

وفي رواية قتادة : تكون هدة في رمضان ، ثم تظهر عصابة في شوال ، ثم تكون معمعة في ذي القعدة ، ثم يسلم الحاج في ذي الحجة ، ثم تنتهك المحارم في المحرم ، ثم

__________________

(٥٦٤) سمي رمضان ؛ لمصادفته شدة الرمضاء (الحرارة) والحجارة ترمض فيه من شدة الحر (أنظر : القزويني ، عجائب المخلوقات ، ص ٧٢).

(٥٦٥) سمي شوالا لإشالة الإبل أذنابها عند اللقاح في ذلك الوقت أنظر : القزويني ، عجائب المخلوقات ، ص ٧٣).

(٥٦٦) سمي ذا القعدة ، لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال ، لكونه أول الأشهر الحرم (أنظر : القزويني ، عجائب المخلوقات ، ص ٧٤).

(٥٦٧) سمي الحجة ، لأنهم يحجون فيه (أنظر : القزويني ، عجائب المخلوقات ، ص ٧٤).

(٥٦٨) سمي محرما لحرمة القتال فيه وكانت العرب الجاهلية قد حرمت أربعة شهور (المحرم ورجب وذي القعدة وذي الحجة) وذلك للتفرغ لأعمال الحج والخلاص من ويلات الحرب (أنظر : القزويني ، عجائب المخلوقات ، ص ٦٩).

٤٢٩

يكون صوت في صفر (٥٦٩) ، ثم يتنازع القبائل في شهر ربيع الأول (٥٧٠) ، ثم العجب كل العجب بين جمادي (٥٧١) ورجب (٥٧٢) ، ثم فيه مغنية خير من دسكرة مائة ألف.

__________________

(٥٦٩) نسبة الى صفر بيوتهم منهم عند خروجهم لأنهم خرجوا للقتال لانقضاء الأشهر الحرم (أنظر :القزويني ، عجائب المخلوقات ، ص ٧٠).

(٥٧٠) لظهور الزهر والأنوار والأمطار ولإرتباع الناس والمقام فيه (أنظر : القزويني ، عجائب المخلوقات ، ص ٧٠).

(٥٧١) لجمود المياه فيه حيث يصادف أيام الشتاء (أنظر : القزويني ، عجائب المخلوقات ، ص ٧١).

(٥٧٢) الرجبة العماد ومنه قبل عذق مرجب ، وسموه بذلك ، لتعظيمهم اياه في الجاهلية ، وهو من الأشهر الحرم.

٤٣٠

ذكر الهاشمي الذي يخرج من خراسان مع الرايات السود :

روي عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء الرحبي ، عن ثوبان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا رأيتم الرايات السود من قبل خراسان فاستقبلوها مشيا على أقدامكم لأن فيها خليفة الله المهدي. وفي هذا أخبار كثيرة ، هذا أحسنها وأولاها. وروي فيه عن عباس بن عبد المطلب أنه قال. إذا أقبلت الرايات السود من المشرق يوطئ أصحابها للمهدي سلطانه.

وقال قوم : قد نجزت هذه بخروج أبي مسلم ، وهو أول من عقد الرايات السود وسود ثيابه وخرج من خراسان فوطأ لبني هاشم سلطانهم.

قال آخرون : بل هذه تأتي بعد ، وإن أول الكوائن ملك يخرج من الصين من ناحية يقال لها حتن بها طائفة من ولد فاطمة من ظهر الحسين بن علي رضي الله عنهم ، ويكون على مقدمته رجل كوسج من تميم يقال له شعيب بن صالح ، مولده بالطالقان. مع حكايات كثيرة وأخبار عجيبة من القتل والأسر. والله أعلم.

٤٣١

ذكر خروج السفياني

روي عن مكحول ، عن أبي عبيدة بن الجراح (٥٧٣) رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال هذا الأمر قائما بالقسط حتى يلثمه رجل من بني أمية.

وفي رواية أبي قلابة ، عن أسماء عن ثوبان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر ولد العباس ، فقال : يكون هلاكهم على يد رجل من أهل بيت هذه ، وأومأ إلى أم حبيبة بنت أبي سفيان.

ومما أخبر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ذكر الفتن بالشام قال : فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي. ثم ذكر السفياني وأنه من ولد زيد بن معاوية ، بوجهه آثار الجدري ، وبعينه نقطة من بياض ، يخرج من ناحية دمشق ويبعث خيله

__________________

(٥٧٣) أبو عبيدة بن الجراح (٤٠ ه‍ ١٨ ه‍) هو عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري ـ مشهور بكنيته (أبي عبيدة) وبالنسبة إلى جدة (الجراح). من الصحابة تامقلين في الفتيا ، وأحد السابقين إلى الإسلام والعشرة المبشرين ، هاجر الهجرتين وشهد بدرا وما بعدها. آخي رسول الله صلي الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن معاذ ـ قال أحمد من حديث أنس : إن أهل اليمن لما قدموا على رسول الله صلي الله علية وسلم قالوا : ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام ، فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح فقال : هذا أمين هذه الأمة. وقد دعا أبو بكر يوم توفي رسول الله صلي الله علية وسلم في سقيفة بني ساعدة إلى البيعة لعمر أو لأبي عبيدة. ولاه عمر الشام وفتح الله علية اليرموك والجابية. توفي في طاعون عمواس بالشام. له في الصحيحين (١٤) حديثا. ذلك من العلوم. دخل مصر ثم رجع فدخل بغداد وولي قضاءها ، ثم قدم دمشق وولي بها تدريس دار الحديث بالظاهرية ، ثم إلى القاهرة مكارما حتى حضرها وصار بها من أعيان العلماء ، وجعله صرعتمش شيخ مدرسته الي بناها. من تصانيفه : «غاية البيان ونادرة الزمان في آخر الأوان» شرح الهداية في عشرين مجلدا ، و «التبيين في أصول المذهب» شرح الأخسيكثي ـ نسبة إلى أخسيكث ، بالثاء المثلثة ، وعند البعض بالتاء المثناه ، مدينة بما وراء النهر ـ و «شرح البزدوي»

[الفوائد البهية ص ٥٠ ، والجواهر المضية ٢ / ٢٧٩ ، والنجوم الزاهرة ١٠ / ٣٢٥ ، ومعجم المؤلفين ٤ / ٣].

٤٣٢

وسراياه في البر والبحر فيبقرون بطون الحبالى وينشرون الناس بالمناشير ، ويحرقون ويطبخون الناس في القدور ، ويبعث جيشا له إلى المدينة فيقتلون ويأسرون ويحرقون ، ثم ينبشون عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر فاطمة رضي الله عنها ؛ ثم يقتلون كل من كان اسمه محمدا وفاطمة ، ويصلبونهم على باب المسجد ، فعند ذلك يشتد عليهم غضب الجبار فيخسف بهم الأرض ، وذلك قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ)(٥٧٤) أي من تحت أقدامهم. وفي خبر آخر أنهم يخربون المدينة حتى لا يبقى بها رائح ولا سارح.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لتتركن المدينة كأحسن ما كانت حتى يجيء الكلب فيشغر على سارية المسجد ؛ قالوا : فلمن تكون الثمار يومئذ يا رسول الله؟ قال : لعوافي السباع والطير ، قال : ثم تسير سرية السفياني تريد مكة حتى تنتهي إلى موضع يقال له بيداء فينادي مناد من السماء : يا بيداء بيدي بهم ، فيخسف بهم فلا ينجو منهم إلا رجلان من كلب ، تقلب وجوههما في أفقيتهما ، يمشيان القهقرى على أعقابهما حتى يأتيا السفياني ، فيخبرانه ، ويأتي للمهدي وهو بمكة فيخرج معه اثنا عشر ألفا فيهم الأبدال والأعلام ، حتى يأتي المياه فيأسر السفياني ويغير على كلب لأنهم أتباعه ويسبي نساءهم. قالوا : فالخائب يومئذ من غاب عن غنائم كلب. كذا الرواية مع كلام كثير. والله أعلم.

__________________

(٥٧٤) سورة سبأ : أية ٥١.

٤٣٣

ذكر خروج المهدي

قد روي فيه روايات مختلفة وأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي وابن عباس رضي الله عنهم. وأحسن ما جاء في هذا الباب خبر أبي بكر بن عياش عن عاصم بن ذر ، عن عبد الله بن مسعود (٥٧٥) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تذهب الدنيا حتى يأتي على أمتي رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، ليس فيه تواطؤ اسمه اسمي.

وللشيعة فيه أشعار كثيرة وأسطار بعيدة ، منها قول عامر بن عامر البصري :

طغى الجور (٥٧٦) والعدوان فاض ، فهل

بني العزم في فكر لتحصيل آلة

لنبني قبل الغرق منها سفينة

فننجو بها من هلك أمواج فتنة

فكن عالما بالوقف فكرا وفتنة

أخيّ ، فهذا الوقت وقت لفطنة

إمام الهدى حتى متى أنت غائب

فمنّ علينا يا إمام بأوبة

مللنا وطال الإنتظار فجد لنا

بحقّك يا قطب الوجود بزورة

وقوّم بعدل منك ظهرا قد انحنى

وعدّل مزاجا ، مال ، منك بحكمة

__________________

(٥٧٥) عبد الله مسعود (ـ ٣٢ ه‍) هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي ، أبو عبد الرحمن من أهل مكة. من أكابر الصحابة فضلا وعقلا. ومن السابقين إلى الإسلام. وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين. شهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلي الله علية وسلم وكان أقرب الناس إليه هديا ودلا وسمتا. أخذ من فيه سبعين سورة لا ينازعه فيها أحد. بعثه عمر إلى أهل الكوفة ليعلمهم أمور دينهم. له في الصحيحين ٨٤٨ حديثا. [الطبقات لابن سعد ٣ / ١٠٦ ؛ والإصابة ٢ / ٣٦٨ ؛ والأعلام ٤ / ٤٨٠].

(٥٧٦) الجور : الظلم.

٤٣٤

فأنت لهذا الأمر قدما معيّن

لذلك قال الله : أنت خليفتي

ومن حلية المهدي أنه أسمر اللون كث اللحية أكحل العينين براق الثنايا ، في خده خال ، يرفع الجور عن الأرض ويفيض العدل على الخلق ويسوي بين الضعيف والقوي في الحق ، ويبلغ الإسلام مشارق الأرض ومغاربها ويفتح القسطنطينية ، ولا يبقى أحد في الأرض إلا دخل في الإسلام أو أدى الجزية ؛ وعند ذلك يتم وعد الله ليظهره على الدين كله. واختلفوا في مدة عمره ، فقيل : يعيش سبع سنين ؛ وقيل : تسعا ، وقيل : عشرين ، وقيل : أربعين ، وقيل : سبعين. والله أعلم.

٤٣٥

ذكر خروج القحطاني

روي عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لا تقوم الساعة حتى تقفل القوافل من رومية ، ولا تقوم الساعة حتى يسوق الناس رجل من قحطجان. واختلفوا فيه من هو؟ فروي عن ابن سيرين (٥٧٧) أنه قال : القحطاني رجل صالح ، وهو الذي يصلي خلفه عيسى ، وهو المهدي. وروي عن كعب أنه قال : يموت المهدي ويبايع الناس بعده القحطاني. وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال : رجل يخرج من ولد العباس.

__________________

(٥٧٧) محمد بن سيرين يكنى أبا بكر ، وقال ابن عائشة كان سيرين والده من أهل جرجرايا وكان يعمل قدور النحاس فجاء إلى عين التمر يعمل بها فسباه خالد بن الوليد. وكان مولى أنس بن مالك كاتبه أنس واشتهر ابن سيرين بتفسير الأحلام وكان في تأويله للرؤى يأمر بتقوى الله ويبشر الناس أن من رأي ربه في المنام دخل الجنة ، إنه التابعي الجليل محمد بن سيرين الذي كان مثالا يحتذي في الورع والزهد والعبادة ، مما جعل الناس في زمانه إذا رأوه كبروا ، ويقول أحد معاصريه كان محمد بن سيرين قد أعطى هديا وسمتا وخشوعا فكان الناس إذا رأوه ذكروا الله.

٤٣٦

ذكر فتح القسطنطينية

روي عن السدي في قوله عز وجل : «لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ (٥٧٨) وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ» (٥٧٩) قال : فتح القسطنطينية وخروج الدجال. وبعض المفسرين ذهب في تفسير (الم غُلِبَتِ الرُّومُ)(٥٨٠) أنه كائن ، وعني به فتح القسطنطينية ، وذكر أنه تباع الفرس بدرهم ويقتسمون الدنانير بالجحف. قالوا : وبين فتح القسطنطينية وخروج الدجال سبع سنين. فبينما هم كذلك إذ جاءهم الصريخ : إن الدجال قد خلفكم في داركم. قال : فيرفضون ما في أيديهم من ذلك وينفرون إليه ، وهي كذابة.

__________________

(٥٧٨) خزى : Abaseness : الذل والهوان وجمهعا مخاز.

(٥٧٩) سورة البقرة : آية ١١٤.

(٥٨٠) سورة الروم : آية ٢.

٤٣٧

ذكر خروج الدجال

الأخبار الصحيحة متواترة بخروجه بلا شك ولا ريب ، وإنما الأختلاف في صفته وهيئته. قال قوم : هو صائف بن صائد اليهودي ، ولد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان أحيانا يربو في مهده وينتفخ في بيته حتى يملأ بيته. فأخبر صلى الله عليه وسلم بذلك فأتاه في نفر من أصحابه ، فلما نظر إليه عرفه فدعا الله سبحانه وتعالى ، فرفعه إلى جزيرة من جزائر البحر ، إلى وقت خروجه.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه وهو يلعب مع الصبيان فقال ابن صياد : أشهد أني رسول الله. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : اشهد أني رسول الله. فقال له ابن صياد أشهد اني رسول الله. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قد خبأت لك خبيئا.

قال : ما هو؟ قال : الدخ ، يعني الدخان. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : اخسأ فلن تعدو طورك. قال عمر رضي الله عنه : أئذن لي فأضرب عنقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن يكنه فلا تسلط عليه ، وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله. ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاختطف.

وجاء في الحديث أنه أغم جفال الشعر مكتوب بين عينيه : ك ف ر ، يقرؤه كل أحد ، كاتب وغير كاتب.

واختلفوا في موضع مخرجه ، فقال قوم : يخرج من المشرق من أرض خراسان ، وقالت طائفة : يخرج من يهود أصفهان ، وقال قوم : يخرج من أرض الكوفة. واختلفوا في أتباعه. قالوا : النساء والأعراب والمومسات وأولادهن. وأختلفوا في العجائب التي تظهر على يديه ، فقال قوم : يسير حيث سار جنة ونار ، فجنته نار وناره

٤٣٨

جنة ، ويدعي أنه رب الخلائق فيأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت ، ويبعث الشياطين في صور الموتى ، ويقتل رجلا ثم يحييه. فيفتتن الناس ويؤمنون به ويبايعونه. قالوا : ولا يتبعه من الدواب إلا الحمار.

واختلفوا في هيئة حماره فقالوا : ما بين أذني حماره اثنا عشر شبرا ، وقيل : أربعون ذراعا ، تظل إحدى أذنيه سبعين رجلا ، وخطوته مدى البصر ثلاثة أيام ، يبلغ كل منهل إلا أربعة مساجد : مسجد الله الحرام ، ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومسجد الأقصى ، ومسجد الطور. ويمكث أربعين صباحا ويقصد بيت المقدس ، وقد اجتمع الناس لقتاله ، فتعمهم ضبابة من غمام ثم تنكشف عنهم مع الصبح فيرون عيسى بن مريم عليه السلام قد نزل على المنارة البيضاء في جامع بني أمية فيقتل الدجال.

٤٣٩

ذكر نزول عيسى بن مريم

عليهما السلام

المسلمون لا يختلفون في نزول عيسى بن مريم عليهما السلام آخر الزمان. وقد قيل في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها)(٥٨١) إنه نزول عيسى. وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن عيسى نازل فيكم وهو خليفتي عليكم ، فمن أدركه فليقرئه سلامي ، فإنه يقتل الخنزير ويكسر الصليب ويحج في سبعين ألفا ، فيهم أصحاب الكهف فإنهم يحجون ، ويتزوج امرأة من الأزد ، ويذهب البغضاء والشحناء والتحاسد ، وتعود الأرض إلى هيئتها وبركاتها على عهد آدم عليه السلام حتى تترك القلاص فلا يسعى إليها أحد ، وترعى الغنم مع الذئب ، وتلعب الصبيان مع الحيات فلا تضرهم ، ويلقي الله العدل في الأرض في زمانه حتى لا تقرض فأرة جرابا ، وحتى يدعى الرجل إلى المال فلا يقبله وتشبع الرمانه السكن.

قالوا : وينزل عيسى عليه السلام وفي يده مشقص فيقتل به الدجال ، وقيل : إذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الرصاص ، واتبعهم المسلمون يقتلونهم ، فيقول الحجر والشجر : هذا يهودي خلفي إلا الغرقد من شجر اليهود ، قالوا : ويمكث عيسى عليه السلام أربعين سنة ، ويقال : ثلاثا وثلاثين سنة يصلى خلف المهدي ثم يخرج يأجوج ومأجوج.

بقية من خبر الدجال : عن فاطمة بنت قيس قالت : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحو الظهيرة ، فخطبنا فقال : إني لم أجمعكم لرغبة ولا لرهبة ، ولكن لحديث حدثنيه تميم الداري منعني سرور القائلة : حدثني أن نفرا من قومه ركبوا في البحر فأصابتهم ريح عاصف ألجأتهم إلى جزيرة. فإذا هم بدابة ، قالوا لها : ما أنت؟

__________________

(٥٨١) سورة الزخرف : آية ٦١.

٤٤٠