خريدة العجائب وفريدة الغرائب

سراج الدين بن الوردي

خريدة العجائب وفريدة الغرائب

المؤلف:

سراج الدين بن الوردي


المحقق: أنور محمود زناتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-358-6
الصفحات: ٥٠٣

صيحة عظيمة ما سمع أهول منها ، فكادت قلوبنا أن تنشق من الخوف واضطرب البحر وكثرت أمواجه وخفنا الغرق ، وأتت السمكة الطالبة لتعبر خلف البغل من الظلمات إلى مجمع البحرين فلم تقدر لعظمها.

حوت موسى عليه السلام : قال أبو حامد : رأيت سمكة تعرف بنسل الحوت في مدينة سبتة ، وهو الحوت المشوي الذي صحبه موسى ويوشع حين سافرا في طلب الخضر عليهم السلام ، وهي سمكة طولها ذراع وعرضها شبر ، وأحد جانبيها شوك وعظام وجلد رقيق على أحشائها ، ورأسها نصف رأس بعين واحدة ، فمن رآها من هذا الجانب استقذرها. ونصفها الآخر صحيح بهيج. والناس يتبركون بها ويهدونها إلى الرؤساء ، سيما اليهود.

وسمكة كأنها قلنسوة (٣٤٤) سوداء : قال أبو حامد : رأيت هذه السمكة وفي جوفها شبه المصارين ، ولا رأس لها ولا عين ، ولها مرارة كمرارة البقر سوداء. فإذا صادها أحد تحركت فيسود ما حولها من الماء حتى يبقى كالحبر الدخاني ، وأظنه من مرارتها ، فيؤخذ ذلك الماء ويكتب به في الورق وهو أحسن من الحبر وأعظم سوادا وأثبت وأجود وأبص منه.

وسمكة : يقال لها الخطاف : على ظهرها جناحان تخرج من الماء وتطير حيث شاءت ثم تعود إلى الماء. وسمكة تعرف بالمنارة : وهذه السمكة تخرج ببدنها من الماء وتقف على عجزها كالمنارة ثم ترمي بنفسها على المركب العظيم فتغرقه وتهلك أهله ، فإذا أحسوا بها ضربوا الطبول والبوقات وأضرموا مكاحل النفط فتهرب عنهم. وسمكة كبيرة إذا نقص عنها الماء بقيت على الطين ملقاة ولا تزال تضرب إلى

__________________

(٣٤٤) القلنسوة : من ملابس الرؤوس والجمع قلانس (اللسان ٥ / ٣٧٢٠).

٢٤١

مقدار ست ساعات ، ثم تنسلخ من جلدها ويظهر لها جناحان من تحت إبطها فتطير مع عظمتها إلى بحر آخر. وهذا من أعظم عجائب القدرة.

ومنها التنانين : وهي كثيرة في هذا البحر ، ولا سيما عند طرابلس واللاذقية.

٢٤٢

فصل في بحر الخزر

وهو بحر الأتراك ، وهو في جهة الشمال ، شرقيه جرجان وطبرستان وعلى شماله بلاد الخزر ، وغربيه اللان وجبال القبق ، وعلى جنوبه الجبل والديلم. وهو بحر واسع ولا اتصال له بشيء من البحار ، وهو بحر صعب خطر المسلك سريع الهلاك شديد الاضطراب والأمواج ، لا جزر فيه ولا مد ، وليس فيه شيء من اللآلئ والجواهر.

ذكر السمرقندي في كتابه : أن ذا القرنين أراد أن يعرف ساحل هذا البحر ، فبعث قوما في مركب وأمرهم بالمسير فيه سنة كاملة لعل أن يأتوه بخبر ساحل ؛ فساروا بالمركب سنة كاملة فلم يروا شيئا سوى سطح الماء وزرقة (٣٤٥) السماء ، فأرادوا الرجوع فقال بعضهم : نسير شهرا آخر لعلنا أن نرجع بخبر. فساروا شهرا آخر فإذا هم بمركب فيه أناس فالتقى المركبان ولم يفهم أحدهم كلام الآخر ، فدفع قوم ذي القرنين إليهم امرأة وأخذوا منهم رجلا ورجعوا إلى الإسكندر وأخبروه بالأمر. قال : فزوج الإسكندر الرجل بامرأة من عسكره فأتت بولد يفهم كلام الوالدين ، فقال له : سل أباك من أين جئت؟ فسأله فقال : جئت من ذلك الجانب.فقيل له فهل هناك ملك؟ قال : نعم أعظم من هذا الملك. قيل : فكم لكم في البحر؟قال : سنتين وشهرين.

وقيل : إن دور هذا البحر ألفان وخمسمائة فرسخ ، وطوله ثمانمائة فرسخ وعرضه ستمائة فرسخ ، وهو مدور الشكل ، إلى الطول أميز.

وبهذا البحر عجائب كثيرة :

منها : ما ذكره أبو حامد عن سلام الترجمان رسول الخليفة إلى ملك الخزر ، قال :لما توجهت من عند الخليفة إليهم أقمت عندهم مدة فرأيتهم يوما قد اصطادوا

__________________

(٣٤٥) الزرقة : شدة الصفاء.

٢٤٣

سمكة عظيمة فجذبوها بالكلاليب والحبال ، فانتفخت أذن السمكة فخرج منها جارية بيضاء حمراء طويلة الشعر ، سوداؤه ، حسنة الصورة طويلة القامة كأنها القمر البدر ، وهي تضرب وجهها وتنتف شعرها وتصيح ، وفي وسطها غشاء لحمي كالثوب الضيف من سرتها إلى ركبتها كأنه إزار (٣٤٦) مشدود عليها. فما زالت كذلك حتى ماتت.

ومنها التنين (٣٤٧) : ذكروا أنه يرتفع من هذا البحر تنين عظيم يشبه السحاب الأسود وينظر إليه الناس. وزعموا أنها دابة عظيمة في البحر تؤذي دوابه فيبعث الله عليها سحابا من سحب قدرته فيحملها ويخرجها من البحر. وهي صفة حية سوداء لا يمر ذنبها على شيء من الأبنية العظام إلا سحقته وهدمته ، ولا من الأشجار إلا هدتها. وربما تنفست فاحترقت الأشجار والنبات.

قال : فيلقيها السحاب في الجزائر التي بها يأجوج ومأجوج فتكون لهم غذاء.وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما هذا القول.

وحكي أن الإسكندر لما أن فرغ من السد وأحكمه سر بذلك سرورا عظيما ، وأمر بسرير فنصب له على السد فرقي عليه وحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال : يا رب الأرباب ومسهل الصعاب ، أنت ألهمتني بسد هذا المكان صونا للبلاد وراحة للعباد وقمعا لهذا العدو المطبوع على الفساد ، فأحسن لي المثوبة في يوم المعاد ، ورد غربتي

__________________

(٣٤٦) الإزار : أزر به الشيء : أحاط ، والإزار : الملحفة ، يذكّر ويؤنّث ؛ والإزارة : الإزار ، والإزر والمئرز والمئزرة : الإزار.

(٣٤٧) التنين : حيوان بحري عظيم ويقال انه اسطوري يجمع بين الزواحف والطير ويزعمون أن له مخالب أسد وأجنحة نسر وذنب أفعى (حاشية رقم ١ ، عجائب المخلوقات ، ص ١٣٠).

٢٤٤

وأحسن أوبتي. ثم سجد سجدة أطال فيها ثم استوى على فراشه واستلقى على ظهره لا نتعاشه ، وقال : الآن قد استرحت من سطوة الخزر ومقاساة الأتراك

ثم أغفى إغفاءه فطلع طالع من البحر حتى سد الأفق بطوله وارتفع كالغمامة العظيمة السوداء فسد الضوء عن الأرض ، فبادرت الجيوش والمقاتلة إلى قسيهم واشتد الصياح ، فانتبه الاسكندر ونادى : ما الذي نابكم وما شأنكم؟ فقالوا : الذي ترى. قال : أمسكوا عن سلاحكم وكفوا عن انزعاجكم ، لم يكن الله عز وجل ليلهمني لما أراد ويغربني عن أهلي ومسقط رأسي ي البلاد لمصالح الخلق والعباد مدة عشرين سنة وستة شهور ، ثم يسلط علي بهيمة من بهائم البحر المسجور. فكف الناس عن السلاح وأقبل الطالع نحو السد حتى علاه وارتفع عليه رمية سهم ، ثم قال : أيها الملك ، أنا ساكن هذا البحر ، وقد رأيت هذا المكان مسدودا سبع مرات ، وفي وحي الله عز وجل أن ملكا ، عصره عصرك وصورته صورتك وصوته صوتك واسمه اسمك ، يسد هذا الثغر سدا مؤبدا ، فأحسن الله معونتك وأجزل مثوبتك ورد غربتك وأحسن أوبتك فأنت ذلك الملك الهمام وعليك من الله السلام. ثم غاب عن بصره فلم يعلم كيف ذهب وليكن هذا آخر الكلام على البحار والجزائر والعجائب.

٢٤٥

فصل في

ذكر المشاهير من الأنهار وعجائبها

قيل : إن الأمطار والثلوج إذا وقعت على الجبال تنصب إلى مغارات بها وتبقى مخزونة فيها في الشتاء ، فإن كان في أسافل الجبال منافذ ينزل الماء من تلك المنافذ فيحصل منها الجداول وينضم بعضها إلى بعض فتحدث منها الأنهار والغدران والأودية ، فإن كانت المغارات التي هي الخزانات لهذه المياه في أعالي الجبل استمر جريانه أبدا من غير انقطاع لأن المياه تنصب إلى سفح الجبل ولا تنقطع لاتصال الامتداد من الأمطار والثلوج ، وإن انقطعت لانقطاع المدد بقيت المياه واقفة ، كما ترى في الأودية من الغدران التي تجري في وقت وتنقطع في وقت.

قال بطليموس في كتاب جغرافيا : إن بهذا الربع المسكون مائة نهر ، طول كل نهر منها من خمسين فرسخا إلى ألف فرسخ ، فمنها ما يجري من المشرق إلى المغرب ، ومنها ما يجري بالعكس ، ومنها ما يجري من الشمال إلى الجنوب ، ومنها ما يجري بالعكس.وكلها تبتدئ من الجبال وتصب في البحار بعد انتفاع العالم بها. وفي ضمن ممرها تتصور بطائح وبحيرات (٣٤٨) ، فإذا صبت في البحر المالح وأشرقت الشمس على البحار فتصعد إلى الجو بخارا ثم ينعقد غيوما وأندية كالدولاب الدائر ، فلا يزال الأمر كذلك إلى أن يبلغ الكتاب أجله. فسبحان المدبر لمملكته ببدائع حكمته ، لا إله إلا هو.

فأول ما نبدأ بذكره نهر أثل : وهو نهر عظيم في بلاد الخزر ، ويقارب دجلة ، ومجيئه من أرض الروس وبلغار ومصبه في بحر الخزر. وقد ذكر الحكماء أنه يتشعب

__________________

(٣٤٨) البحيرات : تعرف البحيرات بأنها كتل مائية داخل منخفض أرضي ولا تتصل بالبحر (القاموس الجغرافي ، محمد صبري محسوب ، ص ٨٦).

٢٤٦

من هذا النهر خمس وسبعون شعبة ، كل شعبة منها نهر عظيم ، وعموده لا يتغير ولا ينقص ذرة لغزارة مائه وقوة امتداده ، فإذا انتهى إلى البحر يجري فيه يومين ولونه بائن من لون البحر ، ثم يختلط ويجمد في الشتاء لعذوبته. وفي هذا البحر حيوانات عجيبة.

حكى أحمد بن فضلان (٣٤٩) رسول المقتدر من خلفاء بني العباس إلى بلغار ، قال : لما دخلت بلغار سمعت أن عندهم رجلا عظيم الخلقة ، فسألت الملك عنه فقال : نعم ، ما كان من بلادنا ولكن قوما خرجوا إلى نهر أثل وكان قد مد وطغى ، ثم أتوا وقالوا أيها الملك إنه قد طفى على وجه الماء رجل كأنه من أمة بالقرب منا ، فإن كان ذاك فلا مقام لنا. فركبت معهم حتى سرت إلى النهر فإذا برجل طوله اثنا عشر ذراعا ورأسه كأكبر ما يكون من القدور ، وأنفه نصف ذراع وعيناه عظيمتان ، وكل أصبع أطول من شبر. فأخذنا نكلمه وهو لا يزيد على النظر إلينا. فحملته إلى مكاني وكتبت إلى وارسو كتابا وبيننا وبينهم ثلاثة أشهر أستخبرهم عن أمره ، فعرفوني أن هذا الرجل من يأجوج ومأجوج وقالوا : إن البحر يحول بيننا وبينهم. فأقام بين أظهرنا مدة ، ثم اعتل فمات.

نهر أذربيجان : قال صاحب المسالك والممالك الشرقية : إن هذا البحر يجري ماؤه ويستحجر فيصير صفائح صخر فيستعملونه في البناء.

نهر أشعار : قال صاحب تحفة الغرائب : إن هذا النهر يخرج من موضع يقال له : فج عروس ويفيض تحت الأرض ، ثم يخرج من مكان بعيد ، ثم يفيض ثانيا بين أرض منادرة وبطليوس ويخرج وينصب في البحر

__________________

(٣٤٩) ابن فضلان : هو أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حماد مولى محمد بن سليمان ثم مولى لأمير المؤمنين ، فهو من العجم الموالى لهذا الزمان المعلومات المتوفرة عن ابن فضلان شديدة الندرة ، فمن غير المعروف : أين ولد؟ ولا متى ولد؟ ولا كيف نشأ ، ولا أين عاش مراحل حياته الأولى؟.

٢٤٧

نهر جيحون (٣٥٠) : قال الاصطخري (٣٥١) : نهر جيحون يخرج من حدود بذخشان ثم تنضم إليه أنهار كثيرة من حدود الجبل ووخش فيصير نهرا عظيما ويمر على مدن كثيرة حتى يصل إلى خوارزم. ولا ينتفع به شيء من البلاد في ممره إلا خوارزم ، ثم ينصب في بحيرة خوارزم التي بينها وبين خوارزم ستة أيام. وهذا النهر يجمد في الشتاء عند قوة البرد فيصير قطعا ، ثم تصير القطع قطعا على وجه الماء حتى يلصق بعضها ببعض إلى أن تصير سطحا واحدا على وجه الماء ، ويثخن حتى يصير سمك ذراعين أو ثلاثة أذرع ، ويستحكم حتى تعبر عليه العجلات والقوافل المحملة ولا يبقى بينه وبين الأرض فرق ، والماء يجري تحت الجمد فيحفر أهل خوارزم بالمعاول آبارا يستقون منها ويبقى كذلك شهرين فإذا انكسر البرد تقطع قطعا كما بدأ أول مرة ويعود إلى حالته الأولى. وهو نهر قتال قل أن ينجو منه غريق.

نهر حصن المهدي : قال صاحب تحفة الغرائب : هو بين البصرة والأهواز ، وهو نهر كبير ويرتفع منه في بعض الأوقات منارة يسمع منها أصوات كالطبل والبوق ثم

__________________

(٣٥٠) نهر جيحون : هو آمودريا حاليا ، وكان يسمى أيضا نهر بلخ ، ينبع من جبال بامير ويصب في بحيرة آرال ، يروي طاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان ، وما كان غربه فهو من خراسان وما كان شرقه فهو الذي يدعى ما وراء النهر.

(٣٥١) الاصطخري : هو أبو القاسم إبراهيم بن محمد الفارسي الاصطرخي المعروف بالكرخي نشأ في اصطخر ونسب إليها وفي (كشف الظنون) هو أبو زيد محمد بن سهل البلخي وفي دائرة المعارف الإسلامية هو أبو اسحق إبراهيم بن محمد الفارسي الذي عاش في النصف الأول من القرن الرابع الهجري

طلب العلم ونبغ في حدود عام ٣٤٩ ه‍ وعني بأخبار البلاد فخرج يطوف المناطق حتى وصل إلى الهند ثم إلى سواحل المحيط الأطلسي وفي رحلاته لقي نفرا من العلماء في الحقول المختلفة

لم تكن مصادر علم البلاد (علم الجغرافيا) موفورة في عصره فكان بذلك أول جغرافي عربي صنّف في هذا الباب إمّا عن مشاهدة فعلية وإمّا نقلا عن كتاب بطليموس وقد نقلت مؤلفاته إلى عدة لغات وتمّ طبعها عدة مرات.

٢٤٨

تغيب ولا يعرف شأن ذلك. نهر خزلج : وهو بأرض الترك ، وفيه حيات إذا وقعت عين ابن آدم عليها يغشى عليه.

دجلة : هو نهر ببغداد ، مخرجه من أصل جبل بقرب آمد عند حصن ذي القرنين ، وكلما امتد انضم إليه مياه جبال ديار بكر. وبآمد (٣٥٢) يخاض فيه بالدواب ويمتد إلى ميافارقين ، وإلى حصن كيفا وإلى جزيرة ابن عمر وإلى الموصل ، وتنصب فيه الزيادات ومنها يعظم أمره ويستمر ممتدا إلى بغداد إلى واسط إلى البصرة ، وينضب في بحر فارس. وماء دجلة أعذب المياه وأكثرها نفعا لأن ماءه من مخرجه إلى مصبه جار في العمارات.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أوحى الله عز وجل إلى دانيال (٣٥٣) عليه السلام أن أجر لمصالح عبادي نهرا واجعل مصبه في البحر ، فقد أمرت الأرض أن تطيعك. قال : فأخذ خشبة فجرها في الأرض والماء يتبعه ، وكلما مر بأرض يتيم أو أرملة أو شيخ ناشده الله فيحيد عنهم. وهو الدجلة ، وهو نهر مبارك كثيرا ما ينجو غريقه.

وحكي أنهم وجدوا فيه غريقا فأخذوه فإذا فيه رمق ، فلما رجعت روحه إليه سألوه عن مكانه الذي وقع منه فأخبرهم فكان من موضع وقوعه إلى موضع نجاته خمسة أيام.

__________________

(٣٥٢) آمدAmid : بلدة ذات مركز حصين تقع على نهر دجلة في اقليم ديار بكر (كردستان) افتتحها عياض بن غنم في خلافة عمر بن الخطاب ١٧ ه‍ (القاموس الإسلامي ، ج ١ ، ص ٦٤).

(٣٥٣) نبي الله دانيال ـ من أنبياء بني إسرائيل ـ كان ممن تم اسرهم ونقلهم إلى العراق ابان الغزو الفارسي لبيت المقدس وتدميرها على زمن نبوخذ نصر (السبي البابلي).

٢٤٩

نهر الذهب : وهو بأرض الشام وبلاد حلب. زعم أهل حلب أنه وادي بطنان.ومعنى قولهم نهر الذهب أن جميعه يباع أوله بالميزان وآخره بالكيل. فإن أوله تزرع عليه الحبوب والبذور وآخره ينصب إلى بطيحة ، فرسخين في فرسخين ، فينعقد ملحا.

نهر المرس : بأذربيجان. وهو شديد الجري ، وبأرضه حجارة بعضها ظاهرة وبعضها مغطاة بالماء ؛ ولهذا السبب لا تجري فيه السفن. وهو نهر مبارك كثيرا ما ينجو غريقه. حكى ديسم بن إبراهيم صاحب أذربيجان قال : كنت مجتازا على قنطرة الرس بعسكري ، فلما صرت بوسط القنطرة رأيت امرأة ومعها طفل في قماطه ، إذ صدمتها دابة فانقلب الطفل من يدها إلى الماء فما وصل إلى الماء إلا بع زمان لبعد ما بين ظهر القنطرة ووجه الماء ، ثم غاص الطفل وطفا على وجه الماء وسلم من تلك الأحجار والقرابيص وجرى مع الماء والأم تصيح ، وللعقبان أوكار على حروف النهر ، فأرسل الله عز وجل عقابا منها فانقض على الطفل ورفعه بقماطه وخرج به إلى الصحراء ، فصحت بأصحابي إليه ، فركضوا في أثر العقاب فإذا العقاب قد اشتغل بحل القماط ، فلما أدركوه وصاحوا عليه طار العقاب وترك الطفل فوجدوه سالما موقى ، فردوه إلى أمه وهو ساكت.

نهر الزاب (٣٥٤) : وهو نهر بين الموصل وإربل (٣٥٥) ، يبتدئ من أذربيجان وينصب في دجلة. يقال له الزاب المجنون لشدة جريه. قال القزويني : شربت من

__________________

(٣٥٤) نهر الزاب : يقع شمال العراق وهناك الزاب الأعلى (الكبير) وطوله نحو ٦٥٠ كم ، وهو يرفد دجلة في جنوب مدينة الموصل عند بلدة الحديثة ، وهناك الزاب الأسفل وينبع من مرتفعات جنوبي بحيرة أورمية ويرفد دجلة في شمال بلدة الفتحة ويبلغ طوله ٥٢٠ كم (القاموس ، ج ٣ ، ص ١).

(٣٥٥) إربل : مدينة قديمة تقع في الطريق بين بغداد والموصل (القاموس الإسلامي ، ج ١ ، ص ٦١).

٢٥٠

مائه في شدة القيظ فإذا هو أبرد من الثلج والبرد ، وذلك لشدة جريه وعدم تأثير الشمس فيه. نهر زمرود : وهو بأصبهان ، موصوف باللطافة والعذوبة ، يغسل فيه الثوب الخشن فيعود أنعم من الخز والحرير ، وهو يخرج من قرية يقال لها ما كان ويعظم بانضمام الماء إليه عند أصبهان ويسقي بساتينها ورساتيقها ، ثم يغور في رمل هناك ويظهر بكرمان ويجري وينصب في بحر الهند. ذكروا أنهم أخذوا قصبة وعلموها وأرسلوها في موضع غوران الماء فرجعت بكرمان.

نهر سبحة : وهو نهر بين حصن منصور وبكسوم ، لا يتهأ خوضه لأن قراره رمل سيال ، وعلى هذا النهر قنطرة وهي إحدى عجائب الدنيا لأنها عقد واحد من الشط إلى الشط مقدار مائتي خطوة من حجر صلد مهندم ، طول كل حجر عشرة أذرع.حكي أن عند أهل تلك البلدة بالأرض لوحا عليه طلسم فإذا انعاب من تلك القنطرة مكان أدلوا ذلك اللوح إلى موضع العيب فينعزل الماء عنه ويحيد فينصلح ذلك الموضع بلا مشقة ، ويرفع اللوح فيعود الماء إلى مكانه.

نهر سلق : بإفريقية الغرب ، وهو نهر كبير يجري فيه الماء بعد كل ستة أيام يوما واحدا. وهذا دأبه دائما. وقيل هو نهر صقلاب.

نهر طبرية : هو نهر عظيم ، والماء الذي يجري فيه نصفه بارد ونصفه حار فلا يختلط أحدهما بالآخر ، فإذا أخذ من الماء الحار في إناء وضربه الهواء صار باردا.

نهر العاصي (٣٥٦) : هو نهر حماه وحمص ، مخرجه من قدس ومصبه في البحر بأرض السويدية من أنطاكية. وسمي العاصي لأن أكثر الأنهار هناك تتوجه نحو

__________________

(٣٥٦) يعتبر نهر العاصي من الأنهار الهامة في سورية والمصدر الرئيسي لمياه الري في حوض العاصي.ويتوضع عليه عدة صناعات ومدن ويخترق سهولا في حمص وحماه والعشارنة والغاب والروج التي

٢٥١

الجنوب وهذا يتوجه نحو الشمال. نهر الفرات الأعظم (٣٥٧) : هو نهر عظيم عذب طيب ذو هيبة. مخرجه من أرمينية ثم يمتد إلى قالي قلا بالقرب من خلاط ، وإلى ملطية (٣٥٨) وإلى شميصات وإلى الرقة ، ثم إلى غانة ، إلى هيت ، فيسقي هناك المزارع والبساتين والرساتيق ، ثم ينصب بعضه في دجلة وبعضه يسير إلى بحر فارس.

وللفرات فضائل كثيرة : روي أن أربعة أنهار من أنهار الجنة : سيحون ، وجيحون ، والنيل ، والفرات. وعن علي رضي الله عنه قال : يا أهل الكوفة إن نهركم هذا ينصب إليه ميزابان من الجنة.

__________________

تتميز بوفرة إنتاجها الزراعي وزراعاتها الكثيفة حيث يستعمل فيها كميات كبيرة من الاسمدة المختلفة ومبيدات الأعشاب إضافة الى مصادر المياه التقليدية والعادمة المنزلية والصناعية والزراعية الناتجة عن نشاط السكان في هذا الحوض.

(٣٥٧) الفرات : هو أحد الأنهار الكبيرة في جنوب غرب آسيا ، ينبع من تركيا ويتألف من جدولين في آسيا الصغرى هما مراد صو (أي ماء المراد) شرقا ومنبعه بين بحيرة وان وجبل أرارات في أرمينيا وقره صو (أي الماء الأسود) غربا ومنبعه في شمال شرقي الأناضول. والجدولان يجريان في اتجاه الغرب ثم يجتمعان فتجري مياههما جنوبا مخترقة سلسلة جبال طوروس الجنوبية. ثم يجري النهر إلى الجنوب الشرقي وينضم إليه فروع عديدة قبل مروره في الأراضي السورية ينضم إليه نهر البليخ ثم نهر الخابور ويدخل في سوريا عند مدينة جرابلس ، ثم يمر في محافظة الرقة ويتجه بعدها إلى محافظة دير الزور ، ويخرج منها عند مدينة البوكمال. ومن ثم يدخل العراق عند مدينة القائم ويتوسع ليشكل الأهوار وسط جنوب العراق ويتحد معه في العراق نهر دجلة فيشكلان شط العرب الذي تجري مياهه مسافة ٩٠ ميلا ثم تصب في الخليج العربي ، يبلغ طول الفرات حوالي ٢٧٠٠ كم (١٨٠٠ ميلا) ، ويتراوح عرضه بين ٢٠٠ إلى أكثر من ٢٠٠٠ متر عند المصب. ويطلق على العراق بلاد الرافدين لوجود نهري دجلة والفرات بها

(٣٥٨) ملطية : مدينة بأرض الروم مشهورة. بها جبل فيه عين حدثني بعض التجار أن هذه العين يخرج منها ماء عذب ضارب إلى البياض يشربه الإنسان لا يضره شيئا فإذا جرى مسافة يسيرة يصير حجرا صلدا

٢٥٢

وروي عن جعفر الصادق (٣٥٩) رضي الله عنه أنه شرب من ماء الفرات ، ثم استزاد وحمد الله تعالى وقال : ما أعظم بركته ، لو علم الناس ما فيه من البركة لضربوا على حافته القباب ، ما انغمس فيه ذو عاهة إلا برئ.

وعن السدي أن الفرات مد في زمن عمر رضي الله عنه فألقى رمانة عظيمة فيها كر من الحب فأمر المسلمين أن يقسموها بينهم وكانوا يرون أنها من الجنة. نهر القورج : هو نهر بين القاطول وبغداد ، وكان سبب حفره أن كسرى أنوشروان ملك الفرس لما حفر القاطول أضر بأهل الأسافل فخرج أهل تلك النواحي للتظلم فرآهم فثنى رجله على دابته ووقف ، وكان قد خرج متنزها فقال بالفارسية : ما شأنكم أيها المساكين؟ قالوا : لقد جئناك متظلمين. قال : ممن؟ قالوا : من ملك الزمان كسرى أنوشروان. فنزل عن دابته وجلس على التراب وقال بالفارسية : زنهاراي مسكينان. فأتي بشيء ليجلس عليه فأبى وأدناهم منه ونظر إليهم وبكى وقال : قبيح وعار على ملك يظلم المساكين ، ما ظلامتكم؟ قالوا : يا ملك الزمان حفرت القاطول فانقطع الماء عنا وقد بارت أراضينا وخربت. فدعا كسرى بموبذانه وقال له : ما

__________________

(٣٥٩) الإمام جعفر الصادق (ولد يوم ١٧ ربيع الأول ٨٣ ه‍ في المدينة المنورة وتوفي فيها عام ١٤٨ ه‍) هو أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن فاطمة الزهراء بنت النبي محمد (ص). لقب بالصادق لأنه لم يعرف عنه الكذب. أمه هي أم فروة فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وقيل غير ذلك. يعتبر الإمام والوصي السادس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لدى الشيعة وإليه ينسبون انتشار مدرستهم الفقهية. ولذلك يطلق على الشيعة بالجعفرية نسبة للإمام جعفر الصادق. بينما ينكر أهل السنة ذلك ، ويعتبرون نسبة المذهب الجعفري إليه افتراء. استطاع أن يؤسس في عصره مدرسة فقهية وتتلمذ على يده العديد من العلماء. ويعتبر من أوائل الرواد في علم الكيمياء حيث تتلمذ عليه جابر بن حيان. وقد كني الإمام الصادق بعدة كنى منها أبو عبد الله (وهي أشهرها) وأبو إسماعيل وأبو موسى. ولقب بالصادق ، والفاضل ، والطاهر ، والقائم ، والكامل ، والمنجي. وكان يوصف بأنه ربعة ، ليس بالطويل ولا بالقصير ، أبيض الوجه ، أزهر له لمعان كأنه السراج ، أسود الشعر ، جعده ، أشم الأنف قد انحسر الشعر عن جبينه فبدا مزهرا ، وعلى خده خال أسود.

٢٥٣

جزاء ملك أضر برعيته من غير قصد؟ قال الموبذان. جزاؤه أن يجلس على التراب كما فعل ملك الزمان ، ويرجع عن الخطأ إلى الصواب وإلا سخطت عليه النيران.

فقال : قد رجعت عما وقعت فيه ، فهل ترضون بسد ما حفرت؟ قالوا : لا نكلف الملك ذلك : قال : فما تريدون؟ قالوا : مرنا أن نجري من القاطول نهرا لنحيي أرضنا.فقال : لا أكلفكم ذلك. ثم أمر أصحابه وجنده بالإقامة في مجلسه وقال : لا أبرح من مكاني حتى أرى نهرا يجري دون القاطول يسقي أراضي هؤلاء المساكين ، والجاني أولى بالخسارة. فما برح من مكانه ذلك حتى أجرى لهم نهرا دون القاطول بناحية القورج ، وساقوا الماء إلى أراضيهم وعمرت ، وسقوا منها أنفسهم ومواشيهم. فهذا كان عدله في رعيته وهو كافر (٣٦٠) يعبد النيران.

نهر الكر : هو بين أرمينية وأذال. وهو نهر مبارك وكثيرا ما ينجو غريقه. قال بعض الفقهاء نقجوان : وجدنا غريقا في الكر يجري به الماء فبادر القوم إليه فأدركوه على آخر رمق ، فلما رجعت إليه روحه قال : في أي موضع أنا؟ قالوا : في نقجوان.قال : إني وقعت في الموضع الفلاني. فإذا مسيرة ذلك المكان ستة أيام. فطلب منهم طعاما فذهبوا ليأتوه به ؛ فانقض عليه جدار فمات.

نهر مهران : وهو بالسند ، عرضه عرض جيحون يجري من المشرق إلى المغرب ، ويقع في بحر فارس. قيل إنه يخرج من جبل يخرج منه بعض أنهار جيحون ، وهو نهر عظيم فيه تماسيح كنيل مصر ، إلا أنها أضعف وأصغر. وهو يمتد على الأرض ويزرع عليه كما يزرع على النيل ، وينقص ويزيد كالنيل ، حذو النعل بالنعل ، ولا يوجد تمساح قط إلا بنهر مهران والنيل.

__________________

(٣٦٠) الكافر : في اللغة العربية هو المنكر والجاحد ، وهو أيضا المنكر للنعمة المتناسي لها ، وهو ضدّ الشاكر.

٢٥٤

نهر مكران : هو نهر عظيم عليه قنطرة ، قطعة واحدة ، من عبر عليها يتقايأ جميع ما في بطنه ولو كانوا ألوفا. وإن وقفوا عليه زمانا هلكوا من القيء. نهر اليمن : قال صاحب تحفة الغرائب : نهر بأرض اليمن. من طلوع الشمس يجري من المشرق إلى المغرب ، ومن غروب الشمس يجري من المغرب إلى المشرق.

نهر هند مند : وهو بسجستان. ينصب فيه ألف نهر ولا يتبين فيه زيادة ، ويتشعب منه ألف نهر ولا يظهر فيه نقصان ، بل هو في الحالتين سواء. نهر العمود : وهو بالهند ، عليه شجرة باسقة من حديد وقيل من نحاس ، وتحتها عمود من جنسها ارتفاعه عشرة أذرع ، وفي رأس العمود ثلاث شعب غلاظ مستوية محددة كالسيوف. وعنده رجل يقرأ كتابا ويقول للنهر : يا عظيم البركة وسيل الجنة ، أنت الذي خرجت من عين الجنة فطوبى لمن صعد على هذه الشجرة وألقى نفسه على هذا العمود. فيصعد ممن حوله رجل أو رجال فيلقون أنفسهم على ذلك العمود ويقعون في الماء فيدعو لهم أهلوهم بالمصير إلى الجنة.

وفي الهند نهر آخر : ومن أمره أن يحضره رجال بسيوف قاطعة ، فإذا أراد الرجل من عبادهم أن يتقرب إلى الله تعالى بزعمهم أخذوا له الحلي والحلل وأطواق الذهب والأسورة بالكثرة ويخرجون به إلى هذا النهر فيطرحونه على الشط ، فيأخذ أصحاب السيوف ما عليه من الزينة والأطواق والأسورة ويضربونه بالسيوف حتى يصير قطعتين ، فيلقون نصفه في مكان ونصفه في مكان آخر بالبعد عنه ، ويزعمون أن هذا النهر وما قبله خرجا من الجنة.

٢٥٥

نهر النيل (٣٦١) المبارك : ليس في الدنيا نهر أطول منه ، لأنه مسيرة شهرين في الإسلام وشهرين في الكفر وشهرين في البرية وأربعة أشهر في الخراب. ومخرجه من بلاد جبل القمر خلف الاستواء ، ويسمى جبل القمر ، لأن القمر لا يطلع عليه أصلا لخروجه عن خط الاستواء وميله عن نوره وضوئه ؛ ويخرج من بحر الظلمة ويدخل تحت جبال القمر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن النيل يخرج من الجنة ولو التمستم فيه حين يخرج لوجدتم من ورقها.

وكان عبقام وهو هرمس الأول قد حملته الشياطين إلى هذا الجبل المعروف بالقمر ورأى النيل كيف يخرج من البحر الأسود ويدخل تحت جبل القمر ، وبنى في سفح ذلك الجبل قصرا فيه خمسة وثمانون تمثالا من نحاس ، جعلها جامعة لما يخرج من الماء من هذا الجبل معاقد ومضاب مدبرة في إحكام ، يجري منه الماء إلى تلك الصور والتماثيل فيخرج من حلوقها على قياس معلوم وأذرع معدودة ، فتصب إلى أنهار كثيرة فيتصل بالبطيحتين ويخرج منهما حتى يصل إلى البطيحة الجامعة. وعلى هذه البطيحة بلاد السودان ومدينتها العظمى طرمى. وبالبطيحة جبل معترض يشقها ويخرج نحو الشمال مغربا ويخرج النيل منه نهرا واحدا ويفترق في أرض النوبة ، ففرقته إلى أقصى المغرب وعلى هذه الفرقة غالب بلاد السودان ، والفرقة التي تنصب إلى مصر منحدرة من أرض أسوان تنقسم في مجرى البلاد على أربع فرق ، كل فرقة إلى ناحية ، ثم تصب في بحر الإسكندرية. ويقال إن ثلاثة منها تصب في البحر

__________________

(٣٦١) النيل : أطول أنهار الكرة الأرضية ويأتي نهر الأمازون في أمريكا الجنوبية في المرتبة الثانية. يقع نهر النيل في الجزء الشمال الشرقي من قارة أفريقيا ، ويبدأ مساره من المنبع عند بحيرة فيكتوريا ـ الواقعة بوسط شرق القارة ـ ثم يتجه شمالا حتى المصب في البحر المتوسط ، بإجمالي طول ٦٩٥ ٦ كم (١٦٠ ٤ ميل). يغطي حوض النيل مساحة ٤. ٣ مليون كم ٢ ، ويمر مساره بعشر دول إفريقية يطلق عليها دول حوض النيل

٢٥٦

الشامي. وفرقة تصب في البحيرة الملحة التي تنتهي إلى الإسكندرية. والأذرع التي صنعها عبقام هي ثمانية عشر ذراعا ، كل ذراع اثنتان وثلاثون أصبعا ، وما زاد على ذلك فهو سائر إلى رمال وغياض لا منفعة فيها. ولو لا ذلك لغرقت البلاد

وذكروا أن سيحون وجيحون والنيل والفرات كلها تخرج من قبة من زبرجدة خضراء من جبل عال هناك وتسلك على البحر المظلم ، وهي أحلى من العسل وأذكى رائحة من المسك ولكنها تتغير بتغير المجاري ، وليس في الدنيا نهر يصب من الجنوب إلى الشمال ويمد في شدة الحر حتى تنقص له الأنهار كلها ، ويزيد بترتيب وينقص بترتيب ، غير النيل. وسبب مده أن الله تعالى يبعث إليه الريح الشمالي فيقلب عليه البحر المالح فيصير كالسكر له فيزيد حتى يعم البلاد فإذا بلغ حد الري بعث الله عليه ريح الجنوب فأخرجته إلى البحر. ولما كان زمن يوسف عليه السلام اتخذ بمصر مقياسا يعرف به مقدار الزيادة والنقصان فإذا زاد على قدر الكفاية يستبشرون بخصب البلاد ، وهو عمود قائم في وسط بركة على شاطئ النيل ولها طريق يدخل إليها منها الماء وعلى ذلك العمود خطوط معروفة بالأصابع والأذرع. وكانت كفايتهم في ذلك الوقت أربعة عشر ذراعا ، فإذا استوى الماء كما ذكرنا في الخلجان والوهاد يملأ جميع أرض مصر ، فإذا استوفت الأرض ريها انكشفت تربتها وزرع عليها أصناف الزرع وتكتفي بتلك الشربة الواحدة. وليس في الدنيا نهر يشبهه إلا نهر الملتان وهو نهر السند. شعر في المعنى :

إن مصرا لأطيب الأرض طرّا

ليس في حسنها البديع التباس

وإذا قستها بأرض سواها

كان بيني وبينك المقياس

٢٥٧

وحكي أن رجلا من ولد العيص (٣٦٢) بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام يسمى جيادا لما دخل مصر ورأى عجائبها آلى على نفسه أن لا يفارق ساحل النيل إلى منتهاه أو يموت. فسار ثلاثين سنة في العامر وثلاثين سنة في الخراب حتى انتهى إلى بحر أخضر فرأى النيل يشق ذلك البحر ؛ وأنه ركب دابة هناك سخرها الله له فعدت به زمانا طويلا وأنه وقع في أرض من حديد ، جبالها وأشجارها من حديد.ثم وقع في أرض من نحاس ، جبالها وأشجارها نحاس. ثم وقع في أرض من فضة جبالها وأشجارها فضة. ثم وقع في أرض من ذهب جبالها وأشجارها ذهب. وأنه انتهى في مسيره إلى سور مرتفع من ذهب ، وفيه قبة عالية من ذهب ولها أربعة أبواب ، والماء ينحدر من ذلك السور ويستقر في تلك القبة ثم يخرج من الأبواب الأربعة ، فمنها ثلاثة تغيض في الأرض ، والرابع يجري على وجه الأرض وهو النيل ، والثلاثة سيحون وجيحون والفرات ، وأنه أتاه ملك حسن الهيئة ، فقال له : السلام عليك يا جايد ، هذه الجنة. ثم قال له : إنه سيأتيك رزق من الجنة فلا تؤثر عليه شيئا من الدنيا. فبينما هو كذلك إذ أتاه عنقود من العنب فيه ثلاثة ألوان : لون كاللؤلؤ ولون كالزبرجد الأخضر ولون كالياقوت الأحمر. فقال له الملك : يا جايد هذا من حصرم الجنة ، فأخذه جايد ورجع ، فرأى شيخا تحت شجرة من تفاح فحدثه وآنسه وقال له : يا جايد ألا تأكل من هذا التفاح؟ فقال : إن معي طعاما من الجنة وإني لمستغن عن تفاحك. فقال له : صدقت يا جايد ، إني لأعلم أنه من الجنة ، وأعلم من أتاك به وهو أخي ، وهذا التفاح أيضا من الجنة. ولم يزل به ذلك الشيخ حتى أكل من التفاح وحين عض على التفاحة رأى ذلك الملك وهو يعض على أصبعه ؛ ثم قال له : أتعرف هذا الشيخ؟ قال : لا ، قال : هو والله الذي أخرج أباك آدم من الجنة ، ولو قنعت بالعنقود الذي معك لأكل منه أهل الدنيا ما بقيت الدنيا ولم ينفد ، وهو الآن

__________________

(٣٦٢) العيص : أخو نبي الله يعقوب عليه السلام وفي التوراة" عيسو"

٢٥٨

مجهودك إلى مكانك. قال : فبكى جايد وندم وسار حتى دخل مصر وجعل يحدث الناس بما رأى في مسيره من العجائب.

بحيرة تنيس (٣٦٣) : قيل إنها كانت جنات عظيمة وبساتين ، وكانت مقسومة بين ملكين أخوين من ولد إتريب بن مصر. وكان أحدهما مؤمنا والآخر كافرا ، فأنفق المؤمن ماله في وجوه البر والخير حتى إنه باع حصته في الجنات والبساتين إلى أخيه الكافر ، فزاد فيها ألفا من الجنات والبساتين وأجرى خلالها أنهارا عذبة ، فاحتاج

__________________

(٣٦٣) تنيس : مدينة قديمة من مدن مصر كانت من الناحية الشرقية تتاخم ضاحية بيلوز (الفرما) وهي الآن جزيرة صغيرة وسط بحيرة المنزلة التي كانت تدعى بحيرة تنيس وأول من دعاها باسم بحيرة المنزلة خليل الظاهري كما جاء في كتاب على ضفاف بحيرات مصر جزء أول ويقول المسعودي في كتاب (مروج الذهب) انه قبل القرن الثالث الميلادي لم تكن توجد بهذه المنطقة بحيرات ولكنها كانت أرضا زراعية لم يكن بمصر مثلها استواء وطيب تربة وكان بها الجنات والنخيل والكروم والشجر والزرع ، وكان الماء منحدرا إليها لا ينقطع عنها صيفا أو شتاء وسائره يصب في البحر من جميع خلجانه أو من الموقع المعروف بالأشتوم ولم يرى الناس أحسن من جناتها وكرومها. وفي القرن السادس الميلادي على أثر زلزال طغى البحر على هذه الأراضي وبقيت تنيس وبعض الجزر العالية قد جاء في كتاب فتح العرب لمصر عن اسم تنيس بأن (كاتريد) يقول بأن اسم هذه المدينة مشتق من اللفظ اليوناني (نيسوس) وقد أضيف في أوله علامة التعريف القبطية للمؤنث فإذا صح ذلك كان لا بد من أن تلك البلاد غمرت بالمياه منذ زمن بعيد قبل القرن السادس وذلك لأن اللفظ اليوناني (نيسوس) معناه جزيرة وبعلامة التعريف القبطية للمؤنث (تي) يصبح الاسم الجزيرة ويرجح المؤلف هذه بقوله" بأن (كاسيان) وكان في مصر سنة (٣٩٠ ـ ٣٩٧ م) يقول على وجه اليقين أن تنيس يحيط بها من جميع جهاتها بحر أو بحيرات ملحة حتى أن أهلها كانوا يعتمدون كل الاعتماد على البحر في الانتقال من مكان إلى مكان ، وكانوا يأتون بالطين في السفن إذا أرادوا أن يوسعوا أرضا ليبنوا عليها بناء لقد كانت تنيس موضع إعجاب المؤرخين ومحل حديثهم فرووا عنها المعجب والمترف وقد قال المسعودي أيضا في كتاب (أخبار الزمان) أن تنيس" كانت مدينة عظيمة لها مائة باب وفيها آثار كثيرة للأوائل كان أهلها مياسير أصحاب ثراء وأكثرهم حاكة وبها تحاك الثياب التي لا يصنع مثلها في الدنيا .. وكان مما يصنع في هذه المدينة نوع من النسيج اسمه (بوقلتون) من الحرير المتغير اللون الزاهي اللحمة حتى قيل انه كان يبدو في ألوان مختلفة في كل ساعة من ساعات النهار".

٢٥٩

أخوه المؤمن إلى ما في يده ؛ فمنعه وسبه وجعل يفتخر عليه بماله ويقول له : أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا. فقال له أخوه المؤمن : إني ما أراك شاكرا الله تعالى ويوشك أن ينتزعها منك. فقال : هذا كلام لا أسمعه ، ومن ينتزع مني ذلك؟ فدعا المؤمن عليه فجاء البحر وأغرق ذلك كله في ليلة واحدة حتى صارت كأن لم تكن

وقد ورد في الكتاب العزيز ذكر قصتهما في سورة الكهف في قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) إلى قوله : («خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً»).

وكان لتنيس مائة باب. ويقال إن هذه البحيرة تصير عذبة ستة أشهر. ثم تصير ملحا أجاحا ستة أشهر : وهذا دأبها أبدا بإذن الملك القادر.

وبمدينة قليوب بحيرة : ظهر بها في سنة من السنين نوع من السمك كانت عظامها ودهنها تضيء في الليل المظلم كالسراج من أخذ من عظامها عظمة في يده أضاء معه كالشمعة (٣٦٤) الرائقة إلى منزلة وحيث شاء. وأغنت الناس عن إيقاد السرج في بيوتهم ، وإذا دهن بدهنها أصبعا من أصابعه فكذلك تضيء أصبعه كالسراج الوهاج ، حتى حكي أن بعض الناس تلوثت أصابعه من ذلك الدهن فمسح بها في حائط بيته ، فبقي أثر الدهن في الحائط فكان ذلك الأثر يضيء في الحائط كأربع شمعات ثم انقطع مجيء ذلك النوع من السمك فلم يوجد بها شيء منها إلى يومنا هذا.

__________________

(٣٦٤) الشمع : مخلوط دهني رخو في درجة الحرارة العادية ويشتعل بسهولة وهو اخف من الماء ولكن لا يذوب فيه ولا يحتوي على مادة الجلسرين ويستخلص من اصل حيواني او نباتي او معدني والشمع يستخدمه الناس في الإضاءة منذ العصور القديمة وحتى الآن (القاموس ، ج ٤ ، ص ١٤٦).

٢٦٠