خريدة العجائب وفريدة الغرائب

سراج الدين بن الوردي

خريدة العجائب وفريدة الغرائب

المؤلف:

سراج الدين بن الوردي


المحقق: أنور محمود زناتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-358-6
الصفحات: ٥٠٣

ويتشعب من هذا النهر نيف وسبعون نهرا ، وليس من الملوك التي في تلك النواحي من عنده جند مرتزقة (٢٩٦) غير ملك الخزر.

برطاس (٢٩٧) : أرض طويلة مقدار خمسة عشر يوما وهم متاخمون الخزر وبيوتهم خركاوات ولبود. ونهر برطاس يأتي من نحو بلاد التغزغز ، وعليه مدن كثيرة وبلاد عامرة. ومن بلاد برطاس تحمل جلود الثعالب السود التي تسمى البرطاسي. قال المسعودي ؛ تبلغ الفروة السوداء منها إلى مائة دينار. وفي أرض الخزر جبل يسمى باثرة وهو معترض من الجنوب إلى الشمال وفيه معادن الفضة السهلة.المأخذ ومعادن الرصاص. وليس على بحر الخزر من الضفة الشرقية عمارة.

أرض البلغار : وهي واسعة ينتهي قصر النهار فيها عند البلغار والروس في الشتاء إلى ثلاث ساعات ونصف ساعة. قال الجواليقي : ولقد شهدت ذلك عندهم فكان طول النهار مقدار ما أصلي أربع صلوات ، كل صلاة في عقيب الأخرى مع الأذان وركعات قلائل والإقامة والتسبيح. وعماراتها متصلة بعمارة الروم وهم أمم عظيمة ومدينتهم تسمى بلغار وهي مدينة عظيمة يخرج واصفها إلى حد التكذيب.

أرض الغزية : وهي غربي أرض الأدكش ، وهي أرض واسعة متصلة العمائر من جهة الشمال والغرب ، والشرق ولهم جبال منيعة وعليها حصون حصينة ، وينزل إليهم نهر من جبل مرغان ، يوجد في هذا النهر إذا زاد التبر الكثير ويخرج من قعره

__________________

(٢٩٦) مرتزقة : ارتزقه وارتزقه : طلب منه الرزق ، وارتزق الجند : أخذوا أرزاقهم (اللسان ، ج ٣ / مادة رزق ، ص ١٦٣٧).

(٢٩٧) برطاس : ولاية واسعة بالخزر مفترشة على نهر اتل أهلها مسلمون لهم لغة مغايرة لجميع اللغات أبنينهم من الخشب يأوون إليها في الشتاء وأما في الصيف فيفرشون في الخرقاهات بها نوع من الثعالب في غاية الحسن كثير الوبر أحمر اللون جلودها الفراء البرطاسية.

١٨١

حجر اللازورد ، وفي غياضه التبر الكثير. وبها ثعالب صفر لونها لون الذهب يتخذ منها فراء لملوك تلك الناحية ، تبلغ الفروة منها جملة من المال ، ولا يدعون أحدا يخرج بشيء منها إلى البلاد ، ومن خرج بشيء من ذلك خفية استباحوا دمه وماله ، كل ذلك بخلا بها واستحسانا وافتخارا بها.

أرض الأدكش : وأهلها صنف من الترك عراض الوجوه كبار الرؤوس صغار العيون كثير والشعور ، وأرضهم عريضة طويلة واسعة كثيرة الخيرات والخصب ، وهي شرقي الغزية ، وبها من المواشي واللبن والعسل شيء لا يوصف ، حتى إن الرجل يذبح الشاة ولا يجد من يأكلها ، وأكثر أكلهم لحوم الخيل وشربهم ألبانها.

وجنوبها بحيرة تهامة وهي بحيرة عظيمة دورها مائتان وخمسون ميلا وماؤها شديد الخضرة إلا أن ريحه ذكي وطعمه عذب جدا. وبها سمك عريض جدا إذا وقعت هذه السمكة في شبكة الصياد انتشر في الحال ذكره وقام على حيله وأنعظ إنعاظا شديدا ، ولا يزال كذلك حتى يخرج السمكة من شبكته ، ولونها مرقش فيه من كل لون عجيب حسن. وتزعم الأتراك أن الشيخ الهرم إذا أكل من لحم هذه السمكة أمكنه أن يفتض الأبكار لقوة خاصية هذه السمكة.

وفي وسط هذه البحيرة أرض كالجزيرة وفي وسط الجزيرة بئر محفورة لا يحس لها قعر ولا منتهى ، وليس بها شيء من الماء ، وبهذه الجزيرة أنهار كثيرة كبار منها نمامة وهو نهر عميق وخروجه من ثلاث عيون دفاعة. وأهل تلك البلاد يقصدون هذا النهر بأولادهم يغمسونهم فيه قبل البلوغ والاحتلام فلا يصيبهم بعد ذلك من أمراض الدنيا شيء البتة ، إلا ما جاء من قبل الموت. وإذا مرض عندهم أحد من هؤلاء المغموسين علموا أن موته في تلك المرضة ، صح لهم ذلك في تجاربهم. وإذا سقي العليل من مائه برأ من علته ، كائنة ما كانت ، بعد سبعة أيام من وقت شربه.

١٨٢

وإذا غسل الإنسان رأسه بالغا كان أو غيره ، لم يحصل لرأسه صداع في تلك السنة.وقد أكثروا الكلام في هذا النهر حتى إنهم قالوا أشياء يجب السكوت عنها ، وقدرة الله عز وجل صالحة لكل شيء خارق.

وشرقي هذه البحيرة جبل مراد وهو جبل مرتفع لا يمكن الصعود إليه من حيث الظاهر بوجه من الوجوه لأنه كالحائط القائم الأملس ، وفي أسفله باب كبير فيه بيت متسع يتوصل منه إلى جوف هذا الجبل فيه مدرج يصعد منه إلى أعلى الجبل حيث المدينة. وبوسط هذه المدينة عين نابعة يشربون منها ويفيض باقي مائها فيصب في حفيرة على سور المدينة ، لا يعلم أين يذهب ولا أين يستقر.

وشمالي أرض الأدكش جبل مرغان وهو جبل طوله من المشرق إلى المغرب نحو من ثماني عشرة مرحلة ، في وسطه موضع عال مستدير كالقبة ، وفي وسطه بركة ماء لا يقدر أحد على العوم فيها ، لا من انسان ولا من حيوان ، لأن كل شيء نزل فيها ابتلعته ، حتى إنهم رأوا فيها أخشابا كبارا أو صغارا تبتلعها في الحال. ويقال إن في تلك البركة أسفل الجبل مغارة يسمع فيها دوي عظيم هائل ، يعلو دويه في وقت وينخفض في وقت ، ومتى تقدم أحد إليها من انسان أو غيره لم ير بعد ذلك ، يقال إنه يخرج منها ريح جاذبة للمعترض لها ، فتأخذه إلى داخل المغارة. وقد حكى صاحب كتاب العجائب والغرائب عن هذه المغارة أشياء لا يمكن ذكرها ويجب السكوت عنها لعدم قبول العقل لها ، ونشهد أن الله على كل شيء قدير. أرض سحرت : وهي أرض واسعة ، وبها جبل إرجيفا ، وبها معادن النحاس يعمل فيها أكثر من ألف صانع لصاحب سحرت ، ويعمل في هذه الأرض من الفخار والبرام شيء عجيب ، وبساحل بحرها ألوان من الحجارة الملونة المثمنة. أرض خزخيز : وهي متصلة بأرض التغزغز من المشرق شمالا مما يلي البحر الصيني ، وهي أرض واسعة كثيرة المياه وافرة

١٨٣

الخصب ، بها نهر يجري إليهم من نحو الصين ، وعليه أرحاء وبه أنواع السمك المسمى بالسطرون الذي يفعل في قوة الجماع ما لا يفعله السقنقور وليس له شوك.

وبقربها جزيرة الياقوت ويحيط بهذه الجزيرة جبل صعب المرتقى لا يوصل إلى ذروته إلا بجهد جهيد ، ولا يوصل إلى أسفل الجزيرة أصلا لأن بها حيات قتالة ، وبأرضها حجارة الياقوت ، وأهل تلك الأرض يتحيلون عليه بأن يذبحوا الدواب ويقطعوها وهي حارة ويلقوا بها في تلك الجزيرة ، فتقع على الأحجار ويتعلق بها ما قسم ، فيخطفها الطير ويخرج بها من الجزيرة فيتبعون محط الطير فيجدون ما يجدون.وهذه الأمة تحرق موتاها بالنار.

أرض الكيماكية : هي شمال أرض التغزغز ، وهم أمم عظيمة وأرضهم عامرة كثيرة الخصب وبأرضهم مفاوز عظيمة ولهم قلعة حصينة وشربهم من الآبار المنقورة. وجميع ساحل الكيماكية يوجد فيه التبر عند هيجان البحر فيجمعونه ويصولونه من الزئبق ويسكبونه في أرواث البقر فيأخذ الملك حصة من ذلك والباقي لصاحبه. وأهل المدينة هذه المعروفة بكيماكية يلبسون الحرير الأصفر والأحمر ويعبدون الشمس ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.

أرض الخلخية : أرض واسعة ولها قلعة حصينة في رأس جبل شاهق ، والماء قد عم ذلك الحصن مستديرا به من جميع جهاته وأهلها ذو وعدد وعدد.

أرض الخزلجية : شمالي بلاد التبت وغربي بلاد التغزغز وهي طويلة عريضة ، وبها أمم عظيمة من الترك ومدينتهم العظمى تسمى خاقان الخزلجية وهي في غاية الحصانة ولها اثنا عشر بابا من الحديد الصيني.

١٨٤

الأرض المنتنة : وهي أرض ممتدة طولها عشرة أيام في عرض عشرة وهي خرساء الأطناب سوداء الإهاب ، وأهلها جرد الثياب ، وماؤها غائر ودليلها جائر ورائحتها منتنة وأهويتها وخمة ، وهي غربي الأرض الخراب التي خربها يأجوج ومأجوج ، وهي بلاد موحشة.

أرض الخراب : بلاد واسعة الأقطار خالية الديار لا يدخلها سالك ، ومن دخلها وقع في المهالك لكثرة وبائها ووحشة أرضها وتغير هوائها وكثرة الأمطار وعدم الساكن والسالك ووجود الأخطار. وقيل إنها في هذا الوقت قد عمرت.

أرض يأجوج ومأجوج : والجبل الذي يحيط بهم يسمى فزنان وهو جبل قائم الجنبات لا يصعد عليه أحد وبه ثلوج منعقدة لا تنخل عنه أبدا ، وبأعلاه ضباب لا يزول أبدا ، وهو ماد من بحر الظلمات إلى آخر المعمورة لا يقدر أحد صعوده ، وخلق هذا الجبل من بلاد يأجوج ومأجوج عدد لا يحصى. وفي هذا الجبل حيات وأفاع عظام جدا ، وربما رقي هذا الجبل في النادر من يريد أن ينظر إلى ما وراءه فلا يصل إليه ولا يمكنه الرجوع فيهلك ، وربما رجع من الألف واحد فيخبر أنه رأى خلف الجبل نيرانا عظيمة.

يقال إن يأجوج ومأجوج كانا أخوين شقيقين تناسلا وكانت لهم غارات على من جاورهم قبل وصول ذي القرنين إليهم ، فأخلوا كثيرا من البلاد وأهلكوا غزيرا من العباد ، وكانت منهم طائفة عفيفة ينكرون ذلك عليهم ، فلما وصل ذو القرنين إليهم وأغار بجيوشه عليهم شكت الطائفة العفيفة إليه يأجوج ومأجوج وما فعلوه في البلاد والأمم المجاورة لهم من الفساد وأنهم على خلاف مذهبهم وبريئون من معتقدهم ومفتعلهم ، وشهدت لهم قبائل كثيرة بذلك ، فمال إليهم وتركهم خارج السد ، وأقطعهم تلك الأراضي يعمرونها ويأكلونها ، وهم الخزلجية والسنية

١٨٥

والخزخيزية والتغزغزية والكيماكية والجاجانية والأدكش والتركش والخفشاخ والجليخ والغز والبلغار ، وأمم عظيمة يطول ذكرها ، وسد على المفسدين. وكل المفسدين قصار القدود لا يتجاوز أحدهم ثلاثة أشبار ، ووجوههم في غاية الاستدارة وعليهم شعور مثل الزغب وآذانهم مستديرة مسترخية ، تلحق أذن الرجل منهم طرف منكبيه. وألوانهم بيض وحمر وكلامهم صفير وفيهم زنا فاحش ، وبلادهم ذات أشجار ومياه وثمار وخصب كثير ومواش كثيرة إلا أنها بلاد ثلج ومطر وبرد على الدوام. حكي عن سلام الترجمان (٢٩٨) ، وكان عارفا بألسن كثيرة حتى قيل : إنه كان يعرف أربعين لغة ويجاري فيها ، أنه رأى هذا السد عيانا وذلك أن أمير المؤمنين الواثق بالله (٢٩٩) من خلفاء بني العباس بعثه إليه ليراه ويتحقق كيفيته

__________________

(٢٩٨) رحلة سلام الترجمان : من أشهر السفارات التي خرجت بأمر الخليفة الواثق سفارة" سلام الترجمان" إلى الصين للتأكد من أن السد الذى بناه ذو القرنين لما يزل على حاله ، ويبدو أن حديثها كان منتشرا ومشهورا فى العصور الوسطى. والمعلومات المتوفرة عن" سلام" قليلة ، ولا تتعدى أن تكون نتفا نقلها لاحق عن سابق ، فابن خرداذبه ـ وهو أوثق مصادرها ـ ينقل تفاصيل رحلته فى نص موثق ، ويقدم له بقوله : " حدثنى سلام الترجمان أن الواثق بالله لما رأى فى منامه كأن السد الذى بناه ذو القرنين بيننا وبين يأجوج ومأجوج قد انفتح ، فطلب رجلا يخرجه إلى الموضع فيستخبر خبره ، فقال" أشناس" : " ماها هنا أحد يصلح إلا سلام الترجمان ، وكان يتكلم بثلاثين لسانا". وهذه الثلاثون لسانا قابلة للزيادة عند غير ابن خرداذبه ، فقد" حكى عن سلام الترجمان ـ وكان عارفا بألسن كثيرة ، حتى قيل : إنه كان يعرف أربعين لغة ويجارى فيها ـ أنه رأى السد عيانا" وادعى" ابن رسته" فى الأعلاق النفيسة أن ابن خرداذبه قال : " حدثنى سلام الترجمان ـ وكان يترجم كتب الترك التى ترد على السلطان الواثق بالله قال". والواضح أن علاقته بالواثق كانت قوية إلى درجة مكنته من الفوز بثقته ، كما كان يتمتع بميزات عديدة أهمها الشباب والقوة الجسدية والذكاء والأمانة ، وكان شبابه وقوته الجسدية من أسباب عودته موفور الصحة بعد الرحلة الشاقة (أنظر ملحق رقم (٦).

(٢٩٩) هو هارون الواثق بالله بن محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد (٢٣٢ ه‍ / ٨٤٧) هو ثامن خلفاء العباسيين في العراق. ولد في بغداد سنة ٢٠٠ ه‍ وولي الخلافة بعد وفاة أبيه المعتصم سنة ٢٢٧ ه‍. أحسن الواثق لأهل الحرمين حتى قيل إنه لم يوجد بالحرمين في أيامه سائل أي فقير. كان مشجعا للعلماء محبا

١٨٦

ويخبره بصفته عن حقيقته ، فمشى إليه وعاد بعد سنتين وأربعة أشهر فأخبره أنه سار ومن معه حتى وصلوا إلى صاحب السرير بكتاب أمير المؤمنين فأكرمهم وأرسل معهم أدلاء فمضوا حتى دخلوا إلى تخوم سحرت وساروا إلى أرض طويلة ممتدة كريهة الرائحة فقطعوها في عشرة أيام وكان معهم شيء يشمونه لأجل تلك الرائحة التي في تلك الأرض فإنها تأخذ بالقلب ، وانفصوا من تلك الأرض ووقعوا في أرض خراب لا حسيس بها ولا أنيس مسيرة شهر ، وخرجوا منها إلى حصون بالقرب من جبل السد ، وأهل تلك الحصون يتكلمون بالعربية والفارسية.

وهناك مدينة عظيمة اسم ملكها خاقان أتكش ، فسألونا عن حالنا فأخبرناهم أن أمير المؤمنين الخليفة على المسلمين أرسلنا لنرى السد عيانا ونرجع إليه بصفته فتعجب هو ومن عنده منا ومن قولنا أمير المؤمنين الخليفة ولم يعرفوا ما هو؟ وبقي السد عنا فرسخين من هذه المدينة.

ثم سرنا ومعنا أناس منهم حتى سرنا إلى باب بين جبلين عظيمين عرضه مائة وخمسون ذراعا وفيه باب من حديد طوله مائة وخمسون ذراعا وقد اكتنفه عضادتان ، عرض كل عضادة منهما خمسة وعشرون ذراعا وارتفاعها مائة وخمسون ذراعا ، وعلى أعلاها دروند من حديد طوله مائة وخمسون ذراعا وهي العتبة العليا ، وفوقه شرافات من حديد ، في طرف كل شرافة قرنان من حديد منثنيان إلى الشرافة الأخرى يتصل بعضها ببعض ، وكل ذلك من لبن حديد مغيب في نحاس مذاب ، وللباب مصراعان مغلقان عرض كل مصراع خمسون ذراعا في ثخن أربعة أذرع ، وقائمتان في

__________________

للموسيقى. قامت عدة ثورات في عهده في الشام وفلسطين بسبب الاحتكاكات بين السكان العرب والجيوش التركية التي شكلها والده المعتصم. تم إخماد هذه الثورات ، إلا أن جذوة النقمة تضاعفت بين الأهالي ، وكانت وفاته في سامراء بالحمى سنة (٢٣٢ ه‍ / ٨٤٧) ..

١٨٧

ذروتي الجبلين على قدر الدروند. وعلى الباب قفل من حديد طوله سبعة أذرع في غلظ ذراع ونصف وارتفاع القفل من الأرض أربعون ذراعا وفوق القفل بخمسة أذرع حلقة أطول من القفل بخمسة أذرع ، وعليها مفتاح معلق طوله ذراع ونصف ، وله اثنتا عشرة سنة من الحديد ، معلق في حلقة طولها وعرضها ذراع في ذراع بسلسلة من الحديد المصفى. وعتبة الباب السفلى سمك عشرة أذرع وطولها مائة ذراع من حديد مغموسة الطرفين تحت العضادتين ، وكلها بالذراع الرشاشي.

ورئيس تلك الحصون يركب في كل جمعة في كبكبة (٣٠٠) عظيمة حتى يأتي الباب ، وبأيديهم مرزبات من حديد فيضربون بها على ذلك الباب ، فتدوي تلك الأرض ليسمع من خلف الباب من يأجوج ومأجوج ، فيعلمون أن هناك حفظة وحراسا. وبعد ضرب الباب ينصتون بآذانهم مستمعين فيسمعون من وراء الباب دويا كدوي الرعد.

وبقرب هذا السد حصن طوله عشرة أذرع في عشرة ، ومع هذا الباب من الجانبين حصنان كل واحد منهما مائة ذراع في مائة ذراع. وبين هذين الحصنين عين ماء عذب. وفي أحد الحصنين بقية من آلات البناء ، وهي قدور من حديد ومغارف من حديد ، وهي فوق دكك مرتفعة ، وعلى كل دكة أربع قدور وهي أكبر من قدور الصابون. وهناك أيضا بقايا من اللبن الحديد وقد لصق بعضها ببعض من الصدأ ، طول كل لبنة ذراع ونصف في عرض ذراع وارتفاع شبرين. وأما الباب المذكور والدروند الذي في أعلاه ، والقفل ، فكأنما فرغ الصانع من عمله الآن ، وهي غير صدئة ولا بالية ، قد دهنت بأدهان الحكمة المانعة من الصدأ.

__________________

(٣٠٠) أي موكب كبير.

١٨٨

قال سلام الترجمان : سألت من هناك هل رأيتم قط أحدا منهم؟ فأخبروا أنهم رأوا منهم عددا كثيرا فوق شرفات السد ، فهبت بهم ريح عاصف فرمت منهم ثلاثة ، كل واحد منهم طوله دون ثلاثة أشبار ، ولهم مخاليب موضع الأظفار ، وأنياب وأضراس كالسباع ، وإذا أكلوا بها يسمع لأكلهم حركة قوية ، ولهم أذنان عظيمتان يفترشون الواحدة ويلتحفون الأخرى.

فكتب سلام هذه الصفات كلها في كتاب ورجع إلى الخليفة الواثق بالله. وقد ذكر بعض أهل العلم أن يأجوج ومأجوج يرزقون التنين ، يقذفه عليهم السحاب فيأكلونه ، وإنما يقذف عليهم ذلك في أيام الربيع في كل عام ، فإذا تأخر ذلك عن وقته المعهود استمطروه كما يستمطر الناس الغيث (٣٠١). وحكى صاحب كتاب العجائب أن في داخل بلاد يأجوج ومأجوج نهرا يسمى المسهر لا يعرف له قعر ، وإذا تقاتلوا وأسر بعضهم طرحوا الأسرى في ذلك النهر فيرون عند ذلك طيورا عظاما تخرج إلى من يطرح في ذلك النهر من كهوف هناك في جانبي الوادي ، فتخطفهم قبل أن يصلوا إلى الماء وترتفع بهم إلى تلك الكهوف فتأكلهم هناك. ويقال إن بهذا الوادي نارا تتأجج طول الزمان بقدرة الله تعالى وليس وراء يأجوج ومأجوج إلا المحيط والله سبحانه وتعالى أعلم : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ)(٣٠٢)(وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ، وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ)(٣٠٣).

انتهى فصل البلدان والأقطار ولنسرع الآن في ذكر الجبال والبحار والجزائر والآبار وما بها من العجائب للاعتبار.

__________________

(٣٠١) الغيث : المطر.

(٣٠٢) سورة المدثر : آية ٣١.

(٣٠٣) سورة النحل : آية ٩.

١٨٩

فصل في المحيط وعجائبه

اعلم أن المحيط هو البحر الأعظم الذي منه مادة سائر البحار المتصلة والمنقطعة وهو بحر لا يعرف له ساحل ولا يعلم عمقه إلا الله عز وجل ، والبحار على وجه الأرض خلجان منه. وفي هذا البحر عرش إبليس لعنه الله وفيه مدائن تطفو على وجه الماء وفيها أهلها من الجن في مقابلة الربع الخراب من الأرض ، وفيه حصون وفيه قصور على وجه الماء طافية ثم تغيب ، وتظهر فيه الصور العجيبة والأشكال الغريبة ، ثم تغيب في الماء وفيه الأصنام (٣٠٤) التي وضعها أبرهة ذو المنار الحميري ، قائمة على وجه البحر وهي ثلاثة أصنام : أحدها أخضر ، وهو يومئ بيده كأنه يخاطب من ركب البحر يأمره بالرجوع ، والصنم الثاني أحمر كأنه يشير إلى نفسه ويخاطب من ركب هذا البحر أن يقف عنده ولا يجاوزه. والصنم الثالث أبيض يومئ بأصبعه إلى البحر : من جاء وجاوز هذا المكان هلك. وعلى صدر كل صنم مكتوب بالأسود : هذا وضعه أبرهة ذو المنار تبع الحميري لسيدته الشمس تقربا غليها. وفي البحر ينبت شجر المرجان كسائر الأشجار في الأرض ، وفيه من الجزائر المسكونة والخالية ما لا يعلمه إلا الله تعالى.

__________________

(٣٠٤) يقال أن كلمة صنم معرب" شمن" الفارسية وهي الوثن ، والصنم ينحت من خشب أو يصاغ من معدن ، وهو ما اتخذ إلها من دون الله ، وقيل ما كان له جسم أو صورة فهو وثن (لسان العرب ، الأصنام).

١٩٠

قال أبو الريحان الخوارزمي (٣٠٥) : إن المحيط الذي في المغرب على ساحل الأندلس يسمى بالمظلم أيضا ، لا يلج إليه أحد أبدا ، وإنما يمر بالقرب من ساحله.يخرج منه خليج يعرف بنيطش وطربزندة ، مارا في جهة الشمال وهو بحر القرم يمر على سور قسطنطينية ، ويتضايق حتى يقع في بحر الشام ثم يمتد نحو الشمال وعلى محاذاة أرض الصقالبة ، ويخرج منه خليج في شمال الصقالبة ، فإذا وصل إلى قرب أرض المسلمين وبلادهم انحرف إلى نحو الشرق. وبين ساحله وبين أرض الترك أرض وجبال مجهولة وخراب غير مسكونة ولا مسلوكة. ثم يتشعب منه أعظم الخلجان وهو الخليج الفارسي المسمى في كل اقليم ومكان من المحيط باسم ذلك الإقليم والمكان للمحاذاة له ، فيكون أولا بحر الصين ثم بحر التبت ثم بحر الهند ثم بحر السند ثم بحر فارس ، ثم يخرج من أصل هذا البحر المذكور خليجان عظيمان أحدهما بحر مكران. وكرمان وخوزستان وعبادان ، وهو الخليج الشرقي الشمالي ، والآخر بحر الزنج والحبشة وسفالة الذهب والبربر والقلزم واليمن وبلاد السودان ، حتى ينتهي إلى بلاد مصر ، وهو الخليج الجنوبي الغربي. وفي هذا البحر أعني الخليج الشرقي بجملته من الجزائر العامرة والغامرة والمسكونة والمعطلة ما لا يعلم ذلك إلا الله عز وجل.

__________________

(٣٠٥) الخوارزمي : أبو الريحان محمد بن احمد الخوارزمي الملقب ببرهان الحق. فيلسوف ومؤرخ وطبيب وكيميائي ورياضي وفلكي ومنجم خوارزمي. ولد في خوارزم في عام ٩٧٣ م ، وتوفي في بغداد عام ١٠٥١ م. نشأ في خوارزم ودرس فيها علوم النبات على عالم اغريقي ، ثم تركها في حوالي سن العشرين الى سواحل بحر قزوين فرارا مما الم بها من اضطرابات. وفي موطنه الجديد التقى باستاذه الثاني أبي سهل عيسى المسيحي. وبعد ذلك طوف البيروني ، وعاش سنوات كثيرة في فارس والهند ، ودرس فلسفتها بالاضافة الى الفلسفة الاغريقية. وقد أشاد بالأخيرة إذ قال : إن الفلسفات الأخرى لم تنجب مثل سقراط. وقد ألف البيروني في الرياضيات والفلك والتنجيم والتاريخ والجغرافيا والجيو لوجيا والصيدلة والطبيعيات وغيرها من العلوم.

١٩١

وسنذكر كل بحر على حدته ، وما فيه من الجزائر والآثار والعجائب على الترتيب إن شاء الله تعالى.

أما البحر الأول : من هذا الخليج الشرقي فهو بحر الصين وبحر التبت وبحر الهند والسند ، لأنه يمر أولا بالصين ثم بالتبت ثم بالهند ثم بالسند ثم على جنوب اليمن ، وهناك ينتهي إلى باب المندب طولا فيكون مسافة طوله من مبدئه من المحيط في الشرق إلى باب المندب في الغرب أربعة آلاف فرسخ. يتشعب من هذا البحر الصيني الخليج الأخضر ، وهو بحر فارس والأبلة ومكران ، إلى أن ينتهي إلى الأبلة حيث عبادان ، فهناك ينتهي آخره ثم يعطف راجعا إلى جهة الجنوب فيمر ببلاد البحر واليمامة ويتصل بعمان وأرض الشجر واليمن ، وهناك اتصاله بالبحر الهندي ، وطول هذا البحر أربعمائة فرسخ وأربعون فرسخا.

ويتشعب من هذا البحر الصيني أيضا : خليج القلزم ومبدؤه من باب المندب المتقدم ذكره ، حيث انتهى البحر الهندي آنفا فيمر في جهة الشمال مغربا قليلا ، فيتصل بغربي اليمن ويمر بتهامة والحجاز إلى مدين وأبلة وفاران. وينتهي إلى مدينة القلزم وإليها ينساب وينعطف راجعا إلى جهة الجنوب فيمر في بلاد الصعيد إلى حوم الملك ، إلى عيذاب ، إلى جزيرة سواكن (٣٠٦) ، إلى زيلع في البجعة إلى بلاد الحبشة ويصل بالبحر الهندي ، وطول هذا البحر ألف وأربعمائة ميل والله أعلم.

البحر الثاني : الخليج الغربي الآخذ من المحيط الغربي المظلم وهو بحر الغرب والشام والروم ومبدؤه من الإقليم الرابع ، ويسمى هناك البحر الزقاق لأن سعته هناك ثمانية عشر ميلا كالزقاق ، وكذلك طول الزقاق أيضا من طريف إلى الجزيرة

__________________

(٣٠٦) سواكن : بلد مشهور على ساحل بحر الجار قرب عيذاب ترفأ إليها سفن الذين يقدمون من جدة.

١٩٢

الخضراء ثمانية عشر ميلا فيمر مشرقا في جهة بلاد البربر وبشمال المغرب الأقصى ، إلى أن يمر بالمغرب الأوسط ويصل أرض أفريقية إلى وادي الرمل إلى أرض برقة وأرض لوقيا ومراقيا والإسكندرية ، إلى شمال أرض التيه ، إلى فلسطين إلى سائر ساحل بلاد الشام ، إلى أن ينتهي طرفه إلى السويدية ، وهناك نهايته ثم ينحرف مغربا راجعا إلى جهة المغرب فيتصل بالخليج القسطنطيني ، إلى جزيرة بليونس وكمشيلي ، إلى أدرنة ، وهناك يخرج إلى الخليج البندقي ويتصل إلى أرض مجاز صقلية إلى بلاد رومية إلى بلاد ستومة وأرمونة ، ويجتاز بجبال اليونان فيمر شرقي الأندلس ، من جهة جنوبها ، من حيث ابتدأ ، وطول هذا البحر ألف ومائة وستة وستون فرسخا. ويخرج من هذا البحر الشمالي خليجان : أحدهما خليج البنادقة : ومبدؤه من شرقي بلاد تلودية من بلاد الروم عند مدينة أدرنة ، فيمر في جهة الشمال عن تغريب يسير إلى ساحل شنت ، ثم يأخذ في جهة المغرب إلى أن يمر بساحل البنادقة وينتهي إلى بلاد أزكالية ، ومن هناك ينعطف راجعا مع الشرقي على بلاد جرواسية والماسية إلى أن يتصل بالبحر الشامي من حيث ابتدأ نيطش ، وطول هذا البحر ألف ومائة ميل.

والخليج الآخر : نيطش ، ومبدؤه من البحر الشامي حيث فم أيدة ، وعرض فوهته رمية سهم ، ويمر بينه مجاز رمية سهم ، فيتصل بالقسطنطينية فيكون هناك عرضه ستة أميال ، ويمر نحو نيطش من جهة الشرق فيتصل في جهة الجنوب بأرض قلعية إلى سواحل أطرابدية إلى أرض أشكلة إلى أرض لايته ، وينتهي طرف هذا الخليج هناك حيث الخزرية ، ومن هناك ينعطف راجعا إلى مطرحه ويتصل ببلاد الروسية وبلاد برحان ، ولا يزال حتى ينتهي إلى مضيق فم خليج قسطنطينية ويتصل به ويمر شرقي مقدونية إلى أن يتصل بالموضع الذي منه ابتدأ ، وبين ساحله وبين أرض الترك أرضون وجبال مجهولة. وطول بحر نيطش وهو بحر القلزم من فم المضيق إلى حيث انتهاؤه ألف وثلاثمائة ميل.

١٩٣

وأما بحر جرجان والديلم : فهو بحر الخزر ، فإنه يخرج منقطعا لا يتصل بشيء من البحار المذكورة وتقع فيه أنهار وعيون دائمة الجريان. وذكر الجواليقي أن هذا البحر مظلم القعر ، وأنه يتصل ببحر نيطش من تحت الأرض ، ويتصل بهذا البحر من جهة الغرب بلاد أذربيجان (٣٠٧) ومن جهة الجنوب بلاد طبرستان ، ومن جهة الشرق أرض العرب ، ومن جهة الشمال أرض الخزر وطوله ألف ميل وعرضه من ناحية جرجان إلى وضع نهر أيلة ستمائة ميل وخمسون ميلا ، وفي كل بحر من هذه البحور جزائر وأمم مختلفة ونباتات وحيوانات مختلفة وجبال وغير ذلك.

ونحن نفصل ما وصل إليه علم الناس إن شاء الله تعالى.

__________________

(٣٠٧) أذربيجان : اقليم يقع في جنوب بحر قزوين بين أرمينية وفارس ، ويقع الآن في الشمال الغربي من ايران ، وهو كثير الجبال والمرتفعات ، استولى عليه المسلمون في خلافة عمر بن الخطاب بقيادة بكير بن عبد الله (القاموس الإسلامي ، ج ١ ، ص ٥٨).

١٩٤

فصل في بحر الظلمة

وهو بالبحر المحيط الغربي

ويسمى المظلم ، لكثرة أهواله وصعوبة متنه فلا يمكن أحدا من خلق الله أن يلج فيه ، إنما يمر بطول الساحل لأن أمواجه كالجبال الرواسي وظلامه كدر ، وريحه ذفر ، ودوابه متسلطة ، ولا يعلم ما خلفه إلا الله تعالى ولا وقف منه بشر على تحقيق خبر ، وفي ساحل هذا البحر يوجد العنب الأشهب الجيد ، وحجر البهت وهو حجر من حمله أقبل الخلق عليه بالمحبة والتعظم وفضيت حوائجه وسمع كلامه وانعقدت عنه ألسنة الأضداد. ويوجد أيضا بساحله حجارة مختلفة الألوان يتنافس أهل تلك البلاد في أثمانها ويتوارثونها ويذكرون لها خواص عظيمة. وفي البحر من الجزائر العامرة والخراب ما لا يعلمه إلا الله تعالى ، وقد وصل الناس منها إلى سبع عشرة جزيرة.

فمنها الخلدتان : وهما جزيرتان فيهما صنمان مبنيان بالحجر الصلد طول كل صنم مائة ذراع ، وفوق كل صنم صورة من نحاس تشير بيدها إلى خلف ، يعني : ارجع فما ورائي شيء. بناهما دو المنار الحميري من التبابعة ، وهو ذو القرنين المذكور في القرآن.

ومنها جزيرة العوس : بها أيضا صنم وثيق البناء لا يمكن الصعود إليه بناه أيضا ذو القرنين المذكور. وبهذه الجزيرة مات الباني وقبره بها في هيكل مبنى بالمرمر والزجاج الملون. وبهذه الجزيرة دواب هائلة تنكرها المسامع.

ومنها جزيرة السعالي (٣٠٨) : وهي جزيرة عظيمة بها خلق كالنساء إلا إن لهم أنيابا طوالا بادية ، وعيونهم كالبرق الخاطف ووجوههم كالأخشاب المحترقة ،

__________________

(٣٠٨) السعالي : وواحدتها السعلاة ، فذكر أنها سحرة الجن ، وقيل : إن الغيلان جنس منها ، وأن الغيلان هي إناث الشياطين ، وأنها ـ أي السعالي ـ أخبث الغيلان ، وأكثر وجودها في الغياض (الغابات) ، وأنها إذا

١٩٥

يتكلمون بكلام لا يفهم ولا فرق بين الرجال والنساء عندهم إلا بالذكر والفرج ، ولباسهم ورق الشجر ويحاربون الدواب البحرية ويأكلونها.

وجزيرة حسرات : وهي جزيرة واسعة فيها جبل عال ، وفي سفحه أناس سمر قصار لهم لحى طوال تبلغ ركبهم ، وجوههم عراض ولهم آذان كبار وعيشتهم من الحشيش ، وعندهم نهر صغير عذب.

وجزيرة العرر : وهي جزيرة طويلة عريضة ، كثيرة الأعشاب والنباتات والأشجار والثمار.

جزيرة المستشكين : وتعرف بجزيرة التنين. وهي عظيمة بها أشجار وأنهار وثمار ، وبها مدينة عظيمة ، وكان بها التنين العظيم الذي قتله الاسكندر. وكان من حديثه أنه ظهر بها تنين عظيم ، فكاد أن يهلك الجزيرة وما بها من السكان والحيوان ، فاستغاث الناس منه إلى الإسكندر وكان الإسكندر قد قارب تلك الأرض ، وشكوا إليه أن التنين قد أكل مواشيهم وأتلف أموالهم وقطع الطريق على الناس وأن له عليهم في كل يوم ثورين عظيمين ينصبونهما فيأتي إليهما كالسحابة السوداء وعيناه تتوقدان كالبرق الخاطف ، والنار والدخان يخرجان من فيه فيبتلع الثورين ويرجع إلى مكانه.

__________________

ظفرت بإنسان ترقصه وتلعب به كما يلعب القط بالفأر ، وأن الذئب يأكل السعلاة. وذكر أن (السعلاة) اسم الواحدة من نساء الجن إذا لم تتغول لتفتن السفّار. وهم إذا رأوا المرأة حديدة الطرف والذهن ، سريعة الحركة ممشوقة ممحصة ، قالوا : سعلاة.

١٩٦

فسار الإسكندر إلى المدينة وأمر بالثورين فسلخا وحشا جلودهما زفتا وكبريتا وزرنيخا وكلسا ونفطا (٣٠٩) وزئبقا ، وجعل مع ذلك كلاليب (٣١٠) من حديد وأقامهما في المكان المعهود ، فجاء التنين من الغد إليهما على العادة فابتلعها ، فأضرمت النار في جوفه وتعلقت الكلاليب بأحشائه ، وسرى الزئبق في جسده ورجع مضطربا إلى مقره. فانتظروه من الغد فلم يأت ولم يخرج ، فذهبوا إليه فإذا هو ميت وقد فتح فاه كأوسع قنطرة وأعلاها. ففرحوا وشكروا سعي الإسكندر إليهم وحملوا إليه هدايا عجيبة منها دابة عجيبة يقال لها المعراج مثل الأرنب ، أصفر اللون وعلى رأسه قرن واحد أسود لم يرها شيء من السباع الضواري والوحوش الكاسرة إلا هرب منها.

جزيرة قلهات : وهي جزيرة كبيرة وبها خلق مثل خلق الإنسان ، إلا أن وجوههم وجوه الدواب يغوصون في البحر فيخرجون ما يقدرون عليه من الدواب البحرية فيأكلونها.

جزيرة الأخوين الساحرين : أحدهما شرهام والآخر شبرام ، وكانا بهذه الجزيرة يقطعان الطريق على التجار ، فمسخا حجرين قائمين في البحر ، وعمرت الجزيرة بعدهما.

جزيرة الطيور : ويقال إن فيها جنسا من الطيور في هيئة العقبان ، حمر ذوات مخاليب تصيد دواب البحر. وبهذه الجزيرة ثمر يشبه التين ، أكله ينفع من جميع السموم. حكى الجواليقي أن ملكا من ملوك فرنجة أخبر بذلك فوجه إليها مركبا ليجلب له من ذلك الثمر ويصاد له من تلك الطيور ، لأنه كان عالما بمنافع تلك

__________________

(٣٠٩) النفط : البترول حاليا.

(٣١٠) الكلاليب : الخطاطيف ، جمع كلاب (مختار الصحاح مادة (كلب).

١٩٧

الطيور ودمها وأعضائها ومرائرها ، فانكسرت المركب في البحر وهلكت السفينة ومن فيها ولم بعد إليه أحد.

جزيرة الصاصيل : طولها خمسة عشر يوما في عرض عشرة. وكان بها ثلاث مدن مسكونه عامرة وكان التجار يسيرون إليها ويشترون منها الأغنام والأحجار الملونة المثمنة ، فوقع الشر بين أهلها حتى فني غالبهم وبقي منهم قليل ، فانتقلوا إلى بلاد الروم.

جزيرة لاقة : وهي جزيرة كبيرة وبها شجر العود كالحطب وليس له هناك قيمة ولا رائحة حتى يخرج من تلك الأرض فيكتسب الرائحة ؛ وكانت عامرة مسكونة والآن قد خرجت فيها حيات كبار وتغلبت على أرضها فخربت بمثل ذلك. جزيرة ثورية : بها أشجار وأنهار ولكنها خالية الديار ، وبهذا البحر دواب عظيمة مختلفة الأشكال هائلة المنظر ، يقال إن السمكة يمر رأسها كالجبل العظيم الشامخ ثم يمر ذنبها بعد مدة ، ويقال إن مسافة ما بين رأسها وذنبها أربعة أشهر.

بحر الصين وجزائره وما به من العجائب والغرائب : ويسمى هذا البحر بأسماء عديدة : بحر الصين وبحر الهند صنجي ، وهو متصل بالمحيط من المشرق : وليس على وجه الأرض بحر أكبر منه إلا المحيط ، وهو كثير الموج عظيم الاضطراب بعيد القعر ، فيه المد والجزر ، كما في بحر فارس ؛ ويستدل على هيجان هذا البحر بأن يطفو السمك على وجهه قبل هيجانه بيوم واحد ، ويستدل على سكونه ببيض طائر معروف يبيض على وجه الماء في مجتمع القذى ، وهو طائر لا يأوي الأرض أبدا ولا يعرف إلا لجة البحر ، في هذا البحر مغاص اللؤلؤ يطلع منه الحب الجيد الذي لا قيمة له ، وفي هذا البحر من الجزائر ما لا يعلمه إلا الله عددا إلا أن بعضها مشهور يصل

١٩٨

إليه الناس ، قيل إن فيه اثني عشر ألف جزيرة عامرة مسكونة وبها عدة ملوك ، وفي بعض جزائره ينبت الذهب ويكثر في بعض السنين ويقل في بعضها كالنبات.

فمن جزائره جزيرة زانج (٣١١) وتشمل جزائر كثيرة في آخر حدود الصين وأقصى بلاد الهند ، عامرة خصبة ليس فيها خراب ، يسافرون فيها بلا ماء ولا زاد لكثرة الخصب والعمارة ، وهي نحو مائة فرسخ.

قال محمد بن زكريا : وملك هذه الجزيرة يسمى المهراج ، وله جباية تقطع في كل يوم ثلاثمائة من من الذهب ، في كل من ستمائة درهم فيتحصل له في كل يوم ما يزيد على مائة ألف مثقال وخمسة وعشرين ألف مثقال ، يتخذ منها لبنا ويطرحه في البحر وهو خزانته.

وقال ابن الفقيه : بهذه الجزيرة سكان تشبه الآدميين إلا أن أخلاقهم بالوحوش أشبه ، ولهم كلام لا يفهم ، وعندهم أشجار وهم يطيرون من شجرة إلى شجرة وبها نوع من السنانير الوحشية حمر منقطة ببياض ، أذنابها كأذناب الظباء ؛ وبها أيضا نوع من السنانير المذكورة ولها أجنحة كأجنحة الخفاش ، وبها أبقار وحشية حمر منقطة ببياض أيضا ولحومها حامضة وبها دابة الزباد وهي كالهرة ، وفأرة المسك ، وبها جبل يقال له النصان مشهور به ، وبه حيات عظام تبتلع الفيلة ، وبه قردة كأمثال الجواميس

__________________

(٣١١) زانج : يذكر عنها القزويني" إنها جزيرة عظيمة في حدود الصين مما يلي بلاد الهند بها أشياء عجيبة ومملكة بسيطة وملك مطاع يقال له المهراج قال محمد بن زكرياء : للمهراج جباية تبلغ كل يوم مائتي من ذهبا يتخذها لبنات ويرميها في الماء والماء بيت ماله وقال أيضا : من عجائب هذه الجزيرة شجر الكافور وانه عظيم جدا يظل مائة إنسان وأكثر يثقب أعلى الشجر فيسيل منه ماء الكافور عدة جرار ثم يثقب أسفل من ذلك وسط الشجرة فينساب منها قطع الكافور وهو صمغ تلك الشجرة غير أنه في داخلها فإذا أخذت ذلك منه يبست الشجرة".

١٩٩

والكباش الكبار ؛ ومن القردة ما هو أبيض ومنها ما هو كالقرطاس ، ومنها ما هو أبيض الظهر أسود البطن وبالعكس ؛ ومنها ما هو أسود كالفأر. وبها من الببغاء وهي الدرة شيء كثير بيض وحمر وصفر وخضر ، ويتكلمون مع الناس بأي لسان سمعوه منهم. وبها خلق على صورة الإنسان وهم بيض وسود وشقر وخضر يأكلون ويشربون ويتكلمون بكلام لا يفهم ، ولهم أجنحة يطيرون بها.

حكى ابن السيرافي قال : كنت ببعض جزائر الزانج فرأيت وردا كثيرا أحمر وأبيض وأزرق وأصفر وألوانا شتى ، فأخذت ملاءة وجعلت فيها شيئا من ذلك الورد الأزرق. فلما أردت حملها رأيت نارا في الملاءة فأحرقت جميع ما كان فيها من الورد ، ولم تحترق الملاءة ، فسألت الناس عن ذلك فقالوا : إن في هذا الورد منافع كثيرة ولا يمكن اخراجه من هذه الغياض بوجه أبدا.

وفي هذه الجزيرة شجر الكافور (٣١٢) وهو شجر عظيم هائل تظل كل شجرة مائة انسان وأكثر. وفي هذه الجزيرة قوم يعرفون بالمخرمين ، مخرمة أنوفهم. وفيها حلق بها سلاسل إذا جاءهم عدو لمحاربتهم قدموا أولئك المخرمين متسلحين ، ويأخذ كل رجل بطرف سلسلة من تلك الرجال المخرمة ، يمنعه بها من التقدم إلى العدو ، فإن انتظم صلح بين العدو وأهل الجزيرة فلا يفلتون من السلاسل وإن لم ينتظم صلح لفت تلك السلاسل في أعناقهم وأطلقوهم على العدو فيحطمون العدو حطمة واحدة ويأكلون منهم كل من وقعت أعينهم عليه ، ولا يثبت لحطيمهم أحد أبدا.

__________________

(٣١٢) الكافورCamphre : شجرة معمرة جميلة المنظر والكافور له خواص منبهه مضادة للتقلصات وينتج من تقطير خشب النبات مادة تستعمل في عمل الروائح العطرية وصناعة الأدوية.

٢٠٠