خريدة العجائب وفريدة الغرائب

سراج الدين بن الوردي

خريدة العجائب وفريدة الغرائب

المؤلف:

سراج الدين بن الوردي


المحقق: أنور محمود زناتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-358-6
الصفحات: ٥٠٣

جزيرة رامي : وهي جزيرة عظيمة طويلة عريضة طيبة التربة معتدلة الهواء أبدا ، بها معاقل ومدن وقرى وطولها سبعمائة فرسخ. قال ابن الفقيه : بهذه الجزيرة عجائب كثيرة. منها أناس حفاة عراة ، رجال ونساء ، على أبدانهم شعور تغطي سوآتهم ، ومآكلهم من الثمار ، ويستوحشون من الناس وينفرون منهم إلى الغياض ، وطول أحدهم أربعة أشبار ، وبشعرهم زغب أحمر ، وهم لا يلحقون لسرعة جريهم.وبساحل هذه الجزيرة قوم يلحقون المراكب في البحر سباحة ، وهي تجري في تيارها فيبيعونهم العنبر بالحديد ، ويحملون الحديد في أفواههم ويرجعون إلى الجزيرة ولا يدرى ما يصنعون به.

وحكى الجهاني : أن بهذه الجزيرة الكركند ، وهو حيوان على شكل الحمار إلا أن على رأسه قرنا واحدا وهو منعقف. وفيه منافع كثيرة منها أنه يصنع منه أنصبة لسكاكين الملوك وتحط على المائدة ، فإن كان الطعام مسموما عرق ذلك النصاب واختلج ، ويصنع منه حلية للمناطق تبلغ قيمة المنطقة المحلاة بقرن الكركند أربعة آلاف مثقال من الذهب. وأكثر هذه المناطق تعمل ببلاد الصين ، وفي رقبة هذا الحيوان اعوجاج كاعوجاج رقبة الجمل أو دونه ؛ وبهذه الجزيرة جواميس بغير أذناب ؛ وبها شجر الكافور والبقر والخيزران وعرقه دواء من سم الحيات والأفاعي (٣١٣) ، وبها طيب عطر ومعادن كثيرة.

جزيرة الرخ (٣١٤) : وهذا الرخ الذي تعرف به هذه الجزيرة طير عظيم غريب مهول الهيئة حتى قيل إن طول جناحه الواحد نحو عشرة آلاف باع ؛ ذكر ذلك

__________________

(٣١٣) الأفاعي : ظهرت قبل نحو ١٣٥ مليون سنة وتصطاد الفريسة إما بالسم أو العصر وليس لها آذان خارجية وإنما تلتقط الاهتزازات الصوتية (موسوعة الحيوان ، ص ١٤٦).

(٣١٤) الرخ : طائر أسطوري هائل الحجم تذكر بعض الروايات أنه قادر على حمل فيلا بمخالبه ورد ذكره في رحلات السندباد البحري في كتاب ألف ليلة وليلة.

٢٠١

الحافظ ابن الجوزي رحمه الله في كتابه المسمى بكتاب الحيوان ، وكان قد وصل إليه رجل من أهل الغرب ممن سافر إلى الصين وأقام به وبجزائره مدة طويلة وحضر بأموال عظيمة وأحضر معه قصبة ريشة من جناح فرخ الرخ وهو في البيضة لم يخرج منها للوجود ، فكانت تلك القصبة من ريش ذلك الفرخ تسع قربة ماء ، وكان الناس يتعجبون لذلك ، وكان هذا الرجل يعرف بالصيني لكثرة اقامته هناك ، واسمه عبد الرحمن المغربي وكان يحدث بالغرائب ، منها ما ذكر أنه سافر في بحر الصين فألقتهم الريح في جزيرة عظيمة كبيرة واسعة فخرج إليها أهل السفينة ليأخذوا الماء والحطب ومعهم القوس والحبال والقرب وهو معهم ، فرأوا في الجزيرة قبة عظيمة بيضاء لماعة براقة أعلى من مائة ذراع ، فقصدوها ودنوا منها فإذا هي بيضة الرخ فجعلوا يضربونها بالقوس والصخور والخشب حتى انشقت عن فرخ الرخ كأنه جبل راسخ فتعلقوا بريشة من جناحه ولم تكمل خلقة الريشة فقتلوه.

قال : وحملوا ما أمكنهم من لحمه وقطعوا أصل الريش من حد القصبة ورحلوا.وكان بعض من دخل الجزيرة قد طبخ من اللحم وأكل ، وكان فيهم مشايخ بيض اللحى فلما أصبح المشايخ وجدوا لحاهم قد اسودت ولم يشب بعد ذلك أحد من القوم الذين أكلوا فكانوا يقولون إن العود الذي حركوا به ما في القدر من لحم فرخ الرخ كان من شجرة الشباب والله أعلم.

قال : فلما طلعت الشمس والقوم في السفينة وهي سائرة بهم إذ أقبل الرخ يهوي كالسحابة العظيمة ، وفي رجليه قطعة جبل كالبيت العظيم وأكبر من السفينة ، فلما حاذى السفينة من الجو ألقى ذلك الحجر عليها وعلى من بها ، وكانت السفينة مسرعة في الجري فسبقت الحجر فوقع الحجر في البحر ، وكان لوقوعه هول عظيم في البحر ، وكتب الله لنا السلامة ونجانا من الهلاك.

٢٠٢

ومنها جزيرة القرود : وهي كبيرة وبها غياض ، وقرود كثيرة ، وللقرود ملك تنقاد إليه ويجعلونه على أكتافهم وأعناقهم ، وهو يحكم عليهم حكما لا يظلم به أحدا ، ومن وصل إليهم في المراكب عذبوه بالعض والخمش والرجم ، ويتحيل عليهم أهل جزيرة خرتان ومرتان فيصيدونها ويبيعونها بالثمن الغالي. وأهل اليمن يرغبون فيها ويتخذونها في حوانيتهم حرسا كالعبيد ، وهم في غاية الذكاء.

وجزيرة البيمان : وهي جزيرة عامرة وبها مدينة كبيرة ، وأهلها ذو وبأس وشدة ؛ ومن سننهم أنه إذا خطب الرجل عندهم امرأة لا يزوجونه حتى يذهب فيأتيهم برأس مقطوع فحينئذ يزوجونه امرأة بغير صداق ولا مهر ، وإن أتاهم برأسين زوجوه بامرأتين ، وإن أتى بثلاث زوجوه ثلاثة ، وإن أتى بعشرة فعشر ، فيصير عندهم معظما مهيبا جليلا. وبها من شجرة البقم (٣١٥) والخيزران (٣١٦) وقصب السكر ما لا يوصف ، وبها مياه جارية وأنهار عذبة وثمار مختلفة.

وجزيرة الواق واق : وهي جزيرة كبيرة ، وعندهم ذهب كثير بلا وصف حتى إنهم يتخذون سلاسل الكلاب والدواب من الذهب ، وأما أكابرهم فيصنعون لبنا من الذهب ويبنون به قصورا أو بيوتا باتقان وإحكام.

__________________

(٣١٥) البقم Bois du Bresil : ينمو بوفرة شجر البقم بجبل الأمري الذي يحاذي الساحل الجنوبي للهند قبالة سيلان ويذكر ماركو بولو بأنه في سيلان هو الأول من نوعه في العالم (٥٨٥.M.Pauthier ,P).

(٣١٦) الخيزران (البامبو) اسم لأكثر من ألف نوع من أنوع الأعشاب العملاقة ذات جذوع شبه خشبية ينبت الخيزران في كل القارات. ما عدا في قارة أوروبا والقارة قطبية جنوبية ، أغلب أنواع الخيزران هي ذات جذوع مجوفة ومقسمة إلى عقد أو مفاصل ، استخدم الصينيون سيقان نبات الخيزران (البامبو) المجوفة في صناعة الورق منذ ألفى عام. كما يستخدم الخيزران في صناعة أجمل وأبسط قطع الأثاث المنزلي العملية.

٢٠٣

ومن جزائرها جزيرة البنات بها قوم عراة الأبدان بيض الألوان حسان الصور يأوون إلى رؤوس الأشجار ويتصيدون الناس فيأكلونهم ، ووراء هذه الجزيرة جزيرتان عظيمتان فيهما أناس عظام الأجسام حسان الوجوه سود الألوان ، شعورهم مسلسلة مختلفة وأقدامهم أطول من ذراع ، لهم أخلاق صعبة عادية. وهذه الجزيرة متصلة بالزانج والمسير إليها بالنجوم ، وهي ألف وسبعمائة جزيرة عامرة والذهب بها كثير.

وملكة هذه الجزائر امرأة تسمى دمهره ، وتلبس حلة منسوجة بالذهب ، ولها نعلان من ذهب ، وليس يمشي في هذه الجزائر أحد بنعل غيرها. ومتى لبس غيرها نعلا قطعت رجليه. وتركب في عبيدها وجيوشها بالفيلة والرايات والطبول والأبواق والجواري الحسان ، ومسكنها جزيرة تسمى أنبونة ، وأهل هذه الجزيرة حذاق بالصنائع حتى إنهم ينسجون القمصان قطعة واحدة بأكمامها وأبدانها ، ويعملون السفن الكبار من العيدان الصغار ويعملون بيوتا من الخشب تسير على وجه الماء. هذا ما نقله الجواليقي.

وأما ما ذكره عيسى بن المبارك السيرافي فإنه قال : دخلت على هذه الملكة فرأيتها عريانة على سرير من الذهب ، وعلى رأسها تاج من الذهب ، وبين يديها أربعة آلاف وصيفة أبكار حسان ، وهن على مذهب المجوس (٣١٧) وهن مكشوفات ، ومنهن من

__________________

(٣١٧) عرف العرب في الجاهلية الديانة المجوسية ، والتي من تعاليمها عبادة الشمس والقمر وتقديس النار ، وكانت منتشرة بين الأشوريين وتسربت الى أنحاء الجزيرة خاصة تميم واليمن ، والديانة فارسية قديمة وهم المجوس أتباع ذرادشت وترى العالم كصراع مستمر بين القوى الكونية المستقلة. وفي معتقدات هذه الديانة فإن أهورا مزدا هو رب الخير أو الحكمة وخالق العالم المادي ، وأنجر امينو هو كل الموت وروح الشرّ ، وأن الإنسان هو كائن حرّ وعليه واجب مساعدة الانتصار لأهورا مازدا. انتشرت هذه الديانة في إيران خصوصا بعد ثمانية قرون من موت زرادشت ، وبعد أن انحسرت إلى حد ما ، ديانة الماجي

٢٠٤

تتخذ الأمشاط ، اثنين وثلاثة وأربعة إلى عشرين. ولهذه الملكة جبايات كثيرة تتصدق بها على صعاليك أرضها ويتحلون بالودع ويدخرونه عندهم وفي خزائنهم. وبهذه الجزيرة شجر تحمل ثمرا كالنساء بصور وأجسام وعيون وأيد وأرجل وشعور وأثداء وفروج كفروج النساء ، وهن حسان الوجوه ، وهن معلقات بشعورهن ، يخرجن من غلف كالأجربة الكبار ، فإذا أحسسن بالهواء والشمس يصحن : واق واق ، حتى تتقطع شعورهن فإذا انقطعت ماتت. وأهل هذه الجزيرة يفهمون هذا الصوت ويتطيرون منه.

وفي كتاب الحوالة أنه من تجاوز هؤلاء وقع على نساء يخرجن من الأشجار أعظم منهن قدودا (٣١٨) وأطول منهن شعورا ، وأكمل محاسن وأحسن أعجازا (٣١٩) وفروجا ، ولهن رائحة عطرة طيبة ، فإذا انقطعت شعورها ووقعت من الشجرة عاشت يوما أو بعض يوم وربما جامعها من يقطعها أو يحضر قطعها فيجد لها لذة عظيمة لا توجد في النساء.

وأرضهن أطيب الأراضي وأكثرها عطرا وطيبا ، وبها أنهار أحلى ماء من العسل والسكر المذاب ، وليس بها أنيس ولا عامر إلا الفيلة وربما بلغ ارتفاع الفيل في هذه الجزيرة أحد عشر ذراعا.

__________________

المجوسية التي اقتصرت حينها على الملوك والكهنة. (تفسير الطبري (١٧ / ٩٧) ، والمفصل (٦ / ٦٩١) ، والمعجم الذهبي (مادة مجوس).

(٣١٨) القد : الجسم.

(٣١٩) أعجاز : مؤخرة كل شئ.

٢٠٥

وبها من الطير شيء كثير. وليس يعلم ما وراء هذه الجزيرة إلا الله تعالى. ويخرج من بعض هذه الجزائر سيل عظيم يسيل كالقطرة يصب في البحر فيحرق السمك في البحر فيطفو على الماء.

وجزيرة جالوس : وهي جزيرة بها قوم مستوحشون عراة يأكلون الناس وليس لهم ملك ولا دين ، وأكلهم الموز والنار جيل وقصب السكر. وفي هذه الجزيرة جبل ترابه فضة كالبرادة الناعمة.

وجزيرة الموجة : وهي جزيرة عظيمة وبها عدة ملوك. وأهلها بيض شقر مخرومون الآذان كأهل الصين ، وعندهم الخيول البحرية يركبونها. وعندهم دابة المسك ودابة الزباد ؛ ونساؤهم أجمل النساء وأحسنهن خلقا وخلقا ، وأرحامهن كالحلقة لاصقة ، وإذا وقفت المرأة الطويلة على قدمها ومشت تسحب شعرها خلفها على الأرض. وهذه النساء من أعظم النساء أعجازا وأدقهن خصورا ، باديات الوجوه ساحبات الشعور ، لا يستترن من أحد أصلا.

وجزيرة السحاب : وهي جزيرة كبيرة سميت بهذا الاسم لأنه يطلع عليها سحاب أبيض ويعلو عن المراكب في البحر ، ويخرج منه لسان طويل دقيق مع ريح عاصف حتى يلتصق ذلك اللسان بالبحر فيغلي البحر كالقدر الفائر ويضطرب كالزوبعة الهائلة ، فإذا أدرك المراكب ابتلعها ، وبهذه الجزيرة تلول إذا أضرمت فيها النار سالت منها الفضة الخالصة.

وجزيرة هلائي : وهي جزيرة كبيرة من أعظم الجزائر وأوسعها قطرا وأعظمها عمارة ، وهي معترضة من المشرق إلى المغرب ، ولأهلها قصور وبيوت يتخذونها من الخشب على وجه الماء وأرحاء تدور بالريح على الماء ؛ وبها أنواع الطيب والعطر

٢٠٦

الفاخر وعندهم الموز والأرز والنار جيل وقصب السكر ؛ وبها معدن الذهب والفيلة البيض والكركند ؛ ولها ملك عظيم مهيب كثير الجيوش والجنود ؛ وله المراكب البهية من الخيل والفيلة العجيبة.

جزيرة القمر : وهي جزيرة طويلة عريضة ، طولها من المشرق أربعة أشهر ؛ وبها مدينة تسمى : لان ؛ وهي سكن الملك ، وهي مخصبة ؛ بها أشجار وثمار وأنهار وغياض ؛ وبها النار جيل وقصب السكر ؛ وبهذه الجزيرة تصنع ثياب الحشيش الغريبة النوع التي لا نظر لها في الدنيا ولا بهجة للحرير والديباج عندها ، ويصنع بها نوع من الحصر المرقومة المنقوشة التي تأخذ بالأبصار وتذهب بالعقول حسنا وبهجة ، تلبسها الملوك فوق البسط الحرير ويعمل بها مراكب منحوتة من قطعة واحدة وخشبة واحدة ؛ وطول كل مركب ستون ذراعا بالرشاشي ، تحمل مائتي مقاتل وتسمى السفينات.

وحكى بعض التجار أنه رأى هناك مائدة يأكل عليها مائة وخمسون رجلا وهي قطعة واحدة مستديرة. وملك هذه المدينة لا يقوم بخدمته إلا المخنثون ويلبسون الثياب النفيسة ، ويتحلون مثل النساء واسمهم النتيانة. ويتزوجون بالرجال كالنساء ؛ يخدمون الملك بالنهار ويرجعون إلى أزواجهم بالليل من غير أن يعارضوا في ذلك.

جزيرة السعالي : وهي جزيرة عظيمة بها شخوص مشوهة الخلق منكرة الصور لا يدرى ما هم ، وزعم قوم أنها شياطين تتولد من الجن والإنس تأكل من وقع لهم من الإنس.

٢٠٧

جزيرة التمسح : وهي جزيرة بها قوم أذنابهم كالكلاب وأبدانهم كأبدان الإنسان ، ولهم ملك منهم.

جزيرة أطوران : وهي كبيرة وبها أنواع من القردة كالحمر عظما ، وبها الكركند الكثير. ذكر أن مراكب الإسكندر وصلت إليهم وإلى جزيرة أخرى بها قوم على أشكال أبدان الإنسان ، ووجوههم ورؤوسهم كالسباع ، فلما قربوا منهم غابوا عن أبصارهم ولم يعلموا كيف ذهبوا؟.

جزيرة النساء : وهي جزيرة عظيمة وليس بها رجل أصلا. ذكروا أنهن يلقحن ويحملن من الريح ويلدن نساء مثلهن. وقيل إن بأرض تلك الجزيرة نوعا من الشجر فيأكلن منه فيحملن وإن الذهب في أرضها عروق كعروق الخيزران ، وترابها كله ذهب ولا التفات للنساء إلى ذلك.

وذكر بعضهم أن رجلا ساقه الله إلى تلك الجزيرة فأردن قتله فرحمته امرأة منهن وحملته على خشبة وسيبته في البحر فلعبت به الأمواج فرمته في بعض بلاد الصين فأخبر ملك تلك الجزيرة بما رأى من النساء وكثرة الذهب ، فوجه مراكب ورجالا معه فأقاموا زمنا طويلا في البحر يطوفون على تلك الجزيرة فلم يقعوا لها على أثر.

٢٠٨

جزيرة سرنديب (٣٢٠) : وهي جزائرة كثيرة ، وفي هذه الجزائر مدن كثيرة ، وفيها الجبل الذي أهبط عليه آدم عليه السلام ، ويسمى جبل الراهون وعليه أثر قدم آدم عليه السلام ؛ وعلى القدم نور لماع يخطف البصر. وأسفل هذا الجبل توجد سائر الأحجار الثمينة النفيسة. ولهذه الجزائر بحر فيه مغاص اللؤلؤ الفاخر ويجلب منها الدر والياقوت والسنباذج والألماس والبلور وجميع أنواع العطر ؛ وتسافر المراكب فيها الشهر والشهرين بين غياض ورياض. ولملك هذه الجزائر صنم من الذهب مكلل بالجواهر وليس عند أحد من الملوك ما عنده من الدر والجواهر النفيسة لأن أصنافها كلها في بلاده وجباله ، ويحمل إليه الخمس من كل ما يوجد ويستخرج من عراق العجم وفارس ، ويقال إن بهذه الجزائر مساكن وقبابا بيضا تلوح للناس من بعد فإذا قربوا منها تباعدت حتى ييأسوا منها.

وأما عجائب هذا البحر : فمنها ما ذكروا أنه إذا كثرت أمواجه ظهرت أشخاص سود طول كل واحد منهم أربعة أشبار كأنهم أولاد الأحابيش ، يصعدون إلى

__________________

(٣٢٠) سرنديب : هي سيلان أو يريلانكا الحالية ، كان العرب على صلة تجارية بجزيرة سرنديب قبل ظهور الإسلام ، وكان طبيعيا أن يصل التجار العرب المسلمون إليها خلال القرن الهجري الأول ، غير أن الانتشار الفعلي للإسلام في جزيرة سيلان يدأ بنهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني ، حبث انتشر الإسلام في سواحل الجزيرة ، ثم وفد إلى الجزيرة مسلمون من التاميل الهنود ، ومسلمون من الملايو وأندونسيا ، ولقد اتخد ملوك جزيرة سيلان مستشارين لهم من العرب والمسلمين في فترات سابقة على الاستعمار الأوروبي. وعند ما خضعت جزيرة سيلان للاستعمار البرتغالي ثم الهولندي ، وأخيرا البريطاني ، واجه المسلمون تحديا من البعثات التنصيرية طيلة أربعة قرون ، فلقد دعم الاستعمار هذه البعثات التنصيرية وأمدها بنفوده ، وأمام هذا التحدي لجأ المسلمون إلى المناطق المنعزلة ، وعلى الرغم من مساندة الاستعمار للبعثات التنصيرية المسيحية ، لم تتجاوز حصيلتها نصف مليون مسيحي ، وظل الإسلام ينتشر بجهود فردية دون دعم مادي أو سياسي. ويقدر عدد المسلمون في شري لانكا بحوالي ٠٠٠ ٦٠٠ ١ نسمة

٢٠٩

المراكب من غير ضرورة ولا أذى ، وظهورهم يدل على خروج ريح مهلك يسمى الخب.

وحكي أيضا أنهم يرون في هذا البحر طائرا يطير وهو من نور لا يستطيع أحد النظر إليه ، فإذا ارتفع على صاري المركب سكنت الريح وهدأت أمواج البحر وهو دليل السلامة ، ويفقدونه ولا يعلمون أين يذهب؟.

ومن العجائب : أن طائرا في هذا البحر يسمى خرشنة أكبر من الحمام ، ذكر في كتاب تحفة الغرائب أن هذا الطائر إذا طار يأتي طائر آخر يقال له كركر ويطير فاتحا فاه يتوقع ذرق خرشنة ليقع في فيه فيأكله ، وليس له قوت سواه ولا يذرق خرشنة هذا إلا وهو طائر.

ومنها دابة المسك البحري ، وهي دابة تخرج من البحر كل سنة في وقت معلوم بكثرة عظيمة ، فتصاد وتذبح فيوجد المسك في سرتها كالدم ، وهذا المسك هو أفخر الأنواع غير أنه في مكانه وبلده لا ريح له أبدا ، فإذا خرج من حد بلاده ظهر ريحه وكلما بعد زاد ريحه.

ومنها دابة تسمى ملكان تستوطن جزيرة هناك لها رؤوس كثيرة ووجوه مختلفة وأنياب معلقة ولها جناحات وهي تأكل دواب البحر ، وقيل إنا تصادف برسم مراكب الملوك إذا ركب الملك قادوها أمام موكبه وألبسوها الجلال الحرير ويزينونها.

ومنها سمكة تزيد على خمسمائة ذراع توجد عند جزيرة واق واق المذكورة ، إذا رفعت جناحها كانت كالجبل العظيم ، يخاف على السفن منها ، فإذا رأوها صاحوا وضربوا الطبول وأضرموا المكاحل النفطية حتى تهرب عنهم.

٢١٠

ومنها سلاحف (٣٢١) كبار استدارة كل سلحفاة أربعون ذراعا بذراعهم ، تبيض كل واحدة ألف بيضة وظهرها الدبل الفاخر ، وأهل اليمن يتخذون من ظهورها قصعا كبارا وجفانا هائلة لغسلهم ومأكلهم.

ومنها سمكة تسمى سيلان تقعد على البر يومين حتى تموت ، فإذا جعلت في القدر وكان رأس القدر مغطى نضجت واستوت ، وإن كان رأس القدر مكشوفا طارت منه وتختفي فلا يعلم أين تذهب.

ومنها سمكة تسمى الأطم ووجهها كوجه الخنزير ، ولها فرج كفرج المرأة ، ولها مكان الفلوس شعر ، وهي طبقة لحم وطبقة شحم ، ويرغبون في أكلها لطيب لحمها. ومنها سرطانات قدر كل واحد كالترس الصغير ، يخرج من الماء بسرعة ، فإذا سار في البر انعقد حجرا في الحال.

ومنها حيات عظام تخرج من البحر فتبتلع الفيل العالي الهائل ، وتنطوي على شجرة عظيمة تجذبها أو على صخرة فتنكسر عظام الفيل في بطنها وتسمع قعقعة ذلك على بعد.

ومنها سمكة تسمى هبير ، من رأسها إلى صدرها مثل الترس ، ولها عيون كثيرة تنظر بها وباقي بدنها طويل مثل الحية في مقدار ثلاثين ذراعا ، ولها أرجل كثيرة ، ومن صدرها إلى ذنبها مثل أسنان المنشار كل سنة منها في طول شبر كالحديد في الصلابة أو الفولاذ في القطع ، ولا تتصل بشيء من المراكب إلا شقته ولا تضرب شيئا إلا

__________________

(٣٢١) السلاحف Tortoises : وجدت على الأرض قبل حوالي ٢٥٠ مليون سنة ولم تتغير كثيرا منذ نشوئها الأول وتتكون من نحو ١٠٠ نوع وتعيش عادة في المناطق المدارية (موسوعة الحيوان ، ص ١٣٦).

٢١١

قطعته نصفين ولا تنطوى على شيء إلا أهلكته وتسمى أيضا القرش (٣٢٢) ، وفي هذا البحر الدردور ، وهو إذا وقعت فيه سفينة لا تنجو منه.

حكى بعض التجار قال : ركبنا في هذا البحر ومعنا جمع من التجار فهبت علينا ريح عاصفة صرفت المركب عن القصد ، وكان رئيس المركب شيخا أعمى إلا أنه حاذق بالرياسة ، وكان معه في السفينة حبال كثيرة فكان رجاله يقولون له : لو كان موضع هذه الحبال ركاب لا نتفعنا بأجرتهم ، وكان يسأل التجار في كل وقت ماذا ترون فيقولون : ما نرى شيئا. ولم يزل كذلك حتى قالوا له : نرى طيورا سودا على وجه الماء ، فصاح الشيخ ولطم وجهه وقال : هلكنا والله لا محالة ؛ فلما سألناه عن السبب قال : سترون ذلك عيانا. فما كان مقدار ساعتين حتى وقعنا في الدردور ، وإذا بالذي كنا نراه كالطيور السود مراكب وبها أناس موتى ؛ قال : فتحيرنا وانقطع رجاؤنا من الخلاص والحياة ؛ فقال الشيخ : هل لكم أن تجعلوا لي نصف أموالكم وأنا أتحيل في خلاصكم إن شاء الله تعالى؟ فقلنا : نعم قد رضينا! قال : فأعطانا قنينتين قد ملئتا بالدهن فأدليناهما في البحر فاجتمع عليهما من السمك ما لا يعد ولا يحصى ثم أمرنا أن نطرح تلك الموتى الذين في المراكب إلى البحر بعد شدهم بالحبال التي كانت عنده في المراكب ففعلنا ورمينا بهم وأطراف الحبال مشدودة بمركبنا ؛ فابتلع السمك

__________________

(٣٢٢) القرش : معظم أسماك القرش ذات أجسام طويلة نوعا ولها عينان وفتحات خيشومية على جانب الرأس وهي مفترسة تتغذى بلأسماك العظيمة الأصغر أما الأنواع الخطرة على الإنسان فيبلغ عددها نحو ١٢ نوعا وهي ذات زعانف زوجية وزعنفة ظهرية واحدة أو اثنتان على الظهر وزعنفة شرجية أمام الذيلية تماما وتغطي الجسم حراشف حادة مدببة تسمى انتوءات ويوجد في معظم بحار العالم ويعتبر قرش الحوت أكبر سمكة حية اليوم يصل طوله الى ١٥ م ورغم ذلك فهو مسالم للغاية (موسوعة الحيوان ، ص ١٠٢).

٢١٢

الموتى ثم أمرنا بالصياح وضرب الطبول والصنوج (٣٢٣) والأخشاب ففعلنا ذلك فتفرقت الأسماك وأطراف الحبال في بطونها مشدود بها الموتى ، وإذا بالمركب قد تحرك من مكانه وأقلع وجرى ولم يزل يجري حتى خرجنا من الدردور ، فصاح الرئيس : اقطعوا الحبال عاجلا فقطعناها ونجونا بقدرة الله من الهلاك ، فقال الرئيس للجماعة : تلومونني على حمل هذه الحبال فانظروا كيف كانت سببا لحياتكم وسلامتكم ، فحمدنا الله تعالى وشكرنا الرئيس لنظره في العواقب.

ومنها بحر الهند : وهو أعظم البحار وأوسعها وأكثرها خيرا ومالا ، ولا علم لأحد بكيفية اتصاله بالبحر المحيط لعظمته وسعته وخروجه عن تحصيل الأفكار ، وليس هو كالبحر الغربي ، فإن اتصال البحر الغربي بالمحيط ظاهر. ويتشعب من هذا البحر الهندي خليجان أعظمهما بحر فارس ثم بحر القلزم ، فالآخذ نحو الشمال بحر فارس والآخذ نحو الجنوب بحر الزنج. قال ابن الفقيه : بحر الهند مخالف لبحر فارس ، وفي هذا جزائر كثيرة وقيل إنها تزيد على عشرين ألف جزيرة وفيها من الأمم ما لا يعلمه إلا الله تعالى فأما ما وصل إليه الناس فأقل قليل.

فمن جزائره جزيرة كله : وهي جزيرة عظيمة بها أشجار وأنهار وثمار ، ويسكنها ملك بني جابة الهندي ، وبها معادن القصدير وشجر الكافور وهو شبيه بالصفصاف (٣٢٤) وهي تظل مائة رجل وأكثر ، وبها الخيزران ، وفي عجائب هذه الجزيرة ما يقع واصفها في حد التكذيب.

__________________

(٣٢٣) الصنوج : هو الذي يكون في الدفوف ونحوه واللاعب به يقال له الصناج وكان أعشى بكر يسمى صناجة العرب لجودة شعره (اللسان ٤ / ٢٥٠٦).

(٣٢٤) الصفصاف Willoe : لشجر اصفصاف تاريخ عريق في مصر ، وقد عثر على بعض الأشياء المصنوعة من خشب الصفصاف وأوراقه في مقبرة توت عنخ أمون ويعالج الصفصاف الحروق والالتهابات (عادل عبد العال : الطب القديم ، دار أجيال ، ص ٣٦).

٢١٣

جزيرة جابة : وهي كبيرة وبها الموز والنارجيل والأرز والقصب السكري الفائق ، وبها العود ، ويسكنها قوم شقر وجوههم ، على صدورهم شعورهم ، وأبدانهم كالناس. وبها جبل عظيم يرى عليه في الليل نار عظيمة ترى من خمسة عشر فرسخا وبالنهار دخان ، ولا يدنو أحد من ذلك الجبل على خمسة فراسخ إلا هلك

وملك هذه المدينة اسمه جابة ، وهو يلبس من الحلل حلة الذهب وتاجا من ذهب مكللا بالدر والياقوت والجواهر النفيسة ، ودراهمه ودنانيره مطبوعة على صورته وهيئته ، وهو يعبد صنما ، وصلاتهم غناء وتلحين وتصفيق بالأكف واجتماع الجواري الحسان ولعبهن بأنواع من التكسر والتخلع بين يدي المصلي ، والكنيسة التي فيها الصنم فيها جوار حسان راقصات متخلعات معدودة لذلك ، وذلك إن المرأة إذا ولدت عندهم بنتا حسنة أخذتها أمها إذا كبرت وألبستها أفخر الملابس والحلي وذهبت إلى الكنيسة وتصدقت بها على الصنم وحولها أهلها وأقاربها من النساء والرجال ، ويسلمها الخدمة إلى أناس عارفين بالرقص ، والتخلع والتكسر فيعلمونها. ولهذا الملك جزائر كثيرة منها جزيرة هريج وجزيرة سلاهط وجزيرة مايط.

فأما جزيرة هريج : فإن بها خسفة متسعة نحو عشرة أميال مستديرة لا يعرف أحد قعرها ولا وقف أحد على قرارها وهي من عجائب الدنيا.

وجزيرة سلاهط : يجلب منها الصندل والسنبل والكافور. وذكر المسافرون أن بجزائر الكافور قوما يأكلون الناس ويأخذون قحوفهم فيجعلون فيها الكافور والطيب ويعلقونها في بيوتهم ويعبدونها ، فإذا عزموا على أمر وقصد سجدوا لتلك القحوف وسألوها عما يريدون ويقصدون ، فتخبرهم عن كل ما يسألونها عنه من خير أو شر.

٢١٤

وبهذه الجزيرة عين يفور منها الماء وينزل في ثقب في الأرض فيطلع له رشاش فأي شيء وقع من ذلك الرشاش على وجه الأرض صار حجرا ، فإن كان ليلا صار حجرا أسود ، أو بالنهار صار حجرا أبيض ، وبآخر هذه الجزيرة خسفة أخرى كالبيكارة ، دورها نحو الميل تتقد نارا وتعلو نارها نحو مائة ذراع بالليل ، ولها بالنهار دخان.

وجزيرة برطابيل : وهي قرية من جزائر الزنج وبها أقوم وجوههم كالأترسة ، وشعورهم كأذناب الخيل ، وبها القرنفل الكثير وبها الكركند ، وإن التجار إذا نزلوا بها وضعوا بضائعهم كوما كوما على الساحل ويعودون إلى المراكب فإذا أصبحوا جاؤوا إلى بضائعهم فيجدون إلى جانب كل بضاعة شيئا من القرنفل ، فإن رضيه صاحب البضاعة أخذه وانصرف وإن لم يرض ترك القرنفل والبضاعة وعاد في اليوم الثاني فيجده قد زيد فيه ، فإن رضيه أخذه وإلا تركه وعاد من الغد أيضا ، ولا يزال كذلك حتى يرضى.

وذكر بعض التجار أنه صعد إلى هذه الجزيرة سرا فرأى بها قوما صفر الوجوه وهي كوجوه التراك وآذانهم مخرمة ، ولهم شعور كشعور النساء. فلما رآهم غابوا عنه وعن بصره. ثم إن التجار بعد أن ترددوا إلى تلك الجزيرة بالبضائع مدة طويلة فلم يأتهم شيء من القرنفل فعلموا أن ذلك بسبب الرجل الذي نظر إليهم ورآهم ثم عادوا بعد سنين إلى ما كانوا عليه من المعارضة بالقرنفل. وخاصية هذا القرنفل أن الإنسان إذا أكله رطبا لا يشيب ولا يهرم ولو بلغ مائة سنة. ولباس هذه الأمة ورق شجر يقال له اللوف ، وأكلهم من ثمره ، ويأكلون السمك أيضا والنارجيل. وبهذه الجزيرة جبال يسمع فيها طول الليل أصوات الطبول والصنوج والدفوف والمزامير

٢١٥

المطربة والصياح المزعج وغير ذلك من الأصوات العجيبة. وقيل إن الدجال (٣٢٥) بها ، وقيل إنه بغيرها. وسنذكره إن شاء الله تعالى.

جزيرة القصر : وهو قصر عظيم مرتفع أبيض من بلور (٣٢٦) شفاف يظهر لمن في المراكب من مسافة بعيدة. فإذا شاهدوه تباشروا بالسلامة. ذكر قوم من الزنج أنه قصر مرتفع شاهق لا يدري ما داخله.

وحكي أن بعض الملوك وصل إلى هذه الجزيرة وشاهد القصر هو ومن معه من جنوده ، فلما صاروا في الجزيرة أخذهم الخدران في مفاصلهم وغلب عليهم النوم ، فبادر بعضهم إلى المراكب فنجوا وتأخر البعض فهلكوا.

وذكر أن أصحاب ذي القرنين رأوا في بعض هذه الجزائرة أمة رؤوسهم رؤوس الكلاب ، ولهم أنياب خارجة من أفواههم حمر مثل الجمر (٣٢٧) ، يخرجون إلى المراكب ويحاربونهم. ورأوا بجزيرة تلك الأمة نورا ساطعا فإذا هو القصر الأبيض البلوري ، فأراد ذو القرنين التوجه إليها ورؤية القصر فمنعه بهرام الفيلسوف الهندي من ذلك وقال : يا ملك الزمان لا تفعل فإن من وصل إلى هذا القصر غلب عليه الخدران والنوم والثقل وقلة الحركة فلا يقدر على الخروج ويهلك. وذكر بهرام المذكور أن بهذه الجزيرة شجرة إذا أكلوا من ثمرها زال عنهم النوم والخدران ، وإذا كان الليل ظهر لذلك القصر شرفات تسرج مثل المصابيح ، الليل كله فإذا كان النهار خمدت.

__________________

(٣٢٥) سمي الدجال دجالا لضربه في الأرض ، وقطعه أكثر نواحيها ، وسمي دجالا لتمويهه الناس وتلبيسه وتزيينه الباطل ، ويقال دجل إذا موه ولبس (لسان العرب ، دجل) سمي بالمسيح لأنه ممسوح العين وهذه التسمية بهذه الصيغة مشتقة من أسم المفعول أي الممسوح بخلاف المسيح ابن مريم الذي اشتق اسمه من اسم الفاعل الماسح لأنه كان يمسح على المريض فيبرأ.

(٣٢٦) البلور : ، وهو نوع من الزجاج النقي ، أبيض شفاف (المعجم الكبير ٢ / ٥٧٦).

(٣٢٧) الجمر : النار المتقدة ، ومفردها جمرة ، فإذا برد فهو فحم ، والجمرة ، الظلمة الشديدة.

٢١٦

وجزيرة الورد : ذكر القاضي عياض رحمه الله تعالى في كتاب الشفا في شرف المصطفى صلى الله عليه وسلم أن بهذه الجزيرة وردا أحمر مكتوبا عليه بالأبيض لا إله إلا الله محمد رسول الله ، والكتابة بالقدرة الإلهية.

الجزائر الثلاث : قال صاحب تحفة الغرائب : هي ثلاث جزائر متجاورات ، في احداهن برق الليل كله ، وفي الأخرى تهب رياح شديدة ، الليل كله ، وفي الأخرى يمطر السحاب الليل كله صيفا وشتاء على ممر الليالي والأيام أبدا. ومنها جزيرة في هذا البحر بها أقوام أبدانهم أبدان الآدميين ورؤوسهم رؤوس الدواب يخوضون في البحر فيخرجون ما يقدرون عليه من البحر فيأكلونها. وجزيرة صيدون الساحر : وكان صيدون ملكا ساحرا ، وطول هذه الجزيرة شهر في شهر ، وبها عجائب كثيرة : ومنها : أن في وسطها قصرا عظيما في عمد عظيمة من مرمر ملون ، ومجلسه من ذهب مرصع بأنواع الجواهر العظيمة ، يشرف على جميع تلك الجزيرة. قيل إن هذا الملك صيدون كان ساحرا ماهرا وكانت الجن تطيعه وتعمل الأعمال المعجزة العجيبة. فدل عليه بعض الجن نبي الله سليمان عليه السلام فغزاه وقتله وخرب بلده وقتل أهلها وأسر جماعة منهم. وأما عجائب هذا البحر فكثيرة جدا : منها : سمكة تخرج من البحر وتصعد إلى جزيرة سلاهط وتصعد إلى أشجارها فتمتص فواكهها وثمارها ثم تقع كالسكران فيأخذها الناس.

ومنها : سمكة خضراء رأسها كرأس الحية من أكل لحمها اعتصم من الطعام والشراب أياما لا يشتهيه.

ومنها : سمكة مدورة يقال لها كرماهي ، على ظهرها شبه عمود محدد الراس قائم لا تقوم لها سمكة في البحر إلا ضربتها بذلك العمود وقتلتها.

٢١٧

ومنها : سمكة يقال لها الباقة ، طولها مائة ذراع وعرضها عشرون ذراعا وعلى ظهرها حجارة صدفية كالقرابيص ، إذا تعرضت للسفينة كسرتها ، وإذا طبخوا من لحمها في القدر يذوب حتى يصير كله دهنا. وأهل تلك النواحي يطلون بدهنها المراكب عوضا عن الدهن.

ومنها : سمكة يقال لها العمدة ، لها جناحان تفتحهما في الجو وتنشرهما وتحمل على السفينة فتقلبها في البحر في الحال ، فإذا رأوها ضربوا الطبول والصنوج والزمور وصاحوا فتهرب.

٢١٨

فصل في بحر فارس

وما فيه من الجزائر والعجائب

ويسمى البحر الأخضر ، وهو شعبة من بحر الهند الأعظم وهو بحر مبارك كثير الخير دائم السلام وطيء الظهر قليل الهيجان بالنسبة إلى غيره.

قال أبو عبد الله الصيني : خص الله بحر فارس بالخيرات الكثيرة والبركات الغزيرة والفوائد والعجائب والطرف والغرائب ، منها مغاص الدر الذي يخرج منه الحب الكبير البالغ ، وربما وجدت الدرة اليتيمة التي لا قيمة لها. وفي جزائره معادن أنواع اليواقيت والأحجار الملونة النفيسة ومعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والسنباذج والعقيق وأنواع الطيب والأفاويه.

فمن جزائره كيكاووس وفنجاليوس : وهي جزيرة كبيرة بها خلق كثير بيض الألوان عراة الأجسام ، الرجال والنساء ، وربما استترت النساء بورق الشجر ، وطعامهم السمك الطري والنارجيل والموز ، وأموالهم الحديد ؛ يتعاملون به كتعامل الناس بالذهب والفضة ، يتحلون بالذهب ويأتيهم التجار فيأخذون منهم العنبر بالحديد. وذكر أن بهذا البحر جزيرة تسمى : القامس وأنها تغيب بأهلها وجبالها وجهاتها ومساكنها ستة أشهر وتظهر ستة أشهر.

وذكر بعض المسافرين أن البحر هاج عليهم مرة فانتظروا ، فإذا شيخ أبيض الرأس واللحية وعليه ثياب خضر ينتقل على متن البحر وهو يقول : سبحان من دبر الأمور ، وقدر المقدور ، وعلم ما في الصدور ، وألجم البحر بقدرته أن يفور ، سيروا بين الشمال والشرق حتى تنتهوا إلى جبل الطرق ، واسلكوا وسط ذلك فتنجوا إن شاء الله من المهالك. ففعلوا ذلك فسلموا ونجوا وتحققوا أنه الخضر عليه السلام ، ووصلوا إلى جزيرة بها خلق طوال الوجوه بأيديهم قضبان الذهب يعتمدون عليها

٢١٩

ويتقاتلون بها وطعامهم اللوز والقسطل ، فأقاموا عندهم شهرا وأخذوا من قضبان الذهب شيئا كثيرا ولم يمنعهم أهل الجزيرة من أخذ ذلك ؛ وأقاموا حتى هبت رياحهم فسافروا على السمت الذي قال لهم الخضر عليه السلام ، فتخلصوا ونجوا بمشيئة ذي الجلال والإكرام.

جزيرة الطويران : وهي جزيرة خصبة ذات أشجار وثمار وأعين وأنهار ، وبها قوم أبدانهم أبدان الآدميين ورؤوسهم كرؤوس السباع والكلاب. وبهذه الجزيرة نهر شديد البياض وعلى شاطئه شجرة عظيمة تظل خمسمائة رجل ، فيها من كل ثمرة طيبة مشرقة بأنواع الألوان ، وكل ثمرها أحلى من الشهد والعسل ، وطعم كل ثمرة لا يشبه طعم الأخرى ، وتلك الثمار ألين من الزبد وأذكى رائحة من المسك ، ورقها كحلل الحرير والديباج. وهذه الشجرة تسير بسير الشمس ترتفع من الغد إلى الزوال ، وتنحط من الزوال إلى الغروب حتى تغيب بغيبة الشمس.

وذكر أن أصحاب ذي القرنين وصلوا إلى هذه الجزيرة ورأوا تلك الشجرة فجمعوا من ثمرها شيئا كثيرا ومن أوراقها ليحملوا ذلك إلى ذي القرنين فضربوا على ظهورهم بسياط مؤلمة ، يحسون بوقع السياط ولا يرونها ولا يدرون من الضارب ، ويصيحون بهم ردوا ما أخذتم من هذه الشجرة ولا تتعرضوا لها فردوا ما أخذوا منها وركبوا مراكبهم وسافروا عنها.

وجزيرة العباد : وهي جزيرة عظيمة دخلها ذو القرنين فوجد بها قوما قد أنحلتهم العبادة حتى صاروا كالحمم السود. فسلم عليهم فردوا عليه السلام.فسألهم : ما عيشكم يا قوم في هذا المكان؟ فقالوا : ما رزقنا الله تعالى من الأسماك وأنواع النباتات ، ونشرب من هذه المياه العذبة. فقال لهم : ألا أنقلك إلى عيشة أطيب مما أنت فيه وأخصب؟ فقالوا له : وما نصنع به؟ إن عندنا في جزيرتنا هذه ما يغني

٢٢٠