خريدة العجائب وفريدة الغرائب

سراج الدين بن الوردي

خريدة العجائب وفريدة الغرائب

المؤلف:

سراج الدين بن الوردي


المحقق: أنور محمود زناتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-358-6
الصفحات: ٥٠٣

يبقى في الملك حي إلا الله ؛ فعند ذلك يقول : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)؟» فلا يجيبه أحد ، فيقول : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ). هكذا روي في الأخبار. والله أعلم.

٤٦١

ذكر المطرة التي تنبت الأجساد

قالوا : فإذا مضى من النفختين أربعون عاما أمطر الله سبحانه من تحت العرش ماء خاثرا كالطلاء وكالمني من الرجال ، يقال له ماء الحيوان ، فتنبت أجسامهم كما ينبت البقل. قال كعب : ويأمر الله الأرض والبحار والطير والسباع برد ما أكلت من أجساد بني آدم حتى الشجرة الواحدة ، فتتكامل أجسامهم. قالوا : وتأكل الأرض ابن آدم إلا عجب الذنب فإنه يبقى مثل عين الجرادة لا يدركه الطرف ، فينشأ الخلق من ذلك العجب ، وتركب عليه أجزاؤه كالهباء في شعاع الشمس ، فإذا تم وتكامل نفخ فيه الروح ثم انشق عنه القبر ، ثم قام خلقا سويا.

٤٦٢

ذكر النفخة الثالثة وهي نفخة القيامة

وذلك قوله تعالى : (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ)(٦٠٨) وقوله : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ)(٦٠٩). ويجمع الله أرواح الخلائق في الصور ، ثم يأمر الله الملك أن ينفخ فيهم قائلا : أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة والأعضاء المتمزقة والشعور المنتثرة ، إن الله المصور الخلاق يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. فيجتمعن ثم ينادي : قوموا للعرض على الجبار. فيقومون ، وذلك قوله تعالى : (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً)(٦١٠) وقوله تعالى : («يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ ، مُهْطِعِينَ) إلى يسير» (٦١١). فإذا خرجوا من قبورهم تلقى المؤمنين بمواكب من رحمة الله كما وعد سبحانه وتعالى : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً)(٦١٢) والفاسقون يمشون على أقدامهم سوقا وهو قوله : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً)(٦١٣).

__________________

(٦٠٨) سورة الزمر : آية ٦٨.

(٦٠٩) سورة يس : آية ٥٣.

(٦١٠) سورة المعارج : آية ٤٣.

(٦١١) سورة القمر : آية ٨.

(٦١٢) سورة مريم : آية ٨٥.

(٦١٣) سورة مريم : آية ٨٦.

٤٦٣

ذكر الموقف وأين يكون

روى المسلمون أن الناس يحشرون إلى بيت المقدس. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هو المحشر والمنشر. ووافقت اليهود على ذلك. وروي عن كعب : أن الله نظر إلى الأرض وقال : إني واطئ على بعضك ، فانتسفت الجبال وارتجت الصخرة وتضعضعت وارتعدت ؛ فشكر الله لها ذلك فقال : هذا مقامي ومحشر خلقي ، هذه جنتي وهذه ناري ، وهذا موضع ميزاني ، وأنا ديان يوم الدين ؛ وقيل : يصير الله الصخرة من مرجانة طباق الأرض ، ويحاسب عليها الخلق. والله أعلم.

٤٦٤

ذكر يوم القيامة والحشر والنشر

وتبديل الأرض غير الأرض وخي السماء ، وأحوال ذلك اليوم

قال الله عز وجل : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ ، وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ)(٦١٤). فأول من يحييه الله جل جلاله يوم القيامة إسرافيل لينفخ النفخة الثالثة لقيام الخلق كما تقدم. ثم يحيي رؤساء الملائكة ثم أهل السماء ، ويأمر جبريل وميكائيل وإسرافيل أن انطلقوا إلى رضوان خازن الجنان وقولوا له : إن رب العزة والجبروت والكبرياء مالك يوم الدين ، يأمرك أن تزين البراق (٦١٥) وترفع لواء الحمد وتاج الكرامة وسبعين حلة من حلل الجنة الفاخرة ، واهبطوا بها إلى قبر البشير النذير حبيبي محمد صلواتي وتسليمي عليه ، فنبهوه من رقدته وأيقظوه من نومته وقولا له : هلم إلى استكمال كرامتك واستيفاء منزلتك وارتفاعك على الأولين والأخرين ، وشفاعتك في المذنبين.

قال : فينطلقون إلى باب الجنة فيقرعونه فيقول رضوان : من بباب الجنة؟ فيقول : جبريل وميكائيل وإسرافيل وأتباعهم ، ويبلغ جبريل الرسالة ، فيقول : وأين القيامة؟ فيقول جبريل : هذا يوم القيامة. قال : فيقبل رضوان بالبراق ولواء الحمد وتاج الكرامة والحلل وتستبشر الحور والولدان ، ويرتفعن إلى أعالي القصور ويمجدن الملك الغفور ويفرحن بلقاء الأحباب ويشكرن رب الأرباب. ثم يأتي النداء من قبل الله عز وجل : يا رضوان زخرف الجنان ومر الحور العين أن يتزين بأكمل زينة

__________________

(٦١٤) سورة ابراهيم : آية ٤٨.

(٦١٥) البراق : دابة يركبها الأنبياء ، وركبها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء ، وفي الأثر أنها دابة أبيض بين البغل والحمار ، في فخذيه جناحان يدفع بهما رجله ، ويضع يده في منتهى طرفه ، ويقال سمي البراق لنصوع لونه وشدة بريقه وسرعته (لسان العرب ، وسيرة ابن هشام).

٤٦٥

ويتهيأن لقدوم سيد الأنبياء والمرسلين وقدوم أزواجهن من المؤمنين فما بقي غير الوصال والاجتماع والاتصال.

ثم يقبل إسرافيل وميكائيل وجبريل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقف إسرافيل عند رأسه وميكائيل عند وسطه وجبريل عند رجليه فيقول إسرافيل لجبريل : نبهه يا جبريل فأنت صاحبه ومؤنسه في دار الدنيا ؛ فيقول له جبريل : صح به يا إسرافيل فأنت صاحب النفخة والصور. قال : فيقول له إسرافيل : أيتها النفس المطمئنة البهية الطاهرة الزكية عودي إلى الجسد الطيب ، يا محمد قم بإذن الله وأمره. فيقوم صلى الله عليه وسلم وهو ينفض التراب عن رأسه ووجهه ، ثم يلتفت عن يمينه وإذا بالبراق ولواء الحمد وتاج الكرامة وحلل المجد ، فتسلم الملائكة عليه ويقول له جبريل : يا محمد هذه هدية إليك وكرامة من رب العالمين. فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : بشرني. فيقول جبريل : إن الجنان قد زخرفت والحور العين قد تزينت وهن في انتظار قدومك أيها المختار ، فهلم إلى لقاء الملك الجبار. فيقول : سمعا وطاعة لرب العالمين. أخبرني أين تركت أمتي المساكين؟ فيقول : يا محمد وعزة من اصطفاك على العالم ما انشقت الأرض عن أحد سواك من بني آدم.

قال : فيسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلبس تلك الحلل ويتقدم فيركب البراق وتضع الملائكة على رأسه تاج الكرامة ويسلمونه لواء الحمد ، فيأخذه بيده ويسير في موكب الكرامة والعز فرحا مسرورا مبجلا معظما محبورا ، حتى يقف بين يدي الله عز وجل ثم يرسل الله الأرواح ويأمرها أن تلج في الأجساد بنفخة إسرافيل ، فإذا الخلائق قيام من قبورهم ، عراة ينفضون التراب عن وجوههم ورؤوسهم ، وقد عقدوا أيديهم في أعناقهم وشخصوا بأبصارهم مهطعين إلى الداع سكارى وما هم بسكارى ، متحيرين والهين حيارى لا يعرفون شرقا ولا غربا ،

٤٦٦

الرجال والنساء في صعيد واحد ، لا يعرف الرجل من إلى جانبه : أرجل أم امرأة؟ ولا تعرف المرأة من إلى جانبها : أمرأة أم رجل؟ قد شغل كل منهم بنفسه. ثم يوكل الله عز وجل بكل نفس ملكا يسوقها إلى الموقف وشاهدا من نفس ، فالسائق هو الملك الموكل والشاهد جملة أعضائه وجسده. قال : ثم يؤتى بهم إلى أرض المحشر والموقف ، وهي أرض بيضاء من فضة أو كالفضة ، لم يسفك عليها دم حرام ولم يعبد عليها وثن ، يظهرها الله سبحانه بأرض بيت المقدس ، وقد نصبت عليها منابر للأنبياء وكراسي للأولياء والصالحين والشهداء ، ويصف الخلائق على تلك الأرض صفوفا من المشرق إلى المغرب. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : أهل الجنة يومئذ مائة وعشرون صفا ، ثمانون من أمتي ، وأربعون من سائر الأمم. ثم تقرب الشمس من رؤوس الخلائق ويزداد في حرها سبعين ضعفا ، وتبرز جهنم وذلك قوله تعالى : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى)(٦١٦) فتغلي أدمغتهم في رؤوسهم ، ويرشح العرق من أبدانهم فيسير في الأرض ثم يأخذهم العرق على قدر ذنوبهم : فمنهم من يأخذه إلى كعبيه ، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من يأخذه إلى إبطيه ، ومنهم من يأخذه إلى عنقه ، ومنهم يعوم فيه عوما.

ثم يقومون كذلك ما شاء الله حتى يطول الوقوف ويشتد بهم الكرب ، فيقول بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى آدم فنسأله أن يشفع فينا إلى ربنا ، فمن كان من أهل الجنة فيؤمر به إلى الجنة ، ومن كان من أهل النار فيؤمر به إلى النار. فيأتون آدم فيقولون : يا آدم قد طال الوقوف واشتد الكرب فاشفع لنا إلى ربنا ، فمن كان من أهل الجنة يؤمر به إليها ومن كان من أهل النار يؤمر به إليها. فيقول آدم : ما لي وللشفاعة؟ ويذكر ذنبه انطلقوا إلى غيري.

__________________

(٦١٦) سورة النازعات : آية ٣٦.

٤٦٧

فيأتون نوحا فيقولون مقالهم. فيقول : كيف لي بالشفاعة وقد أهلك الله بدعوتي من في الأرض وأغرقهم؟ ولكن انطلقوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه ويذكرون له الحال ويسألونه الشفاعة ، فيقول : ما لي وللشفاعة؟ ولكن انطلقوا إلى موسى بن عمران الذي كلمه الرحمن. قال : فيأتونه فيقول : كيف لي بالشفاعة؟ وقد قتلت نفسا وألقيت الألواح فتكسرت ، ولكن انطلقوا إلى عيسى بن البتول (٦١٧). فينطلقون إليه ويقولون مقالهم. فيقول : ما لي وللشفاعة؟ وقد اتخذني النصارى إلها من دون الله وإني لعبد الله ، ولكن أدلكم على صاحب الشفاعة الكبرى ، انطلقوا إلى أبي القاسم محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وسيد المرسلين.

فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين ، ووجهه يضيء على أهل الموقف ، فينادونه من دون منبره العالي : يا حبيب رب العالمين وسيد الأنبياء والمرسلين ، قد عظم الأمر وجل الخطب وطال الوقوف واشتد الكرب فاشفع لنا إلى ربنا في فصل الأمر ، فمن كان من أهل الجنة يؤمر به إليها ، ومن كان من أهل النار يؤمر به إليها ، الغوث الغوث يا محمد ، فأنت صاحب الجاه ، والمبعوث رحمة للعالمين ، قال : فيبكي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي أمام العرش فيخر ساجدا فينادى : يا محمد ليس هذا يوم سجود فارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع : فيقول : يا رب مر بالعباد إلى الحساب فقد اشتد الكرب وعظم الخطب.

فيجاب إلى ذلك ويأمر الله عز وجل بالعرض للحساب ، ثم تزفر جهنم زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا أخذه الرعب والجزع ، وكل ينادي : نفسي يا رب ، فآدم يقول : يا رب أسألك حواء ولا هابيل ، ولا أسألك إلا نفسي ، ونوح ينادي : لا أسألك ساما ولا حاما بل أسألك نفسي ، والخليل ينادي : لا أسألك

__________________

(٦١٧) بتول Ascetic : المرأة المنقطعة عن الرجال والبتول مريم العذراء عليها السلام.

٤٦٨

إسماعيل ولا إسحق ولكن أسألك نفسي يا رب ، وموسى ينادي : لا أسألك هرون أخي بل أسألك نفسي يا رب ، وعيسى ينادي : يا رب لا أسألك مريم أمي وأسألك يا رب نفسي وذلك قوله عز وجل : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ، وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)(٦١٨).

قال : ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ينادي : يا رب لا أسألك فاطمة ابنتي ولا بعلها ولا ولديها ، ولا أسألك اليوم إلا أمتي ولا أسألك غيرها ، فينادي المنادي من قبل الله عز وجل : يا رضوان زخرف الجنان ، يا مالك سعر النيران ، يا كسرون مد الصراط على متن جهنم. وهو أدق من الشعرة وأحد من السيف ، وهي ألف عام صعود وألف عام استواء وألف عام هبوط ، وقيل أكثر من ذلك. وهو سبع قناطر ، فيسأل العبد عند القنطرة الأولى عن الإيمان وهي أصعب القناطر وأهواها قرارا ، فإن أتى بالايمان نجا ، وإن لم يأت به تردى إلى أسفل سافلين. ويسأل عند القنطرة الثانية عن الصلاة فإن أتى بها نجا وإن لم يأت بها تردى في النار. ويسأل عند القنطرة الثالثة عن الزكاة فإن أتى بها نجا وإن لم يأت بها تردى في النار.

ويسأل عند القنطرة الرابعة عن صيام شهر رمضان فإن أتى به نجا وإن لم يأت به تردى في النار. ويسأل عند القنطرة الخامسة عن الحج فإن أتى به نجا وإن لم يأت به تردى في النار. ويسأل عند القنطرة السادسة عن الأمر بالمعروف ، فإن أتى به نجا وإن لم يأت به تردى في النار. ويسأل عند القنطرة السابعة عن النهي عن المنكر ، فإن أتى به نجا وإن لم يأت به تردى في النار.

قال : ثم تحمل الخلائق على الصراط ، فمنهم من يجوزه كالبرق الخاطف ، ومنهم من يجوزه كالريح العاصف ، ومنهم من يجوزه كالفرس الجواد ، ومنهم كالرجل

__________________

(٦١٨) سورة عبس : آية ٣٤ ـ ٣٧.

٤٦٩

الساعي ، ومنهم من يجوزه وهو يحضن الصراط بصدره ، ومنهم من تأخذه النار.وإذا وقف الخلائق بين يدي الله عز وجل تطايرت الصحف بالأيمان والشمائل (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ، وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً ، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَيَصْلى سَعِيراً)(٦١٩)

وسئل بعض العلماء : كيف يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره؟ قال : تدخل يده الشمال في صدره وتخرج من وراء ظهره ، فيدفع إليه كتابه بشماله من وراء ظهره ، فيدعو بالويل والثبور ويصلى سعيرا فيقال : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً). ثم يأتي النداء من قبل الله عز وجل : وعزتي وجلالي لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم ولا جور جائر ولأقتصن من الشاة القرناء إذا نطحت الشاة الجماء ، ولأسألن العود لم خدش العود؟ ولا يدخلن أحد من أهل الجنة الجنة ولا من أهل النار النار وفي قلبه مظلمة. فيقتص حينئذ للمظلومين من الظالمين ويؤخذ من حسنات الظالم فتوضع في صحيفة المظلوم ، فإذا استوعبت حسناته وبقي عليه مظالم بعد ، أخذ من سيئات المظلوم فتوضع في سيئات الظالم ، ثم يلقى في النار ، وكذلك أمثاله.

قال أبي بن كعب : يجيء الرب جل جلاله يوم القيامة في ملائكة السماء السابعة وتعالى عن الرحلة والمقام فيؤتى بالجنة مفتحة أبوابها وهي تزف بين الملائكة ، يراها كل بر وفاجر ، وقد احتفت بها ملائكة الرحمة ، فتوضع عن يمين العرش ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة سنة ، ويؤتى بالنار تقاد بسبعين ألف زمام ، كل زمام يقبض عليه سبعون ألف ملك ، مصفدة أبوابها ، عليها ملائكة سود غلاظ شداد ، معهم السلاسل الطوال وأطواق الأغلال والأنكال الثقال ، وسرابيل القطران

__________________

(٦١٩) سورة الانشقاق : آية ١.

٤٧٠

ومقطعات النيران ، لأعينهم لمعان كالبرق ، ولوجوههم لهيب كنار الحريق ، وقد شخصت أبصارهم نحو العرش ، ينتظرون أمر رب العزة ، فتوضع حيث شاء الله ، فإذا بدت النار للخلائق ودنت وبينها. وبينهم مسيرة خمسمائة عام زفرت زفرة فلا يبقى ملك مقرب ، ولا نبي مرسل إلا وجثا على ركبتيه وأخذته الرعدة وصار قلبه معلقا إلى حنجرته ، ويخرج ولا يرجع إلى مكانه ، وذلك قوله تعالى : (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ)(٦٢٠).

وقيل : توضع النار على يسار العرش ثم يؤتى بالميزان فيوضع بين يدي الجبار ، ثم تدعى الخلائق للعرض والحساب. قال كعب الأحبار : لو أن رجلا كان له مثل عمل سبعين نبيا لخشي في ذلك اليوم ألا ينجو من شر ذلك اليوم. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : وددت أن حسناتي فضلت سيئاتي بمثقال ذرة ثم أترك بين الجنة والنار ، ثم يقال لي : تمن ، فأقول : تمنيت أن أكون ترابا. وفي هذا القدر كفاية.

__________________

(٦٢٠) سورة غافر : آية ١٨.

٤٧١

ذكر أسماء يوم القيامة

هو يوم تعدد أساميه لكثرة معانيه : يوم القيامة. يوم الحسرة والندامة. يوم السابقة. يوم المناقشة. يوم المنافسة. يوم المحاسبة. يوم المسألة. يوم الزلزلة. يوم الندامة. يوم الدمدمة. يوم الآزفة. يوم الراجفة. يوم الرادفة. يوم الصاعقة. يوم الواقعة. يوم الداهية. يوم الحاقة. يوم الطامة. يوم الصاخة. يوم الغاشية. يوم القارعة. يوم النفخة. يوم الصيحة. يوم الرجفة. يوم الرجة. يوم الزجرة. يوم السكرة. يوم البقاء. يوم اللقاء. يوم البكاء. يوم القضاء. يوم الجزاء. يوم المآب. يوم المتاب. يوم الثواب. يوم الحساب. يوم العذاب. يوم العقاب. يوم المرصاد. يوم الميعاد. يوم التناد. يوم الانكدار. يوم الانفطار. يوم الانتشار. يوم الانفجار. يوم الافتقار. يوم الاعتبار. يوم الحشر. يوم النشر. يوم الجزع. يوم الفزع. يوم السباق.يوم التلاق. يوم الفراق. يوم الانشقاق. يوم الفلق. يوم الغرق. يوم العرق. يوم اليقين. يوم الدين (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ).

فكيف يا بن آدم المغرور ، إذا نفخ في الصور ، وبعثر ما في القبور ، وحصل ما في الصدور ، وكورت الشمس وخسف القمر ، وانتثرت النجوم ، وعطلت البحار ، وحشرت الوحوش ، وزوجت النفوس ، وسيرت الدبال ، وعظمت الأهوا ، وحشروا حفاة ووقفوا عراة ، ومدت لهم الأرض ، وجمعوا فيها للعرض ، من الهول حيارى ، ومن الشدة سكارى ، قد أظلهم الكرب ، وأجهدهم العطش ، واشتد بهم الحر ، وعم الخوف ، وجل العناء ، وكثر البكاء ، وفنيت الدموع ، ولازموا الخضوع ، ودهمهم القلق وعمهم العرق ، وطاشت العقول ؛ وشمل الذهول ؛ وتبلبلت الصدور ؛ وعظمت الأمور ؛ وتحيرت الألباب وتقطعت الأسباب ، ورأوا العذاب ، وركبهم الذل ، وخضعت رقاب الكل ، وزلزلت الأقدام ، وتبلدت الأفهام ، وطال القيام ، وانقطع الكلام ، ولا شمس تضيء ولاق مر يسري ولا كوكب دري ، ولا فلك

٤٧٢

يجري ، ولا أرض تقل ، ولا سماء تظل ، ولا ليل ولا نهار ، ولا بحار ولا قفار. يا له من يبر تفاقم أمره وتعاظم ضره وعظم خطره ، يوم تشخص فيه الأبصار بين يدي الملك الجبار (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(٦٢١) قد خشعت لهوله الأصوات ، وقل فيه الالتفات ، وبرزت الخفيات ، وظهرت الخطيات ، وأحاطت البليات ، وسيق العباد ومعهم الأشهاد ، وتقلصت الشفاه وتقطعت الأكباد ، وشاب الصغير ، وسكر الكبير ، ووضعت الموازين ، ونشرت الدواوين ، وتقطعت الجوارح ، وارتعدت الجوانح ، واتضحت الفضائح وأزلفت الجنان ، وسعرت النيران ، ويؤمر بعد الخطب الجسيم والهوا العظيم للمقعد المقيم ؛ إما بدار النعيم والرضوان ، وإما بدار الجحيم (٦٢٢) والنير.

__________________

(٦٢١) سورة غافر : آية ٥٢.

(٦٢٢) الجحيم : Abaddon : دار العذاب في الآخرة ، خلقها الله تعالى لتكون مثوى الكافرين يوم القيامة وهي مشتعلة أبدا ، وألوان العذاب فيها متعددة وكثيرة ، ومن الناس من يدخلها خالدا فيها أبدا لا يموت فيها ولا يحيا.

٤٧٣

وهذه قصيدة جامعة لغالب ما تقدم من أحوال يوم القيامة

واسمها قلادة (٦٢٣) الدر المنثور في ذكر البعث والنشور

الله أعظم مما جال في الفكر

وحكمه في البرايا حكم مقتدر

مولى عظيم حكيم واحد صمد

حيّ قديم مريد فاطر الفطر

يا ربّ يا سامع الأصوات صلّ على

رسولك المجتبى من أطهر البشر

محمد المصطفى الهادي البشير هدى

كلّ الخلائق بالآيات والسور

وآله والصحاب الكائنين به

كأنجم حول من يسمو على القمر

أشكو إليك أمورا أنت تعلمها

فتور عزمي وما فرّطت في عمري

وفرط ميلي إلى الدنيا وقد حسرت

عن ساعد الغدر في الآصال والبكر

يا ربّنا جد يتوفيق ومغفرة

وحسن عاقبة في الورد والصدر

قد أصبح الخلق في خوف وفي ذعر

وزور لهو وهم في أعظم الخطر

وللقيامة أشراط وقد ظهرت

بعض العلامات ، والباقي على الأثر

قلّ الوفاء فلا عهد ولا ذمم

واستحكم الجهل في البادين والحضر

باعوا لأديانهم بالبخس من سحت (٦٢٤)

وأظهروا الفسق بالعدوان والأشر

وجاهروا بالمعاصي وارتضوا بدعا

عمّت ، فصاحبها يمشي بلا حذر

وطالب الحق بين الناس مستتر

وصاحب الإفك فيهم غير مستتر

والوزن بالويل والأهواء معتبر

والوزن بالحقّ فيهم غير معتبر

وقد بدا النقص في الإسلام مشتهرا

وبدّلت صفوة الخيرات بالكدر

__________________

(٦٢٣) القلادة : ما جعل في العنق من حلي ونحوه والجمع قلائد (اللسان ٥ / ٣٧١٨).

(٦٢٤) السحت : كل مال لا يحل كسبه.

٤٧٤

وسوف يخرج دجّال الضلالة في

هرج وقحط كما قد جاء في الخبر

ويدّعي أنه ربّ العباد ، وهل

تخفى صفات كذوب ظاهر العور

فناره جنّة ، طوبى لداخلها

وزور جنّته نار من السعر

شهر وعشر ليال طول مدّته

لكنها عجب في الطول والقصر

فيبعث الله عيسى ناصرا حكما

عدلا ، ويعضده بالنصر والظفر

فيتبع الكاذب الباغي ويقتله

ويمحق الله أهل البغي والضرر

وقام عيسى يقيم الحقّ متبعا

شريعة المصطفى المختار من مضر

في أربعين من الأعوام مخصبة

فيكسب المال فيها كلّ مفتقر

وجيش ياجوج مع ماجوج قد خرجوا

والبغي عمّ بسيل غير منهمر

حتى إذا أنفذ الله القضاء دعا

عيسى فأفناهم المولى على قدر

وعاد للناس عيد الخير مكتملا

حتى يتمّ لعيسى آخر العمر

والشمس حين ترى في الغرب طالعة

طلوعها آية من أعظم الكبر

فعند ذلك لا إيمان يقبل من

أهل الجحود ولا عذر لمعتذر

ودابة في وجوه المؤمنين لها

وسم من النور والكفار بالقتر

والخلف : هل فتنة الدّجال قبلهما

أو بعد؟ قد ورد القولان في الخبر

وكم خراب وكم خسف وزلزلة

وفيح نار وآيات من النّذر

ونفخة تذهب الأرواح شدّتها

إلا الذين عنوا في سورة الزّمر

وأربعون من الأعوام قد حسبت

نفخا تبثّ به الأرواح في الصّور

قاموا حفاة عراة مثل ما خلقوا

من هول ما عاينوا سكرى بلا سكر

قوم مشاة وركبان على نجب

عليهم حلل أبهى من الزهر

٤٧٥

ويسحب الظالمون الكافرون على

وجوههم ، وتحيط النار بالشرر

والشمس قد أدنيت والناس في عرق

وفي زحام وفي كرب وفي حصر

والأرض قد بدّلت بيضاء ليس لها

خفض ولا ملجأ يبدو لمستتر

طال الوقوف فجاءوا آدما ورجوا

شفاعة من أبيهم أول البصر

فردّ ذاك إلى نوح فردّهم

إلى الخليل ، فأبدى وصف مفتقر

إلى الكليم ، إلى عيسى ، فردّهم

إلى الحبيب ، فلبّاها بلا حصر

فيسأل المصطفى فصل القضاء لهم

ليستريحوا من الأهوال والخطر

تطوى السموات والأملاك هابطة

حول العباد لهول معضل عسر

والشمس قد كوّرت والكتب قد نشرت

والأنجم انكدرت ناهيك من كدر

وقد تجلى إله العرش مقتدرا

سبحانه جلّ عن كيف وعن فكر

فيأخذ الحقّ للمظلوم منتصفا

من ظالم جار في العدوان والبطر

والوزن بالقسط والأعمال قد ظهرت

ووزنها عبرة تبدو لمعتبر

وكل من عبد الأوثان يتبعها

بإذن ربّي ، وصار الكلّ في

والمسلمون إلى الميزان قد قسموا

ثلاثة ، فاسمعوا تقسيم مختصر

فسابق رجحت ميزان طاعته

له الخلود بلا خوف ولا ذعر

ومذنب كثرت آثامه فله

شفع بأوزاره ، أو عفو مفتقر

وواحد قد تساوت حالتاه ، له ال

أعراف حبس وبين البشر والحصر

ويكرم الله مثواه بجنّته

بجود فضل عميم غير منحصر

وفي الطريق صراط مدّ فوق لظى

كحدّ سيف سطا في دقة الشعر

__________________

(٦٢٥) سقر : اسم علم على جهنم وجاءت في خمسة مواضع في القرآن (القاموس ، ج ٣ ، ص ٣٨٨).

٤٧٦

والناس في ورده شتّى ، فمستبق

كالبرق والطير ، أو كالخيل في النظر

ساع وماش ومخدوش ومعتلق

ناج ، وكم ساقط في النار منتثر

للمؤمنين ورود بعده صدر

والكافرون لهم ورد بلا صدر

فيشفع المصطفى والأنبياء ومن

يختاره الملك الرحمن في زمر

في كل عاص له نفس مقصّرة

وقلبه عن سوى الربّ العظيم بري

فأوّل الشّفعا حقا وآخرهم

محمد ذو البهاء الطيّب العطر

مقامه ذروة الكرسيّ ثم له

عقد اللواء (٦٢٦) بعزّ غير

والحوض يشرب منه المؤمنون غدا

كالأري يجري على الياقوت

ويخلق الله أقواما قد احترقوا

كانوا أولي العزة الشنعاء والنجر

والنار مثوى (٦٢٨) لأهل الكفر كلهم

طباقها سبعة مسودّة الحفر

جهنم ولظى والحطم بينهما

ثم السعير كما الأهوال في سقر

وتحت ذاك جحيم ثم هاوية

يهوى بها أبدا ، سحقا لمحتقر

في كل باب عقوبات مضاعفة

وكل واحدة تطوى على النفر

فيها غلاظ شداد من ملائكة

قلوبهم شدّة أقوى من الحجر

لهم مقامع للتعذيب مرصدة

وكل كسر لديهم غير منجبر

سوداء مظلمة شعثاء موحشة

دهماء محرقة لوّاحة البشر

فيها الجحيم مذيب للوجوه مع ال

أمعاء من شدة الإحراق والشرر

__________________

(٦٢٦) اللواء : العلم.

(٦٢٧) الدرر : الدرة اللؤلؤة العظيمة قال ابن دريد : هو ما اعظم من اللؤلؤ.

(٦٢٨) المثوى : منزل الإقامة.

٤٧٧

فيها الغساق الشديد البرد يقطعهم

إذا استغاثوا بحرّ ثمّ مستعر

فيها السلاسل والأغلال تجمعهم

مع الشياطين قسرا جمع منقهر

فيها العقارب والحيات قد جعلت

جلودهم كالبغال الدّهم والحمر

والجوع والعطش المضني ولا نفس

فيها ولا جلد فيها لمصطبر

لها إذا ما غلت فور يقلّبهم

ما بين مرتفع منها ومنحدر

جمع النواصي مع الأقدام صيّرهم

كالقوس محنيّة من شدة الوتر

لهم طعام من الزقوم (٦٢٩) يعلق في

حلوقهم شوكة كالصّاب والصبر

يا ويلهم عضّت النيران أعظمهم ،

والموت شهوتهم ، من شدة الضجر

ضجّوا وصاحوا زمانا ليس ينفعهم

دعاء داع ولا تسليم مصطبر

وكلّ يوم لهم في طول مدّتهم

نوع شديد من التعذيب والسعر

كم بين دار هوان لا انقضاء لها

ودار أمن وخلد دائم الدهر

دار الذين اتّقوا مولاهم وسعوا

قصدا لنيل رضاه سعي مؤتمر

وآمنوا واستقاموا مثل ما أمروا

واستغرقوا وقتهم في الصوم والسهر

وجاهدوا وانتهوا عما يباعدهم

عن بابه ، واستلانوا كل ذي وعر

جنّات عدن لهم ما يشتهون بها

في مقعد الصّدق بين الروض والزهر

بناؤها فضة قد زانها ذهب

وعينها المسك والحصبا من الدّرر

أوراقها ذهب ، منها الغصون دنت

بكل نوع من الرّيحان والثمر

أوراقها حلل ، شفافة خلقت

واللؤلؤ الرطب والمرجان في الشجر

__________________

(٦٢٩) الزقوم Zakkum : شجرة كريهة الطعم والرائحة ، كريهة المنظر ، جعلها الله محنة وبلاء لأهل النار وتنبت في قاع الجحيم.

٤٧٨

دار النعيم وجنّات الخلود لهم

دار السلام ، لهم مأمونة الغير

وجنة الخلد والمأوى ، وكم جمعت

جنات عدن لهم من مونق نضر

طباقها درجات عدّها مائة

كلّ اثنتين كبعد الأرض والقمر

أعلى منازلها الفردوس (٦٣٠) عاليها

عرش الإله فسل واطمع ولا تذر

أنهارها عسل ما فيه شائبة

وخالص اللبن الجاري بلا كدر

وأطيب الخمر والماء الذي سلمت

من الصّداع ونطق اللهو والسّكر

والكلّ تحت جبال المسك منبعها

يجرونه كيف شاؤوا غير محتجر

فيها نواهد أبكار مزيّنة

يبرزن من حلل في الحسن والخفر

نساؤها المؤمنات الصابرات على

حفظ العهود مع الإملاق والضّرر

كأنهنّ بدور في غصون نقا

على كثيب بدت في ظلمة السحر

كلّ امرئ منهم يعطى قوى مائة

في الأكل والشرب والإفضا بلا خور

طعامهم رشح مسك كلما عرقوا

عادت بطونهم في هضم منضمر

لا جوع لا برد لا همّ ولا نصب

بل عيشهم عن جميع النائبات عري

فيها الوصائف والغلمان تخدمهم

كلؤلؤ في كمال الحسن منتثر

فيها غناء الجواري الغانيات لهم

بأحسن الذكر للمولى مع السمر

لباسهم سندس (٦٣١) ، حلّاتهم ذهب

ولؤلؤ ونعيم غير منحصر

والذكر كالنفس الجاري بلا تعب

ونزّهوا عن كلام اللغو والهذر

__________________

(٦٣٠) الفردوس : هي دار النعيم في الآخرة ، أعدها الله تعالى للمؤمنين الموحدين من عباده.

(٦٣١) السندس : ضرب من رقيق الديباج والديباج : ضرب من الثياب سداه ولحمته حرير فارسى معرب وفى السندس نعومة ورقة وجمال وله بريق أخاذ.

٤٧٩

وأكلها دائم لا شيء منقطع

كرّر أحاديثها يا طيّب الخبر

فيها من الخير ما لم يجر في خلد

ولم يكن مدركا للسمع والبصر

فيها رضا الملك المولى بلا غضب

سبحانه ، ولهم نفع بلا غير

لهم من الله شيء لا نظير له :

سماع تسليمه ، والفوز بالنظر

بغير كيف ولا حدّ ولا مثل

حقا كما جاء في القرآن والخبر

وهي الزيادة والحسنى التي وردت

وأعظم المورد المذكور في الزّبر

لله قوم أطاعوه وما قصدوا

سواه إذ نظروا الأكوان بالعبر

وكابدوا الشوق والأنكاد ، قوّتهم

ولازموا الجدّ والأذكار في البكر

يا مالك الملك جد لي بالرضا كرما

فأنت لي محسن في سائر العمر

يا ربّ صلّ على الهادي البشير لنا

وآله وانتصر يا خير منتصر

ما هبّ نشر صبا واهتز نبت ربا

وفاح طيب شذا في نسمة السحر

أبياتها تسع عشر بعدها مائة

كلامها وعظه أبهى من الدّرر

تم بعون الله تعالى.

٤٨٠