خريدة العجائب وفريدة الغرائب

سراج الدين بن الوردي

خريدة العجائب وفريدة الغرائب

المؤلف:

سراج الدين بن الوردي


المحقق: أنور محمود زناتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-358-6
الصفحات: ٥٠٣

يافا إلى زعر عرضا ، وهي مدينة قوم لوط (١٦٤) ، والبحيرة التي بها يقال لها البحيرة المنتنة. ومنها إلى بيسان وطبرية يسمى الغور لأنها بقعة بين جبلين وسائر مياه الشام تنحدر إليها.

نابلس (١٦٥) : هي مدينة السامرية ؛ وبها البئر التي حفرها يعقوب عليه السلام ، وجلس عليه السلام يطلب من المرأة ماء للشرب. وعلى ذلك المكان كنيسة معهودة. عسقلان : هي مدينة حسنة ، ولها سوران ، وهي ذات بساتين وثمار وبها من الزيتون والكروم واللوز والرمان شيء كثير. وهي في غاية الخصب.

بيت المقدس : ويسمى إيلياء وهي حسنة ولها سوران عظيمان بين جبلين. وفي طرفها الغربي باب المحراب وعليه قبة داود عليه السلام. وفي طرفها الشرقي باب

__________________

قبولها بالتقسيم ، ووافق كل من الولايات الامريكية المتحدة والاتحاد السوفييتي على التقسيم على التوالي ، واعلنت الحكومة البريطانية في ٢٩ أكتوبر عن عزمها على مغادرة فلسطين في غضون ستة أشهر اذا لم يتم التوصل إلى حل يقبله العرب والصهيونيون وفي ١٣ مايو وجه حاييم وايزمان رسالة إلى الرئيس الامريكي ترومان يطلب فيها منه الايفاء بوعده الاعتراف بدولة يهودية ، واعلن عن قيام دولة إسرائيل في تل ابيب بتاريخ ١٤ مايو الساعة الرابعة بعد الظهر ، وغادر المنوب السامي البريطاني مقره الرسمي فى القدس متوجها إلى بريطانيا ، وفي أول دقائق من ١٥ مايو انتهى الانتداب البريطاني على فلسطين وأصبح الاعلان عن قيام دولة إسرائيل نافذ المفعول ، واعترفت الولايات الامريكية المتحدة بدولة إسرائيل بعد ذلك بعشرة دقائق ، ولكن القتال استمر ولكن هذه الآن اصبحت الحرب بين دولة إسرائيل والدول العربية المجاورة وحتى الان فلسطين محتلة وتنتظر من يحررها.

(١٦٤) هو لوط بن هاران بن تارح ، ابن أخي ابراهيم ، وقومه هم أهل سدوم ، وكانوا لا يعبدون الله ، ويأتون الخبائث (اتيان الذكور في أدبارهم) وطردوا لوط لأنه طاهر ومعه أهله ، وسار لوط الى أرض الشام بعد أن طهره الله من أهل الفجور (تاريخ الطبري (١ / ٢٤٤) ، المحبر (٤٦٧).

(١٦٥) نابلس : هي احدى أكبر المدن الفلسطينية سكانا واهما موقعا ، ـ أكبر المدن الفلسطينية مساحة ـ حيث يقدر عدد سكانها ب ٤٠٠ ٣١١ نسمة (٢٠٠٦) ، اما محافظة نابلس بالمدينة وقراها البالغ عددها ٥٦ قرية فيقدر عدد سكانها ب ٣٨٠ ٣٣٦ نسمة (٢٠٠٦).

١٠١

الرحمة ، وكان يقفل فلا يفتح من عيد الزيتون إلى عيد الزيتون. ومن الباب الغربي يسار إلى الكنيسة العظمى المسماة بكنيسة القيامة (١٦٦) وهي المعروفة بكنيسة قمامة ، وتحج إليها الروم من سائر الأقطار. ويقابلها من المشرق كنيسة الحبس الذي فيه المسيح عيسى عليه السلام. وبها مقابر الفرنج وشرقيه المسجد المعظم المسمى بالأقصى ، وليس في الدنيا كلها مسجد على قدره إلا جامع قرطبة من بلاد الأندلس.

وطول المسجد الأقصى مائتا باع في عرض مائة وثمانين. وفي وسطه قبة عظيمة تسمى قبة الصخرة (١٦٧). ويقال إن سقف جامع قرطبة أكبر من سقف الأقصى وصحن الأقصى أكبر من صحن جامع قرطبة. وبالقرب من باب الأسباط كنيسة حسنة كبيرة

__________________

(١٦٦) كنيسة القيامة : من أعرق كنائس بيت المقدس ، تقع على مقربة من قبة الصخرة المشرفة في البلدة القديمة في القدس ، حيث تم بنائها في عهد الإمبراطور قسطنطين بأمر من أمه الملكه هيلانة سنة ٣٢٥ ميلادية. تمتعت كنيسة القيامة ولا تزال بأهمية استثنائية وقد وصفها الرحالة المسلمون الذين زاروا بيت المقدس ومنهم ناصر خسروا الذي يقول : " للنصارى في بيت المقدس كنيسة لها عندهم مكانة عظيمة ويحج إليها كل سنة كثير من بلاد الروم

(١٦٧) تعتبر قبة الصخرة المشرفة إحدى أهم المعالم المعمارية الإسلامية في العالم : ذلك أنها إضافة إلى مكانتها وقدسيتها الدينية ، تمثل أقدم نموذج في العمارة الإسلامية من جهة. ولما تحمله من روعة فنية وجمالية تطوي بين زخارفها بصمات الحضارة الإسلامية على مر فتراتها المتتابعة من جهة أخرى ، حيث جلبت انتباه واهتمام الباحثين والزائرين وجميع الناس من كل بقاع الدنيا لما امتازت به من تناسق وانسجام بين عناصرها المعمارية والزخرفية حتى اعتبرت آية من في الهندسة المعمارية ، تتوسط قبة الصخرة المشرفة تقريبا ساحة الحرم الشريف ، حيث تقوم على فناء (صحن) يرتفع عن مستوى ساحة الحرم حوالي ٤ م ، ويتوصل إليها من خلال البوائك (القناطر) التي تحيط بها من جهاتها الأربع ، بنى هذه القبة المباركة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (٦٥ ـ ٨٦ ه‍ / ٦٨٤ ـ ٧٠٥ م) ، حيث بدأ العمل في بنائها سنة ٦٦ ه‍ / ٦٨٥ م ، وتم الفراغ منها سنة ٧٢ ه‍ / ٦٩١ م. وقد اشرف على بنائها المهندسان العربيان رجاء بن حيوة وهو من بيسان فلسطين ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان وهو من القدس (مجير الدين (١٩٧٣) ، ج ١ ، ٢٧٢ ـ ٢٧٣).

١٠٢

وفيها قبر مريم (١٦٨) أم عيسى عليهما السلام وتعرف بالجسمانية. وهناك جبل يقال له جبل الزيتون ، وبهذا الجبل قبر العاذر الذي أحياه الله للمسيح عليه السلام. وعلى الميامن من جبل الزيتون قرية منها جلب حمار المسيح. وقريب من قبر عاذر مدينة أريحاء وعلى الأردن كنيسة عظيمة على اسم يوحنا المعمدان. والأردن نهر يخرج من بحيرة طبرية ويحط في بحيرة سدوم وعامورا (١٦٩) مدائن لوط. وبجنوب بيت المقدس كنيسة صهيون وهي التي فيها قلاية يقال إن المسيح أكل فيها مع حوارييه من المائدة لما أنزلت عليه ؛ ويقال إن المائدة باقية فيها. وهي كنيسة حصينة وفيها على طرف الخندق كنيسة بطروس ، وبهذا الخندق عين سلوان وهي التي أبرأ فيها المسيح الضرير الأعمى ، ويقرب منها الحقل وهو مقابر الغرباء ، وبها بيوت كثيرة منقورة في الصخر ، وفيها رجال مقيمون قد حبسوا أنفسهم لله تعالى فيها.

وأما بيت لحم : فهي كنيسة حسنة البناء متقنة الصنعة ، وهو الموضع الذي ولد فيه عيسى (١٧٠) عليه السلام ، وبينه وبين بيت المقدس ستة أميال ، وفي وسط الطريق

__________________

(١٦٨) هي مريم بنت عمران بن ماثان أم السيد المسيح عليه السلام ، ولدته دون أن يمسسها بشر ، وأمها حنة بنت فاقوذ (تاريخ الطبري (٢ / ٥٨٦) ، والمحبر (١ / ٥٥) روي أنّ حنّة زوجة عمران كانت عاقرا لم تلد ، إلى أن عجزت ، فبينما هي في ظلّ شجرة أبصرت بطائر يطعم فرخا له ، فتحرّكت عاطفتها للولد وتمنّته فقالت : يا ربّ إنّ لك عليّ نذرا ، شكرا لك ، إن رزقتني ولدا أن أتصدّق به على بيت المقدس فيكون من سدنته وخدمه. وقد استجاب لها الله سبحانه ، فحملت ، وأثناء حملها توفي زوجها عمران ، كانت حياة السيدة مريم (ع) عبارة عن سلسلة من الامتحانات والبلاءات والمعاجز والصبر على ما كتب الله تعالى ،.

(١٦٩) مدينتا سدوم وعامورة : أشهر مدينتين من المدن المطلة على البحر الميت التي ورد ذكرها في العهد القديم في سفر التكوين ، وقيل عنهما أنهما معقل الفاسدين والآثمين. وقد غضب الله على هاتين المدينتين فتعرضتا للدمار والخراب ، وتحولتا إلى قفر بعد أن كانتا تتسمان بخصوبة أرضهما. وهما مدائن سيدنا لوط.

(١٧٠) ورد اسم عيسى عليه السلام في القرآن خمسا وعشرين مرة وهو عيسى ابن مريم بنت عمران وهو آخر أنبياء بني اسرائيل كما أنه رسول الله وكلمته عيسى بشر ككل البشر وأن الله خلقه كما خلق آدم بدون أب ، وأن أمه مريم صديقة اختارها الله لمعجزته بولادة عيسى من غير ذكر. وقد اختاره المولى ليكون نبي

١٠٣

قبر راحيل (١٧١) أم يوسف الصديق (١٧٢) عليه السلام. ويقرب من ذلك مسجد الخليل عليه السلام ، وهو قرية ممتدة بها قبر الخليل إبراهيم وإسحق ويعقوب عليهم السلام. وكل صاحب قبر من قبورهم تجاهه امرأته ، وهو في وهدة بين جبلين ، ملتفة الأشجار كثيرة الثمار.

طبرية (١٧٣) : هي مدينة جليلة على جبل مطل ، وأسفلها بحيرة عذبة ، وبها مراكب سابحة ولها سور حصين ويعمل بها من الحصر السامان كل حسن بديع وبها

__________________

قومه وأيده بالمعجزات من إحياء الموتى بإذن الله وغيرها أوحي إليه الإنجيل ، ورفعه الله اليه ، وسوف يعود ليملأ الأرض عدلا ورحمة [راجع : الموسوعة الثقافية ، مؤسسة دار الشعب ، ١٩٧٢ م / ١٣٩٢ ه‍ ،]

(١٧١) راحيل الزوجة الثانية ليعقوب ووالدة النبي يوسف ، ذكر إسمها في العهد القديم من الكتاب المقدس ، راحيل بالعبرية تعني نوع من النعجة (حسب السياق الذي تظهر هذه الكلمة فيه في أماكن أخرى من سفر التكوين وفي سفر نشيد الأنشاد).

(١٧٢) هو يوسف بن يعقوب من زوجته راحيل ، ولد في" فدان آرام" بالعراق حينما كان أبوه عند خاله (لابان) ، ولما عاد أبوه إلى الشام ـ مهجر الأسرة الإبراهيمية ـ كان معه حدثا صغيرا. قالوا : وكان عمر يعقوب لما ولد له يوسف (٩١) سنة ، وإن مولد يوسف كان لمضي (٢٥١) سنة من مولد إبراهيم ، توفيت أمه وهو صغير ، فكفلته عمته وتعلقت نفسها به ، فلما اشتد قليلا أراد أبوه أن يأخذه منها ، فضنّت به وألبسته منطقة لإبراهيم كانت عندها وجعلتها تحت ثيابه ، ثم أظهرت أنها سرقت منها ، وبحثت عنها حتى أخرجتها من تحت ثياب يوسف ، وطلبت بقاءه عندها يخدمها مدة جزاء له بما صنع ، وبهذه الحيلة استبقته عندها ، وكف أبوه عن مطالبتها به ، كان يوسف أثيرا عند أبيه من بين إخوته ، وقد رأى يوسف ـ وهو غلام صغير ـ رؤيا قصها على أبيه ، فقال له أبوه : (لا تقصص رؤياك على إخوتك) [يوسف : ٥] ، وذلك خشية عليه من حسدهم. وخلاصة الرؤيا : أنه رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر يسجدون له ، فعرف يعقوب أنها تتضمن مجدا ليوسف يجعل إخوته وأبويه يخضعون لسلطانه (للمزيد أقرأ سورة يوسف).

(١٧٣) تقع مدينة طبرية في الجزء الشمالي الشرقي لفلسطين وهي قائمة على شاطئ بحيرة طبرية الغربي ، شكل موقع طبرية منذ إنشائها مركزا تجاريا وعسكريا مهما ، فهي تقع على الطريق التجاري الذي يبدأ من

١٠٤

حمامات حامية من غير نار وبها حمام يعرف بحمام الدماقر كبير وأول ما يخرج ماؤه يسمط الحدأة والدجاج ويسلق البيض ، وهو مالح ، وبها اللؤلؤ ، وهو أصغر حماماتها وليس فيها حمام يوقد فيه نار إلا الصغير. وفي جنوبها حمام كبير مثل عين يصب إليها مياه حارة من عيون كثيرة ، وإنما يقصده أهل البلاد ويقيمون به ثلاثة أيام فيبرؤون.

وأما حمص (١٧٤) : فهي مدينة حسنة في مستوى من الأرض حصينة ، مقصودة من سائر النواحي ، وأهلها في خصب ورغد عيش ، وفي نسائها جمال فائق. وكانت في قديم الزمان من أكبر البلاد. ويقال إنها مطلسمة لا يدخلها حية ولا عقرب ، ومتى وصلت إلى باب المدينة هلكت. ويحمل من تراب حمص إلى سائر البلاد فيوضع على لسعة العقرب فتبرأ. وبها القبة العالية التي في وسطها صنم من نحاس على صورة انسان راكب على فرس تدور مع الريح كيفما دارت. وفي حائط القبة حجر فيه صورة عقرب ، يأتي إليه الملدوغ والملسوع ومعه طين فيطبعه على تلك الصورة ويضعه على اللدغة أو اللسعة فتبرأ لوقتها. وجميع شوارعها وأزقتها مفروشة بالحجر الصلد ؛ وبها جامع كبير. وأهلها موصوفون بالرقاعة وخفة

__________________

دمشق إلى طبرية واللجون وقلنسوة واللد وأسدود وغزة ورفح وسيناء فمصر ، وكانت العملة الطبرانية هي العملة المتداولة عند عرب الجاهلية ، واستمرت حتى جاء خالد بن الوليد وأمر بضرب النقود الإسلامية وكذلك وجود الحمامات في العهد الروماني زاد من أهمية موقع طبرية.

(١٧٤) حمص : مدينة تقع في وسط سوريا ، ويمر فيها نهر العاصي ، وهي مدينة قديمة يعود تاريخها الى عام ٢٣٠٠ قبل الميلاد وكانت تسمى في عهد الرومان باسم اميسا. كانت مستعمرة رومانية مهمة. وتقع حمص في القسم الأوسط الغربي من سورية ، على طرفي وادي العاصي الأوسط والذي يقسمها إلى قسمين ، القسم الشرقي وهو منبسط والأرض تمتد حتى قناة ري حمص. والقسم الغربي وهو الأكثر حداثة يقع في منطقة الوعر البازلتية. ، تبعد حمص عن دمشق / ١٦٢ كم / وإلى الجنوب من حلب على مسافة / ١٩٢ كم / وإلى الشرق منها تبعد تدمر / ١٥٠ كم / وإلى الغرب منها طرابلس لبنان على مسافة / ٩٠ كم /. لعل أقدم موقع سكني في مدينة حمص هو تل حمص أو قلعة أسامة ، وفيها كثير من المقامات مثل مقام أبو الهول ، مقام أبو موسى الأشعري والصحابي عمرو بن عنبسة والصحابي العرباط بن سارية في الحولة وغيرها.

١٠٥

العقل. وأما بعلبك (١٧٥) : فهي مدينة حسنة حصينة على رأس جبل مسفح ، والماء يشقها ويدخل كثيرا في دورها. وعلى نهرها أرحية كثيرة وبها أنواع الفاكهة ووجوه الخصب والرخاء ، وفيها قلعة من ثلاثة أحجار ، وهي أعجوبة الزمان.

وأما حلب (١٧٦) : فهي المدينة الشهباء. كانت في قديم الزمان من أوسع البلاد قطرا. قيل أوحى الله عز وجل إلى خليله إبراهيم عليه السلام أن يهاجر بأهله إلى الشونة البيضاء فلم يعرفها ، فسأل الله تعالى في ارشاده إليها ، فجاءه جبريل (١٧٧) عليه

__________________

(١٧٥) بعلبك : مدينة لبنانية تقع في قلب سهل البقاع الذي اشتهر بغناه ووفرة محاصيله الزراعية لامتداد أراضيه ، وتحيط بها من الشرق والغرب سلسلتا جبال لبنان الشرقية والغربية. وهي مركز قضاء بعلبك بمحافظة البقاع ، تعلو بعلبك عن سطح البحر ١١٥٠ م. وتبعد عن العاصمة بيروت حوالي ٩٠ كلم.تشتهر بعلبك بالزراعة وخصوصا زراعة الخضار والفواكه والحبوب وأشجار المشمش التي تملأ أرجاءها كما أنها تشتهر بالتجارة ، تعود بعلبك إلى زمن الفينيقيين. وعرفت في العهد السلوقي باسم هليوبوليس أو مدينة الشمس. احتلها الرومان في القرن الأول الميلادي وكانت عبارة عن مركز عبادة جوبيتير. وقد شيّد الرومان فيها هياكل شتى. وكانت تقام فيها المهرجانات الدولية التي غابت طيلة أعوام الحرب ، وأشهر ما في بعلبك قلعتها الأثرية التاريخية ، والتي تعتبر مجدا حضاريا لن تعطيه حقه حتى لو بلغت الذروة في الوصف. أشهر آثارها الهياكل الرومانية ومعبد باخوس خاصة. وهي مقصد سياحي مهم يفده الزائرون من كافة أنحاء العالم ، حسبها أنها بنيت على أساطين الرخام التي لم يكن لها نظير.

(١٧٦) تعتبر حلب من اقدم مدن العالم المأهولة بالسكان ، وقد عاصرت مدن نينوى وبابل وروما القديمة. تمثل محافظة حلب ١٠% من مساحة سورية أي ما يقارب ١٨٥٠٠ كم مربع ويبلغ تعداد السكان حسب اخر الاحصائيات أربعة ملايين نسمة تقريبا. ويشكل سكان محافظة حلب المسجلين فيها رسميا / ٩. ٢٢% / من مجموع سكان سورية وهي أكبر محافظة في سوريا من حيث عدد السكان وأصبحت الآن حتى أكبر من العاصمة دمشق. ومن ألقابها الشهباء.

(١٧٧) جبريل أو جبرائيل : أشهر الملائكة المطهرين ، وأحد الملائكة الأربعة الكبار المقربين الى الله ، وهو موكل بابلاغ أوامر الله الى الأنبياء ، وورد ذكره في القرآن ثلاث مرات ، كما ورد رمزا كالروح القدس والروح الأمين الخ ، ويعنى جبريل في العبرية" رجل الله" ورأي آخر يقول" جبار الله" (رءوف أبو سعدة : من إعجاز القرآن ج ١ ، دار الهلال ، ص ١٧٦).

١٠٦

السلام حتى أنزله بالتل الأبيض الذي عليه الآن قلعة حلب المحروسة ، حماها الله من الغير والآفات ، فاستوطنها وطابت له مدة ، ثم أمر بالمهاجرة إلى الأرض المقدسة فخرج منها ، فلما بعد عنها ميلا صلى هناك. والآن يعرف المكان بمقام الخليل قبلي حلب ؛ فلما أراد الرحيل التفت إلى مكان استيطانه كالحزين الباكي لفراقها ؛ ثم رفع يديه وقال : اللهم طيب ثراها وهواءها وماءها وحببها لأبنائها. فاستجاب الله دعاءه فيها وصار كل من أقام في بقعة حلب ولو مدة يسيرة أحبها ، وإذا فارقها يعز ذلك عليه ، وربما إذا فارقها التفت إليها وبكى. وهذا نقله الصاحب كمال الدين بن العديم (١٧٨) في تاريخه المسمى بتاريخ حلب (١٧٩).

__________________

(١٧٨) ابن العديم : كمال الدين أبو القاسم عمر بن احمد بن هيبة الله بن أبي جرادة العقيلي المعروف بابن العديم (ت ٦٦٠ ه‍ / ١١٩٢ م) مؤرخ وفقيه سوري. نشأ في حلب من اصل بصري ، وكان أفراد قبيلته قد تركوا البصرة إثر وباء في القرن التاسع الميلادي واستقروا في حلب واشتغلوا فيها بالتجارة. وقد درس كمال الدين في حلب ودمشق والقدس ، وطاف ببعض مدن العراق وشبه الجزيرة العربية ، ثم عاد إلى حلب وخدم فيها الأميرين العزيز والناصر الأيوبيين ، وذهب في سفارة لهما إلى القاهرة. ولما استولى التتار على حلب ، استقر ابن العديم في القاهرة وتوفي بها. ويشتهر ابن العديم بمؤلفه (بغية الطلب في تاريخ حلب) الذي يقع في ٤٠ جزءا و ١٠ مجلدات ، والمرتب على حروف المعجم. وقد اختصر ابن العديم كتابه في (زبدة الطلب في تاريخ حلب) ، الذي أكمل بعد وفاته.

(١٧٩) أهم أعمال ابن العديم : (بغية الطلب في تاريخ حلب) الذي يقع في ٤٠ جزءا و ١٠ مجلدات ، والمرتب على حروف المعجم. وقد اختصر ابن العديم كتابه في (زبدة الطلب في تاريخ حلب) ومن يقرأ" بغية الطلب" يدرك عظمة ابن العديم ، فيرى فيه أعظم مؤرخ أنجبته بلاد الشام بلا منازع ، وبلا شك علما بارزا للغاية بين أعلام فن التأريخ الإسلامي أما زبدة الحلب ، من تاريخ حلب فمرتب على السنين والكتاب جزءان : يتناول الأول الحوادث من سنة ١ ـ ٤٥٧ ه‍ ، ويتناول الثاني الحوادث من ٤٥٧ ـ ٥٦٩ ه‍. وقد بسط ـ في هذا الجزء ـ " حال حلب بل سوريا الشمالية ، في عهد المرادسيين والعقيليين ، وتحدث عن ملكشاه ، ورضوان بن تتش ، وألب أرسلان ، وايلغازى ابن ارتق ، وعماد الدين الزنكى ، ونور الدين محمود .... والكتاب ـ على إيجازه ـ ثمين لأنه سجل كل ما وقع ... فقد جعله لسورية الشمالية ،

١٠٧

ولهذه المدينة أعني حلب نهر يأتيها من الشمال يقال له قويق فيخترق أرضها ؛ وبها قناة مباركة تخترق شوارعها ودورها وحماماتها وسبلانها ، وماؤها عذب فرات.ولها قلعة حصينة راسخة يقال إن في أساسها ثمانية آلاف عمود ، وهي ظاهرة الرؤوس بسفحها. ولها قرية تسمى براق يقال إن بها معبدا يقصده أرباب الأمراض وينامون به ؛ فإما أن يبصر المريض في نومه من يمسح بيده عليه فيبرأ ، وإما أن يقال له استعمل كذا وكذا ، فإذا أصبح واستعمله فإنه يبرأ. وأما حماة (١٨٠) : فهي مدينة قديمة على عهد سليمان بن داود عليهما السلام ، واسمها باليونانية حاموثا ؛ ولما فتحها أبو عبيدة رضي الله عنه جعل كنيستها جامعا وهو جامع السوق الأعلى ، وجدد في خلافة المهدي ، وكان فيه لوح من الرخام مكتوب فيه أنه جدد من خارج حمص ، وكانت حماة وشيزر من أعمال حلب ، وكانت حمص في القديم كرسي هذه البلاد.

__________________

وخصه بذكر قراها وجبالها ، وأنهارها ، ومدنها ، فأصبح مرجعا هاما لهذه المنطقة ، لا نعرف له مثيلا بين تواريخنا"

(١٨٠) مدينة حماة مدينة قديمة يرجع تاريخها إلى ما قبل الميلاد. فقد تغلب الحيثيون على سكان سوريا الأصليين من الآراميين ورسخت أقدامهم في البلاد ، وفي عام ١٧٠٠ قبل الميلاد استطاع تحتمس الثالث ملك مصر أن يخضع سوريا لملكه فدانت له سوريا ومعها حماة وأخذ منهم جزية عظيمة وتكررت غزوات المصريين لسوريا ونشبت حرب عظيمة بين المصريين والحيثيين استمرت لمدة ١٥ سنة قتل في أثنائها ملك الحيثيين وخلفه أخوه كيتا مار فعقد مع المصريين صلحا وتزوج رعمسيس ملك المصريين بنت كيتا مار تأكيدا للمودة ، وفي حوالي عام ٦٤ م استولى الرومان على حماة فيما استولوا عليه من بلاد سورية وامتدت مدة ملكهم ، وقد كان الفتح الإسلامي لحماة بعد أن استطاع الصحابي الجليل أبو عبيدة عامر بن الجراح ـ رضي الله عنه ـ فتح حمص فجعل عليها الصحابي الجليل عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ ثم فتح الرستن ثم جاء إلى حماة فتلقاه أهلها مذعنين عام ١٨ ه‍ فصالحهم على الجزية في رؤوسهم والخراج على أرضهم وأقام في حماة مدة واتخذ كنيستها العظمى جامعا ثم رحل إلى شيراز فصالحه أهلها على ما صالحه عليه أهل حماة ومن ذلك الحين دخلت حماة في الدولة الإسلامية هي وتوابعها.

١٠٨

وأما بلاد الأرمن (١٨١) : فإقليمها عظيم واسع ممتنع القلاع والحصون ، كثير الخصب والخير والفواكه الحسنة اللون والطعم ، يقال إن بإقليمها ثلثمائة وستين قلعة ، منها ست وعشرون قلعة لا تكاد أن ترام لشدة امتناعها ، لا يصل أحد إلى واحدة منها لا بقوة ولا بحيلة البتة. ومن مدنها المشهورة أرمينية (١٨٢) وهي أرمينيتان : الداخلة والخارجة ، وهي مدينة عظيمة بها بحيرة تعرف ببحيرة كندوان ، بها تراب تتخذ منه البوادق التي يسبك فيها.

وخلاط (١٨٣) : وهي مدينة حسنة. وكانت في القديم قاعدة بلاد الأرمن فلما تغلبت الأرمن على الثغور انتقلوا إلى سيس. وبها يعمل من التكك البديعة الحسنة

__________________

(١٨١) الأرمن : شعب ينتمي إلى العرق الآري (الهند أوروبي) ، ويعود وجودهم في أرض أرمينيا التاريخية ـ الهضبة الأرمنية (أرض أرمينيا العظمى والصغرى) الممتدة في الأجزاء الوسطى والشرقية من آسيا الصغرى (تقع حاليا في تركيا) يعود إلى الألف الثالث ق. م ، حسب الدراسات اللغوية والآثارية الحديثة والتقليد المتوارث القديم. وتمتد أرمينيا التاريخية إلى الشرق من المنابع العليا لنهر الفرات وحتى بحر قزوين وإيران ، وتحدها من الجنوب سلسلة جبال طوروس الأرمنية على حدود العراق الشمالية ، في حين تمتد أرمينيا الصغرى إلى الغرب من منابع نهر الفرات. وتبلغ مساحة أرمينيا العظمى وأرمينيا الصغرى معا ، حسب بعض f لمؤرخين ، نحو ٣٥٨ ألف كيلومتر مربع ، وهي تعادل نحو اثني عشر ضعف مساحة جمهورية أرمينيا الحالية.

(١٨٢) أرمينية : اقليم جبلي يقع جنوب القوقاز وكانت تكون دولة منذ القرن الأول قبل الميلاد تحت حكم الملك تجران الأول ، وبلغت أوج عظمتها في عهد تجران الثاني ثم أردشاك الأول (القاموس الإسلامي ، ج ١ ، ص ٧٤) ..

(١٨٣) خلاط : يذكر القزويني عنها" مدينة كبيرة مشهورة قصبة بلاد أرمينية ذات خيرات واسعة وثمرات يانعة بها المياه الغزيرة والأشجار الكثيرة وأهلها مسلمون ونصارى ، وكلام أهلها العجمية والأرمنية والتركية.

١٠٩

الغالية الثمن كل غريب. وبقرب خلاط حفائر يستخرج منها الزرنيخ (١٨٤) الأحمر والأصفر.

مليطية : مدينة عظيمة كثيرة الخير والأرزاق ، ليس في بلاد تلك المملكة أحسن منها. وأهلها ذوو ثروة ورفاهية عيش. ذكر أنه كان بها اثنا عشر ألف نول تعمل الصوف ، ولكن قد تلاشى أمرها.

ميافارقين (١٨٥) : مدينة عظيمة ، وهي من حدود الجزيرة وحدود أرمينية.

__________________

(١٨٤) الزرنيخ : عنصرا يوجد في الطبيعة في صور متعددة ، وقد عرف كيميائيو العرب الزرنيخ ومواطنه ، كما ميزوا بين مركباته واستخداماته في الطب والصناعة (القاموس ، ج ٣ ، ص ٥٩).

(١٨٥) ميافارقين : مدينة تقع الآن في شرق تركيا إلى الغرب من بحيرة" وان" بنيت في عهد قسطنطين أول ملوك بيزنطا (القرن الرابع الميلادي) ، وكانت محل صراع بين الفرس الساسانيين والروم البيزنطيين ، وقد غزاها الملك الفارسي قباذ بن فيروز ، وسبى أهلها ، ونقلهم إلى بلاده ، وبنى لهم مدينة بين فارس والأهواز وقد فتح العرب المسلمون ميّافارقين سنة (١٨ ه‍) ، وذكر ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان ، ٥ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦) أن فارقين فتحت من قبل عياض بن غنم. وذكر رواية أخرى تفيد أن" خالد بن الوليد والأشتر النّخعي سارا إلى ميّافارقين في جيش كثيف ، فنازلاها ، فيقال إنها فتحت عنوة ، وقيل صلحا على خمسين ألف دينار ، على كل محتلم [بالغ] أربعة دنانير ، وقيل دينارين ، وقفيز حنطة ، ومدّ زيت ، ومدّخلّ ، ومدّ عسل ، وأن يضاف كل من اجتاز بها من المسلمين ثلاثة أيام ، وجعل للمسلمين بها محلة ، وقرر أخذ العشر من أموالهم ، وكان ذلك بعد أخذ آمد". والقفيز مكيال كان تكال به الحبوب قديما. والّمد مكيال قديم أيضا ، كان يساوي ما وزنه ثمانية عشر كيلو غرام. وهذا دليل على أن ميّافارقين كانت أرض الحنطة والزيت والعنب والعسل ؛ وأية خيرات أعظم من هذه! وكانت ميافارقين عاصمة لدولة كردية هي الدولة المروانية (الدّوستكية) بين سنتي (٣٥٠ ـ ٤٧٨ ه‍ / ٩٨٢ ـ ١٠٨٦ م) ، وكانت قبل المروانيين تابعة للدولة الحمدانية ، وصفها ياقوت في (معجم البلدان ، ٥ / ٢٧٥) بقوله : " أشهر مدينة بديار بكر". وكانت كثيرة الخيرات ، حتى إن أحد الشعراء قارن بينها وبين منطقة اليمامة فقال :

فإن يك في كيل اليمامة عسرة فما كيل ميّافارقين بأعسرا.

١١٠

نصيبين (١٨٦) : مدينة حسنة في مستوى من الأرض ، وماؤها يشق دورها وقصورها. وإليها ينسب الورد النصيبي ، وبها عقارب قتالة. وبأرض الأرمن النهران الكبيران المشهوران ، وهما نهر الرأس ونهر الكرج المعروف بالكر ، ومسيرهما من المغرب إلى المشرق ، وعليهما مدن كثيرة وقرى متصلة من الجانبين. وبأرض الأرمن بركة فيها سمك كثير وطير عظيم ، وماؤها غزير عميق ، ويقيم بها الماء سبع سنين متوالية ، وينشف منها سبع سنين أيضا ثم يعود الماء. وهذا دأبه أبدا ، وبها جبل يسمى غرغور ، وفيه كهف وفي الكهف بئر بعيدة القعر إذا رمي فيها حجر يسمع لها دوي كدوي الرعد ثم يسكن ولا يعلم ما هو. وفي هذا الجبل معدن الحديد المسموم ، متى جرح به حيوان مات في الحال.

__________________

(١٨٦) نصيبين : كانت هذه المدينة تشكل مفصلا" بين الامبراطوريات ، بل بين حضارات مختلفة ، فتاريخ نصيبين حافل بالأحداث ، يحمل غير دلالة وعبرة ، ان من ناحية صراع الأمراء والدويلات للسيطرة على المنطقة او من ناحية أهمية الموقع الاقتصادي والعسكري الذي أغرى به الأمراء والأمم. وقد كانت قبل الفتح الاسلامي وبعده منارة علم يهتدي بنورها رواد الثقافة ، بما عرف عن مدرستها الشهيرة وما أخرجته من طلاب وعلماء وأساتذة أما بالنسبة للموقع الجغرافي بنصيبين ، فقد ذكر للمرة الأولى على لوحة مسمارية محفوظة في متحف لندن ، في سياق الحديث عن حروب دارت سنة ٦١٢ ق. م. بين الأشوريين من جهة والماديين من جهة ثانية ، كما يبدو أن هناك أكثر من موقع يسمى نصيبين (قرية من قرى حلب) ، (تل نصيبين) أيضا" من نواحي حلب ، نصيبين على شاطىء الفرات شمال حران تعرف بنصيبين الروم ، وهي اليوم داخلة في الأراضي التركية وقريبة من مدينة القامشلي السورية وهذا يدل على أن نصيبين مدينة موغلة في القدم ، وذلك بسبب الآثار الموجودة فيها (أنظر : القلقشندي : صبح الأعشى في صناعة الانشاء ، الجزء الرابع ص : ٣٢١ ، اليعقوبي : تاريخ اليعقوبي ، الجزء الول ص : ٨٥ ، الاصطخري. المسالك والممالك. ص : ٥١ ـ ٥٢).

١١١

أرض الجزيرة (١٨٧) : وهي جزيرة ابن عمر ، وتشتمل على ديار ربيعة ومضر ، وتسمى ديار بكر ، وهي ما بين دجلة والفرات وكلها تسمى بالجزيرة ، وبها مدن وقرى عامرة. وأكثر أهلها نصارى وخوارج. ومن مدنها المشهورة الموصل وهي قاعدة بلاد الجزيرة ، وهي مدينة كبيرة صحية الهواء طيبة الثرى ، ولها نهر حسن عميق في عمق ستين ذراعا. وبساتينها قليلة إلا أن لها ضياعا ومزارع ورساتيق ممتدة ، وكورها كثيرة وهي المدينة التي بعث إليها يونس عليه السلام وهي غربي دجلة.

الرها (١٨٨) : مدينة عظيمة قديمة واسعة الأقطار ، وكانت عامرة الدير ، وتتصل بأرض حران. والغالب على أهلها دين النصرانية ، وبها من الكنائس ما يزيد على مائتي كنيسة ودير ، ولم يكن للنصارى أعظم منها. وكان بكنيستها العظمى منديل المسيح الذي مسح به وجهه فأثرت فيه صورته فأرسل ملك الروم إلى الخليفة رسولا وطلبه منه وبذل فيه أسارى كثيرة فأخذه وأطلق الأسارى.

__________________

(١٨٧) جزيرة ابن عمر بلدة فوق الموصل بينهما ثلاثة أيام ولها رستاق مخضب واسع الخيرات ، وأحسب أن أول من عمرها الحسن بن عمر بن الخطاب التغلبي ، وهذه الجزيرة تحيط بها دجلة إلا من ناحية واحدة شبه الهلال ثم عمل هناك خندق أجرى فيه الماء فأحاط بها الماء من جميع جوانبها ، ويقال في النسبة إليها : جزري (معجم البلدان).

(١٨٨) الرها : مدينة بين الموصل والشام : وكانت" الرها" أولى الإمارات الصليبية التي تأسست في الشرق إبان الحملة الصليبية الأولى وواحدة من أهم الإمارات الصليبية في المشرق ، وذلك لقوة تحصينها ، وقربها من" العراق" التي تمثل مركز الخلافة الإسلامية ، ونظرا لما تسببه من تهديدات وأخطار للمناطق الإسلامية المجاورة لها وكانت أول الامارات التي استولى عليها الصليبيون وأول الامارات التي استردها عماد الدين زنكي منهم ٥٣٩ ه‍ / ١١٤٤ م.

١١٢

مدينة الخضر : وهي الآن خراب. وكانت مدينة عظيمة في قديم الزمان وكان اسم صاحبها الساطرون ، فحاصرها سابور (١٨٩) بن أردشير بن بابك أربع سنين فلم يقدر عليها ، وكانت مركبة على قناطر يدخل الماء من تحتها ، وكان لساطرون ابنة جميلة في غاية الجمال بحيث إذا نظرها أحد حصل في عقله خبل وخلل ، وكان اسمها نضيرة. وكانت عادة الروم إذا حاضت المرأة عندهم أنزلوها إلى ربض المدينة ، فحاضت ابنة الساطرون فأنزلوها إلى الربض وسابور المذكور محاصر المدينة وهو راكب في جيشه دائر من خارج المدينة فرأت نضيرة بنة الساطرون سابور وهو في غاية الحسن فأحبته لأول نظرة ، فأرسلت إليه تقول : إن أنا أخذت لك المدينة وأرحتك من العناء أتتزوج بي؟ فقال سابور : نعم ، قالت : فخذ حمامة زرقاء فاخضب رجليها بحيض جارية زرقاء بكر وأطلقها ، فإنها تطير وتحط على السور فيسقط في الحال وتأخذ المدينة. ففعل سابور ذلك الأمر كما قالت نضيرة. فدخل المدينة وأخذها وهدم ما بقي من سورها وقتل الساطرون وسبى وغنم وتزوج نضيرة ، فنامت عنده ليلة وهي تميل طول الليل إلى الصباح ، فنظر سابور فإذا في الفراش ورقة آس فقال لها : كل هذا التميل من هذه الورقة؟ قالت نعم. قال : فما كان أبوك يطعمك؟ قالت كان يطعمني مخ العظم وشهد أبكار النحل والزبد ويسقيني الخمر المصفى أربعين مرة فقال : أهذا كان جزاؤه منك ، ثم أمر بها فربطت بين فرسين جموحين ، فضرباها حتى تمزقت أعضاؤها. وأما جزيرة العرب : فهي ما بين نجران والعذيب.

__________________

(١٨٩) سابور : يذكر ابن الأثير" ولما هلك أردشير بن بابك قام بالملك بعده ابنه سابور قيل : إنه حاصر الروم بنصيبين وفيها جمع من الروم مدة ثم أتاه من ناحية خراسان من احتاج إلى مشاهدته فسار إليها وأحكم أمرها ثم عاد إلى نصيبين فزعموا أن سورها تصدع وانفرجت منه فرجة دخل منها وقتل وسبى وغنم وتجاوزها إلى بلاد الشام فافتتح من مدائنها مدنا كثيرة وحاصر ملكا للروم بإنطاكية فأسره وحمله وجماعة كثيرة معه فأسكنهم مدينة جنديسابور.

١١٣

أرض عراق العرب : وهي أرض طيبة ممتدة ذات أقاليم وقرى ، وطولها من تكريت إلى عبادان ، وعرضها من القادسية إلى حلوان. ومن مدنها المشهورة بغداد (١٩٠) وهي مدينة عظيمة قاعدة أرض العراق ، بناها المنصور في الجانب الغربي على الدجلة ، وأنفق عليها أموالا عظيمة ، يقال إنه أنفق عليها أربعة آلاف دينار ، ونقل أبواب واسط وركبها عليها وجعلها مدورة حتى لا يكون بعض الناس أقرب إلى السلطان من بعض ، وبنى بها قصرا عظيما بوسطها يقال إن دوره اثنا عشر ألف قصبة ، والجامع في القصر ، وقصر المهدي يقابل قصر المنصور في الضفة الأخرى وهما مدينتان يسقيهما نهر الدجلة وبينهما جسر من السفن ، وبساتينها في الجانب الآخر الشرقي تسقى بماء النهروان (١٩١) وماء سامر ، وهما نهران عظيمان. وأما نهر عيسى فتجري فيه السفن من بغداد إلى الفرات. وأما نهر السراة فلا تركبه سفينة أصلا لكثرة الأرحية التي عليه.

__________________

(١٩٠) بغداد : عاصمة دولة العراق ، تقع على خط طول ٧٥ وخط عرض ٣٤. تقع في وسطها ويخترقها نهر دجلة بناها المنصور في القرن الثاني الهجري عاصمة للدولة العباسية. كانت من اهم مراكز العلم على تنوعه وملتقى للعلماء والدارسين. غزاها المغول تحت رئاسة هولاكو خان في منتصف القرن السادس الهجري ودمروا الثروة العلمية ـ من كتب ومخطوطات ـ التي كانت بغداد تحتضنها ورموا قسما كبيرا منها في نهر دجلة حتى تغير لون الماء بلون الحبر. مدينة «بغداد» التى بناها المنصور سنة ١٤٦ ه‍ فيها نشاهد روائع العمارة الإسلامية فى العصر العباسى الأول وخاصة «قصر الأخيضر» الذى يعد أجمل وأروع القصور العباسية بنى أبو جعفر المنصور على نهر دجلة عاصمته بغداد (١٤٥ ـ ١٤٩ ه‍) ٧١٠ ميلادية على شكل دائري ، وهو اتجاه جديد في بناء المدن الإسلامية ، ومن اسماء بغداد المدينه المدورة ودار السلام والزوراء في التاريخ المعاصر استمرت بغداد عاصمة للعراق ، ويقع فيها احد اكبر وانشط المجامع اللغوية.

(١٩١) النهروان : اسم لبلد واسم لنهر والنهروان مدينة صغيرة عن بغداد على أربعة فراسخ (أبو الفداء : تقويم البلدان ، ص ٣٥٤).

١١٤

وكانت بغداد في أيام البرامكة (١٩٢) مدينة عظيمة يقال إن حماماتها حصرت في وقت من الأوقات فكانت ستين ألفا. وكان بها من العلماء والوزراء والفضلاء والرؤساء والسادات ما لا يوصف. قال الطبري في تاريخه : أقل صفة بغداد أنه كان فيها ستون ألف حمام ، كل حمام يحتاج على الأقل إلى ستة نفر ، سواق ووقاد وزبال وقائم ومدولب وحارس ، كل واحد من هؤلاء في مثل ليلة العيد يحتاج إلى رطل صابون لنفسه ولأهله وأولاده ، فهذه ثلثمائة ألف رطل وستون ألف رطل صابونا برسم فعلة الحمامات لا غير ، فما ظنك بسائر الناس وما يحتاجون إليه من الأصناف في كل يوم؟

__________________

(١٩٢) ترجع أصول البرامكة إلى برمك المجوسي ، وقد كان للبرامكة منزلة عاليه واستحوذوا على الكثير من المناصب في الدولة العباسية وكان لهم حضور كبير في بلاط الخليفة العباسي هارون الرشيد ، الذي أرضعته زوجة يحيى بن خالد البرمكي الذي حفظ لهارون الرشيد ولاية العهد بعد ان اراد الخليفة الهادي بخلع هارون الرشيد. أما نكبة البرامكة فمصطلح يشير إلى ما وقع للبرامكة على يد الخليفة العباسي هارون الرشيد من قتل وتشريد ، ومصادرة أموال ، وقد كانوا وزراء الدولة وأصحاب الأمر والسلطان. والنكبة من أهم الأحداث السياسية المؤثرة في حكم هارون الرشيد ، وفي التاريخ السياسي الإسلامي بشكل عام ، إذ أنها كانت حلقة في سلسلة نكبات طالت وزراء الدولة العباسية منذ قتل أبي مسلم الخراساني بتدبير الخليفة أبو جعفر المنصور ، وقتل معظم المقربين من الخلفاء العباسيين ، كآل سهل فيما بعد.

١١٥

المدائن (١٩٣) : وهي مدينة قديمة جاهلية وبها آبار هائلة وبها إيوان (١٩٤) كسرى المضروب به المثل في العظم والشماخة والارتفاع والإتقان ، واقليمها يعرف بأرض بابل (١٩٥). وكان المنصور لما قصد أن يبني بغداد استشار خالد بن برمك في نقض الإيوان ونقله من المدائن إلى بغداد ، فقال له خالد : لا تفعل يا أمير المؤمنين ، فقال له المنصور ملت إلى بقاء آثار أخوالك الفرس ، لا بد من هدمه. وأمر المنصور بنقض القصر الأبيض ، وهو شيء يسير من جانب الإيوان. فنقضت ناحية من القصر الأبيض فكان ما غرموا على نقضه أكثر من قيمة المنقوض فأزعج ذلك المنصور فقال لخالد : قد عزمت على ترك النقض ، فقال له خالد : لا تفعل يا أمير المؤمنين ، فغضب المنصور وقال : أما والله إن أحد رأييك غش. فقال خالد بلى والله كلاهما نصح ، فقال : صحح ما قلت ، فقال : أما قولي في الأول : لا تنقض ، حتى إن كل جيل يأتي في الدهر ويرى الإيوان ويستعظم أمره وأمر بانيه ثم يقول إن أمة وملوكا أزالت ملك الفرس وأخذت بلادها وأبادتها لأمة عظيمة ولملوك عظيمة ، فذلك من تعظيم الملة الإسلامية ، وأما قولي الآخر : لا تفعل ، يعني لا تترك النقض حتى إن من يأتي من الأجيال والخلق ويرى بعض النقض ، والنقض أسهل من البنيان ، فيقول إن أمة بنت

__________________

(١٩٣) المدائن : مدينة عراقية تقع على بعد بضعة كيلو مترات جنوب شرق بغداد كانت عاصمة الساسانيين الفرس ، حيث كانت تسمى بالفارسية الفهلوية تيسفون. تضم البلدة الحالية قبر الصحابي الجليل سلمان الفارسي وكذلك مبنى ايوان كسرى أو كما يسميه أهل بغداد والمنطقة طاق كسرى (طاگ كسرى). يسميها الأهالي حاليا سلمان باك وذلك نسبة لقبر الصحابي سلمان الفارسي.

(١٩٤) الإيوان : Pavilion : مجلس كبير على هيئة صفة واسعة من ثلاث جدران وسقف لاستقبال الناس مثل إيوان كسرى وإيوان المسجد وإيوان القلعة وإيوان العدل

وكان الإيوان هو قاعة الاستقبال عند ملوك الساسان وهو معرب من إيوان الفارسية ومعناها بيت او قاعة للاستقبال عند ملوك الساسان.

(١٩٥) بابل : من البابلية باب+ ايلو أي" باب الله" (من إعجاز القرآن ، ج ١ ، ص ١٩٦).

١١٦

هذا البنيان فأعجز نقضه من أتى بعدهم لأمة عظيمة فذلك تعظيم للفرس واستهانة بالملة الإسلامية. فلم يلتفت إلى مقاله وترك النقض.

والنيل : وهي مدينة حسنة وهي على الفرات العظمى ، بين بغداد والكوفة وأصل تسميتها بالنيل أن الحجاج بن يوسف (١٩٦) حفر نهرا من الفرات وسماه النيل باسم نيل مصر ، وأجراه إليها وعليه مدن عظيمة وقرى ومزارع. ونينوى (١٩٧) : وهي مدينة أزلية قبالة الموصل وبينهما دجلة. ويقال إنها المدينة التي بعث إليها يونس بن متي (١٩٨) عليه السلام.

__________________

(١٩٦) الحجاج بن يوسف الثقفي : سياسي أموي وقائد عسكري ، ولد أبو محمد الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل بن الحكم الثقفي في منازل ثقيف بمدينة الطائف ، في عام الجماعة ٤١ ه‍. وكان اسمه كليب ثم أبدله بالحجاج. وأمه الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي الصحابي الشهيد. عمل في مطلع شبابه معلم صبيان مع أبيه ، يعلم الفتية القرآن والحديث ، يعد من أشهر الشخصيات في التاريخ الإسلامي والعربي ، طاغية متجبر عرف ب (المبير). وخطيب بليغ. لعب دورا كبيرا في تثبيت أركان الدولة الأموية ، سير الفتوح ، خطط المدن ، وبنى مدينة واسط. واختلط في المخيلة الشعبية بروايات مبالغ فيها تدل على ميراث الرعب الهائل الذي خلفه ،

(١٩٧) نينوى : يقول عنها القزويني" بلاد وقرى كانت بشرقي دجلة عند الموصل في قديم الزمان بعث الله تعالى إليهم يونس النبي عليه السلام فدعاهم إلى الله تعالى فكذبوه فخوفهم بعذاب الله في وقت معين وفارقهم فلما دنا ذلك الوقت وشاهدوا آثار عذاب الله خرجوا بالنساء والذراري إلى تل هناك في شرقي دجلة وكشفوا رؤوسهم وتابوا وآمنوا فكشف الله عنهم العذاب.

(١٩٨) كان يونس بن متى نبيا كريما أرسله الله إلى قومه فراح يعظهم ، وينصحهم ، ويرشدهم إلى الخير ، ويذكرهم بيوم القيامة ، ويخوفهم من النار ، ويحببهم إلى الجنة ، ويأمرهم بالمعروف ، ويدعوهم إلى عبادة الله وحده. وظل ذو النون ـ يونس عليه السلام ـ ينصح قومه (قوم نينوى) فلم يؤمن منهم أحد وخرج غاضبا وقرر هجرهم ووعدهم بحلول العذاب بهم بعد ثلاثة فخشوا على أنفسهم فآمنوا فرفع الله عنهم العذاب ، أما السفينة التي ركبها يونس ، فقد هاج بها البحر ، وارتفع من حولها الموج. وكان هذا علامة عند القوم بأن من بين الركاب راكبا مغضوبا عليه لأنه ارتكب خطيئة. وأنه لا بد أن يلقى في الماء لتنجو السفينة من الغرق. فاقترعوا على من يلقونه من السفينة. فخرج سهم يونس ـ وكان معروفا عندهم

١١٧

الكوفة (١٩٩) : مدينة علوية بناها علي بن أبي طالب (٢٠٠) رضي الله عنه. وهي كبيرة حسنة على شاطئ الفرات ، لها بناء حصين وحصن حصين ، ولها نخل كثيرة وثمره طيب جدا. وهي كهيئة بناء البصرة وعلى ستة أميال منها. وفيها قبة عظيمة

__________________

بالصلاح ـ فأعادوا القرعة ، فخرج سهمه ثانية ، فأعادواها ثالثة ، ولكن سهمه خرج بشكل أكيد فألقوه في البحر ـ أو ألقى هو نفسه. فالتقمه الحوت لأنه تخلى عن المهمة التي أرسله الله بها ولبث في بطنه ثلاثة أيام ، فتضرع الى الله فسمع الله دعاءه فاستجاب له. فلفظه الحوت.

(١٩٩) الكوفة : أنشئت الكوفة لتكون دار هجرة وعاصمة للمسلمين بدل المدائن أسسها سعد بن أبي وقاص سنة ١٧ ه‍ ٦٣٨ م بأمر من عمر بن الخطاب ، بعد ان ثبت له ان بيئة المدائن قد أثرت في صحة جند العرب ، اذ كتب عمر الى سعد ، ان العرب لا يوافقهم الا ما وافق ابلهم ، وامر قواده ان يرتادوا موضعا لا يفصله عن المدينة بحر ولا عارض ، وولى التخطيط ابو الهياج عمرو بن مالك الاسدي ، والذي دل سعد عليها هو (عبد المسيح بن بقيلة الغساني) وكان يقال لها (سورستان) و (خد العذراء) ، وحينما مصرها العرب عرفت بالكوفة من التكوف (التجمع) وسميت كوفاني (المواضع المستديرة من الرمل) ، وكل ارض فيها الحصباء مع الطين والرمل تسمى (كوفة) ، وسميت (كوفان) بمعنى (البلاء والشر) أو (ما بين الدغل والقصب والخشب) وسميت كوفة الجند (لانها اسست لتكون قاعدة عسكرية تتجمع فيها الجند) ومهما يكن فأن اسمها اسم عربي ، وقيل ان اسمها سرياني ، تقع المدينة على الضفة اليمنى لنهر الفرات الاوسط (شط الهندية القديم) شرق مدينة النجف بنحو ١٠ كم وغرب العاصمة بغداد بنحو ١٥٦ كم ، يترتفع المدينة عن سطح البحر بنحو ٢٢ م ويحدها من الشمال ناحية الكفل (محافظة بابل) ومن الشرق ناحية السنية وناحية الصلاحية (محافظة الديوانية) ومن الغرب كري سعد ، ومن الجنوب قضاء ابي صخير ، وناحية الحيرة.

(٢٠٠) علي رضي الله عنه (٢٣ ق ه ـ ٤٠ ه‍) هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، واسم أبي طالب : عبد مناف بن عبد المطلب. من بني هاشم ، من قريش أمير المؤمنين. ورابع الخلاء الراشدين ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة. زوجة النبي صلي الله علية وسلم بنته فاطمة. ولي الخلافة بعد مقتل أمير المؤمنين عثمان ، فلم يستقم له الأمر حتى قتل بالكوفة. كفرة الخوارج ، وغلا فيه الشيعة حتى قدموه على الخلفاء الثلاثة ، وبعضهم غلا حتى فيه حتى رفعه إلى مقام الألوهية. ينسب إليه (نهج البلاغة) وهو مجموعة خطب وحكم ، أظهر الشيعة في القرن الخامس الهجري ويشك في صحة نسبته إليه. [الأعلام للزركلي ٥ / ١٠٨ ؛ ومناهج السنة ٣ / ٢ وما بعدها ؛ والرياض النضرة ٢ / ١٥٣ وما بعدها].

١١٨

يقال إن بها قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وما استدار بتلك القبة مدفن آل علي ، والقبة بناء أبي العباس عبد الله بن حمدان في دولة بني العباس

البصرة (٢٠١) : وهي مدينة عمرية بناها المسلمون في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهي مدينة حسنة رحبة. حكى أحمد بن يعقوب أنه كان بالبصرة سبعة آلاف مسجد. وحكى بعض التجار أنه اشترى التمر فيها خمسمائة رطل بدينار ، وهو عشرة دراهم. وغربي البصرة البادية وشرقيها مياه الأنهار وهي تزيد على عشرة آلاف نهر تجري فيها السامريات ، ولكل منها اسم ينسب إلى صاحبه الذي حفره ، وإلى الناحية التي يصل إليها ، وبها نهر يعرف بنهر الأيكة وهو أحد نزهات الدنيا ، طوله اثنا عشر ميلا وهو مسافة ما بين البصرة والأيكة ، وعلى جانب النهر قصور وبساتين وفرج ونزه كأنها كلها بستان واحد وكأن نخلها كلها قد غرس في يوم واحد ، وجميع أنهارها يدخل عليها المد والجزر ، والغالب على هذه الأنهار الملوحة. وبين عمارات البصرة وقراها آجام وبطائح ماء معمورة بزوارق وسامريات.

__________________

(٢٠١) البصرة : هي ثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد ، وتبعد عن بغداد ٤٥٠ كلم جنوبا ، والبصرة ميناء العراق الرئيسي على الطرف الشمالي من شط العرب ، ملتقى دجلة ، والفرات ، والمؤدي إلى مياه الخليج العربي وحولها بساتين النخيل التي تقدر أشجارها بالملايين. فتحت البصرة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب سنة ٦٣٨ م بعد أن كانت خاضعة لحكم الفرس. فأصبحت إحدى أهم المدن في العراق.ثم ازدهرت على عهد العباسيين وأضحت مع الكوفة مهدا للدروس اللغوية. أحرقها الزنج عام ٨٧١ م ثم القرامطة سنة ٩٢٣ م وبدأت بالانحطاط بعد عام ١٢٥٨ م احتلها الأتراك عام ١٦٦٨ م. ثم الانجليز عام ١٩١٤ م ، والبصرة في كلام العرب تعني الأرض الغليظة التي فيها حجارة رخوة ، وقيل هي الحجارة الصلبة ، وسميت بصرة لغلظها وشدتها. وثمة من يقول إن البصرة اسم عجمي معرب ، وأصله باس راه ، وهو يعني بالفارسية ذات الطرق الكثيرة المتشعبة. وإنها شيّدت بالقرب من قرية" البصيرة" التي تعود إلى العصور القديمة في التاريخ

١١٩

واسط (٢٠٢) : وهي بين البصرة والكوفة ، وهي مدينتان على جانبي دجلة ، وبينهما قنطرة كبيرة مصنوعة على جسر من سفن يعبر عليها من جانب إلى جانب ، فالغربية تسمى كسكران ، والشرقية تسمى واسط العراق ، وهما في الحسن والعمارة سواء ، وهما أعمر بلاد العراق وعليهما معول ولاة بغداد.

وعبادان (٢٠٣) : وهي مدينة عامرة على شاطئ البحر في الضفة الغربية من الدجلة ، وإليها مصب ماء الدجلة ويقال في المثل : ما بعد عبادان قرية. ومن عبادان إلى الخشبات وهي خشبات منصوبات في قعر البحر بإحكام وهندسة وعليها ألواح مهندسة يجلس عليها حراس البحر ومعهم زوارق ، وهو البحر الفارسي شاطئه الأيمن للعراق والأيسر لفارس. أرض الفرس : وهي بلاد فارس ، ومسكنهم وسط المعمورة. وهي مدن عظيمة وبلاد قديمة وأقاليم كثيرة وهي ما دون جيحون ويقال لها إيذان ، وأما ما وراء جيحون فهور أرض الترك ويقال لها قزوين. وأرض فارس كلها متصلة العمائر وهي خمس كور : الكورة الأولى : أرجان ، وهي أصغرهن وتسمى كورة سابور ، والكورة الثانية اصطخر (٢٠٤) وما يليها ، وهي كورة عظيمة وبها أعظم

__________________

(٢٠٢) واسط : مدينة بين الكوفة والبصرة من الجانب الغربي كثيرة الخيرات وافرة الغلات بناها الحجاج بن يوسف الثقفي سنة ٧٨ هجرية وأتمها في سنة ٨٦ هجرية لتكون مقرا جديدا لجنوده منأهل الشام.

(٢٠٣) عبادان : يقول عنها القزويني" جزيرة تحت البصرة قرب البحر الملح فإن دجلة إذا قاربت البحر تفرقت فرقتين عند قرية تسمى المحرزي : فرقة تذهب إلى ناحية البحرين وهي اليمنى واليسرى تذهب إلى عبادان وسيراف والحنابة وعبادان في هذه الجزيرة وهي مثلثة الشكل وإنما قالوا : ليس وراء عبادان قرية لأن وراءها بحرا. ومن عجائبها أن لا زرع بها ولا ضرع وأهلها متوكلون على الله يأتيهم الرزق من أطراف الأرض.

(٢٠٤) إصطخرPersepolis : هي مدينة تاريخية أقامها الإمبراطور الفارسي دارا (داريوس) عام ٥١٨ ق. م بفارس لتكون عاصمة الإمبراطورية الإخمينية. دمرها الإسكندر الأكبر عام ٣٣١ ق. م. وكان بها القصور وإيوان الأعمدة وكانت مدينة حصينة عند سفح صخرة بجنوب شرق إيران على بعد ٧٠ كم إلى الشمال الشرقي من مدينة شيراز.

١٢٠