منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٥٩٢

تبعيّ (*) يترتّب عليه آثاره إذا فرض له (١) أثر شرعيّ (٢) ، كسائر الموضوعات

______________________________________________________

(١) هذا الضمير وضميرا ـ عليه وآثاره ـ راجعة إلى الواجب التبعي.

ووجه ترتّب الآثار الشرعيّة على أصالة عدم تعلّق إرادة مستقلة به هو : كون هذا الأصل عمليّا ، ومن المعلوم : أنّ مقتضاه ترتيب الآثار الشرعيّة الثابتة لمجرى الأصل ، وإلّا فلا معنى لكونه أصلا عمليّا.

(٢) كما في النذر ونحوه.

__________________

(*) خلافا لما في تقريرات شيخنا الأعظم (قده) من : عدم ثبوت الوجوب التبعي بالأصل المزبور ، قال في التقريرات : «ثم إنّه لو شكّ في أنّ الواجب أصليّ أو تبعيّ ، فبأصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة به لا يمكن إثبات الوجوب لو أريد بذلك ترتيب الآثار المترتّبة على الوجوب التبعي ، فيما إذا فرض له آثار سوى ما يترتّب على عدم الإرادة ، لما قرّر في محله ، فتدبر في المقام والله هو الهادي».

ولا يخفى : أنّ ما أفاده (قده) من تحديد معنى الوجوب التبعي بعدم تعلّق إرادة مستقلّة به يقتضي صحّة ما في المتن من ثبوت الوجوب التبعي بأصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة به.

إلّا أن يقال : بفساده ، لتضادّ الإرادة الاستقلاليّة والتبعيّة ، فيمتنع إثبات إحداهما بنفي الأخرى كسائر الأضداد. فبأصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة به لا تثبت الإرادة التبعيّة القهريّة المقوّمة للوجوب التّبعي ، لأنّ إثبات أحد الضدّين بنفي الآخر من أقوى الأصول المثبتة ، ولذا بني على التفكيك في الآثار بين ما يترتّب على نفس عدم إرادة مستقلة وبين ما يترتّب على الإرادة القهريّة بالترتيب في الأوّل ، لكون عدم الإرادة المستقلّة بنفسه موضوعا لتلك الآثار ، فتترتب عليه. وعدم الترتيب في الثاني ، لعدم كون الإرادة التبعيّة بنفسها موردا للأصل ، بل هي من لوازم عدم الإرادة المستقلّة عقلا بعد العلم بتعلّق أصل الإرادة إجمالا. وعليه : فيخرج الوجوب عن الموضوع المركّب الّذي يمكن إحراز بعض أجزائه بالأصل.

٣٦١

المتقوّمة بأمور عدميّة (١). نعم (٢) لو كان التبعي أمرا وجوديّا خاصّا غير متقوّم بعدميّ (٣) وإن كان يلزمه (٤) ، لما (٥)

______________________________________________________

(١) كما عرفت في موضوع الضمان. ومثله : انفعال الماء القليل ـ بناء على كون القلّة أمرا عدميّا ـ ، فإنّ موضوع الانفعال الماء القليل ، وهو مركّب من جزءين : أحدهما : وهو الماء محرز بالوجدان ، والآخر : أعني القلّة محرز بالأصل ، فإنّ الأصل عدم الكثرة.

(٢) لعلّه إشارة إلى ما في التقريرات : من أنّ أصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة لا تثبت الوجوب التبعي حتى يترتّب عليه آثاره ، وذلك لأنّ عدم ثبوت التبعي بهذا الأصل لا بدّ وأن يكون لأجل كون التبعي أمرا وجوديّا حتى يكون ثبوته بأصالة عدم تعلّق إرادة مستقلة به مبنيّا على حجّية الأصل المثبت.

(٣) وهو : عدم تعلّق إرادة مستقلّة به.

(٤) يعني : وإن كان التبعي أمرا وجوديّا ، لكنّه يلزم العدمي ، أعني به : عدم اللّحاظ الاستقلالي ، فالضميران المستتران في ـ كان ـ و ـ يلزمه ـ راجعان إلى الأمر الوجوديّ. والضمير البارز المتصل الّذي هو مفعول ـ يلزم ـ راجع إلى العدمي.

(٥) جواب ـ لو ـ ، يعني : لو كان التبعيّ أمرا وجوديّا لما كان يثبت بأصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة به إلّا على القول بالأصل المثبت ، كما مرّ تقريبه.

__________________

ويرد على ما في التقريرات : «من عدم ترتيب آثار عدم تعلّق الإرادة المستقلّة» أنّه ـ بناء على كون التبعيّة أمرا وجوديّا ـ يقع التعارض بين أصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة ، وبين أصالة عدم تعلّق إرادة قهريّة ، فلا يثبت شيء من آثار هاتين الإرادتين ، ولا وجه للتفكيك بين آثارهما.

وبالجملة : فما في التقريرات لا يخلو من تهافت ، لأنّ الوجوب التبعي إن كان عدميّا بأن يكون ذلك عدم الإرادة الاستقلاليّة ، فلا بد من ترتيب آثار الوجوب التبعي على مجرّد عدم الإرادة المستقلّة المحرز بالأصل. وإن كان وجوديّا ، فلا يثبت شيء من آثار الوجوب الأصلي والتبعي ، فراجع عبارة التقريرات وتدبّر فيها.

٣٦٢

كان يثبت بها (١) إلّا على القول بالأصل المثبت ، كما هو واضح ، فافهم (٢).

______________________________________________________

(١) أي : بأصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة.

(٢) لعلّه إشارة إلى : أنّه لا يثبت الوجوب التّبعي ـ بناء على كونه أمرا وجوديّا ـ حتى على القول بالأصل المثبت ، وذلك لابتلاء أصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة بأصالة عدم تعلّق إرادة تبعيّة ، فإنّ حجيّة الأصل المثبت كما تقتضي كون الوجوب تبعيّا ، كذلك تقتضي كون الوجوب أصليّا ، لأنّ كلّا من الأصليّة والتبعيّة من لوازم عدم الآخر الّذي هو مجرى الأصل ، فلا محالة يقع التعارض بين أصالتي عدم تعلّق إرادة مستقلّة ، وعدم تعلّق إرادة تبعيّة.

أو إشارة إلى : عدم جريان الأصل العملي في هذا المقام أصلا ، لعدم ترتّب أثر شرعيّ عليه ، وذلك لأنّ الأثر مترتّب على أصل الوجوب من دون دخل للأصليّة والتبعيّة فيه ، والمفروض العلم بأصل الوجوب ، فتدبّر.

أو إشارة إلى : أنّ إثبات التبعيّة بالأصل مبنيّ على كون مناطها عدم تفصيليّة القصد والإرادة ، فإنّ كون التبعيّة حينئذ موافقة للأصل ممّا لا سبيل إلى إنكاره.

بخلاف ما إذا كان مناط التبعيّة نشوء الإرادة عن إرادة أخرى ، فإنّه ينعكس الأمر لصيرورة الأصليّة حينئذ موافقة للأصل ، ضرورة أنّ الترشّح من إرادة أخرى أمر وجوديّ مسبوق بالعدم ، فيجري فيه الأصل ، وتثبت الأصليّة ، إذ المفروض عدم كون الاستقلال أمرا وجوديّا ، بل هو أمر عدميّ ، أعني به : عدم نشوء الإرادة عن إرادة أخرى.

نعم بناء على كون الوجوب الأصلي الاستقلال من حيث التوجّه والالتفات : يصير الأصلي مخالفا للأصل والتبعي موافقا له.

٣٦٣

تذنيب (١) في بيان الثمرة ، وهي (*) : في المسألة الأصوليّة كما عرفت سابقا ليست إلّا أن يكون نتيجتها صالحة للوقوع في طريق الاجتهاد واستنباط (٢)

______________________________________________________

ثمرة المسألة

(١) الغرض من عقد هذا التذنيب : التّعرّض لثمرة النزاع في وجوب المقدّمة وعدمه. وقد تعرض لثمرة هذه المسألة في الفصول ، والتقريرات ، والبدائع وغيرها.

(٢) معطوف على ـ الاجتهاد ـ ومفسّر له.

__________________

(*) الضمير راجع إلى الثمرة ، فإذا رجع ضمير ـ نتيجتها ـ إلى الثمرة أيضا صارت العبارة هكذا : «والثمرة في المسألة الأصوليّة ليست إلّا أن تكون نتيجة الثمرة صالحة للوقوع في طريق الاستنباط» ، وهذا كما ترى لا محصّل له ، لأنّ ثمرة المسألة الأصوليّة هي الحكم الفرعي المترتّب عليها. والمسألة الأصوليّة ـ على ما قيل ـ هي : كبرى قياس الاستنباط ، ولا معنى لوقوع نتيجة الثمرة الّتي هي الحكم الفرعي في طريق الاستنباط.

وإرجاع ضمير ـ نتيجتها ـ إلى المسألة الأصوليّة ، ليكون المعنى : «أنّ الثمرة في المسألة الأصوليّة أن تكون نتيجة تلك المسألة صالحة للوقوع ... إلخ» خلاف الظاهر جدّاً ، لكون العبارة مسوقة لبيان الثمرة ، ولذا يرجع الضمير في ـ ليست ـ إلى الثمرة ، وكذا ضمير ـ نتيجتها ـ.

ويمكن توجيه العبارة بأن يقال : إنّ الملازمة بين وجوب المقدّمة وذيها بحث أصولي ، وثمرة هذا البحث إذا كانت ثبوت الملازمة ، فنتيجة هذه الثمرة هي الوقوع في طريق الاستنباط.

وقد تقدم نظير هذا التعبير من المصنف (قده) في الصحيح والأعمّ ، فلاحظ ما علّقناه عليه في ص ١٣٦ من الجزء ، والأوّل ، وتأمّل.

٣٦٤

حكم فرعيّ ، كما (١) لو قيل بالملازمة في المسألة (٢) ، فإنّه (٣) بضميمة مقدّمة كون شيء مقدّمة لواجب يستنتج : أنّه واجب.

______________________________________________________

(١) يعني : بناء على القول بوجود الملازمة بين وجوب الواجب ووجوب مقدّمته.

(٢) يعني : في مسألة وجوب مقدّمة الواجب.

(٣) الضمير للشأن. ثم إنّ هذا تقريب استنتاج الحكم الفرعي ، وحاصله : أنّه بضميمة مقدّمة وجدانيّة ـ وهي : كون شيء مقدّمة لواجب ـ إلى مقدّمة برهانيّة أصوليّة ـ وهي : أنّ كلّ ما هو مقدّمة لشيء لزم من وجوبه وجوبها ـ يستنتج وجوب الوضوء مثلا.

وببيان أوضح : يؤلّف قياس بهذه الصورة : الوضوء مثلا مقدّمة لواجب ، وكلّ ما هو مقدّمة لواجب واجب ، فينتج : أنّ الوضوء واجب ، لوجوب ذيها كالصلاة (*) فهذا القياس ينتج حكما فرعيّا ، وهو : وجوب الوضوء ـ بناء على الملازمة ـ ، أو عدم وجوبه ـ بناء على عدمها ـ.

__________________

(*) لا يخفى : أنّ هذه النتيجة من صغريات النتيجة الكليّة الأصوليّة ، وهي : كلّ مقدّمة يستلزم وجوب ذيها وجوبها ، لا أنّ القياس المزبور ينتج وجوب المقدّمة لتكون هذه النتيجة حكما كلّيّا فقهيّا مترتّبا على قياس مؤلّف من صغرى وجدانيّة ، وكبرى برهانيّة أصوليّة. كما أنّه لا يصح تأليف قياس بهذه الصورة : «الوضوء مقدّمة الواجب ، وكلّ مقدّمة الواجب واجبة» لينتج : وجوب الوضوء ، وذلك لأنّ هذه الكبرى قاعدة فقهيّة ، نظير : «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» وليست نتيجة للبحث الأصولي لتقع كبرى قياس الاستنباط ، بل نتيجته ثبوت الملازمة بين وجوب ذي المقدّمة ، وبين وجوب مقدمته ، أو عدم الملازمة. فالقياس المنتج للحكم الكلّي الفرعي هو أن يقال : «كل مقدّمة يستلزم وجوب ذيها وجوبها ، وكلّ ما كان كذلك فهو واجب» ، فينتج : وجوب كلّ مقدّمة ، فتكون المسألة الأصوليّة ـ وهي الملازمة بين وجوب الواجب ووجوب مقدّمته ـ صغرى لقياس الاستنباط ، لا كبرى له ، كما اشتهر تحديد المسألة الأصوليّة بذلك.

٣٦٥

ومنه (١) قد انقدح : أنّه ليس منها مثل برء النذر بإتيان مقدّمة واجب عند نذر الواجب ، وحصول الفسق بترك واجب واحد بمقدّماته إذا كانت له مقدّمات كثيرة ، لصدق (٢) الإصرار على الحرام بذلك (٣). وعدم (٤) جواز أخذ الأجرة

______________________________________________________

(١) أي : وممّا ذكر في ضابط المسألة الأصوليّة ظهر : أنّه ليس من الثمرة لمثل هذه المسألة الأصوليّة : الفروع الثلاثة الّتي ذكروها ثمرة لها :

الأول : برء النذر بإتيان مقدّمة واجب لمن نذر واجبا ـ بناء على القول بوجوب مقدّمة الواجب ـ ، وعدم حصول البرء بذلك بناء على عدم وجوبها.

الثاني : حصول الفسق بترك واجب له مقدّمات كثيرة ، لأنّه ـ بناء على وجوب المقدّمة ـ يصدق الإصرار على ارتكاب الصغائر الموجب للفسق.

وأما بناء على عدم وجوب المقدّمة ، فلا يتحقّق الإصرار بترك واجب له مقدّمات.

الثالث : حرمة أخذ الأجرة على المقدّمة ـ بناء على وجوبها ـ ، لكونها حينئذ من صغريات أخذ الأجرة على الواجبات.

وأما بناء على عدم وجوب المقدّمة ، فلا يندرج أخذ الأجرة عليها في أخذ الأجرة على الواجبات. فقوله (قده) : ـ مثل برء النذر ـ إشارة إلى الفرع الأوّل ، وقوله : ـ وحصول الفسق ـ إشارة إلى الفرع الثاني ، وقوله : ـ وعدم جواز أخذ الأجرة ـ إشارة إلى الفرع الثالث.

(٢) تعليل لحصول الفسق بترك واجب له مقدّمات كثيرة.

(٣) أي : بترك واجب ذي مقدّمات عديدة.

(٤) معطوف على ـ برء النذر ـ ، وملخص الإشكال المشترك بين هذه الثمرات الثلاث المذكورة الّذي أشار إليه بقوله : ـ ومنه قد انقدح ـ هو : أنّ شيئا من هذه الأمور الثلاثة ليس ثمرة للمسألة الأصوليّة.

أما حصول البرء بفعل المقدّمة ـ على القول بوجوبها ـ لمن نذر الإتيان بواجب ، فلأنّ البرء إنّما يكون لانطباق المنذور على المأتيّ به ، حيث إنّ المنذور ـ وهو

٣٦٦

على المقدّمة.

مع (١) أنّ البرء وعدمه إنّما يتبعان قصد الناذر ، فلا برء بإتيان المقدّمة

______________________________________________________

الواجب ـ ينطبق على المقدّمة بعد إثبات وجوبها بدليل عقلي ، أو نقلي ، ومن المعلوم : أنّ انطباق الحكم المستنبط على موارده ليس مسألة أصوليّة ، بل مسألة أو قاعدة فقهيّة. وإنّما المسألة الأصوليّة هي التي تقع في طريق استنباط الحكم الكلي ، كالقواعد الّتي يستنبط منها وجوب الوفاء بالنذر.

وأما حصول الفسق ، فكذلك يكون من باب تطبيق الحكم المستنبط على مورده لأنّه ـ بناء على وجوب المقدّمة ـ لا بدّ من الحكم بفسق تاركها ، لأنّ ترك الواجب بمقدّماته الكثيرة يوجب صدق الإصرار على المعصية الموجب للفسق ، فليس الحكم بفسق تارك المقدّمة مسألة أصوليّة واقعة في طريق الاستنباط.

وأما حرمة أخذ الأجرة على المقدّمة ـ بناء على وجوبها ، بعد تسليم حرمة أخذ الأجرة على الواجبات ـ ، فليست أيضا مسألة أصوليّة يستنبط منها حكم كليّ فرعي ، بل هي مسألة فقهيّة ، لتعلّقها بالعمل.

وبالجملة : فشيء من الفروع الثلاثة المذكورة ليس مسألة أصوليّة ، بل كلّها فقهيّة ، لأنّها من تطبيق الحكم المستنبط على موارده ، لا من استنباط الحكم الكلي (*) هذا تمام الكلام في الإشكال المشترك بين الفروع الثلاثة المذكورة ثمرة لهذه المسألة.

(١) هذا شروع في الإشكال المختص بكلّ واحد من تلك الفروع.

أما برء النذر ، فملخّص إشكاله : أنّ البرء وعدمه يتبعان قصد الناذر ، فإن قصد حين النذر مطلق الواجب وإن كان وجوبه عقليّا ، فلا إشكال في حصول البرء بإتيان المقدّمة وإن لم نقل بوجوبها شرعا ، لوضوح كفاية الوجوب العقلي في البرء حينئذ.

__________________

(*) وقد ذكروا أيضا من ثمرات المسألة : جعل الثواب والعقاب على وجوب المقدّمة ، وعدمه. لكنّك خبير بفساده ، لأنّ استحقاقهما إنّما هو بحكم العقل ، وليس حكما شرعيّا أصوليّا يستنبط منه حكم كليّ فقهيّ.

٣٦٧

لو قصد الوجوب النفسيّ ، كما هو المنصرف عند إطلاقه (١) ولو قيل بالملازمة (٢) وربّما يحصل البرء به (٣) لو قصد ما يعمّ المقدّمة ولو قيل بعدمها (٤) ، كما لا يخفى (*).

ولا يكاد (٥) يحصل الإصرار على الحرام بترك واجب ولو كانت له مقدّمات

______________________________________________________

وإن قصد الناذر خصوص الواجب النفسيّ ، فلا إشكال أيضا في عدم حصول البرء بإتيان مقدّمة الواجب وإن قلنا بوجوبها شرعا ، لوضوح عدم انطباق المنذور حينئذ على الواجب الغيري ، كما لا يخفى.

(١) أي : الوجوب ، وضمير ـ هو ـ راجع إلى الوجوب النفسيّ. وهذا مقام الإثبات ، يعني : أنّه مع عدم إحراز قصد الناذر يؤخذ بما ينصرف إليه لفظ الواجب الّذي وقع في صيغة النذر ، وهو الواجب النفسيّ.

(٢) يعني : بين وجوب الواجب ووجوب مقدّمته ، فإنّ الملازمة حينئذ لا تجدي في حصول البرء بإتيان المقدّمة ، إذ المفروض ولو بحكم الانصراف اختصاص المنذور بالواجب النفسيّ ، وخروج الواجب الغيري عن دائرة متعلق النذر.

(٣) أي : بإتيان المقدّمة لو قصد الناذر من الواجب ما يعم المقدّمة ، بأن يريد منه ما يلزم فعله ولو عقلا ، فإنّ البرء من النذر يحصل حينئذ بفعل المقدّمة وإن لم نقل بالملازمة بين وجوب الواجب ووجوب مقدّمته.

(٤) أي : عدم الملازمة شرعا.

(٥) إشارة إلى : الإشكال المختص بالثمرة الثانية.

تقريبه : أنّ القدرة على الفعل والترك شرط في صحّة التكليف ، فينتفى بانتفائها كما في المقام ، حيث إنّ الواجب الّذي له مقدّمات كثيرة صار بسبب ترك أوّل مقدّمة من مقدّماته غير مقدور للمكلّف ، فيسقط التكليف

__________________

(*) لكن إذا قصد الناذر الواجب الشرعي مطلقا ولو كان غيريّا يبنى ترتّب البرء وعدمه على الخلاف في وجوب المقدّمة شرعا وعدمه ، فتدبّر.

٣٦٨

غير عديدة ، لحصول (١) العصيان بترك أوّل مقدّمة لا يتمكن معه (٢) من الواجب ، ولا يكون ترك سائر المقدمات بحرام أصلا ، لسقوط التكليف حينئذ (٣) ، كما هو واضح لا يخفى (*).

______________________________________________________

بالواجب ومقدّماته ، فلا يحصل الإصرار الموجب للفسق ، إذ المحرّم هو ترك المقدّمة الأولى ، ومن المعلوم : عدم حصول الإصرار المحرّم بتركها.

وبالجملة : فلا يحصل الفسق بترك واجب له مقدّمات كثيرة وإن قلنا بوجوب المقدّمة ، لأنّه حينئذ لم يترك إلّا واجبا واحدا.

(١) تعليل لقوله : ـ ولا يكاد يحصل الإصرار ـ ، يعني : أنّ الإصرار على الحرام لا يحصل حتى يوجب الفسق ، وذلك لأنّ المحرّم هو ترك المقدّمة الأولى فقط ، ولا يتحقق به الإصرار على الحرام ، حيث إنّ وجوب سائر المقدّمات قد سقط بعدم التمكّن من ذي المقدّمة الّذي ترشّح منه الوجوب على المقدّمات ، ومع السقوط لا وجوب للمقدّمات حتى يحرم تركها كي يندرج تركها في الإصرار على الحرام.

(٢) أي : ترك أوّل مقدّمة.

(٣) أي : حين عدم التمكّن ، واللّام في قوله : ـ لسقوط ـ تعليل لقوله : ـ ولا يكون ـ ، يعني : عدم حرمة ترك سائر المقدّمات إنّما هو لأجل سقوط الوجوب عن الواجب النفسيّ.

__________________

(*) بل لا يخلو من خفاء ، إذ المفروض كون سقوط الأمر بالواجب ومقدّماته مستندا إلى العصيان المسقط لكلّ وجوب من النفسيّ والغيريّ ، والموجب لكون ترك كلّ واحد في ظرفه عصيانا لأمره ، فيتحقّق الإصرار على الحرام القادح في العدالة.

ومع الإغماض عن هذا ، وتسليم اختصاص العصيان بأوّل مقدّمة من مقدّماته يرد عليه : أنّه غير مطرد ، بل يختص بالمقدّمات التدريجيّة ، دون الدفعيّة ، مع وضوح صدق الإصرار على تركها أيضا.

إلّا إذا أريد من الإصرار : صدور المعاصي تدريجا ، فلا يصدق الإصرار على

٣٦٩

وأخذ الأجرة (١) على الواجب لا بأس به إذا لم يكن إيجابه على المكلّف

______________________________________________________

(١) إشارة إلى : الإشكال المختص بالثمرة الثالثة ، وهي : حرمة أخذ الأجرة على المقدّمة ـ بناء على وجوبها ـ ، وعدم الحرمة بناء على عدم وجوبها.

ومحصل الإشكال : أنّه لا دليل على حرمة أخذ الأجرة على الواجب مطلقا حتى يحرم أخذ الأجرة على المقدّمة ، بل فيه تفصيل ، وهو : أنّ الواجبات على قسمين :

أحدهما : ما يجب فعله مجّانا وبلا عوض ، لكونه مملوكا له تعالى شأنه ، أو لغيره ، بأن يكون الفعل بمعنى اسم المصدر واجبا على المكلّف ، كدفن الميّت ، فإنّ

__________________

صدورها دفعة. لكنه غير سديد ، لصدق الإصرار على ارتكاب محرّمات في آن واحد ، كقتل جماعة دفعة بالكهرباء مثلا بلا إشكال ، فإنّ الزمان في المحرّمات التدريجيّة ليس قيدا ، بل هو ظرف لها ، فلا يتقوّم الإصرار بالزمان.

فالمتحصل : أنّه ـ بناء على وجوب المقدّمة ـ يحصل الإصرار الموجب للفسق بترك واجب نفسيّ له مقدّمات كثيرة ، من غير فرق في ذلك بين دفعيّتها وتدريجيّتها.

نعم يمكن الإشكال على هذه الثمرة بأنّ الإصرار القادح في العدالة ـ على ما يستفاد من الأخبار ـ يختص بالمخالفات الموجبة للعقوبة ، فترك الواجب الغيري مع الإصرار لا يوجب الفسق ، لما تقدم من بنائهم على عدم ترتّب ثواب ولا عقاب على وجوب المقدّمة.

هذا إذا لم يكن ترك الواجب النفسيّ معصية كبيرة ، وإلّا فلا تصل النوبة إلى البحث عن تحقّق الإصرار بترك المقدّمات ، وعدمه ، وذلك لكفاية ترك الواجب النفسيّ في حصول الفسق ، ومعه لا حاجة إلى التكلّف لإثبات الفسق بترك المقدّمات ، لأجل انطباق عنوان الإصرار عليه.

إلّا أن يقال : إنّ الإصرار يتحقّق قبل عصيان الواجب النفسيّ ، لتقدّم المقدّمات رتبة على ذيها تقدّم العلّة على المعلول ، فالفسق يحصل بالإصرار ، لا بترك الواجب النفسيّ.

٣٧٠

مجانا وبلا عوض (١) ، بل كان وجوده المطلق (٢) مطلوبا كالصناعات الواجبة كفائيّا [كفائيّة] التي لا يكاد ينتظم بدونها البلاد ، ويختل لولاها (٣) معاش العباد ، بل ربما يجب أخذ الأجرة عليها لذلك ـ أي لزوم الاختلال ـ ، وعدم الانتظام لو لا أخذها (٤) ، هذا (٥) في الواجبات التوصليّة.

______________________________________________________

المستفاد من الأخبار : أنّ المؤمن قد ملك على أخيه المؤمن أمورا :

منها : الدفن ، فإنّ مملوكيّة العمل للأخ المؤمن مجّانا تمنع عن أخذ الأجرة عليه ، إذ لا مملوك له حتى يأخذ بإزائه المال ، فلو أخذه كان أكلا للمال بالباطل.

ثانيهما : ما يجب فعله مطلقا من دون تقيّده بالمجانيّة ، بأن يكون الفعل بمعناه المصدري واجبا عليه سواء أخذ بإزائه الأجرة أم لا.

وبعبارة أخرى : الواجب على المكلّف حينئذ هو : مجرّد إصدار الفعل بلا نظر إلى إيجاده بدون أجرة أو معها كالواجبات النّظاميّة ، فإنّ الواجب فيها هو مجرّد إيجادها ، فأخذ الأجرة عليها جائز.

وبالجملة : فمجرّد الوجوب لا يقتضي المجانيّة حتى يقال : بحرمة أخذ الأجرة على المقدّمة ـ بناء على وجوبها ـ ، وعدم حرمته ـ بناء على عدمه ـ ، بل لا بدّ من التفصيل المزبور ، بأن يقال : إنّ المقدّمة إن كانت من القسم الأوّل من الواجبات فلا يجوز أخذ الأجرة عليها. وإلّا فيجوز ، لبقاء العمل على المملوكيّة ، كالصناعات ، وعدم سلبها عنه ، فلا مانع من أخذ الأجرة عليه.

(١) هذا إشارة إلى القسم الأوّل من الواجبات.

(٢) أي : غير المقيّد بالمجانيّة. وهذا إشارة إلى القسم الثاني من الواجبات.

(٣) هذا الضمير وضمير ـ بدونها ـ راجعان إلى الصناعات.

(٤) أي : الأجرة ، يعني : يجب أخذ الأجرة إذا توقّف النظام عليه ، كما هو الغالب في الواجبات النظاميّة. وضمير ـ عليها ـ راجع إلى الصناعات.

(٥) يعني : ما ذكرناه من جواز أخذ الأجرة إنّما هو في الواجبات التوصّليّة

٣٧١

وأما الواجبات التعبّديّة ، فيمكن (١) أن يقال : بجواز أخذ الأجرة على إتيانها بداعي امتثالها ، لا على نفس الإتيان كي ينافي عباديّتها ، فيكون (٢) من قبيل

______________________________________________________

الّتي يكون الواجب فيها المعنى المصدري الّذي لا ينافي بقاء العمل ـ كالصناعات من الخياطة والنجارة وغيرهما ـ أو بقاء المال على المملوكيّة ، كوجوب بيع الطعام في المخمصة ، وبيع العبد المسلم تحت يد المولى الكافر ، إلى غير ذلك من الأمثلة.

وأما الواجبات التعبديّة ، وهي التي يشترط في صحّتها قصد القربة في مقابل الواجبات التوصّليّة الّتي لا يشترط في صحّتها ذلك ، فيشكل جواز أخذ الأجرة عليها بوجهين :

أحدهما : منافاة الأجرة لقصد القربة ، لأنّ الداعي إلى فعلها هو الأجرة ، لا القربة ، فعدم جواز الأخذ مستند إلى فوات شرط صحّة العبادة ، وما به قوام عباديّتها.

ثانيهما : أنّ أخذ الأجرة بإزاء الواجبات العباديّة يكون أكلا للمال بالباطل ، ضرورة أنّه يشترط في صحّة الإجارة ـ كغيرها من العقود المعاوضيّة ـ وجود نفع يعود إلى المستأجر عوضا عن الأجرة ، إذ لولاه لزم خلاف مقتضى المعاوضة ، كما لا يخفى. ولا يوجد في العبادات الواجبة نفع حتى يعود إلى المستأجر ، فيكون أخذ المال بإزائها أكلا له بالباطل.

(١) هذا ناظر إلى : دفع الإشكال الأوّل ، ومحصل ما أفاده في دفعه تبعا لغيره هو : أنّ الأجرة لا تبذل بإزاء نفس الواجب العبادي لتنافي القربة المقوّمة لعباديّته ، بل تبذل لإحداث الداعي إلى إيجاد العمل بداعي أمره ، فتقع العبادة عن دعوة أمرها ، فيكون الداعي إلى إتيانها بدعوة أمرها هو أخذ الأجرة. نظير الإتيان بطواف النساء على وجه العبادة بداعي جواز الاستمتاع بهن ، والإتيان ببعض الصلوات المندوبة على وجه قربي لقضاء الحوائج المشروعة من سعة الرزق ، والشفاء من المرض ، وطلب الولد ونحو ذلك.

(٢) يعني : أنّ أخذ الأجرة يكون داعيا إلى الإتيان بالعبادة بداعي أمرها ، وهذا هو المراد بقوله : ـ من قبيل الداعي إلى الداعي ـ.

٣٧٢

الداعي إلى الداعي (*) ، غاية الأمر (١) : يعتبر فيها (٢) كغيرها (٣) أن يكون

______________________________________________________

(١) إشارة إلى الإشكال الثاني ، وأنّه لا دافع له ، فلا يجوز لشخص أن يأخذ الأجرة لإتيان فرائضه اليوميّة ، إذ لا يعود نفع إلى المستأجر الباذل للأجرة. نعم لا بأس بأخذ الأجرة لأداء ما فات عن الميّت من الفرائض ، إذ لا يلزم منه هذان الإشكالان.

أمّا الأوّل ، فلما عرفت من عدم كون الأجرة بإزاء نفس العمل حتى تنافي قصد القربة ، وإنّما هي لإحداث الداعي إلى إيجاد العمل بداعي أمره.

وأمّا الثاني ، فلفراغ ذمة الميّت بفعل الأجير ، فشرط صحّة الإجارة ـ وهو عود نفع إلى المستأجر ـ موجود هنا.

(٢) هذا الضمير وضميرا ـ كغيرها ـ و ـ فيها ـ راجعة إلى الواجبات التعبديّة.

(٣) من المباحات والمستحبات.

__________________

(*) يمكن الإشكال عليه تارة : بكون أخذ الأجرة داعيا إلى ذات الفعل ، لأنّ الداعي إلى مركّب أو مقيّد لا محالة يكون داعيا إلى كلّ جزء من أجزاء المركّب ، وإلى القيد ، وذات المقيّد من المقيّد ، فيكون أخذ الأجرة داعيا إلى ذات المقيّد وهو نفس الفعل ، وإلى قيده. فلذات الفعل داعيان : أخذ الأجرة ، والأمر ، فلا يقع ذات الفعل بدون داعويّة الأُجرة ، ومن المعلوم : منافاته لدعوة الأمر. وأخرى : بأنّه يعتبر في عباديّة العبادة كون قصد القربة علّة تامّة لإيجادها ، حتى يكون العمل عبادة ، والإتيان بها إطاعة ، فإذا كانت سببيّة الأمر للإطاعة منوطة بالأجرة لما كان قصد الأمر علّة تامّة للفعل ، بل علة ناقصة له ، وهذا مناف للتقرّب المعتبر في العبادة.

وإن شئت فقل : إنّه يعتبر أن يكون الأمر مطلقا داعيا إلى الفعل ، لا مقيّدا بشيء كبذل الأجرة ، لأنّ الأمر حينئذ ليس علّة تامّة للإطاعة ، إذ المفروض دخل الأجرة في الامتثال ، وداعويّة الأمر المتعلّق بالعبادة ، فلا يستحقّ به على الشارع الآمر به جزاء ، لأنّه نظير ما لو أمر زيد عمرا بإطاعة بكر ، فإنّ إطاعته لا توجب استحقاق عمرو جزاء على بكر ، لأنّه لم يطعه ، بل أطاع زيدا.

٣٧٣

فيها منفعة عائدة إلى المستأجر ، كيلا يكون المعاملة سفهيّة ، وأخذ (١) الأجرة عليها أكلا بالباطل.

وربما يجعل (٢) من الثمرة : اجتماع الوجوب والحرمة ـ إذا قيل بالملازمة ـ

______________________________________________________

(١) معطوف على ـ المعاملة ـ ، وضمير ـ عليها ـ راجع إلى الواجبات التعبديّة.

(٢) الجاعل هو الوحيد البهبهاني (قده). توضيح هذه الثمرة : أنّه ـ بناء على وجوب المقدّمة ـ يجتمع الوجوب والحرمة في المقدّمة المحرّمة ، كركوب الدابّة الغصبيّة لقطع طريق الحج ، فيبتني وجوبها حينئذ على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي في واحد ذي جهتين ، لأنّ المقدّمة على هذا تندرج في صغريات مسألة اجتماع الأمر والنهي ، فإن قلنا : بجواز اجتماعهما اتّصف بالوجوب ، كما هي متّصفة بالحرمة ، وإن قلنا : بعدم جواز اجتماعهما لم تتّصف بالوجوب ، كما أنّه بناء على عدم وجوب المقدّمة لا تتّصف إلّا بالحرمة.

وبالجملة : بناء على وجوب المقدّمة يتوقف اتّصافها بالوجوب فيما إذا كانت محرّمة على جواز اجتماع الأمر والنهي. وبناء على عدم وجوبها لا تتّصف إلّا بالحرمة.

__________________

وبالجملة : فتوجيه جواز أخذ الأجرة على العبادات بالداعي إلى الداعي غير وجيه.

ولا يقاس أخذ الأجرة بالغايات المترتّبة على العبادات بجعل إلهي ، كسعة الرزق ونحوها ، وذلك لأنّ سلسلة العلل إذا انتهت إلى الله سبحانه وتعالى ، فلا يخرج المعلول عن كونه عباديّا. بخلاف ما إذا انتهت إلى غيره عزّ شأنه ، فإنّه يخرج عن العباديّة ، لتركّب العلّة من الداعي الإلهي وغيره.

والحاصل : أنّه فرق واضح بين الإتيان بالصلاة لأمره تعالى شأنه حتى ينال بسعة الرزق ، أو الولد الصالح ، أو نحوهما ، وبين الإتيان لأمر الله عزوجل حتى يأخذ الأجرة من المخلوق ، فإنّ الأوّل عبادة وإن لم تكن عبادة الأحرار. بخلاف الثاني ، فإنّه ليس عبادة ، لعدم كون محرّك العامل أمره تعالى ، بل محرّكه هي الأجرة المنافية لقصد القربة.

٣٧٤

فيما إذا كانت المقدّمة محرّمة ، فيبتني (١) على جواز اجتماع الأمر والنهي ، وعدمه (٢) ، بخلاف ما لو قيل بعدمها (٣).

وفيه (٤) أوّلا :

______________________________________________________

(١) يعني : فيبتني جواز اجتماع وجوب المقدّمة وحرمتها وعدمه على جواز اجتماع الأمر والنهي ، وعدمه ، فعلى الجواز تبقى المقدّمة على وجوبها ، وعلى العدم لا وجوب لها.

(٢) الضمير راجع إلى ـ جواز ـ.

(٣) أي : الملازمة بين وجوب المقدّمة ووجوب ذيها ، فإنّه ـ بناء على عدم الملازمة ـ تكون المقدّمة حراما فقط.

(٤) قد أورد المصنّف (قده) على هذه الثمرة بوجوه ثلاثة :

أحدها : ما أفاده بقوله : ـ وفيه أوّلا ـ وحاصله : عدم صغرويّة المقدّمة ـ ولو على القول بوجوبها ـ لمسألة اجتماع الأمر والنهي.

توضيحه : أنّ مقدّمة الواجب ومسألة اجتماع الأمر والنهي مختلفتان موضوعا ، وذلك لأنّ موضوع مسألة الاجتماع هو ما له جهتان تقييديّتان ، يتعلّق الأمر بإحداهما والنهي بالأخرى ، كالصلاة في المغصوب ، فإنّها مأمور بها من جهة الصلاتيّة ، ومنهي عنها من ناحية الغصبيّة. وهذا بخلاف مقدّمة الواجب ، فإنّ عنوان المقدّميّة ليس من الجهات التقييديّة ، بل التعليليّة ، لأنّ معروض الوجوب المقدّمي هو ذات المقدّمة ، كالوضوء الّذي هو بذاته واجب غيريّ ، لا بعنوان كونه مقدّمة ، فالمقدّميّة علّة لعروض الوجوب على الوضوء مثلا. وعليه : فليس في مقدّمة الواجب جهتان تقييديّتان حتى يتعلّق الأمر بإحداهما ، والنهي بالأخرى.

فلا تندرج مقدّمة الواجب في مسألة اجتماع الأمر والنهي ، بل تندرج في مسألة النهي عن العبادة إن كانت المقدّمة عبادة ، وفي النهي عن المعاملة إن كانت معاملة ، إذ الأمر والنهي يتعلّقان بعنوان واحد ـ كالوضوء في المثال ـ وإن كان ملاكهما متعدّدا ،

٣٧٥

أنّه لا يكون من باب الاجتماع كي تكون (١) مبنية عليه ، لما (٢) أشرنا إليه غير مرّة : أنّ الواجب (٣) ما هو بالحمل الشائع مقدّمة ، لا بعنوان المقدّمة (٤) ، فيكون (٥) (*) على الملازمة من باب النهي في العبادة والمعاملة.

______________________________________________________

فإنّ تعدّد الملاك لا يوجب انثلام وحدة عنوان معروض الحكم ، فمقدّمة الواجب أجنبيّة عن مسألة اجتماع الأمر والنهي ، لاختلافهما موضوعا. وتكون من صغريات مسألة النهي عن العبادة ، أو المعاملة ، كما لا يخفى.

(١) يعني : حتى تكون الثمرة ـ وهي : اجتماع الوجوب والحرمة بناء على الملازمة ـ مبنيّة على جواز اجتماع الأمر والنهي.

(٢) تعليل لقوله : ـ لا يكون من باب الاجتماع ـ ، وغرضه : بيان الفرق بين مقدّمة الواجب ومسألة اجتماع الأمر والنهي بحسب الموضوع ، وقد عرفت توضيحه.

(٣) وهو المقدّمة ، يعني : أنّ معروض الوجوب الغيري هو ما يحمل عليه المقدّمة بالحمل الشائع ، ومن المعلوم : أنّه ذات الشيء ، لا بعنوان كونه مقدّمة.

(٤) حتى يعرضها الوجوب بهذا العنوان ، والحرمة بعنوان الغصبيّة كي تندرج المقدّمة المحرّمة في مسألة اجتماع الأمر والنهي ، لما عرفت من : أنّ الوضوء بذاته يحمل عليه «مقدّمة» ، لا بعنوان مقدّميته ، بل هذا العنوان جهة تعليليّة لعروض الوجوب الغيري على ذات الوضوء ، فمعروض الوجوب والحرمة شيء واحد ، وهو ذات الوضوء ، وليس فيه جهتان يتعلّق الوجوب بإحداهما والحرمة بالأخرى حتى تندرج في صغريات مسألة اجتماع الأمر والنهي ، بل تكون من النهي عن العبادة ، أو المعاملة.

(٥) يعني : فيكون اجتماع الوجوب والحرمة ـ بناء على الملازمة ـ بعد ما عرفت من أجنبيّة مقدّمة الواجب عن مسألة اجتماع الأمر والنهي مندرجا في مسألة النهي عن العبادة أو المعاملة ، فقوله : ـ فيكون ـ نتيجة لما أفاده في الفرق بين مقدّمة الواجب ، ومسألة اجتماع الأمر والنّهي.

__________________

(*) بل الحق ـ كما أفاده المحقق النائيني (قده) على ما في تقريراته ـ هو :

٣٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

كون المقام من صغريات مسألة الاجتماع ، لا مسألة النهي عن العبادة ، أو المعاملة.

تقريبه : أنّ صغرويّة المقدّمة المحرّمة لمسألة الاجتماع ـ بناء على وجوب المقدّمة ـ لا تتوقّف على تعلّق الطلب الغيري بعنوان المقدّمة ، بداهة كفاية انضمام عنوان ذي حكم تحريميّ إلى عنوان ما هو مقدّمة بالحمل الشائع في تحقّق صغرى من صغريات مسألة الاجتماع ، لانطباق عنوانين عليه. مثلا : المسير إلى الحج في أرض مغصوبة ينطبق عليه عنوانان : أحدهما : السير ، وهو واجب ، لمقدّميّته للحج ، والآخر : التصرّف في مال الغير بدون إذنه ، وهو حرام ، فيندرج هذا السير باعتبار العنوانين المزبورين في باب اجتماع الأمر والنهي.

نعم إذا فرض تعلّق النهي بنفس ما ينطبق عليه عنوان المقدّمة ، كما إذا تعلّق النهي بنفس عنوان الوضوء الّذي هو مقدّمة ، كان ذلك من صغريات مسألة النهي عن العبادة أو المعاملة ، وأجنبيّا عن مسألة الاجتماع.

وبالجملة : فصغرويّة المقدّمة المحرّمة ـ بناء على وجوب المقدّمة ـ لكبرى مسألة اجتماع الأمر والنهي لا تنافي كون عنوان المقدّمة من الجهات التعليليّة ، فتصح هذه الثمرة ولو بنحو الإيجاب الجزئي.

والإشكال عليه : بما في حاشية العلامة الأراكي (قده) : «من عدم تعدّد العنوان حتى يندرج المقدّمة المحرّمة في مسألة الاجتماع ، بل متعلق الوجوب والحرمة فيها واحد ، فتكون من صغريات النهي عن العبادة ، أو المعاملة. توضيحه : أنّ من المعلوم كون المقدّمة عنوانا مشيرا إلى ما يكون بخصوصيّته الوجوديّة كالوضوء للصلاة ، والطواف الواجب ، والسير للحج مقدّمة للواجب. وأمّا متعلّق النهي ، فهو وإن كان نفس الطبيعة على ما هو شأن القضايا الحقيقيّة ، لكن لا بما هي هي ، بل بما هي مرآة للخارج ، فيكون متعلق النهي نفس السير ، أو الوضوء مثلا الّذي

٣٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

هو المقدّمة أيضا ، فمتعلق الأمر والنهي نفس السير ، وهو واحد ، وليس هذا إلّا صغرى من صغريات النهي عن العبادة ، أو المعاملة ، فما أفاده في الكفاية متين ، دون ما في التقرير المنسوب إلى المحقق النائيني قده» مما لا يمكن المساعدة عليه :

أما أوّلا : فلأنّ حمل العناوين المأخوذة في حيّز الخطابات على المشيريّة دون الموضوعيّة يوجب لغويّة تلك العناوين ، وعدم إناطة الأحكام بها ، وهو خلاف ظاهرها من الموضوعيّة.

وأمّا ثانيا : فلاستلزامه إنكار القضايا الحقيقيّة في الشرعيات ، لصيرورتها حينئذ من القضايا الخارجيّة.

وأمّا ثالثا : فلاستلزامه اعتبار قصد القربة بالنسبة إلى الخصوصيّات واللوازم الوجوديّة الّتي يتوقّف عليها وجود العبادة ، حيث إنّ الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد ، فيجب نيّة القربة في كلّ خصوصيّة من زمان ومكان ، وغيرهما في الصلاة مثلا ، إذ المفروض وقوع جميع اللّوازم الوجوديّة في حيّز الخطاب ، مع أنّه تشريع محرّم قطعا.

وتوهم : أنّ الموجب للالتزام بكون الطبائع مرائيا للأفراد الخارجيّة ، وأنّ متعلّقات الأحكام حقيقة هي نفس الأفراد هو : قيام المصالح والمفاسد الّتي هي دواعي التشريع بالأفراد الخارجيّة ، لا بالطبائع من حيث هي هي ، فاسد ، لأنّ الملاكات الداعية إلى التشريع قائمة بوجودات الطبائع مع الغضّ عن اللّوازم الوجوديّة وإن كانت هي علّة لتلك الوجودات ، لكنها غير ملحوظة في مقام التشريع. وسيأتي مزيد توضيح له في مسألة تعلّق الأحكام بالطبائع أو الأفراد إن شاء الله تعالى.

٣٧٨

وثانيا (١) : لا يكاد يلزم الاجتماع أصلا ، لاختصاص (٢) الوجوب بغير المحرّم في غير صورة الانحصار به (٣). وفيها (٤) اما لا وجوب للمقدّمة ، لعدم وجوب

______________________________________________________

(١) هذا هو الإيراد الثاني ، وحاصله : أنّه لا يلزم اجتماع الوجوب والحرمة في المقدّمة المحرّمة حتى على القول بالوجوب ، وذلك لأنّ المقدّمة إن كانت منحصرة في الفرد المحرّم منها ، كانحصار المركوب في الدّابّة المغصوبة مثلا ، فلا محالة تقع المزاحمة حينئذ بين وجوب ذي المقدّمة كالحج في المثال ، وبين حرمة مقدّمته كالركوب.

فعلى تقدير أهميّة وجوب الحج من حرمة مقدّمته لا تتّصف إلّا بالوجوب ، فلا حرمة لها حتى تتّصف بالوجوب والحرمة معا. وعلى تقدير أهميّة حرمة المقدّمة من وجوب الحج لا تتّصف المقدّمة إلّا بالحرمة.

فعلى التقديرين : لا يجتمع الوجوب والحرمة في المقدّمة حتى تندرج في مسألة اجتماع الأمر والنهي.

وإن لم تكن المقدّمة منحصرة في الفرد المحرّم ، كما إذا كان في المثال دابّتان محرمة ومباحة ، فلا تتّصف المقدمة المحرمة بالوجوب ، لأنّ حرمتها تمنع عن سراية الوجوب الغيري إليها ، حيث إنّ المانع الشرعي كالعقلي. وإنّما يسري الوجوب الغيري إلى الدابّة المباحة ، فتكون هي المقدّمة الواجبة ، دون المحرّمة.

فالمتحصل : أنّ المقدمة في كلتا صورتي الانحصار بالمحرّم وعدمه لا تتصف بالوجوب والحرمة معا حتى تعدّ من صغريات مسألة الاجتماع.

(٢) تعليل لقوله : ـ لا يكاد يلزم الاجتماع ـ ، وقد عرفت آنفا توضيحه.

(٣) أي : بالمحرم ، يعني : أنّ وجوب المقدّمة لا يسري إلى الفرد المحرم مع وجود المباح.

(٤) أي : في صورة الانحصار إمّا لا وجوب للمقدّمة ، لأهميّة حرمتها من وجوب ذيها ، فتكون المقدّمة محرمة لا غير. وإمّا لا حرمة للمقدّمة ، لأهميّة وجوب ذيها الموجبة لارتفاع الحرمة عنها ، فالمقدّمة حينئذ واجبة فقط.

٣٧٩

ذي المقدّمة ، لأجل المزاحمة (١). وإمّا لا حرمة لها لذلك (٢) ، كما لا يخفى.

وثالثا (٣) (*) : أنّ الاجتماع وعدمه لا دخل له في التوصّل بالمقدّمة

______________________________________________________

فعلى التقديرين : لا يجتمع الوجوب والحرمة في المقدّمة حتى تندرج في مسألة اجتماع الأمر والنهي.

ولا يخفى : أنّ مرجع ما أفاده المصنّف (قده) من الإشكالين بقوله : «وفيه أوّلا ... وثانيا ... إلخ» إلى منع الصغرى ، وأنّ المقدّمة المحرّمة ولو على القول بالملازمة بين وجوب المقدّمة وذيها لا تندرج في مسألة الاجتماع.

(١) بين وجوب ذي المقدّمة وبين حرمة المقدّمة ، وارتفاع وجوب ذي المقدّمة لأهميّة حرمة مقدّمته.

(٢) أي : للمزاحمة ، فإنّ حرمة المقدّمة ترتفع ، لأهميّة وجوب ذيها منها.

(٣) هذا هو الإيراد الثالث على الثمرة المذكورة ، وحاصله : أنّه ـ بعد تسليم صغروية المقدّمة المحرّمة لمسألة الاجتماع ـ لا يجدي ذلك ، ولا يترتّب على صغرويّتها لها ثمرة عمليّة أصلا ، وذلك لأنّ المقدّمة إمّا توصليّة ، وإمّا تعبّديّة.

فعلى الأوّل : يمكن التوصل بالمقدّمة من غير فرق بين القول باجتماع الأمر والنهي وعدمه ، لأنّ التوصّل بها إلى ذي المقدّمة ذاتيّ ، وغير مستند إلى الأمر بها ، ففائدة المقدّمة ـ وهي : التوصّل إلى ذي المقدّمة الموجب لسقوط الأمر به ـ تترتّب عليها على كل حال سواء قيل بوجوب المقدّمة أم لا ، وسواء قيل بجواز

__________________

(*) قد حكى عن بعض أعاظم تلامذة المصنّف قدس‌سرهما : أنّ الماتن قد ضرب في الدورة الأخيرة من البحث على الإيراد الثاني ، وجعل الإيراد الثالث مكانه ولذا قال : «وثانيا انّ الاجتماع وعدمه لا دخل له في التوصّل بالمقدّمة المحرّمة ... إلخ» ولا بأس بما صنعه (قده) ، إذ لا وجه لاختصاص الوجوب بغير المحرّم في صورة عدم الانحصار إلّا عدم جواز الاجتماع ، فالأولى إسقاط الإيراد الثاني ، فتدبّر.

٣٨٠