منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٥٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وهي ما لا يكون داخلاً في الواجب ذاتاً وإن كان داخلاً فيه تقيّداً.

والخارجية بهذا المعنى تنقسم باعتبارات عديدة على أقسام ، فباعتبار أنحاء الدخل إلى السبب ، والشرط ، والمُعِد ، والمانع.

وباعتبار الحاكم بالمقدمية إلى العقلية ، والشرعية ، والعادية.

وباعتبار ما يُضاف إليه المقدمة ـ أعني الواجب ـ إلى مقدمة الصحة ، ومقدمة الوجود ، إلى غير ذلك من الاعتبارات الموجبة لتكثُّر الأقسام.

والغرض من هذا التطويل : أنّه كان على المصنّف (قده) وغيره من الأُصوليين أن يقسِّموا المقدمة أوّلاً إلى الداخلية والخارجية ، ثمّ يقسِّموا الخارجية ثانياً إلى أقسام ، لظهور تقسيم المتن وغيره في كون المقسم في تلك الأقسام مطلق المقدمة الشامل للداخلية أيضا ، حيث إنّ قوله : ـ ومنها تقسيمها إلى العقلية والشرعية ... إلخ ـ معطوفاً على قوله : ـ منها تقسيمها إلى الداخلية ... إلخ ـ كالصريح في ذلك ، مع أنّه ليس كذلك ، ضرورة أنّ جميع الأقسام المذكورة بعد المقدمة الداخلية مندرجة في خصوص المقدمة الخارجية ، بحيث تكون أقساماً لها فقط ، لا لمطلق المقدمة.

وهذا نظير أن يقال : «الشك إمّا يلاحظ فيه الحالة السابقة ، وإمّا لا تلاحظ فيه ، وعلى الثاني إمّا يكون الشك في نفس التكليف ، وإمّا في المكلّف به» ، فإنّ من المعلوم : أنّ الأقسام الثلاثة من الشك في التكليف أو المكلف به مع إمكان الاحتياط أو عدمه ليست أقساماً لمطلق الشك ، بل لخصوص الشك غير الملحوظ معه الحالة السابقة.

ونظير انقسام الكلمة إلى الاسم والفعل والحرف ، ثم انقسامها إلى المبتدأ ، والخبر ، والفاعل ، وغير ذلك ، فإنّ المنقسم إلى المبتدأ ، والخبر ، والفاعل وغيرها هو الكلمة المقيّدة بكونها اسماً ، لا مطلق الكلمة الّذي هو المقسم بين الاسم ، والفعل ، والحرف ، كما هو ظاهر.

١٢١

في تحديدها (١) بالنقض (٢) والإبرام (٣) إلّا أنّه غير مهم (٤) في المقام.

ومنها : تقسيمها إلى العقلية والشرعية والعادية (٥) ، فالعقلية هي ما استحيل واقعاً وجود ذي المقدمة بدونه (٦) ،

______________________________________________________

(١) كتحديد السبب في القوانين والتقريرات وغيرهما ب : «ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته» ، والشرط ب : «ما يلزم من عدمه عدم المشروط ، ولا يلزم من وجوده وجوده» ، والمانع ب : «ما لا يلزم من عدمه عدم شيء بل يلزم من وجوده عدم شيء».

(٢) كنقض حدِّ السبب طرداً بالجزء الأخير من العلة التامة ، ومن المركب ، وبلوازم السبب ، وغير ذلك ، لصدق حدِّ السبب على الجميع ، إذ يلزم من وجودها وجود العلة التامة ، والمركب ، والسبب ، ومن عدمها عدمها ، وعكساً بعدم شموله ـ كما في الفصول ـ لما إذا كان لشيء أسباب ، فإنّه لا يلزم من عدم أحدها العدم مع قيام الآخر مقامه.

(٣) كإرجاع الأسباب العديدة إلى القدر المشترك الّذي هو سبب واحد ، فلا يلزم انتقاض حدِّ السبب عكساً ، وبجعل لفظة ـ من ـ في التعريف للسببيّة حتى لا يلزم انتقاض حدِّه طرداً ، فراجع البدائع والتقريرات وغيرهما من الكتب المبسوطة.

(٤) وجه عدم كونه مهمّاً كما في التقريرات هو : أنّ المقصود من هذا التقسيم تشخيص ما هو مراد المفصِّل في وجوب المقدمة بين السبب والشرط وغيرهما ، لكن لمّا لم يرتض المصنف (قده) هذا التفصيل ، لدخول جميع أقسام المقدمة في محل النزاع من دون خصوصية لبعضها ، فليس التعرض لحدودها بمهم.

٢ ـ المقدمة العقلية والشرعية والعادية

(٥) كان التقسيم المتقدم باعتبار أنحاء الدخل ، وكيفية تأثير المقدمة من كونها علة ، أو جزءاً لها ، أو شرطاً لتأثيرها ، كما أنّ هذا التقسيم يكون باعتبار الحاكم بالإناطة والمقدمية كما أشرنا إليه في التعليقة.

(٦) كما في العلل والمعلولات التكوينية ، فإن معلولاتها منوطة بها ، بحيث يمتنع وجودها بدون عللها ، ومثل له في القوانين وتقريرات شيخنا الأنصاري (قده) ب : «العلوم

١٢٢

والشرعية على ما قيل (١) ما استحيل وجوده بدونه (٢) شرعاً ، ولكنه لا يخفى رجوع الشرعية إلى العقلية (٣) (*) ، ضرورة

______________________________________________________

النظرية ، فإنّ حصولها على وجه النّظر موقوف على العلم بالمقدمات ، لامتناع حصول المعلول بدون العلة المقتضية لذلك».

(١) يظهر هذا التفسير من التقريرات وغيرها ، ومثل لها بالطهارة ، فإنّ الصلاة موقوفة عليها شرعاً ، إذ لا توقف للحركات الخاصة من الركوع والسجود وغيرهما لا وجوداً ولا عدماً على الطهارة ، هذا.

(٢) مرجع هذا الضمير ـ ما ـ الموصولة ، وضمير ـ وجوده ـ راجع إلى ـ ذي المقدمة ـ.

(٣) قال في التقريرات : «والتحقيق أنّ المقدمة الشرعية مرجعها إلى المقدمة العقلية ، إذ لا يخلو الأمر من أحد وجهين : أحدهما : كون المقدمة معتبرة شرطاً في المأمور به ، كقوله : ـ صلِّ عن طهارة ـ. ثانيهما : عدم كونها قيداً شرعياً في المأمور به ، بل الشارع ـ لاطّلاعه على الأُمور الواقعية ـ كشف عن توقف وجود الصلاة واقعاً على الطهارة. وعلى التقريرين ترجع المقدمة الشرعية إلى العقلية. أمّا على الأوّل فلامتناع حصول المقيّد بدون قيده عقلاً. وأمّا على الثاني ، فلأنّ الفعل الخاصّ الصادر من المكلف الوافي بالمصلحة لا يتحقق بدون الطهارة ، فالتوقف في كلتا الصورتين عقليٌّ» انتهى ملخصاً ، والفرق بين الوجهين هو : كون الشرع واسطة ثبوتية في الأوّل ، وإثباتية في الثاني.

__________________

(*) توضيح المقام : أنّ هذا التقسيم ان كان ناظراً إلى مقام الإثبات والدلالة بأن يكون الدال على التوقف ، والحاكي عنه هو العقل أو الشرع ، نظير انقسام الدلالة إلى العقليّة ، والوضعيّة وغيرهما ، فلا ترجع المقدمة الشرعية إلى العقلية أصلاً ، كما لا يخفى ، ولا يلائمه أيضا مقابلة المقدمة العادية للشرعية والعقلية ، إذ ليس المراد بها هنا العرف ـ كما هو أحد إطلاقاتها في غير المقام ـ حتى

١٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

تكون كاشفة ، بل المراد بها : عدم كون التوقف والمقدمية بحسب الواقع ، بل بحسب عادة الناس ، كتوقف الكون على السطح على نصب السلّم.

نعم توقفه على قطع المسافة واقعي ، لامتناع الطفرة ، فوجه المقابلة حينئذٍ هو مجرد تحقق المقدمية بكل منها ظاهراً وإن كان المناط فيها مختلفاً من حيث الكشف في بعضها ، والقيدية في الآخر وهو المقدمة العادية.

وان كان ناظراً إلى مقام الثبوت وهو التوقف الواقعي ، فلا تقبل المقدمة هذا الانقسام أصلاً ، لأنّه راجع إلى التوقف التكويني من دون دخل للعقل أو الشرع أو العادة فيه ، فلا موضوع حينئذٍ للبحث عن رجوع المقدمة الشرعية إلى العقلية.

وان كان ناظراً إلى مقام الجعل بأن يكون الجاعل للمقدمية الشرع ، أو العقل ، أو العادة ، فلا وجه له أيضا ، إذ ليس شأن العقل الجعل والتشريع ، بل وظيفته إدراك الحُسن والقبح وغيرهما ، وهو المراد بالأحكام العقليّة. وكذا العادة ، فإنّها ليست جاعلة لحكم ، بل والشرع أيضا ، بناءً على ما قيل من «عدم قابلية الأحكام الوضعيّة للجعل ، وكونها أُموراً واقعية كشف عنها الشارع ، فتأمل.

والحق أنّ المقدمة الشرعية (ان كانت) بمعنى تقيّد الواجب شرعاً بقيود وجودية كالطهارة ، والستر ، والاستقبال وغيرها مما يعتبر شرطاً في الصلاة ، أو عدمية كعدم الاستدبار ، ولُبس ما لا يؤكل وغيرهما مما يعد مانعاً ، فلا إشكال في مغايرتها للمقدمة العقلية ، لأنّ اعتبار هذه الأُمور وجوداً أو عدماً في الصلاة ، والتقيد بها إنّما هو بجعل الشارع ، ولا مسرح للعقل فيها أصلا ، فلا ترجع المقدمة الشرعية إلى العقلية قطعاً. (وان كانت) بمعنى توقف المقيّد بما هو مقيّد على وجود قيده بحيث ينتفي بانتفائه ، فلا ينبغي الإشكال في رجوعها إلى المقدمة العقلية ، لكن الإضافة إلى الشرع قرينة على إرادة المعنى الأوّل ، هذا.

١٢٤

أنّه لا يكاد يكون مستحيلاً ذلك (١) شرعاً إلّا إذا أُخذ فيه شرطاً وقيداً ، واستحالة المشروط والمقيّد بدون شرطه وقيده يكون عقلياً.

وأمّا العاديّة (فإن كانت) بمعنى أن يكون التوقف عليها بحسب العادة بحيث يمكن تحقق ذيها بدونها ، إلّا أنّ العادة جرت على الإتيان به بواسطتها (٢) فهي (٣) وإن كانت غير راجعة إلى العقلية (٤) إلّا أنّه (٥) لا ينبغي توهم دخولها في محل النزاع ، (وان كانت) (٦) بمعنى أنّ التوقف عليها وان كان

______________________________________________________

(١) اسم ـ يكون ـ و ـ مستحيلاً ـ خبره ، يعني : أنّه لا يكون وجود ذي المقدمة مستحيلاً شرعاً إلّا إذا أُخذت المقدمة في ذيها شرطاً ، فضمير ـ فيه ـ راجع إلى ـ ذي المقدمة ـ ومن المعلوم أنّ المقيّد ينتفي بانتفاء قيده عقلاً.

(٢) أي : المقدمة العادية.

(٣) هذا جواب الشرط أعني قوله : ـ فإن كانت ـ.

(٤) وجه عدم رجوعها إلى العقلية هو كون المقدمية بحسب العادة فقط.

(٥) الضمير للشأن ، ووجه عدم دخولها في محل النزاع هو : انتفاءُ المقدمية حينئذٍ حقيقة ، إذ المفروض عدم توقف الصعود على السطح على نصب السلّم إلّا بحسب العادة ، لإمكان الصعود بالحبل أو غيره ، كإمكان الوعظ والتدريس بغير المنبر ، مع جريان العادة على إلقائهما علي المنبر ، فالمقدمة العادية بهذا المعنى ـ مضافاً إلى مغايرتها للمقدمة العقلية وعدم رجوعها إليها ـ ليست بمقدمة حقيقة ، فهي خارجة عن حريم نزاع وجوب المقدمة موضوعاً.

(٦) معطوف على قوله : ـ فإن كانت ـ وملخص مرامه : أنّ للمقدمة العادية معنيين :

أحدهما : ما تقدم آنفاً ، وقد عرفت مغايرته للمقدمة العقلية ، وعدم رجوعها إليها.

ثانيهما : ما يرجع إلى المقدمة العقلية ، وتوضيحه منوط بتقديم مقدمة ، وهي : أنّ الممتنع واقعاً (تارة) يكون امتناعه لأمرٍ برهاني عقلي كالكون على السطح بدون طيِّ المسافة ، حيث إنّه مترتب على الطفرة التي قام البرهان على امتناعها ، (وأخرى)

١٢٥

فعلا (١) واقعياً كنصب السلم ونحوه (٢) للصعود على السطح ، إلّا أنّه (٣) لأجل (٤) عدم التمكن عادة من الطيران الممكن عقلاً ، فهي (٥) أيضا (٦) راجعة إلى العقلية ،

______________________________________________________

لأمر طبعي عادي كطيران الإنسان ، فإنّ امتناعه إنّما هو لعدم كون الجسم الثقيل بطبعه قابلاً للطيران إلّا بقاسر خارجي من جناح ، أو قوة خارقة للعادة ، فإنّه ليس ممتنعاً برهاناً ، لكنه بالقياس إلى عادم القاسر المزبور محال عقلا. إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم :

أنّ المراد بالمقدمة العادية ما هو مقدمة لما يمتنع بدونها عادة وان لم يمتنع في نفسه عقلاً كامتناع الصعود على السطح بدون نصب السلّم وغيره من أسباب الصعود ، فإنّه محال عادة وإن كان في نفسه ممكناً عقلاً ، فوجوده بدون السبب محال عقلا ، فلا محالة ترجع المقدمة العادية إلى العقلية ، لكون توقف الصعود على السطح لغير القادر فعلاً على الطيران عقلياً ، فالقدر المشترك بين نصب السلّم ونحوه من المقدمات التي يترتب عليها الكون على السطح مقدمة عادية ، لجريان العادة على إيجاد الواجب وهو الصعود على السطح بتلك المقدمات لفاقد القدرة على الطيران فعلاً وإن كان قادراً عليه عقلا.

(١) قد عرفت : أنّ التقييد بالفعلية لإخراج التوقف بحسب الإمكان ، إذ مع إمكان الطيران عقلاً لا يتوقف الكون على السطح على نصب السلّم ونحوه.

(٢) إشارة إلى : أنّ المقدمة العادية هي القدر المشترك بين نصب السلّم ونحوه من المقدمات في مقابل الصعود بالطيران ، لا خصوص إحداها كنصب السلّم.

(٣) الضمير راجع إلى ـ التوقف الواقعي فعلا ـ وهذا تقريب إرجاع المقدمة العادية إلى العقلية ، يعني : أنّ ملاك المقدمية وهو التوقف وإن كان ثابتاً في المقدمة العادية ، إلّا أنّ هذا التوقف عقليٌّ ، لاستحالة الصعود على السطح لغير الطائر الفعلي عقلاً بدون مثل نصب السلّم وإن كان الطيران بذاته ممكناً.

(٤) خبر ـ انه ـ.

(٥) هذا جواب الشرط أعني قوله : ـ وان كانت ـ ، والضمير راجع إلى العادية.

(٦) يعني : كالمقدمة الشرعية في الرجوع إلى العقلية.

١٢٦

ضرورة استحالة الصعود بدون مثل النصب عقلا لغير الطائر فعلاً وان كان طيرانه ممكناً ذاتاً ، فافهم (١).

ومنها : تقسيمها إلى مقدمة الوجود ، ومقدمة الصحة ، ومقدمة الوجوب (*) ومقدمة العلم (٢) ، لا يخفى رجوع مقدمة الصحة إلى مقدمة الوجود (٣) ولو على

______________________________________________________

(١) لعله إشارة إلى : منع رجوع المقدمة العادية إلى العقلية ، لأنّ المناط في المقدمة هو كون التوقف عقليّاً ، ومع فرض إمكان الطيران عقلاً كما نبّه عليه بقوله : ـ وان كان طيرانه ممكنا ذاتا ـ لا يكون توقف الصعود على نصب السلّم عقلياً ، بل عادياً.

٣ ـ مقدمة الوجود والصحة والوجوب والعلم

(٢) توضيحه : أنّ المقدمة تارة تكون مما يتوقف عليه نفس الواجب ، كطيِّ المسافة ، فإنّه مما يتوقف عليه وجود مناسك الحج للنائي.

وأُخرى مما يتوقف عليه وصفه كصحّته المتوقفة على شرائطه ، كالطهارة ونحوها من الشروط بالنسبة إلى الصلاة ، فإنّها مما يتوقف عليها صحة الصلاة.

وإن شئت فقل : إنّ ما يتوقف عليه انطباق المأمور به على المأتي به هو المسمى بمقدمة الصحة بناءً على كون الصحة عبارة عن الانطباق المذكور.

وثالثة مما يتوقف عليه وجوب الواجب كالبلوغ والعقل من الشرائط العامة ، والاستطاعة للحج من الشرائط الخاصة.

ورابعة مما يتوقف عليه العلم بوجود الواجب كالإتيان بالصلاة في الثوبين المشتبهين عند اشتباه الطاهر بالنجس ، وكالإتيان بها إلى الجهتين عند اشتباه القبلة بينهما ، ونحو ذلك مما يتوقف العلم بوجود المأمور به في الخارج عليه.

(٣) أمّا رجوعها إلى مقدمة الوجود ـ بناءً على الوضع للصحيح ـ فواضح ،

__________________

(*) لا يخفى ما في جعل مقدمة الوجوب من أقسام مقدمة الواجب من المسامحة ، إذ المقصود هو البحث عن الملازمة بين وجوب الواجب وبين وجوب مقدمته ، ومن المعلوم تأخّر هذا البحث عن ثبوت الوجوب للواجب ، والفراغ عنه

١٢٧

القول بكون الأسامي موضوعة للأعم ، ضرورة أنّ الكلام في مقدمة الواجب ، لا في مقدمة المسمى بأحدها ، كما لا يخفى.

ولا إشكال في خروج مقدمة الوجوب عن محل النزاع ، وبداهة (١) عدم اتصافها بالوجوب من قبل الوجوب المشروط بها.

______________________________________________________

لأنّ غير الصحيح ليس فرداً للماهية المأمور بها حتى يكون وجوداً لها. وأمّا بناءً على الوضع للأعم ، فلأنّ محل الكلام هو مقدمة الواجب ، لا مقدمة المسمى بالصلاة مثلا ، فالفرد الفاسد وإن كان فرداً للمسمى لكنه ليس فرداً للواجب ، لأنّ الواجب خصوص الصحيح ، فكل ما يتوقف عليه صحة الواجب كالطهارة للصلاة يعدّ مقدمة وجودية للواجب ، فمقدمة الصحة ترجع إلى مقدمة الوجود مطلقاً وإن قلنا بوضع ألفاظ العبادات لخصوص الصحيحة.

(١) معطوف على ـ خروج ـ ، وحاصله : عدم إمكان اتصاف مقدمة الوجوب بوجوب ذيها المشروط بنفس هذه المقدمة ، كالاستطاعة التي هي شرط وجوب الحج ، فإنّها لا تتصف بهذا الوجوب المترتب عليها ، لأنّ الاستطاعة من قبيل جزء العلة لوجوب الحج ، فهي متقدمة على الوجوب تقدم العلة على المعلول ، فلا يعقل ترشّح الوجوب عن المعلول على العلة ، لأنّه إمّا يلزم تحصيل الحاصل إن ثبت وجوب المقدمة من أمر خارج ، أو تقدم الشيء على نفسه إن أُريد إثباته من نفس وجوب ذي المقدمة ، وكلاهما محال.

__________________

ليصح البحث عن ترشّح وجوبه على المقدمة.

وبالجملة : نفس عنوان مقدمة الواجب كالصريح في كون المراد بالمقدمة في مورد البحث هو مقدمة الواجب الّذي وجوبه مفروغ عنه ، فالمقدمة الوجوبية خارجة عن المقسم أعني مقدمة الواجب موضوعاً ، لا حكماً ، كما هو ظاهر قول المصنف : «ولا إشكال في خروج مقدمة الوجوب عن محل النزاع» بل صريحه ، لعدّه لها أوّلاً من أقسام المقدمة ، وإخراجها ثانياً عن محل النزاع.

١٢٨

وكذلك المقدمة العلمية (١) وان استقل العقل بوجوبها (٢) ، إلّا أنّه (٣) من باب وجوب الإطاعة إرشاداً (٤) ليؤمن من العقوبة على مخالفة الواجب المنجز ، لا مولوياً (*) من باب الملازمة (٥) وترشّح (٦) الوجوب عليها (٧) من قبل وجوب ذي المقدمة.

______________________________________________________

(١) يعني : أنّ المقدمة العلمية كمقدمة الوجوب أيضا خارجة عن حريم نزاع وجوب مقدمة الواجب ، وذلك لأنّ مورد البحث هو المقدمة التي يتوقف عليها وجود الواجب ، ومن المعلوم : عدم كون المقدمة العلمية ممّا يتوقف عليه وجود الواجب ، فإنّ الصلاة في الثوب المتنجس واقعاً ، أو إلى غير القبلة عند اشتباه الثوب الطاهر بالمتنجس ، واشتباه القبلة بين جهتين أو أكثر ليست علة لوجود المأمور به ، بل علّة للعلم بوجوده الموجب للقطع بالامتثال ، نعم وجوبها عقليٌّ ، لتوقف اليقين بالفراغ عليه ، وليس مولوياً ، ولذا يلتزم بهذا الوجوب من لا يلتزم بوجوب المقدمة شرعياً.

(٢) أي : المقدمة العلمية.

(٣) أي : الوجوب ، وحاصله : أنّ هذا الوجوب عقليٌّ محض من باب حكم العقل بوجوب دفع الضرر المترتب على مخالفة الواجب المنجز.

(٤) قيد ل ـ وجوب الإطاعة ـ.

(٥) يعني : بين الوجوب المولوي النفسيّ ، وبين الوجوب الغيري المقدمي.

(٦) معطوف على ـ الملازمة ـ ومفسّر لها.

(٧) أي : على المقدمة العلميّة.

__________________

(*) ويترتب على عدم مولويته عدم أثر للعلم الإجمالي ببطلان بعض ما أتى به من باب المقدمة العلمية ، كما إذا علم إجمالاً ببطلان إحدى الصلوات الواقعة إلى الجهات عند اشتباه القبلة ، أو بطلان إحدى الصلاتين في الثوبين المشتبهين ، فإنّه لا أثر لهذا العلم ، إذ لو كان الخلل في غير الصلاة الواقعية المأمور بها لم يترتب عليه أثر ، فلا مانع حينئذٍ من جريان قاعدة الفراغ في المأمور به الواقعي ، فتدبر.

١٢٩

ومنها (١) : تقسيمها إلى المتقدم والمقارن والمتأخّر (٢) بحسب الوجود (٣) بالإضافة إلى ذي المقدمة ، وحيث إنّها (٤) كانت من أجزاء العلة ، ولا بد من تقدُّمها (٥) بجميع أجزائها على المعلول أشكل الأمر في المقدمة المتأخرة كالأغسال

______________________________________________________

٤ ـ المتقدم والمقارن والمتأخر

(١) أي : ومن تقسيمات المقدمة الخارجية تقسيمها إلى المتقدمة والمقارنة وو المتأخرة ، حيث إنّ وجود المقدمة بالإضافة إلى وجود ذيها لا يخلو عقلاً من أحد هذه الأنحاء الثلاثة.

أمّا المتقدمة على وجود ذي المقدمة فكالوضوء والغُسل ، فإنّهما متقدمان على ذي المقدمة من الصلاة ، والطواف بناءً على كون المقدمة نفس الوضوء والغسل ، لا الطهارة المسببة عنهما ، وإلّا فيخرجان عن المقدمة المتقدمة إلى المقارنة.

وأمّا المقدمة المقارنة لوجود ذيها فكالستر ، والاستقبال للصلاة.

وأمّا المقدمة المتأخرة عن وجود ذيها فكالأغسال الليلية المعتبرة في صحة صوم المستحاضة عند جماعة ، فإنّ ذا المقدمة وهو صوم النهار السابق مقدم وجوداً على الأغسال الواقعة في الليلة المتأخرة ، وكالإجازة في عقد الفضولي بناءً على الكشف الحقيقي.

(٢) الأولى تأنيث هذا اللفظ وما قبله ، لكونها نعوتاً للمقدمة.

(٣) يعني : هذا التقسيم ناظر إلى لحاظ وجود المقدمة بالإضافة إلى ذيها.

(٤) أي المقدمة ، وغرضه تمهيد الإشكال على المقدمة المتأخرة ، بل المتقدمة أيضا.

وحاصل الإشكال : انّ المقدمة لمّا كانت من أجزاء علة وجود ذي المقدمة ، وقد ثبت في محله اعتبار مقارنة العلة زماناً لوجود المعلول ، وتقدُّمها عليه رتبة ، أشكل الأمر في المقدمة المتأخرة وجوداً عن المأمور به ، لاستلزامه تأخُّر العلة زماناً عن المعلول ، وتقدم المعلول كذلك على علّته ، وهو واضح الفساد ، لاستلزامه انفكاك الأثر عن المؤثر.

(٥) أي : تقدمها رتبة ، لا زماناً كما ربما يوهمه العبارة ، فالأولى أن يقال : ـ مقارنتها للمعلول ـ.

١٣٠

الليلية (١) المعتبرة في صحة صوم (٢) المستحاضة عند بعض (٣) ، والإجازة في صحة العقد على الكشف كذلك (٤) ، بل (٥) في الشرط أو المقتضى المتقدم على

______________________________________________________

(١) يعني : الغُسل للعشاءين.

(٢) يعني : صوم اليوم السابق.

(٣) بل مقتضى إطلاق عبارة الشرائع : «وإن أخلّت بالأغسال لم يصح صومها» ، ونحوها عبارة القواعد كون اعتبار الأغسال الليلية في صحة صوم النهار السابق مسلّما عندهم ، والتقييد بالأغسال النهارية إنّما صدر عن جماعة من المتأخرين على ما في مفتاح الكرامة ، وقال في محكي المصابيح : «وفيما يتوقف عليه الصوم من أغسالها أقوال ، وظاهر الأكثر توقفه على الجميع ، حيث أطلقوا فساد الصوم بترك ما يجب عليها من الغسل ، فيبطل بالإخلال بالكل أو البعض نهارياً كان أم ليلياً» ، ولكن عن جماعة منهم العلامة في التّذكرة والشهيد في الدروس والبيان «القطع بتوقفه على غسلي النهار خاصة» ، بل عزاه في محكي المدارك إلى المشهور ، والتفصيل موكول إلى محله.

(٤) يعني : عند بعض ، ومحصله : أنّ الإجازة في عقد الفضولي بناءً على الكشف الحقيقي تكون من الشرط المتأخر ، إذ المفروض ترتّب الأثر كالملكية على العقد من حين وقوعه مع انعدام الشرط وهو الإجازة في زمان صدور العقد ، وبناءً على النقل وسائر أنحاء الكشف تكون الإجازة من الشرط المقارن ، لا المتأخّر.

(٥) يعني : بل يُشكل الأمر في الشرط أو المقتضى المتقدم أيضا ، والغرض من ذلك تعميم الإشكال وعدم اختصاصه بالشرط المتأخر.

توضيحه : أنّه يعتبر في العلة أن تكون موجودة حين وجود معلولها ، بداهة امتناع تأثير المعدوم في الوجود ، وكما يمتنع تأثير الشيء قبل وجوده ، فكذلك يمتنع تأثيره بعد انعدامه. وعليه فلا يعقل تأثير الوصية في ملكية الموصى به للموصى له ، لأنّ الوصيّة معدومة حين الموت ، كما لا يعقل تأثير العقد في بيعي الصرف

١٣١

المشروط زماناً (١) المتصرِّم حينه (٢) كالعقد في الوصية ، والصرف ، والسلم (٣) بل (٤) في كل عقد بالنسبة إلى غالب أجزائه (٥) ، لتصرُّمها (٦) حين تأثيره (٧) مع ضرورة اعتبار مقارنتها معه (٨) زماناً ،

______________________________________________________

والسلم في الملكية التي تترتب على قبض الثمن في المجلس في بيع السلم والتقابض فيه في بيع الصرف ، مع تصرّم العقد حين القبض والتقابض ، فيلزم تأثير المعدوم في الوجود.

(١) قيد ل ـ المتقدم ـ ، وقوله : ـ المتصرّم ـ نعت ل ـ الشرط أو المقتضي ـ.

(٢) أي : حين المشروط كالملكية للموصى له ، فإنّها تترتب على الموت مع انعدام العقد حينه.

(٣) معطوفان على ـ الوصية ـ ، فإنّ الملكية فيهما مترتبة على القبض والتقابض مع انعدام العقد حينهما.

(٤) غرضه تعميم إشكال انخرام القاعدة العقلية وهي اعتبار مقارنة أجزاء العلة للمعلول زماناً لكل عقد ولو غير الوصية التمليكية والصرف والسلم بيانه : أنّ الإيجاب والقبول وكذا أجزاؤهما من الأُمور التدريجية المتصرِّمة ، فالجزءُ الأخير من القبول مقارن للأثر ، دون غيره من سائر أجزاء القبول وجميع أجزاء الإيجاب.

(٥) أي : العقد ، والتقييد بالغالب لإخراج الجزء الأخير من القبول ، لما عرفت من مقارنته للأثر.

(٦) تعليل لتعميم الإشكال لكل عقد ، وحاصله : أنّ أجزاء العقد متصرمة ، لكونها من الكلام الّذي هو تدريجي الحصول بحيث يتوقف وجود جزء منه على انعدام جزء آخر ، ولذا لا يكون الموجود من أجزائه حين التأثير إلّا الجزء الأخير من القبول ، كما مر ، فيلزم تأثير المعدوم في الوجود ، وتأخّر المعلول عن العلة زماناً.

(٧) أي : العقد.

(٨) أي : مقارنة أجزاء العقد مع الأثر الّذي يستفاد من قوله : ـ تأثيره ـ.

١٣٢

فليس (١) إشكال انخرام القاعدة العقلية مختصاً بالشرط المتأخر في الشرعيات ، كما اشتهر في الألسنة ، بل يعم الشرط والمقتضي المتقدِّمين المتصرِّمين حين الأثر (*).

والتحقيق في رفع هذا الإشكال (٢) أن يقال : إنّ الموارد التي توهم انخرام

______________________________________________________

(١) هذا متفرع على الإضراب الّذي أفاده بقوله : ـ بل في الشرط أو المقتضي ـ.

فتلخص : أنّ إشكال عدم مقارنة أجزاء العلّة للمعلول لا يختص بالمقدمة المتأخرة المعبّر عنها بالشرط المتأخر ، بل يعمّ المتقدمة أيضا ، لفقدان مقارنة أجزاء العلة زماناً للمعلول في كل من الشرط المتقدم والمتأخر ، ولزوم تأثير المعدوم في الوجود ، وانفكاك المعلول عن العلة زماناً في كليهما.

(٢) أي : إشكال انخرام القاعدة العقلية في الشرط المتأخر والمتقدم ، وتوضيح

__________________

(*) الحق عدم تعميم الإشكال للمقدمة المتقدمة ، واختصاصه بالمقدمة المتأخرة ، وذلك لأنّ العلة إمّا مؤثّرة بحيث يكون وجودها مساوقاً لوجود المعلول ، وموجبا لوجوبه ، لتبعية المعلول وجودا ووجوبا لوجود العلة ووجوبها وإمّا مقرِّبة للمعلول إلى صدوره ووجوده.

والأول شأن العلة التامة ، فإنّها متحدة زماناً مع المعلول ، ويمتنع الانفكاك بينهما.

والثاني شأن المعِدّ ، لأنّه يقرِّب المعلول إلى صدوره عن علته كقطع الطريق إلى المقصد كالمشي إلى مسجد الكوفة مثلاً ، فإنّ نقل الأقدام يوجب القُرب إلى المسجد ، وفي هذا القسم الثاني لا يعتبر التقارن الزماني بين العلة والمعلول. والمقدمة المتقدمة من قبيل هذا القسم الثاني ، يعني أنّها كالمعدّ لذيها ، فلا يعتبر تقارنها له زماناً.

وبالجملة : ففي الشرط المتقدم لا تنخرم القاعدة العقلية ، لعدم كونه مؤثّراً بل هو مقرب ، فإشكال انفكاك المعلول عن العلة ، وتأثير المعدوم فعلاً في الوجود كذلك يختص بالشرط المتأخر ، ولا يسري إلى غيره أعني المتقدم.

١٣٣

القاعدة فيها لا تخلو : إمّا أن يكون المتقدم والمتأخر شرطاً للتكليف أو الوضع ، أو المأمور به.

أما الأول ، فكون أحدهما (١) شرطاً له ليس إلّا أنّ للحاظه دخلاً في تكليف

______________________________________________________

ما أفاده في دفع الإشكال هو : أنّ الشرط المتقدم أو المتأخر إمّا شرط للتكليف ، أو للوضع ، أو للمأمور به ، فالأقسام ستة حاصلة من ضرب الاثنين ـ وهما المتقدم والمتأخر ـ في الثلاثة.

أما الأول ـ وهو شرط التكليف سواء أكان متقدماً عليه كالاستطاعة التي هي شرط لوجوب الحج ، ومقدم عليه ، أو متأخراً عنه كاعتراف الماء من الإناءِ المغصوب ، أو تفريغه في ظرف مباح في صورة انحصار الماء المباح فيه بناءً على وجوب الوضوء من أوّل الوقت بشرط الاغتراف أو التفريغ في إناءٍ مباح ـ فالمراد بشرطيته هو : أنّ الشرط لحاظه وتصوُّره ، لا وجوده العيني ، كما هو ظاهر إطلاق الشرط في سائر الموارد ، وذلك لأنّ كل فعل اختياري ومنه التكليف معلول للإرادة التي لا تتعلق بوجود شيء إلّا للمصلحة الموجبة لترجّحه على عدمه ، وتلك المصلحة تارة تقوم بذات الشيء فقط ، وأُخرى به مضافاً إلى غيره المقارن له ، أو المتقدم عليه ، أو المتأخر عنه ، فلأجل دخل ذلك الغير في الصلاح الموجب لترجح الوجود على العدم يلاحظه المكلِّف ـ بالكسر ـ سواء أكان ذلك الغير مقارناً ، أم مقدماً ، أم مؤخّراً.

ومن المعلوم : أنّ التصور مقارن للتكليف ، وإنّما المتقدم أو المتأخر هو وجود الملحوظ خارجاً ، لا نفس اللحاظ المفروض كونه شرطاً ، فلا تنخرم القاعدة العقلية وهي استحالة انفكاك الأثر عن المؤثر ، وتأثير المعدوم في الوجود ، وانفكاك العلّة عن المعلول.

والحاصل : أنّ الشرط هو اللحاظ ، لا الوجود الخارجي ، وانخرام القاعدة إنّما يلزم في الثاني دون الأوّل ، لوضوح كون اللحاظ من الشرط المقارن ، لا من المتقدم أو المتأخّر.

(١) مرجع هذا الضمير وضمير ـ للحاظه ـ هو ـ المتقدم أو المتأخّر ـ ، ومرجع وضمير ـ له ـ التكليف.

١٣٤

الآمر كالشرط المقارن بعينه ، فكما أنّ اشتراطه (١) بما يقارنه ليس إلّا أنّ لتصوره (٢) دخلاً في أمره بحيث لولاه (٣) لما كاد يحصل له الداعي إلى الأمر كذلك (٤) المتقدم أو المتأخر.

وبالجملة : حيث كان الأمر من الأفعال الاختيارية كان من مبادئه بما هو كذلك (٥) تصوُّر (٦) الشيء بأطرافه ليرغب في طلبه والأمر به (٧) بحيث لولاه (٨) لما رغب فيه ، ولما أراده واختاره ، فيسمي كل واحد من هذه الأطراف التي لتصورها (٩) دخل في حصول الرغبة فيه وإرادته (١٠) شرطاً ، لأجل (١١) دخل لحاظه في

______________________________________________________

(١) أي : اشتراط التكليف بما يقارنه زماناً كاشتراطه بالوقت.

(٢) أي : لتصور ما يقارن التكليف دخل في أمر الآمر.

(٣) يعني : لو لا تصوُّر المقارن لم يكن للآمر داع إلى الأمر ، حاصله : أنّه كما يكون لحاظ الشرط المقارن دخيلاً في الأمر كذلك الشرط المتقدم أو المتأخر ، فإنّ الدخيل في الأمر هو لحاظهما ، أي وجودهما العلمي ، لا العيني.

(٤) معادل لقوله : ـ فكما أنّ اشتراطه ـ.

(٥) أي : بما هو فعل اختياري ، وضمير ـ مبادئه ـ راجع إلى ـ الأمر ـ.

(٦) اسم ـ كان من مبادئه ـ.

(٧) الضمائر الثلاثة راجعة إلى ـ الشيء ـ.

(٨) أي : لو لا التصور لما رغب في ذلك الشيء ، ولما أراده واختاره ، لتوقف الإرادة على التصور المزبور.

(٩) أي : لتصور الأطراف دخل ... إلخ ، وحاصله : أنّ وجه تسمية تلك الأطراف من المقارنة والمتقدمة والمتأخرة بالشرط هو دخل تصوُّرها ووجودها العلمي في حصول الرغبة في ذلك الشيء ، وإرادته.

(١٠) هذا الضمير وضمير ـ فيه ـ راجعان إلى ـ الشيء ـ.

(١١) متعلق بقوله : ـ فيسمى ـ واللام للتعليل.

١٣٥

حصوله (١) كان (٢) مقارناً له (٣) أو لم يكن كذلك (٤) متقدماً أو متأخراً ، فكما في المقارن (٥) يكون لحاظه في الحقيقة شرطاً كان (٦) فيهما كذلك (*) ، فلا إشكال (٧) ،

______________________________________________________

(١) أي حصول الرغبة ، فالأولى تأنيث الضمير وإن أمكن تصحيحه بتأويل الرغبة بالميل ونحوه ، وضمير ـ لحاظه ـ راجع إلى ـ كل واحد ـ.

(٢) يعني سواء أكان وجود الملحوظ من تلك الأطراف خارجاً مقارناً للإرادة ، أم متقدماً عليها ، أم متأخراً عنها.

(٣) أي : لحصول الرغبة.

(٤) أي : مقارناً ، بل متقدماً أو متأخّرا.

(٥) أي : الشرط المقارن.

(٦) أي : كان اللحاظ في المتقدم والمتأخر شرطاً كشرطيته في المقارن.

(٧) يعني : فلا إشكال في الشرط المتقدم والمتأخر بالنسبة إلى التكليف ، إذ المفروض أنّ الشرط فيهما هو اللحاظ والوجود العلمي ، ومن المعلوم : أنّ اللحاظ مقارن للإرادة ، والمتقدم عليها والمتأخر عنها هو الوجود الخارجي ، لا العلمي.

فمحصل ما ذكره (قده) في دفع الإشكال عن التكليف : أنّ ما هو مأخوذ في التكليف شرطاً مقارن له زماناً وهو لحاظ المتقدم أو المتأخر ، ووجودهما العلمي ، وما هو متقدم عليه أو متأخر عنه غير مأخوذ فيه ، وهو وجودهما الخارجي ، فلا انخرام للقاعدة.

__________________

(*) لا يخفى ما في كلامه من الخلط بين شرائط الجعل ، وشرائط المجعول ، توضيحه : أنّ شرائط الجعل الّذي هو فعل اختياري هي لحاظ الفعل وجميع أطرافه المتقدمة والمقارنة والمتأخرة ، لأنّ الإرادة متوقفة على وجودها العلمي كالعلل الغائية ، فإنّ تصورها يوجب الإرادة ، لأنّ العلم بالفوائد المترتبة على الشيء يوجب البعث نحوه ،

١٣٦

وكذا الحال في شرائط الوضع مطلقاً ولو كان مقارناً (١)

______________________________________________________

(١) بيان للإطلاق ، وحاصل ما أفاده هو : كون شرائط الوضع كالملكيّة ، والزوجيّة ونحوهما من الأحكام الوضعيّة كشرائط التكليف في أنّ الشرط حقيقة في الحكم الوضعي هو اللحاظ أيضا ، فعقد الفضولي الملحوظ معه الإجازة يؤثِّر في الملكية مثلا ، ومن المعلوم : أنّ لحاظ الإجازة مقارن للملكية ، أو الزوجية ، أو غيرهما ، فليس في الحكم الوضعي شرط متقدم أو متأخر.

وبالجملة : فوزان شرائط الوضع وزان شرائط التكليف من دون لزوم انخرام القاعدة العقلية في شيءٍ منهما.

__________________

وهذا بخلاف شرائط المجعول المعبّر عنها بالموضوع ، فإنّ فعلية الحكم حينئذٍ منوطة بوجود موضوعه ، بخلاف إنشائه ، فإنّ فرض وجود الموضوع كافٍ فيه ، ومورد البحث في الشرط المتأخر هو شرائط المجعول ، لا شرائط الجعل.

فدفع إشكال الشرط المتأخر في الحكم بإرجاع الشرط إلى اللحاظ غير سديد.

نعم يتجه ما أفاده من جعل الشرط اللحاظ في القضايا الخارجية ، كقوله : ـ يا زيد ادخل داري ـ ، لأنّ الموضوع فيها الأشخاص والعناوين كالصداقة ، والقرابة ، والعلم ونحو ذلك تؤخذ ملاكاً ، ومن المعلوم : كفاية لحاظها في حصول الإرادة ، ولا يتجه ذلك في الأحكام الكلية التي هي من القضايا الحقيقيّة المنوطة فعلية الحكم فيها بفعلية موضوعه كما لا يخفى.

كما لا يندفع إشكال الشرط المتأخر بما نسب إلى صاحب الجواهر من : «أن استحالة تخلف المعلول عن علته وتقدمه عليها إنّما تكون في العلل والمعلولات التكوينية دون الأمور الاعتبارية التي منها الأحكام الشرعية ، لأنّ كيفية اعتبارها كأصله تابعة لاعتبار معتبرها ، فله اعتبار الملكية مثلاً في الصرف ، والسلم والوصية مع شرطية القبض والموت المتأخِّرين عن العقد لها ، واعتبار وجوب الحج مثلاً قبل الموسم مع كونه شرطا متأخراً. وبالجملة : فالأُمور الاعتبارية ليست كالمعلولات الحقيقية التابعة لعللها

١٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

______________________________________________________

وجوداً ، فلا مانع من الشرط المتأخر في الحكم الشرعي تكليفياً كان أم وضعياً».

وجه عدم الاندفاع : أنّ هذا خلاف الفرض ، إذ المفروض دخالة الأمر المتأخر في الحكم ، ولذا سمي شرطاً ، ومع دخله يمتنع تخلّف المشروط عنه وتحقّقه قبل شرطه ، ولا فرق في امتناع التخلف بين المعلول الحقيقي ، وبين المعلول الاعتباري.

كما لا يندفع إشكال الشرط المتأخر أيضا بما أفاده سيدنا الأُستاذ (١) مد ظله في الدرس من : «أنّ امتناع تخلّف المعلول عن العلة إنّما يكون في المؤثّر والمتأثر الحقيقيّين ، دون الأحكام الشرعية التي ليست إلّا أحكاماً مجعولة لموضوعاتها ، وليست رشحات لها ، لما ثبت في محله من امتناع جعل السببية ، فكل من الدلوك والعقد ونحوهما موضوع للوجوب ، أو الملكية ، أو الزوجية ، لا سبب لها. ومن المعلوم دوران الحكم مدار موضوعه ، فلا يحكم الشارع بالوجوب أو الملكية مثلا إلّا بعد تمامية الموضوع من الدلوك في الأوّل ، والقبض في الثاني ، وهكذا. وبالجملة : فالشرط المتأخر دخيل في الموضوع ، فلا تأخّر في الشرط حقيقة».

وجه عدم الاندفاع : أنّ هذا الوجه وإن كان صحيحاً ، لكنه أجنبي عن الشرط المتأخر الّذي هو عبارة عن دخل المتأخر في المتقدم بحيث يوجد الأثر الاعتباري قبل الشرط ويستند إليه ، وليس هذا مقتضى ما أفاده دام ظله ، بل مقتضاه عدم ترتب الأثر من التكليف أو الوضع إلّا بعد حصول الشرط الّذي هو جزء الموضوع حقيقة ، فلا أثر قبله ، وهذا خلاف الفرض.

كما لا يندفع إشكال الشرط المتأخر بما قيل من : «أنّ الممتنع هو تأخّر المقتضي الّذي يترشح منه المقتضى ـ بالفتح ـ عن مقتضاه ، وأمّا الشرائط فلما لم يكن من شأنها ترشح المعلول منها ، فلا مانع من تأخّرها عقلا».

__________________

(١) هو سيدنا الفقيه الشاهرودي.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وجه عدم الاندفاع : أنّ الشرط بعد فرض اعتباره ودخله في المعلول ولو لا بعنوان التأثير والرّشح يرجع تأخّره عن المشروط إلى الخلف والمناقضة كتأخّر المقتضي عن مقتضاه بلا تفاوت بينهما أصلا.

وبالجملة : فامتناع تأخّر الشرط عن المشروط كامتناع تأخّر المقتضي عن مقتضاه ، ولا وجه للتفكيك بينهما.

كما لا يندفع بما عن المحقق شيخ مشايخنا الميرزا النائيني (قده) من : «كون الشرط عنوان التعقب الّذي هو مقارن للمشروط لا متأخر عنه ، فالعقد المتعقب بالإجازة كما في بيع الفضولي ، أو طيب النّفس كما في بيع المكره يؤثّر في الملكية» وجه عدم الاندفاع أوّلا : أنّه خلاف ظاهر أدلة اعتبار الإجازة ، وطيب النّفس ، حيث إنّ ظاهرها دخل نفسهما في حصول مقتضى العقد من الملكية ، والزوجية ونحوهما ، لا دخل الأمر الانتزاعي كالتعقّب والتأخّر.

وثانيا : أنّ الأمور الانتزاعية لا واقعية ولا وجود لها حقيقة ، وإنّما الوجود لمنشإ انتزاعها ، فلا تصلح للتأثير في الوجود.

وثالثا : أنّه ليس دافعا للإشكال ، بل هو التزام بامتناع الشرط المتأخر ، لرجوعه إلى كون الشرط من المقارن ، فما أفاده قدس‌سره تبعا لصاحب الفصول في دفع الإشكال المزبور ممّا لا يمكن المساعدة عليه.

كما لا يندفع بما عن سيد الأساطين المحقق الميرزا الشيرازي على ما في فوائد المصنف (قدهما) من : «أنّ الشرط ليس المتقدم أو المتأخر بوجودهما الكوني الزماني كي يلزم المحذور ، بل بوجودهما الدهري المثالي ، وهما بهذا الوجود لا يكونان إلّا مقارنين للمشروط ، فإنّ المتفرقات في سلسلة الزمان مجتمعات في وعاء الدهر».

وجه عدم الاندفاع : أنّ الاجتماع في وعاء الدهر لا يدفع غائلة استحالة تقدم

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المعلول على العلة زماناً ، وتأثير المعدوم في الوجود فعلا. مضافا إلى : عدم السنخية بين الشرط والمشروط إن أريد تأثير الشرط الدهري في المشروط الزماني ، وإلى :

أنّ الحمل على الوجود الدهري تأويل في الدليل بلا موجب ، فلا يصار إليه.

كما لا يندفع بما عن النراقي (قده) من : «أنّ الشرط في أمثال هذه الموارد هو الوجود في الجملة سبق أو لحق».

وجه عدم الاندفاع : أنّه مع فرض تأثير الشرط كالإجازة في عقد الفضولي يبقى المحذور ـ وهو تأثير المعدوم في الموجود ، وتقدُّم المعلول على علته الفاعلية ـ على حاله ، بلا تفاوت بين التكوينيات من الجواهر ، والأعراض ، والتشريعيات من التكليفيات ، والوضعيات فإنّ القاعدة العقلية لا تقبل التخصيص ، كما لا يخفى.

كما لا يندفع بالتصرف في الشرط بجعله في الشرع عبارة عن المعرف الّذي يجوز تأخره.

وذلك لأنّه خلاف الفرض ، إذ المفروض كونه شرطا كغيره من الشرائط المقارنة للمشروط في التأثير ، ومن المعلوم : أنّ المعرّف أمارة على تحقق الشرط ، لا أنّه شرط حقيقة ، ولعلّ هذا الوجه يرجع إلى بعض الوجوه المتقدمة ، فلاحظ.

وكيف كان ، فالحق أن يقال : إنّ الشرط سواء رجع إلى الموضوع كالبلوغ ، والاستطاعة ، والفقر ، والغني ، وغير ذلك من الشرائط العامة والخاصة ، أم إلى المتعلّق كالاستقبال ، والستر ، والطهارة وغيرها مما يعتبر في متعلق الحكم كالصلاة ، أم إلى ما له دخل عليّ في ترتب الحكم على موضوعه يمتنع تأخره عن المشروط ، ضرورة أنّ الشرط إن كان دخيلاً في موضوع الحكم ، أو متعلقه ، أو علّته ، فلا بد من عدم تأخره عنه ، لحكم العقل بلزوم تقدم العلة وما هو بمنزلتها كالموضوع الشامل للمتعلق رتبة على المعلول ونحوه كالحكم ، لأنّه ليس معلولا حقيقيا لموضوعه بعد امتناع

١٤٠