منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٥٩٢

من المقدمات.

وأما المعرفة ، فلا يبعد القول بوجوبها حتى في الواجب المشروط بالمعنى المختار (١) قبل حصول شرطه ، لكنه (٢) لا بالملازمة ، بل من باب استقلال العقل بتنجّز الأحكام على الأنام بمجرد قيام احتمالها (*) إلّا (٣) مع الفحص واليأس

______________________________________________________

(١) وهو كون الشرط قيدا للهيئة ، لا المادة.

(٢) أي وجوب المعرفة.

(٣) استثناء من منجزية الاحتمال للأحكام ، يعني : أنّ احتمال الأحكام منجّز عقلا قبل الفحص عن الدليل ، فلا يجري فيه الأصل النافي كالبراءة ، وأمّا بعد الفحص واليأس عن الظفر بالحجة على التكليف ، فلا يكون هذا الاحتمال منجزا ، فيجري فيه الأصل النافي للتكليف بلا مانع.

__________________

(*) لا يخفى : أنّ مجرد احتمال الأحكام الواقعية لا يقتضي وجوب التعلّم ، بل مقتضاه عدم الرجوع إلى ما يسوّغ ترك الواقع من الأصل النافي له ، فيجب الاحتياط احترازا عن تركه.

والحاصل : أنّ هذا البرهان لا يقتضي لزوم التعلّم بالنسبة إلى الواجب المطلق فضلا عن المشروط قبل حصول شرطه كما هو مفروض البحث ، بل يقتضي لزوم الاحتراز عن مخالفة الواقع ، فيجب الإتيان به ولو بالاحتياط ، فلم ينهض هذا البرهان على وجوب التعلّم في المقام.

ويستدل أيضا على وجوب تعلّم الأحكام :

تارة بالروايات بناء على ظهورها في الوجوب النفسيّ ، كما عن المدارك.

وأخرى بحكم العقل بلزوم التعلم حفظا لغرض المولى.

وثالثة بكون وجوبه غيريّا مولويّا استقلاليا ، لا من باب الملازمة ، ويأتي تفصيل هذه الوجوه مع ما لها أو عليها في مبحث شرائط الأُصول إن شاء الله تعالى.

١٨١

عن الظفر بالدليل على التكليف ، فيستقل بعده (١) بالبراءة ، وأنّ (٢) العقوبة على المخالفة بلا حجة وبيان ، والمؤاخذة عليها بلا برهان ، فافهم.

تذنيب (٣) : لا يخفى أنّ إطلاق الواجب على الواجب المشروط بلحاظ حال حصول الشرط على الحقيقة مطلقا (٤) ، وأمّا (٥) بلحاظ حال قبل حصوله فكذلك على

______________________________________________________

(١) أي اليأس.

(٢) هذا ، و ـ المؤاخذة ـ معطوفان على البراءة ، يعني : فيستقل العقل بعد اليأس من الدليل بأنّ العقوبة والمؤاخذة على المخالفة بلا حجة وبرهان ، وهذا إشارة إلى البراءة العقلية.

(٣) الغرض من عقد هذا التذنيب : تحقيق حال إطلاق الواجب على المشروط الّذي لا يجب إلّا بعد حصول الشرط من حيث الحقيقة والمجاز.

ومحصل ما أفاده في ذلك : أنّ إطلاق الواجب على المشروط إن كان بلحاظ حال النسبة ـ أي حصول الشرط ـ كان على نحو الحقيقة ، كما تقدم في مباحث المشتق بلا تفاوت بين كون المشتق حقيقة في خصوص حال التلبس ، وبين كونه حقيقة في الأعم منه ومن الانقضاء.

وإن كان بلحاظ ما قبل حصول شرطه ، فهو مجاز على مذهب المشهور مطلقا أيضا ، وذلك لما تقدم في المشتق من الاتفاق على كونه مجازا فيما لم يتلبس بعد بالمبدإ بعلاقة الأول ، أو المشارفة كما عن شيخنا البهائي (قده) ، وحقيقة على مذهب الشيخ (قده) من رجوع الشرط إلى المادة ، لإطلاق الوجوب وفعليّته ، وكون الواجب استقباليا ، فوجوب الحج قبل الموسم على مختاره (قده) يكون فعليّا ، ونفس الحج استقباليا.

(٤) أي : سواء أكان الشرط قيدا للهيئة كما هو المشهور المختار للمصنّف ، أم قيدا للمادة كما هو مسلك الشيخ.

(٥) هذا عدل قوله : ـ بلحاظ حال حصول الشرط ... إلخ ـ ، وقد عرفت توضيحه بقولنا : وان كان بلحاظ قبل حصول شرطه ... إلخ.

١٨٢

الحقيقة (*) على مختاره (١) قدس‌سره في الواجب المشروط ، لأنّ الواجب وإن كان أمرا استقباليّا عليه (٢) إلّا أنّ تلبّسه بالوجوب في الحال (٣). ومجاز (٤) على المختار ، حيث (٥) لا تلبس بالوجوب عليه قبله ، كما عن البهائي (ره) : تصريحه (٦) بأنّ لفظ الواجب مجاز في المشروط بعلاقة الأوّل أو المشارفة (٧).

______________________________________________________

(١) أي : الشيخ (ره) ، وعلّل كون الإطلاق حقيقة على مسلك الشيخ بقوله : ـ لأنّ الواجب ... إلخ ـ وأوضحناه بقولنا : ـ لإطلاق الوجوب وفعليّته ... إلخ.

(٢) أي : على مختار الشيخ (ره) ، وضمير ـ تلبّسه ـ راجع إلى الواجب.

(٣) أي : حال الإطلاق ، وذلك لما عرفت من أنّ الوجوب في الواجب المشروط على مسلك الشيخ مطلق ، وليس مشروطا بشيء.

(٤) معطوف على قوله : ـ فكذلك ـ ، يعني : أنّ إطلاق الواجب على الواجب المشروط بلحاظ قبل حصول الشرط يكون على وجه الحقيقة ـ كما اختاره الشيخ (قده) ـ لما مر آنفا ، وعلى وجه المجاز كما هو مسلك المشهور المختار للمصنّف (قده) ، لما تقدم أيضا من كون الشرط قيدا للوجوب ، وأنّه لا وجوب حقيقة قبل حصول شرطه ، فلا محالة يكون إطلاق الواجب عليه مجازا.

(٥) تعليل للمجازية على مختاره ، يعني : أنّ وجه المجازية عدم تلبس المادة بالوجوب على المختار قبل حصول الشرط ، فضمير ـ عليه ـ راجع إلى ـ المختار ـ وضمير ـ قبله ـ راجع إلى الشرط.

(٦) في كتابه زبدة الأصول.

(٧) قد عرفت علاقة الأوّل بالمناسبة بين مسميين نشأ تعدّدهما واختلافهما من طروِّ عارض مع الغض عن مناسبة زماني المسمّيين كالحنطة التي لم تطحن بعد ، فإنّه يصح أن يقال : هذا الشيء مأكول الإنسان باعتبار الطحن العارض له فيما بعد ، وكإطلاق

__________________

(*) لا يخفى استدراك هذه اللفظة ، ومنافاتها للإيجاز الّذي بنى عليه المصنّف ، للاستغناء عنها بقوله : ـ فكذلك ـ.

١٨٣

وأما الصيغة مع الشرط ، فهي حقيقة على كلّ حال (١) ، لاستعمالها على مختاره قدس‌سره في الطلب المطلق (٢) ، وعلى المختار في الطلب المقيد على نحو تعدد الدال والمدلول (٣) ، كما هو الحال فيما إذا أريد منها (٤) المطلق المقابل للمقيّد ، لا المبهم

______________________________________________________

الخمر على العنب في قوله تعالى في سورة يوسف : «إنّي أراني أعصر خمرا» بلحاظ صيرورته خمرا فيما بعد. وعرّفت علاقة المشارفة بلحاظ المناسبة بين الحالين العارضين على شيء في زمانين ، كإطلاق القتيل مثلا على المصلوب المشرف على الموت بلحاظ قربه من القتل.

(١) يعني : سواء أرجع الشرط إلى الهيئة أم إلى المادة ، توضيح ما أفاده بقوله : ـ وأمّا الصيغة مع الشرط ... إلخ ـ هو : أنّه بعد بيان حال إطلاق الواجب على الواجب المشروط من حيث الحقيقة والمجاز لا بدّ أيضا من معرفة حال الصيغة مع الشرط ، كقول القائل : ـ حجّ إن استطعت ـ وأنّ هذا الاستعمال حقيقي أو مجازي ، فنقول توضيحا لكلام المصنف : إنّ الصيغة قد استعملت في معناها حقيقة.

أما على مسلك الشيخ ، فلكون الطلب المستفاد من الصيغة غير مشروط بشيء.

وأما على مسلك المشهور الّذي هو مختار المصنف ، فلكون الطلب مستفادا من الصيغة ، وتقيّده مستفادا من دال آخر ، كقوله : ـ إن استطعت ـ في المثال ، فالصيغة لم تستعمل إلّا في معناها وهو إنشاء الوجوب.

(٢) أي : بدون تقيّده بالشرط ، إذ المفروض رجوع الشرط على مسلك الشيخ إلى المادة ، لا الهيئة كما هو مذهب المشهور.

(٣) كما عرفت آنفا.

(٤) أي : من الصيغة ، وغرضه من قوله : ـ كما هو الحال ... إلخ ـ تنظير إرادة الطلب المطلق بمعنى الإرسال من الصيغة بإرادة الطلب المقيّد منها في كون كل من الإطلاق والتقييد العارضين للطبيعة بدال يخصه ، وعدم لزوم مجاز أصلا ، وذلك لأنّ الصيغة وضعت للطلب المقسمي المنقسم إلى المطلق والمقيد ، فإطلاق الطلب

١٨٤

المقسم (١) ، فافهم (٢).

ومنها : تقسيمه (٣) إلى المعلّق والمنجز ، قال في الفصول : «إنّه ينقسم باعتبار

______________________________________________________

وتقيّده خارجان عن المعنى الموضوع له ، وإرادتهما منوطة بالقرينة ، فلو أريد أحدهما بدون قرينة لزم المجاز ، إذ المفروض خروج الإطلاق والتقييد عن المعنى الموضوع له ، فاستعمال الصيغة في الطلب المرسل أو المقيد بلا قرينة ودال آخر يكون مجازا.

(١) وهو اللابشرط المقسمي المعروض للإطلاق والتقييد ، فالمراد بالمطلق في هذه العبارة وفيما تقدم من قوله : ـ لاستعمالها على مختاره (قده) في الطلب المطلق ـ هو الإطلاق ، بمعنى شمول الطلب لما قبل الشرط وما بعده.

(٢) لعله إشارة إلى : أنّ كلّا من الإطلاق والتقييد وإن كان بدال آخر غير الصيغة ، إلّا أنّه يمكن إحراز الإطلاق بقرينة الحكمة إن تمّت مقدّماتها ، بخلاف التقييد ، فإنّه يحتاج إلى قرينة شخصية.

٢ ـ المعلق والمنجز

(٣) أي : الواجب ، توضيحه : أنّ من تقسيمات الواجب تقسيمه إلى المعلّق والمنجز ، وحاصل ما أفاده في الفصول في تعريفهما هو : أنّ المنجز عبارة عن الواجب الّذي يتعلق وجوبه بالمكلف من دون توقف حصول ذلك الواجب على أمر غير مقدور له ، كالمعرفة بأصول الدين ، فإنّها واجبة على العبد من دون توقّفها على امر خارج عن قدرته ، والمعلّق بخلافه ، كالحج في الموسم ، فإنّه يتوقّف على امر غير مقدور للمكلّف وهو الوقت ، فالمتوقف في الواجب المعلق هو الفعل ، وفي الواجب المشروط المشهوري هو الوجوب.

وبهذا ظهر الفرق بين الواجب المعلّق الفصولي الّذي هو إناطة الواجب بأمر غير مقدور ، وبين الواجب المشروط المشهوري الّذي هو إناطة الوجوب بأمر غير متحقق بعد.

١٨٥

آخر إلى ما يتعلق وجوبه بالمكلّف ، ولا يتوقف حصوله على أمر غير مقدور له كالمعرفة ، وليسمّ منجّزا ، وإلى ما يتعلق وجوبه به (١) ، ويتوقّف حصوله على أمر غير مقدور له وليسمّ (٢) معلّقا كالحج ، فإنّ وجوبه يتعلّق بالمكلّف من أول زمن الاستطاعة ، أو خروج الرفقة (٣) ، ويتوقّف فعله على مجيء وقته ، وهو (٤) غير مقدور له (٥). والفرق بين هذا النوع (٦) وبين الواجب المشروط (٧) هو : أنّ التوقف هناك (٨) للوجوب ، وهنا (٩) للفعل» انتهى كلامه رفع مقامه.

لا يخفى : أنّ شيخنا العلامة أعلى الله مقامه حيث اختار في الواجب المشروط ذاك المعنى (١٠)

______________________________________________________

(١) أي : المكلّف ، وضمير ـ حصوله ـ راجع إلى الواجب ، وضمير ـ له ـ إلى المكلّف.

(٢) يعني : وليسمّ الواجب المنوط حصوله بأمر خارج عن حيّز قدرة المكلّف معلّقا.

(٣) على الخلاف في كون تعلّق الوجوب من زمان حصول الاستطاعة ، أو خروج الرفقة.

(٤) أي مجيء الوقت غير مقدور للمكلّف ، فالفعل المقيّد بأمر غير اختياري أيضا غير مقدور له.

(٥) أي : للمكلف.

(٦) وهو توقف فعل الواجب كالحج على أمر غير مقدور له كالموسم.

(٧) المشهوري ، وهو كون الوجوب متوقفا على شيء.

(٨) يعني : في الواجب المشروط المشهوري.

(٩) أي : الواجب المعلّق الفصولي.

(١٠) وهو كون الشرط قيدا للمادة.

١٨٦

وجعل الشرط لزوما من قيود المادة ثبوتا وإثباتا (١) ، حيث (٢) ادعى امتناع كونه من قيود الهيئة كذلك أي إثباتا وثبوتا (٣) على (٤) خلاف القواعد العربية (*) ، وظاهر (٥) المشهور ، كما يشهد به (٦) ما تقدم آنفا عن البهائي

______________________________________________________

(١) يعني : لبّا ودليلا ، وأشار بهذين اللفظين إلى الوجهين اللذين أفادهما الشيخ (قده) في رجوع القيد إلى المادة ، وهما : امتناع رجوعه إلى الهيئة ، لعدم كون مفادها قابلا للتقييد ، وشهادة الوجدان برجوع القيد إلى المادة.

(٢) تعليل لجعل الشرط من قيود المادة ، وحاصله : امتناع كون الشرط قيدا للهيئة ، لما تقدم عن الشيخ (قده) من جزئيّة الطلب المفاد للهيئة.

(٣) أمّا الإثبات ، فلكون الإطلاق والتقييد من صفات الألفاظ الموضوعة للمعاني الكليّة الاستقلاليّة ، دون الألفاظ الموضوعة للمعاني الجزئيّة كالهيئات على مذهب الشيخ (قده) من كون الوضع في الحروف عامّا والموضوع له فيها خاصا.

وأمّا الثبوت ، فلعدم قابليّة الإرادة كغيرها من الأمور التكوينية للإناطة ، بل هي إمّا موجودة ، وإمّا معدومة.

(٤) متعلق بقوله : ـ ادعى ـ يعني : أنّ ادّعاءه امتناع كونه من قيود الهيئة ادعاء على خلاف القواعد العربية المقتضية لرجوع القيد إلى الهيئة.

(٥) معطوف على ـ القواعد ـ ، يعني : أنّ ظاهر المشهور كون الوجوب هو المشروط الّذي يقتضيه رجوع القيد إلى الهيئة.

(٦) أي : يشهد بكون رجوع القيد إلى المادة خلاف ظاهر المشهور ما تقدم عن البهائي من تصريحه بأنّ إطلاق الواجب على الواجب المشروط مجاز ، بعلاقة الأول أو المشارفة ، ومن المعلوم : أنّ المجازية إنّما تكون في صورة إناطة الوجوب بالشرط ، لا إناطة الواجب به ، إذ لا مجازية حينئذ بعد كون الوجوب مطلقا غير مشروط بشيء.

__________________

(*) بل رجوع القيد إلى المادة ممّا ذهب إليه الجمهور من علماء العربية ، بل عن ظاهر التفتازاني في شرحه على التلخيص في مبحث المسند : «اتفاق أهل العربية

١٨٧

أنكر (١) (*) على الفصول هذا التقسيم (٢) ، ضرورة (٣) أنّ المعلّق بما فسّره (٤) يكون من المشروط بما اختار (٥) له من المعنى على ذلك (٦) كما هو واضح

______________________________________________________

(١) هذا خبر ـ انّ ـ في قوله : ـ لا يخفى ان شيخنا العلامة ـ.

(٢) أي : تقسيم الفصول إلى المعلّق والمنجّز (**).

(٣) هذا تعليل الإنكار ، وحاصله : أنّ المعلّق الفصولي عين المشروط الشيخي ، لذهاب كليهما قدس‌سرهما إلى رجوع القيد إلى الواجب ، وكون الوجوب مطلقا ، ولذا أنكر الشيخ تقسيم الواجب إلى المعلّق والمنجّز ، لأنّه يصح بناء على مغايرة المشروط للمعلّق ، والمفروض اتحادهما ، فتقسيم الواجب إلى المطلق والمشروط يغني عن تقسيمه إلى المعلّق والمنجز.

(٤) أي : بما فسّره الفصول من رجوع القيد إلى المادة.

(٥) يعني : بما اختاره الشيخ للمشروط من المعنى ، وهو رجوع القيد إلى المادة ، فالشيخ يعترف بالمعلّق الفصولي ، وينكر المشروط المشهوري ، بل اصطلح على المعلّق الفصولي بالواجب المشروط ، فالواجب المشروط على مسلك الشيخ عين المعلّق الفصولي.

(٦) أي : على التقدير المتقدم في كلام الشيخ.

__________________

على كون الشرط من قيود الفعل» ، ونسب إلى أكثر أهل العربية : أنّ عامل ـ إذا ـ في قولك : ـ إذا جئتني أكرمك ـ هو الجزاء.

وبالجملة : فليس رجوع القيد إلى الفعل في مقابل الطلب قولا نادرا ، ولا بد من التتبع في كلماتهم ، فلاحظ.

(*) لا سبيل إلى هذا الإنكار بعد الاختلاف في المبنى ، وهو : كون معنى الهيئة صالحا للتقييد وعدمه ، فتقسيم الفصول للواجب إلى المطلق والمشروط صحيح ، لأنّه بالنظر إلى الوجوب ، وإلى المعلّق والمنجّز كذلك ، لأنّه بالنظر إلى الواجب.

(**) لعلّ وجه إنكاره على الفصول هو : جمعه بين الإطلاق والتقييد المعبّر عنه بالتعليق ، فلا بد من إلغاء أحدهما ، فتدبر.

١٨٨

حيث (١) لا يكون حينئذ هناك معنى آخر معقول كان هو المعلّق المقابل للمشروط. ومن هنا (٢) انقدح أنّه (٣) في الحقيقة إنّما أنكر الواجب المشروط بالمعنى الّذي يكون هو ظاهر المشهور (٤) والقواعد (٥) العربية ، لا الواجب (٦) المعلّق بالتفسير المذكور (٧) ، وحيث (٨) قد عرفت بما لا مزيد عليه إمكان رجوع الشرط إلى

______________________________________________________

(١) هذا تقريب اتحاد المعلّق الفصولي مع المشروط الشيخي ، وحاصله : أنّه لا يكون حين رجوع القيد إلى المادة في تقسيم الواجب إلى المعلّق والمنجّز معنى آخر معقول غير نفس الواجب يكون هو المعلّق المقابل للمشروط في تقسيم الواجب إلى المطلق والمشروط.

(٢) يعني : ومن اتحاد المعلّق الفصولي مع الشروط الشيخي ظهر : أنّ الشيخ لم ينكر في الحقيقة المعلّق الفصولي ، بل هو ملتزم به ثبوتا وواقعا وإن أنكره إثباتا ودليلا ، غاية الأمر أنّ الشيخ سمّاه بالمشروط ولم يسمّه بالمعلّق ، نعم أنكر المشروط المشهوري.

وغرض المصنّف (قده) من قوله : ـ ومن هنا انقدح ـ هو الإشكال على إنكار الشيخ بحسب الظاهر للمعلّق الفصولي بأنّ هذا الإنكار لم يقع في محله ، إذ المفروض اتحاد المعلّق الفصولي مع المشروط الشيخي.

(٣) أي : الشيخ.

(٤) وهو كون الوجوب مشروطا كما هو قضيّة رجوع القيد إلى الهيئة.

(٥) معطوف على ـ المشهور ـ.

(٦) يعني : أنّ الشيخ أنكر الواجب المشروط المشهوري ، لا المعلّق الفصولي.

(٧) وهو تفسير الفصول الّذي نقلناه عنه في تعريف المعلّق والمنجّز ، وصار محصله : أنّ المشروط هو الواجب ، وذلك مقتضى رجوع القيد إلى المادة.

(٨) غرضه : تسجيل الاعتراض على إنكار الشيخ للواجب المشروط المشهوري ، وحاصل الاعتراض : صحة ما ذهب إليه المشهور من رجوع الشرط إلى الهيئة الموجب

١٨٩

الهيئة كما هو ظاهر القواعد ، وظاهر المشهور ، فلا (١) يكون مجال لإنكاره عليه (٢).

نعم (٣) يمكن أن يقال : إنّه لا وقع لهذا التقسيم (٤) (*) ، لأنّه (٥)

______________________________________________________

لكون نفس الوجوب مشروطا. ولمّا كان صاحب الفصول قائلا بالمشروط المشهوري كان الواجب المعلّق عنده مغايرا للواجب المشروط ، لا عينه حتى يتوجه عليه إيراد الشيخ بأن التقسيم إلى المعلّق والمنجز غير صحيح ، لأنّ المعلّق عين المشروط ، لا قسيم له.

(١) هذا متفرع على صحة المشروط المشهوري ، وعليه : فلا مجال لإنكار الشيخ على صاحب الفصول الواجب المعلّق.

(٢) أي : صاحب الفصول ، وضمير ـ إنكاره ـ راجع إلى الشيخ.

(٣) غرضه : الاعتراض على الفصول بعد دفع إشكال الشيخ عنه.

وحاصل الاعتراض على تقسيم الفصول الواجب إلى المنجّز والمعلّق هو : أنّ المعلّق والمنجز كليهما من الواجب المطلق المقابل للمشروط ، ومقتضى إطلاق الوجوب وفعليّته إطلاق وجوب المقدمة وفعليته ، فهذا التقسيم لغو بالنسبة إلى وجوب المقدمة ، لوجوبها فعلا على التقديرين ، حيث إنّ مناط وجوبها ـ وهو إطلاق وجوب ذي المقدمة ـ موجود في كل من المنجّز والمعلّق ، فلا أثر لهذا التقسيم بالنسبة إلى وجوب المقدمة أصلا.

(٤) أي : المنجز والمعلّق.

(٥) تعليل لقوله : ـ لا وقع ، ـ وحاصله : أنّ مجرد كون الواجب حاليّا في

__________________

(*) إن كان غرض الفصول من هذا التقسيم : جعل الواجب المقيّد بأمر غير مقدور من مصاديق الواجب المطلق ، لا الواجب المشروط المشهوري ، فللتقسيم المزبور وجه ، إذ به يتميّز محل النزاع وهو وجوب مقدمة الواجب المشروط المشهوري عن غيره ، وتجب مقدماته بناء على كون المقيد بأمر غير اختياري من الواجب المطلق ، ولا تجب مقدماته

١٩٠

بكلا قسميه من المطلق المقابل للمشروط (١) ، وخصوصية كونه (٢) حاليّا أو استقباليّا لا توجبه ما لم توجب الاختلاف في المهم (٣) ، وإلّا (٤) لكثرت تقسيماته ، لكثرة الخصوصيات ، ولا اختلاف فيه (٥)

______________________________________________________

المنجّز ، واستقباليا في المعلّق لا يجدي في صحة التقسيم إلى المنجّز والمعلّق بعد كون الوجوب في كلا القسمين حاليا ومطلقا ، والمفروض أنّ الأثر وهو وجوب المقدمة بناء على الملازمة مترتب على إطلاق وجوب ذي المقدمة من دون دخل لحاليّة الواجب واستقباليّته في ذلك.

(١) المشهوري ، وهو رجوع الشرط إلى الطلب.

(٢) أي : الواجب ، وحاصله : أنّ خصوصية كون الواجب حاليا أو استقباليا لا توجب التقسيم ما لم توجب الخصوصيّة اختلافا في الأثر.

(٣) أي : الأثر المهم ، وهو وجوب المقدمة.

(٤) يعني : وإن أوجبت الخصوصية التي لا توجب الاختلاف في الغرض المهم وهو وجوب المقدمة صحة التقسيم لكثرت تقسيمات الواجب ، لكثرة الخصوصيات التي لا توجب الاختلاف في المهمّ أعني وجوب المقدمة ، مثل كون الواجب موسّعا ومضيّقا ، وموقّتا وغير موقّت ، وتعبديا وتوصليّا إلى غير ذلك.

(٥) أي : الأثر ، وهذا راجع إلى قوله : ـ ما لم توجب الاختلاف في المهم ـ ، فكأنّه قال : وخصوصية كونه حاليا أو استقباليا لا تصحّح التقسيم ما لم توجب تلك الخصوصية اختلافا في المهم ، والمفروض أنّه لا اختلاف فيه مع تلك الخصوصيات فلا يصح التقسيم.

__________________

بناء على كونه من الواجب المشروط. ولو صحّ كلام الفصول لا ندفع به إشكال وجوب جملة من المقدمات في موارد شتّى من دون حاجة لإثبات وجوبها إلى التشبّث بوجوه غير خالية عن الضعف. مضافا إلى : أنّه يترتب على المعلّق ثمرات أخرى صرّح بجملة منها في الفصول ، فراجع.

١٩١

فإنّ (١) ما رتّبه عليه من وجوب المقدمة فعلا كما يأتي إنّما هو من أثر إطلاق وجوبه وحاليّته ، لا من استقباليّة الواجب (*) ، فافهم (٢).

ثم إنّه ربما حكي عن بعض أهل النّظر (٣) من أهل العصر إشكال في الواجب

______________________________________________________

(١) بيان لعدم الاختلاف في الغرض المهم ، وحاصله : أنّ ما رتّبه الفصول على تقسيم الواجب إلى المعلّق والمنجّز من وجوب المقدمة فعلا يكون من آثار إطلاق الوجوب وفعليّته ، لا من آثار استقباليّة الوجوب وحاليّته ، فلا أثر لهذا التقسيم بالنسبة إلى وجوب المقدمة.

(٢) لعله إشارة إلى : أنّ التقسيم إلى المعلّق والمنجّز لا يخلو من الثمرة ، وهي : أنّ المقدّمة المعلّق عليها غير واجبة في المعلّق ، بخلاف المنجّز ، فإنّه يجب تحصيل جميع مقدماته ، لأنّ المفروض كون الوجوب فيه فعليا.

ودعوى : أنّ عدم وجوب المقدمة المعلّق عليها إنّما هو لأجل عدم القدرة عليها مندفعة بأنّ صاحب الفصول في آخر كلامه عمّم المعلّق عليه للمقدور أيضا ، ولذا جعلوا من ثمرات الواجب المعلّق تصحيح الأمر بالمهم على تقدير عصيان الأمر بالأهم.

(٣) وهو المحقق النهاوندي على ما في حاشية المحقّق المشكيني (قدهما) ، ووافقه جماعة من الأكابر ، وحاصل هذا الإشكال الّذي هو أحد إشكالات الواجب المعلّق : أنّ الإرادة التشريعيّة كالإرادة التكوينية في كونهما مشتركتين فيما تتوقف عليه الإرادة من العلم ، والتصديق بالغاية ، والميل ، وفيما يترتّب على الإرادة من تحريك العضلات ، وحصول الفعل بعده. ومن المعلوم : أنّ المراد التكويني لا ينفك عن زمان التحريك الّذي لا ينفك عن زمان الإرادة ، ولا بد أن يكون المراد التشريعي كذلك ، فلا ينفك عن زمان الأمر الّذي لا ينفكّ عن زمان الإرادة التشريعية ، والواجب المعلّق ليس كذلك ، لكون المراد فيه متأخّرا زمانا عن الإرادة ، لأنّ المفروض استقبالية الواجب ، فيكون من قبيل تخلّف المعلول عن العلة.

__________________

(*) ليس الواجب استقباليا ، إذ الواجب التعليقي عبارة عن تقيّده بقيد استقبالي ، فالواجب فعليّ ، لكنه مقيّد بقيد استقباليّ.

١٩٢

المعلّق وهو : أنّ الطلب والإيجاب إنّما يكون بإزاء الإرادة المحرّكة للعضلات نحو المراد ، فكما لا تكاد تكون الإرادة منفكّة عن المراد (١) ، فليكن الإيجاب غير منفك عمّا يتعلّق به ، فكيف يتعلق (٢) بأمر استقباليّ ، فلا يكاد يصح الطلب والبعث فعلا نحو أمر متأخر.

قلت (٣) فيه : انّ الإرادة تتعلّق بأمر متأخر استقبالي كما تتعلق بأمر حاليّ ، وهو أوضح من أن يخفى على عاقل فضلا عن فاضل ، ضرورة (٤) أنّ تحمّل المشاق في تحصيل المقدمات فيما إذا كان المقصود (٥) بعيد المسافة وكثير المئونة

______________________________________________________

(١) أي : المراد التكويني.

(٢) أي الإيجاب الّذي هو كالإرادة ، فكما لا تنفك الإرادة عن المراد التكويني ، فكذلك الإيجاب لا ينفك عن متعلقه زمانا.

(٣) هذا دفع الإشكال ، وهو يرجع إلى وجهين :

أحدهما : منع امتناع انفكاك الإرادة التكوينية التي هي المقيس عليها عن المراد.

والآخر : منعه في المقيس ـ وهو الإرادة التشريعية ـ ولو مع تسليم امتناع الانفكاك في المقيس عليها.

أما الأول ، فحاصله : أنّ الإرادة كما تتعلّق بأمر حاليّ ، كذلك تتعلّق بأمر استقباليّ إذا كان المراد بعيد المسافة ، وذا مقدمات كثيرة محتاجة إلى زمان مديد ، فإنّ إتعاب النّفس في تحصيلها ليس إلّا لأجل تعلّق إرادته بما لا يحصل إلّا بها ، فإنّ السفر المحتاج إلى المقدمات إنّما هو للوصول إلى المراد ـ وهو تحصيل المال ـ مع انفكاكه عن الإرادة.

وبالجملة : فإراداتنا التكوينية تنفك عن مراداتنا المنوطة بتمهيد مقدمات ومضيّ زمان.

(٤) بيان لانفكاك الإرادة عن المراد في المقيس عليها ، وقد عرفت تقريبه.

(٥) الأصلي الّذي هو المراد حقيقة ، وتكون مقدماته مرادة بالإرادة الغيرية.

١٩٣

ليس إلّا لأجل تعلق إرادته به ، وكونه (١) مريدا له قاصدا إيّاه (٢) لا يكاد يحمله على التحمل إلّا ذلك (٣). ولعل الّذي أوقعه (٤) في الغلط ما قرع سمعه من تعريف الإرادة بالشوق المؤكّد المحرّك للعضلات نحو المراد ، وتوهم (٥) : أنّ تحريكها

______________________________________________________

(١) معطوف على ـ أجل ، ويجوز عطفه على ـ تعلّق ـ.

(٢) ضمائر ـ به وله وإياه ـ راجعة إلى المقصود ، وضميرا ـ إرادته وكونه ـ إلى المريد.

(٣) أي : تعلّق الإرادة ، إذ لولاها لما تحمّل المشاق والصعاب.

(٤) أي : بعض أهل النّظر من أهل العصر ، وحاصل وجه توهمه : ظهور تعريف الإرادة بالشوق المؤكّد المحرّك للعضلات نحو المراد في امتناع انفكاك الإرادة عن المراد ، فيمتنع تحريك الإرادة نحو المتأخّر عنها زمانا كالواجب المعلّق ، حيث إنّه متأخر زمانا عن الوجوب.

والمصنّف دفع هذا التوهم بقوله : ـ وقد غفل ... إلخ ـ وملخصه : تسليم عدم انفكاك الإرادة عن المراد في الجملة سواء أكان مرادا بالأصالة كشرب الماء ، أم بالتبع كبذل الفلوس لشراء الماء ، أو نقله إلى منزله ثم إلى إناء يعتاد شرب الماء منه ، فحركة العضلات تارة تكون مقصودة بالأصالة كشرب الماء ، وتبريد البدن ، ونحوهما ، وأخرى تكون مرادة تبعا ، كبذل الفلوس لشراء الماء ، كما عرفت. فالإرادة وإن لم تكن منفكّة عن المراد ، إلّا أنّ المراد ليس منحصرا بالمقصود الأصلي حتى يلزم انفكاكه عن الإرادة فيما إذا توقف المراد على مقدمات ، بل الغالب انفكاك المرادات النفسيّة التي هي الغايات الداعية بوجودها العلمي إلى ارتكاب الأفعال عن الإرادات.

فالمتحصل : أنّه لا مانع من تعلّق الإرادة التكوينية بأمر متأخّر ، هذا في المقيس عليها أعني الإرادة التكوينية. وأمّا الإرادة التشريعية التي هي المقيسة ، فسيأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى.

(٥) معطوف على ـ ما ـ في قوله : ـ ما قرع سمعه ـ ، يعني : ولعلّ الّذي

١٩٤

نحو المتأخر مما لا يكاد ، وقد غفل عن أنّ كونه (١) محرّكا نحوه يختلف حسب اختلافه في كونه ممّا لا مئونة له (٢) كحركة نفس العضلات (٣) ، أو ممّا له مئونة ومقدمات قليلة أو كثيرة ، فحركة العضلات تكون أعم من أن تكون بنفسها مقصودة ، أو مقدمة له (٤) ، والجامع أن يكون (٥) نحو المقصود ، بل (٦) مرادهم من هذا الوصف

______________________________________________________

أوقعه في الغلط أمران : أحدهما : تعريف الإرادة بكذا ، والآخر : توهم أنّ تحريك الإرادة نحو المتأخّر ممّا لا يكاد.

(١) الأولى تأنيث الضمير ، لرجوعه إلى الإرادة ، وقوله : ـ وقد غفل ... إلخ ـ بيان لدفع التوهم المزبور ، وقد عرفت توضيحه.

(٢) هذا الضمير وضمير ـ نحوه واختلافه وكونه ـ راجعة إلى المراد.

(٣) يعني : كما لو كان المراد نفس حركة العضلات ، فالعبارة لا تخلو عن قصور.

(٤) أي للمقصود ، فحاصل هذا الدفع : تسليم التحريك الفعلي ، وتعميم المراد للأصلي والتبعي ، فإذا كان المراد استقباليا موقوفا على مئونة كانت حركة العضلات حينئذ مقصودة تبعا.

وبالجملة : فلا ملازمة بين التحريك الفعلي ، وبين المراد الأصلي.

(٥) أي : التحريك ، يعني : أنّ المراد بالتحريك المأخوذ في حدّ الإرادة أعم من أن يكون تحريكها نحو المقصود الأصلي ، كما إذا لم تكن هناك مقدمات.

ونحو المقصود التبعي ، كما إذا احتاج المراد إلى تمهيد مقدمات ، كما مرّ آنفا.

(٦) غرضه : منع اعتبار التحريك الفعلي في تعريف الإرادة ، وأنّ مقصودهم من توصيف الإرادة بذلك بيان أنّ الإرادة مرتبة أكيدة من الشوق تبعث على حركة العضلات نحو المراد في زمانه سواء أكان حاليا أم استقباليا. وعليه ، فلا يعتبر في الإرادة التحريك الفعلي للعضلات ، نعم يعتبر التحريك الفعلي حين إيجاد المراد.

وبالجملة : فقد أجاب المصنف عن إشكال بعض أهل النّظر تارة بقوله : ـ وقد غفل ... إلخ ـ الّذي محصله : تعميم المراد إلى الأصلي والتبعي بعد تسليم اعتبار التحريك

١٩٥

في تعريف الإرادة بيان مرتبة الشوق الّذي يكون هو الإرادة وإن لم يكن هناك فعلا تحريك ، لكون المراد وما اشتاق إليه كمال الاشتياق أمرا استقباليا غير محتاج إلى تهيئة مئونة ، أو تمهيد مقدمة (١) ، ضرورة (٢) أنّ شوقه إليه ربما يكون أشد من الشوق المحرّك فعلا نحو أمر حالي أو استقبالي محتاج إلى ذلك (٣) ، هذا.

مع (٤) أنّه لا يكاد يتعلّق البعث إلّا بأمر متأخر عن زمان البعث ، ضرورة (٥)

______________________________________________________

الفعلي في الإرادة. وأخرى بقوله : ـ بل مرادهم ... إلخ ـ الّذي مرجعه إلى منع اعتبار التحريك الفعلي في الإرادة ، وكفاية التحريك في ظرف المراد ، ففي المراد الاستقبالي غير المحتاج إلى مقدمات تكون الإرادة وهي الشوق المؤكّد موجودة بدون التحريك الفعلي.

(١) ليكون التحريك الفعلي نحو مقدماته موجودا ، فعلى هذا تنفك الإرادة عن التحريك الفعلي نحو كلّ من المراد ومقدماته ، لفرض استقبالية المراد ، وعدم احتياجه إلى مقدمات.

(٢) تعليل لقوله : ـ هو الإرادة وإن لم يكن هناك فعلا تحريك ـ.

(٣) أي : تهيئة مئونة ، أو تمهيد مقدمة.

(٤) هذا ثاني الوجهين اللذين أجاب بهما المصنّف عن إشكال المحقق النهاوندي ، وملخصه : فساد مقايسة الإرادة التشريعية بالتكوينية ، لكون القياس مع الفارق.

توضيحه : أنّه لو سلّمنا امتناع الانفكاك في الإرادة التكوينية ، فلا بد من الالتزام بالانفكاك في الإرادة التشريعية ، وهي إرادة الفعل من الغير باختياره ، حيث إنّ المأمور لا ينبعث عن الأمر نحو المأمور به إلّا بعد تصوّر الأمر ، وما يترتب على موافقته ومخالفته من استحقاق المثوبة والعقوبة ، ليحصل له الداعي إلى الإتيان بالمأمور به ، فلا محالة يتأخّر الانبعاث الّذي هو ظرف الواجب عن زمان البعث ، ويتحقق الانفكاك بينهما.

(٥) تعليل لقوله : ـ لا يكاد يتعلق البعث إلّا بأمر متأخّر ... إلخ ـ ، وقد مرّ توضيحه.

١٩٦

ان البعث إنّما يكون لإحداث الداعي للمكلف إلى المكلف به بأن يتصوره بما يترتب عليه (١) من المثوبة ، وعلى تركه من العقوبة ، ولا يكاد يكون هذا (٢) إلّا بعد البعث بزمان ، فلا محالة يكون البعث نحو أمر متأخر عنه (٣) بالزمان ، ولا يتفاوت طوله وقصره (٤) فيما هو ملاك الاستحالة والإمكان في نظر العقل الحاكم في هذا الباب (٥).

ولعمري ما ذكرناه واضح لا سترة عليه ، والإطناب إنّما هو لأجل رفع المغالطة الواقعة في أذهان بعض الطلاب.

وربما أشكل (٦) على المعلّق أيضا بعدم القدرة على المكلّف به في حال البعث (٧) ، مع أنّها من الشرائط العامة.

______________________________________________________

(١) الأولى أن يقال : ـ على فعله من المثوبة ـ في مقابل : ـ وعلى تركه من العقوبة ـ ، أو إسقاط ـ وعلى تركه ـ بأن يقال : ـ عليه من المثوبة والعقوبة ـ كما لا يخفى.

(٢) أي : إحداث الداعي الموجب للانبعاث.

(٣) أي : البعث.

(٤) الأوّل في الواجب المعلّق ، والثاني في المنجّز.

(٥) وهو تخلّف الإرادة التشريعية عن المراد ، وملاك الاستحالة هو : تخلّف الانبعاث عن البعث ، فإن كان مستحيلا ، فلا فرق في الاستحالة بين المعلّق والمنجز. وإن كان ممكنا ، فكذلك أيضا ، ولا دخل لطول الزمان وقصره في الاستحالة والإمكان.

(٦) هذا إشكال آخر من إشكالات الواجب المعلق ، وحاصله : انتفاء القدرة على الواجب المعلّق حين الوجوب ، مع أنّها من شرائط التكليف العامة ، ومقتضى شرطيتها انتفاء الوجوب بانتفائها ، فالحج في الموسم قبل وقته ـ لعدم القدرة عليه ـ غير واجب ، وكذا غيره من الواجبات المعلقة ، لعدم القدرة عليها حين إيجابها.

(٧) يعني : حدوث البعث الّذي هو مقدّم على زمان الواجب.

١٩٧

وفيه (١) : أنّ الشرط إنّما هو القدرة على الواجب في زمانه (٢) لا في زمان الإيجاب والتكليف ، غاية الأمر يكون (٣) من باب الشرط المتأخّر (*) ، وقد عرفت

______________________________________________________

(١) هذا دفع الإشكال ، وحاصله : أن القدرة على الواجب التي هي من شرائط الوجوب هي القدرة على الواجب في زمانه ، لا في زمان الوجوب. وبعبارة أخرى : المعتبر من القدرة ما يكون في زمان الامتثال ، والمفروض وجودها فيه ، غاية الأمر أنّها تكون من الشرط المتأخّر الّذي قد عرفت في بحثه إمكانه ، واندفاع إشكاله.

(٢) أي : الواجب ، وهو ظرف الامتثال المغاير لزمان حدوث الإيجاب.

(٣) أي : القدرة ، فالأولى تبديل ـ يكون ـ ب ـ تكون ـ ، وغرضه : أنّ شرطيّة القدرة في التكاليف ممّا لا إشكال فيه ، وهي موجودة هنا ، إذ المفروض قدرة المكلّف على الإتيان بالواجب المعلّق في زمانه ، ولم يثبت اعتبار القدرة في زمان حدوث الإيجاب ، بل يكفي ثبوتها في ظرف الامتثال ، لتشريع الوجوب من باب الشرط المتأخّر الّذي هو من الشرط المقارن حقيقة بناء على ما حقّقه المصنف من كون الشرط وجوده اللحاظي الّذي هو من المقارن ، حيث إنّ القدرة بوجودها العلمي شرط للإرادة ، لا بوجودها الخارجي ، ولذا لو علم بكون شيء مقدورا له لأراده وإن لم يكن مقدورا له واقعا ، كما أنّه لو علم بعدم قدرته عليه لا يريده وإن كان مقدورا له واقعا ، فلا تأثير للقدرة الخارجية في نفس الإرادة ، نعم هي شرط في تأثير الإرادة في المراد.

__________________

(*) بل على مذهب الفصول من كون الشرط الأمر الانتزاعي تكون القدرة من الشرط المقارن ، لأنّ الشرط بناء عليه هو كون المكلف بحيث يقدر على الفعل في زمانه.

ولا يخفى أنّ بين قوله : «انّ الشرط إنّما هو القدرة على الواجب في زمانه لا في زمان الإيجاب» ، وقوله : «غاية الأمر يكون من باب الشرط المتأخر ... إلخ» تهافتا ، لأنّ مقتضى العبارة الأولى : كون القدرة شرطا للواجب ، وعدم شرطيتها

١٩٨

بما لا مزيد عليه أنّه (١) كالمقارن من غير انخرام للقاعدة العقلية (٢) أصلا ، فراجع.

ثم لا وجه (٣) لتخصيص المعلّق بما يتوقف حصوله على أمر غير مقدور ، بل ينبغي تعميمه إلى أمر مقدور متأخّر أخذ على نحو لا (٤) يكون موردا للتكليف ،

______________________________________________________

(١) أي : الشرط المتأخّر ، فراجع كلام المصنف (قده) في مبحث الشرط المتأخر.

(٢) وهي تقدّم العلة بتمام أجزائها على المعلول رتبة ، ومقارنتها له زمانا.

(٣) هذا أيضا من إشكالات الواجب المعلّق ، وحاصله : أنّ المهمّ في الواجب المعلّق وجوب تحصيل المقدمات غير المقدورة في زمان الواجب ، فإنّه على القول بالواجب المعلّق يجب تحصيلها قبل الوقت.

ومن المعلوم : عدم تفاوت في هذا المهم بين كون الأمر المعلّق عليه الواجب مقدورا كالاستطاعة لمن يقدر على تحصيلها ، وبين كونه غير مقدور كالوقت لمناسك الحج.

وبالجملة : لا يتفاوت في المهم ـ وهو وجوب المقدمات غير المقدورة في زمان الواجب ـ بين كون الأمر المعلّق عليه الواجب غير مقدور قبل زمان الواجب ، وبين كونه مقدورا. وعليه ، فلا وجه لتخصيص المعلّق بكون المعلّق عليه غير مقدور (*) كما مرّ في تعريف الفصول له.

(٤) قد حكي عن بعض تلامذة المصنف (قده) وعن بعض نسخ الكفاية ثبوت كلمة ـ لا ـ وسقوط ما عطف عليها من قوله : ـ أولا ـ بعد قوله : ـ من الواجب ـ

__________________

للوجوب. ومقتضى العبارة الثانية : كون القدرة شرطا لنفس الوجوب ، ولذا التجأ إلى جعلها من الشرط المتأخّر ، إذ لو كانت شرطا للواجب في ظرفه لم يكن وجه لهذا التكلّف الّذي مرجعه إلى جعل الشرط لحاظ القدرة ليكون مقارنا للتكليف ، فتأمّل

(*) لا يخفى أنّ الفصول وإن خصّص المعلّق في صدر كلامه بأمر غير مقدور

١٩٩

ويترشّح عليه الوجوب من الواجب [أولا]

______________________________________________________

ومراد المصنف على هذا : أنّه ينبغي تعميمه لأمر مقدور توقّف حصول الواجب عليه بوجوده الاتفاقي. ويؤيّده ، بل يدل عليه : أنّ ظاهر الفصول كون الواجب المعلّق هو المقيّد بقيد بوجوده الاتفاقي ، ولم يظهر عدول المصنف عنه ، نعم ثبت عدوله عن تخصيص الفصول تعليق الواجب بغير المقدور ، ولذا عمّمه المصنف للمقدور.

وأمّا بناء على سقوط كلمة ـ لا ـ ، وثبوت كلمة ـ أولا ـ فملخص اعتراض المصنف على الفصول هو : أنّه ينبغي تعميم المعلّق لأمر مقدور سواء أوقع في حيّز

__________________

لكنه في الأثناء عمّمه للمقدور ، حيث قال في مقام الفرق بين الواجب المشروط والمعلّق ما لفظه : «واعلم : أنّه كما يصح أن يكون وجوب الواجب على تقدير حصول أمر غير مقدور ، وقد عرفت بيانه ، كذلك يصح أن يكون وجوبه على تقدير حصول أمر مقدور ، فيكون بحيث لا يجب على تقدير عدم حصوله ، وعلى تقدير حصوله يكون واجبا قبل حصوله ، وذلك كما لو توقف الحج المنذور على ركوب الدّابّة المغصوبة ، فالتحقيق : أنّ وجوب الواجب حينئذ ثابت على تقدير حصول تلك المقدمة ، وليس مشروطا بحصولها ، كما سبق إلى كثير من الأنظار.

والفرق : أنّ الوجوب على التقدير الأول يثبت قبل حصولها ، وعلى الثاني إنّما يثبت بعد تحققها ، لامتناع المشروط بدون الشرط. وبعبارة أخرى : حصول المقدمة على الأول كاشف عن سبق الوجوب ، وعلى الثاني مثبت له ، كما مر» ، فإنّ صدر كلامه وهو قوله : ـ واعلم انه كما يصح ... إلخ ـ وإن كان ظاهرا بل صريحا في تعليق الوجوب بأمر مقدور وغيره ، لكن قوله : ـ وعلى تقدير حصوله يكون واجبا قبل حصوله ... إلخ ـ قرينة على إرادة الواجب المعلّق ، لا الوجوب المشروط.

ولعلّ اعتراض المصنف بعدم الوجه في تخصيص المعلّق بغير المقدور ناش عن ظهور كلام الفصول من قوله : ـ واعلم انه كما يصح ... إلخ ـ في تقسيم شرط الوجوب إلى مقدور وغيره ، وهو غير الواجب المعلّق ، لا أنّه ناش عن عدم ملاحظته لآخر عبارة الفصول ـ كما في بعض الحواشي ـ فإنّه بعيد جدا.

٢٠٠