منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٥٩٢

كان له قبل إتيانه الأوّل بدلاً (١) عنه. نعم (٢) فيما كان الإتيان علة تامة لحصول الغرض ، فلا يبقى موقع للتبديل ، كما إذا أمر بإهراق الماء في فمه لرفع عطشه ، فأهرقه ، بل (٣) لو لم يعلم أنّه (٤) من أيّ القبيل فله التبديل ، باحتمال ان لا يكون علة ، فله (٥) إليه سبيل. ويؤيّد ذلك (٦) ،

______________________________________________________

(١) حال عن قوله : ـ بماء آخر ـ يعني : له الإتيان بماء آخر بدلاً عن الماء الأوّل المراق.

(٢) استدراك على ما أفاده من جواز تبديل الامتثال الّذي قد عرفت توضيحه ، وهو لا يخلو من التكرار المخل بما رامه المصنّف (قده) من الإيجاز.

(٣) غرضه إلحاق صورة الشك في عليّة مجرد الامتثال لسقوط الغرض بصورة العلم بعدم عليّته له في جواز تبديل الامتثال ، فيجوز التبديل في كلتا الصورتين ، غاية الأمر أنّ جوازه مع العلم قطعي ، ومع الشك رجائي.

(٤) يعني : أنّ الإتيان هل يكون مما هو من قبيل العلة التامة ، أم من قبيل ما لا يكون كذلك؟ (٥) يعني : فللعبد إلى التبديل سبيل.

(٦) المشار إليه جواز تبديل الامتثال إذا لم يكن الفرد الأوّل علة تامة لسقوط الأمر ، ولعل التعبير بالتأييد ، لاحتمال كون مورد الروايات المشار إليها من صغريات تعدد المطلوب ، فيكون الغرض القائم بالجماعة مطلوباً آخر غير مطلوبية نفس طبيعة الصلاة ، فباب الصلاة المعادة حينئذٍ أجنبي عن المقام ، وهو تبديل الامتثال الّذي مورده وحدة المطلوب والأمر.

__________________

أوّلاً المفروض عدمه ، لأنّه ليس مجرد إحضار الماء ، بل خصوص الملازم للشرب الّذي لم يتحقق بعدُ ، فالأمر لم يمتثل أوّلا حتى يكون الإتيان الثاني من باب تبديل الامتثال ، كما لا يخفى.

٢١

بل يدل عليه (١) ما ورد من الروايات (٢) في باب إعادة من صلّى فرادى جماعة ، و

______________________________________________________

(١) لظهور قول الصادق عليه‌السلام : «ويجعلها الفريضة» في روايتي هشام والبختري الآتيتين في ذلك.

(٢) وهي إحدى عشرة رواية مذكورة في الوسائل ج ٥ ـ الباب ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ، كصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : «في الرّجل يصلي الصلاة وحده ، ثم يجد جماعة قال عليه‌السلام : يصلي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء» ، وحسنة حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرّجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة ، قال : يصلي معهم ويجعلها الفريضة» فإنّ قول المصنّف (قده) : ـ بل يدل عليه ـ ناظر إلى هاتين الروايتين الظاهرتين في جواز تبديل الامتثال ، إذ لا وجه لجعل الصلاة المعادة جماعة هي الفريضة إلّا ذلك ، بل يمكن استفادة جواز التبديل أيضا من بعض الروايات الأُخر وهو ما أرسله في الفقيه بقوله : «وروي أنّه يحسب له أفضلهما وأتمهما» ، إذ لو لم يجز تبديل الامتثال لم يكن لاحتساب أفضلهما إذا كان هو المعادة وجه ، ضرورة أنّه ـ بناءً على كون الامتثال الأول علة تامة لسقوط الأمر والغرض ـ لا يكون للمعادة أمر ، حتى يتصور فيها الأفضلية والأتمية أحياناً ، فتدل هذه الروايات على عدم كون الامتثال الأول علة تامة لسقوط الأمر (*) ، فثبت المطلوب وهو جواز تبديل الامتثال ، فالأمر الندبي بالإعادة إرشاد إلى جواز تبديل الامتثال لاستيفاء الغرض الأوفى ، كما يدل عليه مرسل الفقيه المتقدم وغيره مما يشتمل على : «أن الله تعالى يختار أحبهما إليه».

وبالجملة : فرجاء إدراك الغرض الأقصى يكفي في مشروعية الإعادة ، ولذا كان صلحاء المؤمنين من إخواننا السابقين يعيدون صلوات مدة تكليفهم من ستين سنة أو أكثر.

__________________

(*) في دلالة الروايات على ذلك بعد الغض عن أسناد بعضها تأمل ، لأنّها على طوائف : إحداها : ما ورد في باب إعادة الصلاة مع المخالفين ، على اختلاف هذه

٢٢

«أن الله تعالى يختار أحبهما إليه».

______________________________________________________

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ الطائفة مضموناً ، إذ في بعضها ، كصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أما تحب ـ ترضى ـ أن تحسب لك بأربع وعشرين صلاة» ، وفي بعضها الآخر كصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام «ما منكم أحد يصلي صلاة فريضة في وقتها ثم يصلي معهم صلاة تقية وهو متوضّئ إلّا كتب الله له بها خمساً وعشرين درجة ، فارغبوا في ذلك» ، وقريب منه صحيح آخر لعبد الله بن سنان أيضا ، وفي بعضها : أنّها لا تحسب صلاة ، كرواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : قلت : إنّي أدخل المسجد وقد صليت فأصلّي معهم ، فلا ـ ولا ـ أحتسب بتلك الصلاة ، قال : لا بأس ، فأمّا أنا فأصلّي معهم وأُريهم أنّي أسجد وما أسجد» ، وفي بعضها : أنها تسبيح لا صلاة ، كخبر إبراهيم بن علي المرافقي ، وعمر بن ربيع عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام في حديث «أنّه سأل عن الإمام ، ان لم أكن أثق به أُصلي خلفه وأقرأ؟ ، قال : لا ، صلِّ قبله أو بعده ، قيل له : أفأصلّي خلفه وأجعلها تطوعاً ، قال عليه‌السلام : لو قبل التطوع لقبلت الفريضة ، ولكن اجعلها سبحة» ، وفي بعضها كصحيح نشيط بن صالح عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام : «والّذي يصلي مع جيرته يكتب له أجر من صلى خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويدخل معهم في صلاتهم ، فيخلف عليهم ذنوبه ويخرج بحسناتهم» ، وفي خبر ناصح المؤذن «اجعلها نافلة ، ولا تكبر معهم ، فتدخل معهم في الصلاة ، فإنّ مفتاح الصلاة التكبير» وغير ذلك من روايات هذه الطائفة (١) وأنت خبير بأجنبية مفادها عن أصل مشروعية الإعادة ـ فضلاً عن احتسابها فريضة ـ حتى يصح الاستدلال بها على جواز تبديل الامتثال ، لدلالة بعضها على مقدار الأجر والثواب ، كصحيحي ابن سنان ، وصحيحي عمر بن يزيد ونشيط بن صالح ، وبيان الأجر والثواب لا يدل على مشروعية هذا العمل من حيث هو ، إذ لعلّ الأجر إنّما هو لأجل المخالطة مع العامة الموجبة لحسن ظنهم بالشيعة ،

__________________

(١) الوسائل ج ٥ ـ الباب ٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ص ٣٨٣.

٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

والأمن من مكائدهم ، ودلالة بعضها الآخر على عدم كون المأتي به تقية بصلاة حتى نافلة ، بل هو تسبيح ، ومع نفي الصلاتية لا معنى لجواز تبديل الامتثال ، لأنّ جوازه مبنيٌّ على كون المأتي به ثانياً بعنوان التبديل فرداً للطبيعي الّذي تعلق به الأمر أوّلا ، فالثواب إنّما يكون لأجل التقية والمداراة معهم ، فهذه الطائفة بمضامينها أجنبية عن أصل مشروعية الإعادة ، فضلاً عن جعلها من باب تبديل الامتثال. ثانيتها : ما يوهم جواز تبديل الامتثال ، كمرسلة الفقيه المتقدمة ، حيث إنّ دلالة قوله عليه‌السلام : «يحسب له أفضلهما وأتمهما» على كون المأتي به جماعة فرداً للطبيعي المأمور به واضحة ، لأنّه بمنزلة قوله : ـ يحسب له أفضل الفردين ـ ، فلو كان الأفضل الفرد الثاني احتمل أن يكون احتسابه دون الفرد الأول من باب تبديل الامتثال ، هذا. لكن فيه ـ مضافاً إلى الإرسال ـ أنّ هذا الاحتمال في غاية الوهن والسقوط ، إذ لا تدل المرسلة إلّا على أنّ الفُضلى من هاتين الصلاتين هي التي تحسب له ، دون الأُخرى ، فان كانت الفُضلى هي الأولى كتبت له دون الثانية ، وان كانت هي الثانية ، كتبت له ، دون الأولى ، ولا تدل بوجه على تحقق الامتثال المسقط للأمر بالمعادة ، حتى يكون ذلك دليلاً على جواز تبديل الامتثال الّذي هو مورد البحث ، فيحتمل قويّا أن يراد بقوله عليه‌السلام : «يحسب له أفضلهما» أنّ المعادة تحسب أفضلهما باعتبار الغرض المترتب على التقية ، لا باعتبار المصلحة القائمة بالطبيعة المشتركة بين الفردين ، ضرورة وفاء الفرد الأوّل بها ، فلا يمكن احتساب ما به الاشتراك مرّتين ، بل الاحتساب لا بد أن يكون باعتبار مزية زائدة على ما به الاشتراك موجودة في الفرد الثاني دون الأوّل. وقد ظهر من هذا البيان : أنّ قوله عليه‌السلام : «أفضلهما وأتمهما» منصوب. ودعوى : أنّ الحساب بمعنى العدّ لا يتعدى إلى مفعولين ، وإنّما المتعدي إليهما هو الحسبان الّذي يعدّ من أفعال القلوب غير مسموعة ، لقول الشاعر : «ولا تعدد المولى شريكك في الغنى» ، ويقال في الاستعمالات المتداولة : عدّ زيداً عالماً ، أو شاعراً ، أو نحو ذلك ، مما يكون

٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

______________________________________________________

تعدده معنوياً ، لا حسياً خارجياً. ولو سلمنا كون ـ أفضلهما ـ مرفوعاً على أن يكون نائباً عن الفاعل ، والمحسوب هو أفضل الصلاتين سواء أكانت هي الأولى أم الثانية ، فلا دلالة فيه أيضا على جواز تبديل الامتثال ، للقطع بسقوط الأمر الوجوبيّ بالإتيان الأوّل ولا معنى لعوده ، فالمحسوب هو أفضلهما من حيث الاشتمال على شرائط القبول ، ولا ربط له بباب تبديل الامتثال أصلا. والحاصل : أنّه ليس في المرسلة المزبورة ظهور في جواز تبديل الامتثال ، ومع الاحتمال يبطل الاستدلال. ثالثتها : ما ورد في إعادة الصلاة مطلقاً من دون الاختصاص بالمخالف ، كصحيح هشام بن سالم : «الرّجل يصلّي الصلاة وحده ثم يجد جماعة ، قال : يصلّي معهم ، ويجعلها الفريضة ان شاء» ، ونحوها حسنة حفص البُختري المتقدمة بإسقاط كلمة ـ ان شاء ـ ، وبمضمونهما روايات أُخرى (١).

ويمكن الجمع بين ما ورد في الإعادة مع المخالفين من عدم كون المعادة معهم صلاة ، وبين الحث على إعادة الصلاة جماعة بأنّ مورد استحباب الإعادة هو الصلاة مع غير المخالفين ، وأمّا معهم فالمستحب هو إراءة كونه مصلياً معهم ، كما أنّه قضية قوله عليه‌السلام في رواية عبيد بن زرارة المتقدمة : «وأُريهم أنّي أسجد وما أسجد». لا يقال : إنّ قوله عليه‌السلام في صحيح هشام ، وحسن البختري المتقدمين : «ويجعلها الفريضة» يدل على جواز تبديل الامتثال ، إذ لا معنى لجعل المعادة تلك الفريضة إلّا ذلك ، فلو سقط الأمر بالفريضة بالإتيان الأوّل لما كان وجه لجعل الفرد الثاني فريضة ، فإنّ جعله كذلك يكشف عن بقاء الأمر ، وعدم كون الإتيان الأوّل علة تامة لسقوطه.

فانه يقال : إنّ دلالته على جواز تبديل الامتثال منوطة بإرادة الفريضة الفعلية ليكون الأمر باقياً حتى تتصف المعادة بها ، وقد عرفت استحالة بقاء الأمر على حاله

__________________

(١) الوسائل ، جزء ٥ ، الباب ٥٤ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ١ و ١١ وغيرهما.

٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

______________________________________________________

مع الإتيان بمتعلقه على وجهه ، فيحتمل حينئذٍ وجوه : أحدها : ما عن شيخ الطائفة في التهذيب من قوله : «والمعنى في هذا الحديث أنّ من يصلي ولم يفرغ من صلاته ، ووجد جماعة ، فليجعلها نافلة ، ثم يصلي في جماعة ، وليس ذلك لمن فرغ من صلاته بنيّة الفرض ، لأنّ من صلّى الفرض بنية الفرض ، فلا يمكن أن يجعلها غير فرض» وعن الوحيد (قده) تأييده «بأنّه ظاهر صيغة المضارع» ، ويدل على هذا المعنى صحيحة سليمان بن خالد ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل دخل المسجد ، فافتتح الصلاة ، فبينما هو قائم يصلي إذ أذّن المؤذّن وأقام الصلاة ، قال : فليصل ركعتين ، ثم ليستأنف الصلاة مع الإمام ، ولتكن الركعتان تطوّعاً» (١) ، وقريب منه مضمر سماعة (٢) وعلى هذا الاحتمال تكون كلمة ـ ان شاء ـ في صحيحة هشام قيداً للمجموع ، يعني : إن شاء يصلّي معهم فريضة بعد جعل ما بيده نافلة ، وإن شاء أتم ما بيده فريضة كما افتتحت ، وهذا أجنبي عما نحن فيه من تبديل الامتثال ، إذ المفروض عدم تحقق الامتثال بعد حتى يندرج في باب التبديل ، كما لا يخفى.

ثانيها : أن ينوي المعادة فريضة ، بأن يبني على كونها فريضة ، كالبناء على ظهرية ما نواه عصراً في مورد العدول ، فيكون المقام كموارد العدول في كون العبرة بالمعدول إليه ، هذا. وفيه : وضوح الفرق بين المعادة ، وبين موارد العدول ، وذلك لكون العدول متقوماً بالبناء ، حيث إنّ عنوان الظهرية مثلاً من العناوين الاعتبارية المتقومة بالبناء ، فيتحقق عنوان الظهرية لما بيده بمجرد البناء عليها بعد تحقق عنوان العصرية له بالبناء عليها أوّلاً. وهذا بخلاف اتصاف الصلاة بكونها فريضة أو نافلة ، لأنّ هذا الاتصاف ناشٍ عن تعلق الأمر الوجوبيّ أو الندبي بها ، والمفروض سقوط الأمر الوجوبيّ بسبب الامتثال ، ويستحيل عوده ، فلا معنى لتبديل الامتثال المتوقف على بقاء شخص الأمر ، كما لا يخفى ثالثها : أن يكون الفريضة عنواناً مشيراً إلى العنوان الّذي أتى

__________________

(١) الوسائل ج ٥ ـ كتاب الصلاة باب ٥٦ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ١

(٢) الوسائل ج ٥ ـ كتاب الصلاة باب ٥٦ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ١

٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

______________________________________________________

به من الظهرية ونحوها ، فينوي الظهرية بالمعادة ، فمع الإتيان بصلاة الظهر فرادى يستحب إعادتها جماعة بعنوان الظهريّة ، هذا. وفيه : أنّ نفس الإعادة تقتضي ذلك ، وإلّا لخرجت عن باب الإعادة ، ولا معنى لتعليقه على مشيّة المصلّي ، إذ ليس له قصد غير ذلك العنوان المتحقق به الامتثال أوّلاً ، فما يمكن أن تتعلق به المشيّة هو جعل ما بيده نافلة ، وإعادته جماعة بنيّة الوجوب. ومن المعلوم أنّ هذا أجنبي عن مسألة تبديل الامتثال ، فأجود الاحتمالات هو الأوّل ، وان لم يكن بذلك الوضوح ، وإلّا فيصير مجملاً ، ويسقط به الاستدلال. فالمتحصل : أنّه لا ينبغي الإشكال في مشروعية إعادة ما صلّاه منفرداً جماعة ، سواء أُقيمت الجماعة في أثنائها أم بعدها ، غاية الأمر أنّه في الأول ينوي الفرض ، وفي الثاني ينوي الندب تداركاً لما فات من الخصوصية والمزية وهي الجماعة ، قال في الجواهر : «ثم إنّ ظاهر الفتاوى وبعض النصوص السابقة نية الندب في المعادة لو أراد التعرض للوجه كما صرح به في السرائر والمنتهى والتذكرة ، والبيان والمدارك والذخيرة والكفاية ، وعن المبسوط والنهاية ومجمع البرهان ، بل عن حاشية المدارك للأستاذ حكاية روايتين (١) عن عوالي اللئالي صريحتين في الندب» ، وقال في العروة في فصل مستحبات الجماعة : «المسألة ٢١ في المعادة : إذا أراد نية الوجه ينوي الندب لا الوجوب على الأقوى» ، ولا وجه لقصد الوجوب وإن نُسب إلى جماعة استناداً إلى صحيح هشام ، وحسن حفص السابقين ، أو غيرهما ، حتى مرسل الصدوق المتقدم ، فلاحظ. فتخلص : أنّه لا وجه للتشبث بروايات المعادة على جواز تبديل الامتثال ، لما عرفت من كونها أجنبية عن مورد البحث ، بل لو فرض دلالتها على ذلك فلا بد من صرفها عن ظاهرها ، لاستحالة بقاء الأمر مع الإتيان بمتعلقه على وجهه كما مر. وأمّا تكرار صلاة الآيات فانّما هو لاستحباب الإعادة إذا فرغ عن الصلاة قبل الانجلاء ، كما يدل عليه صحيح (٢) معاوية

__________________

(١) (المستدرك. الباب ٤٣ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٣ و ٤).

(٢) الوسائل ج ـ ٥ ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث ـ ١ ـ.

٢٧

الموضع الثاني وفيه مقامان : المقام الأول في أنّ الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري هل يُجزي عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي ثانياً (*) (١) بعد رفع الاضطرار في الوقت إعادة وفي خارجه قضاءً ، أو لا يجزي؟.

______________________________________________________

الأمر الاضطراري

(١) قيد لقوله : ـ عن الإتيان ـ ومحصل ما أفاده : أنّ الكلام تارة يقع في مقام الثبوت ، وأخرى في مقام الإثبات. أمّا المقام الأول المشار إليه بقوله : ـ فاعلم انه يمكن ... إلخ ـ فحاصله : أنّ الاختيار والاضطرار يمكن أن يكونا من الأوصاف المنوّعة كالسفر والحضر ، والفقر والغنى ، ونحوها مما يوجب تعدد الموضوع ، فالاختيار والاضطرار دخيلان في الموضوع والمصلحة ، فالصلاة عن جلوس ، أو تيمم للعاجز عن القيام ، وعن الطهارة المائية ، أو مع التكتف للتقية ، أو غير ذلك من الصلوات الاضطرارية تكون كالصلوات

__________________

بن عمار قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعِد» ومطلوبية الوجودات الطولية بالأمر الاستحبابي أجنبية عن تبديل الامتثال الّذي مرجعه إلى بقاء نفس الأمر الأول ، فلو لا الأمر بالإعادة في هذه الصحيحة لم يكن وجه للإتيان بالصلاة ثانياً ، وثالثاً ، وهكذا.

(*) لا يخفى الاستغناء عنه ، بل إخلاله ، لأنّ معناه حينئذٍ : أنّ الإتيان بالمأمور به الاضطراري هل يجزي عن الإتيان بالمأمور به الواقعي الأوّلي ثانياً أم لا ، فالنزاع على هذا إنّما هو في إجزائه عن الوجود الثاني للمأمور به الواقعي ، لا وجوده الأوّل ، مع أنّ النزاع كله في الوجود الأول ، فينبغي أن تكون العبارة هكذا : ـ هل يجزي الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن الإتيان بالمأمور به الواقعي الأوّلي إعادة في الوقت ، وقضاءً في خارجه أم لا؟ والحاصل : أنّ عبارة المتن توهم كون مصب النزاع هو الإجزاء عن الوجود الثاني للمأمور به الواقعي الأوّلي وعدمه ، ومن المعلوم عدم كونه كذلك.

٢٨

تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلم فيه تارة في بيان ما يمكن أن يقع عليه الأمر الاضطراري من الأنحاء ، وبيان ما هو قضية كل منها من الاجزاء وعدمه ، وأخرى في تعيين ما وقع عليه ، فاعلم :

أنّه يمكن أن يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار كالتكليف (*)

______________________________________________________

التامة الاختيارية في الوفاء بالغرض. ويمكن أن لا يكونا من الأوصاف المنوّعة حتى يكون الفعل الاضطراري كالاختياري وافياً بتمام مصلحة الفعل الاختياري بأن يبقى شيء منها ، وهذا النحو يتصور على وجهين : أحدهما : ما لا يمكن استيفاؤه.

ثانيهما : ما يمكن ذلك ، وهذا أيضا على نحوين :

الأول : أن يكون المقدار الباقي واجب التدارك.

الثاني : أن يكون مستحب التدارك ، فالوجوه المتصورة ثبوتاً المذكورة في المتن أربعة :

الأول : وفاء المأمور به الاضطراري بتمام مصلحة المأمور به الواقعي الأوّلي كما مر.

الثاني : عدم وفائه به مع عدم إمكان الإتيان بالباقي.

الثالث : كون الباقي من الغرض ممكن الاستيفاء مع وجوبه.

الرابع : كونه ممكن الاستيفاء مع استحبابه (**).

__________________

(*) الأولى تبديله هنا وكذا في قوله : ـ التكليف الاضطراري ـ بالمكلف به ـ ، لقيام الملاكات بالمتعلقات ، لا الأحكام ، فالتعبير بالتكليف مسامحة ، أو من المصدر المبني للمفعول.

(**) لا يخفى أنّ الاحتمالات الثبوتية أزيد من الأربعة المذكورة في المتن ، إذ منها حرمة التفويت ، حيث إنّ ما لا يمكن استيفاؤه قد يكون محرّم التفويت ، وقد لا يكون كذلك ، وحكمه جواز البدار مع عدم الحرمة ، وعدمه معها ، وعدم الاجزاء مع الحرمة ، إذ لا أمر مع حرمة التفويت حتى يبقى مجال للبحث عن الاجزاء ، ولا ينبغي إهمال هذا الاحتمال الخامس.

٢٩

الاختياري في حال الاختيار وافياً بتمام المصلحة ، وكافياً فيما هو المهم والغرض (*) ويمكن أن لا يكون وافياً به (١) كذلك (**) بل يبقى منه شيء أمكن استيفاؤه ، أو لا يمكن ، وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه أو يكون بمقدار يستحب.

ولا يخفى (٢) أنّه ان كان وافياً به ، فيجزي ، فلا يبقى مجال أصلاً للتدارك (٣)

______________________________________________________

(١) أي : بتمام المصلحة.

(٢) هذا شروع في بيان الآثار المترتبة على الوجوه المحتملة المتقدمة ، وحاصله :

أنّه ـ بناءً على الوجه الأول وهو وفاء المأمور به الاضطراري بتمام مصلحة المأمور به الواقعي الأوّلي ـ لا إشكال في الإجزاء ، لحصول الغرض بتمامه الموجب لسقوط الأمر الواقعي ، فلا وجه للإعادة والقضاء ، هذا بالنسبة إلى الاجزاء ، وأمّا بالنسبة إلى جواز البدار وعدمه فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

وبناءً على عدم الوفاء بتمام مصلحة المأمور به الواقعي الأوّلي ، وعدم إمكان تداركه لا في الوقت ولا في خارجه ، فلا يتعلق أمر بإتيان الفعل ثانياً بعد ارتفاع العذر ، لإناطة تشريع الأمر بإمكان استيفاء الغرض الداعي إليه.

(٣) لتوقفه على الفوت المفروض عدمه.

__________________

(*) ولا يلزمه جواز تحصيل الاضطرار اختياراً كما توهم ، وذلك لإمكان ترتب المصلحة التامة على المأمور به الاضطراري ان كان الاضطرار بالطبع لا بالاختيار.

(**) لا حاجة إلى هذه اللفظة ، لرجوع ضمير ـ به ـ إلى ـ تمام المصلحة ـ ، فيكون محصل ما يستفاد من كلامه (قده) : أنه يمكن ان لا يكون وافياً بتمام المصلحة بتمام المصلحة ، لكون قوله : ـ كذلك ـ بمنزلة التصريح بتمام المصلحة ، واحتمال ان يكون قوله ـ كذلك ـ إشارة إلى كلامه : ـ وكافياً فيما هو المهم والغرض ـ لا وجه له ، لأنّ قوله ـ : ـ وكافيا ... إلخ ـ تفسير للوفاء بتمام المصلحة ، وليس مغايراً له كما لا يخفى.

٣٠

لا قضاءً ولا إعادة ، وكذا (١) لو لم يكن وافياً ولكن لا يمكن تداركه ، ولا يكاد يسوغ له البدار (٢) في هذه الصورة (٣) إلّا لمصلحة كانت فيه (٤) ، لما (٥) فيه من نقض الغرض وتفويت (٦) مقدار من المصلحة لو لا مراعاة ما هو فيه (٧) من الأهم (*) ، فافهم (٨).

______________________________________________________

(١) يعني : وكذا يجزي في صورة عدم الوفاء مع امتناع تدارك الفائت.

(٢) أي : المبادرة إلى الإتيان بالمأمور به الاضطراري في أول وقت الاضطرار.

(٣) وهي عدم الوفاء مع عدم إمكان تدارك الباقي ، ولا يجوز البدار حينئذٍ ، لاستلزام تجويزه للإذن في تفويت مقدار من المصلحة ، وذلك قبيح على العاقل فضلاً عن الحكيم.

(٤) أي : البدار ، حاصله : أنّه لا يجوز البدار المفوِّت لمقدار من المصلحة إلّا مع تداركه بمصلحة أُخرى ، كمصلحة أوّل الوقت مثلا ، إذ بدون التدارك يلزم نقض الغرض ، وهو تفويت مصلحة المأمور به الواقعي بلا موجب.

(٥) تعليل لقوله : ـ ولا يكاد يسوغ له البدار ـ وقد عرفت تقريبه.

(٦) تفسير لنقض الغرض.

(٧) أي : البدار ، والمراد ب ـ ما ـ الموصولة الغرض الأهم ، وضمير ـ هو ـ راجع إلى الموصولة ، يعني : يلزم نقض الغرض لو لا مراعاة الغرض الأهم الّذي يكون في البدار ، وقوله : ـ من الأهم ـ بيان ل ـ ما ـ الموصولة.

(٨) لعله إشارة إلى : أنّه مجرد فرض في مقام الثبوت ، إذ لم نظفر في مقام الإثبات بما يدل على اشتمال البدار في شيءٍ من الأبدال الاضطرارية على مصلحة تكون أهم من المقدار الفائت من مصلحة المأمور به الواقعي الأوّلي.

__________________

(*) الأهمية وإن كانت مناطاً لتقديم أحد المتزاحمين أو المتزاحمات ، لكنها مناطه على وجه اللزوم ، وفي المقام يكفي في جواز البدار مساواة مصلحته للمقدار الفائت من مصلحة المأمور به الواقعي ، نعم الأمر بالبدار يتوقف على أهمية مصلحته من المقدار الفائت ، كما لا يخفى.

٣١

لا يقال : عليه (١) فلا مجال لتشريعه ولو بشرط الانتظار ، لإمكان (٢) استيفاء الغرض بالقضاء. فانه يقال : هذا كذلك (٣) لو لا المزاحمة بمصلحة الوقت (*) ، وأمّا تسويغ البدار أو إيجاب الانتظار في الصورة الأُولى (٤) فيدور مدار كون العمل

______________________________________________________

(١) أي : بناءً على لزوم نقض الغرض يلزم ما قد يتوهم من أنّ البدل الاضطراري إذا لم يكن وافياً بتمام مصلحة المأمور به الاختياري ، فلا مجال لتشريعه ولو في آخر الوقت ، لكونه مفوِّتاً لمقدار من المصلحة ، بل لا محيص عن الأمر بالمبدل الاختياري بعد خروج الوقت وارتفاع الاضطرار لتستوفي المصلحة بتمامها.

(٢) تعليل لقوله : ـ لا مجال ـ.

(٣) يعني : أنّ إشكال عدم المجال لتشريع البدل الاضطراري مع إمكان استيفاء تمام المصلحة في خارج الوقت بإتيان المأمور به الواقعي بعنوان القضاء متّجه إذا لم يكن المقدار الفائت مزاحماً بمصلحة أُخرى كمصلحة الوقت ، وأمّا إذا كان مزاحماً بها ، فلا مانع من تشريع البدل الاضطراري المفوِّت لمقدار من الغرض ، إذ المفروض تدارك الفائت بمصلحة الوقت.

(٤) وهي وفاء المأمور به الاضطراري بمصلحة المأمور به الواقعي الأوّلي ، وهذا هو الّذي وعدنا أنّه سيأتي الكلام فيه بالنسبة إلى جواز البدار وعدمه.

وحاصله : أنّ جواز البدار وعدمه في هذه الصور يدوران مدار كيفية دخل الاضطرار في المصلحة ، فإن دلّ دليله على أنّ مجرد طروِّ الاضطرار ولو في جزء من الوقت المضروب للمأمور به الواقعي الأوّلي يوجب صيرورة الفعل ذا مصلحة تامة جاز البدار ، ولا يجب الانتظار إلى آخر الوقت ، أو اليأس من ارتفاع الاضطرار في الوقت.

وإن دلّ على أنّ الاضطرار المستوعب للوقت ، يوجب صيرورة الفعل الاضطراري ذا مصلحة تامة ، فلا وجه لجواز البدار ، بل يجب الانتظار ، إلّا إذا علم ببقاء العذر إلى آخر الوقت ، فإنّه طريق عقليٌّ لإحراز الموضوع وهو الاضطرار المستوعب.

__________________

(*) لا يخفى أنّه في صورة مزاحمة المقدار الفائت بمصلحة أُخرى قائمة بالبدار يجب البدار ، إذ بدونه يفوت هذا المقدار أيضا بلا تدارك.

٣٢

بمجرّد الاضطرار مطلقاً أو بشرط الانتظار ، أو مع اليأس عن طروِّ الاختيار ذا مصلحة ، ووافياً بالغرض.

وإن لم يكن وافياً (١) وقد أمكن تدارك الباقي في الوقت (٢) ، أو مطلقاً ولو بالقضاء خارج الوقت ، فان كان الباقي مما يجب تداركه ، فلا يجزي (٣) ، فلا بد من إيجاب الإعادة أو القضاء ، وإلّا (٤) فيجزي ، ولا مانع عن البدار في الصورتين (٥).

______________________________________________________

(١) هذه الجملة معطوفة على قوله قبل أسطر : ـ إن كان وافيا به ـ والغرض من ذلك بيان آثار قسمي صورة إمكان تدارك المقدار الفائت من المصلحة.

وتوضيحه : أنّ ما يبقى من المصلحة إن كان تداركه واجباً ، فلا يجزي الفعل الاضطراري عن المأمور به الواقعي ، بل يجب الإتيان بالمبدل إعادة مع بقاء الوقت ، وقضاءً بعد خروجه ، وإلى هذا أشار بقوله : ـ فإن كان الباقي مما يجب تداركه ـ.

وإن لم يكن تداركه واجباً فلا يجب شيء من الإعادة والقضاء ، إذ المفروض عدم وجوب تدارك ما فات من المصلحة ، ومثل هذه المصلحة غير الملزمة لا يدعو إلى الطلب الوجوبيّ ، إذ الداعي إليه هي المصلحة الملزمة دون غيرها كما لا يخفى.

(٢) إذا فرض زوال العذر قبل خروج الوقت ، كما أنّ تدارك الباقي قضاءً يكون بعد خروج الوقت.

(٣) إذ المفروض إمكان تداركه مع لزومه.

(٤) يعني : وان لم يكن الباقي مما يجب تداركه فيجزي ، لعدم وجوب تدارك الباقي حتى يلزم الإتيان بالفعل ثانياً إعادة أو قضاءً لتداركه.

(٥) وهما وجوب تدارك الباقي وعدم وجوبه ، وجه عدم المانع هو عدم لزوم التفويت من البدار فيهما.

غاية الأمر أنّه يتخير في الصورة الأولى بين الإتيان بعملين : اضطراري واختياري ، فيجوز له البدار بالعمل الاضطراري ، ثم يأتي بالاختياري بعد ارتفاع العذر ، وبين الإتيان بعمل واحد اختياري بعد ارتفاع الاضطرار ، إذ المصلحة التامة تستوفي على كلا التقديرين ، غايته أنّه في صورة الإتيان بعملين تستوفي تدريجاً ، وفي

٣٣

غاية الأمر يتخير (*) في الصورة الأولى (١) بين البدار والإتيان بعملين : العمل الاضطراري في هذا الحال (٢) ، والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار ، أو

______________________________________________________

صورة الإتيان بعمل واحد تستوفي دفعة.

(١) وهي كون الباقي من المصلحة لازم الاستيفاء.

(٢) أي : حال الاضطرار.

__________________

(*) في هذا التخيير ـ مضافاً إلى كونه من التخيير بين الأقل والأكثر الّذي هو في غاية الإشكال كما قرر في محله ـ أنّ المصلحة الوقتية ان كانت لازمة الاستيفاء كالمصلحة القائمة بالجزء المضطر إليه ، فمقتضى القاعدة وجوب الفعلين ، حفظاً لكلتا المصلحتين ، لا وجوبهما ، أو وجوب الفعل الواحد التام بعد ارتفاع الاضطرار تخييراً لأنه ليس مشتملا على المصلحتين ، بل علي مصلحة واحدة ، فاستيفاء المصلحتين منوط بإيجاب كل من الفعلين تعيينا.

وإن لم تكن لازمة الاستيفاء ، فلا وجه لوجوب الفعل الناقص الاضطراري في الوقت ، بل الواجب تعييناً هو الفعل التام بعد ارتفاع الاضطرار.

وبالجملة : ان كانت كلتا المصلحتين لازمتي الاستيفاء ، فلا بد من إيجاب كلا الفعلين تعييناً من دون حاجة إلى تشريع وجوب لفعل تام تخييراً بعد ارتفاع الاضطرار ، لما عرفت من عدم اشتماله على كلتا المصلحتين. وان لم تكونا واجبتي الاستيفاء فلا بد من إيجاب فعل واحد قائم بالمصلحة اللازم تداركها ، فالتخيير المذكور في المتن لم يظهر له وجه.

هذا إذا كان ارتفاع الاضطرار بعد الوقت ، وأمّا إذا كان ارتفاعه فيه سواء أكانت كلتا المصلحتين لازمتي الاستيفاء أم لا ، فلا ينبغي الارتياب في وجوب فعل واحد تعيينا في الوقت بعد زوال العذر ، لقيام كلتا المصلحتين به بعد كون المطلوب صِرف الوجود من الطبيعة الواقع في صرف الوجود من الزمان الوافي به.

٣٤

الانتظار (١) والاقتصار بإتيان ما هو تكليف المختار ، وفي الصورة الثانية (٢) يتعيّن عليه استحباب البدار ، وإعادته (٣) بعد طروِّ الاختيار.

هذا كله فيما يمكن أن يقع عليه الاضطراري من الأنحاء (٤) ، وأمّا ما وقع

______________________________________________________

(١) معطوف على ـ البدار ـ يعني : يتخير في صورة لزوم استيفاء الباقي بين البدار والإتيان بعملين ، وبين الانتظار أي انتظار ارتفاع العذر ، والاقتصار على عمل واحد تام اختياري ، والأولى تبديل ـ أو ـ بالواو في قوله : ـ أو الانتظار ـ.

(٢) وهي كون الباقي من المصلحة غير لازم الاستيفاء ، أمّا أصل جواز البدار فلعدم كونه مفوِّتاً لما يجب تداركه من المصلحة ، وأمّا استحبابه فإمّا للدليل الخاصّ الدال على ذلك مثل أدلة استحباب إتيان الصلوات اليومية في أول وقتها ، وإمّا للدليل العام مثل آيتي المسارعة والاستباق.

(٣) معطوف على ـ البدار ـ يعني : ويستحب إعادته بعد طروِّ الاختيار ، لاستيفاء تمام المصلحة من الملزمة وغيرها.

(٤) يعنى هذا كلّه في مقام الثبوت.

وأما المقام الثاني ، وهو مرحلة الإثبات المشار إليه بقوله (قده) : ـ واما ما وقع عليه ـ فحاصله : أنّ دليل البدل الاضطراري ان كان له إطلاق من الجهة المقتضية للإجزاء ، وهي اشتمال البدل على تمام مصلحة المبدل ، أو على مقدار موجب للإجزاء بأن كان دالاً على بدلية البدل الاضطراري سواء اشتمل على تمام مصلحة المبدل ، أو على معظمها حتى يكون مجزياً ، أم لم يشتمل عليه حتى لا يكون مجزياً.

وان لم يكن له إطلاق من غير هذه الجهة ، فلا محيص حينئذٍ عن القول بالإجزاءِ.

لما تقدم في مقام الثبوت من ترتب الاجزاء على تمام المصلحة ، أو على المقدار الملزم منها إذا لم يكن الباقي على فرض إمكان تداركه لازم الاستيفاء.

وان لم يكن لدليل البدل الاضطراري إطلاق من هذه الحيثية المقتضية للاجزاء فالمرجع حينئذٍ الأصل العملي وهو البراءة عن وجوب الإعادة والقضاء ، لكون الشكِّ حينئذٍ في التكليف ، وهو مجرى البراءة ، ونتيجة ذلك عدم وجوب الإعادة أو القضاء أيضا ،

٣٥

عليه ، فظاهر إطلاق دليله مثل قوله تعالى : «فان لم تجدوا ماء فتيمّموا صعيدا طيبا» ،

______________________________________________________

كصورة ثبوت الإطلاق لدليل البدل ، إلّا إذا دلّ دليل وجوب القضاء على أنّ موضوعه فوت الواقع وان لم يتصف بكونه فريضة ، لكنه مجرد فرض ، هذا ملخص مرام المصنف (قده) (*).

__________________

(*) لكن الحق أن يقال : إنّ دليلي المبدل والبدل إمّا مطلقان ، وإمّا مهملان ، وإمّا مختلفان ، فالصور أربع.

فان كانا مطلقين ، أو كان دليل المبدل مهملا ودليل البدل مطلقا ، فيرجع إلى إطلاق دليل البدل ، لحكومته على إطلاق دليل المبدل في الصورة الأُولى ، وعدم مانع من الرجوع إليه في الصورة الأخيرة ، وهي إهمال دليل المبدل وإطلاق دليل البدل ، ضرورة أنّ الإهمال يسقطه عن الحجية ، فيرجع إلى إطلاق دليل البدل بلا مانع ، فيجزي في هاتين الصورتين.

وان كان دليل المبدل مطلقاً ودليل البدل مهملا ، فيرجع إلى إطلاق دليل المبدل ، لفقد المانع وهو حكومة إطلاق دليل البدل عليه ، فيحكم حينئذٍ بوجوب الإعادة أو القضاء.

وان كان كل من دليلي المبدل والبدل مهملا ، فيرجع إلى الأصل ، لفقد الدليل حينئذٍ ، فالرجوع إلى الأصل إنّما هو في هذه الصورة فقط ، لا في صورة عدم الإطلاق لدليل البدل الاضطراري مطلقاً كما في المتن.

وأمّا كون الأصل هو البراءة ، ففيه كلام ، توضيحه : أنّ الاضطرار تارة يرتفع في الوقت ، وأُخرى في خارجه.

ففي الأوّل تجري قاعدة الاشتغال المقتضية لوجوب الإعادة ، لكونه من صغريات التعيين والتخيير ، حيث إنّ الصلاة مع الطهارة المائية مثلا مفرِّغة للذمّة قطعاً ، بخلاف الصلاة مع الترابية ، فإنّ مفرِّغيتها لها مشكوكة ، فلا يكتفي بها عقلاً في مقام الامتثال.

٣٦

وقوله عليه الصلاة والسلام : «التراب أحد الطهورين» و «يكفيك عشر سنين» (١) هو الاجزاء ، وعدم وجوب الإعادة أو القضاء.

ولا بد في إيجاب الإتيان به ثانياً من دلالة دليل بالخصوص (٢).

وبالجملة : فالمتبع هو الإطلاق (٣) لو كان ، وإلّا فالأصل وهو يقتضي البراءة من إيجاب الإعادة ، لكونه شكاً في أصل التكليف (٤) ، وكذا عن إيجاب القضاء بطريق أولى (٥) ، نعم لو دل دليله على أنّ سببه فوت الواقع ولو لم يكن هو فريضة (٦) كان

______________________________________________________

(١) راجع الوسائل كتاب الطهارة الباب الرابع عشر من أبواب التيمم.

(٢) يعني : غير دليل المأمور به الواقعي الأوّلي الّذي هو المبدل.

(٣) أي : إطلاق دليل البدل لو كان ، وإلّا فالمتبع هو الأصل العملي.

(٤) كونه شكّا في أصل التكليف إنّما هو لأجل سقوط الأمر الواقعي حال الاضطرار بسبب عدم القدرة على امتثاله الموجب لقبح الخطاب ، فوجوب الإعادة حينئذٍ تكليف جديد مشكوك فيه ، فتجري فيه البراءة ، هذا إذا ارتفع الاضطرار قبل خروج الوقت ، وإذا ارتفع بعده ، فوجوب القضاء أيضا تكليف جديد ينفي بالبراءة.

(٥) لعل وجه الأولوية هو ترتب القضاء على فوت الواجب في وقته ، فلو لم يجب الفعل في وقته ، فعدم وجوب قضائه في خارج الوقت أولى ، فتدبر.

(٦) يعني : وان لم يكن الواقع الفائت فريضة فعلاً.

__________________

وفي الثاني تجري البراءة في وجوب القضاء ، للشك في تحقق موضوعه وهو فوت الفريضة في الوقت ، حيث إنّ من المحتمل انقلاب الواقع إلى المأمور به الاضطراري ، فلم يفت فريضة في الوقت حتى يجب قضاؤها ، ومن المحتمل عدم انقلابه إليه ، فيصدق الفوت الموجب لقضائه ، فيكون الشك حينئذٍ في التكليف وهو مجرى البراءة ، هذا كله فيما يجري فيه الأصل وهو إهمال الدليلين ، وأمّا في غيره ، فالمرجع هو الإطلاق مطلقاً كما عرفت آنفا.

٣٧

القضاء واجباً عليه لتحقق سببه (١) وان أتى بالغرض (٢) لكنه مجرد الفرض (٣) (*).

______________________________________________________

(١) المراد بالسبب هو الموضوع ، ومرجع ضمير ـ سببه ودليله وسببه ـ هو إيجاب القضاء.

(٢) أي : الغرض القائم بالمأمور به الواقعي الحاصل بالمأمور به الاضطراري.

(٣) لأنّ دليل القضاء وهو قولهم عليهم الصلاة والسّلام : «ما فاتتك من فريضة فاقضها كما فاتتك» ، و «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» ظاهر في فوت الفريضة الفعلية ، لا فوت الواقع بما هو هو.

__________________

(*) يمكن أن يقال باجزاء المأمور به الاضطراري عن الإعادة والقضاء في جميع الموارد إلّا إذا قام نصّ خاص على وجوب أحدهما ، وتوضيحه منوط بتقديم أُمور :

الأول : أن الاضطرار لا يصدق إلّا في الموقتات مع استيعابه للوقت ، إذ بدونه مع كون المطلوب صرف الوجود في تمام الوقت المضروب له لا اضطرار حينئذٍ إلى صرف الوجود ، للقدرة عليه في بعض الوقت ، وكذا الحال في غير الموقتات مع وجوب الفور فيها ، فصدق الاضطرار فيها منوط بذلك ، إذ بدون وجوب الفور لا اضطرار كما لا يخفى.

الثاني : أن تشريع الحكم الاضطراري دليل إنّي على اشتمال متعلقه على مصلحة لازمة الاستيفاء في الوقت ، وعدم الاهتمام بما يفوت في الوقت من مصلحة الجزء أو الشرط المضطر إلى تركه ، إذ مع الاهتمام به لا وجه لتشريع الحكم الاضطراري المفوِّت له ، فلا بد أن تكون المصلحة القائمة بالجزءِ أو الشرط المتروك اضطراراً ساقطة كخطابه ، أو غير لازمة الاستيفاء ، فوجوب العمل ثانياً لتدارك مصلحة المضطر إليه محتاج إلى تشريع ثانوي ، ولا يفي به تشريع المبدل أوّلاً ، لسقوط الأمر بالجزء أو الشرط المضطر إلى تركه ، وعدم كاشف عن بقاء مصلحته حتى يستكشف منه بقاء التشريع ، لاحتمال دخل القدرة في ملاكه كدخلها في خطابه.

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

واستصحاب المصلحة لا يُجدي في بقاء الخطاب ، لأنّ الشك في حدوث التكليف بعد ارتفاع الاضطرار ، لا في بقائه بعده ، ضرورة سقوط التكليف الأوّلي بالجزء أو الشرط ، للاضطرار ، فليس الشك في بقاء التكليف حتى يثبت باستصحاب المصلحة بل الأمر بالعكس ، لأنّ مقتضى الاستصحاب عدم تشريع الحكم بعد ارتفاع الاضطرار.

الثالث : أن الاضطرار رافع للحكم المتعلق بالجزء أو الشرط مطلقاً سواء أكانت القدرة شرطاً للملاك والخطاب معاً ، أم شرطاً للخطاب فقط كما هو الغالب من قبح مطالبة العاجز ، فإنّ دليل الاضطرار من عمومه وخصوصه كدليلي الضرر والحرج من الأدلة النافية للحكم ، وبضمه إلى أدلة أجزاءِ المأمور به الواقعي وشرائطه يتحصّل أن المأمور به في حال العذر هو ما عدا الجزء أو الشرط المضطر إلى تركه.

ولا يرد هنا إشكال المثبتية الوارد على أصل البراءة في الأقل والأكثر الارتباطيين بناءً على كون تقابل الإطلاق والتقييد تقابل التضاد ، لا العدم والملكة ، وذلك لكون دليل الاضطرار من الأدلة الاجتهادية ، لا الأصول العملية ، كما لا يخفى.

الرابع : أنّه لا يجب استيفاء الملاكات غير المطالبة ، فإنّ العقل الحاكم بحسن الإطاعة إنّما يحكم بحسن امتثال العبد لأحكام مولاه ، والأغراض الداعية إلى التشريع ليست أحكاماً ، فلا يجب على العبد موافقتها. نعم إذا أحرز العبد تمامية الملاك ، ولكن المولى لا يقدر على إنشاء الحكم لمانع خارجي حكم العقل حينئذٍ بلزوم موافقة الغرض.

وبالجملة : مجرد الغرض مع عدم مانع للمولى عن الإنشاء لا يوجب عقلاً إطاعة أصلاً.

الخامس : أنّ المبدل الموقت إن كانت مطلوبيته بنحو صِرف الوجود في الوقت

٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المضروب له ، فاللازم الإتيان به على النهج المعتبر فيه ، فلو كان في أول الوقت مضطرّاً ثم ارتفع الاضطرار بحيث تمكن في الوقت من الإتيان بالمبدل الاختياري ، فليس له الإتيان بالبدل الاضطراري ، إلّا مع قيام دليل خاص على الاجزاء والاكتفاء به.

إذا عرفت هذه الأمور تعرف أنّ مقتضى القاعدة إجزاء المأمور به الاضطراري عن الواقعي في جميع الأبدال الاضطرارية إذا كان العذر مستوعباً لوقت المبدل ، ومجرد العلم ببقاء مقدار من المصلحة ـ فضلا عن احتماله ـ لا يقتضي وجوب القضاء ، لما عرفت من عدم الدليل علي وجوب موافقة الغرض ما لم يطالب به المولى ، ومجرد وجوده ليس علة تامة للطلب حتى يكون برهاناً لِميّاً على وجوب القضاء ، وذلك لاحتمال عدم إمكان استيفاء المصلحة الباقية إلّا بصرف الوجود ، لا بغيره من وجودات الطبيعة ، فأوّل وجوداتها تقوم به المصالح كلها دون غيره.

ومما ذكرنا يظهر حكم الحج مع العامة مع اقتضاء التقية لذلك ، وأنّه كسائر الأبدال الاضطرارية ، بل أولى منها ، لما ثبت من سعة دائرة التقية كما سيأتي.

ولا يخفى أن مورد النزاع في إجزاء المأمور به الاضطراري عن الواقعي إنّما هو فيما إذا لم يكن الاضطرار من الأوصاف المنوِّعة للمكلف الموجبة لاختلاف الأحكام كالمسافر والحاضر ، وإلّا فلا معنى للإجزاء عن الأمر المتعلق بموضوع آخر.

والقول بكون المختار والمضطرّ كالمسافر والحاضر ضعيف ، لاستلزامه قضاء البدل الاضطراري إذا فات في وقته على ما فات ، فيجب أن يقضي الصلاة مع الطهارة الترابية إذا فاتت كذلك مع التمكن من قضائها مع المائية.

فتلخص من جميع ما ذكرناه أُمور :

الأول : أن مقتضى القاعدة إجزاء البدل الاضطراري عن المبدل الاختياري.

الثاني : أن مورد الاضطرار هو الموقت مع استيعاب الاضطرار للوقت ، أو

٤٠