منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٥٩٢

فعل الواجب بناء (١) على كون ترك الضد ممّا يتوقف عليه فعل ضدّه ، فإنّ تركها (٢) على هذا القول (٣) لا يكون مطلقا واجبا ليكون (٤) فعلها محرّما ، فتكون فاسدة (٥) ،

______________________________________________________

يكون منهيّا عنه لتبطل الصلاة ، بل من المقارنات ، لأنّ عدم الترك الموصل يتحقّق إمّا بفعل الصلاة ، وإمّا بفعل غيرها ، كالنوم ، والأكل ، وغيرهما من الأفعال.

ومن البديهي : أنّ الحرمة لا تسري من أحد المتلازمين إلى الآخر ـ فضلا عن المقارن ـ ، فالحرمة الثابتة للضّد ـ أعني : عدم الترك الموصل ـ لا تسري إلى مقارنه وهو الصلاة ، فلا وجه حينئذ لبطلانها.

وبالجملة : فالنهي عن الصلاة الموجب لفسادها مبنيّ على وجوب مطلق ترك الصلاة سواء أكان موصلا إلى الإزالة أم لا ، إذ على هذا المبنى تكون الصلاة منهيّا عنها ، لكونها نقيضا لتركها الواجب مقدّمة لفعل الإزالة.

(١) قيد لقوله : ـ يتوقّف ـ وهو إشارة إلى المقدّمة الأولى.

(٢) أي : العبادة ، كالصلاة في المثال المذكور ، وهذا تقريب الثمرة.

(٣) وهو : القول بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة ، يعني : أنّ ترك العبادة كالصلاة ـ على هذا القول ـ لا يكون مطلقا واجبا حتى يقتضي النهي عن فعلها ، فتبطل ، بل تركها الموصل إلى الواجب ـ كالإزالة ـ واجب ، دون غيره ، فترك الصلاة غير الموصل إلى الإزالة ليس بواجب حتى يقتضي وجوبه النهي عن فعلها ، فتفسد.

(٤) يعني : بناء على المقدّمة الموصلة ليس مطلق ترك العبادة واجبا حتى يكون فعلها منهيّا عنه ، بل التّرك الموصل إلى الإزالة ، وقوله : ـ ليكون فعلها محرّما ـ إشارة إلى : المقدّمة الثالثة ، إذ لا وجه لحرمة فعل العبادة كالصلاة إلّا من جهة اقتضاء تركها الواجب مقدّمة للنّهي عن ضدّه ، حيث إنّه من صغريات اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضدّه.

(٥) إشارة إلى : المقدّمة الرابعة ، وهي : كون النهي عن العبادة مقتضيا للفساد ، إذ بدون هذا الاقتضاء لا وجه للفساد.

٣٤١

بل فيما (١) يترتّب عليه الضدّ الواجب ، ومع الإتيان بها (٢) لا يكاد يكون هناك ترتّب ، فلا يكون تركها مع ذلك (٣) واجبا ، فلا يكون فعلها (٤) منهيّا عنه ، فلا تكون فاسدة.

وربما أورد (٥)

______________________________________________________

(١) يعني : بل الترك الواجب مقدّمة ـ بناء على القول بالمقدّمة الموصلة ـ هو : خصوص الترك الموصل إلى الواجب ، فمطلق ترك الصلاة ليس واجبا ، بل الواجب هو التّرك الموصل إلى الإزالة الّتي هي ضدّ الواجب.

(٢) أي : بالعبادة ـ كالصلاة في المثال ـ لا يتحقّق الترك الموصل ، لعدم ترتّب الواجب كالإزالة على ترك الصلاة ، إذ المفروض فعل الصلاة.

(٣) أي : مع عدم ترتّب الواجب كالإزالة ، وضمير ـ تركها ـ راجع إلى العبادة.

(٤) أي : العبادة ـ ، وقوله : ـ فلا يكون ـ نتيجة ما ذكره بقوله : ـ بل فيما يترتّب عليه الضدّ ـ ، يعني : أنّه ـ بناء على كون معروض الوجوب الغيري خصوص المقدّمة الموصلة ـ لا يكون فعل الصلاة منهيّا عنه ، لأنّ النهي عنه ناش عن الأمر بتركها ، والمفروض : أنّ التّرك لا يكون واجبا مطلقا ، بل خصوص الموصل إلى ذي المقدّمة ، وهو لم يتحقّق حتى يكون الأمر به مقتضيا للنهي عن ضدّه كي تبطل العبادة لهذا النهي.

فالمتحصل : أنّ ثمرة القول بالمقدّمة الموصلة هي صحة العبادة المضادّة للواجب ، كالإزالة في المثال.

(٥) المورد شيخنا الأعظم (قده) على ما في التقريرات ، وقد ذكره المقرّر في التّذنيب الّذي ينتهى إلى الهداية المتضمّنة لانقسام الواجب إلى الأصلي والتبعي ، وغرضه (قده) : إبطال الثمرة ، وإثبات فساد العبادة ـ كالصلاة في المثال ـ مطلقا وإن قلنا بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة.

ومحصل إيراده (ره) على الثمرة المذكورة : أن المقرّر في علم الميزان : كون نقيض الأخصّ أعم ، وبالعكس ، فإنّ الإنسان الّذي هو أخصّ من الحيوان يكون

٣٤٢

على تفريع هذه الثمرة بما حاصله : أنّ فعل الضّد (١) وإن لم يكن نقيضا للترك الواجب (٢) مقدّمة بناء (٣) على المقدّمة الموصلة ، إلّا أنّه (٤) لازم لما هو من أفراد (*) النقيض (٥) ،

______________________________________________________

نقيضه ـ وهو اللّاإنسان ـ أعمّ من ـ اللّاحيوان ـ الّذي هو نقيض الحيوان. ففيما نحن فيه يكون نقيض التّرك الخاصّ ـ أي الموصل إلى ذي المقدّمة ـ أعمّ من نقيض الترك المطلق ، فيكون لترك التّرك الخاصّ فردان : أحدهما : فعل الصلاة. والآخر : التّرك المجرّد عن الإيصال ، ومن البديهي : أنّه ـ بناء على حرمة النقيض ـ لا بدّ من الحكم بسراية الحرمة إلى جميع ما ينطبق عليه من الأفراد. وعليه : فالصلاة فاسدة حتّى على القول بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة ، فالثمرة الّتي أفادها في الفصول ليست بتامّة ، ولا تترتّب على المقدّمة الموصلة.

(١) كالصلاة في المثال المتقدّم الّتي هي ضدّ الإزالة المفروض كونها أهم من الصلاة.

(٢) وهو : التّرك الموصل إلى الإزالة. وجه عدم كون فعل الضدّ نقيضا للتّرك الموصل هو : إمكان ارتفاعهما ، كما إذا ترك الصلاة والإزالة معا ، ولو كانا نقيضين لم يجز ارتفاعهما.

(٣) قيد لقوله : ـ وإن لم يكن نقيضا ـ.

(٤) أي : فعل الضّدّ.

(٥) أي : نقيض الترك الواجب.

__________________

(*) الأولى : إسقاط كلمة : ـ من أفراد ـ ، وذلك لأنّ الفعل من لوازم نفس النقيض الّذي هو رفع الترك الخاصّ ، لا من لوازم أفراد النقيض ، كما أنّ ترك الصلاة مع ترك الإزالة أيضا من لوازم نفس النقيض أعني : ترك الترك الموصل ، لا من لوازم أفراد النقيض ، فينبغي أن تكون العبارة هكذا : ـ إلّا أنّه لازم لما هو النقيض ـ ، فتدبّر.

٣٤٣

حيث (١) إنّ نقيض ذلك الترك الخاصّ رفعه ، وهو (٢) أعم من الفعل والترك الآخر المجرّد (٣) ، وهذا (٤) يكفي في إثبات الحرمة ، وإلّا (٥) لم يكن الفعل المطلق محرّما فيما إذا كان الترك المطلق واجبا ، لأنّ (٦)

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : ـ إلّا أنّه لازم لما هو النقيض ـ ، وتقريبه : أنّه لمّا كان نقيض كلّ شيء رفعه ، فيكون نقيض التّرك الخاصّ ـ أي الموصل ـ رفع هذا الترك الخاصّ ، ومن المعلوم : أنّه أعمّ من الفعل كالإتيان بالصلاة في المثال ، ومن الترك غير الموصل إلى الإزالة ، كترك الصلاة بدون الإتيان بالإزالة. وكون فعل الصلاة من لوازم النقيض كاف في ثبوت الحرمة لها المقتضية لفسادها.

(٢) أي : رفع ذلك الخاصّ.

(٣) يعني : الترك المجرّد عن الإيصال الّذي فرض كونه قيدا للمقدّمة.

(٤) أي : وكون الفعل لازما للنقيض يكفي في إثبات الحرمة الثابتة للنقيض ، كما يشهد بهذه الكفاية : حرمة العبادة كالصلاة ـ بناء على وجوب مطلق الترك لا خصوص الموصل منه ـ ، ضرورة أنّ الفعل ليس أيضا نقيض الترك ، لكون الفعل وجوديّا ، ونقيض التّرك عدميّا ، لأنّ النقيض رفع الشيء ، ورفع الترك ليس عين الفعل ، بل ملازمه ، فكما أنّ هذه الملازمة تكفي في إثبات الحرمة والفساد للعبادة في صورة كون معروض الوجوب الغيري مطلق الترك ، فكذلك تكفي في إثبات الحرمة والفساد للعبادة ـ بناء على وجوب خصوص الترك الموصل ـ ، فلا تفاوت في حرمة العبادة وفسادها بين كون المقدّمة مطلق الترك ، وبين كونها خصوص الترك الموصل.

(٥) أي : وإن لا يكف هذا اللزوم ، وهو كون الفعل لازما للنقيض. وهذا إشارة إلى الشاهد الّذي ذكرناه بقولنا : «كما يشهد بهذه الكفاية ... إلخ».

(٦) تعليل لقوله : ـ وإلّا لم يكن الفعل المطلق محرما ـ ، يعني : إن لم يكف كون الفعل لازما للنقيض في حرمته وفساده لم يكن وجه لحرمته فيما إذا كان الواجب التّرك المطلق ، لا خصوص الموصل منه ، وذلك لأنّ الفعل حينئذ ليس

٣٤٤

الفعل أيضا (١) ليس نقيضا للترك ، لأنّه (٢) أمر وجودي ، ونقيض الترك إنّما هو رفعه (٣) ، ورفع الترك إنّما يلازم الفعل مصداقا ، وليس عينه ، فكما أنّ هذه الملازمة (٤) تكفي في إثبات الحرمة لمطلق الفعل ، فكذلك تكفي في المقام (٥) ، غاية الأمر (٦) : أنّ ما هو النقيض في مطلق الترك إنّما ينحصر مصداقه في

______________________________________________________

نقيضا للتّرك الواجب حتى يصير منهيّا عنه ، لأنّ الفعل أمر وجوديّ ، ونقيض الترك الواجب أمر عدميّ ، لأنّ نقيض كلّ شيء رفعه ، فنقيض التّرك رفعه ، ومن المعلوم : أنّ رفع التّرك ليس عين الفعل ، بل هو ملازم للفعل مصداقا ، فكما تكون هذه الملازمة كافية في ثبوت الحرمة للعبادة في صورة كون الواجب مطلق الترك ، فكذلك تكون كافية في ثبوت الحرمة للعبادة في صورة كون الواجب خصوص الترك الموصل ، فلا فرق في فساد العبادة بين المقدّمة الموصلة وغيرها.

هذا محصّل إشكال الشيخ (قده) على الثمرة المذكورة.

(١) يعني : كما لا يكون الفعل نقيضا للترك الموصل ، كذلك لا يكون نقيضا للترك المطلق ، كما عرفت تفصيله آنفا.

(٢) أي : الفعل أمر وجوديّ ، ونقيض الترك أمر عدميّ ، لأنّه رفع هذا الترك ، والعدمي ليس عين الفعل حتى يتّحد معه ، بل يلازم الفعل.

(٣) أي : رفع الترك بمعنى : عدم الترك.

(٤) أي : الملازمة بين رفع الترك المطلق ، وبين الفعل.

(٥) وهو : كون الواجب خصوص الترك الموصل.

(٦) إشارة إلى : الفرق بين كون الترك المطلق واجبا ، وبين كون الترك الخاصّ وهو الموصل واجبا ، وحاصل الفرق بينهما : انحصار مصداق النقيض في مطلق الترك بالفعل فقط. بخلاف التّرك الخاصّ ، فإنّ لنقيضه فردين : أحدهما : فعل الضد كالصلاة ، والآخر : تركه المجرّد عن الإيصال.

لكن هذا الفرق لا يوجب تفاوتا في الحكم بحرمة العبادة ، لأجل الملازمة بين الصورتين ، وهما : وجوب الترك المطلق ، ووجوب خصوص الترك الموصل.

٣٤٥

الفعل فقط. وأمّا النقيض للترك الخاصّ فله فردان (١) ، وذلك (٢) لا يوجب فرقا فيما نحن بصدده (٣) ، كما لا يخفى.

قلت : وأنت خبير بما بينهما (٤) من الفرق ، فإنّ الفعل في

______________________________________________________

(١) أحدهما : الفعل ، كإيجاد الصلاة المضادّة للإزالة ، والآخر : الترك ، كترك الصلاة بدون الإتيان بالإزالة.

(٢) أي : الفرق المزبور ـ وهو : انحصار مصداق نقيض مطلق الترك في الفعل فقط ، وتعدّده في نقيض الترك الخاصّ أعني الموصل ـ لا يوجب تفاوتا في الملازمة الموجبة لحرمة الفعل في الصورتين.

(٣) من إثبات الحرمة والفساد للعبادة بسبب الملازمة المزبورة.

(٤) أي : بين نقيضي الترك الموصل والترك المطلق ، وغرض المصنف من هذه العبارة : تصحيح كلام الفصول ، وتسليم الثمرة ، ودفع إشكال الشيخ عنه.

وحاصل ما أفاده : أنّه فرق واضح بين نقيضي الترك المطلق والترك المقيّد بالإيصال ، حيث إنّ النقيض في التّرك المطلق والرافع له هو الفعل بنفسه وإن عبّر عن النقيض برفع الترك ، لقولهم : «إنّ نقيض كلّ شيء رفعه» ، فإنّ هذا التعبير يوجب المغايرة مفهوما بين الفعل ورفع الترك ، لأنّ رفع الترك غير الفعل مفهوما ، كما هو واضح ، لكنّه متّحد مع الفعل عينا وخارجا ، فترك الترك عنوان مشير إلى الفعل ، ومرآة للوجود الخارجي الّذي هو النقيض حقيقة ، ويستحيل اجتماعه مع العدم ، وارتفاعهما معا ، لامتناع اجتماع كلّ نقيضين وارتفاعهما. فبناء على وجوب مطلق الترك يكون نقيضه ـ وهو وجود الصلاة ـ منهيّا عنه ، فتبطل على فرض الإتيان بها. وبناء على وجوب التّرك الخاصّ ـ وهو الترك الموصل ـ يكون نقيضه عدم هذا الترك الخاصّ ، ومن المعلوم : أنّ الفعل حينئذ يكون مقارنا لهذا الترك ، لا ملازما له ، لأنّه قد يفارقه ، فلا يأتي بالفعل كالصلاة ، كما لا يأتي بالواجب الأهم كالإزالة. نظير مقارنة ترك الصوم لفعل الصلاة ، فإنّه لا مجال لتوهّم كون الصلاة من أفراد ترك

٣٤٦

الأوّل (١) لا يكون إلّا مقارنا لما هو النقيض من رفع الترك المجامع معه (٢) تارة ، ومع الترك المجرد (٣) أخرى ، ولا يكاد يسري حرمة الشيء إلى ما يلازمه فضلا عمّا يقارنه أحيانا (٤).

نعم (٥) لا بد أن لا يكون الملازم محكوما فعلا (٦) بحكم آخر على خلاف

______________________________________________________

الصوم ، وقد قرّر في محلّه : أنّ حرمة الشيء لا تسري إلى ملازمه ـ فضلا عن مقارنه ـ ، فلا تكون الصلاة حينئذ محرّمة ، فلو أتى بها كانت صحيحة.

فما أفاده الفصول من الثمرة ـ وهي : صحّة العبادة على القول بالمقدّمة الموصلة ، وفسادها بناء على القول بوجوب مطلق المقدّمة ـ في غاية المتانة.

(١) وهو : كون الترك المقيّد بالإيصال مقدّمة ، وإنّما يكون هو الأوّل ، لأنّه المبتدأ به في إيراد الشيخ ، حيث قال : «وربما أورد على تفريع هذه الثمرة بما حاصله : أنّ فعل الضد ... إلخ» ، وإلّا فالأوّل فيما أفاده بقوله : «غاية الأمر : أنّ ما هو النقيض ... إلخ» هو نقيض الترك المطلق ، لا نقيض الترك المقيّد بالإيصال.

(٢) أي : الفعل ، وقوله : ـ من رفع الترك ـ بيان ل ـ ما ـ الموصول ، وقوله :

ـ المجامع ـ صفة ل ـ رفع ـ.

(٣) عن خصوصيّة الإيصال إلى ذي المقدّمة.

(٤) يعني : كما في المقام ، فإنّ الفعل من مقارنات رفع الترك في بعض الأوقات.

(٥) لمّا كان هنا مجال توهّم : أن يكون الملازم محكوما بحكم فعليّ على خلاف حكم الملازم الآخر ، دفعه بقوله : «نعم ... إلخ» ، وحاصله : أنّه يعتبر أن لا يكون الملازم محكوما فعلا بحكم على خلاف الملازم الآخر ، لا أن يكون محكوما بحكمه.

(٦) كما إذا كان ترك الصلاة حراما فعليّا ، أي فعلها المقارن لنقيض الترك الخاصّ واجبا ، ونقيض التّرك الخاصّ حراما فعليّا أيضا ـ أي فعل الإزالة واجبا ـ فإنّه حينئذ يستلزم اتّصاف الفعل الواحد ـ وهو الصلاة ـ بحكمين متضادّين : الحرمة والوجوب. وسيأتي بيانه في مبحث الضد إن شاء الله تعالى.

٣٤٧

حكمه ، لا أن يكون محكوما بحكمه. وهذا بخلاف الفعل في الثاني (١) ، فإنّه بنفسه يعاند الترك المطلق ، وينافيه ، لا ملازم لمعانده ومنافيه ، فلو لم يكن (٢) عين

______________________________________________________

(١) وهو : كون الترك المطلق واجبا ، فإنّ الفعل كالصلاة بنفسه يعاند الترك المطلق ، ويناقضه ، لا أنّه ملازم لما يعاند الترك وينافيه ، فلا محالة تسري حرمة الترك إلى الفعل ، ويصير حراما ـ بناء على كون الأمر بالشيء مقتضيا للنهي عن ضده ـ ، فإنّ الأمر بترك الصلاة مقدّمة للإزالة يقتضي النهي عن ضدّه أعني : الصلاة.

(٢) يعني : فلو لم يكن الفعل عين نقيض الترك خارجا ومفهوما اصطلاحا ، بل كان مغايرا له مفهوما اصطلاحا ، لأنّهم اصطلحوا على أنّ نقيض كلّ شيء رفعه ، فنقيض الترك : ترك الترك ، وهو أعم مفهوما من الفعل ، لكنه متّحد معه عينا وخارجا.

وأشار بقوله : «فلو لم يكن عين ما يناقضه» إلى : أنّ المعنى الاصطلاحي في النقيض أيضا يقتضي ما ذكرناه ، وهو : كون الفعل بنفسه مناقضا للتّرك ، والسلب والعدم نقيضين للإيجاب والوجود ، وذلك لما قيل من : كون الرفع في قولهم : «نقيض كلّ شيء رفعه» هو الجامع بين المصدر المبنيّ للفاعل وبين المصدر المبني للمفعول ، بحيث يشمل الرفع كلّا من الرافع والمرفوع. وعليه : فيصدق النقيض على كلّ من الإنسان واللّاإنسان ، أمّا اللاإنسان ، فلكونه رافعا للإنسان ، وأمّا الإنسان ، فلكونه مرفوعا باللاإنسان. فكلّ من الوجود والعدم نقيض للآخر.

قال الحكيم السبزواري (قده) في منظومته :

«نقيض كلّ رفع ، أو مرفوع

تعميم رفع لهما مرجوع»

شارحا له بقوله : «فاللاإنسان نقيض الإنسان ، لكونه رفعا له ، والإنسان نقيضه ، لكونه مرفوعا بالرفع. تعميم لهما أي إليهما مرجوع ، لمّا قال بعضهم : ـ نقيض كلّ شيء رفعه ـ ، وفهم منه التخصيص بمثل اللاإنسان ، ولم يشمل عين الشيء بدّل بعضهم هذا بقوله : ـ رفع كلّ شيء نقيضه. وبعضهم عمّم الرفع بأن المصدر بمعنى القدر المشترك بين المبنيّ للفاعل والمبنيّ للمفعول ، وهذا معنى قولنا :

٣٤٨

ما يناقضه بحسب الاصطلاح مفهوما ، لكنه (١) متحد معه عينا وخارجا ، فإذا (٢) كان الترك واجبا ، فلا محالة يكون الفعل منهيّا عنه قطعا ، فتدبر جيّدا.

______________________________________________________

تعميم».

والحاصل : أنّه لو لم يكن الفعل عين النقيض ـ وهو : ترك الترك ـ كما ادعاه بعض المحققين كالسبزواري على ما أفاده في عبارته المتقدّمة ، لكنه متحد مع النقيض خارجا ، فيكون الأمر بالترك مقتضيا للنهي عن نقيضه أعني : رفعه المتحد مع الفعل ، فتكون الصلاة منهيّا عنها ، فتبطل فيما إذا كان تركها واجبا ، لمقدميّته لواجب أهم كالإزالة.

(١) أي : الفعل متحد مع النقيض عينا وخارجا وإن كان يغايره مفهوما.

(٢) هذا متفرّع على اتحاد الفعل مع النقيض ، فالترك الواجب يقتضي النهي عن نقيضه ، وهو رفع هذا الترك المفروض اتّحاده مع الفعل خارجا ، فيصير الفعل منهيّا عنه ، فيبطل (*) إذا كان عبادة.

__________________

(*) يشكل ذلك ، لعدم كون الفعل نقيضا للترك ، حيث إنّ المفروض أنّ نقيضه رفع الترك ، فليس الفعل نقيضا اصطلاحيّا للترك. ودعوى كون الفعل متّحدا مع النقيض عينا وإن كان يغايره مفهوما ، ويسري حكم النقيض إلى ما يتّحد معه خارجا غير مسموعة ، لأنّ عدم الترك أمر عدمي ، فلا يعقل أن يكون عين الوجود لما بين الوجود والعدم من التّعاند والتنافي.

فالأولى ما ذكره جملة من المحققين كالسبزواري : من جعل الرفع بمعناه الأعم من الرافعيّة والمرفوعيّة ، فإنّه لا إشكال عندهم في كون الوجود والعدم متناقضين ، لوجود أثر التناقض ـ وهو امتناع اجتماعهما وارتفاعهما ـ فيهما ، وكذا ما يساوقهما من الإيجاب والسلب ، والثبوت والنفي. مع أنّ نقيض العدم والسلب والنفي رفعها ، ومن المعلوم : أنّه ليس عين الوجود والإيجاب والثبوت ، هذا.

مضافا إلى : أنّ نفس عنوان التناقض الّذي هو من العناوين المتكرّرة النسبة كالتضاد ، والتمانع ، والتماثل ، ونحوها يقتضي كون الفعل عين نقيض الترك خارجا

٣٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ومفهوما ، ضرورة أنّ صدق النسبة في أحد الطرفين يستلزم صدقها في الطرف الآخر فصدق النقيض على الترك يوجب صدقه على الفعل ، فكلّ من الترك والفعل نقيض الآخر ، على : أنّ موضوعات الأحكام الشرعيّة هي المفاهيم العرفيّة غالبا ، والعرف هنا حاكم بأنّ فعل الصلاة ترك لتركها ، فيحرم بوجوب تركها مقدّمة للإزالة الواجبة.

نعم يمكن عدم جريان حكمه في فعل الصلاة بالنسبة إلى الترك الخاصّ ، لأنّه يرى أيضا أنّ حكم الأعم لا يثبت للأخص ، لعدم تساويهما لا مفهوما ، ولا خارجا.

فالمتحصل : أنّه لا ينبغي الإشكال في كون الفعل بنفسه نقيضا للترك ، كالعكس ، فبناء على كون الأمر بالشيء مقتضيا للنهي عن ضده الشامل للنقيض يكون الفعل الّذي يجب تركه لأجل المقدّميّة منهيّا عنه ، فيبطل إذا كان عبادة ، هذا.

لكن الّذي يسهّل الأمر : أنّ الثمرة المزبورة ـ وهي : صحّة العبادة بناء على كون المقدّمة الواجبة هي خصوص الموصلة ـ ، وفسادها بناء على وجوب مطلق المقدّمة ـ ساقطة من أصلها ، لكونها مترتّبة على مقدّميّة ترك أحد الضّدين لفعل الآخر ، وهي غير ثابتة ، كما سيأتي توضيحه في مبحث الضّد إن شاء الله تعالى.

وهناك ثمرات أخرى :

الأولى : أنّ المقدّمة إذا كانت محرّمة كالتصرّف في الأرض المغصوبة لأداء واجب ، كإنقاذ غريق مؤمن ، فعلى القول بوجوب مطلق المقدّمة ـ وإن لم تكن موصلة ـ ترتفع الحرمة ، وتتّصف بالوجوب وإن لم يترتب عليها الواجب. وعلى القول بوجوب خصوص الموصلة ، أو عدم وجوب المقدّمة مطلقا تبقى الحرمة على حالها ، إلّا إذا توصّل بها إلى الواجب.

أما في صورة عدم وجوب المقدّمة ، فلأنّ ارتفاع الحرمة بالضرورة المبيحة للمحظورات إنّما يكون بقدرها ، وهو خصوص السلوك الموصل إلى الواجب النفسيّ كالإنقاذ في المثال ، دون غيره.

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وأما في صورة وجوب خصوص المقدّمة الموصلة ، فالأمر أوضح ، لأنّ الفرد الواجب مقدّمة للواجب النفسيّ هو خصوص السلوك الموصل إلى الواجب النفسيّ ، وما عداه يبقى على حرمته.

وأمّا على مسلك شيخنا الأعظم الأنصاري (قده) : من وجوب خصوص ما قصد به التوصّل إلى الواجب النفسيّ ، فارتفاع الحرمة في المقدّمة المحرّمة منوط بقصد التوصّل ، فلو لم يقصد الداخل في الأرض المغصوبة الإنقاذ الواجب لا يتصف سلوكه بالوجوب ، بل يبقى على حرمته.

الثانية : بطلان التيمّم في سعة الوقت لغاية غير الفريضة الموسّعة ـ بناء على اعتبار الضيق في مشروعيّته وعدم رجحانه النّفسي ـ إذا لم يترتّب عليه الغاية المسوّغة له ، فإنّ عدم ترتّبها عليه يكشف عن بطلانه ـ بناء على المقدّمة الموصلة ـ ، فلو صلّى به الفريضة ولو في آخر وقتها بطلت ، ووجب قضاؤها. وكذا لو تيمّم للفريضة عند ضيق وقتها ، ففاتته ، فإنّ التيمّم حينئذ باطل ، لعدم ترتّب غايته عليه.

وأمّا بناء على وجوب مطلق المقدّمة ، فيصح تيمّمه في الموارد المذكورة.

الثالثة : صحّة أداء وضوء ونحوه بقصد الوجوب عند اشتغال الذّمة بالغاية الواجبة ، كفريضة أدائيّة أو قضائيّة وإن لم يكن إتيانه بالوضوء مثلا لأداء تلك الغاية ، بل لغاية مندوبة ، كما إذا توضّأ ـ والحال هذه ـ بقصد قراءة قرآن ، أو دخول مسجد ، أو غيرهما من الغايات المستحبّة بناء على وجوب مطلق المقدمة.

وأما بناء على وجوب خصوص الموصلة ، فلا يجوز حينئذ قصد الوجوب إلّا إذا أتى به لأداء الغاية الواجبة ، إلى غير ذلك من الثمرات الّتي فرّعوها على نزاع وجوب مطلق المقدّمة ، وخصوص الموصلة ، فراجع البدائع ، وحاشية المحقق التّقي ، وغيرهما.

٣٥١

ومنها (١) (*) تقسيمه إلى الأصلي والتبعي ، والظاهر (٢) أن يكون هذا التقسيم بلحاظ الأصالة والتبعية في الواقع ومقام الثبوت ، حيث يكون الشيء

______________________________________________________

٤ ـ الأصلي والتبعي

(١) يعني : ومن تقسيمات الواجب. اعلم : أنّ الوجوه المحتملة في الأصالة والتبعيّة ثلاثة :

أحدها : أن يراد بالواجب الأصلي : ما لا ينشأ عن إرادة أخرى ، بل هو مراد بإرادة مستقلة غير تابعة لإرادة أخرى ، فإن كان مرادا بإرادة أخرى ، فهو واجب تبعيّ ، كإرادة المقدّمات ، فإنّها تابعة لإرادة الواجبات النفسيّة.

ثانيها : أن يراد به : ما لوحظ تفصيلا ، للالتفات إليه كذلك ، وبالواجب التبعي : ما لم يلاحظ كذلك ، بل لوحظ إجمالا ، لعدم الالتفات التفصيليّ إليه ، حتى يلاحظ تفصيلا. فالأصالة والتبعيّة تكونان بحسب اللّحاظ التفصيليّ وعدمه.

ثالثها : أن يراد بالأصلي : ما دلّ عليه الدليل مطابقة ، كدلالة الألفاظ على المناطيق ، وبالتبعي : ما دلّ عليه بالتبعيّة ، كدلالتها على المفاهيم والاستلزامات.

ويرجع الوجهان الأوّلان إلى مقام الثبوت ، والثالث إلى مقام الإثبات ، كما لا يخفى.

(٢) تبعا للشيخ الأعظم (قده) على ما في التقريرات ، قال المقرّر (ره) : «فالعبرة عندنا في صدق الوجوب الأصلي بملاحظة المستفاد ، فإن كان مستقلا بالإرادة على اختلاف أنحاء الإرادة ، وتفاوت أقسام الدلالة ، فالوجوب أصليّ ، وإلّا فتبعيّ ، وهو : ما لم تتعلّق به إرادة مستقلّة ، بل الطلب فيه ـ على ما ستعرف ـ طلب قهريّ حاصل ولو مع الغفلة عن خصوصيات المطلوب على جهة التفصيل ، وذلك نظير دلالة الإشارة ، كدلالة الآيتين على : أنّ أقلّ الحمل ستة أشهر ، فإنّ لوازم الكلام في

__________________

(*) لا يخفى : أنّ الأنسب ذكر هذا التقسيم في ذيل الأمر الثالث المتضمّن لأقسام الواجب ، لا الأمر الرابع المعقود لبيان تبعيّة وجوب المقدّمة ـ بناء على

٣٥٢

تارة متعلّقا للإرادة والطلب مستقلّا (١) ، للالتفات (٢) إليه بما هو عليه (٣) ممّا (٤) يوجب طلبه ، كان طلبه نفسيّا أو غيريّا. وأخرى متعلّقا للإرادة تبعا (٥) لإرادة

______________________________________________________

المخاطبات العرفيّة غير مقصودة للمتكلّم. ولكن يفترق (*) الوجوب التبعي بأنّ المدلول التّبعي لا يلزم أن لا يكون ذا مصلحة نفسيّة من حيث استفادة وجوبه من وجوب الواجب الأصلي. ونظيره في المطلوبات : لوازم الواجب ، فإنّ من طلب الاستقبال على وجه الاستقلال طلب وقوع الجدي خلف المنكب في العراق مثلا ، فإنّه مطلوب تبعيّ لم يتعلّق به في العرف والعادة طلب مستقل ، وإرادة على حدة» انتهى.

فالواجب الأصلي عند المصنّف تبعا لما في التقريرات عبارة عمّا يكون مرادا بالالتفات إليه تفصيلا. والواجب التبعي ما يكون مرادا مع عدم الالتفات إليه تفصيلا ، فيراد ارتكازا. وقد مال إلى ذلك صاحب البدائع أيضا.

(١) يعني : لا تبعا لإرادة غيره بحيث يعدّ من لوازم إرادة ذلك الغير.

(٢) تعليل لإرادته مستقلا ، يعني : أنّ الالتفات التفصيليّ إلى ملاكه أوجب إرادته مستقلّا.

(٣) الضمير راجع إلى الموصول ، وضمير ـ هو ـ راجع إلى الشيء.

(٤) بيان للموصول في قوله ـ بما هو عليه ـ ، وحاصله : أنّ تعلّق الإرادة الاستقلاليّة بشيء إنّما هو للالتفات إليه بسبب ما يكون ذلك الشيء عليه من الملاك الموجب لطلب ذلك الشيء ، فيطلبه سواء أكان طلبه نفسيّا أم غيريّا ، والضمائر الثلاثة في ـ طلبه وفيطلبه وطلبه ـ راجعة إلى الشيء.

(٥) لما كان تفسير الأصلي والتبعي بما ذكره من : كون الأوّل مرادا بالالتفات

__________________

القول به ـ لوجوب ذيها في الإطلاق والاشتراط ، وبيان سعة وضيق دائرة موضوع الوجوب المقدّمي ، فلاحظ.

(*) هكذا في النسخة الموجودة لدي ، والصواب : «ولكن تفترق عن الوجوب التبعي» أو : «تفارق الوجوب التبعي».

٣٥٣

غيره ، لأجل كون إرادته (١) لازمة لإرادته (٢) من دون التفات إليه بما (٣) يوجب إرادته (٤) ، لا بلحاظ (٥) الأصالة والتبعيّة في مقام الدلالة والإثبات (٦)

______________________________________________________

إليه تفصيلا ، والثاني مرادا ارتكازا مع عدم الالتفات إليه تفصيلا مقتضيا لاتّصاف كلّ من الوجوب النفسيّ والغيري بالأصالة والتبعيّة ، قيّد الواجب التبعي بما كانت إرادته تبعا لإرادة غيره ، فلا يتصف الواجب النفسيّ بالتبعيّة ، لعدم كون إرادته تبعا لإرادة غيره.

وعليه ، فلا يتصف بعض الواجبات النفسيّة غير الملتفت إليه تفصيلا ـ كإنقاذ ولد المولى من موجبات الهلاك ، كالغرق ، والحرق ـ بالتبعيّة ، لكون مصلحته نفسيّة ، فلا يراد تبعا لإرادة غيره. ولا بالأصالة ، لعدم الالتفات إليه تفصيلا ، فيخرج مثل هذا الواجب النفسيّ عن الأصلي والتبعي معا.

(١) هذا الضمير ، وكذا ضمير ـ غيره ـ راجعان إلى الشيء.

(٢) أي : الغير.

(٣) الظرفان متعلّقان ب ـ الالتفات ـ ، يعني : أنّ عدم الالتفات إلى الشيء بما فيه من الملاك يوجب كون إرادته تبعيّة ارتكازيّة.

(٤) هذا الضمير وكذا ضمير ـ إليه ـ راجعان إلى ـ الشيء ـ ، وحاصل ما أفاده : أنّ الواجب التّبعي هو ما يكون مرادا ارتكازا ، لعدم الالتفات إليه تفصيلا ليراد كذلك ، بخلاف الواجب الأصلي ، فإنّه مراد بالالتفات إليه تفصيلا.

(٥) معطوف على قوله : «بلحاظ الأصالة ... إلخ» ، يعني : أنّ الظاهر كون هذا التقسيم بلحاظ الأصالة والتبعيّة في مقام الثبوت ، لا بلحاظهما في مقام الإثبات.

(٦) كما هو مذهب صاحبي القوانين والفصول (قدهما) ، قال في القوانين في المقدّمة الأولى من مقدّمات بحث مقدّمة الواجب : «إنّ الواجب كما ينقسم باعتبار المكلّف إلى العيني والكفائي» إلى قوله : «وباعتبار تعلّق الخطاب به بالأصالة وعدمه إلى الأصلي والتبعي». وقال في المقدّمة السادسة في تنقيح المراد بالوجوب المتنازع فيه

٣٥٤

فإنّه (١) يكون في هذا المقام أيضا تارة مقصودا بالإفادة ، وأخرى غير مقصود بها على حدة إلّا أنّه (٢) لازم الخطاب ، كما في دلالة الإشارة (٣) ونحوها (٤).

______________________________________________________

للمقدّمة ، وأنّ المراد به هو الوجوب الشرعي ، لا العقلي ، ما لفظه : «والمراد من الوجوب الشرعي هو الأصلي الّذي حصل من اللّفظ ، وثبت من الخطاب قصدا». وقال في الفصول قبل فصل مقدّمة الواجب بأسطر : «وينقسم الواجب باعتبار آخر إلى : أصليّ وتبعيّ ، فالأصلي ما فهم وجوبه بخطاب مستقلّ ، أي غير لازم لخطاب آخر وإن كان وجوبه تابعا لوجوب غيره. والتبعي بخلافه ، وهو : ما فهم وجوبه تبعا لخطاب آخر وإن كان وجوبه مستقلّا ، كما في المفاهيم. والمراد بالخطاب هنا : ما دلّ على الحكم الشرعي ، فيعم اللّفظي وغيره». فهما متّفقان على كون التقسيم إلى الأصلي والتّبعي ناظرا إلى مقام الإثبات ، ومختلفان في كون الدليل لفظيّا فقط ـ كما هو ظاهر القوانين ـ أو أعم منه ، كما هو صريح الفصول.

(١) أي : الشيء ، والمراد بقوله : ـ هذا المقام ـ هو : مقام الإثبات ، والمراد بقوله : ـ أيضا ـ هو : مقام الثبوت ، يعني : أنّ الأصالة والتبعيّة كما تكونان بحسب مقام الثبوت ، كذلك تكونان بحسب مقام الإثبات.

(٢) أي : الشيء ، وضمير ـ بها ـ راجع إلى الإفادة.

(٣) وهي : ما لا يكون المدلول فيها مقصودا بالخطاب ، كدلالة الآيتين ـ وهما :

قوله تعالى (١) : «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ» ، وقوله تعالى (٢) : «وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً» ـ على أنّ أقلّ مدّة الحمل ستة أشهر ، فإنّه غير مقصود بالخطاب.

(٤) كدلالة القضيّة الشرطيّة وغيرها من القضايا ذوات المفاهيم على مفاهيمها ،

__________________

(١) البقرة ، الآية ٢٣٣.

(٢) الأحقاف ، الآية ١٥.

٣٥٥

وعلى ذلك (١) ، فلا شبهة في انقسام الواجب الغيري إليهما ، واتصافه (٢) بالأصالة والتبعيّة كلتيهما [كليهما] حيث (٣) يكون متعلقا للإرادة على حدة عند الالتفات إليه بما هو مقدّمة (٤). وأخرى (*) لا يكون متعلّقا لها

______________________________________________________

كما صرّح به الفصول في عبارته المتقدّمة (**).

(١) أي : وعلى كون التقسيم ناظرا إلى مقام الثبوت ـ كما استظهره المصنّف تبعا للتقريرات ـ فلا شبهة في انقسام الواجب الغيري إلى الأصلي والتّبعي ، فإنّ الوضوء مثلا مراد تفصيلي في قوله تعالى : «وإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق» ، فيكون واجبا أصليّا مع كونه غيريّا ، ونصب السلّم مثلا مقدّمة للواجب النّفسي ـ وهو الكون على السطح ـ واجب غيري تبعي ، لعدم تعلق الإرادة به ، لعدم الالتفات إليه.

(٢) معطوف على : ـ انقسام ـ ، وضميره راجع إلى الواجب الغيري ، وضمير ـ إليهما ـ راجع إلى الأصلي والتّبعي.

(٣) بيان لاتّصاف الواجب الغيري بالأصالة والتبعيّة ، وقد تقدم تقريبه.

(٤) لكون إرادته معلولة لإرادة أخرى ، فتكون إرادته لمقدّميّته ، لا لنفسيّته ، كإرادة الوضوء علا حدة عند الالتفات إليه تفصيلا مع كونه مقدّمة.

هذا في اتّصاف الواجب الغيري بالأصالة والتبعيّة. وأمّا النفسيّ ، فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

__________________

(*) حق العبارة أن تكون هكذا : «حيث يكون تارة متعلقا للإرادة ، وأخرى لا يكون متعلّقا لها» ، إذ لو لم تكن العبارة كذلك لا يبقى عدل لقوله : ـ وأخرى ـ.

(**) لكن فيه إشكال ، لأنّ المفاهيم سواء أكانت مخالفة أم موافقة مقصودة بالخطاب على حدّ قصد المناطيق ، غاية الأمر أنّ إحدى الدلالتين ـ وهي الدلالة المفهوميّة ـ في طول الأخرى ، وغير خفيّ أنّ الطوليّة لا تنافي كون كلّ من المدلولين مقصودا بالإفادة ، فجعل المفاهيم من قبيل دلالة الإشارة غير سديد.

٣٥٦

كذلك (١) عند عدم الالتفات إليه كذلك (٢) ، فإنّه (٣) يكون لا محالة مرادا تبعا لإرادة ذي المقدّمة على الملازمة (٤).

كما (٥) لا شبهة في اتصاف النفسيّ أيضا بالأصالة ، ولكنّه (٦) لا يتصف بالتبعية ،

______________________________________________________

(١) أي : بما هو مقدّمة ، وضمير ـ لها ـ راجع إلى الإرادة.

(٢) أي : بما هو مقدّمة ، وضمير ـ إليه ـ راجع إلى الواجب الغيري.

(٣) أي : الواجب الغيري ، فإنّه عند عدم تعلق الإرادة به علا حدة يكون لا محالة مرادا تبعا لإرادة ذي المقدّمة.

(٤) يعني : بناء على الملازمة بين وجوب الواجب ومقدّمته.

(٥) هذا عدل لقوله : ـ فلا شبهة ـ ، وحاصله : أنّ الواجب النّفسي كالغيري يتّصف بالأصالة بلا شبهة ، لأنّ ما فيه مصلحة نفسيّة يراد علا حدة بلا إشكال كالصلاة ، والصوم ، والحج ، وغيرها من الواجبات النفسيّة. ولكنّه لا يتصف بالتبعيّة ، لوضوح أنّه مع الالتفات إليه يراد مستقلا ، إذ مع اشتماله على المصلحة النفسيّة لا يكون لازما للغير حتى يراد تبعا له ، وبدون الالتفات إليه لا يتّصف الواجب النّفسي بشيء من الأصالة والتبعيّة ، كما لا يخفى.

فالمتحصل : أنّ الواجب الغيريّ يتّصف بالأصالة والتبعيّة معا ، بخلاف الواجب النفسيّ ، فإنّه لا يتّصف إلّا بالأصالة ، إذ مع الالتفات إليه يتعلق به الطلب الاستقلالي ، حيث إنّه واجد لمصلحة نفسيّة تقتضي تعلّق إرادة مستقلّة به ، فلا يتّصف بالتبعيّة ، ومع عدم الالتفات إليه أيضا لا يتّصف بها ، كما لا يتّصف بالأصالة أيضا.

أما عدم اتّصافه بالأصالة ، فلعدم تعلّق الطلب الاستقلالي به ، لعدم اشتماله على مصلحة نفسيّة حسب الفرض.

وأما عدم اتّصافه بالتبعيّة ، فلعدم تعلّق إرادة به تبعا لإرادة غيره.

(٦) أي : النفسيّ.

٣٥٧

ضرورة (١) أنّه لا يكاد يتعلّق به الطلب النفسيّ ما لم يكن فيه مصلحة نفسيّة ، ومعها (٢) يتعلّق الطلب بها (٣) (*) مستقلا ولو لم يكن هناك شيء آخر مطلوب أصلا كما لا يخفى.

نعم (٤) لو كان الاتّصاف

______________________________________________________

(١) تعليل لعدم اتصاف الواجب النّفسي بالتبعيّة ، وحاصله : أنّ النفسيّة والتبعيّة متضادّتان ، فلا تجتمعان ، وذلك لأنّ اتّصاف الواجب بالنفسيّة منوط بكونه ذا مصلحة نفسيّة ، وإذا كان كذلك تعلق به الطلب مستقلا وعلا حدة ، وهو ينافي تعلق الطلب به تبعا.

(٢) أي : المصلحة النفسيّة. ومرجع ضمائر ـ أنّه وبه وفيه ـ هو : ـ النفسيّ ـ.

(٣) أي : بالواجب النفسيّ مستقلا ، يعني : غير تابع لإرادة أخرى.

والمتحصل : أنّ الواجب الغيري يتّصف بكلّ من الأصالة والتبعيّة ، كما عرفت.

وأما الواجب النفسيّ ، فلا يتصف بالتبعية ، لأنّه مع الالتفات إليه ، وكونه ذا مصلحة نفسيّة يتعلّق به الطلب مستقلا ، لا تبعا لغيره ، ومع عدم الالتفات إليه لا يتّصف بشيء منهما أصلا ، لما مرّ من وجهه.

(٤) استدراك على ما أفاده من : عدم اتصاف الواجب النفسيّ بالتبعيّة ، وحاصله : أنّ عدم اتّصاف النّفسي بها إنّما هو بناء على كون الأصالة والتبعيّة بلحاظ الإرادة التي هي مقام الثبوت.

وأما بناء على كونهما بلحاظ مقام الإثبات ، والدلالة ، فلا إشكال في اتّصاف الواجب النّفسي بهما.

أما اتصافه بالأصالة ، ففيما إذا كان مقصودا بالإفادة. وأما اتّصافه بالتبعيّة فلوضوح أنّ الواجب النّفسي قد لا يكون مقصودا بالإفادة ، بل يفاد بتبع شيء آخر ، فالمقصود بالإفادة هو ذلك الشيء ، ويفاد الواجب النّفسي تبعا له. نظير ما دلّ على

__________________

(*) الصواب : تذكير الضمير ، ليرجع إلى ـ النفسيّ ـ ، لا تأنيثه ليرجع إلى ـ مصلحة ـ ، لأنّ مقتضاه تعلّق الطلب بالملاكات ، وهو كما ترى.

٣٥٨

بهما (١) بلحاظ الدّلالة اتّصف النفسيّ بهما (٢) أيضا (٣) ، ضرورة أنّه (٤) قد يكون غير مقصود بالإفادة ، بل أفيد بتبع غيره المقصود بها (٥).

لكن الظاهر كما مرّ (٦) : أنّ الاتصاف (٧) بهما انّما هو في نفسه (٨)

______________________________________________________

شرطيّة تقدم الظهر لصحّة العصر ، فإنّ المقصود منه بالإفادة هو شرطيّة تقدمها ، لا كونها واجبا نفسيّا.

(١) أي : الأصالة والتبعيّة.

(٢) أي : الأصالة والتبعيّة ، كما عرفت التصريح بذلك من الفصول.

(٣) يعني : كما أنّ الواجب الغيري يتّصف بهما.

(٤) أي : الواجب النّفسي ، وقوله : ـ ضرورة ـ تقريب لاتصاف الواجب النفسيّ بهما ، وقد عرفته بقولنا : «وحاصله : ان عدم اتّصاف ... إلخ».

(٥) أي : الإفادة ، وضمير ـ غيره ـ راجع إلى الواجب النفسيّ ، وقوله : ـ المقصود ـ صفة ـ غيره ـ ، يعني : غير الواجب النفسيّ المقصود ذلك الغير بالإفادة.

(٦) يعني : في صدر البحث ، حيث قال : ـ والظاهر أن يكون هذا التقسيم ... إلخ.

ولعل وجه الظهور : أنّ كون الوصف بحال الموصوف أولى من أن يكون بلحاظ المتعلق ، ومن المعلوم : أن جعل الأصالة والتبعيّة بحسب مقام الثبوت يوجب كون الوصف ـ وهو الأصلي والتّبعي ـ بحال الموصوف ، أعني : نفس الوجوب ، كقولنا : الوجوب الأصلي والوجوب التّبعي. بخلاف ما إذا جعلتا بحسب مقام الإثبات ، فإنّ الوصف حينئذ يكون بحال المتعلّق ، وهو الدليل ، كقولنا : الوجوب الأصلي دلالة دليله ، والوجوب التّبعي دلالة دليله.

(٧) أي : اتّصاف الواجب بالأصالة والتبعيّة.

(٨) أي : الواجب ، يعني : ليكون الوصف بحال الموصوف ، لا بلحاظ حال الدّلالة على الواجب ليكون الوصف بحال المتعلّق.

٣٥٩

لا بلحاظ حال الدلالة عليه ، وإلّا (١) لما اتصف بواحدة منهما (٢) إذا لم يكن بعد مفاد دليل ، وهو كما ترى (٣) (*).

ثم إنّه (٤) إذا كان الواجب التبعي ما لم يتعلّق به إرادة مستقلّة ، فإذا شكّ في واجب أنّه أصليّ أو تبعيّ ، فبأصالة عدم تعلق إرادة مستقلّة به يثبت أنّه (٥)

______________________________________________________

(١) أي : وإن لا يكن بلحاظ نفسه بأن كان بلحاظ متعلّقه ـ وهو دلالة الدليل ـ لما اتّصف الواجب النفسيّ الّذي لم يقم عليه دليل بعد لا بالأصالة ، ولا بالتبعيّة ، مع أنّ التقسيم ظاهر في عدم خلوّ واجب عنهما ، فلا بدّ أن يكون الواجب أصليّا أو تبعيّا ، فهذا دليل على كون التقسيم إلى الأصالة والتبعيّة ناظرا إلى مقام الثبوت.

(٢) أي : من الأصالة والتبعيّة.

(٣) يعني : أنّ كون التقسيم بحسب مقام الإثبات خلاف ظاهرهم من اتّصاف الواجب النّفسي الّذي لم ينهض عليه دليل بالأصالة.

(٤) الضمير للشأن ، والغرض منه : بيان حكم الشّكّ في الأصالة والتبعيّة بناء على ما استظهره المصنّف من كونهما بحسب مقام الثبوت ، لا الإثبات.

وحاصله : أنّه إذا شكّ في كون واجب أصليّا أو تبعيّا ، فلمّا كان الواجب التّبعي مركّبا من جزءين : أحدهما : وجوبه المحرز وجدانا ، والآخر : عدم تعلّق إرادة مستقلّة به ، أمكن إجراء أصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة به ، فيلتئم الموضوع المركّب من الجزء الوجوديّ. والجزء العدمي ، ويثبت الواجب التبعي ، كسائر الموضوعات المركّبة من جزءين : وجودي وعدمي. كموضوع الضمان المركّب من الاستيلاء على مال الغير ، وعدم رضاء المالك به في كون الأوّل محرزا وجدانا ، والآخر تعبّدا بالأصل أعني : استصحاب عدم رضاء المالك.

(٥) هذا الضمير وضمير ـ به ـ راجعان إلى الواجب.

__________________

(*) لا بأس بعدم اتّصاف الواجب النفسيّ المزبور بهما ، كما هو لازم ذهاب المحقّق القمي وصاحب الفصول إلى كون الأصالة والتبعيّة بحسب مقام الإثبات ، فلا تسالم بينهم على اتّصاف الواجب النفسيّ بالأصالة دائما ، وعدم خلوّ الواجب عنهما أبدا.

٣٦٠