منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٥٩٢

لعدم (١) تفاوت فيما يهمه من (٢) وجوب تحصيل المقدمات التي لا يكاد يقدر عليها في زمان الواجب على (٣) المعلّق دون المشروط ، لثبوت (٤) الوجوب الحالي فيه ، فيترشح منه (٥) الوجوب على المقدمة بناء على الملازمة (٦) دونه (٧) ، لعدم (٨) ثبوته فيه (٩) إلّا بعد الشرط. نعم (١٠) لو كان الشرط على نحو الشرط المتأخّر ، وفرض وجوده كان الوجوب المشروط

______________________________________________________

الوجوب كالطهارة للصلاة ، وغيرها مما يجب تحصيله ، أم لم يقع في حيّزه بأن يكون ملحوظا بوجوده الاتفاقي كالاستطاعة بالنسبة إلى الحج.

(١) تعليل لقوله : ـ لا وجه لتخصيص المعلق ... إلخ ـ.

(٢) بيان ل ـ ما ـ الموصولة ، وضمير ـ يهمه ـ راجع إلى المعلّق.

(٣) قيد ل ـ وجوب تحصيل المقدمات ـ ، يعني : من وجوب تحصيلها بناء على الواجب المعلّق ، دون الواجب المشروط المشهوري.

(٤) تعليل لوجوب المقدمات غير المقدورة في زمان الواجب ، يعني : أنّ علّة وجوب تلك المقدمات هو وجوب ذيها فعلا.

(٥) أي : من الواجب المعلّق ، وضمير ـ فيه ـ راجع إليه أيضا.

(٦) بين وجوب ذي المقدمة ووجوب المقدمة ، وقوله : ـ بناء ـ متعلّق ب ـ فيترشح ـ.

(٧) أي : دون المشروط ، يعني : لثبوت الوجوب الحالي في المعلّق دون المشروط.

(٨) تعليل لعدم وجوب المقدمات في الواجب المشروط ، وحاصله : عدم ثبوت الوجوب لذي المقدمة حتّى يترشح منه على المقدمة ، إذ المفروض عدم ثبوت الوجوب إلّا بعد الشرط.

(٩) أي : في المشروط ، وضمير ـ ثبوته ـ راجع إلى الوجوب.

(١٠) استدراك على عدم وجوب المقدمات في الواجب المشروط ، وحاصله : أنّه

٢٠١

به (١) حاليّا أيضا (٢) ، فيكون وجوب سائر المقدمات الوجوديّة للواجب أيضا حاليا ، وليس الفرق بينه (٣) وبين المعلّق حينئذ (٤) إلّا كونه (٥) مرتبطا بالشرط ، بخلافه (٦) وإن ارتبط به الواجب (*).

______________________________________________________

يمكن القول بوجوب المقدمات في قسم من المشروط أيضا قبل حصول شرطه ، وهو فيما إذا كان الشرط متأخرا ، وفرض وجوده في موطنه كالحياة ، وبقاء المال إلى آخر المناسك ، فإنّ الحج بعد وجود الاستطاعة مشروط أيضا ببقائها إلى انتهاء المناسك ، وهذا متأخّر عن وجوب الحجّ بالاستطاعة ، لكن يفرض وجودها قبل الموسم ، فيصير الوجوب فعليا ، فتجب مقدماته بناء على الملازمة بين وجوب الواجب ومقدماته ، ولا بد من فرض وجود الشرط في ظرفه في مثل الحج ولو بالاستصحاب ، لتوقف الامتثال على الفرض المزبور ، إذ لا موجب لمقدماته إلّا الفرض الموجب لفعلية الوجوب ليترشح منه على مقدماته ، فيكون الفرق بين المشروط والمعلّق في أنّ الشرط في المعلق قيد للمادة ومرتبط بها ، وفي المشروط قيد للوجوب ومرتبط به.

(١) أي : الشرط المتأخّر.

(٢) يعني : كالواجب المعلّق ، وهذا هو المراد أيضا بقوله : ـ أيضا حاليا ـ.

(٣) أي : بين المشروط.

(٤) أي : حين كون الشرط مأخوذا على نحو الشرط المتأخر المثبت لوجوب المقدمات.

(٥) أي : المشروط ، فإنّ وجوبه مرتبط بالشرط أي مترتب عليه.

(٦) أي : المعلّق ، فإنّ الواجب مرتبط ومقيّد به دون الوجوب.

__________________

(*) لا يخفى : أنّ مقتضى ما أفاده المصنف (قده) في دفع إشكال عدم القدرة على الواجب المعلّق في حال البعث والطلب بجعل القدرة شرطا متأخرا هو : كون المعلّق دائما من الواجب المشروط بالشرط المتأخّر ، فتكون فعليّة وجوب ذي المقدمة

٢٠٢

تنبيه (١) : قد انقدح من مطاوي ما ذكرناه : أنّ المناط في فعليّة وجوب المقدمة الوجودية وكونه (٢) في الحال بحيث يجب على المكلّف تحصيلها هو فعليّة وجوب ذيها ولو كان (٣) أمرا استقباليّا كالصوم في الغد ، والمناسك في الموسم كان وجوبه (٤)

______________________________________________________

(١) الغرض من عقده : دفع الإشكال عن وجوب المقدمات في موارد مع عدم وجوب ذيها ، كالأغسال الثلاثة في الليل لصوم الغد ، وكوجوب حفظ الماء قبل الوقت لصرفه في الطهارة لمن يعلم بعدم تمكنه من تحصيله في الوقت ، مع عدم وجوب الصوم في الليل حتى تجب مقدماته كالأغسال ، وعدم وجوب الصلاة قبل الوقت حتى يجب حفظ الماء للطهارة ، إلى غير ذلك من الموارد.

وقد دفع المصنف (قده) هذا الإشكال في جميع الموارد ب : أنّ وجوب المقدمة فيها فعليّ ، لفعلية وجوب ذيها ، إمّا لكون الواجب معلّقا ، وإمّا لكون الوجوب مشروطا بشرط متأخّر مفروض الوجود ، كما تقدم آنفا ، وستتضح موارد الفعلية.

(٢) معطوف على ـ فعلية ـ ومفسّر لها ، وضمير ـ كونه ـ راجع إلى الوجوب.

(٣) يعني : ولو كان ذو المقدمة أمرا استقباليّا ، إذ لا يقدح استقباليته في فعلية وجوبه التي هي مناط وجوب مقدماته.

(٤) أي : وجوب ذي المقدمة ، يعني : سواء أكان وجوب ذي المقدمة مشروطا بشرط متأخّر موجود في ظرفه ، حيث إنّ وجوبه حينئذ فعليّ ، أم منجّزا مطلقا كان أو معلّقا ، فإنّ إطلاق وجوب ذي المقدمة موجب لفعليته أيضا ، لكن بشروط ثلاثة :

أحدها : عدم كون المعلّق عليه قيدا للوجوب ، إذ لو كان قيدا له كما يكون قيدا للواجب لما وجب تحصيله كالاستطاعة مثلا ، حيث لا يجب تحصيلها للحج ، لإناطة الوجوب بها.

__________________

الموجبة لفعلية وجوب مقدماته لأجل كونه مشروطا بشرط متأخّر مفروض الوجود ، فينتفى الواجب المعلّق رأسا ، لاندراجه في المشروط ، فتدبر.

٢٠٣

مشروطا بشرط موجود أخذ فيه (١) ولو متأخّرا ، أو مطلقا (٢) منجّزا كان أو معلّقا فيما إذا لم تكن مقدمة للوجوب (*) أيضا (٣) ، أو مأخوذة (٤)

______________________________________________________

ثانيها : عدم كونه عنوانا للمكلّف.

ثالثها : عدم أخذه بوجوده الاتفاقي قيدا للواجب.

(١) أي : الوجوب.

(٢) معطوف على قوله : ـ مشروطا ـ ، وهذا إشارة إلى المورد الثاني من موارد فعلية الوجوب ، كما أنّ قوله : ـ مشروطا ـ إشارة إلى المورد الأوّل منها.

(٣) يعني : كما تكون مقدمة لوجود الواجب ، إذ لو كانت مقدمة للوجوب لما كان وجوب ذي المقدمة فعليا حتى يسري منه إلى مقدماته.

ثم إنّ قوله : ـ فيما إذا لم يكن ـ إشارة إلى الشرط الأول الّذي أشرنا إليه بقولنا : ـ أحدها عدم كون المعلّق عليه قيدا للوجوب ... إلخ ـ.

(٤) معطوف على ـ مقدمة ـ ، يعني : ولم تكن المقدمة مأخوذة في الواجب ... إلخ ، وهذا إشارة إلى الشرط الثاني من شرائط فعليّة وجوب ذي المقدمة إذا كان مطلقا.

ومحصل هذا الشرط العدمي : أنّه إذا كان القيد قيدا للموضوع كما إذا قال : ـ إن سافرت فقصّر ـ ، أو ـ إن استطعت فحج ـ ، فلا يجب تحصيله ، لكون مثل هذه القيود ممّا أخذ عنوانا للموضوع يمتنع تعلّق الوجوب بها ، إذ المفروض كون الموضوع كالعلة للحكم في توقف الحكم عليه ، فقبل الموضوع لا حكم ، وبعد حصوله لا معنى لوجوب تحصيله ، لكونه من طلب الحاصل.

وبالجملة : إذا كانت القيود مأخوذة في الموضوع فلا يجب تحصيلها ، وهي أجنبية عن المقدمات الوجودية التي تجب بوجوب ذي المقدمة. وحق العبارة أن تكون هكذا :

ـ فيما إذا لم تكن مقدمة للوجوب أيضا ، ولا مأخوذة في الواجب ـ.

__________________

(*) لم يظهر وجه لهذا الشرط بعد فرض كون الوجوب مطلقا ، إذ لو كانت مقدمة وجود الواجب مقدمة لوجوبه أيضا لخرج ذو المقدمة عن كونه واجبا مطلقا.

وبالجملة : حقيقة إطلاق الوجوب عدم تقيّده بشرط.

٢٠٤

في (*) الواجب على نحو يستحيل (١) أن يكون موردا للتكليف كما إذا أخذ عنوانا للمكلف (٢) كالمسافر ، والحاضر ، والمستطيع إلى غير ذلك ، أو جعل (٣) ، الفعل المقيّد باتّفاق حصوله ، وتقدير وجوده بلا اختيار ، أو باختياره موردا للتكليف ، ضرورة (٤) أنّه لو كان مقدّمة الوجوب أيضا لا يكاد يكون هناك وجوب إلّا بعد حصوله ، وبعد الحصول يكون وجوبه طلب الحاصل. كما أنّه إذا أخذ على أحد النحوين (٥)

______________________________________________________

(١) قد عرفت آنفا وجه الاستحالة وهو طلب الحاصل.

(٢) من غير فرق في ذلك بين كونه بنحو القضية الشرطية كقوله : ـ ان استطعت فحج ـ ، وبين كونه بنحو القضية الحملية كقوله : ـ المستطيع يحج ـ.

(٣) معطوف على قوله : ـ أخذ ـ ، ولا يخفى : أنّ المصنف ذكر موردين لامتناع وجوب المقدمة : أحدهما : كونها عنوانا للموضوع ، والآخر : كون وجودها الاتفاقي قيدا للواجب سواء أكان اختياريا كالسفر ، أم غير اختياري كالوقت ، والبلوغ مثلا.

وقوله : ـ أو جعل ـ إشارة إلى الشرط الثالث.

(٤) تعليل لاعتبار الشرائط المزبورة في وجوب المقدّمة ، وتقريبه كما تقدم : أنّ مقدّمة الوجوب يمتنع وجوبها ، لأنّها قبل حصولها كالاستطاعة للحج لا وجوب للحجّ حتى يسري منه إلى الاستطاعة ، وبعد حصولها يمتنع وجوبها ، لكونه من طلب الحاصل المحال ، كما مر.

(٥) وهما : أخذ المقدّمة عنوانا للمكلّف كالمسافر ، وأخذها قيدا للواجب بوجودها الاتّفاقي كوجوب الصلاة على تقدير الدخول في المسجد ، ففي هاتين الصورتين لا تجب المقدّمة أيضا.

أما إذا كانت عنوانا للمكلّف ، فلكونها من شرائط الوجوب.

__________________

(*) هذا القيد مستدرك ، لاندراجه في مقدمة الوجوب ، وكونه من مصاديقها.

٢٠٥

يكون كذلك (١) ، فلو لم يحصل لما كان الفعل موردا للتكليف ، ومع حصوله لا يكاد يصح تعلّقه به (٢) ، فافهم (٣).

إذا عرفت ذلك ، فقد عرفت (٤) : أنّه لا إشكال أصلا في لزوم الإتيان بالمقدّمة

______________________________________________________

وأما إذا كانت بوجودها الاتّفاقي قيدا للواجب ، فلكون الشرط وجودها من باب الاتّفاق ، فلا تكون المصلحة في هذا النحو من وجودها ملزمة حتى توجب وجوبها.

(١) يعني : يكون وجوبها طلبا للحاصل (*).

(٢) لكونه من طلب الحاصل ، فتحصل ممّا أفاده المصنّف : أنّ فعليّة وجوب ذي المقدّمة فيما إذا كان وجوبه مطلقا منوطة بشروط ثلاثة :

أحدها : أن لا تكون المقدّمة مقدّمة الوجوب.

ثانيها : أن لا تكون المقدّمة عنوانا للمكلّف.

ثالثها : أن لا تؤخذ في الواجب بوجودها الاتّفاقي ، فإذا اجتمعت هذه الشرائط صار وجوب ذي المقدّمة فعليّا ، فتجب مقدّماته الوجوديّة.

(٣) لعلّه إشارة إلى : أنّ القيد إذا أخذ عنوانا للمكلّف صار الوجوب مشروطا ويخرج عن الإطلاق ، وكذا إذا أخذ شرطا للوجوب ، فلا وجوب أصلا حتى يترشّح على المقدّمة ، فهذان الشرطان مقوّمان للإطلاق ومحقّقان له.

ويحتمل أن يكون إشارة إلى : أنّ تقيّد الواجب بقيد اختياري ـ بمعنى : أن يكون الواجب الفعل المقيّد بشيء في صورة اختيار المكلّف له ـ يوجب خروج الواجب المطلق عن الوجوب ، وصيرورة الوجوب مشروطا باختيار المكلّف ، فتدبر.

(٤) حيث ثبت فعليّة وجوب ذي المقدّمة إمّا بنحو التعليق ، وإمّا بنحو الشرط

__________________

(*) تعليل عدم وجوب المقدمة فيما إذا كانت مقدمة للوجوب أو عنوانا للمكلف بطلب الحاصل متين. وأمّا إذا أخذت في الواجب بوجودها الاتفاقي ، فالأولى أن يعلّل عدم وجوبها بالخلف ، لأنّ المفروض كون وجودها الاتفاقي دخيلا في الواجب ، فدخل وجودها الناشئ عن الوجوب في الواجب خلف ، فتدبر.

٢٠٦

قبل زمان الواجب إذا لم يقدر عليه بعد زمانه (١) فيما كان وجوبه (٢) حاليّا مطلقا ولو (٣) كان مشروطا بشرط متأخّر كان معلوم الوجود فيما بعد كما لا يخفى ، ضرورة (٤) فعليّة وجوبه وتنجّزه (٥) بالقدرة عليه (٦) بتمهيد (٧) مقدّمته ، فيترشّح (٨) منه الوجوب عليها على الملازمة. ولا يلزم منه (٩) محذور وجوب المقدّمة قبل وجوب

______________________________________________________

المتأخّر المفروض وجوده.

(١) أي : الواجب ، وضمير ـ عليه ـ راجع إلى الإتيان بالمقدّمة.

(٢) أي : الواجب.

(٣) كلمة ـ لو ـ وصليّة ، وهو بيان لوجه الإطلاق ، وقوله (ره) : ـ كان معلوم الوجود ـ صفة لقوله : ـ بشرط متأخّر ـ ، يعني : سواء أكان معلّقا ، أم مشروطا بشرط حاصل ، أو غير حاصل ، لكنّه كان بنحو الشرط المتأخّر مع العلم بوجوده في موطنه ، فمن الفوائد المترتّبة على كون وجوب ذي المقدّمة حاليّا وجوب مقدّماته الوجودية قبل زمان الواجب.

(٤) تعليل لنفي الإشكال.

(٥) أي : الوجوب بسبب القدرة عليه (*).

(٦) أي : على الواجب.

(٧) متعلّق بالقدرة ، وضمير ـ مقدّمته ـ راجع إلى الواجب.

(٨) هذه نتيجة فعليّة وجوب ذي المقدّمة ، يعني : فيترشّح الوجوب من وجوب الواجب على المقدمات الوجودية بناء على الملازمة بين وجوب الواجب نفسيا ووجوب مقدّمته غيريّا.

(٩) أي : من وجوب المقدّمة ، ووجه عدم المحذور هو : وجوب ذي المقدّمة

__________________

(*) لا يخفى أنّ التنجّز من آثار قيام الحجة على التكليف من علم ، أو علميّ أو أصل ، والقدرة من شرائط حسن الخطاب بملاك قبح مطالبة العاجز ، فالأولى إسقاط قوله : ـ وتنجزه بالقدرة عليه ـ.

٢٠٧

ذيها ، وإنّما (١) اللازم الإتيان بها قبل الإتيان به (٢) ، بل (٣) لزوم الإتيان بها عقلا ولو لم نقل بالملازمة لا يحتاج (٤) إلى مزيد بيان ومئونة برهان ، كالإتيان (٥)

______________________________________________________

فعلا المقتضي لفعلية وجوب مقدّماته.

(١) يعني : أنّ غاية ما يلزم هي إتيان المقدّمة قبل الإتيان بذيها ، فالتقدّم والتأخّر بحسب الزمان ثابتان في الواجب ومقدّمته ، حيث إنّه يؤتى بالمقدمة قبل زمان الواجب ، ولا ضير في ذلك بعد اتّحاد وجوبي الواجب ومقدّمته زمانا ، واختلافهما رتبة.

(٢) أي : الواجب ، وضمير ـ بها ـ راجع إلى المقدّمة.

(٣) غرضه : إثبات وجوب المقدّمة حتّى على القول بعدم الملازمة بين الوجوب النفسيّ والغيري الشرعيّين ، وذلك لكفاية حكم العقل بوجوب المقدّمة من باب لزوم الإطاعة ، لتوقّف امتثال الأمر النفسيّ على إتيانها.

(٤) خبر ـ لزوم ـ.

(٥) هذا تنظير لمقدّمات الواجب قبل زمانه بمقدّماته في زمان الواجب في الوجوب العقلي ، فكما تجب المقدّمات الوجودية في زمان الواجب قبل إتيانه ، فكذلك مقدّماته الوجوديّة قبل زمانه مع فعليّة وجوبه.

ويحتمل أن يكون قوله : ـ بل لزوم ... إلخ ـ جملة معترضة واقعة بين طرفي التنظير ، وهما : الإتيان بالمقدّمات في زمان الواجب قبل إتيانه ، والإتيان بالمقدّمات قبل زمان الواجب مع فعليّة وجوبه.

والحاصل : أنّه لا يلزم من إتيان المقدّمات قبل زمان الواجب إلّا إيجادها قبل الإتيان بالواجب ، وهذا ليس بمحذور ، للزوم ذلك في زمان الواجب أيضا.

وكيف كان ، فلا إشكال على جميع المسالك في وجوب الإتيان بالمقدّمة قبل زمان الواجب إذا لم يقدر عليه في زمانه. أما على مسلكي الفصول والشيخ قدس‌سرهما ، فلكون القيد راجعا إلى المادة ، ومقتضاه فعليّة الوجوب. وأما على مسلكنا من

٢٠٨

بسائر المقدّمات في زمان الواجب قبل إتيانه.

فانقدح بذلك (١) : أنّه لا ينحصر التّفصي عن هذا العويصة (٢) بالتعلّق (٣) بالتعليق ، أو بما يرجع إليه من جعل الشرط من قيود المادة في المشروط (*).

______________________________________________________

الوجوب المشروط المشهوري ، فلجواز الشرط المتأخّر بالمعنى المتقدّم الّذي مرجعه إلى الشرط المقارن.

(١) أي : فعليّة وجوب ذي المقدّمة إذا كان مشروطا بشرط متأخّر ، فإنّ هذه الفعليّة كافية في فعليّة وجوب المقدّمات.

وعلى هذا ، فلا ينحصر التفصي عن إشكال وجوب المقدّمة قبل وجوب ذيها بالتشبّث بالوجوب التعليقي كما أفاده في الفصول ، أو بما يرجع إلى الوجوب التعليقي من جعل الشرط من قيود المادّة ، كما هو مسلك الشيخ في الواجب المشروط.

(٢) وهي : وجوب المقدّمة قبل وجوب ذيها ، وذلك لإمكان التفصّي بغير تلك الوجوه أيضا ، كما مرّ آنفا.

(٣) متعلّق بقوله : ـ ينحصر ـ ، والتعليق مسلك الفصول ، وجعل الشرط من قيود المادة مسلك الشيخ (قده).

وجه عدم الانحصار في دفع العويصة بمسلكي الفصول والشيخ هو : إمكان الالتزام بالشرط المتأخّر على نحو لا ينافي فعليّة الوجوب المقتضية لوجوب المقدّمات ، كما تقدّم مفصّلا.

__________________

(*) أو بالتشبّث بوجوه أخر من : «الوجوب العقلي الإرشادي لحكم العقل بتنجّز الواجب بعد وقته بالقدرة ، لأجل التمكن من تحصيل مقدماته قبل شرط الوجوب».

ومن : «الوجوب العقلي الإرشادي لأجل حكمه بلزوم حفظ غرض المولى».

ومن : «الوجوب النفسيّ التهيّئي» المنسوب إلى المحقق التقي في حاشيته والمصرّح به في البدائع ، حيث قال في عداد الوجوه الدافعة للإشكال ما لفظه : «ومنها

٢٠٩

فانقدح بذلك (١) أنّه لا إشكال في الموارد التي يجب في الشريعة الإتيان بالمقدّمة قبل زمان الواجب كالغسل في الليل في شهر رمضان وغيره ممّا وجب عليه الصوم (*)

______________________________________________________

(١) أي : بفعليّة وجوب ذي المقدّمة الموجبة لفعليّة وجوب مقدّماته وإن كان مشروطا بشرط متأخّر.

__________________

ما هو مختارنا ومختار بعض المحققين من الالتزام بوجوب المقدّمة في موارد النقض وأشباهها قبل وقت وجوب ذيها ، لكن لا بالوجوب المعلولي المستتبع من وجوب ذيها ، ولا بالوجوب النفسيّ الثابت لمصلحة نفسها ، ولا بالوجوب العقلي الإرشادي ، بل بوجوب أصلي ثابت بدليل مستقل مراعاة لمصلحة ذيها ، ويسمّى هذا بالوجوب التهيّئي ، لأنّ فائدته التهيّؤ والاستعداد لواجب آخر ، فهو قسم من أقسام الوجوب يشبه الوجوب النفسيّ من حيث عدم تولّده وثبوته من وجوب ذيها ، بل وبخطاب آخر ، ويشبه الوجوب الغيري المقدّمي من حيث كونه ثابتا لمصلحة غيره ، ولو فسّرنا الغيري بما كان مصلحة وجوبه ثابتا في غيره فهذا منه ، لأنّ الغيري بهذا التفسير يعم ما ثبت وجوبه بخطاب مستقل لمصلحة الغير أيضا».

(*) الصواب كما في بعض النسخ المصححة : ـ للصوم ـ ، لا ـ الصوم ـ ، فضمير ـ غيره ـ إمّا راجع إلى الغسل ، فيكون الجار أعني قوله : ـ ممّا ـ متعلّقا به ، وإمّا إلى ـ شهر رمضان ـ ، فيكون الجار متعلقا بلفظ ـ الغير ـ وبيانا له. وعلى كلا التقديرين ، ففاعل ـ وجب ـ ضمير راجع إلى الموصول ، وضمير ـ عليه ـ إلى المكلّف. وليس المقصود بالموصول هو المكلّف ، وإنّما هو على الأوّل عبارة عن أسباب الغسل ، وعلى الثاني عبارة عن غير الغسل أعني به التيمّم.

وعلى هذا ، فما في أغلب النسخ من كون عبارة المصنف (قده) : ـ الصوم ـ غير سديد ، لعدم استقامة ذلك ، لا معنى ولا تركيبا كما لا يخفى على المتأمل ، حتى مع الغض عمّا فسّرنا به العبارة ، وجعل الموصول عبارة عن المكلّف وإن كان خلاف الظاهر أيضا ، لكونه لغير من يعقل ، وجعل الصوم فاعلا ل ـ وجب ـ.

٢١٠

في الغد (١) ، إذ (٢) يكشف به بطريق الإنّ عن سبق وجوب الواجب ، وإنّما المتأخّر هو زمان إتيانه ، ولا محذور فيه أصلا. ولو فرض العلم بعدم سبقه (٣)

______________________________________________________

(١) وكحرمة النومة الثانية على من لا يعلم أنّه يستيقظ قبل الفجر مقدار فعل الغسل ، على ما صرّح به الشهيدان في محكيّ الذكرى والمسالك ، فإنّه لا وجه لحرمة النوم المفوّت للغسل عليه قبل مجيء زمان الغسل الّذي هو الجزء الأخير من اللّيل المتّصل بالفجر. وكوجوب المسير إلى مكّة قبل مجيء وقت الحج ، إلى غير ذلك من الموارد.

(٢) تعليل لنفي الإشكال ، وحاصله : أنّ البرهان الإنّي وهو الاستدلال بالمعلول على العلّة ينفي إشكال وجوب المقدّمة قبل مجيء وقت ذيها ، حيث إنّ وجوب المقدّمة معلول وجوب ذيها ، فيستكشف من وجوب المقدّمات قبل وقت ذيها وجوب ذيها. وضمير ـ به ـ في قوله : ـ يكشف به ـ راجع إلى وجوب المقدّمة ، وضمير ـ إتيانه ـ راجع إلى الواجب ، وضمير ـ فيه ـ في قوله : ـ ولا محذور فيه ـ راجع إلى تأخّر زمان الواجب.

(٣) أي : وجوب الواجب ، وغرضه من هذه العبارة : أنّ البرهان الإنّي المذكور مختصّ بما إذا لم يعلم بعدم وجوب ذي المقدّمة قبل مجيء وقته. وأمّا إذا علم بعدم وجوبه قبل وقته ، فلا مسرح للبرهان المزبور ، ويستحيل حينئذ اتّصاف المقدّمة بالوجوب الغيري ، لاستلزامه وجود المعلول بلا علّة ، فلو نهض دليل على وجوب المقدّمة ، فلا محالة يكون وجوبها نفسيّا ، لا غيريّا ترشّحيا ، وملاك هذا الوجوب النفسيّ هو تهيّؤ المكلّف واستعداده لإيجاب ذي المقدّمة في وقته بسبب إتيان مقدّمته ، فالفرق بين هذه المقدّمة الواجبة بالوجوب النّفسي التهيّئي وبين غيرها من المقدّمات الواجبة بالوجوب الغيري الترشّحي هو : أنّ وجوب المقدّمة في الصورة الأولى ليس معلولا لوجوب ذي المقدّمة ، بخلاف وجوب سائر المقدّمات ، فإنّه معلول له ، لكونه مترشّحا من وجوب ذيها.

٢١١

لاستحال اتصاف مقدّمته بالوجوب الغيري (*) ، فلو نهض دليل على وجوبها فلا محالة يكون وجوبها نفسيّا (**) ولو تهيّئوا ، ليتهيّأ بإتيانها (١) ، ويستعد لإيجاب ذي المقدّمة عليه ، فلا محذور (***) أيضا (٢).

إن قلت : (٣) ولو كان وجوب المقدّمة في زمان كاشفا عن سبق وجوب ذي المقدّمة

______________________________________________________

(١) أي : المقدّمة الواجبة نفسيّا تهيّئيّا ، وقوله : ـ يستعد ـ معطوف على ـ يتهيّأ ـ.

(٢) يعني : كما لا محذور في وجوب المقدّمة إذا كان وجوب ذيها مشروطا بشرط متأخّر معلوم الوجود في ظرفه.

(٣) هذا الإشكال وجوابه مذكوران في التقريرات ، ثم إنّه إشكال على البرهان الإنّي المزبور ، وهو : كشف وجوب المقدّمة عن سبق وجوب ذيها.

ومحصل الإشكال : أنّه ـ بناء على هذا الكشف ـ يجب الإتيان بجميع مقدّماته الوجوديّة ، دون خصوص ما قام الدليل على وجوب الإتيان بها قبل زمان ذي المقدّمة ، إذ المفروض فعليّة وجوب ذي المقدّمة وعلّيته لوجوب المقدّمات مطلقا بلا تفاوت بينها سواء أكانت مضيّقة ، كما إذا لم تكن مقدورة في زمان الواجب ، أم كانت موسّعة كما إذا كانت مقدورة قبله.

__________________

(*) ولذا لا يجب المسير إلى الحج قبل الاستطاعة ولو علم بوجودها فيما بعد ، كما لا يحرم إجناب نفسه قبل وقت الصلاة والصوم وإن علم بعدم التمكن من الغسل ، بل عن بعض نفي الإشكال عنه ظاهرا.

(**) كما حكي عن المحقق الأردبيلي ، وسيّد المدارك (قدهما) في مسألة وجوب تعلم الأحكام.

(***) إلّا أن يناقش فيه بأنّ إرادة التهيّؤ إرادة غيريّة ، فيمتنع أن يكون الوجوب الناشئ منها نفسيّا ، بل لا بدّ أن يكون غيريّا ، فيعود المحذور أعني : وجوب المقدّمة غيريا قبل وجوب ذيها.

٢١٢

لزم وجوب جميع مقدّماته ولو موسّعا ، وليس كذلك (١) بحيث يجب عليه المبادرة لو فرض (٢) عدم تمكّنه منها (٣) لو لم يبادر.

قلت (٤) :

______________________________________________________

وفيه : مع أنّ الأمر ليس كذلك ، لعدم وجوب المبادرة إلى إيجاد سائر المقدّمات قبل وقت الواجب حتى مع فرض عدم القدرة عليها في زمان الواجب ، فلا يجب تحصيل الساتر ، ولا تطهير الثوب والبدن قبل وقت الصلاة وإن علم بعدم تمكّنه منها في زمان الواجب. بل يعامل مع المقدّمة الفائتة معاملة التزاحم ، وقد ثبت في محله : أهميّة الوقت في الصلاة من جميع الشرائط إلّا جامع الطهور ، فيصلّي في الوقت فاقدا للساتر أو طهارته ، أو نحو ذلك.

هذا ملخّص الإشكال على الواجب المعلّق الفصولي ، والمشروط الشيخي.

(١) يعني : وليس يجب جميع المقدّمات حتى ما لم يقم دليل على وجوب الإتيان بها قبل زمان ذيها.

(٢) يعني : لا تجب المبادرة إلى ما لم يقم دليل بالخصوص على وجوب الإتيان به قبل ذيها ولو فرض عدم تمكّنه منها في وقت الواجب.

(٣) أي : المقدّمات لو لم يبادر إلى الإتيان بها قبل زمان الواجب.

(٤) هذا جواب الإشكال ، وحاصله : أنّ مقتضى علّيّة وجوب الواجب لوجوب مقدّماته ، وتبعيّة وجوبها له هو الالتزام بوجوب جميع المقدّمات قبل وقت ذي المقدّمة بعد فرض فعليّة وجوبه ، فيجب الغسل في اللّيل على مريد صوم الغد ، لفعليّة وجوب الصوم مع الغضّ عن النّص الدّال على وجوبه قبل زمان الواجب ، فهذا المثال ممّا قام الدليل بالخصوص على وجوبه قبل زمان الواجب.

هذا إذا كانت القدرة المأخوذة في الواجب مطلقة.

وأما إذا كانت خاصة بأن كانت القدرة على الواجب في خصوص زمانه الناشئة من سائر المقدّمات مأخوذة في الواجب ، لا مطلقة بأن يكون لها دخل في الواجب

٢١٣

لا محيص عنه (١) إلّا إذا أخذ في الواجب من قبل سائر المقدّمات قدرة خاصة ، وهي القدرة عليه بعد مجيء زمانه ، لا القدرة عليه في زمانه من (٢) زمان وجوبه ، فتدبّر جدّاً.

تتمة : قد عرفت اختلاف القيود في وجوب التحصيل ، وكونه (٣) موردا للتكليف

______________________________________________________

من زمان وجوبه إلى زمان وجوده ، فلا يجب تحصيل القدرة بإتيان هذه المقدّمات قبل وقت وجود الواجب وإن ترتّب على تركها فوت ذي المقدّمة في ظرفه.

وعلى هذا ، فلا يجب الوضوء قبل وقت الصلاة ولو مع العلم بعدم القدرة عليه في زمان الصلاة ، وذلك لظهور قوله تعالى : «إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا» في إناطة وجوبه بدخول الوقت بناء على كون القيام إلى الصلاة كناية عن دخول الوقت ، فمصلحته اللزومية منوطة بدخول الوقت.

(١) أي : عن الالتزام بوجوب جميع المقدّمات غيريّا قبل وقت ذيها.

فالمتحصل : وجوب المقدّمات قبل وقت ذيها إن لم تؤخذ قدرة خاصة عليه من قبل المقدّمات ، وعدم وجوبها إن أخذت قدرة خاصّة عليه من قبلها ، كالقدرة على الصلاة مع الطهارة المائيّة المقدورة في وقت الإتيان بالصلاة.

(٢) كلمة ـ من ـ للابتداء ، والضمائر الأربعة المتقدّمة وضمير ـ وجوبه ـ ترجع إلى الواجب ، يعني : لا القدرة المطلقة على الواجب في زمانه مبتدئة من أوّل زمان وجوب الواجب إلى آخر وقت الواجب ، إذ هذه القدرة المطلقة توجب الإتيان بالمقدّمات قبل زمان الواجب إذا علم بعدم التمكن منها في زمانه ، كما مرّ آنفا.

(٣) الأولى : تأنيث الضمير ، لرجوعه إلى ـ القيود ـ ، وكيف كان ، فهو معطوف على ـ وجوب ـ ومفسّر له.

وغرضه من بيان التتمّة : ذكر حال القيد فيما إذا لم يعلم برجوعه إلى الهيئة بنحو الشرط المتأخر ، أو المقارن ، أو إلى المادة بنحو يمكن أن يكون موردا للتكليف ، أو يستحيل ، على التفصيل المتقدّم في القيود.

٢١٤

وعدمه ، فإن علم حال القيد ، فلا إشكال ، وإن دار أمره ثبوتا بين أن يكون راجعا إلى الهيئة نحو الشرط المتأخّر ، أو المقارن ، وأن يكون راجعا إلى المادّة على نهج يجب تحصيله ، أو لا يجب (١) ، فإن كان في مقام الإثبات ما يعيّن حاله ، وأنّه راجع إلى أيّهما من القواعد العربيّة (٢) فهو ، وإلّا فالمرجع هو الأصول العملية.

______________________________________________________

وبالجملة : فإن علم حال القيد ، فلا كلام ، ولا إشكال في حكمه من حيث لزوم تحصيله ، كما إذا كان قيدا للواجب المطلق. وعدم لزوم تحصيله ، كما إذا كان قيدا للواجب المشروط ، لا بنحو الشرط المتأخّر.

وإن لم يعلم ذلك ، وأمكن رجوع القيد لبّا وواقعا إلى كلّ من الهيئة والمادة فإن كان هناك في مقام الإثبات ما يوجب ظهور رجوعه إلى الهيئة ، أو المادة ، كالقواعد العربيّة الموجبة لظهور رجوعه إلى الهيئة ، فلا كلام أيضا. وإن لم يكن في مقام الإثبات ما يعيّن ذلك ، فالمرجع الأصول العمليّة ، ومقتضاها البراءة عن وجوب هذا القيد ، لكونه مشكوك الوجوب ، إذ لو كان قيدا للوجوب بنحو التقدّم بحيث يتوقّف الوجوب عليه ، أو قيدا للواجب على نحو لا يجب تحصيله ، فليس بواجب. ولو كان قيدا للواجب على نحو يجب تحصيله ، فهو واجب.

وقد قرر في ضبط مجاري الأصول : أنّ الشك في التكليف مجرى البراءة ، فلا محالة يرجع في المقام إلى أصالة البراءة عن وجوب هذا القيد ، بل عن وجوب ذي المقدّمة ، إذ مرجع الشك في وجوب القيد إلى كونه قيدا لواجب فعليّ ، وعدمه ، لأنّ المفروض عليّة وجوب الواجب لوجوب مقدّمته ، فتجري البراءة في السبب أعني : وجوب ذي المقدّمة ، ومعه لا حاجة إلى إجرائها في وجوب القيد ، فتدبّر.

(١) كما إذا كان عنوانا للمكلّف ، أو أخذ في الواجب على نحو لا يجب تحصيله.

(٢) الموجبة للظهور وإن لم توجب العلم ، وإلّا اندرج في صورة العلم بحال القيد ، فلا وجه للمقابلة بينه وبين صورة العلم.

٢١٥

وربما قيل (١) في الدوران بين الرجوع إلى الهيئة أو المادة : «بترجيح (٢) الإطلاق (*) في طرف الهيئة ، وتقييد المادة بوجهين :

أحدهما : (٣) أنّ إطلاق الهيئة يكون شموليّا ، كما في شمول العام (٤) لأفراده ، فإنّ (٥) وجوب الإكرام على تقدير الإطلاق يشمل جميع التقادير الّتي يمكن (٦)

______________________________________________________

(١) هذا كلام التقريرات ، ولو تمّ ذلك لا تصل النوبة إلى الأصول العمليّة ، لتقدّم الأصول اللفظيّة عليها.

(٢) متعلق بقوله : ـ قيل ـ.

(٣) توضيح هذا الوجه : أنّه مع الدوران بين تخصيص العام الشمولي ، وبين تقييد المطلق البدلي يقدّم الثاني على الأوّل ، كما سيأتي وجهه في مبحث العام والخاصّ إن شاء الله تعالى. وما نحن فيه من صغرياته ، وذلك لأنّ إطلاق الهيئة شموليّ يشمل ثبوت الحكم على كلّ تقدير ، مثلا إذا قال : ـ أكرم العالم ـ فإنّ وجوب الإكرام الّذي هو مفاد الهيئة شامل للوجوب سواء أكان العالم فقيرا أم غنيا ، هاشميّا أم غيره جائيا أم غيره إلى غير ذلك من الحالات المتصوّرة فيه. نظير شمول ـ كلّ عالم ـ في قوله : ـ يجب إكرام كلّ عالم ـ لكلّ فرد من أفراد العلماء في آن واحد ، كما هو شأن العامّ الاستغراقي ، غير أنّ الفرق بينهما : أنّ شمول الإطلاق أحوالي ، وشمول العام أفراديّ.

(٤) أي : العام الاستغراقي.

(٥) هذا عين عبارة التقريرات المبيّنة لكون إطلاق الهيئة شموليّا ، وقد عرفت توضيحه.

(٦) احتراز عمّا لا يمكن أن يكون تقديرا للوجوب كتقدير نقيضه ، أو ضدّه ،

__________________

(*) لا يخفى : أنّه على ما تقدّم عن الشيخ (قده) من امتناع تقييد الهيئة لامتناع إطلاقها لا يتصوّر الدوران بين تقييد الهيئة وتقييد المادة ، ويمكن أن يكون هذا الدوران شاهدا لما تقدم سابقا من إنكار بعض أعاظم تلامذة الشيخ (قده) نسبة امتناع تقييد الهيئة إليه ، فتأمّل.

٢١٦

أن يكون تقديرا له ، وإطلاق (١) المادة يكون بدليّا غير شامل لفردين في حالة واحدة.

______________________________________________________

كأن يقول : «أكرم زيدا إن لم يجب إكرامه ، أو وجب إهانته» ، لامتناع اجتماع النقيضين والضدين.

(١) معطوف على ـ إطلاق ـ في قوله : ـ إطلاق الهيئة ـ ، وضمير ـ له ـ راجع إلى الوجوب. ومحصل تقريب كون إطلاق المادة بدليّا هو : أنّ قضية تعلّق الأمر بطبيعة هي مطلوبيّة صرف الوجود منها الّذي لا ينطبق على جميع الأفراد في آن واحد على ما هو شأن العام الاستغراقي ، كما مر آنفا ، بل ينطبق على كلّ واحد من الأفراد على البدل ، كما هو شأن العام البدلي. ففي ظرف انطباق طبيعي الحجّ على الحجّ عن استطاعة لا ينطبق على الحجّ لا عن غيرها ، فلا محالة يكون إطلاق المادّة بدليّا ، لا شموليّا.

__________________

فيحتمل أن يكون هذا الدوران مبنيّا على مذهب المشهور. ويحتمل أن يراد به كونه قيدا للمادّة على نحو لا يجب تحصيله ، فيراد بالهيئة المادة بعلاقة المشابهة في عدم لزوم تحصيل القيد.

وبالجملة : فالمراد بالدوران هو : كون القيد مأخوذا في المادة على نحو لا يجب تحصيله كقيد الهيئة ، أو على نحو يجب تحصيله ، كغالب القيود المعتبرة في المادة.

ولا يخفى : أنّه بعد تحرير هذا ظفرت بحاشية من حواشي المتن تنقل عن التقريرات الاحتمال الثاني ، وهو : إرادة وجوب التحصيل من قيد المادة ، وعدم وجوبه من قيد الهيئة.

لكن يرد عليه : أنّ الإطلاق بدلي على كلّ تقدير ، لأنّ القيد يرد على المادة ، امّا على نحو يسري الوجوب إليها ، وامّا على نحو لا يسري الوجوب إليها ، فالمادّة مقيدة بأحد النحوين ولا مرجّح لأحدهما ، لأنّ الإطلاق بدلي على كلا التقديرين ، فأين الشمولي حتى يقدّم على البدلي؟

٢١٧

ثانيهما : أنّ تقييد الهيئة (*) يوجب بطلان محل الإطلاق في المادة ، ويرتفع به مورده (١) ، بخلاف العكس (٢) ، وكلّما دار الأمر بين تقييدين

______________________________________________________

(١) أي : الإطلاق ، وضمير ـ به ـ راجع إلى تقييد ، و ـ يرتفع ـ معطوف على ـ يوجب ـ ، يعني : أنّ تقييد الهيئة يرتفع به مورد الإطلاق في المادّة.

توضيح هذا الوجه الثاني : أنّه إذا دار الأمر بين ارتكاب خلاف ظاهرين ، وبين ارتكاب خلاف ظاهر واحد ، فلا ريب في تقدّم الثّاني على الأوّل ، والمقام من هذا القبيل ، لأنّ في تقييد إطلاق الهيئة ارتكاب خلاف ظاهرين :

أحدهما : تقييد إطلاقها. والآخر : بطلان محلّ الإطلاق في المادّة ، ضرورة أنّ وجوب الحج مثلا إذا قيّد بالاستطاعة ، فلا يبقى للمادة ـ وهي الحج ـ إطلاق ، إذ الحج لا عن استطاعة ليس بواجب ، ولا ذا مصلحة ، إذ لا وجوب في ظرف عدم الاستطاعة حتى يتّصف به الحج ، فدائرة الواجب تتضيّق قهرا بتقيّد الوجوب.

وهذا بخلاف تقييد المادة ، كالصلاة المقيدة بالطهارة مثلا ، فإنّ تقييدها لا يستلزم تقييد الوجوب.

وبالجملة : فتقييد الهيئة يستلزم ارتكاب خلاف ظاهرين ، وتقييد المادة يستلزم ارتكاب خلاف ظاهر واحد ، فيقدّم على تقييد إطلاق الهيئة ، ويبقى إطلاق الهيئة على حالها.

(٢) وهو : تقييد إطلاق المادة ، لأنّه لا يوجب بطلان محلّ الإطلاق في الهيئة.

__________________

(*) لا يخفى : أنّه على مبنى المحقّق النائيني (قده) من : إيجاديّة المعاني الحرفية يمتنع تقييد الهيئة ، ولذا جعله قيدا للمادة مع دورانه بين كونه قيدا للمادّة قبل الانتساب ، أو بعده ، فعلى الأول يجب تحصيله ، لورود الوجوب عليه ، لكون المادّة المقيّدة به كالصلاة المقيّدة بالطهارة واجبة. وعلى الثاني لا يجب تحصيله ، لتقيّد المادّة به بعد تحقق الوجوب لها ، فلم يقع القيد في حيّز الوجوب حتى يجب تحصيله ، بل المادّة واجبة على تقدير وجود القيد من باب الاتّفاق.

٢١٨

كذلك (١) كان التقييد الّذي لا يوجب بطلان الآخر (٢) أولى (٣).

أما الصغرى (٤) ، فلأجل أنّه لا يبقى مع تقييد الهيئة محل حاجة وبيان لإطلاق المادة ، لأنّها (٥) لا محالة لا تنفك عن وجود قيد الهيئة ، بخلاف تقييد المادة فإنّ محل الحاجة إلى إطلاق الهيئة على حاله (٦) ، فيمكن الحكم بالوجوب على تقدير وجود القيد وعدمه.

وأما الكبرى (٧) ، فلأنّ التقييد وإن لم يكن مجازا ، إلّا أنّه خلاف

______________________________________________________

(١) يعني : تقييدين يكون أحدهما مستلزما لبطلان مورد الإطلاق في الآخر.

(٢) أي : إطلاق الآخر.

(٣) وجه الأولويّة : ما أشرنا إليه آنفا ، وسيأتي في كلام المصنّف (قده) من عدم ارتكاب خلاف ظاهرين مع إمكان ارتكاب خلاف ظاهر واحد.

(٤) وهي : كون تقييد الهيئة مبطلا لمحلّ الإطلاق في المادّة ، وقد مرّ بيانه.

(٥) أي : المادة ، حاصله : أنّ المادة لا تنفكّ عن وجود قيد الهيئة ، لما مرّ آنفا من استلزام تقييد إطلاق الهيئة تضيّق دائرة المادة.

(٦) كما عرفت في مثل الصلاة مع الطهارة ، حيث إنّ تقييد الصلاة بها لا يستلزم تقييد إطلاق الوجوب ، فيمكن الحكم بوجوب الصلاة مع وجود الطهارة وعدمها ، كما أشار إليه بقوله : ـ فيمكن الحكم بالوجوب ... إلخ ـ ، ولو لم يكن إطلاق الهيئة باقيا على حاله بعد تقييد المادّة لم يترتّب الوجوب مع عدم القيد ، مع أنّه يترتّب معه أيضا.

وهذا بخلاف ما لو فرض تقييد الهيئة ـ أعني وجوب الصلاة ـ بالطهارة ، فإنّه يقيّد نفس الصلاة بها أيضا ، ضرورة أنّه لا يمكن أن يقال حينئذ : ـ الصلاة واجبة سواء أوجدت طهارة أم لا ـ.

(٧) وهي : أولويّة تقييد لا يوجب بطلان إطلاق الآخر من تقييد يوجب ذلك.

ومحصل وجه الأولوية كما أشرنا إليه هو : كون التقييد خلاف الظاهر ،

٢١٩

الأصل (١) ، ولا فرق (٢) في الحقيقة بين تقييد الإطلاق ، وبين أن يعمل عملا يشترك مع التقييد في الأثر ، وبطلان (٣) العمل به». وما ذكرناه من الوجهين (٤) موافق لما أفاده بعض مقرّري بحث الأستاذ العلّامة أعلى الله مقامه.

وأنت خبير بما فيهما :

أما في الأول (٥) ، فلأنّ مفاد إطلاق الهيئة وإن كان شموليّا ، بخلاف

______________________________________________________

ومن المعلوم : أنّ ارتكاب خلاف ظاهر واحد ، كما في الصورة الأولى أولى من ارتكاب خلاف ظاهرين ـ كما في الصورة الثانية ـ عند أبناء المحاورة الّذين يحتفظون على الظواهر ولا يعدلون عنها إلّا بقرينة.

وليس وجه الأولويّة : لزوم تعدّد المجاز على تقدير تقييد إطلاق الهيئة ، ووحدته على فرض تقييد إطلاق المادّة ، وذلك لعدم لزوم المجازيّة في التقييد أصلا ، لكون القيد مستفادا من دال آخر ، فإنّ الرّقبة المؤمنة حقيقة في معناها ، وقد أريد الإيمان بدال آخر من باب تعدّد الدّال والمدلول ، وسيأتي لذلك مزيد بيان في مبحث المطلق والمقيّد إن شاء الله تعالى.

(١) أي : الظاهر ، وضمير ـ أنّه ـ راجع إلى التقييد.

(٢) غرضه : أنّ المقام وإن لم يكن من دوران الأمر بين تقييد إطلاقين حقيقة ، وبين تقييد إطلاق واحد ، إلّا أنّه نظيره : حيث إنّه لا فرق في عدم العمل بالإطلاق بين تقييده ، وبين إيجاد عمل يمنع عن انعقاد الإطلاق ، كتقييد الهيئة في المقام ، فإنّه مانع عن وجود الإطلاق في ناحية المادّة ، كما عرفت.

(٣) معطوف على ـ الأثر ـ ومفسّر له ، فإنّ عدم العمل بإطلاق مشترك بين رفعه بالتقييد ، وبين دفعه بإيجاد مانع عن تحقّقه ، ومرجع ضمير ـ به ـ الإطلاق.

(٤) اللّذين : أحدهما كون إطلاق الهيئة شموليّا ، وإطلاق المادّة بدليّا.

والآخر كون تقييد الهيئة مبطلا لمحلّ الإطلاق في المادة.

(٥) وهو : شموليّة إطلاق الهيئة ، وبدليّة إطلاق المادة.

٢٢٠