منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٥٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

جعل السببية.

فدعوى : جواز تأخر الشرط في الشرعيات مساوقة لدعوى جواز اجتماع النقيضين أو الضدين في الشرعيات ، وهو كما ترى.

وبالجملة : فالشرط سواء أكان من الجهات التقييدية أم التعليلية يمتنع تأخره عن المشروط ، وحيث إنّ المحقق في محله رجوع كل شرط إلى الموضوع ، فيمتنع وجود الحكم تكليفيا كان أم وضعيا قبل شرطه ، لعدم تمامية الموضوع قبله ، فثبوت الحكم يوجب التناقض ، لكشفه عن تمامية الموضوع ، وكشف تأخّر الشرط عن عدم تماميته ، وليس هذا إلّا التناقض.

وعليه : فلا بد أن يكون الموت في الوصية التمليكية ، والإجازة في عقد الفضولي ، وطيب النّفس في عقد المكره ونحو ذلك متمّمة لموضوع الملكية بحيث لا يحكم بها إلّا بالموت ، والإجازة ، والطيب. كما لا يحكم بوجوب الحج مثلا إلّا بعد وجود ما أُخذ شرطا له كالاستطاعة بأنحائها ، ووجوب الزكاة بعد وجود شرائطه.

والحاصل : أنّه لا يحكم بشيء من التكليف أو الوضع إلّا بعد وجود كل شرط اعتبر فيه بحسب الدليل ، فما في تقرير بعض أساطين العصر مد ظله من : «أنّ الصحيح جواز الشرط المتأخر للحكم ، ثم التمثيل له في العرفيات بالحمامات المتعارفة في زماننا فعلا ، فإنّ صاحب الحمام بعد أن كان مالكا لشئون تصرفات حمامه يرضى في قرارة نفسه فعلا بالاستحمام لكل فرد على شرط أن يدفع المستحمّ مبلغ الأُجرة عند الخروج فالرضا من المالك فعليٌّ ، والشرط متأخر» لا يخلو من غموض ، لأنّ المشروط هو خصوص الرضا المقارن للتصرف المضمون بالدرهم ، لا مطلق الرضا ولو كان متقدما على التصرف ولذا لو لم يبق الرضا إلى زمان التصرف ، فلا وجه لجواز ذلك سواء أكان من باب الإجارة ، أم من الإباحة بالعوض ، فالرضا المشروط بالتصرف المضمون بالدرهم هو الحصة

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المقارنة للاستحمام ، دون الحصة غير المقارنة له ، فإنّ وجودها كعدمها.

وعليه : فالرضا السابق على الاستحمام ليس مشروطا به حتى يتأخر الشرط عن المشروط ، بل المشروط منه هو الرضا المقارن سواء أنشأ الرضا كأن يقول : ـ من استحم بدرهم فأنا راض به ـ ، أم أخبر به كأن يقول : ـ إنّي راض عمن استحم بدرهم ـ ، فإنّ مرجع كليهما إلى تحقق الرضا عند الاستحمام بدرهم.

بل يمكن أن يقال : إنّ إنشاء الرضا في مثل الحمامات يرجع إلى جعل الملازمة بين الرضا ، وبين التصرف في الحمام بدرهم ، كجعل الملازمة بين وجوب الحج وبين المستطيع في مثل قوله : «من استطاع وجب عليه الحج» من القضايا الحقيقيّة ، فيفرض وجود التصرف المضمون بالدرهم وينشأ الرضا ، فكل من الشرط والمشروط فعليّ ، غاية الأمر : انّ مصداق الشرط في الخارج متأخّر إلى زمان الخروج من الحمام ، لا أنّ الرضا فعليّ والشرط متأخر ، فتدبر.

فتلخص من جميع ما ذكرنا : استحالة الشرط المتأخر للحكم سواء أكان تكليفيا أم وضعيا ، وسواء أكان الشرط راجعا إلى الموضوع ، أم إلى علة ثبوت الحكم للموضوع لتقدم الموضوع والعلّة على الحكم والمعلول ، وإلّا يلزم الخلف والمناقضة في الأوّل ، وانفكاك المعلول عن العلة ، وتأثير العدم في الوجود في الثاني.

وأمّا الشرط المتأخر بالنسبة إلى المأمور به ، فلا محذور فيه ، لعدم جريان الامتناع المتقدم في الشرط المتأخر للحكم التكليفي والوضعي من الخلف والمناقضة ، وتأثير المعدوم في الموجود في الشرط المتأخر للمأمور به. توضيحه : أنّ المراد بشرط المأمور به هو كون التقيّد جزءاً له مع خروج القيد عنه ، في قبال الجزء الّذي هو داخل قيدا وتقيّدا في المأمور به ، ومن الواضح : صحة تقيّد المأمور به بشيء متقدم ، أو متأخر ، كصحة تقيّده بمقارن ، فالواقع تحت الأمر هو المأمور به المقيد بشيء مقارن

١٤٢

فإنّ دخل شيء في الحكم به (١) ،

______________________________________________________

(١) أي : الوضع كالملكية.

______________________________________________________

له ، أو متقدم عليه ، أو متأخر عنه من دون لزوم محذور الخلف والمناقشة ، وتأثير المعدوم في الموجود ، وذلك لأنّ الشرط المتأخر للمأمور به ليس موضوعا للأمر ، ولا مؤثرا في ثبوت الحكم له حتى يمتنع كونه شرطاً ، للزوم الخلف ، أو تأثير المعدوم في الموجود ، بل الشرط المتأخر يضيّق دائرة المأمور به ، ويوجب تحصّص الطبيعي بحصة خاصة مؤثرة في الملاك الداعي للمولى إلى طلبها ، والحث عليها ، فالضيق ناش من التقيّد بذلك الشيء المتأخر ، وهو مقارن للمأمور به المشروط من دون أن يكون لنفسه تأثير في الملاك حتى يلزم تحقق الأثر قبل المؤثّر ، فالغسل الليلي لصوم المستحاضة الكبرى يكون التقيد به شرطا لصحة الصوم ، ووجود الغسل يكشف عن وجود الحصة الخاصة المأمور بها.

ويمكن أن تكون الولاية من هذا القبيل بناءً على كونها من شرائط صحة العبادات ، فإنّ الشرط هو تقيّدها بالولاية ، وهو مقارن لها وإن تأخّرت عنها ، ولذا نفت النصوص (١) كصحيحتي العجلي ، وابن أذينة ، ومصحح الفضلاء وغيرها قضاء عبادات المخالف إذا استبصر إلّا الزكاة «لأنّه وضعها في غير موضعها ، وإنّما موضعها أهل الولاية».

وبالجملة : فما هو داخل تحت الأمر بالمشروط مقارن له ، وما هو متقدم عليه أو متأخر عنه غير داخل تحت الأمر ، وخارج عن محل الكلام.

وعلى هذا ، فشرائط المأمور به أجنبية عن محل الكلام ، وخارجة عن المقام ، لعدم دخلها في موضوع الحكم ، ضرورة عدم دخلها في الموضوع المراد به المكلّف ، وصفاته ، وحالاته كالبلوغ ، والعقل ، وغيرهما من الشرائط العامة والخاصة.

ولا في المتعلق كالصلاة ، والصوم ، وغيرهما من متعلقات الأوامر ، إذ المفروض كون الشرط تقيّدها بالأمور المتأخرة عنها ، ولذا لا يقع تحت أمر المشروط

__________________

(١) راجع الوسائل ج ١ ، الباب ٣١ من أبواب مقدمة العبادات.

١٤٣

وصحة (١) انتزاعه لدى الحاكم به (٢)

______________________________________________________

(١) معطوف على الحكم.

(٢) هذا الضمير وضمير ـ انتزاعه ـ راجعان إلى ـ الوضع ـ.

__________________

كالصوم إلا التقيّد بها الّذي هو مقارن للصوم ، لا وجود تلك الأمور خارجا كالغسل الليلي لصوم المستحاضة الكبرى حتى تقع في حيّز الأمر المتعلق بالمشروط ، وتصير كالأجزاء متعلّقة للأمر كي يلزم تقدمها لأجل موضوعيتها على الحكم ، ويكون تأخّرها مع تعلّق الأمر بها مساوقا لجواز تأخّر شرط الموضوع ـ وهو المتعلق ـ عن الحكم الّذي ليس ذلك إلّا انخراما للقاعدة العقلية.

ولا في علّة الحكم حتى يلزم تأخّر المؤثر عن الأثر ، لعدم كونها من علل الحكم بل من حدود المأمور به الموجبة لقيام الملاك بحصة خاصة من حصص الطبيعة ، فلا مانع حينئذ من تأخّر شرائط المأمور به ، لعدم كونها شرائط حقيقة ، بل الشرط هو التقيّد بها ، وهو مقارن له ، كما مرّ.

إيقاظ اعلم : أنّ بيان المصنف (قده) في الجواب عن إشكال الشرط المتأخر للحكم والمأمور به ليس على وزان واحد ، حيث إنّه عبّر في الأوّل بالتصور واللحاظ ، وانّ الشرط المتأخر في الحكم وضعيا كان أم تكليفيا هو وجوده العلمي ، وعبّر في الثاني بكون الشرط طرف الإضافة ، ولم يعبّر عنه بالتصور ، مع أنّ مرجعه كشرائط الحكم إلى اللحاظ والتصور كما يظهر من عبارة الفوائد. ووجه الاختلاف في البيان : أنّ الشرط في الثاني قيد للمأمور به بخلاف شرائط الحكم بكلا قسميه ، لامتناع انبساط الحكم على شرائطه ، واستحالة تعلقه بها ، لأنّ الحكم بمنزلة معلولها ، فهو متأخّر عن مباديه التي منها شرائطه ، فكيف يتعلق بها وهو معدوم في رتبتها.

١٤٤

ليس (١) إلّا ما كان بلحاظه (٢) يصح انتزاعه ، وبدونه لا يكاد يصح اختراعه عنده ، فيكون دخل كل من المقارن (٣) وغيره بتصوره ولحاظه وهو (٤) مقارن ، فأين انخرام القاعدة العقلية في غير المقارن ، فتأمّل تعرف.

وأما الثاني (٥) فكون شيء شرطا للمأمور به ليس إلّا ما يحصّل لذات

______________________________________________________

(١) خبر ـ فإنّ ـ ، وحاصله : أنّ الدخل في الحكم الوضعي هو اللحاظ.

(٢) الضمير راجع إلى ـ ما ـ الموصولة ـ ، وضمير ـ انتزاعه واختراعه ـ إلى ـ الوضع ـ ، وضمير ـ بدونه ـ إلى ـ اللحاظ ـ ، وضمير ـ وعنده ـ إلى الحاكم.

(٣) أي : من الشرط المقارن وغيره.

(٤) أي : واللحاظ مقارن ، فلا يلزم انخرام القاعدة العقلية ، وهي اعتبار مقارنة العلة زمانا للمعلول في شيء من شرائط الحكم التكليفي والوضعي أصلا.

(٥) وهو كون الشرط المتقدم أو المتأخر شرطا للمأمور به ، وحقّ العبارة أن تكون هكذا : ـ واما الثالث ـ ، لأنّ مجرد ذكر القسم الثاني ـ وهو شرط الحكم الوضعي ـ في أثناء القسم الأوّل ـ أعني شرط الحكم التكليفي ـ لا يسوّغ التعبير عن القسم الثالث بقوله : ـ واما الثاني ـ.

وكيف كان ، فتوضيح ما أفاده في شرائط المأمور به منوط بتقديم أمر ، وهو : أنّ اتصاف الأشياء بالحسن والقبح لا يخلو عن أحد وجوه ثلاثة :

أحدها : أن يكون الشيء علة تامة للحسن والقبح ، كقبح الظلم ، وحسن العدل.

ثانيها : أن يكون مقتضيا لهما كالصدق والكذب ، فإنّ الأول مقتض للحسن والثاني مقتض للقبح ، فالحسن والقبح ذاتيان لهما بنحو الاقتضاء ، ولذا قد ينقلبان عنهما ، فيصير الحسن قبيحا ، وبالعكس.

ثالثها : أن لا يكون علة تامة ولا مقتضيا للحسن والقبح ، بل كان الاتصاف بهما بالوجوه والاعتبارات كما هو الغالب ، فإنّ المشي في الأرض لا يتصف في نفسه بحسن

١٤٥

المأمور به بالإضافة إليه (١) وجهاً وعنواناً (٢) به (٣) يكون حسنا (٤) ، أو

______________________________________________________

ولا قبح إلّا إذا كان بقصد ترتب أمر راجع عليه كزيارة معصوم ، أو مؤمن ، أو قضاء حاجة ونحوها ، أو ترتّب أمر مرجوع عليه كقتل نفس محترمة ، أو سرقة ، أو نحوهما.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنّ الشرط تارة يكون دخيلا في وجود ذات المأمور به ، بحيث لولاه لم توجد كالمحاذاة للنار بالنسبة إلى الإحراق ، وأخرى يكون دخيلا في حصول إضافة من الإضافات المحصّلة لعنوان يكون المأمور به لأجله حسنا ومتعلقا للأمر سواء أكانت إضافة التقارن ، أم التقدم ، أم التأخّر كإضافة الصلاة إلى الاستقبال ، وإلى الوضوء قبلها ، وإلى العجب المتأخّر عنها ، وإضافة صوم المستحاضة الكثيرة إلى الغسل الواقع في الليلة المستقبلة.

وما كان الشرط متقدما أو متأخرا فهو من هذا القسم الثاني ، لا الأول ، فإطلاق الشرط عليه إنّما هو لأجل كونه طرف الإضافة ، وإلّا فالشرط حقيقة هو نفس الإضافة التي تكون مقارنة للمشروط دائما ، فلا تقدم ولا تأخر في الشرط حتى يلزم انخرام القاعدة العقلية.

(١) أي : إلى الشيء.

(٢) معطوف على قوله : ـ وجها ـ وهو مفعول لقوله : يحصّل ـ ، يعني : أنّ الشرط هو ما يحصّل لذات المأمور به بسبب إضافته إلى نفس ذلك الشيء المسمى بالشرط كالغسل الليلي المتأخر عن الصوم الّذي أضيف إلى ذلك الغسل ، فهذه الإضافة توجب حسنا في المأمور به. لكن العبارة المنقولة في حاشية العلامة الرشتي (قده) هكذا : «فكون شيء شرطا للمأمور به ليس إلّا أن ما يحصل لذات المأمور به بالإضافة إليه وجه ما وعنوان ما به يكون حسنا ... إلخ».

(٣) أي : بسبب ذلك الوجه والعنوان يكون المأمور به حسنا.

(٤) بناء على التحسين والتقبيح العقليين كما هو مذهب العدلية.

١٤٦

متعلقا للغرض (١) بحيث لولاها (٢) لما كان كذلك ، واختلاف (٣) الحسن ، والقبح ، والغرض باختلاف الوجوه والاعتبارات الناشئة من الإضافات مما لا شبهة فيه ، ولا شك يعتريه.

والإضافة كما تكون إلى المقارن تكون إلى المتأخر أو المتقدم بلا تفاوت أصلا ، كما لا يخفى على المتأمل ، فكما تكون إضافة شيء إلى مقارن له موجبا لكونه معنونا بعنوان يكون بذلك العنوان حسنا ، ومتعلقا للغرض ، كذلك إضافته إلى متأخر ، أو متقدم ، بداهة أنّ الإضافة إلى أحدهما (٤) ربما توجب ذلك (٥) أيضا (٦) ، فلو لا حدوث المتأخر (٧) في محله لما كانت للمتقدم (٨) تلك (٩) الإضافة

______________________________________________________

(١) بناء على مذهب الأشعري من عدم التحسين والتقبيح العقليين ، فإنّ الوفاء بالغرض منوط بتلك الإضافة المحصّلة لعنوان يفي بالغرض.

(٢) أي : لو لا الإضافة لما كان حسنا أو متعلقا للغرض.

(٣) إشارة إلى دفع توهم وهو : أنّ الحسن والقبح ان كانا ذاتيين فلا يختلفان بالإضافات والاعتبارات حتى تكون إضافة شيء إلى ما يسمى شرطا موجبة للحسن والقبح.

وحاصل دفعه : أنّه لا شبهة في اختلاف الحسن والقبح باختلاف الوجوه والاعتبارات المكتنفة بالشيء كالضرب المتصف بالحسن ان كان للتأديب ، وبالقبح ان كان لغيره.

(٤) أي المتأخّر أو المتقدم.

(٥) أي : العنوان الموجب للحسن.

(٦) يعني كالإضافة إلى الشرط المقارن في إيجادها عنوانا حسنا.

(٧) كالأغسال الليلية لصوم المستحاضة بالكبرى.

(٨) وهو صوم المستحاضة في النهار الماضي.

(٩) اسم ـ كانت ـ ، وضمائر ـ لحسنه ولطلبه والأمر به ـ ترجع إلى المتقدم ،

١٤٧

الموجبة لحسنه الموجب لطلبه ، والأمر به ، كما هو الحال في المقارن أيضا (١) ، ولذلك (٢) أطلق عليه الشرط مثله (٣) بلا انخرام للقاعدة أصلا ، لأنّ (٤) المتقدم أو المتأخر كالمقارن ليس إلّا طرف الإضافة الموجبة للخصوصية الموجبة للحسن ، وقد حقق في محله (٥) أنّه (٦) بالوجوه والاعتبارات ، ومن الواضح أنّها تكون بالإضافات (٧) فمنشأ توهّم الانخرام إطلاق الشرط على المتأخّر ، وقد عرفت (٨)

______________________________________________________

كما أنّ ـ الموجب ـ نعت ل ـ لحسنه ـ.

(١) يعني : كالإضافة إلى الشرط المقارن في إيجادها عنوانا ذا حسن.

(٢) أي : ولأجل كون الإضافة إلى المتقدم أو المتأخر موجبة لعنوان ذي حسن أطلق الشرط على المتقدم أو المتأخر كإطلاقه على المقارن بلا انخرام للقاعدة العقلية ، وهي استحالة انفكاك المعلول عن العلة وتقدّمه عليها زمانا.

(٣) أي : المقارن.

(٤) تعليل لعدم انخرام القاعدة العقلية ، ومحصله : أنّ الشرط المتأخر أو المتقدم للمأمور به ليس هو نفس المتأخر أو المتقدم المعدومين حين وجود المشروط المأمور به حتّى يستلزم تأثير المعدوم المتأخر أو المتقدم في المأمور به ، ويلزم تأخّر الشرط الّذي هو جزء العلة عن المشروط ، أو تقدمه زمانا عليه ، بل الشرط هو الوصف المنتزع عن إضافة المأمور به إلى ذلك المتقدم أو المتأخر ، ومن المعلوم : مقارنة هذا الوصف للمأمور به زمانا ، لا تقدمه عليه ولا تأخّره عنه كذلك ، فلا يرد إشكال تأخر الشرط أو تقدمه.

(٥) غرضه : أنّه ليس الحسن في غالب الأشياء ذاتيا حتى لا يكون لإضافتها إلى متقدم ، أو متأخر ، أو مقارن دخل في حسنها.

(٦) أي الحسن ، وضمير ـ أنّها ـ راجع إلى الوجوه والاعتبارات.

(٧) سواء أكانت إلى متقدم ، أم متأخر ، أم مقارن.

(٨) حيث قال : «والإضافة كما تكون إلى المقارن تكون إلى المتأخر أو المتقدم ... إلخ».

١٤٨

أنّ إطلاقه (١) عليه فيه كإطلاقه (٢) على المقارن إنّما يكون لأجل كونه (٣) طرفا للإضافة الموجبة للوجه الّذي يكون بذلك الوجه مرغوبا ومطلوبا ، كما كان (٤) في الحكم لأجل دخل تصوّره (٥) فيه ، كدخل تصور سائر الأطراف والحدود التي لو لا لحاظها (٦) لما حصل له الرغبة في التكليف ، أو لما صحّ عنده الوضع (٧) ، وهذه خلاصة ما بسطناه من المقال في دفع هذا الإشكال في بعض فوائدنا (*) ، ولم يسبقني إليه أحد فيما أعلم ،

______________________________________________________

(١) أي : إطلاق الشرط على المتأخر في شرط المأمور به.

(٢) أي : الشرط.

(٣) أي : المتأخّر ، وحاصله : أنّ المتأخر ليس شرطا بمعنى دخله في فاعلية الفاعل ، أو قابلية القابل ، بل بمعنى كونه طرف الإضافة الموجبة للعنوان الّذي يكون المأمور به لأجله حسنا ومطلوبا ، فالشرط حقيقة نفس الإضافة التي هي مقارنة للمأمور به ، لا المتأخر وجوده ، فإنّه طرف الإضافة.

وإطلاق الشرط على نفس المتأخر مسامحة ، وهذا الإطلاق صار منشأ لتوهم انخرام القاعدة العقلية في الشرط المتأخر للمأمور به.

(٤) يعني : كما كان الشرط للحكم التكليفي والوضعي حقيقة لحاظه وتصوره لا نفس وجوده.

(٥) أي : تصور المتأخر في الحكم ، فضمير ـ فيه ـ راجع إلى الحكم.

(٦) أي : الأطراف والحدود ، فكما أنّ لحاظها ـ لا وجودها الخارجي ـ دخيل في الحكم ، فكذلك في المأمور به.

(٧) كالحكم بالملكية ، فإنّه لا يصح إلّا بعد لحاظ جميع ما له دخل في العقد الموجب لذلك من بلوغ المتعاقدين ، ورضاء المالك ، ونحوهما ممّا يسمّى شرطا.

__________________

(*) وهي التي طبعت مع حاشيته على فرائد شيخنا الأعظم الأنصاري (قدهما) ولا بأس بنقل عبارته المذكورة في الفوائد تسهيلا على إخواننا أيدهم الله تعالى ، قال في الفائدة المعقودة لاعتبار تقدم الشرط على المشروط بعد بيان إشكال الشرط

١٤٩

فافهم واغتنم.

ولا يخفى أنّها (١) بجميع أقسامها داخلة في محل النزاع ، وبناءً على الملازمة

______________________________________________________

(١) أي : المقدمة بأقسامها من المتقدمة ، والمتأخرة ، والمقارنة داخلة في محل النزاع ، لاشتراكها في المناط وهو التوقف والمقدّمية ، هذا في شرائط المأمور به ، وأمّا شرائط التكليف والوضع فهي خارجة عن مورد نزاع وجوب المقدمة.

أما الأولى ، فلعدم تعقّل ترشّح الوجوب على شرائطه ، لتأخره عنها ، وترتّبه عليها.

وأمّا الثانية ، فلعدم الوجوب حتى ينازع في وجوب مقدماته.

__________________

المتأخر ما لفظه : «والتحقيق في التفصي عن الإشكال يحتاج إلى تمهيد مقال وهو :

أنّ الأفعال الاختيارية بما هي اختيارية ومنها الأحكام التكليفية أو الوضعيّة كما لا يخفى إنّما تتوقف على مبادئ علمية ، وتصورية ، وتصديقية ، مثل تصور الفعل بحدوده وقيوده ، وتصور فائدته ، والتصديق بترتّبها عليه ليريد الشخص أن يفعله أو يأمر به عبده. (وبالجملة) إنما يكون قيود الفعل وحدوده على اختلافه حسب اختلاف الأحوال ، والأغراض ، والأشخاص ، وكذا فائدتها بوجودها العلمي موقوفا عليها ، لا بوجودها الخارجي ، لعدم السنخية بين الفعل الاختياري بما هو اختياري وبينها بهذا الوجود ، وإنّما هي بينه وبينها بوجودها العلمي ، كما لا يخفى. والسنخية بين الشيء وعلّته بتمام أجزائها لازمة ، وإلّا لزم تأثير كل شيء في كل شيء. ثم إنّ خصوصية الفعل الاختياري تارة تكون منتزعة عنه بحدوده وقيوده التي تكون متحدة معه في الوجود ، وأخرى تكون منتزعة بملاحظة أمر آخر مباين معه في الوجود مقارن أو سابق ، أو لا حق به ، بداهة اختلاف الأفعال بذلك أيضا بحسب الأغراض والملاءمة والمنافرة للقوة العاقلة وساير القوى كما لا يخفى الموجب للإقبال إليها تارة ، والاعراض عنها أخرى. إذا حققت ذلك عرفت : أنّ كلّما يتوقف عليه الأحكام الشرعية مطلقا تكليفية أو وضعيّة مما يتداول إطلاق الشرط عليه مطلقا مقارنا كان لها أو لا إنّما يكون

١٥٠

يتصف اللاحق بالوجوب كالمقارن والسابق ، إذ بدونه (١) لا يكاد يحصل الموافقة ،

______________________________________________________

(١) أي : بدون اللاحق ، وهذا تعليل لاتصاف الشرط المتأخّر بالوجوب كالغسل الليلي لصوم المستحاضة بالكبرى ، وحاصل العلة : وجود مناط الوجوب الغيري أعني المقدمية في جميع أقسام المقدمة بوزان واحد.

__________________

دخله فيها بوجوده العلمي ، لا بوجوده الخارجي ، ويكون حال السابق أو اللاحق بعينه حال المقارن في الدخل ، مثلا إذا فرض أنّ الّذي يكون مؤثرا بنظر الشارع هو العقد الخاصّ الّذي انتزعت خصوصيته من ملاحظة رضاء مقارن أو لا حق ، فكما لا دخل للرضى المقارن حينئذ ، إلّا انه بملاحظته جعل السلطان بالاستحقاق والمالك على الإطلاق العقد سببا كذلك حال الرضاء اللاحق ، فيكون دخل كل في التأثير نحو دخل الآخر فيه ، وهو ملاحظة خصوصية العقد المنتزعة عن رضاء مقارن أو لا حق ، وكذا الحال في صوم المستحاضة بالكبرى بناء على الاشتراط بالأغسال الليلية ، فإنّ دخلها في الواجب إنّما يكون بواسطة أنّه بملاحظتها تحصل لصومها خصوصية بها يصير ذا مصلحة مقتضية لإيجابها عليها بهذه الخصوصية ، فتؤمر بذلك الخاصّ ، فيجب عليها موافقته بالصوم في النهار والغسل في الليلة اللاحقة. واختلاف الأفعال في الخصوصيات الناشئة من سبق شيء أو لحوقه الموجبة للتفاوت في الحسن والقبح مما لا يخفى ، لما حقق في محله من أنّهما بالوجوه والاعتبارات ، لا بالذات ، فلو اغتسلت في الليل صحّ صومها ، بخلاف ما إذا لم تغتسل ، فإنّها لم تأت بما هو المأمور به ، وما أتت به لم يوافق ، فيحكم بفساده وبطلانه. ان قلت : هذا خلاف ظاهر لفظ الشرط الّذي قد أطلق على مثل الإجازة ، والغسل في الليل. قلت : لو سلّم كان إطلاقه عليه من باب إطلاقه على مثل الرضاء المقارن ، لما عرفت أنّ دخلهما كدخله في التأثير بلا تفاوت أصلا.

ان قلت : فما وجه إطلاقهم الشرط على مثل ذلك مما لا دخل له إلّا بوجوده العلمي.

قلت : الوجه صدق الشرط حقيقة بناء على إرادة الأعم من الذهني والخارجي من لفظ الوجود والعدم في تعريفه بما يلزم من عدمه العدم ، ولا يلزم من وجوده الوجود ،

١٥١

ويكون (١) سقوط الأمر بإتيان المشروط به مراعى بإتيانه (٢) ، فلو لا اغتسالها (٣)

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : ـ لا يكاد ـ ، يعني : أنّ مقتضى شرطية المتأخر كالغسل في الليلة اللاحقة لصوم النهار الماضي كون سقوط الأمر مراعى بإتيان الغسل ، فإن لم تأت به لم يصح الصوم.

(٢) أي : اللاحق ، كالغسل في المثال.

(٣) أي : المستحاضة ، والأولى ذكر لفظ ـ المستحاضة ـ بدل الضمير ، لتخلل فصل طويل بين الضمير ومرجعه ، وقوله : ـ فلو لا ـ متفرع على وجوب الشرط المتأخر.

__________________

وصدقه مجازا من باب التشبيه والمسامحة بناء على إرادة خصوص الخارجي ، ومثل هذا الإطلاق ليس بعزيز. وبالجملة : قد انقدح مما حققناه حال الشرط في أبواب العبادات والمعاملات ، وأنّه عبارة عمّا بلحاظه تحصل للأفعال خصوصيات بها تناسب أحكامها المتعلقة بها ، وقد انحل به الإشكال والتفصي عن العويصة والإعضال ، والحمد لله تعالى على كل حال ، ولعمري أنّ هذا تحقيق رشيق ومطلب شامخ عميق لا يناله إلّا ذو النّظر الدّقيق بالتأمل فيما ذكرناه بالتدقيق ، فعليك بالتأمل التام لعلك تعرف حقيقة المرام وعلى الله التوكل وبه الاعتصام» انتهى كلامه علا مقامه.

لكنك قد عرفت : أنّ ما أفاده في شرائط الحكم من كون الدخيل هو الوجود العلمي ، وأنّه بهذا الوجود يؤثّر في الحكم إنّما يكون في الجعل ، لا المجعول الّذي هو مورد البحث ، فإنّ لحاظ الإجازة ليس دخيلا في الملكية ، بل الدخيل فيها هو وجود الإجازة خارجا ، كما أنّ التعقّب بالإجازة ليس شرطا للملكية بأن يكون العقد المتعقّب بالإجازة سببا للنقل والانتقال ليحكم بالملكية من حين العقد ولو حصلت الإجازة بعد سنة ، وهو المراد بالكشف الحقيقي ، فلا دخل للإجازة بوجودها الخارجي في أثر العقد المتحقق قبل وجود الإجازة ، بل الدخل إنّما هو لصفة التعقّب ، وهي مقارنة للمشروط أعني العقد ، فلا يلزم المحذور ، وهو تأخّر

١٥٢

في الليل (١) على القول بالاشتراط لما صحّ الصوم في اليوم (٢)

______________________________________________________

(١) أي : الليلة اللاحقة.

(٢) أي : اليوم الماضي ، فالغسل في الليلة الآتية من الشرط المتأخر ، وبدونه يبطل الصوم ، لعدم انطباق المأمور به وهو الحصة الخاصة من طبيعة الصوم على فاقد الغسل.

__________________

العلة عن المعلول ، أو الموضوع عن الحكم.

وجه عدم كون التعقب شرطا هو : عدم مساعدة الأدلة عليه ، حيث إنّ ظاهرها دخل وجود الإذن والإجازة خارجا ، لا تصورا ولحاظا في ترتب الأثر على العقد.

وكذا ما أفاده في شرائط المأمور به من : أنّ الشرط حقيقة هي الإضافة ، لا نفس الأمر المتأخر ، فإنّه لا يخلو أيضا عن غموض ، لأنّ إضافة المتقدم إلى المتأخر من الاعتبارات الذهنية كالكلية ، والجزئية ، والجنسية ، والنوعية وإن فرضت موجودة في الخارج ، كما هو شأن الإضافة المقولية على ما حققه أهل الفن لزم انتفاء تكافؤ المتضايفين في القوة والفعلية ، مع أنّ ذلك من خواصهما ، فلا تتحقق الإضافة بين شيئين : أحدهما موجود بالفعل ، والآخر بالقوة ، فيمتنع تحقق العنوان الإضافيّ للصوم قبل تحقق الغسل في الليلة المستقبلة ، كامتناع وجود إضافة الأبوّة فعلا لزيد قبل وجود الابن له ولو مع العلم بوجود ابن له بعد ذلك.

لكن الظاهر من عبارة فوائده التي نقلناها آنفا : عدم إرادة الإضافة المقولية وإن كانت عبارته في المتن موهمة لها ، بل ظاهرة فيها ، بل مراده انتزاع خصوصية للمأمور به باعتبار تعقّبه بشيء متأخر كما ينادي بذلك قوله في الفوائد : ـ وكذا الحال في صوم المستحاضة بالكبرى ... إلخ ـ بعد قوله في شرائط الحكم : ـ مثلا إذا فرض أنّ الّذي يكون مؤثرا في نظر الشارع هو العقد الخاصّ الّذي انتزعت خصوصيته من ملاحظة رضاء مقارن أو لا حق ... إلخ ، فلاحظ عبارة الفوائد متدبّرا فيها.

١٥٣

الأمر الثالث في تقسيمات الواجب :

منها : تقسيمه إلى المطلق والمشروط ، وقد ذكر لكل منهما تعريفات وحدود (١) تختلف بحسب ما أخذ فيها من القيود ، وربما أطيل الكلام بالنقض والإبرام في النقض على الطرد (٢)

______________________________________________________

(تقسيمات الواجب :

١ ـ المطلق والمشروط)

(١) منها : ما أفاده صاحب الفصول تبعا للسيد عميد الدين من : «أنّ الواجب المطلق ما لا يتوقف وجوبه على أمر زائد على الشرائط العامة المعتبرة في التكليف من البلوغ ، والعقل ، والقدرة كالصلاة ، فإنّ وجوبها بعد حصول الشرائط لا يتوقف على شيء ، والواجب المشروط ما يتوقف وجوبه بعد الشرائط العامة على شيء آخر فإنّ وجوب الحج مشروط بعد الشرائط العامة بالاستطاعة». ومنها : ما عن جماعة منهم التفتازاني ، والمحقق الشريف ، وصاحب القوانين ، بل عن المشهور من : «أنّ الواجب المطلق ما لا يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده ، والمشروط ما يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده».

ومنها : ما في الفصول أيضا من : «أنّ المطلق ما لا يتوقف تعلقه بالمكلّف على حصول أمر غير حاصل سواء توقف على غير ما مرّ وحصل كما في الحج بعد الاستطاعة أو لم يتوقف كما مرّ ، إلى ان قال : ويقابله المشروط وهو ما يتوقف تعلّقه بالمكلّف على حصول أمر غير حاصل».

(٢) كالنقض على التعريف الأخير ب : أنّ لازمه صيرورة الحج بعد الاستطاعة واجبا مطلقا ، مع أنّه لا يخرج الحج عن الواجب المشروط ولو بعد حصول الاستطاعة إذ لا إشكال في اعتبار الاستطاعة إلى آخر المناسك ، وعليه فتعريف الواجب المطلق بهذا ليس مانعا ، لدخول الواجب المشروط الّذي حصل شرطه في المطلق ، مع أنّه خارج عنه.

١٥٤

والعكس (١) مع أنها (٢) كما لا يخفى (*) تعريفات لفظية (٣) لشرح الاسم (**)

______________________________________________________

(١) كالتعريف الثاني وهو : «ما لا يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده ، والمشروط ما يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده» ، فإنّ هذا التعريف للمشروط لا يشمل مثل الحج ممّا يتوقف وجوبه على ما لا يتوقف عليه وجوده ، ضرورة أنّ وجود الحج غير متوقف على الاستطاعة الشرعية ، لإمكان تحققه بدونها ، فوجوده لا يتوقف على الاستطاعة الشرعية ، مع أنّ وجوبه يتوقف عليها ، فيندرج الحج الّذي هو من المشروط في المطلق ، فلا ينعكس حد المشروط ، إذ لا يجمع أفراده ، وإن شئت الوقوف على النقوض الطردية والعكسيّة فراجع التقريرات والبدائع وغيرهما من الكتب المبسوطة.

(٢) أي : التعريفات المذكورة في كتب القوم للمطلق والمشروط.

(٣) غرضه : أنّه لا وقع للنقوض المذكورة في الكتب على تعريفات الواجب المطلق والمشروط ، وذلك لأنّهم ليسوا بصدد تحديدهما حتى يرد النقض عليها طردا وعكسا ، وإنّما هم في مقام بيان شرح الاسم المقصود به معرفة المعنى في الجملة كتعريف سعدانة ب : أنها نبت.

__________________

(*) بل يخفى ، لظهور النقوض وتكثير القيود في كون التعاريف حقيقيّة.

(**) ما أفاده المصنف قدس‌سره هنا وفي تعريف العام والخاصّ من مرادفة التعريف اللفظي لما يقع في جواب ـ ما ـ الشارحة ، ومساوقته لشرح الاسم مخالف لاصطلاح أهل الفن ، حيث إنّ التعريف اللفظي يقع في جواب السؤال اللغوي ، فإنّ السؤال حينئذ يكون عن المفهوم الّذي وضع له اللفظ ، والسؤال ب ـ ما ـ الشارحة إنّما يكون عن شرح ماهية ذلك المعنى الموضوع له ، فما يقع في الجواب عن السؤال ب ـ ما ـ الشارحة متأخّر رتبة عن التعريف اللفظي الّذي يقع جوابا عن السؤال اللغوي ، فكيف يكون شرح الاسم والتعريف اللفظي مترادفين؟ وبعد وجود المعنى يسأل ب ـ ما ـ الحقيقيّة ، لأنّه يطلق الحقيقة والذات اصطلاحا على الماهية الموجودة ، فالحدود

١٥٥

وليست بالحد ولا بالرسم (١).

والظاهر أنّه ليس لهم اصطلاح (٢) جديد في لفظ المطلق والمشروط ، بل يطلق كل منهما (٣) بما له من معناه العرفي (٤).

______________________________________________________

(١) حتى يصح النقض عليها طردا وعكسا.

(٢) بعد أن بيّن أنّ التعريفات شروح اسمية أراد أن يبيّن أنّهم ليسوا في مقام شرح المعنى الاصطلاحي ، لأنّ الظاهر عدم حصول حقيقة اصطلاحية عندهم ، بل إنّما هم بصدد بيان المعنى اللغوي أو العرفي.

(٣) أي : المطلق والمشروط.

(٤) وهو إطلاق الوجوب وعدم إناطته بشيء في الواجب المطلق ، وإناطة الوجوب به في الواجب المشروط.

__________________

قبل الهليّات البسيطة حدود اسمية ، وهي بعد الهليّات تنقلب حدودا حقيقية ، والتعريف اللفظي يغاير كلّا منهما ، وليس مرادفا لمطلب ـ ما ـ الشارحة ، كما هو صريح المصنف هنا وفي العام والخاصّ ، بل وفي غيرهما.

قال الشيخ الرئيس في الإشارات : «ومنها مطلب ما هو الشيء ، وقد يطلب به ماهية ذات الشيء ، وقد يطلب به ماهية مفهوم الاسم المستعمل» ، وقال المحقق الطوسي (قده) في شرحه ما لفظه : «ذات الشيء حقيقته ، ولا يطلق على غير الموجود ، إلى أن قال : والطالب بما الثاني هو السائل عن ماهية مفهوم الاسم ، كقولنا : ما الخلأ ، وإنّما لم نقل عن مفهوم الاسم ، لأنّ السؤال بذلك يصير لغويا ، بل هو السائل عن تفصيل ما دل عليه الاسم إجمالا ، فإن أجيب بجميع ما له دخل في ذلك المفهوم بالذات ودلّ عليه الاسم بالمطابقة والتضمن كان الجواب حدّا بحسب الاسم ، وان أجيب بما يشتمل على شيء خارج عن المفهوم دال عليه بحسب الالتزام على سبيل التجوّز كان رسما بحسب الاسم ، انتهى كلامه رفع مقامه.

إيقاظ : لا يخفى أنّ الإطلاق والاشتراط قد يتصف بهما الواجب كالصلاة ، فإنّها

١٥٦

كما أنّ الظاهر (١) أنّ وصفي الإطلاق والاشتراط وصفان إضافيان ، لا حقيقيان ، وإلّا (٢) لم يكد يوجد واجب مطلق ، ضرورة اشتراط وجوب كل واجب ببعض الأُمور لا أقلّ من الشرائط العامة كالبلوغ ، والعقل ، فالحري (٣) أن يقال : إنّ

______________________________________________________

(١) المصرّح به في تقريرات شيخنا الأنصاري (قده) ، فهذان الوصفان كانا في الأصل موضوعين لمعنيين حقيقيين ، وهما : عدم الاشتراط بشيء ، والاشتراط بكل شيء ، لكن يمتنع إرادة هذين المعنيين منهما في الواجبات الشرعية ، لأنّه ليس فيها ما لا يتوقف وجوبه على شيء حتى يكون مطلقا ، إذ لا أقل من اشتراطه بالشرائط العامة ، وكذا ليس فيها ما يتوقف وجوبه على كل شيء حتى يكون مشروطا ، فلا مصداق في الشرعيات للوجوب المطلق والمشروط الحقيقيّين ، فلا محيص عن إرادة الإضافيين منهما.

وعليه فيكون كل واجب بالنسبة إلى ما أنيط به وجوبه مشروطا ، وبالنسبة إلى غيره مطلقا كالصلاة ، فإنّها بالنسبة إلى الوقت مشروطة ، وبالإضافة إلى الطهارة مطلقة.

(٢) أي : وإن لم يكن الإطلاق والاشتراط إضافيين بل كانا حقيقيين لم يكد يوجد واجب مطلق ، لما عرفت من عدم خلوّ واجب عن شرط ، فلا يوجد في الواجبات واجب مطلق من جميع الجهات ، ولا واجب مشروط كذلك ، إذ ليس في الواجبات الشرعية ما يكون مشروطا بكل شيء.

(٣) هذا متفرع على عدم إمكان إرادة الإطلاق والاشتراط الحقيقيّين ، وحاصله : أنّ كل شيء من زمان أو زمانيّ يلاحظ مع الواجب ، فإن كان وجوبه منوطا به كان واجبا مشروطا ، وإن كان وجوبه غير منوط به كان مطلقا ، فالطهارة الملحوظة مع الصلاة لمّا لم تكن شرطا لوجوبها كانت الصلاة واجبة مطلقة بالنسبة إليها وإن كانت بالنسبة إلى البلوغ مشروطة.

__________________

مشروطة بالطهارة ، ومطلقة بالنسبة إلى الإحرام مثلا ، وقد يتصف بهما الوجوب كوجوب الصلاة ، فإنّه مطلق بالنسبة إلى الاستطاعة ، ومشروط بالإضافة إلى البلوغ مثلا ، ومحل النزاع هو الثاني ، لا الأول ، فنسبة الإطلاق والاشتراط في عنوان المسألة إلى الواجب كما في المتن وغيره مسامحة.

١٥٧

الواجب مع كل شيء يلاحظ معه ان كان وجوبه غير مشروط به فهو مطلق بالإضافة إليه ، وإلّا (١) فمشروط كذلك (٢) وان كانا (٣) بالقياس إلى شيء آخر كانا بالعكس (٤).

ثم الظاهر (٥) انّ الواجب المشروط كما أشرنا إليه (٦) نفس الوجوب فيه مشروط بالشرط بحيث لا وجوب حقيقة ، ولا طلب واقعا قبل حصول الشرط كما هو (٧) ظاهر الخطاب التعليقي ، ضرورة أنّ ظاهر خطاب : ـ ان جاءك زيد فأكرمه ـ

______________________________________________________

(١) يعني : وإن لم يكن وجوبه غير مشروط به بأن كان وجوبه مشروطا ـ كما هو مقتضى النفي في النفي ـ فهذا الوجوب مشروط.

(٢) أي : بالإضافة إليه.

(٣) أي : المطلق والمشروط.

(٤) مثلا الصلاة تكون بالنسبة إلى الاستطاعة مطلقة ، وبالنسبة إلى الدلوك مشروطة ، ويمكن أن ينعكس الأمر إذا لوحظ واجب آخر معهما كالحج ، فإنّه بالنسبة إلى الدلوك مطلق ، وبالإضافة إلى الاستطاعة مشروط.

وبالجملة : فيمكن أن يكون واجب واحد مشروطا بلحاظ شيء ، ومطلقا بلحاظ غيره ، وواجب آخر بالعكس ، كالحج في المثال بالنسبة إلى هذين الشيئين ، كما هو واضح.

(٥) هذا توطئة لبيان كلام الشيخ (قده) ، يعني : أنّ ظاهر الواجب المشروط هو كون الشرط راجعا إلى الوجوب لا الواجب ، كما نسب إليه (قده) ، فالمشروط صفة للوجوب ، لا الواجب ، فلا وجوب حقيقة قبل الشرط.

(٦) أي : إلى ذلك الظاهر حيث قال : «ضرورة اشتراط وجوب كل واجب ببعض الأمور» ، وقال أيضا : «ان كان وجوبه غير مشروط به فهو مطلق بالإضافة إليه ، وإلّا فمشروط كذلك».

(٧) أي : كون نفس الوجوب مشروطا ، وجه الظهور : أنّ المعلّق على الشرط

١٥٨

كون الشرط من قيود الهيئة (١) وأنّ (٢) طلب الإكرام وإيجابه معلّق على المجيء ، لا أنّ الواجب فيه يكون مقيّدا به بحيث يكون الطلب والإيجاب في الخطاب

______________________________________________________

هو الجزاء كوجوب الإكرام المعلّق على المجيء في قوله : ـ ان جاءك زيد فأكرمه ـ فيكون الشرط قيدا لهيئة الجزاء التي وضعت للنسبة الطلبية ، فالوجوب المستفاد من الهيئة معلّق على الشرط ، فقبل حصوله لا وجوب.

(١) لا المادة ، كما نسب إلى شيخنا الأعظم الأنصاري (قده) وسيأتي.

(٢) معطوف على ـ كون الشرط ـ ومفسّر له ، وحاصل الكلام أنّ هناك نزاعا بين الشيخ (قده) وغيره وهو : أنّ القيود المأخوذة في الخطابات الشرعية هل ترجع إلى مدلول الهيئة ليكون نفس الوجوب مثلا مشروطا بها ، فلا بعث حقيقة قبل حصول القيد ، أم ترجع إلى المادة حتى يكون الواجب مقيّدا ، والوجوب مطلقا؟

فالمنسوب إلى الشيخ (قده) هو الثاني ، وملخص ما أفاده في ذلك يرجع إلى دعويين : إحداهما سلبية ، والأُخرى إيجابية.

أما الأُولى ، فمحصل وجهها : عدم قابلية معنى الهيئة للتقييد حتى يرجع إلى الوجوب ، وذلك لأنّ مذهب الشيخ (قده) في وضع الحروف هو كون الوضع فيها عاما والموضوع له خاصا ، وجزئيا حقيقيا غير قابل للإطلاق والتقييد اللذين هما من شئون المعاني الكلية ، وبما أنّ الهيئة وضعت لخصوصيات أفراد الطلب ، فالموضوع له والمستعمل فيه فرد خاص من الطلب ، وهو غير قابل للتقييد ، وعليه فلا معنى لكون الشرط من قيود الهيئة.

وأما الدعوى الثانية ـ وهي لزوم كون الشرط قيدا للمادة ـ فوجهها : شهادة الوجدان بعدم اشتراط الإرادة والوجوب في شيء من الموارد ، بل المشروط هو المطلوب.

توضيحه : أنّ العاقل إذا تصوّر شيئا ، فإن لم تتعلق به إرادته فلا كلام فيه ، وإن تعلّقت به فلا يخلو ذلك عن صورتين :

إحداهما : أن تتعلق به بلا قيد ، كما إذا طلب الماء مطلقا.

١٥٩

فعليّا ومطلقا ، وإنّما الواجب يكون خاصا ومقيدا وهو الإكرام على تقدير المجيء ، فيكون الشرط من قيود المادة ، لا الهيئة كما نسب ذلك إلى شيخنا العلامة (١) أعلى الله مقامه «مدعيا لامتناع كون الشرط من قيود الهيئة واقعا (٢) ، ولزوم (٣) كونه من قيود المادة لبا (٤)

______________________________________________________

ثانيتهما : أن تتعلق به مع قيد وخصوصية ، كما إذا طلب الماء بقيد البرودة والصفاء ، وهذه الصورة تتصور على وجهين :

أحدهما : أن يكون القيد غير اختياري كالبلوغ ، والوقت المقيّد بهما الصلاة.

ثانيهما : أن يكون القيد اختياريا كالاستطاعة ، وتملّك النصب الزكوية للمتمكن من تحصيلهما ، وهذا القسم تارة يجب تحصيله ، وأخرى لا يجب ذلك على اختلاف الأغراض الداعية إلى الطلب ، فالتقييد في هذه الصور راجع إلى المراد كما عرفت في طلب الماء ، فإنّ البرودة والصفاء مثلا من قيود المراد وهو الماء ، فالقيد سواء أكان اختياريا لازم التحصيل أو غيره ، أم غير اختياري قيد للمادة وهو الواجب ، لا الوجوب إذ لا شرط فيه ، وإنّما الشرط في المادة.

وبالجملة : فالوجدان يشهد بعدم تقيّد الإرادة ، ورجوع القيود طرا من الاختيارية وغيرها إلى المراد ، فلاحظ.

(١) وهو شيخنا الأعظم الأنصاري (قده) ، والناسب هو العلامة الميرزا أبو القاسم النوري في التقريرات المسماة بمطارح الأنظار.

(٢) أي : في نفس الأمر ، وحاصله : أنّ امتناع كون الشرط من قيود الهيئة إنّما يكون لمانع ثبوتي ، وهو عدم قابلية الهيئة للتقييد ، لكون معناها جزئيا حقيقيا لا لمانع إثباتي. وهو قصور اللفظ عن إفادة تقييد الهيئة.

(٣) معطوف على ـ امتناع ـ ، يعني : بعد أن ثبت امتناع رجوع الشرط إلى الهيئة ، فلا بد من رجوعه إلى المادة ، للعلم الإجمالي بكونه قيدا لإحداهما.

(٤) يعني : وإن كان بحسب القواعد العربية ظاهرا في الرجوع إلى الهيئة.

١٦٠