منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٥٩٢

بالملازمة وعدمه (١) ، لا لفظية ، كما ربما يظهر من صاحب المعالم ، حيث (٢) استدل على النفي بانتفاء الدلالات الثلاث ، مضافاً (٣) إلى ذكرها في مباحث الألفاظ ، ضرورة (٤) أنّه إذا كان نفس الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ثبوتاً محل

______________________________________________________

(١) أي : عدم استقلال العقل.

(٢) هذا منشأ الاستظهار ، وحاصله : أنّ منشأه وجهان :

أحدهما : استدلاله على النفي بانتفاء الدلالات اللفظية ، فإنّه ظاهر في كون البحث لفظيّاً ، وإلّا لم يتّجه هذا الاستدلال.

(واحتمال) دلالة اللفظ إنّاً على عدم الملازمة عقلاً بين وجوب الواجب ووجوب مقدماته ليكون بحث مقدمة الواجب عند صاحب المعالم أيضا عقلياً ، لا لفظياً (موهون جداً) ، إذ فيه أوّلاً : أنّ المعتبر ببناء العقلاء هو القطع بالدلالة أي الظهور ، لا احتمالها.

وثانياً : أنّه لو تمّ ذلك لكان في خصوص اللزوم البيّن بالمعنى الأخص ، لا مطلقاً ، لعدم دلالة العام على الخاصّ.

ثانيهما : أنّ ذكر هذا البحث في مباحث الألفاظ قرينة على كونه عنده لفظيّاً (*)

(٣) هذا ثاني وجهي الاستظهار الّذي تعرضنا له بقولنا : ـ ثانيهما ان ذكر هذا البحث في مباحث الألفاظ ... إلخ.

(٤) تعليل لقوله : ـ ثم الظاهر أيضا ... إلخ ـ ، وحاصله : أنّ النزاع في مقام الإثبات فرع تسلّم مقام الثبوت ، لأنّه حاكٍ وكاشف عن الواقع ، فبدون ثبوت التلازم واقعاً لا يصح النزاع في دلالة اللفظ وعدمها عليه إثباتاً ، ومن المعلوم : أنّ الملازمة بين وجوب المقدمة وذيها ثبوتاً محل الإشكال ، فلا وجه لتحرير النزاع في مرحلة الإثبات والدلالة.

__________________

(*) لكن فيه ما لا يخفى ، إذ لا يدل مجرد ذكره في مباحث الألفاظ على كونه لفظيّاً بعد العلم بتعرض جملة من الاستلزامات فيها.

١٠١

الإشكال ، فلا مجال لتحرير النزاع في الإثبات والدلالة عليها (١) (*) بإحدى الدلالات الثلاث (٢) كما لا يخفى.

الأمر الثاني : أنّه ربما تقسم المقدمة إلى تقسيمات :

منها : تقسيمها إلى الداخلية وهي الأجزاء المأخوذة في الماهية المأمور بها (٣) ،

______________________________________________________

(١) أي : على الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدماته.

وبالجملة : فإذا كان الحاكم بالملازمة المزبورة هو العقل ، فلا بد من إثبات حكمه بها أوّلاً ، ثم البحث في دلالة اللفظ بالوضع وعدمها على تلك الملازمة ثانياً.

(٢) وهي الدلالات اللفظيّة : المطابقية والتضمنيّة والالتزاميّة ، وبديهيٌّ أنّ انتفاءها يقتضي عدم الدلالة اللفظية ، لا انتفاء الدلالة العقلية.

تقسيم المقدمة : ـ ١ ـ إلى الداخلية والخارجية

(٣) توضيحه : أنّ المقدمة الداخلية بالمعنى الأخص هي التي تكون داخلة في ماهية المركّب المتعلق به الطلب قيداً وتقيّداً ، ويعبّر عنها بالأجزاء كالقراءة والركوع والسجود بالنسبة إلى الصلاة ، ويقابلها المقدمات الخارجية بالمعنى الأعم ، وهي ما لا تكون داخلة في ماهية المأمور به بحيث تعدّ أجزاءً لها ، سواء أكان التقيّد بها داخلاً في الواجب كشرائطه الشّرعية من الوضوء وغيره ، أم لا كالأُمور التي يكون وجود الواجب موقوفاً عليها من دون دخلها في الواجب قيداً أو تقيّداً.

والمقدمات الخارجية بالمعنى الأخص هي ما لا دخل لها في الواجب لا قيداً ولا تقيّداً ، بل لها دخل فيه عقلاً أو عادةً ، لتوقف وجوده عليها كتوقف الكون على السطح على نصب الدرج.

__________________

(*) هذا الوجه مأخوذ من تقريرات شيخنا الأعظم (قده) ، وحاصله :

أنّ تعيين المعنى الّذي وضع له اللفظ فرع وجود ذلك المعنى خارجاً ، كالبحث عن كون هيئة ـ افعل ـ موضوعة للوجوب أو الندب اللّذين هما موجودان ، وهذا بخلاف المقام ، لأنّ ثبوت الملازمة بين الوجوبين محلّ الكلام.

١٠٢

والخارجيّة (١) وهي الأُمور الخارجة عن ماهيّته ممّا (٢) لا يكاد يوجد بدونه.

وربما يشكل (٣) كون الأجزاء مقدمة له وسابقة (*) عليه (٤) بأنّ (٥) المركب ليس إلّا نفس الأجزاء بأسرها.

______________________________________________________

(١) معطوف على ـ الداخلية ـ والأولى إسقاط ـ عن ماهيته ـ وتبديله ب ـ عنها ـ يعني : عن الماهية المأمور بها.

(٢) أي : من الأُمور التي لا يوجد المأمور به بدونها ، فمرجع ضمير ـ بدونه ـ هو ـ ما ـ الموصولة الّتي أُريد بها تلك الأمور.

(٣) المستشكل هو المحقق صاحب الحاشية ، والإشكال إنّما هو على تصور المقدمة الداخلية للواجب ، وسيأتي تقريب الإشكال.

(٤) سوق العبارة يقتضي تأنيث الضميرين ، لرجوعهما إلى ـ الماهية المأمور بها ـ ، لكن المقصود هو الواجب.

(٥) متعلق بقوله : ـ يشكل ـ ومبيّن للإشكال ، وحاصله : أنّ الأجزاء عين الكل ، ولا مغايرة بينهما أصلا ليكون للأجزاء وجود غير وجود الكل حتى تجب الأجزاء غيريّاً ويجب الكل نفسيّاً ، وذلك لأنّ المركب ليس إلّا نفس الأجزاء ، ومع هذه العينية لا يتصور الاثنينيّة المقوِّمة للمقدمية ، فتنحصر المقدمة بالخارجية ، ولا تتصور المقدمة الداخلية أصلاً.

__________________

(*) فإنّ الأجزاء سابقة على المركب في الوجودين الذهني والعيني ، كما نصّ عليه المحقق الطوسي (قده) في تجريده ، حيث قال : «والمركب إنّما يتركّب عمّا يتقدّمه وجوداً وعدماً بالقياس إلى الذهن والخارج» ، لكن سيأتي إن شاء الله تعالى أنّه غير مجد في تصحيح مقدمية الأجزاء وان كان مجدياً في الفرق بين الأجزاء والكل ، كما لا يخفى.

١٠٣

والحَلّ (١) أنّ المقدمة هي نفس الأجزاء بالأسر ، وذو (٢) المقدمة هو الأجزاء بشرط الاجتماع ، فيحصل المغايرة بينهما.

وبذلك (٣) ظهر : أنّه لا بد في اعتبار الجزئية من أخذ الشيء بلا شرط ، كما

______________________________________________________

(١) يعني : وحلّ إشكال عينية الأجزاء للمركب ـ وهو الّذي استشكل به المحقق التقي (قده) في حاشية المعالم ـ : أنّ الجزء إن لوحظ لا بشرط فهو المقدمة ، وإن لوحظ بشرط الانضمام فهو ذو المقدمة ، وهذا التغاير الاعتباري كافٍ في اتصاف الأجزاء بالوجوب المقدمي.

ووجه تقدم الأجزاء على الكل الّذي هو الواجب النفسيّ : أنّ الأجزاء هي الذوات المعروضة للقيد أعني الاجتماع ، ومن المعلوم تقدّم المعروض على العارض ، فذوات الأجزاء مقدمة على تقيّدها بوصف الاجتماع (*).

(٢) الأولى أن يقال : ـ ذا ـ بالنصب ، لعطفه على ـ المقدمة ـ.

(٣) أي : بما ذكره ـ من كون المقدمة نفس الأجزاء وذواتها ، وذي المقدمة الأجزاء بشرط الاجتماع ـ ظهر : أنّ اعتبار الجزئية منوط بأخذ الشيء بلا شرط ، واعتبار الكلية منوط باشتراط الاجتماع (**).

__________________

(*) قد تقدم في التعليقة : أنّ هذا الحل يستفاد من كلام المحقق الطوسي المتقدم ، لكنه لا يُجدي في دفع الإشكال ، لأنّ التغاير الاعتباري لا يوجب تعدد الوجود المعتبر في الواجب ومقدمته ، كاعتباره في العلة والمعلول ، فليس هنا وجودان حتى يجب أحدهما نفسيّاً والآخر مقدمياً ، فالتغاير الاعتباري مع الاتحاد في الوجود الخارجي لا يكفي في المقدمية ، فلا يندفع به الإشكال ، بل يبقى على حاله ، كما نبّه عليه المصنّف (قده) في حاشيته الآتية.

(**) فيكون منشأ اعتبار الكلية مضاداً لمنشإ اعتبار الجزئية ، وهو خلاف التحقيق ، لوضوح أنّ المتكثرات ما لم يطرأ عليها وحدة لا يتصف مجموعها بالكلية ، ولا كلُّ واحد منها بالجزئية ، فإنّ الركوع والسجود والقراءة مثلاً ما لم يعرض عليها ما

١٠٤

لا بد في اعتبار الكلية (١) من اعتبار اشتراط الاجتماع.

وكون (٢) الاجزاء الخارجية كالهيولى والصورة (٣) هي الماهية المأخوذة بشرط لا لا يُنافي (٤)

______________________________________________________

(١) أي : اعتبار كون الأجزاء كُلًّا في قبال كونها أجزاءً.

(٢) مبتدأ ، وهذا إشكال على تصوير المقدمة الداخلية على النحو المذكور ، وهو كون الأجزاء ملحوظة لا بشرط ، وحاصل الإشكال : أنّ هذا التصوير ينافي ما عن أهل المعقول من كون الأجزاء الخارجية مأخوذة بشرط لا في مقابل الأجزاء التحليلية المأخوذة لا بشرط ، ولذا يصح حملها دون الأجزاء الخارجية ، فلا يقال : ـ الإنسان مادة أو صورة ـ ، ولكن يقال : ـ الإنسان حيوان أو ناطق ـ ، فإنّ الجنس والفصل من الأجزاء التحليلية المأخوذة لا بشرط.

وبالجملة : فما أفاده المصنف (قده) من أخذ الأجزاء الخارجية ملحوظة لا بشرط ينافي ما ذكره أهل المعقول من كونها ملحوظة بشرط لا.

(٣) اللّتين يتركب منهما الجسم عند المشائيّين ، والهيولى التي تسمى بالمادة والطينة هي محل الصورة الجسمية.

(٤) خبر ـ كون ـ ، ودفع الإشكال ، وحاصله : عدم منافاة بين لحاظ الأجزاء بلا شرط كما أفاده المصنف (قده) هنا ، وبين لحاظ الأجزاء الخارجية بشرط لا كما عن أهل المعقول.

وجه عدم المنافاة بينهما هو : أنّ المراد من ـ بشرط لا ـ الملحوظ في الجزء

__________________

يوجب وحدتها من مصلحة ، أو أمر ، أو غيرهما لا يتصف مجموعها بالكلية ، ولا كل واحد منها بالجزئية ، فمنشأ اعتبار كل من الجزئية والكلية واحد وهي الوحدة العارضة للمتكثرات.

فقد ظهر مما ذكرنا : أنّ لحاظ أُمور متكثرة لا بشرط لا يصحّح اعتبار الكلية لمجموعها ، ولا الجزئية لبعضها ما لم يطرأ عليها الوحدة.

١٠٥

ذلك (١) ، فإنّه (٢) إنما يكون في مقام الفرق بين نفس الأجزاء الخارجية (٣)

______________________________________________________

الخارجي في كلام أهل المعقول هو بشرط لا الاعتباري في مقابل الجزء التحليلي المأخوذ فيه لا بشرط اعتبارياً أيضا ، بشهادة ذكرهم له في مقام الفرق بين الجزء التحليلي والجزء الخارجي في صحة الحمل وعدمها على ما تقدم في مبحث المشتق.

والمراد ب ـ لا بشرط ـ فيما نحن فيه هو اللابشرط الخارجي ، إذ المقصود بكون الركوع مثلاً لا بشرط جزءاً لصلاة هو اللّابشرطية بالإضافة إلى الأُمور الخارجية كالسجود ، والتشهد ، وغيرهما من المقارنات الخارجية ، وبشرط شيءٍ هو اعتبار انضمام الركوع إلى سائر الأُمور كالتشهد والقراءة وغيرهما.

وبالجملة : فالمنافاة بين ما ذكره أهل المعقول ـ من كون الأجزاء الخارجية ملحوظة بشرط لا ـ وبين ما ذكر هنا من كون الأجزاء مأخوذة بلا شرط مبنيةٌ على إضافتهما إلى شيءٍ واحد ، وقد عرفت خلافه. فالأجزاء الخارجية عند المعقولي ملحوظة بشرط لا بالإضافة إلى الحمل ، لإبائها عن الحمل ، فلا تحمل على المركب ، كما لا يحمل كل منها على الآخر أيضا ، وعند الأُصولي ملحوظة لا بشرط بالإضافة إلى الانضمام والاجتماع ، ولا مانع من لحاظ الأجزاء الخارجية بهذين اللحاظين.

(١) المشار إليه هو ـ الأجزاء الملحوظة لا بشرط الاجتماع ـ.

(٢) هذا تقريب عدم المنافاة وقد تقدم آنفاً.

(٣) يعني : أنّ غرض أهل المعقول هو الفرق بين نفس الأجزاء بقسميها من الخارجية والتحليلية ، لا في مقام الفرق بين تمام الأجزاء الخارجية ، وبين نفس المركب حتى يكون منافاة بين أخذهم للأجزاء الخارجية بشرط لا ، وبين ما قلناه من أخذها لا بشرط ، فلا منافاة حينئذٍ أصلاً ، إذ غرض المعقولي من أخذ الأجزاء الخارجية بشرط لا هو عدم صحة الحمل في قبال الأجزاء التحليلية المأخوذة لا بشرط الحمل ، وغرض الأُصولي من أخذ الأجزاء الخارجية لا بشرط هو اللابشرطية بالنسبة إلى الأُمور الخارجية كسائر الأجزاء ، فلا تنافي بين «لا بشرط» الأصولي وبين بشرط لا المعقولي.

١٠٦

والتحليلية من (١) الجنس والفصل ، وأنّ (*) الماهية (٢) إذا أُخذت بشرط لا تكون هيولى أو صورة (٣) ، وإذا أخذت لا بشرط تكون جنساً أو فصلاً ، لا (٤) (**) بالإضافة إلى المركب ، فافهم (٥).

ثم لا يخفى أنّه ينبغي خروج الأجزاء عن محلِّ النزاع (٦) كما صرح به

______________________________________________________

(١) بيان ل ـ الاجزاء التحليلية ـ.

(٢) هذا معطوف على ـ الفرق ـ يعني : في مقام أنّ الماهية إذا أخذت ... إلخ.

(٣) ولذا لا تُحمل إحداهما على الأُخرى ، بخلاف الجنس والفصل المأخوذين لا بشرط ، فإنّهما غير آبيين عن الحمل.

(٤) يعني : لا في مقام الفرق بيت تمام الأجزاء الخارجية وبين نفس المركب كما هو مفروض البحث هنا ، فمورد كلام أهل المعقول هو نفس الأجزاء بإبداء الفرق بين خارجيتها وتحليليّتها ، لا بين الأجزاء الخارجية وبين المركب كما هو مورد بحثنا.

(٥) لعله إشارة إلى : ضعف التوجيه المزبور وهو قوله : ـ والحل ان المقدمة هي نفس الاجزاء بالأسر ... إلخ ، وذلك لما مرّ آنفاً في التعليقة من عدم كون لحاظ الانضمام وعدمه مُجدياً في انتزاع الكلّية والجزئية ، بل المجدي في ذلك بحيث يكون منشأ لانتزاعهما هو الموجب لوحدة المتكثرات.

(٦) وهو وجوب المقدمة غيريّاً ترشّحياً وعدمه ، ووجه خروج الأجزاء عن محل النزاع هو : كونها واجبة بالوجوب النفسيّ الضمني ، لأنّها عين الكل الّذي هو متعلق الوجوب النفسيّ المنبسط على الأجزاء ، ومع هذا الوجوب النفسيّ كيف تتصف الأجزاء بالوجوب الغيري.

__________________

(*) الأولى تبديل الواو العاطفة بالباء ، ليكون بياناً للفرق المزبور ، لا مغايراً له كما هو ظاهر العطف عليه.

(**) الأنسب أن يقول : ـ لا في مقام الفرق بين الأجزاء الخارجية وبين المركب ـ حتى يتحد موضوع البحث بين الأصولي والمعقولي ، ويتحقق التنافي بين كليهما المزبورين ، كما عرفت مفصلاً.

١٠٧

بعض (١) ، وذلك (٢) لما عرفت من كون الأجزاء بالأسر عين المأمور به ذاتاً ، وإنّما كانت المغايرة بينهما اعتباراً (٣) ، فتكون (٤) واجبة بعين وجوبه ، ومبعوثاً إليها بنفس الأمر الباعث إليه (٥) ، فلا تكاد تكون واجبة بوجوب آخر (٦) ، لامتناع (٧) اجتماع المثلين ولو قيل (٨) بكفاية تعدد الجهة ، وجواز اجتماع الأمر والنهي معه (٩) ،

______________________________________________________

(١) وهو سلطان العلماء على ما قيل.

(٢) هذا تقريب خروج الأجزاء عن محل النزاع ، وقد عرفته آنفاً.

(٣) المراد بالتغاير الاعتباري هو لحاظ شرط الانضمام في المركّب ، ولحاظ عدم شرطه في الأجزاء ، فالتغاير بين المركب الّذي هو المأمور به وبين الاجزاء اعتباري.

(٤) يعني : فتكون الأجزاء واجبة بعين وجوب المأمور به وهو المركب.

(٥) أي : إلى المأمور به.

(٦) وهو الوجوب الغيري الّذي هو المبحوث عنه في مقدمة الواجب.

(٧) تعليل لعدم اتصاف الأجزاء بالوجوب الغيري ، وحاصله : أنّ اتصاف الأجزاء بالوجوب الغيري ممتنع ، للزوم اجتماع المثلين وهو الوجوب النفسيّ الضمني ، والوجوب الغيري المقدمي.

(٨) إشارة إلى دفع ما يمكن توهمه من عدم كون عروض الوجوبين للأجزاء من اجتماع المثلين الممتنع.

ومحصل التوهم : أنّه مع تعدد الجهة لا يلزم الاجتماع ، والمفروض تعددها ، حيث إنّ متعلق الوجوب النفسيّ هي الأجزاء ، لكونها عين الكل ، ومتعلق الوجوب الغيري هو الأجزاء ، لكونها مقدمة لوجود الكل ، ومع تعدد الجهة لا يلزم اجتماع المثلين.

(٩) أي : مع تعدُّد الجهة كالصلاة الواقعة في المغصوب ، فإنّها من جهة كونها صلاة واجبة ، ومن جهة كونها غصباً حرام.

١٠٨

لعدم (١) تعددها هنا (٢) ، لأنّ (٣) الواجب

______________________________________________________

(١) هذا دفع التوهم المزبور ، وحاصله : أنّ تعدد الجهة المجدي في دفع محذور الاجتماع مفقود هنا.

توضيحه : أنّ الجهة إمّا تقييديّة وهي ما يقع موضوعاً للخطاب سواء أكان موضوعاً خارجياً كالفقير ، والغني ، والمستطيع ونحو ذلك ، أم فعلاً كالصلاة ، والغصب ، ونحوهما ، وإمّا تعليليّة وهي ما يكون علة للحكم لا موضوعاً له.

فإن كانت الجهة تقييديّة ، فتعددها يُجدي في دفع محذور اجتماع الحكمين على موضوع واحد ، إذ المفروض تعدد الموضوع بتعدد الجهة ، ولذا يندرج في باب التزاحم ، لا التعارض كما سيتضح في مسألة اجتماع الأمر والنهي إن شاء الله تعالى ، هذا.

وإن كانت الجهة تعليليّة ، فتعددها لا يُجدي في دفع محذور اجتماع الحكمين المثلين أو الضدين ، لعدم تعلق الحكم بالجهة حتى يكون تعددها موجبا لتعدد الموضوع المجدي لارتفاع محذور اجتماع الحكمين ، فإنّ الجهات التعليلية أجنبية عن موضوع الحكم ، فتعددها لا يوجب تعدد الموضوع.

إذا عرفت هذا فاعلم :

أنّ المقدمية من الجهات التعليلية ، لأنّ معروض الوجوب الغيري هو ذات المقدمة لأجل المقدمية ، لا بعنوان كونها مقدمة ، مثلاً نصب السلّم واجب للتوسل به إلى الصعود على السطح ، لا بعنوان كونه مقدمة ، إذ ملاك الوجوب الغيري قائم بذاته ، لا بوصف مقدميته. فعليه لا تتصف الأجزاء بالوجوب الغيري ، لعدم كون المقدمية جهة تقييدية ، بل المتصف به هو ذوات الأجزاء ، والمفروض أنّها عين الكل ، فالوجوب العارض لها نفسيٌّ ضمنيٌّ ، لا غيريٌّ مقدميٌّ.

(٢) أي : في أجزاء الواجب ، وضمير ـ تعددها ـ يرجع إلى ـ الجهة ـ.

(٣) تعليل لعدم تعدد الجهة المجدي في دفع محذور اجتماع الحكمين.

١٠٩

بالوجوب الغيري لو كان إنّما هو نفس الأجزاء ، لا عنوان مقدميتها ، والتوسّل (١) بها إلى المركب المأمور به ، ضرورة (٢) أنّ الواجب بهذا الوجوب (٣) ما كان بالحمل الشائع مقدمة ، لأنّه (٤) المتوقّف عليه ، لا عنوانها.

نعم (٥) يكون هذا العنوان (٦) علّة لترشّح الوجوب على المعنون.

فانقدح بذلك (٧)

______________________________________________________

(١) معطوف على ـ مقدميتها ـ ومفسِّر لها.

(٢) تعليل لكون الواجب بالوجوب الغيري ذات المقدمة ، لا عنوانها ، وحاصله : أنّ ما يتوقف عليه وجود ذي المقدمة هو ذات المقدمة ، لا عنوانها كما عرفت آنفاً ، نعم المقدّمية علةٌ لترشح الوجوب من ذي المقدمة على ذات المقدمة ، كما يُشير إليه في عبارته الآتية بقوله : ـ نعم يكون هذا العنوان علة ... إلخ.

وبالجملة : معروض الوجوب الغيري هو ما يحمل عليه بالحمل الشائع الصناعي مقدمة ، لأنّه ما يتوقف عليه وجود ذي المقدمة ، لا وصف مقدميته ، لكونه جهة تعليلية ، وليس ذلك مقدمة بالحمل الشائع وإن كان مقدمة بالحمل الأوّلي وهو حمل المفهوم على المفهوم.

(٣) أي : الوجوب الغيري.

(٤) أي : لأنّ ما كان بالحمل الشائع مقدمة هو المتوقف عليه وجود الواجب لا عنوان المقدمة.

(٥) بعد أن نفى معروضية عنوان المقدمة للوجوب الغيري ، وأنّ هذا العنوان ليس جهة تقييدية استدرك على ذلك ، وقال : إنّ المقدمية جهة تعليلية لترشح الوجوب الغيري على المعنون وهو ذات المقدمة.

(٦) أي : المقدمة ، والمراد بقوله : ـ المعنون ـ ذات المقدمة.

(٧) المشار إليه هو : كون المقدمية جهة تعليلية ، لا تقييدية ، وأنّ الوجوب الغيري يعرض ذات المقدمة ، لا عنوانها.

١١٠

فساد توهم (١) اتصاف كل جزء من أجزاء الواجب بالوجوب النفسيّ والغيري باعتبارين ، فباعتبار كونه في ضمن الكل واجب نفسيٌّ ، وباعتبار كونه مما يتوسّل به إلى الكل واجب غيريّ.

اللهم (٢) إلّا ان يريد أنّ فيه ملاك الوجوبين وإن كان واجباً بوجوب واحد (٣) نفسي ، لسبقه (٤) ، فتأمل (٥) (*) ، هذا كله في المقدمة الداخلية (*).

______________________________________________________

(١) هذا التوهم ما نبّه عليه في تقريرات شيخنا الأعظم الأنصاري قدس‌سره ، تقريب وجه الفساد : ما تقدم من أنّ وجوب الأجزاء غيريّاً يستلزم اجتماع المثلين.

(٢) هذا توجيه للتوهم المزبور ، ومحصله : أنّه يمكن أن يُريد المتوهم من اتصاف كل جزء من الأجزاء بالوجوب المقدمي اتصافه بملاك الوجوب المقدمي ، لا نفس الوجوب ، لاستلزامه اجتماع المثلين ، كما تقدم.

(٣) فعليٍّ وهو الوجوب النفسيّ ، لانبساط الأمر المتعلق بالكل على الأجزاء.

(٤) أي : الوجوب النفسيّ ، ووجه سبقه على الوجوب المقدمي رتبة هو علّيته للوجوب الغيري المقدمي ، ومن المعلوم : تقدم العلة على المعلول رتبة وإن اتحدا زماناً.

(٥) محصل وجه التأمل على ما أفاده المصنف (قده) في الحاشية هو : عدم صحة التوجيه المزبور ، وذلك لمنع وجود ملاك الوجوب المقدمي في الأجزاء أيضا ، ضرورة

__________________

(*) وجهه : أنّه لا يكون فيه أيضا ملاك الوجوب الغيري ، حيث إنّه لا وجود له غير وجوده في ضمن الكل يتوقف على وجوده ، وبدونه لا وجه لكونه مقدمة كي يجب بوجوبه أصلاً كما لا يخفى.

وبالجملة : لا يكاد يجدي تعدّد الاعتبار الموجب للمغايرة بين الأجزاء والكل في هذا الباب ، وحصول ملاك الوجوب الغيري المترشّح من وجوب ذي المقدمة عليها لو قيل بوجوبها ، فافهم.

(*) لا يخفى أنّه لمّا كان محل الكلام في المقدمات الداخلية هي المركبات ،

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

توقف المقدمية على تعدد الوجود ، والمفروض أنّ الأجزاء عين الكل وجوداً ، وليست غيره حتى تتصف بالمقدمية.

فالمتحصل من جميع ما ذكرناه : أنّ الالتزام بالمقدمة الداخلية مما لا وجه له.

__________________

لأنّها هي التي تشتمل على الأجزاء ، دون البسائط المتعلقة للأحكام كالوضوء والغسل ـ بناءً على كون المتعلق فيهما ما يترتب عليهما من الطهارة ، وكون الغسلتين والمسحتين ، وكذا غسل جميع البدن محصِّلات للطهارة المأمور بها ، ومن الواضح كون المحصِّل مقدمة خارجية للواجب لا جزءاً له ـ فلا بأس بالإشارة إلى أقسام المركبات حتى يتضح مورد البحث ، فنقول :

إنّ الظاهر خروج المركبات العقلية عن حريم النزاع ، إذ يعتبر في الإيجاب الغيري المقدمي صلاحيته لامتثال مستقل ، وهذا مفقود في المركبات العقلية ، إذ لا وجود لأجزائها بوصف جزئيّتها إلّا في موطن العقل ووعاءِ التحليل ، ومن المعلوم : أنّ إيجابها الغيري لا يستتبع امتثالاً مستقلاً ، إذ ليس في الخارج إلّا وجود واحد.

وأمّا المركبات الخارجية ، فإن كانت حقيقية كتركّب الأجسام من العناصر الموجب لانخلاع صورها الشخصية ، وانقلاب شيئيّتها بشيئيّة أُخرى ، وحصول صورة مغايرة للمجموع بحيث لا يبقى للأجزاء وجود في الخارج حتى يصح تعلّق الإيجاب الغيري بها المستتبع لامتثال مستقل في قبال وجوبها النفسيّ ، فهي أيضا خارجة عن حريم النزاع.

وإن كانت اعتبارية بأن كان لكل جزءٍ منها وجود مستقل غير وجود الآخر سواء أكانت وحدتها الاعتبارية ناشئة من هيئة خاصة كالسرير ، والمنبر ، ونحوهما من الهيئات العارضة للأخشاب المحفوظة وجوداتها الشخصية الثابتة لها قبل عروض الهيئة لها ، أم ناشئة من أثر واحد يترتب على المتكثرات كتحريك أيد متعددة لحجر.

١١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ونظير ذلك في الشرعيات : الصلاة المركبة من أشياء متكثرة محفوظة بموادها وصورها ووجوداتها المستقلة ، غايتها أنّها لوحدة عارضها من أمر ، أو مصلحة صارت واحدة اعتباراً ، لا حقيقة ، إذ المفروض بقاؤها على ما كانت عليه من الكثرة والتعدد ، فهذا النحو من التركيب ـ بما أنّ الوحدة فيه اعتباريّة صرفة ـ قابل لتوهم جريان نزاع وجوب مقدمة الواجب فيه ، إذ المفروض استقلال كل جزءٍ من أجزاء المركب الاعتباري في الوجود الموجب لقابليته لامتثال الأمر المتعلق به مستقلاً.

وقبل الخوض فيه لا بد من التنبيه على أمرٍ قد أشرنا إليه سابقاً : وملخصه : أنّ المقدمة الداخلية كالخارجية على قسمين :

أحدهما : الداخلية بالمعنى الأخص ، وهي أن يكون الشيء ذاتاً وتقيّداً داخلاً في المركب الّذي هو متعلق الأمر النفسيّ كالركوع ، والسجود وغيرهما من أجزاءِ الصلاة.

ثانيهما : الداخلية بالمعنى الأعم ، وهي أن يكون التقيّد بالشيء دخيلاً في المركب سواء أكان ذاته داخلاً فيه أيضا أم لا ، والأوّل أخص مطلقاً من الثاني.

وأما الخارجية بالمعنى الأخص ، فهي ما لا يكون التقيّد بها داخلاً في المركب ، فضلاً عن دخول ذاتها فيه ، بل يكون توقّف المركب عليها عقلياً ، لتوقّف وجوده على وجودها توقف المعلول على علته ، نظير توقف الكون في الكعبة المعظمة وغيرها من المشاعر العظام على قطع المسافة.

وأما الخارجية بالمعنى الأعم ، فهي ما لا تكون ذاتاً داخلة في المركب وإن كانت داخلة فيه تقيّداً كشرائط المأمور به وموانعه مثل الوضوء ، وطهارة البدن ، واللباس ونحوها ، ولبس ما لا يُؤكل ، والحدث ، والاستدبار ونحوها ، فإنّ التقيّد بالشرائط الوجودية والعدمية دخيل في المأمور به مع خروج ذواتها عنه.

إذا عرفت هذا الأمر ، فاعلم :

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

أنّ المراد بالمقدمة الداخلية في مورد البحث هي الداخلية بالمعنى الأخص أعني أجزاء المركب الاعتباري التي تكون داخلة في المأمور به قيداً وتقيّداً ، وقد حكى في البدائع عن بعض كالمحقق سلطان العلماء في بعض حواشيه على المعالم التصريح بخروج الأجزاء عن حريم نزاع وجوب المقدمة بقوله : «وجوب الكل يستلزم وجوب كل أجزائه ، إذ جزء الواجب واجب اتفاقاً» ، فان كان نظره إلى لزوم اجتماع المثلين المستحيل ، حيث إنّ الأجزاء واجبة بالوجوبين النفسيّ والغيري على ما تقدم تفصيله عند شرح قول المصنف : «فلا تكاد تكون واجبة بوجوب آخر ، لامتناع اجتماع المثلين» ، ففيه : أنّه يمكن دفعه بأنّ اجتماعهما لا يؤدّي إلى اجتماع المثلين ، بل إلى الاندكاك والتأكّد ، فهو نظير صلاتي الظهر والمغرب ، فإنّهما واجبتان نفسياً كما هو واضح ، وغيرياً ، لكونهما شرطين لصحة ما يترتب عليهما من صلاتي العصر والعشاء.

والإشكال على التأكُّد كما في مقالات شيخنا المحقق العراقي (قده) بما هذا لفظه : «وتوهم التأكّد في مثل المقام غلط ، إذ الوجوب الغيري معلول الوجوب النفسيّ ، ومتأخّر عنه بمقدار تخلّل الفاء الحاصل بين العلة والمعلول ، وهذا الفاء مانع عن اتحاد وجودهما ، ولو بالتأكّد» لا يخلو من الغموض ، لأنّ مناط التأكّد هو اجتماع الحكمين زماناً على مورد واحد سواء اتحدا رتبة ، أم اختلفا فيها ، فإذا نذر الإتيان بصلاة الظهر مثلاً جماعة ، فلا ينبغي الإشكال في تأكّد وجوبها الأصلي بوجوبها النذري مع اختلاف رتبتهما ، كما لا يخفى.

وإن كان نظر من يمنع عن وجوب الأجزاء مقدمياً إلى : أنّ وجوبها النفسيّ متفق عليه ، وذلك يُغني عن اتصافها بالوجوب الغيري ، إذ لا ثمرة له بعد وجوبها النفسيّ ففيه أوّلاً : أنّ وجوب الأجزاء نفسياً غير مسلّم عند الكل ، كما يظهر من تقريرات

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

بحث شيخنا الأعظم الأنصاري (قده) ، حيث قال المقرر : «وربما يتوهم : أنّ وجوب الكل مركب من وجوبات متعلقة بأجزائه ، وهو فاسد جداً ، ضرورة أنّ الوجوب المتعلق بالكل أمر بسيط وهي الحالة الطلبية والإرادة الفعلية ، ولا يعقل التركيب فيها ، نعم المراد مركّب تعلّق به الطلب من حيث إنّه مركب وأمر وحداني» وان كان فيه منع كما سيأتي في مبحث الأقل والأكثر الارتباطيين إن شاء الله تعالى.

وثانياً : انّ الثمرة المترتبة على وجوب المقدمة تترتب على وجوب الأجزاء أيضا كما سيجيء في بيان ثمرة وجوب المقدمة.

وإن كان نظره إلى : امتناع تركّب الواجب ، وكون متعلق الأمر كُلًّا ليكون له أجزاء حتى يبحث عن وجوبها الغيري المترشح عليها من الأمر بالكل،فهو ممّا لا بأس به في الجملة ، وتوضيحه منوط بتقديم مقدمات :

الأولى : أنّ من المسلّمات اتحاد الكل في الوجود الخارجي مع وجود أجزائه ، حتى قيل : إنّ الكل عين الأجزاء بالأسر ، ولا يُنافي هذه الوحدة تقدُّم الأجزاء على الكل بالماهية والتجوهر ، كما لا يخفى.

الثانية : أنّ الكلية والجزئية اعتباران متضايفان ناشئان من منشأ واحد وهو الوحدة العارضة للمتكثرات ، ضرورة أنّ اتصاف مجموعها بكونها كلًّا ، وكل واحد منها بكونه جزءاً منوط بوحدة المتكثرات الحقيقية اعتباراً ، فما لم يطرأ عليها الوحدة الاعتبارية لا يحدث لها عنوان الكل والجزء ، فالصلاة مثلاً التي هي أشياء متكثرة لا تتصف بكونها كلًّا ، ولا ركوعها وسجودها وغيرهما مما اعتبر فيها بكونها جزءاً إلّا بعد عروض الوحدة لها بسبب وحدة الأمر المتعلق بها ، فإنّه قبل تعلقه بها لا كلّ ولا جزء ، فالكلّية والجزئية ناشئتان من وحدة المتكثرات ، ومن المعلوم : نشوء هذه الوحدة الاعتبارية من وحدة الأمر ، فلا وحدة لتلك المتكثرات ، ولا كلية ولا جزئية

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

لها قبل الأمر ، بل هي مترتبة على الأمر ، فهي ملحوظة بشرط شيءٍ.

فلم يظهر وجه لما في التقريرات المنسوبة إلى شيخنا الأعظم (قده) من كون الجزء ملحوظا بشرط لا ، فراجع وتأمل.

الثالثة : انّ كل ما يترتب على الأمر وينشأ منه يمتنع أن يكون دخيلاً في متعلقه ، لوجود مناط استحالة الدور وهو اجتماع النقيضين فيه كما هو واضح.

الرابعة : انّ تعلق الأمر بالمتكثّرات الخارجية يتصور على وجوه ثلاثة :

أحدها : تعلقه بذواتها ، لاشتمالها على المصلحة الداعية إلى الأمر بها مع الغض عن الهيئة العارضة لها ، كما إذا أمر بإكرام أشخاص من دون لحاظ الهيئة الاجتماعية لهم.

ثانيها : تعلقه بالهيئة العارضة لتلك المتكثرات من دون دخل للذوات فيها ، كما إذا أمر بإيجاد سرير ، أو باب ، أو منبر ، أو دائرة ، أو مثلث ، أو غيرها مثلاً من الأشكال الهندسية من دون نظر إلى المواد من الخشب والحديد وغيرهما ، لكن عدّ هذا من تعلق الأمر بالمتكثرات لا يخلو من مسامحة ، كما هو واضح.

ثالثها : تعلّقه بكل من الذوات والهيئة ، لقيام المصلحة الموجبة للإرادة والطلب بكلتيهما ، كما قد يقال بكون الصلاة من هذا القبيل ، استناداً إلى إطلاق القواطع على بعض موانعها ، كالحدث والاستدبار ، بدعوى : ظهور القاطع في وجود هيئة اتصالية للصلاة تنقطع ببعض الموانع ، فليتأمل.

إذا عرفت هذه المقدمات ، فاعلم :

أنّه لا موضوع للبحث عن وجوب المقدمة الداخلية وعدمه ، وذلك لما عرفت من أنّ المراد بها أجزاء المركب الّذي تعلّق به الأمر بحيث يكون التركّب والكليّة في الرتبة السابقة على الأمر ، ومعروضين له ، حتى يصح أن يقال : إنّ الأمر النفسيّ المتعلق

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

بالكل هل يستلزم وجوب أجزائه مقدمياً أم لا؟ وقد عرفت في بعض المقدمات تأخُّر الكلية عن الأمر ، ونشأها عنه ، وامتناع دخل ما لا يتأتى إلّا من قبل الأمر في متعلقه.

نعم هذا النزاع يتمشّى في المركبات الحقيقيّة ، لأنّ التركّب والكلّية والجزئية فيها معروضة للأمر ، لا متأخرة عنه ، ولا يتأتى في المركبات الاعتبارية الّتي يتوقف اعتبار التركب والوحدة فيها على الأمر المتعلق بها ، والمفروض أنّ الأمر بالمتكثرات إن تعلق بالهيئة فقط ، فالمواد خارجة عن متعلق الأمر ، وليست أجزاء له حتى يجري فيها نزاع وجوب المقدمة الداخلية ، بل تندرج في المقدمة الخارجية الآتية.

وإن تعلق بالمواد فقط ، أو مع الهيئة ، فلا مركب ، ولا كلّ قبل الأمر حتى يجري فيه نزاع وجوب أجزاء الواجب مقدمياً ، فالبحث عن وجوب أجزاء الواجب المركب الاعتباري الشرعي مقدمياً ساقط ، لعدم موضوع له ، فيكون من السالبة بانتفاء الموضوع ، هذا.

اللهم إلّا أن يقال : إنّ الأمر لمّا كان ناشئاً عن المصلحة القائمة بالمتكثرات ، فيعرضها لا محالة ـ لأجل تلك المصلحة ـ وحدة اعتبارية ، فتتصف هي قبل تعلق الأمر بها بالكلية والجزئية ، فمعروض الأمر هو المركب الاعتباري الناشئ تركّبه ووحدته عن الملاك.

ويمكن الاستشهاد لذلك باعتبار قصد الجزئية في أجزاء الصلاة ونحوها من المركبات المتعلقة للوجوب ، فيصح حينئذٍ البحث عن وجوب أجزائه غيريّاً.

وليس الغرض جعل الملاك معروض الأمر حتى يرد عليه : أنّ الملاك من الجهات التعليلية ، لا التقييدية ، فمتعلق الأمر ذوات المتكثرات ، فلا كلية ولا جزئية قبل الأمر ، بل الغرض أنّ وحدة المصلحة القائمة بالمتكثرات توجد وحدة اعتبارية لها ، وإنكاره مخالف للوجدان ، فإنّ الفتح المترتب على العسكر المؤلّف من ألف شخص أو أزيد يوجب وحدة اعتبارية لهم بلا إشكال ، كما أنّ تعدد المصلحة القائمة بالمتكثرات مانع عن اعتبار

١١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وحدتها.

وبالجملة : فلا يندرج بحث وجوب الأجزاء مقدمياً في القضايا السالبة بانتفاء الموضوع ، فلا بد أن يكون إخراج أجزاء الواجب عن حريم نزاع وجوب المقدمة لجهة أُخرى ، وهي كون الأجزاء عين الكل في الوجود الخارجي وإن كانت غيره اعتباراً ، حيث إنّ الملحوظ لا بشرط الانضمام جزء ، وبشرطه كل ، إلّا أنّ اللحاظ لا يوجب انثلام اتحادهما في الوجود الخارجي ، والمفروض أنّ المقدميّة وهي توقف شيءٍ على آخر تقتضي مغايرة الموقوف والموقوف عليه في الوجود الخارجي ، والتغاير اللّحاظي لا يقتضي تعدّد الأجزاء والكل كذلك ، فضابط المقدميّة لا ينطبق على الأجزاء ، لأنّ وجود الكل عين وجود الأجزاء ، فالأمر المتعلّق بالمركب يتعلق بالأجزاء حقيقة ، وينبسط عليها ، فتكون الأجزاء واجبات نفسيّة ضمنيّة ، ولو لا هذا الانبساط لم يكن مجال لجريان البراءة في الأقل والأكثر الارتباطيين ، إذ لا بد في جريانها من كون مجراها شكّا في التكليف ، كما يأتي في محله إن شاء الله تعالى.

فتلخص من جميع ما ذكرنا : أنّ ما عُزي إلى السلطان وغيره من خروج أجزاء المأمور به عن حريم نزاع وجوب المقدمة هو الحقّ ، لكن لا من جهة كونه من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، بل من جهة كون الأجزاء عين الكل في الوجود الخارجي وإن كانت مغايرة لها اعتباراً ، وذلك لما عرفت من انتفاء معنى المقدمية ـ وهو توقف وجود شيءٍ على وجود آخر ـ في الأجزاء. فما في القوانين من قوله : «الظاهر أن الكلام في دلالة الواجب على وجوب جزئه كالكلام في ساير مقدماته» إلى أن قال : «وربما نفي الخلاف عن الوجوب في الجزء ، لدلالة الواجب عليه تضمنا ، وهو ممنوع» وكذا ما في الفصول من قوله : «إذا تركب الواجب في الخارج من أجزاء كالصلاة ، فكل جزء من أجزائه واجب بالوجوب النفسيّ والغيري باعتبارين» ، وكذا ما في

١١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

حاشية المحقق التقى (قده) على المعالم في أوّل تنبيهات مقدمة الواجب من قوله : «أحدها أنّه يجري الكلام المذكور في وجوب المقدمة وعدمه بالنسبة إلى أجزاء الواجب أيضا ، نظراً إلى توقف وجود الكل على وجودها ، فلا بد من الإتيان بها لأجل أداءِ الكل» إلى أن قال : «وقد حكم غير واحد من المتأخرين بعدم الفرق بين أجزاء الواجب والأمور الخارجة عنه في جريان البحث المذكور» مما لا يمكن المساعدة عليه ، والله العالم.

تنبيه : لا يخفى أنّ الوجوب النفسيّ يتصور ثبوتاً على وجهين :

أحدهما : أن يكون لقيام مصلحة واحدة بجميع أجزاء المركب بحيث لا تترتب تلك المصلحة إلّا على وجود جميعها ، كتحريك عدّة كالعشرة حجرة ثقيلة بحيث لا تتحرك إلّا بتحريكهم ، فحركة الحجر التي هي أمر واحد موقوفة على ذلك ، وكمعراجية الصلاة مثلا المنوطة بإتيان جميع أجزائها.

ثانيهما : أن يكون لكل واحد من الأجزاء مصلحة مستقلة ، غاية الأمر :

أنّ شرط استيفائها هو الإتيان بغيره من الأجزاء ، كما إذا فرض أنّ مصلحة الركوع مثلا غرس شجرة كذائيّة في الجنة ، ومصلحة السجود بناء بيت كذائيٍّ فيها ، وهكذا سائر الأجزاء ، لكن ترتّب هذه المصالح خارجاً على معروضاتها منوط بإتيان جميع الأجزاء ، وهذا الشرط أوجب اتصاف كل واحد من المتكثرات التي تقوم بها تلك المصالح بالجزئية ، ومجموعها بالكلية.

وأما إدراج ما إذا كانت المصالح مستقلة وغير مشروطة بعضها بالأُخرى بحيث يكون لكل واحد من الوجوبات المعلولة لها المتعلقة بالمتكثرات المعروضة لتلك المصالح امتثال على حدة وعصيان كذلك ، كوجوب إكرام العلماء المنحلّ إلى وجوبات عديدة بنحو العام الاستغراقي في الوجوه المتصورة في الوجوب النفسيّ للأجزاء كما في بعض

١١٩

وأما المقدمة الخارجية ، فهي ما كان خارجاً عن المأمور به (١) وكان له دخل في تحقّقه لا يكاد يتحقق بدونه (*) ، وقد ذُكر له (٢) أقسام (٣) ، وأُطيل الكلام

______________________________________________________

المقدمة الخارجية وأقسامها

(١) المراد بخروج المقدمة خروجها عن ماهية المأمور به في مقابل المقدمة الداخلية التي هي داخلة في ماهيته.

(٢) أي : للمقدمة الخارجية ، وتذكير الضمير باعتبار الموصول في قوله : ـ فهي ما كان ـ.

(٣) من العلة ، والمقتضي ، والسبب ، والشرط ، وعدم المانع.

__________________

الحواشي ، فلا يمكن المساعدة عليه ، لامتناع اعتبار الكلية والجزئية في تلك المتكثرات بعد عدم اشتراكها في الطلب والملاك وإن جمعها إنشاء واحد ، إلّا أنّه ليس مناطاً لوحدة الحكم ، بل مناطها وحدة الغرض حقيقة أو حكماً وإن تعدد الإنشاء ، كما أنّ تعدده حقيقة مناط تعدد الحكم وإن اتحد الإنشاء ، كما في القضايا الحقيقية ، وقد تقدم في بحث التعبدي والتوصلي ما ينفع المقام ، فراجع.

وكيف كان فمسألة الارتباطية تصح على كل من الوجهين الأوّلين ، ولا تتوقف على الوجه الأوّل فقط ، كما قد يتوهم ، ضرورة أنّ الارتباطية وهي تلازم الأوامر المتعلقة بالمتكثرات ثبوتاً وسقوطاً تترتب على كلا الوجهين بلا إشكال كما هو ظاهر ، وكذا نزاع البراءة والاحتياط في الأقل والأكثر الارتباطيين ، فإنّه يجري على كلا الوجهين المزبورين.

(*) هذا معنى المقدمية ، وهو يشمل جميع المقدمات الخارجية أعني ما لا يكون من أجزاء الواجب وإن كان داخلاً فيه تقيّداً كالشرائط والموانع ، وهذا هو المراد بالخارجية بالمعنى الأعم الصادق على ما كان داخلاً في الواجب تقيّداً ، وعلى ما لا دخل له فيه أصلاً ، فحقُّ التقسيم أن يكون هكذا :

المقدمة إمّا داخلية وهي ما يكون داخلاً في الواجب قيداً وتقيّداً ، وإمّا خارجيّة

١٢٠