الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-003-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٦٥٨
المقصد الثاني : في الخلع والمباراة
وفيه فصول :
[الفصل] الأوّل : في حقيقته
وفيه سبعة مباحث :
٥٤٣٠. الأوّل : الخلع (١) بذل المرأة لزوجها مالا فدية لنفسها لكراهية ، واختلف علماؤنا في وقوع الخلع بمجرّده من غير تلفّظ بالطّلاق ، فالّذي أفتى به الشيخ عدم الوقوع ، (٢) وذكر أنّه مذهب المتقدّمين منّا كعليّ بن بابويه وعليّ بن رباط وغيرهم ، قال : وباقي المتقدّمين لا أعرف لهم فتيا في ذلك أكثر من الروايات الّتي [نقلوها و] لا تدلّ على عملهم بها (٣) وأوجب الشيخ (٤) اتباعه
__________________
(١) قال في المسالك : ٩ / ٣٦٥ : الخلع ـ بضم الخاء ـ مأخوذ من الخلع ـ بفتحها ـ وهو النّزع ، لأنّ كلا من الزوجين لباس الآخر قال تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ) (البقرة : ١٨٧) وكأنّه بمفارقة الآخر نزع لباسه.
(٢) المبسوط : ٤ / ٣٤٤.
(٣) لاحظ التهذيب : ٨ / ٩٧ في ذيل الحديث ٣٢٨ ، والاستبصار : ٣ / ٣١٧ في ذيل الحديث ـ ١١٢٨.
(٤) الخلاف : ٤ / ٤٢٢ ، المسألة ٣ من كتاب الخلع ؛ المبسوط : ٤ / ٣٤٤.
بالطلاق بأن يقول : خلعتك على كذا ، فأنت طالق ، أو يقول : فلانة مختلعة على كذا فهي طالق.
ونصّ السيّد المرتضى (١) وابن الجنيد على وقوعه بمجرّده ، وهو الظاهر من كلام ابن أبي عقيل وسلّار (٢) ، وعليه روايات صحيحة. (٣) وعليها أعمل.
٥٤٣١. الثاني : وإذا قلنا بوقوع الخلع مجرّدا ، كان طلاقا لا فسخا ، على ما تشهد به الروايات الصحيحة ، (٤) فيحسب من عدد الطلاق.
ولا يقع إلّا بالصريح ، مثل أن يقول : خالعتك على كذا أو أنت مختلعة على كذا ، قال ابن حمزة : أو تقول المرأة : اختلعت نفسي منك على كذا ، فيجيب إليه (٥).
ولا يقع بالكناية مثل فاسختك ، أو أبنتك ، أو بتّتك ، أو فاديتك ، ولا بالتقايل ، ويقع بلفظ الطلاق ، مثل طلّقتك على كذا مع سؤالها ، وتقع التطليقة حينئذ بائنة ما لم ترجع في الفدية.
٥٤٣٢. الثالث : لو قال : خلعتك ، ولم يذكر فدية ، لم يقتضها (٦) ولا يقع طلاقا ولا خلعا وإن نوى المال.
__________________
(١) الناصريات : ٣١٥ ، المسألة ١٦٥.
(٢) المراسم : ١٦٢.
(٣) الوسائل : ١٥ / ٤٩١ ، الباب ٣ من كتاب الخلع والمباراة ، الحديث ٢ و ٣ و ٤ و ٩ و ١٠.
(٤) لاحظ الوسائل : ١٥ / ٤٩٠ ، الباب ٣ من كتاب الخلع والمباراة.
(٥) الوسيلة : ٣٣١.
(٦) الضمير يرجع إلى البينونة المعلومة من القرائن.
ولو طلبت منه طلاقا بعوض ، فخلعها مجرّدا عن لفظ الطلاق لم يقع.
ولو طلبت خلعا بعوض ، فطلّق به ، قال الشيخ : ينبغي لمن أجاز ذلك من أصحابنا أنّه لا يقع ، لأنّه أعطاها غير ما طلبت. (١) قال : ولو قالت : خالعني على ألف ، ونوت الطلاق ، فقال : طلّقتك ، صحّ الخلع عندنا وعندهم ، ولو قالت :
طلّقني على ألف ، فقال : خالعتك على ألف ، ونوى الطلاق ، لم يقع ، وعلى مذهب بعض أصحابنا القائلين بوقوع الفرقة بالخلع ، ينبغي الوقوع (٢).
٥٤٣٣. الرابع : لو قال مبتديا : أنت طالق بألف ، أو وعليك ألف ، صحّ الطلاق رجعيّا ، ولا تلزمها الفدية ، وإن تبرّعت بعد ذلك بضمانها ، ولو دفعتها كانت هبة ، لها حكم الهبة ، ولا تصير التطليقة بائنة.
٥٤٣٤. الخامس : لو قالت : طلّقني بألف ، كان الجواب على الفور ، فإن تأخّر كان رجعيّا.
٥٤٣٥. السادس : الخلع منه محظور ، وهو أن يكرهها ويعضلها (٣) بغير حقّ لتفتدي نفسها ، فيبطل الخلع ، وعليه ردّ ما أخذه عوضا ، ويقع الطلاق إن اتّبع
__________________
(١) قال الشيخ في المبسوط : ٤ / ٣٤٨ : فأمّا إن طلبت منه فسخا بعوض فطلقها بعوض ، فينبغي أن يقول من أجاز من أصحابنا ذلك أنّه لا يقع ، لأنّها طلبت غير ما أعطاها.
(٢) المبسوط : ٤ / ٣٤٨.
(٣) العضل هنا من الزوج لامرأته بمعنى أن يضارّها ولا يحسن معاشرتها ليضطرّها بذلك إلى الافتداء منه بمهرها. وأصل العضل : المنع والتضييق ، والزوج يمنعها حقها من النفقة وحسن العشرة والإنصاف في الفراش. لاحظ تهذيب اللغة للأزهري : ١ / ٤٧٤ ، والنهاية لابن الأثير : ٣ / ٢٥٣.
به رجعيّا ، ولو زنت قال الشيخ : حلّ له عضلها وإحواجها بالعضل إلى الافتداء للآية. (١)
ولو منعها حقّها فبذلت الفدية واختلعت نفسها ، قال الشيخ : الّذي يقتضيه المذهب أنّه ليس بإكراه. (٢)
ومنه مباح ، بأن يخافا ألّا يقيما حدود الله ، بأن تكره المرأة المقام معه ، فتخاف منعه عن حقّه الّذي أوجبه الله تعالى عليها له ، فيحلّ له الافتداء.
٥٤٣٦. السابع : إذا قالت المرأة لزوجها : إنّي لا أطيع لك أمرا ، ولا أبرّ لك قسما ، ولا أغتسل لك من جنابة ، ولأوطئنّ فراشك من تكرهه ، أو علم من حالها ذلك وإن لم تتلفّظ به ، حلّ الخلع ، وجاز له أن يقترح عليها مهما شاء من قليل أو كثير ، سواء كان أكثر ممّا أعطاها من المهر أو أقلّ ، وسواء كان من جنسه أو من غير جنسه ، وهل يجب خلعها مع هذا القول؟ الظاهر من كلام الشيخ ذلك (٣) ومنعه ابن إدريس ، وجوّز عدم الخلع. (٤)
أمّا لو كانت الأخلاق ملتئمة ، ولا كراهة لأحد منهما لصاحبه ، فبذلت له شيئا ليخلعها عليه ، كان الخلع باطلا عندنا ، ولو طلّقها حينئذ بعوض ، وقع رجعيّا ، ولم يملك العوض.
__________________
(١) المبسوط : ٤ / ٣٤٣.
(٢) المبسوط : ٤ / ٣٤١.
(٣) لاحظ النهاية : ٥٢٩.
(٤) قال ابن إدريس : الزوج مخيّر بين خلعها وطلاقها وإن سمع منها ما سمع بغير خلاف ، لأنّ الطلاق بيده ولا أحد يجبره على ذلك. السرائر : ٢ / ٧٢٥.
الفصل الثاني : في أركانه وشرائطه
وفيه ستّة مباحث :
٥٤٣٧. الأوّل : أركانه خمسة : الخالع ، والمختلعة ، والعوضان ، والصّيغة.
أمّا الخالع ، فيشترط استقلاله بالطلاق ، فلا يقع عن الصبيّ وإن كان مراهقا بإذن وليّه أو بغيره ، ولا من المجنون ، ولا من المكره ، ولا السكران ، ولا الغضبان غضبا يرفع القصد.
ويصحّ من السفيه ، لكن لا تبرأ المختلعة بتسليم العوض إليه بل إلى الوليّ.
ويصحّ من المفلّس والذمّيّ والحربيّ ، ولو خالع وليّ الطفل بطل ، لأنّه طلاق.
٥٤٣٨. الثاني : يشترط في المختلعة شروط الطلاق : كونها طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع إن كان مدخولا بها غير يائسة ، ولا صغيرة ، ولا حبلى ، وكان الزوج حاضرا معها ، وإلّا فلا.
ويصحّ خلع الحامل وإن كانت حائضا ، كما يصحّ طلاقها ، ولو وطئ اليائسة أو الصغيرة أو الحبلى ، جاز خلعها في ذلك الوقت ، ويشترط كونها أهلا لالتزام المال ، فلو التزمت الأمة تبعت به بعد العتق إن لم يكن بإذن المولى (١)
__________________
(١) في «ب» : إن لم يأذن المولى.
ولو أذن صحّ ، وهل يكون ضامنا؟ فيه إشكال ، وينصرف إطلاق إذنه إلى مهر المثل ، فإن عيّن وبذلت زيادة تبعت بها ، ولو بذلت عينا فأجاز المولى ، صحّ الخلع والبذل ، وإلّا صحّ الخلع خاصّة ، وكان عليها القيمة أو المثل بعد العتق.
ولو خالعت السفيهة فسد ، ولو أذن لها الوليّ فالوجه الصحّة مع المصلحة.
ولو بذلت المكاتبة المطلقة صحّ ، وليس للمولى الاعتراض ، والمشروط كالقنّ.
٥٤٣٩. الثالث : يشترط في المعوّض كونه مملوكا للزوج ملكا تامّا بالعقد الدائم ، فلا يصحّ خلع المطلّقة طلاقا بائنا ولا رجعيّا ، ولا المختلعة ، ولا المنكوحة بالمتعة ، أو ملك اليمين ، أو عقد الشبهة ، ولو ارتدّت فخالعها ثمّ رجعت إلى الإسلام ففي جوازه إشكال ، أمّا لو أصرّت فإنّا نبيّن البطلان قطعا.
٥٤٤٠. الرابع : يشترط في الفدية العلم بالمشاهدة أو الوصف الرافع لجهالة القدر والجنس والوصف ، والتموّل ، فلو كان مجهولا فسد الخلع ، وكذا لو خالعها على ألف ولم يذكر المراد ولا قصده ، أو على حمل الجارية أو الدابّة.
ولو أطلق النقد ، انصرف إلى غالب نقد البلد ، ويتعيّن غيره لو عيّنه.
ولا تقدير فيه بل يجوز الزائد على ما أعطاها والناقص عنه.
ولو خالعها على غير متموّل ، كالخمر والخنزير ، فسد الخلع ، فإن أتبع بالطلاق ، كان رجعيّا ولا فدية ، ولو خالعها على خلّ فبان خمرا ، صحّ وله خلّ بقدره.
٥٤٤١. الخامس : يشترط في الصيغة التصريح إمّا بلفظ الخلع أو الطلاق خاصّة ، على ما تقدّم ، وتجريدها من الشرط ، فلو خالعها بشرط ، أو طلقها
كذلك ، بطلا ، ما لم يكن الشرط من مقتضيات الخلع فيقع ، مثل أن يقول : إن رجعت رجعت ، أو تشترط هي الرجوع في الفدية.
ولو قال : خالعتك إن شئت لم يصحّ ولو شاءت ، وكذا لو قال : إن ضمنت لي ألفا ، أو إن أعطيتني ، أو ما شاكله ، أو متى ، أو مهما ، أو أيّ وقت ، أو أيّ حين ، كلّ ذلك باطل.
٥٤٤٢. السادس : يشترط في الخلع ما يشترط في الطلاق من حضور شاهدين عدلين ، والنيّة كالطلاق ، وأن يقع (١) بالصّريح وغيره ممّا تقدّم ، ومع صحّته يقع بائنا ما لم ترجع المرأة فيما بذلته فتثبت له الرجعة إن شاء.
ولا يقع بالمختلعة طلاق بحال ولا إيلاء ولا ظهار ، ويلحق بها ذلك إذا رجعت ورجع.
الفصل الثالث : في أحكامه ولواحقه
وفيه ثمانية عشر بحثا :
٥٤٤٣. الأوّل : إذا خالعها وكانت ذات عدّة فرجعت في البذل في عدّتها ، صحّ رجوعها ، وكان له أن يرجع ما لم يكن قد تزوّج بأختها أو رابعة ، فليس له الرجوع ، ولا يبطل ذلك رجوعها.
ولو رجعت في العدّة ، ولم يعلم الزوج حتّى خرجت العدّة ، فالأقرب
__________________
(١) في النسختين : «وقع».
صحّة رجوعها ، ولا رجعة له ، وقال ابن حمزة : إن أطلقا الخلع لم يكن للزوج الرجوع في البضع ولا لها الرّجوع في البذل إلّا برضاء الآخر ، وإن قيّد الرّجل بالرجوع في بضعها ، والمرأة بالرجوع فيما افتدت به ، جاز الرّجوع في العدّة. (١) وفيه نظر ، والأقرب جواز الرّجوع سواء شرطاه بأن قال : فإن رجعت كان لي الرّجوع أو أطلقا.
ولو رجعت ولم يعلم ، فرجع هو بعد رجوعها مع استمرار الجهل ، (٢) فالأقرب جواز الرجوعين ، أمّا لو رجع قبل رجوعها ثمّ رجعت ، فالوجه صحّة رجوعها خاصّة.
ولو قال : إن رجعت رجعت ، أبتني على صحة الرجوع مع الشرط.
٥٤٤٤. الثاني : يجوز الخلع بسلطان وغيره ، قال ابن الجنيد : لا يكون إلّا عند سلطان قيّم بأمر المسلمين ، وعليه دلّت رواية زرارة عن الباقر عليهالسلام. (٣)
٥٤٤٥. الثالث : إذا خالعها لم يكن له الرجوع إلّا أن ترجع في العدّة فيما بذلته ، ولو لم تكن ذا عدّة ، بأن خالع غير المدخول بها أو اليائسة أو الصغيرة ، لم يكن له الرجوع مطلقا ، سواء كان بلفظ الطلاق أو بغيره ، وسواء ردّ العوض أولا.
ولو خالعها على دينار ، وشرط له الرجعة وإن لم ترجع ، لم يصحّ الخلع ولا الشرط.
٥٤٤٦. الرابع : لو قالت : طلّقني واحدة بألف ، فقال : طلّقتك بألف ، صحّ
__________________
(١) الوسيلة : ٣٣٢.
(٢) في «أ» : الحمل» وهو مصحّف.
(٣) الوسائل : ١٥ / ٤٩٣ ، الباب ٣ من كتاب الخلع والمباراة ، الحديث ١٠.
الخلع ، ولزمها الألف ، لأنّ الخلع عقد معاوضة ينعقد بالاستدعاء والإيجاب ، وكذا لو قال : طلّقتك ، وسكت ، لأنّ الإيجاب مبنيّ على الاستدعاء.
ولو قالت : طلّقني ثلاثا بألف ، فقال : طلّقتك ثلاثا ، قال الشيخ : لا يقع واحدة ، لأنّها بذلت العوض في مقابلة الثلاث ، فإذا لم يصحّ [الثلاث] بطل من أصله. (١)
فلو قالت : إن طلّقتني واحدة فلك عليّ ألف ، فطلّقها ، فالوجه ثبوت الفدية.
٥٤٤٧. الخامس : لو اتّفقا على ذكر القدر واختلفا في الجنس ، قدّم قول المرأة مع اليمين ، ولو اتّفقا على القدر وعدم ذكر الجنس ، واختلفا في الإرادة ، فالأقرب أنّه كذلك ، خلافا للشيخ حيث أبطل الخلع ، (٢) وكذا لو ادّعى أحدهما الإطلاق والآخر تعيين النقد ، أو قال : خالعتك على ألف في يدك ، فقالت : بل على ألف في ذمّة زيد ، أو قال : على ألف ، فقالت : بل على مائة ، أو قال : طلّقتك بالعوض جوابا لسؤالك ، فقالت : بل بعد انقضاء مدّة ، (٣) فإذا خلعت بانت ، ولا عوض.
ولو قالت : طلّقتني بألف ضمنتها لك فلا رجعة عليّ ، فأنكر ، قدّم قوله مع اليمين ، ولا يقبل منها لو أقامت شاهدا وامرأتين ، أو شاهدا وبذلت يمينا.
ولو أقامت شاهدين اختلفا ، فقال أحدهما : خالعت بألف ، وقال الآخر بألفين ، لم يثبت الخلع ، لعدم اتّفاق الشاهدين.
__________________
(١) المبسوط : ٤ / ٣٤٧.
(٢) المبسوط : ٤ / ٣٤٩.
(٣) في «ب» : مدّته.
ولو اختلفا في أصل العوض ، فالقول قولها مع اليمين ، وتحصل البينونة ، ويقبل لو أقام شاهدا ويمينا.
٥٤٤٨. السادس : يصحّ بذل الفداء منها ومن وكيلها وممّن يضمنه بإذنها ، وفي ضمان المتبرّع إشكال.
ولو قال له أبوها : طلّقها وأنت بريء من صداقها ، فطلّقها ، طلّقت رجعيّا ، ولا يبرأ ، ولا ضمان على الأب ، سواء قال : هي طالق ، وأطلق ، أو قال : وأنا بريء من صداقها ، أمّا لو قال له : طلّقها على ألف من مالها ، وعليّ ضمان الدرك ، فطلّقها ، وقع الطلاق بائنا ، ولا فدية في مالها ، وعلى الضامن الدّرك للألف ، لا لمهر المثل ، وإن لم يرض بدفع الألف ، وكذا لو قال : طلّقها على عبدها هذا ، وعليّ ضمانه ، فطلّقها ، لم يأخذ العبد ، وضمن القيمة.
ولو قال : خالعتك على ألف في ذمّتك ، فقالت : بل في ذمّة زيد ، قدّم قولها مع اليمين ، ولا عوض عليها ولا على زيد ، وبانت منه ، وكذا لو قالت : بل خالعك فلان والعوض عليه (١).
أمّا لو قالت : خالعتك على ألف ضمنها فلان عنّي ، أو دفعها ، أو أبرأتني منها ، أو يزنها (٢) عنّي زيد ، فعليها الألف مع عدم البيّنة.
٥٤٤٩. السابع : إذا قالت : طلّقني على ألف ، اقتضى الحلول والجودة والأداء من مالها ، فإن قالت : مؤجّلة أو رديّة ، أو يضمنها عنّي فلان ، صحّ له ما شرطه بشرط تعيين الأجل وجنس الرداءة.
__________________
(١) المراد من «فلان» زوجته الأخرى وتذكير الضمير في «عليه» لرجوعه إلى لفظ «فلان» لاحظ المبسوط : ٤ / ٣٤٩.
(٢) في «ب» : «يرثها» وهو مصحّف.
ولو قالت : طلّقني ثلاثا بألف ، قال الشيخ : لا يصحّ لو طلّقها ، لأنّه مشروط. (١) وفيه نظر ، إذ البذل في مقابلة الطلاق لا يعدّ شرطا ، فإن قصدت الثلاث ولاء ، لم يصحّ البذل ، وكذا لو بذلت في مقابلة طلاق فاسد ، وقيل : يصحّ له الثلاث إذا طلّقها ثلاثا ولاء ، ولو قصدت ثلاثا برجعتين صحّ ، فإن طلّقها ثلاثا كذلك فله الألف ، فإن طلّقها واحدة قيل : له ثلث الألف.
ولو كانت على طلقة معه فقالت : طلّقني ثلاثا بألف فطلّقها واحدة ، قال الشيخ : إن كانت عالمة أنّها معه على طلقة ، كان عليها الألف ، وإن لم تعلم استحقّ ثلثها (٢) فإن ادّعى علمها وأنكرته ، فالوجه تقديم قوله مع اليمين ، وكذا لو قالت :
بذلت الألف في مقابلة طلقة في هذا النكاح وطلقتين في نكاح جديد ، وادّعى البذل في مقابلة الباقي.
٥٤٥٠. الثامن : لو قالت : طلّقني واحدة بألف ، وطلّقها ثلاثا ، استحقّ الألف ، سواء أرسلها أو برجعتين على إشكال ضعيف ، وكذا لو قالت : طلّقني واحدة ولك ألف أو عليّ ألف.
ولو قالت : طلّقني عشرة طلقات بألف ، فطلّقها واحدة استحقّ العشر إن قسّطنا العوض على الأجزاء ، وإن طلّقها اثنتين استحقّ الخمس ، وإن طلّقها ثلاثا استحقّ الألف على إشكال.
ولو قالت : طلّقني واحدة بألف ، فقال : أنت طالق أنت طالق أنت طالق ، استحقّ الألف ، فإن قال : الألف في مقابلة الثانية ، بطلت الفدية والثانية ، وصحّت الأولى رجعيّة ، وإن قال : في مقابلة الجميع ، قال الشيخ : صحت الأولى وله
__________________
(١) المبسوط : ٤ / ٣٤٧.
(٢) المبسوط : ٤ / ٣٥٢.
الثلث (١) ولو كانت على طلقة فقالت : طلّقني ثلاثا بألف واحدة تكمله الثلاث واثنتان في نكاح بعد المحلّل ، فطلّقها بانت منه ، وكان له ثلث الألف ، وبطل في الاثنتين.
ولو قالت : خذ هذه الألف وطلّقني بعد شهر ، لم يصحّ ، لأنّه سلف في طلاق.
٥٤٥١. التاسع : لو جعلت الفدية رضاع ولده ، جاز بشرط تعيين المدّة دون قدر اللبن ، وكذا يصحّ على نفقة الولد بشرط تعيين المدّة والقدر من المأكول والملبوس جنسا ووصفا وعلمهما (٢) معا ، فإذا انقضت مدّة الرضاع ، كان للأب أخذ القدر من الطعام والادم ، فإن فضل كان للأب ، وإن نقص فعليه الإتمام.
وإن مات الصبيّ بعد انقضاء مدّة الرضاع ، أخذ الأب المقدّر من الطعام والادم أدوارا يوما بيوم لا دفعة.
وإن مات قبل الانقضاء ، رجع بأجرة مثل الباقي وما قدّره من النفقة ، وليس له المطالبة بإرضاع غيره باقي المدّة.
٥٤٥٢. العاشر : إذا خالعها بعين فتلفت قبل القبض ، لزمها المثل أو القيمة ، إن لم يكن مثلها ، ولو عابت فله الأرش إن أمسكها ، أو الردّ والمطالبة بالمثل أو القيمة.
ولو كان على موصوف فدفعته على الوصف ، وجب عليه قبوله ، فإن كان صحيحا استقرّ ملكه ، وإن كان معيبا ، تخيّر بين الإمساك بالأرش والردّ مع مطالبة العوض على ما وصف.
__________________
(١) المبسوط : ٤ / ٣٥٣.
(٢) في «ب» : وعليهما.
ولو خالع على حبشيّ فبان زنجيّا ، أو على ثوب نقيّ فبان أسمر ، تخيّر بين الإمساك بالأرش والردّ مع المطالبة بالمثل أو القيمة.
ولو خالعها على أنّه إبريسم فبان كتّانا ، صحّ الخلع ، وله قيمة الابريسم ، وليس له إمساك الكتّان.
ولو خالعها على ما في البيت من المتاع ، ولا متاع فيه ، فسد الخلع إن لم يعيّن الفدية وإلّا وجب له المثل أو القيمة.
ولو خالعها على عين فبانت مستحقّة ، قيل : يبطل الخلع ، (١) ويحتمل الصحّة وثبوت المثل له أو القيمة إن لم يكن مثليا. (٢)
٥٤٥٣. الحادي عشر : قال الشيخ : ليس للأب أن يخالع على بنته الصغيرة ، أو السفيهة ، أو المجنونة بشيء من مالها ، لأنّه لا حظّ لها في إسقاط مالها. (٣) وعندي فيه نظر.
٥٤٥٤. الثاني عشر : لو دفعت ألفا ، وقالت : طلّقني بها متى شئت ، لم يصحّ البذل ، فإن طلّق كان رجعيّا ، والألف لها.
ولو خالع اثنتين فما زاد بفدية واحدة صحّ ، وكانت بينهما بالسويّة.
ولو قالتا : طلّقنا بألف ، وطلّق واحدة ، كان له نصف الألف على إشكال ، فإن عقب بطلاق الأخرى بطل العوض وكان رجعيّا ، لتأخّر الجواب عن
__________________
(١) القائل هو الشيخ في المبسوط : ٤ / ٣٤٤.
(٢) في «ب» : إن لم يكن مثلها.
(٣) المبسوط : ٤ / ٣٦٠.
الاستدعاء (١) المقتضي للتعجيل ، ولو قال : أنتما طالقتان ، طلّقتا بائنا ، وكان له العوض.
ولو قالتا : طلّقنا بألف ، وارتدّتا ، وطلّقهما على الفور عقيب الارتداد ، فإن لم يكن دخل ، بطل الفسخ بالارتداد ، وإن كان قد دخل ، فإن عادتا إلى الإسلام في العدّة ، وقع الطلاق من ذلك الوقت وعليهما العدّة من حين الوقوع ، ويستحقّ العوض ، وإن أقامتا على الكفر ، لم يقع الطلاق.
٥٤٥٥. الثالث عشر : إذا خالع الأجنبيّ المرأة من زوجها ، فإن كان بإذنها من مالها صحّ ، لأنّه وكيل ، وإن كان من ماله بغير إذنها ، فالّذي قوّاه الشيخ عدم الصحة ، (٢) وعندي فيه نظر.
٥٤٥٦. الرابع عشر : يصحّ الخلع من العبد ، وإن لم يأذن المولى ، والعوض لسيّده ، فإن دفعته إلى العبد بإذن السيّد أو بغير إذنه ، لكن أخذه السيّد منه ، برئت ذمّتها ، وإلّا لم تبرأ ، فإن استرجعت دفعته إلى السيّد ، وإن تلف أو أتلفه في يده غرمته للسيّد بالمثل أو القيمة ، وترجع على العبد بعد عتقه.
أمّا لو دفعت امرأة السفيه العوض إليه ، وتلف في يده ، أو أتلفه ، فإنّها تغرم للوليّ ، ولا ترجع عليه في الحال ولا بعد الفكّ ، (٣) ولو دفعت بإذن الوليّ ، فالوجه براءة ذمّتها به.
٥٤٥٧. الخامس عشر : يجوز التوكيل في الخلع من المرأة في استدعاء الطلاق
__________________
(١) في «أ» : من الاستدعاء.
(٢) المبسوط : ٤ / ٣٦٥.
(٣) أي بعد فكّ الحجر لكون المفروض أنّ الزوج سفيه.
وتقدير العوض وتسليمه ، ومن الرّجل في شرط العوض وقبضه وإيقاع الطلاق ، ويصحّ التوكيل من كلّ منهما مطلقا ، فيقتضي الإطلاق من المرأة خلعها من زوجها بمهر مثلها حالّا من نقد البلد.
ولو خالعها بدون مهر المثل ، أو مؤجّلا ، أو دون نقد البلد جاز ، وإن خلعها بأكثر من مهر المثل ، قال الشيخ : صحّ الخلع ، وسقط المسمّى ، وعليها مهر المثل (١).
وإن عيّنت قدرا فخالع الوكيل به أو بدونه لزمها ، وإن خالع بأكثر ، قال الشيخ : يقوى في نفسي فساد الخلع. (٢) فعلى قوله هل يبطل الطلاق أو يقع رجعيّا؟ الوجه الثاني ، ولا يلزمها فدية ، ولا يضمن الوكيل.
والزوج إذا أطلق اقتضى ما يقتضيه إطلاق المرأة ، فإن خالع وكيله بأكثر من مهر المثل صحّ ، وإن كان بدونه أو مؤجّلا أو بدون نقد البلد ، بطل الخلع ، ولو طلّق به لم يقع به أيضا.
ولو عيّن قدرا فخالع بأزيد ، صحّ وإن خالع بدونه بطل.
والتوكيل يصحّ من كلّ من يصحّ منه مباشرة الخلع ، والأقرب جواز تولّي الواحد الطرفين.
٥٤٥٨. السادس عشر : خلع المريض جائز لمهر المثل وبدونه ، لأنّ له الطلاق بغير عوض ، وحكم المرأة في الميراث ما تقدّم.
__________________
(١) المبسوط : ٤ / ٣٦٨.
(٢) المبسوط : ٤ / ٣٦٨.
ولو خالعت المريضة بمهر المثل فما دون ، صحّ من الأصل ، وإن زاد الثلث ، كانت الزيادة خاصّة من الثلث لا جميعه ، ولو خالعته بقدر ميراثه منها ، ففي الصحّة نظر.
٥٤٥٩. السابع عشر : خلع المشرك جائز ، سواء كان عن أهل الذمّة أو الحرب ، فإن كان البذل صحيحا أمضي ، سواء ترافعا إلينا قبل القبض أو بعده ، فإن كان فاسدا كالخمر ، وترافعها بعد القبض ، لم يعترض (١) للمقبوض ، وإن كان قبله لم يؤمر بالإقباض ، قال الشيخ : ويقوى في نفسي الحكم بالقيمة عند مستحلّيه. (٢) وإن أقبض البعض كان حكمه حكم المقبوض جميعه ، وغيره حكم غير المقبوض.
ولو ترافعا بعد الإسلام قبل التقابض ، حكم بالقيمة عند مستحلّيه ، فإن كان بعده لم ينقض. (٣)
٥٤٦٠. الثامن عشر : لو قالت : طلّقني بألف على أن تطلّق ضرّتي ، أو على أن لا تطلّقها ، ففعل ، قال الشيخ : يقوى في نفسي صحّة الطلاق والعوض. (٤)
ولو قالت : طلّقني بألف على أن تعطيني عبدك هذا ، قال [الشيخ] : فقد جمعت بين شراء وخلع ، وجمع الزّوج بين بيع وخلع ، فالأقوى صحّتهما ، وتقسّط الفدية على قيمة العبد ومهر المثل لو خرج معيبا. (٥)
__________________
(١) في «أ» : لم نعترض.
(٢) المبسوط : ٤ / ٣٧١.
(٣) في «ب» : لم ينقص.
(٤) المبسوط : ٤ / ٣٧٢.
(٥) المبسوط : ٤ / ٣٧٢ ، نقله المصنّف بتلخيص.
الفصل الرابع : في المباراة
وهي أن تكون الكراهة منهما معا ، فيقول بارأتك على كذا فأنت طالق ، ولو طلّق من غير ذكر المباراة ، وقع بائنا ، وسلّم العوض.
أمّا لو تجرّد لفظ المباراة من الطلاق ، فإنّه لا يقع إجماعا ، بخلاف الخلع فإنّ فيه خلافا تقدّم.
ولو قال عوض بارأتك : فاسختك ، أو أبنتك ، أو غيره من الكنايات ، وأتبعه بالطلاق صحّ ، إذ المقتضي للفرقة الطلاق خاصّة ، فإن تجرّد لم تصحّ.
ويشترط في المبارئ والمبارئة ما يشترط في المخالع والمخالعة ، ويقع الطلاق بائنا كالخلع ، إلّا أن ترجع المرأة في العدّة بالبذل ، فيرجع ما دامت في العدّة ما لم يتزوّج برابعة أو بأختها ، وبعد انقضاء العدّة لا رجوع لأحدهما.
ولا يجوز هنا أن يأخذ الزّوج أكثر ممّا أعطاها ، وهل يحلّ له المثل؟
المشهور ، نعم ويلوح من كلام ابن أبي عقيل (١) المنع.
ففارقت الخلع في المنع من أخذ الزائد ، وفي وجوب الإتباع بلفظ الطلاق ، وفي اشتراكهما في الكراهية. (٢)
__________________
(١) بل وغيره كالصدوق وأبيه والشيخ في النهاية وابن حمزة ، كما في المختلف : ٧ / ٣٩١ ؛ ولاحظ المسالك : ٩ / ٤٥٨ ، والمبسوط : ٤ / ٣٧٣.
(٢) تفترق المباراة عن الخلع بأمور ثلاثة مذكورة في العبارة.
المقصد الثالث : في الظهار
وفيه فصلان :
[الفصل] الأوّل : في أركانه
وفيه عشرة مباحث :
٥٤٦١. الأوّل : أركان الظهار (١) أربعة : المظاهر ، والمظاهر منها ، والصيغة ، والمشبّه بها.
فالمظاهر يشترط فيه ما يشترط في المطلّق من البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والقصد ، فلا يصحّ ظهار الصبيّ والمجنون والمكره وفاقد القصد بالسّكر والإغماء والغضب ، وهل يشترط الإسلام؟ قال الشيخ : نعم ، ولا يصحّ ظهار
__________________
(١) قال الشيخ في المبسوط : ٥ / ١٤٤ : الظهار هو أن يقول الرجل لزوجته : أنت عليّ كظهر أمّي ، وسمّي ظهارا اشتقاقا من الظهر ، وانّما خصّ ذلك بالظهر دون البطن والفخذ والفرج وغير ذلك من الأعضاء ، لأنّ كلّ بهيمة تركب فانّما يركب ظهرها ، فلمّا كانت المرأة تركب وتغشى سمّيت بذلك ، فاذا قال : أنت عليّ كظهر أمّي ، فمعناه : ركوبك عليّ محرّم كركوب أمّي ، فسمّي ظهارا اشتقاقا من هذا.
الكافر لأنّه لا يقرّ بالشرع ، والظهار حكم شرعيّ ، ولأنّه لا تصحّ منه الكفّارة لاشتراط نيّة القربة فيها (١) وابن إدريس جوّز ذلك عملا بالعموم (٢) والكافر متمكّن من الكفّارة بتقديم الإسلام (٣) وهو قويّ ، وكلام ابن الجنيد يشعر بمقالة الشيخ (٤).
ويصحّ ظهار العبد ، والمدبّر ، والمكاتب ، والمعسر ، والمحرم والخصيّ ، والمجبوب ، إن قلنا بعموم التحريم.
٥٤٦٢. الثاني : إذا طلّق الكافر عقيب ظهاره ، فلا كفّارة كالمسلم ، وإن أسلم من غير طلاق وهي كتابيّة ، كان الظهار باقيا ، وإن كانت وثنيّة ، فإن كان إسلامه قبل الدخول بانت ، وإن كان بعده ، وأسلمت قبل انقضاء العدّة ، عادت إلى الزوجيّة ، وبقي حكم الظهار ، وإن انقضت العدّة. كافرة بانت ، ولا كفّارة.
وإن أسلمت هي دونه قبل الدخول ، بانت ولا كفّارة ، وإن أسلمت بعده ، فإن لم يسلم الزّوج في العدّة ، بانت ولا كفّارة ، وإن أسلم فيها ، عادت الزّوجية ، والظهار على حاله.
٥٤٦٣. الثالث : يشترط في المظاهرة النكاح ، فلا يقع بالأجنبيّة ولو علّقه بالنكاح ، وأن تكون طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع مع حضور الزّوج وعدم
__________________
(١) المبسوط : ٥ / ١٤٥ ؛ الخلاف : ٤ / ٥٢٥ ، المسألة ٢ من كتاب الظهار.
(٢) أي بعموم الآية : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) المجادلة : ٣.
(٣) السرائر : ٢ / ٧٠٨.
(٤) حيث قال : وكلّ مسلم من الأحرار وغيرهم إذا كان بالغا مالكا للفرج ممنوعا من نكاح غيره بملكه إيّاه ، إذا ظاهر من زوجته في حال صحة عقله ، لزمه الظهار. لاحظ المختلف : ٧ / ٣٩٩.