الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-003-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٦٥٨
واجب عليه ولا يتمّ إلّا بالنّفقة ، ولأنّه ربما تكرّرت النفقة إلى أن يستغرق ثمنها ، وقيل : نعم (١) دفعا للضرر الحاصل بالالتقاط.
ولو كان للضالّة نفع كالظهر واللّبن والخدمة ، قال الشيخ : يكون بإزاء النفقة. (٢) والوجه التقاصّ. (٣)
٦٠٦٧. الثاني عشر : لا يضمن الواجد للضالّة بعد الحول والتعريف إلّا أن يقصد التملك ، ولو قصد الحفظ لم يضمن إلّا مع التفريط أو التعدّي ، ولو قصد التملّك ضمن ، ولو نوى بعد ذلك الاحتفاظ لم يزل الضمان ، ولو قصد الحفظ ثمّ نوى التملّك ، ضمن.
٦٠٦٨. الثالث عشر : إذا أكل ثمن الضالّة أو نفسها ، لزمه الضمان لصاحبها ، ولا يجب عزل ثمنها ، ولو عزل عوضها شيئا ثمّ أفلس ، كان صاحب الضالّة أسوة (٤) للغرماء في المعزول.
أمّا لو باعها وحفظ ثمنها فجاء صاحبها ، كان الثمن مختصا به من غير مشاركة.
__________________
(١) وهو خيرة الشيخ في النهاية : ٣٢٤. والمحقّق في الشرائع : ٣ / ٢٩٠.
(٢) النهاية : ٣٢٤.
(٣) وعلى هذا فيرجع ذو الفضل بفضل ماله.
(٤) قال الطريحي في مجمع البحرين : المال أسوة بين الغرماء : أي شركة ومساهمة بين غرماء المفلّس ، لا ينفرد به أحدهم دون الآخر.
الفصل الثالث :
في الملتقط من المال في الملتقط من المال ويسمّى لقطة ، قال الخليل (١) : اللقطة بسكون القاف المال الملقوط ، وبالتحريك الملتقط (٢) وقال غيره : هما سواء في أنّه المال.
وفيه أربعة وعشرون بحثا :
٦٠٦٩. الأوّل : يكره أخذ اللقطة مطلقا قلّت أو كثرت ، فقد روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال :
«إيّاكم واللّقطة فإنّها ضالّة المؤمن وهي حريق من حريق جهنم». (٣)
وقال الباقر عليهالسلام :
«لا يأكل من الضّالّة إلّا الضّالّون» (٤).
وقال الصادق عليهالسلام :
«أفضل ما يستعمله الإنسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها ، ولا
__________________
(١) هو الخليل بن أحمد من أئمة اللغة والأدب ، وواضع علم العروض ، وهو أستاذ سيبويه النحوي ، وله كتاب العين في اللغة ، ولد سنة ١٠٠ وتوفّي سنة ١٧٥ ، لاحظ ترجمته في الأعلام للزركلي : ٢ / ٣١٤.
(٢) كتاب العين : ٥ / ١٠٠.
(٣) الوسائل : ١٧ / ٣٤٩ ، الباب ١ من أبواب اللقطة ، الحديث ٨ ؛ الفقيه : ٣ / ١٨٦ برقم ٨٣٩.
(٤) الفقيه : ٣ / ١٨٦ برقم ٨٣٨ ، باب اللقطة والضالّة ؛ لاحظ الوسائل : ١٧ / ٣٤٨ ، الباب ١ من أبواب اللقطة ، الحديث ٥.
يتعرّض لها ، فلو أنّ الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه» (١). وتشتدّ الكراهيّة للفاسق وبالخصوص للمعسر. (٢)
٦٠٧٠. الثاني : اللقطة قسمان : أحدهما يجوز أخذها ولا يلزمه التعريف ، وهو ما كانت قيمته أقلّ من درهم ، وكذا ما يجده في كلّ موضع خرب قد باد أهله واستنكر رسمه ، فإن ظهر صاحبه وأقام بيّنة ، كان له الرجوع به إن كان موجودا ، وبمثله (٣) أو قيمته إن كان تالفا ، سواء في ذلك ما قلّت قيمته عن الدرهم وما يجده في المواضع الخربة.
٦٠٧١. الثاني : ما تزيد قيمته على ذلك ، فإن وجده في الحرم. قيل : يحرم التقاطه (٤) وقيل : يكره (٥) وعلى التقديرين إن أخذه وجب عليه الأخذ بنيّة الإنشاد ، ولا يجوز له أخذه بنيّة التملّك قبل الحول ولا بعده ، فإن أخذه على هذا الوجه كان ضامنا ، وإن أخذه بنيّة الإنشاد وجب عليه التعريف سنة ، فإن جاء صاحبه ، وإلّا تخيّر بين احتفاظه دائما وبين الصدقة به.
ولا يجوز له تملّكه ، فإن تصدّق به ، ففي الضمان قولان : أقربهما ثبوته.
وإن وجده في غير الحرم ، وجب عليه التعريف سنة ، فإن جاء المالك ، وإلّا تخيّر الملتقط بعد التعريف حولا بين ثلاثة أشياء : التملّك ، والاحتفاظ لمالكها ، والصدقة بها ، فإن تملّكها أو تصدّق بها ، وجب عليه الضمان ، وإن احتفظها أمانة ، فلا ضمان.
__________________
(١) الفقيه : ٣ / ١٩٠ برقم ٨٥٥ ، باب اللقطة والضالّة.
(٢) في «ب» : المعسر.
(٣) في «أ» : أو مثله.
(٤) وهو خيرة المحقّق في الشرائع : ١ / ٣١٨ ، ولاحظ الأقوال في المسالك : ١٢ / ٥١٠ ـ ٥١١.
(٥) ذهب إليه الشيخ في الخلاف : ٣ / ٥٧٩ ، المسألة ٣ من كتاب اللقطة.
٦٠٧٢. الثالث : التعريف حولا إنّما يجب فيما يبقى ، كالثياب والأمتعة والأثمان ، أمّا ما لا بقاء له كالطعام ، فإنّه يتخيّر بين التقويم على نفسه ، ثمّ ينتفع به ، فإن جاء صاحبه ، دفع إليه قيمته مع التلف ، وبين دفعه إلى الحاكم ليبيعه ويحفظ ثمنه لصاحبه ، ولا ضمان.
ولو كان بقاء اللقطة يفتقر إلى علاج كالرطب المفتقر إلى التجفيف ، تخيّر الواجد بين فعل ذلك وبين الدفع إلى الحاكم ليبيع بعضها ، ويصرف ثمنها في إصلاح الباقي ، أو يبيعها أجمع ، ويعرّف الثمن ولا ضمان.
٦٠٧٣. الرابع : يكره أخذ ما تقلّ قيمته وتكثر منفعته كالعصا والشّظاظ (١) والعقال والوتد والحبل. وكذا يكره التقاط النعلين والإدواة (٢) والسوط ، وقيل : يحرم. (٣)
٦٠٧٤. الخامس : من وجد في داره أو صندوقه شيئا لا يعرفه ، فإن كان ممّن يتصرّف فيهما غيره ، كان لقطة ، وإلّا كان له.
ومن وجد مالا مدفونا في أرض لا مالك لها ، فهو له ، يخرج خمسه إن بلغ النصاب ، ولو كان لها مالك أو بائع عرّفهما ، فإن عرفاه فهو لهما ، وإلّا فهو للواجد بعد الخمس إن بلغ نصاب الزّكاة.
وكذا لو وجد شيئا في جوف دابّة يعرّف البائع ، فإن لم يعرفه ، أخرج خمسه بعد إخراج مئونة السنة ، لأنّه من جملة الفوائد ، وكان الباقي له.
__________________
(١) الشّظاظ بالكسر : عود يشد به الجوالق. مجمع البحرين.
(٢) الإدواة بالكسر : المطهرة. المصباح المنير : ١ / ١٤.
(٣) وهو خيرة أبي الصلاح في الكافي في الفقه : ٣٥٠ ، والصدوق في الفقيه : ٣ / ١٨٨ برقم ٨٤٦.
أمّا لو وجد شيئا في جوف سمكة ، فهو لواجده ، ولم ينصّ أكثر علمائنا على تعريف البائع هنا ، وهو يعطي افتقار تملّك المباح إلى النيّة.
وسلّار (١) وابن إدريس (٢) أوجبا تعريف البائع كالشاة.
ولو أودعه لصّ مالا ، فإن علم أنّه ملكه أو جهل حاله ، وجب ردّه عليه ، ولو علم أنّه ليس له ، لم يردّه عليه مع القدرة ، فإن ردّه حينئذ ضمن ، سواء كان المودع مسلما أو كافرا ، ثم المستودع إن عرف المالك ، وجب عليه ردّه إليه ، وإن جهله ، كان حكمه حكم اللقطة.
٦٠٧٥. السادس : لو عرف أنّ اللقطة تتلف بترك أخذها ، فالوجه استحباب أخذها لا وجوبه ، ولو لم يعلم ذلك وعلم من نفسه الأمانة ، لم تزل كراهية الالتقاط ، ولو علم الخيانة من نفسه ، فالأقرب شدّة الكراهية لا التحريم.
ويستحبّ لآخذ اللقطة الإشهاد عليها ، ويعرّف الشهود بعض أوصاف اللقطة لتظهر فائدة الإشهاد ، ولو ترك الإشهاد ، لم يضمن.
٦٠٧٦. السابع : كلّ من له أهليّة الاكتساب ، جاز التقاطه ، فلو التقط الصبيّ أو المجنون صحّ ، وتولّى التعريف عنهما وليّهما ، وكذا يصحّ التقاط الكافر ، ولا يجوز لهؤلاء الثلاثة الالتقاط من الحرم ، لأنّهم ليسوا أهلا للأمانة (٣) وفي الفاسق إشكال.
__________________
(١) المراسم : ٢٠٦.
(٢) السرائر : ٢ / ١٠٦.
(٣) في «أ» : لأنّهم ليس لهم أهليّة للأمانة.
أمّا العبد ، فيجوز له أخذ اللقطتين (١) معا ، وفي رواية عن الصادق عليهالسلام : لا يعرض المملوك لها (٢).
وكذا المدبّر وأمّ الولد ، وأولى بالجواز المكاتب ، ولم أقف لعلمائنا على نصّ في انتزاع اللقطتين من يد الفاسق أو ضم حافظ إليه مدّة التعريف.
٦٠٧٧. الثامن : إذا التقط العبد بغير إذن مولاه ، تخيّر للمولى مع علمه بين الأخذ لها والتعريف ، فإذا مضى الحول تملّكها (٣) إن شاء وعليه الضمان ، وإن أراد حفظها لصاحبها ولا ضمان ، وبين إبقائها في يد العبد ولا ضمان على المولى ، وقيل (٤) : عليه الضمان لتفريطه بالإهمال إذا لم يكن أمينا. والوجه الأوّل.
فإذا عرّفها العبد حولا وتخيّر مولاه التملّك ، فله ذلك وعليه الضمان ، ولو نوى العبد التملّك لم يصحّ ، والوجه أنّه حينئذ يكون ضامنا يتبع بها بعد العتق.
ولو أتلفها العبد من غير علم مولاه ، تعلّق الضّمان بذمّة العبد ، وللمولى الخيار إن شاء عرّف بنفسه ، وإن شاء عرّف العبد ويملك ، ومن جوّز تمليك العبد (٥) مع إذن المولى ، لو أذن له مولاه في التملّك بعد الحول ، ملك العبد وضمن السيّد ، وإن شاء المالك بيع العبد.
__________________
(١) أي لقطة الحرم ولقطة الحلّ.
(٢) الوسائل : ١٧ / ٣٧٠ ، الباب ٢٠ من أبواب اللقطة ، الحديث ١ (وفيه : فلا يعرض لها المملوك).
(٣) في «ب» : ملكها.
(٤) القائل هو الشيخ في المبسوط : ٣ / ٣٢٥.
(٥) كذا في النسختين ، ولعلّ الصحيح «تملّك العبد».
ولو تلفت اللقطة في يد العبد قبل الحول ، فلا ضمان إلّا مع التفريط فيتبع بها حينئذ ، وكذا لو تلفت بعد الحول إذا لم ينو السيد التملّك.
٦٠٧٨. التاسع : إذا التقط الصبيّ انتزعه الوليّ من يده ، ويتملّك له بعد مدّة التعريف ، ولو أتلف الصبيّ ضمن ، وإن تلف من يده ، احتمل الضمان ، لأنّه ليس أهلا للأمانة ، ولم يسلّطه المالك عليه بخلاف الإيداع.
فان قصّر الوليّ ولم ينتزعه من يد الصبيّ حتّى أتلفه ، أو تلف في يده ، فالضمان على الوليّ ، وكذا البحث في المجنون.
٦٠٧٩. العاشر : لو أعتق السيّد عبده بعد الالتقاط ، كان له انتزاعها من يده ، لأنّه اكتساب ، والأقرب أنّه لا يشترط في التقاط العبد إذن المولى.
ولو علم العبد الخيانة من مولاه سترها عنه ، وسلّمها إلى الحاكم ليعرّفها ، ثمّ يدفعها إلى سيّده بعد الحول بشرط الضمان.
ولو أعلم سيّده الخائن بها ، فلم يأخذها ، أو أخذها منه وعرّفها حولا ثمّ تلفت من غير تفريط من أحدهما ، فلا ضمان.
وإن خان المولى في التعريف ، تعلّق الضمان بمن شاء المالك منهما.
والمكاتب المشروط إذا عجز بعد التقاطه ، فحكمه حكم العبد القنّ ، أمّا قبل العجز ، فحكمه حكم الحرّ ، وكذا المطلق حكمه حكم الحرّ مطلقا.
ومن انعتق بعضه إن كان بينه وبين مولاه مهاياة (١) دخلت في
__________________
(١) قال الطريحي في مجمع البحرين : المهاياة في كسب العبد انّهما يقسمان الزمان بحسب ما يتّفقان عليه ، ويكون كسبه في كلّ وقت لمن ظهر له القسمة.
المهاياة ، فتكون لمن التقطت في يومه ، وإن لم تكن مهاياة ، فهي بينهما.
ولو كان العبد مشتركا بين اثنين. فلقطته لهما.
٦٠٨٠. الحادي عشر : لا يملك [الملتقط] اللقطة قبل الحول وإن نوى التملّك ، وعليه الضمان مع النيّة ولا يبرأ بالرجوع إلى نيّة الحفظ ، نعم لو نوى قبل الحول التملّك بعده ، فلا ضمان قبل الحول ، وعليه الضمان بعده.
وهل يدخل في ملكه بعد الحول بمجرد هذه النية السابقة أو يفتقر إلى نيّة أخرى؟ الأقوى الأوّل ، ولو لم ينو قبل الحول ثم حال الحول ، ففي دخول اللقطة في ملكه من غير نيّة التملّك قولان : أقواهما عندي عدم الدخول ، فلا ضمان حينئذ ما لم يفرّط أو ينوي التملّك.
والنّماء الحاصل قبل النيّة وبعد الحول للمالك ، ولا زكاة على المالك ولا على الملتقط.
ويثبت ضدّ هذه الأحكام ، لو قلنا بالدخول بغير اختياره.
٦٠٨١. الثاني عشر : إذا عرّفها حولا جاز له أن يتملّكها ، سواء كان غنيّا أو فقيرا. ولا تجب الصدقة بها ، ولا يفتقر في تملّكها إلى قوله : اخترت تملّكها ، بل تكفي النيّة ، ولا يفتقر إلى التصرّف أيضا.
ويملك الملتقط اللّقطة ملكا مراعى يزول بمجيء صاحبها ، فإن وجدها المالك ، كان أحقّ بها ، وليس للملتقط دفع القيمة أو المثل إلّا برضاه على إشكال.
ولو وجدها المالك معيبة ، فإن كان الملتقط نوى التملّك ، وجب عليه الأرش ، سواء كان من قبله أو قبل غيره.
ولو طلب المالك المثل أو القيمة ، فالوجه عدم الوجوب على الملتقط ، وإن لم يكن نوى التملّك لم يجب عليه أرش إلّا أن يكون بتفريطه.
ولو تعذّر ردّ اللقطة بعد التملّك ، وجب على الملتقط المثل إن كان مثليّا وإلّا القيمة ، والوجه أنّ القيمة المعتبرة هي قيمة وقت التملّك.
وهل يملك الملتقط اللقطة بعد التعريف والنيّة بغير عوض ثبت في ذمّته ، وإنّما يتجدّد العوض في ذمّته بمطالبة المالك ، كما يتجدّد ملك الزوج لنصف الصّداق بالطلاق ، أو بعوض ثابت في ذمّته لصاحبها؟ فيه احتمال ، قال الشيخ في بعض كتبه (١) : يضمن بمطالبة المالك لا بنيّة التملك وفي أكثر كتبه : الضمان يتعلّق به مع النيّة. (٢)
ولو مات الملتقط بعد التعريف ونيّة التملّك ، انتقلت إلى ورثته كذلك ، ولو كان قبل التعريف عرّفوها وتعلّقت الأحكام بهم كتعلّقها بالمورّث.
٦٠٨٢. الثالث عشر : التعريف واجب على الملتقط سواء نوى التملك بعد الحول أو الاحتفاظ ، لعموم الأمر به ، ولأنّ فائدة الحفظ وصولها إلى المالك ، وإنّما يتمّ بالتعريف ، ومدّة التعريف حول.
ويجب أن يكون الحول عقيب الالتقاط بلا فصل ، لقولهم عليهمالسلام : فإن ابتليت فعرّفها سنة (٣) عقب بالفاء.
__________________
(١) المبسوط : ٣ / ٣٣٠ ـ ٣٣١.
(٢) لاحظ النهاية : ٣٢٠ ؛ الخلاف : ٣ / ٥٨١ ، المسألة ٥ من كتاب اللّقطة.
(٣) الوسائل : ١٧ / ٣٥٠ ، الباب ٢ من أبواب اللقطة ، الحديث ٣.
ووقته النّهار دون اللّيل ، وينبغي أن يكثر من التعريف في يوم الوجدان ، وبعده على التدريج ، ولا يجب التّوالي في السنة ، ولو فرّق التعريف جاز ، قيل (١) : وأقلّ ما يعرّف في الأسبوع دفعة.
وإيقاعه بالغدوات والعشيّات عند اجتماع الناس في أيّام المواسم والأعياد وأيّام الجمع ومجتمعات الناس.
ومكانه الأسواق وأبواب المساجد والجوامع ومجامع الناس ، كالمشاهد وغيرها.
وينبغي أن يكون في موضع الالتقاط إن كان في بلده ، (٢) ولو سافر به لزمه التعريف في السفر في أيّ بلد أراد ، وكذا لو وجده في الصحراء ، ويكره داخل المسجد.
وكيفيّته أن يذكر الجنس خاصّة ، فيقول : من ضاع له ذهب أو فضّة ، ولو أبهم أزيد كان أولى ، فيقول من ضاع له مال أو شيء.
وله أن يتولّى التعريف بنفسه وبنائبه ، فإن وجد متبرّعا ، وإلّا استأجر من مال الملتقط ، ولا يرجع به على المالك ، سواء قصد الحفظ [لصاحبها] أو التملّك بعد التعريف ، وكذا لقطة ما لا يصحّ تملّكه بعد التعريف.
ولو دفع الملتقط من اللّقطة شيئا إلى من يعرّفها ، لزمه ضمانه للمالك.
٦٠٨٣. الرابع عشر : تأخير التعريف حرام ، فلو أخّره عن الحول الأوّل مع
__________________
(١) القائل هو الحلّي في السرائر : ٢ / ١١٢.
(٢) في «ب» : في بلد.
إمكانه ، أثم ، ولا يسقط التعريف عنه بالتأخير ، ولو تركه بعض الحول عرّف باقيه وفي الحول الثاني ما ترك من الأوّل.
وعلى كلّ التقديرين له التملّك بعد التعريف حولا ، وكذا إذا صار ضامنا وعرّف سنة تملّكها إن شاء ، وقيل : لا يجب التعريف إلّا مع نيّته التملّك. (١) وليس بجيّد ، لما فيه من خفاء حالها عن المالك.
ولا يجوز تملّكها إلّا بعد التعريف وإن بقيت أحوالا ، وهي في مدّة الحول أمانة لا يضمنها الملتقط إلّا مع التعدّي أو نيّة التملّك ، ولو أخّر التعريف لا بنيّة التملّك ، ففي الضمان إشكال ، أقربه العدم.
ولو تلفت في حول التعريف من غير تفريط ، فهي من المالك ، ولو زادت فيه فهي للمالك أيضا ، سواء كانت الزيادة متّصلة أو منفصلة وبعد التعريف حولا إن نوى التملّك ضمن.
ولو جاء المالك [بعد نيّة التملّك] فهل له الانتزاع؟ قيل : لا ، بل له المثل أو القيمة إن لم تكن مثليّة. (٢) وعندي فيه نظر ، أمّا الزّيادة المنفصلة فإنّها للملتقط إذا حصلت بعد الحول ، والمتّصلة للمالك ، ولو لم ينو التملّك ، فالزيادة المنفصلة بعد الحول للمالك أيضا ، فإن جدّد نيّة التملّك بعد النماء ، ملك النماء ، فإذا جاء المالك طالبه كالأصل.
٦٠٨٤. الخامس عشر : لو كان الملتقط اثنين فعرّفاها حولا ، ملكاها جميعا عند
__________________
(١) وهو خيرة الشيخ في المبسوط : ٣ / ٣٢٢.
(٢) وهو خيرة المحقّق في الشرائع : ٣ / ٢٩٥.
بعض علمائنا. (١) وعندي انّهما يملكان بالاختيار والنيّة ، فلو اختار أحدهما التملّك دون الآخر ملك نصفها وضمنه ، ولا ضمان على صاحبه.
والاعتبار بالأخذ ، فلو رأياها معا فبادر أحدهما فأخذها ، أو رآها أحدهما فأعلم بها صاحبه فأخذها ، فهي للآخذ.
ولو أمره بإعطائه إيّاها فأخذها ، فإن كان قد أخذها لنفسه ، فهي له دون الآمر ، وإن كان قد أخذها للآمر فهي للآمر على إشكال.
٦٠٨٥. السادس عشر : كلّما جاز التقاطه في غير الحرام جاز تملّكه ، سواء كان من الأثمان أو العروض ، وإذا التقط عازما على تملّكها بغير تعريف ، فعل محرّما وضمن ، سواء كان عرّفها أو لا ، ويملك مع التعريف حولا.
٦٠٨٦. السابع عشر : لو جاء المالك وعرفها ووصف الأوصاف الخفيّة كالقدر والنقد ، والوكاء (٢) ، والعفاص (٣) ، لم يجب على الملتقط دفعها إليه ، ولو أقام بيّنة وجب ، فإن تبرّع الملتقط بالدفع إلى الواصف لم يمنع منه ، ولو امتنع لم يجبر على التسليم ، فإن دفعها بالوصف ، فأقام آخر بيّنة بها ، سلّمت إليه ، فإن كانت تالفة تخيّر في مطالبة أيّهما شاء ، فإن رجع على الملتقط ، رجع الملتقط على الآخذ ما لم يكن قد اعترف له بالملك ، وإن رجع على الآخذ لم يرجع الآخذ على الملتقط.
ولو أقاما بيّنتين ولا ترجيح ، فالقرعة ، فإن خرجت للثاني ، انتزعت من
__________________
(١) الشيخ في المبسوط : ٣ / ٣٢٣.
(٢) قال الطريحي في مجمع البحرين : الوكاء ـ بالكسر والمدّ ـ خيط يشدّ به السرة والكيس والقربة ونحوها.
(٣) في المصباح المنير : ٢ / ٧٩ : العفاص : الوعاء الّذي تكون فيه النفقة من جلد أو خرقة أو غير ذلك.
الأوّل ، ولو كانت تالفة لم يضمن الملتقط إن كان دفع بحكم الحاكم ، ويضمن إن كان باجتهاده.
ولو أقام الأوّل بيّنة بعد تملّك الملتقط ، فدفع العوض إليه ضمن الملتقط للثاني مطلقا ، لأنّ الحقّ في ذمّته لم يتعيّن بالدفع إلى الأوّل ، ويرجع الملتقط على الأوّل لتحقّق فساد الحكم ، ما لم يكن قد اعترف له بالملكية ، وليس للثاني الرجوع على الأوّل ، لأنّ مقبوضه مال الملتقط لا اللّقطة.
ولو وصفها الأوّل من غير بيّنة فدفعت إليه ، ثمّ وصفها الثاني بغير بيّنة ، أقرّت في يد الأوّل ، ولا ضمان.
ولو جاء مدّع لها من غير وصف ولا بيّنة ، لم يجز دفعها إليه ، سواء ظنّ كذبه أو صدقه ، لأنّها أمانة فلا تدفع إلى غير مالكها ، فإن دفعها إليه الملتقط ضمن ، وله استعادتها.
ولو أقام آخر بيّنة انتزعت له ، فإن هلكت رجع على من شاء ، فإن رجع على الدافع رجع على الآخذ ، وإن رجع على الآخذ لم يرجع على الدافع.
٦٠٨٧. الثامن عشر : إذا جوّزنا للمالك أخذ العين الملتقط بعد التملّك قهرا ، فوجدها قد خرجت منه ببيع أو هبة أو غيرهما ، لم يكن له الرجوع فيها ، وله البدل : المثل أو القيمة ، ولو رجعت إلى الملتقط بفسخ أو شراء أو غيرهما فللمالك أخذها إن لم يكن أخذ البدل ، وإن كان قد أخذه استقرّ ملك الملتقط.
وإذا اختلف المالك والملتقط في المثل أو القيمة ، فالقول قول الملتقط مع يمينه.
٦٠٨٨. التاسع عشر : لو أخذ اللّقطة (١) ثم ردّها إلى موضعها ضمنها ، ولو دفعها إلى الحاكم فلا ضمان ، ونقل ابن إدريس وجوب الضمان إذا دفع الحيوان إلى الحاكم. (٢) ولقطة الحرم كذلك إذا ردّها إلى موضعها لم يبرأ.
ولو ضاعت اللّقطة من ملتقطها بغير تعريف فلا ضمان عليه ، فإن التقطها آخر وعرف أنّها ضاعت من الأوّل وجب عليه ردّها إليه ، وان لم يعرف فعرّفها حولا كان له تملّكها ، فإن تملّكها لم يكن للأوّل نزعها منه ، وإن لم ينو التملّك ، احتمل رجوع الأوّل بها على ضعف ، فإن جاء صاحبها أخذها من الثاني ، وليس له مطالبة الأوّل ، لعدم تفريطه.
ولو دفعها الثاني إلى الأوّل فامتنع وقال : عرّفها أنت ، فعرّفها حولا ملكها ، لأنّ الأوّل ترك حقّه ، ولو قال : عرّفها و [يكون] ملكها لي ، كان نائبا فيملكها الأوّل.
ولو قال : عرّفها وتكون بيننا صحّ ، لأنّه أسقط حقّه من النصف ، ووكّله في الباقي.
ولو قصد الثاني بالتعريف تملّكها لنفسه ، احتمل أن يملكها الثاني أو الأوّل ، وكذا لو علم الثاني بالأوّل فعرّفها ولم يعلمه بها.
ولو غصبها غاصب من الملتقط فعرّفها لم يملكها ، لأنّه لم يوجد منه سبب الملك وهو الالتقاط ، بخلاف الملتقط الثاني.
__________________
(١) في «أ» : «اللقيط» والصحيح ما في المتن.
(٢) لاحظ السرائر : ٢ / ١٠٠.
٦٠٨٩. العشرون : لو اصطاد سمكة فوجد فيها درّة فهي له ، فإن باعها الصيّاد ولم يعلم ، فقولان : أحدهما يعرّفها البائع ، فإن طلبها ، كان له أخذها ، وهو الوجه عندي ، والثاني للمشتري ، وكذا لو وجد في جوفها عنبرة أو شيئا ممّا يخلق في البحر ، ولو وجد دراهم أو دنانير ، فالوجه أنّها لقطة ، لأنّها لا تخلق في البحر ، وكذا الدّرة المثقوبة أو المتّصلة بذهب أو فضّة فهي لآدميّ ، فإن وجدها الصيّاد لزمه التعريف ، لأنّه الملتقط ، وإن وجدها المشتري فعليه التعريف.
وأطلق علماؤنا القول في ذلك ، فأوجبوا تعريف البائع ، فإن عرفها فهي له ، وإلّا أخرج الخمس وحلّ له الباقي ولم يجعلوه كاللقطة.
ولو اصطاد غزالا فوجده مخضوبا ، أو في عنقه حرزا ، أو في أذنه قرطا ، أو نحو ذلك ، فهو لقطة.
ولو ألقى شبكة في البحر فوقعت فيها سمكة ، فجذبت الشبكة فمرّت بها في البحر ، فصادها رجل ، فالسمكة له والشبكة يعرّفها ، وكذا لو نصب فخّا فوقع فيها صيد ، فأخذه فذهب به وصاده آخر ، فهو لمن صاده والآلة لقطة.
ولو ذهب الكلب أو الفهد أو الصقر عن صاحبه ، فدعاه فلم يجبه ، ومشى في الأرض أيّاما فسقط في دار رجل ، فدعاه فأجابه ، ردّه إلى مالكه ، وكذا لو دعاه فلم يجبه فصاده بشبكة.
ولو أخذت ثيابه من الحمّام فوجد بدلها ، لم يكن له أخذها ، فإن أخذها كانت لقطة ، ولو وجد قرينة تدلّ على أنّ صاحبها تركها عوضا عمّا أخذه ، بأن كانت المأخوذة أجود ولم يقع اشتباه ، احتمل القول بإباحة التصرّف من غير تعريف ، لأنّ مقصود التعريف إعلام صاحبها بها.
ولو دلّت القرينة على الاشتباه ، بأن كانت المتروكة أجود ، عرّفها ، فإن باعها بعد الحول ملك من ثمنها قدر قيمة ثيابه ، وكان الباقي لقطة يملكها ويغرمه للمالك ، ولا فرق بين أن يبيعها بعد الحول بإذن الحاكم أو بدون إذنه ، أمّا لو باع قبل الحول بإذن الحاكم ، فالحكم فيه كذلك ، وإن باعها بدون إذنه ، لم يصحّ البيع وكان لصاحبها فسخه وإلزام من شاء بأرش النقص بالاستعمال والأجرة.
ولو التقط في دار الحرب وليس فيها مسلم ، فالوجه أنّها له من غير تعريف ، بناء على الظاهر إلّا أن يكون دخل دارهم بأمان ، فيلزمه التعريف ، وكذا لو كان فيها مسلم ، ويملكها دون الجيش.
٦٠٩٠. الواحد والعشرون : إذا مات الملتقط قبل تمام التعريف ، عرّفها الوارث باقي الحول. ولا يفتقر إلى الاستئناف ، ثمّ يتخيّر في التملّك والاحتفاظ ، وإن مات بعده وبعد التملّك ، ورثها الوارث ، فإن جاء صاحبها أخذها من الوارث ، ويحتمل وجوب القيمة أو المثل لا العين.
ولو كانت معدومة فالمالك غريم للميّت بمثلها أو بالقيمة ، ويشارك الغرماء.
ولو لم ينو التملّك ، كان للوارث نيّة ذلك ، ويكون الغريم هو دون الميّت.
ولو لم ينو الوارث التملّك أيضا ، فهي أمانة لا يضمنها إلّا بالتعدّي.
ولو لم يعلم تلفها ولم توجد في تركة الميّت ، فالمالك غريم ، لأنّ الأصل البقاء ، ويحتمل عدم اللزوم ، لأنّ الأصل براءة الذمّة مع احتمال التلف بغير تفريط ، وكذا البحث في الوديعة.
٦٠٩١. الثاني والعشرون : لو عرف اللّقطة ، أو الضالّة ، أو المنبوذ ، أو العبد المغصوب أو الآبق في غير بلده ، فأقام بيّنة تشهد على شهوده بالصّفة ، لم تدفع إليه ، لاحتمال التساوي في الأوصاف مع اختلاف الأعيان ، ويكلّف إحضار الشهود ليشهدوا بالعين.
ولا يجب حمل العبد إلى بلد الشهود ، سواء تعذّر حمل الشهود أو لا ، ولا بيعه على من يحمله ، ولو رأى الحاكم ذلك صلاحا جاز ، فإن تلف العبد قبل الوصول أو بعده ولم يثبت دعواه ، ضمن المدّعي القيمة والأجرة.
٦٠٩٢. الثالث والعشرون : لو ترك دابّة بمملكة من جهد ، ملكها الآخذ لها ، ولو تركها ليرجع إليها أو ضلّت عنه ، فهي لمالكها ، وعليه النفقة إذا نوى الآخذ الرجوع به ، ولو ترك متاعا ، لم يملكه آخذه ، لأنّه لا يخشى عليه التلف كالحيوان ، وكذا العبد للعادة بإمكان تخلّصه ، ولو أخذ العبد أو المتاع ردّهما إلى المالك.
وهل يستحق أجرة تخلّصهما؟ فيه نظر ، أقربه الثبوت إن كان قد جعل المالك له جعلا ، وإلّا فلا.
وما ألقاه ركاب البحر فيه لتسلم السّفينة ، فالأقرب أنّه لمخرجه إن أهملوه ، وإن رموه بنيّة الإخراج له ، فالوجه أنّه لهم ، ولا أجرة لمخرجه مع التبرع.
ولو انكسرت السفينة فأخرج بعض المتاع بالغوص وأخرج البحر بعض ما غرق فيها ، ففي رواية عن الصادق عليهالسلام : إنّ ما أخرجه البحر لأهله ، وما أخرج بالغوص ، فهو لمخرجه (١). وادّعى ابن إدريس الإجماع على هذا الحديث. (٢)
__________________
(١) الوسائل : ١٧ / ٣٦٢ ، الباب ١١ من أبواب اللقطة ، الحديث ٢.
(٢) السرائر : ٢ / ١٩٥ ـ كتاب القضايا والأحكام ، باب النوادر ـ.
٦٠٩٣. الرابع والعشرون : إذا وجد ما دون الدرهم حلّ له التصرّف فيه من غير تعريف ، فإن أقام صاحبه البيّنة دفعه الملتقط إليه ، وإن كان تالفا ضمن القيمة ، وكذا ما يجده في المواضع الخربة.
ولو وجد ما زاد على الدرهم فاشترى به جارية ، ثمّ جاء المالك ، كان له المطالبة بالمال ، ولا يجب عليه أخذ البنت (١) ، فإن أجاز شراءه [لها] انعتقت بعد ذلك ولم يجز له بيعها.
والتحقيق أنّ الملتقط إن اشترى بعين المال قبل السّنة (٢) ، كان الحكم ما قاله الشيخ رحمهالله وإن اشترى في الذمّة أو بعد الحول لنفسه ، كانت الجارية للملتقط وعليه المال.
ومن وجد كنزا في دار انتقلت إليه بميراث ، كان له ولشركائه في الميراث ، وإن انتقلت إليه بالبيع ، عرّف البائع ، فإن عرفه وإلّا أخرج خمسه إن بلغ النصاب ، وكان الباقي له.
وإذا وجد الطعام فأكله لم يسقط عنه التعريف ، ولا فرق في إباحة الطعام بين وجدانه في الصحراء أو البلدان ، فلا يجب بيعه في البلد.
__________________
(١) كلام الشيخ في النهاية أوضح من كلام المصنف : قال رضياللهعنه : ومتى اشترى بمال اللقطة جارية ، ثمّ جاء صاحبها ، فوجدها بنته ، لم يلزمه أخذها ، وكان له أن يطالبه بالمال الّذي اشترى به ابنته ، ولا تحصل هذه البنت في ملكه ، فتكون قد انعتقت به ، بل هي حاصلة في ملك الغير ، وهو ضامن لماله الّذي وجده ، فإن أجاز شراءه لها انعتقت بعد ذلك ولم يجز له بيعها. النهاية : ٣٢١.
(٢) في «أ» : قبل البيّنة.
كتاب
إحياء الموات