تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-003-7
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

ولو وثب فأخذه قبل موته حلّ ، وكذا لو حرز (١) الماء عنه فأخذه حيّا من الجدّة (٢) أو نبذه البحر إلى الساحل فأخذه حيّا.

ولا يكفي مشاهدته له دون أخذه بيده أو بالته ، وقيل ، يكفي إدراكه بنظره (٣). وليس بجيّد.

ولا يشترط فيه التسمية ، ولو وجد ميّتا في يد كافر لم يحلّ ، وإن أخبر بإخراجه حيّا ، ما لم يعلم أنّه مات بعد إخراجه حيّا.

ولو أخذ السمك حيّا ثمّ أعيد في الماء فمات فيه ، لم يحلّ وإن كان ناشبا (٤) في الآلة ، لأنّه مات فيما فيه حياته.

قال الشيخ رحمه‌الله : لو نصب شبكة في الماء ، فاجتمع فيها سمك كثير ، ومات بعضه في الماء واشتبه ، حلّ أكل الجميع ، وكذا ما يصاد في الحظائر ويجتمع فيها جاز أكل الجميع مع فقد الطّريق إلى تمييز الميّت من الحيّ. (٥) والحقّ عندي تحريم الجميع.

وإذا صيد السمك وجعل في شي‌ء وأعيد في الماء ، فمات فيه ، حرم ، وإن أعيد إلى غير الماء حتّى مات حلّ.

وهل يحلّ أكل السمك حيّا؟ قيل : لا (٦) ، والأقرب الجواز ، لأنّه مذكّى.

__________________

(١) كذا في النسختين ، ولعلّ الصواب «لو حسر».

(٢) الجدّة والجدّ والجدّ : شاطئ النهر : المنجد : ٨٠.

(٣) ذهب إليه المحقّق في نكت النهاية لاحظ النهاية ونكتها : ٣ / ٨٠.

(٤) قال في مجمع البحرين : نشب الشي‌ء في الشي‌ء : علق به ، فهو ناشب.

(٥) النهاية : ٥٧٨.

(٦) القائل هو الشيخ في المبسوط : ٦ / ٢٧٧.

٦٢١

وما يقطع من السمك بعد إخراجه من الماء ذكيّ ، سواء ماتت أو وقعت في الماء مستقرّة الحياة ، لأنّه قطع بعد التذكية.

ولا يحرم السمك لو صيد بشي‌ء نجس يأكله السّمك فيصاد به ، سواء كان ممّا يتفرّق كالدم ، أو لا كالميتة.

الفصل الثالث : في الذباحة

وفيه ثلاثة عشر بحثا :

٦٢٢٢. الأوّل : يشترط في الذابح الإسلام أو حكمه كالصبيّ ، فلو ذبح الوثنيّ كان ميتة ، سواء سمعت منه التسمية أو لا ، وفي أكل ذبيحة اليهود والنصارى روايتان (١) أصحّهما المنع ، سواء سمعت تسميته أولا ، وفي رواية ثالثة يؤكل ما سمعت تسميته عليه (٢).

ويحرم أكل ما ذبحه الناصب وهو المعلن بالعداوة لأهل البيت عليهم‌السلام ، كالخوارج سمّى أولا وإن أظهر الإسلام ، وذبيحة أطفال المشركين وإن أحسنوا وسمّوا.

واشترط ابن إدريس رحمه‌الله أن لا يكون مخالفا للحقّ ، وجوّز أكل ذبيحة المستضعف الّذي لا يعرف الحقّ ، ولا يعتقد ضدّه (٣).

__________________

(١) لاحظ الوسائل : ١٦ / ٢٨٢ ، الباب ٢٧ من أبواب الذبائح.

(٢) لاحظ الوسائل : ١٦ / ٢٨٤ ، الباب ٢٧ من أبواب الصيد والذبائح ، الحديث ١١ و ١٤ و ١٨.

(٣) السرائر : ٣ / ١٠٦.

٦٢٢

ويؤكل ذبيحة الصبيّ ولد المسلم المميّز إذا أحسن ، والمرأة المسلمة ، والخصيّ ، والخنثى ، والجنب ، والحائض ، والأعمى ، والأخرس إن أشار بالتسمية ، والعدل ، والفاسق ، والأغلف ، وولد الزنا ، وما يذبحه المسلم لكنائس أهل الكتاب وأعيادهم مع التسمية ، والمجنون الذي بحكم المسلم.

ولو اشترك في الذبح مسلم وغيره لم يحلّ ، وكذا لا يحلّ أكل ما ذبحه الصبيّ غير المميّز ، وعندي في المجنون نظر ، أقربه المنع ، وكذا السّكران الّذي لا يحصّل (١) شيئا.

٦٢٢٣. الثاني : لا تصحّ التذكية إلّا بالحديد ، فإن ذبح بغيره مع التمكّن منه لم يحلّ ، ويجوز في حال الضّرورة الذبح بكلّ ما يفري الأوداج وباقي الأعضاء من زجاج وليطة وقصب (٢) وخشب ومروة (٣) حادّة وغير ذلك.

وهل يجوز مع الضرورة الذبح بالسّن والظفر؟ قال الشيخ رحمه‌الله : لا ، ويحرم لو فعل ، (٤) وجوّزه ابن إدريس ، (٥) وهو الأقوى ، سواء كانا منفصلين أو متّصلين وكذا ما عداهما من العظام وغيرها إذا حصل به قطع الأعضاء.

٦٢٢٤. الثالث : يجب نحر الإبل خاصّة وذبح باقي الحيوانات ، والنحر هو الطعن بحربة وشبهها في وهدة اللّبة الّتي بين أصل عنق البعير وصدره ، والذبح

__________________

(١) أي لا يميّز كما في تهذيب اللغة : ٤ / ٢٤١.

(٢) قال الحلّي : الليط هو القشر اللاصق بها الحادّ ، مشتقّ من لاط الشي‌ء بقلبه إذا لصق به ، والقصبة واحدة القصب. السرائر : ٣ / ١٠٧.

(٣) قال الطريحي في مجمع البحرين : المرو : حجارة بيضاء براقة تقدح منها النار ، الواحد منها مروة.

(٤) المبسوط : ٦ / ٢٦٣ ؛ والخلاف : ٦ / ٢٢ ، المسألة ٢٢ من كتاب الصيد والذبائح.

(٥) السرائر : ٣ / ٨٦ ـ ٨٧.

٦٢٣

في الحلق تحت اللّحيين ، بأن يقطع أعضاء الذبح ، فلو نحر المذبوح ، أو ذبح المنحور مختارا لم يحلّ إذا مات بذلك ، ولو أدرك ذكاته فذكّاه ، قيل : حلّ (١) وفيه نظر ، من حيث عدم استقرار الحياة.

ويجب في التذكية قطع الأعضاء الأربعة : المري‌ء وهو مجرى الطعام والشراب ، والحلقوم وهو مجرى النفس ، والودجان وهما العرقان المحيطان بالحلقوم ، ولو قطع البعض لم يحلّ ، ويجب قطع كلّ واحد بكماله.

٦٢٢٥. الرابع : يجب في التذكية استقبال القبلة بالذبح والنحر مع الإمكان ، فلو أخلّ بذلك عامدا ، كان ميتة ، ولو كان ناسيا حلّ ، ولو لم يتمكّن من استقبال القبلة إمّا للجهل بها ، أو لسقوط المذبوح والمنحور في بئر مثلا ، حلّ الذبح والنحر الى غير القبلة.

ويجب فيها التسمية ، وهي ذكر الله تعالى عند التذكية ، فلو أهمل عامدا كان ميتة ، وإن كان ناسيا حلّ ، ولو قال : بسم محمّد ، أو بسم الله ومحمّد لم يحلّ ، ولو قال بسم الله ومحمّد رسول الله جاز.

٦٢٢٦. الخامس : اشترط الشيخ المفيد رحمه‌الله في إباحة المذكّى أمرين : الحركة القويّة إمّا بيده أو رجله أو شي‌ء من أعضائه ، وخروج الدّم المسفوح لا المتثاقل ، (٢) والأقرب الاكتفاء بأحدهما أيّهما كان ، ولو خرج الدّم متثاقلا ولم يتحرّك حركة تدلّ على الحياة لم يحلّ إجماعا.

٦٢٢٧. السادس : يكره إبانة الرأس من الجسد في التذكية قبل الموت عامدا ،

__________________

(١) القائل هو الشيخ في النهاية : ٥٨٣.

(٢) المقنعة : ٥٨٠.

٦٢٤

قال الشيخ في بعض كتبه : يحرم ، فإن فعل حرمت الذّبيحة. (١) وليس بجيّد ، وكذا يكره قطع النخاع ، وهو العرق الأبيض الّذي ينظم الخرز من الرقبة إلى الذنب وقيل : يحرم ، (٢) وكذا يكره قطع شي‌ء منها قبل الموت ، ولو فعل لم يحرم المقطوع ، وكذا يكره سلخ الذبيحة قبل موتها ، وقال الشيخ : يحرم. ولو سلخت قبل البرد لم يحلّ أكلها ، (٣) وليس بجيّد.

ولو انفلت الطير قبل التذكية جاز أن يرميه بنشّاب أو رمح أو سيف ، فان صيّر حياته غير مستقرّة حلّ وإلّا ذبحه.

٦٢٢٨. السابع : لو قطع رقبة المذبوح من قفاه وبقيت أعضاء الذبح ، فان كانت حياته مستقرّة ، ذبحت وحلّت ، وإن لم تبق حياته مستقرّة لم يحلّ ، وكذا البحث لو عقرها السبع.

وكلّما يتعذّر ذبحه أو نحره من الحيوان إمّا لاستعصائه ، أو لوقوعه في مضيق لا يمكن معه التذكية في موضعها ، وخيف موته ، جاز عقره بالسيوف وغيرها ممّا يجرح ، ويحلّ ، وإن لم يتّفق العقر في موضع التذكية ولا استقبال القبلة.

٦٢٢٩. الثامن : يكره أن يقلّب السّكّين فيذبح إلى فوق ، بل ينبغي أن يبتدئ من فوق إلى أن يقطع الأعضاء.

ويستحبّ ربط يدي الغنم ورجله ، وإطلاق الأخرى ، وأن يمسك على

__________________

(١) النهاية : ٥٨٤.

(٢) لاحظ النهاية : ٥٨٤.

(٣) النهاية : ٥٨٤.

٦٢٥

صوفه أو شعره إلى أن يبرد ، ولا يمسك على شي‌ء من أعضائه ، وعقل يدي البقر ورجليه ، وإطلاق ذنبه ، وشدّ أخفاف يدي الإبل إلى آباطه (١) ، وإطلاق رجليه ، وإرسال الطير بعد الذبح من غير إمساك ولا عقل.

ويكره الذّبح صبرا ، وهو أن يذبح حيوان وآخر ينظر إليه ، والذبح ليلا إلّا لضرورة ، ويوم الجمعة قبل الزوال.

٦٢٣٠. التاسع : ما يباع في أسواق المسلمين ، من الذبائح واللّحوم ، حلال ، يجوز شراؤه وأكله ، ولا يجب التفتيش عن حاله ، سواء كان البائع مؤمنا أو مخالفا يعتقد إباحة ذبائح أهل الكتاب على إشكال ، وكذا ما يوجد في يد المخالف من الجلود وإن كان يعتقد إباحة استعمال جلد الميتة بعد الدبغ على إشكال ، أقربه عندي المنع في الموضعين.

ولو وجد ذبيحة مطروحة لم يحلّ له أكلها ما لم يعلم أنّها تذكية مسلم ، أو توجد في يده.

٦٢٣١. العاشر : تجب متابعة الذبح حتّى يقطع الأعضاء الأربعة ، فلو قطع بعض الأعضاء ، ثمّ أرسله ، فصارت حياته غير مستقرّة ، ثمّ قطع الباقي ، ففي إباحته نظر ، من حيث إنّ حياته غير مستقرّة ، وإنّ إزهاق الروح حصل بالتذكية لا غير.

ولو شرع الذابح في الذبح فانتزع آخر حشوته ، أو فعل ما لا يستقرّ معه الحياة معا ، لم يحلّ.

وإذا تيقّن بقاء الحياة بعد الذبح ، فهو حلال ، وإن تيقّن الموت قبله ، فهو

__________________

(١) قال الشهيد في المسالك : ١١ / ٤٨٧ : والمراد بتشديد أخفافه إلى آباطه : أن يجمع يديه ويربطهما فيما بين الخفّ والركبة.

٦٢٦

حرام ، وإن اشتبه ، اعتبر بالحركة القويّة أو خروج الدم المسفوح المعتدل لا المتثاقل ، فإن لم يعلم ذلك حرم.

وإذا قطع الأعضاء فوقع المذبوح في الماء قبل خروج الروح أو وطئه بما خرج الروح به لم يحرم.

٦٢٣٢. الحادي عشر : ذكاة السمك إخراجه من الماء حيّا على ما تقدّم ، وكذا إن وجده على الجدّة (١) فأخذه بيده أو آلته ، ولا تكفي مشاهدته.

وذكاة الجراد أخذه حيّا ، سواء كان آخذه مسلما أو كافرا ، ولا يراعى فيه التسمية ، ولو مات قبل أخذه لم يحلّ.

ولو احترق أجمّة واحترق الجراد فيها لم يحلّ ، سواء قصد ذلك أو لا.

ويحرم من الجراد ما مات في الماء أو الصحراء قبل أخذه ، ويحرم الدّبا (٢) منه ، وهو الّذي لم يستقلّ بالطّيران بعد ، فإن أخذ لم يحلّ أكله ، ويباح أكل الجراد حيّا وأكله بما فيه.

٦٢٣٣. الثاني عشر : ذكاة الجنين ذكاة أمّه بشرطين : أحدهما تمام خلقته ، بأن يشعر أو يوبر. والثاني أن لا تلجه الروح ، فلو لم تتمّ خلقته لم يحل أصلا ، ولو تمّت خلقته وولجته الروح لم يكن بدّ من تذكيته ، وقيل : إذا لم يشعر أو يوبر

__________________

(١) الجدّة : شاطئ النهر.

(٢) الدّبا ـ بفتح الدال المهملة وتخفيف الباء الموحّدة والقصر ـ : الجراد قبل أن يطير ، الواحدة دباة. مجمع البحرين.

٦٢٧

وولجته الروح لم يحلّ الّا بالتذكية ، (١) وفيه بعد ، وقيل أيضا ، لو خرج حيّا ولم يتّسع الزّمان للتذكية حلّ. (٢) وفيه إشكال.

٦٢٣٤. الثالث عشر : كلّ حيوان مأكول تقع عليه التذكية على معنى أنّه يصير بعد الذبح طاهرا ، وتقع من غير مأكول اللحم على السباع ، كالأسد والنمر والفهد والثعلب ، ولا يشترط في استعمال جلدها بعد التذكية الدباغ ، خلافا للشيخ. (٣)

وفي المسوخ كالفيل والدّب والقرد ، قولان أقواهما قول المرتضى رحمه‌الله ، وهو الوقوع (٤).

والأقوى في الحشرات كالفأر وابن عرس والضبّ عدم الوقوع ، أمّا الآدميّ وكلّ نجس العين ، كالكلب والخنزير فلا تقع عليه الذكاة إجماعا.

__________________

(١) القائل هو الشيخ في النهاية : ٥٨٤ ـ ٥٨٥.

(٢) ذهب إليه الشيخ في المبسوط : ٦ / ٢٨٢ ـ كتاب الأطعمة ـ.

(٣) النهاية : ٥٨٦ ـ ٥٨٧.

(٤) لم نعثر عليه ، ولكن نسبه إليه المحقق في الشرائع : ٣ / ٢١٠ ؛ والشهيد في المسالك : ١١ / ٥١٦ ، وفخر المحققين في الإيضاح : ٤ / ١٣٠.

٦٢٨

كتاب

الأطعمة والأشربة

٦٢٩
٦٣٠

وفيه مطلبان

[المطلب] الأوّل : في حال الاختيار

وفيه فصلان

[الفصل] الأوّل : في الحيوان وأقسامه ثلاثة

الأوّل : في البهائم

وفيه أربعة مباحث :

٦٢٣٥. الأوّل : يباح من حيوان الحضر الإبل والبقر والغنم ، ويكره الخيل وأشدّ منه كراهة الحمر الأهليّة ، وأشدّ منها كراهة البغل ، وقيل : إنّ الحمار أشدّ كراهة ، (١) ويحرم ما سوى ذلك مثل الكلب والخنزير والسّنّور.

__________________

(١) القائل هو القاضي ابن البراج على ما نسبه إليه في الجواهر ، لاحظ جواهر الكلام : ٣٦ / ٢٦٩ ، وقال الشهيد في المسالك : ١٢ / ٢٤ : وقيل : إنّ الحمار آكد كراهة من البغال ، لأنّه متولّد من مكروهين قوييّ الكراهة ، بخلاف البغل فانّه متولّد من ضعيف وقويّ.

٦٣١

ويباح من حيوان البرّ البقر الوحشيّة ، والكباش الجبليّة ، (١) والغزلان ، واليحامير ، والحمار الوحشي ، على كراهة.

ويحرم السباع أجمع سواء كانت ذوات أنياب قويّة تعدو على الناس كالسّبع والنمر والذئب والفهد ، أو ذوات أنياب ضعيفة لا تعدو على الناس ، كالضبع والثعلب والأرنب وابن آوى.

ويحرم اليربوع ، والضّب ، والقنفذ ، والسّنور بريّا وإنسيّا ، والوبر ـ بفتح الواو وسكون الباء ـ فهي دويبة سوداء أكبر من السنور دون الأرنب لا أذناب لها ، والخزّ وهي دابّة صغيرة تخرج من البحر تشبه الثعلب ، ترعى في البرّ وتنزل البحر ، لها وبر يعمل منه ثياب ، والفنك ، والسّمور ، والسّنجاب ، والعظاءة ، (٢) واللحكة (٣) وهي دويبة كالسّمكة تسكن الرّمل ، فإذا رأت الإنسان غاصت وتغيّبت فيه ، وهي صقيلة تشبه بها أنامل العذارى (٤) والوزغ والحرباء. (٥)

__________________

(١) في الجواهر : ٣٦ / ٢٩٣ : الّتي هي على ما قيل الضأن والمعز الجبليّان.

(٢) في مجمع البحرين : العظاء ممدود : دويبة أكبر من الوزغة ، الواحدة عظاءة وعظاية.

(٣) وفي التلخيص لأبي هلال العسكري (المتوفّى ٣٩٥ ه‍) ص ٣٩١ : الحلكاء : دويبة تغوص في الرّمل كما يغوص الطير في الماء ، وفي كتاب سيبويه : اللحكاء ممدودة.

وقال الجوهري في الصحاح : ٤ / ١٦٠٦ : اللّحكة : دويبة أظنّها مقلوبة من الحلكة ، وقال ابن السكيت : اللحكة : دويبة شبيهة بالعظاية تبرق زرقاء ، وليس لها ذنب طويل مثل ذنب العظاية ، وقوائمها خفيّة.

وقال : الحلكة ـ مثال همزة ـ ضرب من العظاء ويقال : دويبة تغوص في الرمل. وكذلك الحلكاء مثل العنقاء.

(٤) في المبسوط : ٦ / ٢٨١ : وهي صقيلة ولهذا تشبه أنامل العذارى بها ، وفي الجواهر : ٣٦ / ٢٩٧ : يشبه بها أصابع العذارى.

(٥) قال أبو هلال العسكري في التلخيص : ٣٩١ : الحرباء : دابّة تستقبل الشمس وتدور معها حيث دارت ، وهي فارسيّة معرّبة ، وأصلها خوربا أي حافظ الشمس.

٦٣٢

والحشار كلّها حرام ، كالحيّة والفأرة (١) والعقارب والجرذان والخنافس والصراصر وبنات وردان والقمل والبراغيث والديدان والجعلان.

والمسوخ كلّها حرام كالفيل والدّبّ والقردة.

٦٢٣٦. الثاني : الحيوان المحلّل قد يعرض له التحريم بالجلل ، وهو أن يتغذى عذرة الإنسان لا غير ، فإن كان مختلطا بأكل العذرة وغيرها ، كان مكروها لا محظورا.

ويحلّ الجلّال بالاستبراء ، فتستبرأ الناقة بأربعين يوما ، بأن تربط وتطعم علفا طاهرا هذه المدّة ، والبقرة بعشرين يوما ، والشاة بعشرة أيّام.

ولو جلّ أحد البهائم غير هذه الثلاثة ، حرم ووجب استبراؤه بمدّة يخرجه عن اسم الجلل ، بأن يصير غذاؤه أجمع ممّا يجوز أكله.

٦٢٣٧. الثالث : لو شرب الحيوان المحلّل لبن خنزيرة واشتدّ ، حرم لحمه ولحم نسله ، ولو رضع دفعة أو دفعتين فما زاد بحيث لا يشتدّ لحمه كان مكروها غير محظور ، ويستحبّ استبراؤه بسبعة أيّام ، فإن كان ممّا يأكل العلف كبشا وغيره أطعم ذلك ، وإلّا سقي من لبن ما يجوز شرب لبنه سبعة أيّام.

ولو شرب خمرا لم يحرم لحمه بل يغسل ويؤكل ، (٢) ولا يؤكل ما في جوفه ، وقوّى ابن إدريس الكراهية (٣).

__________________

(١) قال أبو هلال العسكري في التلخيص : ٢٨٨ : يقال للفأرة الغفّة ، وأصل الغفّة القوت ، وسمّيت الفأرة بذلك ، لأنّها قوت السّنّور.

(٢) في «أ» : ويطهر بالغسل ويؤكل.

(٣) السرائر : ٣ / ٩٧.

٦٣٣

ولو شرب بولا لم يحرم وغسل ما في بطنه وأكل.

ولو شرب لبن امرأة واشتدّ ، كره لحمه ولم يكن محظورا.

٦٢٣٨. الرابع : لو وطئ الإنسان حيوانا حرم أكل لحمه ولحم نسله ، ووجب إحراقه بالنار ، فإن اشتبه بغيره ، قسّمه قسمين ، وأقرع وهكذا حتّى تبقى واحدة.

الثاني : في الطيور

وفيه تسعة مباحث :

٦٢٣٩. الأوّل : يحرم من الطيور كلّ ذي مخلاب قوي به على الطائر ، كالبازيّ والصقر والعقاب والشاهين والباشق ، أو ضعف كالنسر والحدأة (١) والرخمة (٢) والبغاث (٣) والغداف من الغربان ، وهو الكبير الأسود الّذي يأكل الجيف ، ويفرس ، ويسكن الخربان ، وكذا الأغبر الكبير الّذي يفرس ويصيد الدراج ، وكذا الأبقع طويل الذنب ، وأمّا الزّاغ وهو غراب الزّرع الصغير الأسود ، ففيه قولان أقربهما الكراهية.

ويحرم الخفاش والطاوس ، وفي الخطّاف روايتان. (٤) وجزم ابن إدريس بتحريمه. (٥)

__________________

(١) في مجمع البحرين : الحدأة : طائر خبيث.

(٢) في المصباح المنير : ١ / ٢٧١ : الرخمة : طائر يأكل العذرة وهو من الخبائث ، وليس من الصيد.

(٣) في مجمع البحرين : البغاث ـ بالباء الموحّدة المثلّثة ـ : طائر أبيض ، بطي‌ء الطيران أصغر من الحدأة.

(٤) الوسائل : ١٦ / ٣٤٣ ، الباب ١٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث ١ و ٢ (والحديث الأوّل يدلّ على الحرمة والثاني يدلّ على الحلّ).

(٥) السرائر : ٣ / ١٠٤.

٦٣٤

٦٢٤٠. الثاني : يحرم من الطير كلّ ما كان صفيفه أكثر من دفيفه ، ولو تساويا ، أو كان الدفيف أكثر حلّ ، ويحرم أيضا ما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصيّة ، ويحلّ ما وجد فيه أحدها ما لم ينصّ على تحريمه.

٦٢٤١. الثالث : يكره الهدهد والفاختة ، والقبّرة ، والحبارى ، على رواية شاذّة (١) والشّقرّاق ـ بكسر الشين والقاف ـ ، والصّرد والصوّام ـ بضم الصاد ـ وهو أغبر اللون طويل الرقبة أكثر ما يبيت في النخل.

٦٢٤٢. الرابع : الحمام كلّه حلال كالقماريّ ، والدباسيّ ، والورشان ، والحجل ، والدّرّاج ، والقبج ، والقطا ، والطيهوج ، والكروان ، والكركيّ ، وكذا جميع الدجاج حبشيّا كان أو غير حبشيّ ، والصّعو (٢) ، والعصافير ، والقنابر ، والزرازير.

٦٢٤٣. الخامس : يعتبر في طير الماء ما يعتبر في طير المجهول ، فإن غلب دفيفه ، أو ساوى الصفيف ، أو كان له قانصة أو حوصلة أو صيصيّة ، حلّ ، سواء كان يأكل السّمك أو لا ، وإن لم يكن فيه شي‌ء من ذلك كان حراما.

٦٢٤٤. السادس : لو كان الطير جلّالا ، حرم حتّى يستبرأ ، فالبطّة وشبهها بخمسة أيّام ، والدّجاجة وشبهها بثلاثة أيّام ، وما عدا ذلك يستبرأ بما يزيل حكم الجلل.

__________________

(١) وكذا في السرائر : ٣ / ١٠٣ ، لاحظ الوسائل : ١٦ / ٣٥٠ ، الباب ٢١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث ١ و ٢ و ٣ ـ قال في الجواهر : ٣٦ / ٣١٥ بعد نقل الروايات : وهي غير دالة على الكراهة بل لعلّ صحيح كردين دال على الندب.

وقال في المسالك : ١٢ / ٤٧ : وأمّا الحبارى فما وقفت على ما يقتضي كراهتها ، وفي التحرير : «انّ به رواية شاذّة». ثم نقل الحديث الأوّل من الباب ٢١ من أبواب الأطعمة المحرمة وقال : وكأنّ نفي البأس يشعر بالكراهة.

(٢) في «أ» : والصّعوة.

٦٣٥

٦٢٤٥. السابع : يحرم الزنابير ، والذباب ، والبقّ ، والبراغيث ، وغير ذلك من المستخبثات.

٦٢٤٦. الثامن : البيض تابع ، فكلّ طير يؤكل لحمه حلّ أكل بيضه ، ويحرم بيض ما يحرم أكله ، فإن اشتبه ، أكل ما اختلف طرفاه ، واجتنب ما اتّفق.

٦٢٤٧. التاسع : المجثّمة حرام ، وهي الدّابّة أو الطير تجعل غرضا وترمى بالنشّاب حتّى تموت ، وكذا المصبورة ، وهي الّتي تجرح وتحبس حتّى تموت.

الثالث : حيوان البحر

وفيه خمسة مباحث :

٦٢٤٨. الأوّل : إنما يحلّ من حيوان البحر السّمك الّذي له فلس خاصّة ، وهو القشر ، ويحرم ما عدا ذلك ، سواء كان سمكا ليس له فلس أو لم يكن سمكا ، والجرّيّ بكسر الجيم حرام ، وكذا الجرّيث ، وفي الزّمّار والمارماهي والزّهو روايتان : إحداهما التحريم وهو قول ابن إدريس ، (١) والآخر الكراهية ، وهو قول الشيخ رحمه‌الله (٢).

ويحرم السّلحفاة والضفادع والرقاق (٣) والسّرطان (٤) وجميع حيوان

__________________

(١) السرائر : ٣ / ٩٩.

(٢) النهاية : ٥٧٦.

(٣) قال أبو هلال العسكري في التلخيص : ٣٩٢ : السّلحفاة ، بفتح اللام وسكون الحاء ، والجمع سلاحف ، وهي فارسيّة معربة ، وأصلها سولاح با ؛ وفي لسان العرب : ٥ / ٢٨٨ : الرّقّ : ضرب من دوابّ الماء شبه التّمساح.

(٤) قال في المسالك : ١٢ / ١٦ : والسّرطان بفتح أوّله وثانيه ، ويسمّى عقرب الماء.

٦٣٦

البحر ، كخنزيره وكلبه ، وما عدا غير السمك ذي الفلس على ما تقدّم.

٦٢٤٩. الثاني : يجوز أكل الكنعت (١) والرّبيثا بفتح الراء ، والإربيان بكسر الألف ، وهو أبيض كالدود والجراد ، والطّمر ـ بكسر الطاء وتسكين الميم ـ ، والطّبراني ـ بفتح الطاء ـ ، والإبلامي ـ بكسر الهمزة ـ ، لأنّها أسماك ذات فلوس.

٦٢٥٠. الثالث : يحرم الجلّال من السمك إلّا بعد استبرائه يوما إلى الليل في ماء طاهر ، يطعم شيئا طاهرا ، ويحرم ما نضب (٢) عنه الماء ومات قبل أخذه ، والطافي وهو ما يموت في الماء ، سواء مات بسبب كضرب العلق (٣) وحرارة الماء ، أو بغير سبب ، أو يموت في شبكة الصائد أو حظيرته.

ولو اختلط الميّت بالحيّ ولم يتميّز ، فالصحيح تحريم الجميع.

ولو وجد سمكة على الساحل ولم يعلم أذكيّة أم ميتة ، فليرمها في الماء ، فإن طفت على ظهرها ، فهي ميتة ، وإن طفت على وجهها فهي ذكيّة.

٦٢٥١. الرابع : إذا شقّ جوف سمكة فوجد فيها أخرى ، حلّت إن كانت ذات فلس ، وإلّا فلا ، واشترط ابن إدريس حياتها وقت الأخذ (٤) وهو جيّد ، أما لو شقّ جوف حيّة فوجد فيها سمكة ذات فلس ، قال الشيخ : إن لم تكن منسلخة حلّ أكلها وإلّا فلا (٥) وقال ابن إدريس : إنّما تحلّ لو كانت حيّة ، سواء انسلخت

__________________

(١) في مجمع البحرين : «الكنعد بالدال المهملة : ضرب من سمك البحر.

وفي السرائر : ٣ / ٩٩ : ولا بأس بأكل الكنعت ، ويقال أيضا : الكنعد ، بالدال غير المعجمة.

(٢) نضب الماء نضوبا من باب قعد : غار في الأرض. المصباح المنير : ٢ / ٣١٦.

(٣) العلق : دويبة حمراء تكون في الماء ، تعلق بالبدن وتمصّ الدم. النهاية لابن الأثير : ٣ / ٢٩٠.

(٤) السرائر : ٣ / ١٠٠.

(٥) النهاية : ٥٧٦.

٦٣٧

أو لم تنسلخ ، ولو كانت ميتة فإنّها لا تحلّ على التقديرين (١) وهو جيّد.

٦٢٥٢. الخامس : بيض السمك تابع ، فما كان مباحا فبيضه مباح ، وما كان حراما فبيضه حرام ، ولو اشتبه ، أكل الخشن لا الأملس.

الفصل الثاني : في غير الحيوان

فهو إمّا جامد أو مائع

النظر الأوّل : في الجامد

ويحرم منه خمسة أشياء :

٦٢٥٣. الأوّل : الأعيان النجسة إمّا بالذات كالعذرات ، وإمّا بالامتزاج كالأعيان الطاهرة إذا عرض لها التنجيس بملاقاة النجاسة ، فإن قبلت الطهارة حلّت بعد التطهير ، وإلّا فلا.

ولو باشر الكافر طعاما برطوبة ، نجس وحرم استعماله ، حربيّا كان أو ذميّا.

٦٢٥٤. الثاني : الميتة وفي حكمها كلّ ما أبين من حيّ يحرم أكله واستعماله والاستصباح به مطلقا ، أمّا الدهن إذا عرض له التنجيس فإنّه يجوز الاستصباح به تحت السماء خاصّة.

__________________

(١) السرائر : ٣ / ١٠٠.

٦٣٨

ويحلّ من الميتة ما لا تحلّ له الحياة ، كالصوف ، والشعر ، والوبر ، والريش ، بشرط الجزّ أو غسل موضع الاتّصال ، وكالقرن ، والعظم ، والظلف ، والسّن ، والبيض إن اكتسى القشر الأعلى ، والإنفحة مستثناة مما تحلّه الحياة من الميتة.

وسوّغ الشيخ رحمه‌الله استعمال لبس الميتة (١) للرّواية. (٢) والوجه المنع.

ولو امتزج الذكيّ بالميّت اجتنب الجميع حتّى يعلم الذكيّ منه ، ولو بيع على مستحلّ الميتة ، جاز مع قصد بيع الذكيّ ، والرواية الحسنة (٣) دالّة على الإطلاق.

ولو وجد لحما لا يدري أذكيّ هو أو ميتة ، قال الشيخ : يطرح في النار ، فإن انقبض فهو ذكيّ وإن انبسط فهو ميتة للرواية. (٤)

٦٢٥٥. الثالث : يحرم من الذبائح تسعة أشياء : الدم ، والفرث ، والقضيب ، والفرج ظاهره وباطنه ، والطحال ، والأنثيان ، والمثانة ، والمرارة ، والمشيمة ، وأضاف أكثر علمائنا (٥) النخاع ، وهو الخيط الأبيض الّذي ينظم الخرز ممتدّا من

__________________

(١) النهاية : ٥٨٥.

(٢) الوسائل : ١٦ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة ، الحديث ٣ و ٩ و ١٠.

(٣) الوسائل : ١٦ / ٣٧٠ ، الباب ٣٦ من أبواب الأطعمة المحرمة ، الحديث ١ و ٢.

(٤) التهذيب : ٩ / ٤٨ برقم ٢٠٠ ، ولاحظ الوسائل : ١٦ / ٣٧٠ ، الباب ٣٧ من أبواب الأطعمة المحرمة ، ذيل الحديث الأوّل.

(٥) منهم الشيخ في النهاية : ٥٨٥ ، وابن إدريس في السرائر : ٣ / ١١١ ، والقاضي في المهذّب : ٢ / ٤٤١.

٦٣٩

الرقبة إلى الذّنب ، والعلباء ، وهي عصبتان عريضتان صفراوان ، ممدودتان من الرقبة على الظهر إلى الذنب ، والغدد ، وذات الأشاجع ، وهي أصول الأصابع الّتي تتّصل بعصب ظاهر الكفّ ، والحدق الّذي هو السواد ، والخرزة الّتي في وسط الدّماغ الّذي هو المخّ ، ولونها يخالف لونه ، وهي بقدر الحمّصة ، إلى الغبرة ما يكون» (١).

وتكره الكلى ، وأذنا القلب ، والعروق ، وإذا شوي الطّحال مثقوبا حرم ما تحته من اللحم وغيره ، ولو كان اللحم فوقه ، حلّ خاصّة ، ولو لم يكن مثقوبا لم يحرم ما تحته.

٦٢٥٦. الرابع : الطين ، وكلّه حرام ، طاهرا كان أو نجسا ، ويجوز أكل الطين الأرمنيّ (٢) للمنفعة ، وكذا يجوز تناول قدر الحمّصة من تربة الحسين عليه‌السلام للاستشفاء.

٦٢٥٧. الخامس : السموم القاتلة قليلها ، حرام ، أمّا ما لا يقتل قليله ويقتل كثيره كالأفيون والسقمونيا وشحم الحنظل ، فانّه يجوز تناول القليل الّذي يؤمن معه التلف ، أمّا ما يخاف التّلف كالمثقال من السقمونيا ، فإنّه يحرم استعماله ، وكذا لو خيف تغيّر المزاج.

__________________

(١) هكذا أيضا في السرائر : ٣ / ١١١ ، وفي المسالك : ١٢ / ٦٢ مكان تلك الجملة : «تميل إلى الغبرة».

(٢) قال الشهيد الثاني رحمه‌الله : وهو طين مخصوص يجلب من إرمينية يترتّب عليه منافع ، خصوصا في زمن الوباء والإسهال وغيره ممّا هو مذكور في كتب الطبّ. المسالك : ١٢ / ٦٩.

٦٤٠