موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٦

في البلاط ونال إمارة الأمراء (بكلربكي). وكانت آدابه ومروءاته في الذروة من الكمال. وهو أخو سنان باشا فاتح اليمن ، الصدر الأعظم المشهور. ولي بغداد سنة ٩٥٢ ه‍ بعد أن عزل صولاق فرهاد باشا ، ثم نال الوزارة في واقعة البصرة ويأتي ذكرها.

وفي سجل عثماني أنه عهدت إليه بعد ذلك ولاية ديار بكر سنة ٩٥٦ ه‍. ثم ولاية أرضروم (أرزن الروم) وتوفي سنة ٩٦٧ ه‍. وفي قاموس الأعلام أنه أعدم في أرضروم لتسهيله هرب الشهزادة بايزيد إلى إيران عام ٩٦٦ ه‍. وله من الأولاد محمود باشا ومصطفى باشا ومن مماليكه الشاعر (صافي چلبي) المتوفى سنة ٩٩٧ ه‍.

حوادث سنة ٩٥٣ ه‍ ـ ١٥٤٦ م

البصرة تدخل في حوزة العثمانيين

إن حاكم البصرة راشدا كان عام ٩٤٥ ه‍ أظهر الطاعة وانقاد للأمر. أرسل ابنه إلى السلطان إلا أن مؤرخي الترك يقولون إنه نقض العهد فورد الأمر السلطاني إلى والي بغداد بإعداد المعدات الحربية وما يقتضي من جيوش لحربه فوجه الوالي عزمه نحوه خلال سنة (٩٥٣ ه‍). وساق الكتائب عليه بوجه السرعة. فالحكومة لم يرق لها أن تجاورها حكومة أو إمارة تمنع من الوصول إلى خليج البصرة أو تحول بينها وبينه ليتصل بالبحر الأحمر. وكانت داخلتها آمال لتوسيع السلطة وتمكنها في سواحل العرب والهند من طريق البحر فوجدت الضرورة أن تمضي في

٦١

٦٢

طريقها وتتخذ الوسائل للسيطرة على السواحل.

وفي سفر الوالي هذا مر بالنجف لزيارة (مشهد الإمام علي) (رض). ولما كان (شيخ قشعم) سلك طريق العصيان قام بتأديبه وكسر طغيانه بل قضى الوزير على حياته وأزال فتنته.

ثم سار إلى البصرة. ولما رأى حاكم البصرة أن لا قدرة له على المقاومة ركن إلى الفرار فدخل الوالي المدينة وقضى على حكومة راشد وسعى في تنظيمها وضبط إدارتها. وبذلك انقادت الأطراف ودخل لواء واسط ونواحي الجزائر في حوزة الدولة وصار العراق بحذافيره للدولة العثمانية ، وحينئذ تقلص ظل هذه الإمارة أو انقرضت. وكان حاكمها يتصرف بها على وجه الملكية. إلا أنها عادت بحالة خرجت عن أن تكون بشكل حكومة (١).

جاء في روضة الأبرار في حوادث سنة ٩٥١ ه‍ أن اياس باشا فتح البصرة في تلك السنة. وهذا غير صحيح لما ورد في النصوص السابقة. فالغلط فيه ظاهر (٢).

وجاء في فضولي من قصيدة مدح بها اياس باشا ذكر جهة البصرة والاستيلاء على الجزائر هناك كما في ديوانه التركي. مدح هذا الوالي بقصائد عديدة غير هذه تبلغ سبع قصائد. ولا شك أنها عدد وافر من فضولي الشاعر البغدادي.

__________________

(١) كلشن خلفا ومرآة كائنات ص ١٢٧ وأوليا جلبي ج ٤ ص ٤١٤.

(٢) روضة الأبرار ص ٥٥٥.

٦٣

قبيلة قشعم

معروفة في العراق برياستها القبائلية ، ولكن الأيام جردتها من قبائلها فصارت مفردة عن غيرها لمحافظتها على بداوتها. وأول ما ورد ذكرها في تاريخ العراق في حوادث سنة ٩٥٣ ه‍ ـ ١٤٥٦ م. وأول ذكر لها جاء في قصيدة للشاعر فضولي البغدادي مدح بها اياس باشا والي بغداد في انتصاره على هذه القبيلة كما أن صاحب گلشن خلفا بين أن هذا الوالي وجد هذه القبيلة سلكت طريق العصيان فقام بتأديبها. وأعاد القول فيها في حوادث سنة (١٠١٨ ه‍ ـ ١٠٢٠ ه‍).

ثم توالى ذكرها في التاريخ لمجلداته الأخرى ، ولا تزال إلى اليوم. والمعروف أن الرياسة القبائلية كانت لابن قشعم إلا أن القبائل التي تحت سلطته قد انعزلت منه واستقلت بتسميتها ، وعرفت بأسمائها الحالية وضعفت قدرته فتكونت من بيته قبيلة تفرعت إلى أفخاذ. ولم تعرف قبيلة قديمة باسم (قشعم) قبل هذا.

والظاهر أن هذه القبيلة من الأجود وابن جشعم أحد رجالها تولى رياستها. ولما سارت قبائلها إلى الحالة الريفية انفصلت من الرياسة العشائرية ، ولم تبق على البداوة ، وسألت الشيخ محمدا فقال لي إننا جشعم. وهي أصل. ولم يزد على ذلك. واختلف في أصلها. فمنهم يقول إن قشعما هو ربيعة بن نزار من القبائل العدنانية ، ومنهم من يقول إنهم من بني (ماء السماء) من القبائل القحطانية. والتدوينات جاءت للجهتين (١). ذكره في مطالع السعود وفي القاموس المحيط.

وكان الأستاذ يعقوب سركيس قد ذكر رئيسهم المعاصر عقابا فعدد

__________________

(١) مطالع السعود والقاموس.

٦٤

أجداده. ورأيت الشيخ محمدا وهو أخو عقاب فذكر لي الشيخ محمد أن أخاه هو الرئيس وهو (عقاب بن صقر بن ثويني بن عبد العزيز بن حبيب ابن صقر بن حمود بن كنعان بن مهنا بن ناصر بن مهنا بن سعد بن المنذر بن قسام بن ما (من) بن قشعم بن سعد بن غزي) ويدعون أنهم نزحوا من نجد في أيامه (١). وهذه الأسماء يصعب ضبطها. وبين ما ذكرته وما ذكره الأستاذ يعقوب تفاوت يسير.

وهؤلاء في تسلسلهم ورد ذكر بعضهم عند الكلام على وقائعهم. وتأتي في حينها. وليس هنا محل بيان الوقائع التالية لما بعد هذا الجزء.

والملحوظ أن هذه ليست أكثر من إمارة أو رياسة قبائلية فتعد ناظمة القبائل البدوية ، وأن المنتفق وإمارتها استقلت بناحيتها ثم فاقت على الكل ، ودخلت هذه وغيرها ضمنها ، بل إن الخزاعل صار لهم الذكر بعد ذلك كما كان لقبيلة عبادة قبلا ، ولخفاجة ... وإن قبائلهم مالت إلى الأرياف ، فانفصمت عرى القوة ، وتبعثرت الإمارة. وهكذا شأن القبائل في تحول مستمر وتطور لا حدود له ...

وفروع القشعم ، أخذتها عن الشيخ محمد (أخي رئيسهم) وهي :

١ ـ الشيوخ. كنعان وأسرته.

٢ ـ الناصر. رئيسهم سلطان بن ناصر.

٣ ـ آل چنعان. (هو كنعان) الوارد في عمود نسبهم. رئيسهم سرحان بن چنعان.

٤ ـ آل بندر. رئيسهم حسن.

٥ ـ اللهيب. رئيسهم شافي.

__________________

(١) كتاب (مباحث عراقية) للأستاذ يعقوب سركيس ص ٩١ وما بعدها وص ١٣١ وفيه تفصيل.

٦٥

٦ ـ آل شليهب. رئيسهم بريچي بن مطلك الرحال. ويلحق بهم :

١ ـ المخالي. رئيسهم شعلان آل صران.

٢ ـ الشهبان.

ويساكنهم الجنابيون ، والمهناوية منسوبة لجدهم (مهنا) وفيها المسعود واليسار ، والبو براطم. وفي أنحاء الكوفة (گرمة الجشعم) معروفة. ووقائعهم في العراق مدونة. وكانت لهم مكانة أذعنت لهم قبائل كثيرة بالطاعة ، وتولوا رياستها العامة. والآن في حالة ضعف ، ولكنهم لا يزالون محافظين على عزة نفوسهم ، ولا يفترقون عن البدو في اللهجة ، وقصيد البدو والحداء وسائر أدب البادية. وهم متصلون بالبدو من جهات عديدة. شاهدت الشيخ محمدا. وكان عارفا بأحوال البادية. وأكثر ما يحفظ شعر (رميزان) ، وشعر (راكان) من شعراء البادية. ويجاورهم بنو مالك في فروع كثيرة منها ، وخفاجة ، والأجود وقبائل أخرى.

هذا ، ولا مجال للتوسع بأكثر من هذا. والتفصيل في (كتاب عشائر العراق).

الوزير فرهاد باشا الصولاق أيضا

ولي بغداد للمرة الثانية بعد اياس باشا. وهذا معروف بالصلاح والتقوى وليس له آمال طمع. كان كاملا ، عارفا ، مؤرخا (١) توفي في بغداد ولم نتحقق تاريخ إمارته ولا زمن وفاته. وله ابن هو محمد باشا الوزير (٢).

__________________

(١) لم يعرف له تاريخ.

(٢) سجل عثماني ج ٣ ص ١٦ و ١٢٤.

٦٦

الوزير محمد باشا الصولاق

هذا هو ابن الوزير فرهاد باشا الصولاق. قاله في گلشن خلفا. وكان من أمراء الألوية ثم نال الإمارة في ولايات عديدة ولم يبين صاحب السجل العثماني تاريخ ولايته على بغداد.

وقال عنه : استشهد في إيران في شعبان سنة ٩٩٢ ه‍ ونعته بأنه باسل مقدام ، صادق مدبر (١). ولعل هذا هو الذي مدحه فضولي بقصيدة ، ولكن الوصف غير منطبق.

حوادث سنة ٩٥٤ ه‍ ـ ١٥٤٧ م

القاص ميرزا

هذا أخو الشاه طهماسب التجأ إلى السلطان سليمان القانوني سنة ٩٥٣ ه‍ فنال كل احترام وتكريم. ومن ثم وجه السلطان عزمه نحو إيران فعبر إلى جانب اسكدار في ١٨ صفر سنة ٩٥٥ ه‍ وأرسل القاص ميرزا نحو بلاد الشرق وبعد أيام سار السلطان. سمع الشاه بذلك فتوارى عن الأنظار ، وكان استولى العجم على مدينة (وان) باعتبار أنها (مفتاح إيران) فحاصرها السلطان ولما لم تر بدا من التسليم سلمت جيوشها إلى السلطان. وكان أمله أن يضبط تبريز ويجعل القاص ميرزا واليا عليها ، ولكنه خاب ظنه فيه لما علم عنه من بعض الأوضاع ، وبعد ذلك مال السلطان عن تبريز نحو حلب بأمل أن يقضي الشتاء في أنحاء ديار بكر ، وفي هذه الأثناء حدثت بعض الوقائع مع الإيرانيين.

وإن السلطان عند عودته إلى ديار بكر أرسل لمحافظة بغداد الوزير الثاني الحاج محمد باشا وسير معه مقدارا من الجيش. ورجع إلى العاصمة.

__________________

(١) سجل عثماني ج ٣ ص ١٢٤.

٦٧

وفي هذه الأيام اغتنم القاص ميرزا الفرصة فهاجم أثقال الشاه وخزانته في جهات أصفهان وقم وقاشان فغنم غنائم وافرة بعد أن كان استأذن السلطان وكان مغبرا منه ، فلم يشأ أن يشاهده فأذن له. وكانت هذه الغنائم لا توصف في نفاستها ولا تعد في كثرتها.

وحينئذ شتى السلطان في ديار بكر. ثم مضى إلى حلب. وجاءته الهدايا المرسلة مع عزيز الله ، فخلع عليه السلطان وأرسل بالخلعة الفاخرة والسيف المرصع والأوطاغ ثم إن القاص ميرزا شوش أمر إيران ومال إلى أنحاء شهرزور إلى محل يقال له (كسك چنار). وكان قد أصابته حمى هناك ، فعلم به رجال الشاه طهماسب. فهاجموه على غرة فأخذوه أسيرا ، فحبسه الشاه في المحل المعروف بـ (قهقهة). ثم مات ومنهم من قال سم في سجنه. قال ذلك في تاريخ صولاق زادة. وجاء في گلشن خلفا أنه ذهب إلى بغداد فقضى بضعة أيام حتى أنه مال عن السلطان وحاول التقرب من الشاه فكان ذلك وسيلة القبض عليه. فساء مصيره (١).

الوزير الحاج محمد باشا

الحاج محمد باشا الوزير ولي بغداد في أيام القاص ميرزا وهو الوزير الثاني للدولة كما ذكر في تاريخ صولاق زادة. ولم يتعين لنا بالضبط تاريخ ولايته ولا معرفة أعماله. ولعله ممدوح فضولي في قصيدة له. ولم يظهر لنا التفصيل عن حياته.

والي بغداد تمرد علي باشا

إن صاحب گلشن خلفا ذكر أنه كان واليا على بغداد ثم خلفه

__________________

(١) تاريخ صولاق زاده ص ٥١٢ وكلشن خلفا ص ٦٣ ـ ١.

٦٨

محمد باشا البالطه چي سنة ٩٥٦ ه‍. وفي هذا ما يشير إلى أنه كان واليا لما قبل هذا التاريخ. أما صاحب (سجل عثماني) فيذكر عنه أنه «نشأ في البلاط الداخلي وصار أمير العلم وآغا الينكچرية وبتاريخ ٩٤٨ ه‍ عزل فصار من الأمراء. وفي عام ٩٥٦ ه‍ صار أمير أمراء بغداد. تحارب في البصرة وبعد انتصاره عاد إلى بغداد وفي سنة ٩٥٩ ه‍ عزل. ثم تقلب في مناصب عديدة آخرها ولاية الشام وتوفي فيها سنة ٩٧٨ ه‍. وهو صاحب دين وخير ، ولم يكن من أهل الأطماع» ا ه (١).

نعته صاحب السجل بأنه غرو علي باشا. وهذا غلط نسخ أو طبع. والذي عليه الجمهور أنه (تمرد علي باشا).

وصفه عهدي البغدادي بما نصه :

«كان من باشوات الأناضول ، ممن ملىء علما ، وبرع في الفروسية ، نبغ في الآداب الفارسية فلا نظير له فيها. ومعروف في إبداع التواريخ ، وله في شروط الفقه نظر تام ، وكان من أهل التجرد (الصوفية والنساك) فهو ممتاز بل فريد بين أقرانه ، وفي حد ذاته زاهد ، ذو اعتقاد طاهر ، يراعي الأوقات الخمسة ، ويقضي أزمانه بالتقوى والصوم والصلاة ويعدها حتما عليه. ذهب للحج وأدى فريضته وله شعر فارسي ...» ا ه.

وأورد له صاحب التذكرة جملة صالحة من الشعر وذكر عهدي أنه قضى مدة معه لتكمل الفضائل منه ليل نهار. وكان الأولى أن يسمى (تجرد علي باشا) لما فيه من صفة التجرد أي علي باشا المتجرد. والشيوع لا يقاوم ولا يصد تياره.

ومهما يكن من الأمر فقد كان واليا على بغداد ولم يظهر له عمل يذكر. ثم خلفه محمد باشا البالطه چي. ولم نجد من الوثائق ما يجلو

__________________

(١) سجل عثماني ص ٥٠٠.

٦٩

عن حالته أكثر. وهو بالنظر لتوالي النصوص جاءت ولايته تالية للحاج محمد باشا الوزير الثاني السابق الذكر.

حوادث سنة ٩٥٦ ه‍ ـ ١٥٤٩ م

والي بغداد محمد باشا البالطه جي

في هذه السنة ولي بغداد أمير أمراء سيواس سابقا بعد عزل تمرد علي باشا. وهذا من (بوسنة) تربى في البلاط الداخلي ثم حصل على إمارة أنطاكية وبعدها صار مير لواء سلسترة ، ثم اشقودرة وآخرها سيواس. وفي سنة ٩٥٦ ه‍ حصل على ولاية بغداد للمرة الأولى. وإنما لقب بهذا اللقب لأنه كان خشن الكلام ... (١).

واقعة جزائر البصرة

قالوا : وفي هذه السنة حدث اضطراب في ايالة البصرة وصار الأعراب يقطعون السبل ويتعرضون بالمارة ويؤذون الخلق. فلما علم السلطان بخبرهم عين (محافظ بغداد) الوزير تمرد علي باشا قائدا للقضاء على غائلتهم وتأديب ثائريهم وعين لولاية بغداد أمير أمراء سيواس محمد باشا البالطه چي فاهتم كل بما عهد إليه وجهز الوالي مقدارا من الينكچرية ، وإن القائد تمرد علي باشا اشتغل بإعداد العدد وتجهيز الجيوش وسار برا ونهرا حتى وصل بلدة واسط فضرب خيامه هناك. فاستقبله أمير لوائها علي بك بكمال الإجلال والاحترام فبادرا معا وذهبا إلى جهة البصرة. وتقدما نهرا فوصلا بلدة (المدينة) (٢). مستقر (آل عليان) حكام الجزائر فأحدثا الرعب في تلك الأطراف.

__________________

(١) سجل عثماني ص ١١٥ وكلشن خلفا ص ٦٣ ـ ١.

(٢) بالتصغير لا تزال موجودة.

٧٠

أما الأعراب فإنهم تأهبوا للمقارعة ، فحدثت معركة دامية ظهر فيها النصر لجهة الوزير وتبعثر أمر العشائر وتشتت شملهم. وفي تلك الليلة قصد العربان العودة والهجوم ليلا على الجيش بأمل القضاء عليه ولكنهم لم ينالوا غرضهم ولم يتيسر لهم ما أملوا ، فكان أضر بهم ذلك ، ودمروا.

وفي اليوم التالي بادروا صباحا للدخول في معركة أخرى فكان الهول أكبر وقتلت نفوس كثيرة بصورة مرعبة. وفي هذه المرة نالهم ما نالهم في الأولى ، فهرب أمير المدينة ولم يطق البقاء. هذا ما قالوه وليس هناك قطع سبل وإنما هو جدال عن حياة ودفاع عن استقلال أرادت الدولة القضاء عليه.

حوادث سنة ٩٥٧ ه‍ ـ ١٥٥٠ م

بقية الحوادث السابقة :

بعد هذه المعارك وفي خلال سنة (٩٥٧ ه‍) دخلت (المدينة) في حوزة القائد الوزير ولكن أطرافها لا تزال مأهولة بالعربان فلم يذعنوا بالطاعة. استمروا في الكفاح ، فقام الوزير في تعمير البلد والسور ومن ثم أطاعت سائر النواحي من الجزائر. وحينئذ أتم الوزير مهمته وعاد إلى بغداد بكمال الأبهة.

وبهذا ولي وزارة بغداد إلا أنه لم يطل أمد بقائه فيها فعزل على ما سيوضح.

الوالي بهرام باشا

ولي بغداد سنة ٩٥٧ ه‍ بعد محمد باشا البالطه چي لكنه لم يبق في هذا المنصب كثيرا وكان من متخرجي البلاط الداخلي ومن صغره ظهرت مواهبه. ونعته صاحب گلشن خلفا بأنه لا يمنع نفسه عن هوى.

٧١

يميل إلى الارتشاء أو هو معروف عنه. ثم نال إمارة روم إيلي وتوفي بعدها ... (١).

والي بغداد تمرد علي باشا

ولي للمرة الثانية سنة ٩٥٧ ه‍ بعد عودته من أنحاء البصرة. وكان على خلاف ما عليه بهرام باشا في سلوكه. مرت ترجمته وتبينت مكانته العلمية والأدبية ، وفيها ما يغني عن إعادة القول. بقي في الولاية إلى سنة ٩٥٩ ه‍ ومن ثم حدث اضطراب في أنحاء شهرزور فعرض الأمر على حكومته فاهتمت له وأودعت حكومة بغداد إلى محمد باشا البالطه چي.

حوادث سنة ٩٥٩ ه‍ ـ ١٥٥١ م

والي بغداد محمد باشا البالطه چي

إن وقعة شهرزور كانت الباعث لأن يوجه منصب بغداد إليه. وكان واليا في بغداد قبل هذا فهو أبصر بإدارة الحالة ، فأودعت إليه هذه المهمة.

حادث شهرزور

كانت شهرزور حين الفتح العثماني أذعنت بالطاعة للسلطان سليمان وإن حاكمها الأمير (بكة) (٢) تقدم لخدمة السلطان وتأييدا لهذا الخضوع قدم ابنه (مأمون بك) رهينة ليكون في خدمة السلطان فسلمه إلى والي بغداد آنئذ سليمان باشا وهذا أودع إليه عدة إمارات ألوية متوالية

__________________

(١) كلشن خلفا وص ٣٢ من سجل عثماني.

(٢) بكر دخل لهجة الكرد فصار بكه وذكره صاحب الشرفنامة بلفظ (بيكه). وفي الشرفنامة أنه توفي سنة ٩٤٠ ه‍. والصواب ما جاء هنا.

٧٢

فكان لواء الحلة من آخرها. بقي فيه. فكانت شهرزور تعد من ممالك الدولة. وكانت مدينتها تدعى (قلعة زلم) (١) لمناعتها وإحكامها ، من جراء أنها جبلية ، صعبة الاجتياز ، يعسر الوصول إليها ، محاطة بالكرد من كل جانب. وفي سنة ٩٥٩ ه‍ ظهر في أنحائها تشوش وتدخل القزلباشية. فاضطربت حالتها لما أصاب رعاياها من وقائع مؤلمة. ومن انتهاك الحرمات ما لا يوصف سواء في نفوسهم أو أموالهم فأخبر الوالي تمرد علي باشا دار السلطنة بما علم وبالتعبير الأولى أوضح اختلال حالتها ، وسهولة الاستيلاء عليها ، فكان هذا من بواعث تعيين الوالي الجديد. فوضت القيادة إلى عثمان باشا والي حلب وجهز بمقدار كبير من الينكچرية وكذا أودعت إليه قيادة سائر الجيوش من الايالات الأخرى المرسلة لهذه الغاية. وصدر الفرمان بأنه إذا افتتحها يكون أميرا عليها. استغلوا وقوع النزاع ، فقاموا بما قاموا به.

وعلى هذا سارت الجيوش من كل صوب. وبعد أن جلس الوزير في حكومة بغداد جهز جيش بغداد بعدد كاملة من مدافع وبنادق (٢) مزودين بمعدات حربية أخرى. وحينئذ ألحقهم الوالي بجيش عثمان باشا قرب شهرزور وتوالى الأمراء من كل صوب من أكراد وغيرهم وتجمعوا على المدينة فأرهبوها بمدافعهم ، وضربوا خيامهم في الأنحاء القريبة منها. فوقعت معارك دامية بين الفريقين. واشتدت نيران الحرب. وعلا صوت المدافع والبنادق ومع هذا كله لم يتيسر به الفتح فأيس القوم من الاستيلاء على المدينة لمناعتها.

__________________

(١) سماها صاحب الشرفنامة (قلعة ضلم). وجاء ذكر الجبل الذي تسمت باسمه في ياقوت الحموي في معجم البلدان بلفظ (زلم). والترك يقولون (ظالم قلعه) لما لحقهم من ضرر في حروبها فاخترنا ما نطق به جغرافيونا وعلماؤنا.

(٢) البنادق تسمى عند العوام تفك ، وتفنك والواحدة تفكة. أو تفنكة والترك يقولون (تفنك).

٧٣

وكان في النية أن تتخذ قلعة أمامها للمطاولة مع المحصورين ولكن الأجل المحتوم وافى القائد (السردار) فحال دون المرام فرجع الجيش إلى بغداد وكل جيش سار لجهة وضرب لوجهه فتفرقت الجموع ومن ثم عرض الوالي ما جرى لدولته وبين ما وقع.

القائم مقام :

علم السلطان بالحالة فأمر الوالي أن يكون سرادارا لفتح تلك القلعة ، وتسخير اللواء ، فامتثل الأمر. وصار قائدا وحينئذ نصب الوالي مكانه (سهيل بك) أمير لواء الرماحية في بغداد لإدارة شؤون البلدة بالنيابة عنه مدة غيابه. وهذا أول (قائممقام) عرف لحد الآن. والمصطلح انتقل من أصل الحكومة وشاع في الولاية ويراد به خلف الوالي أو من استخلفه. وفي العاصمة يطلق القائممقام على من ينوب عن الصدر الأعظم عند ما يغادر العاصمة لحرب أو غيره فيخلفه. وكذا من ينوب عن السلطان أيام سفره ومغادرته عاصمته (١).

الدوام على حصار شهرزور :

ولما صار الوالي قائدا أمره السلطان بلزوم تسخير المدينة. وعلى هذا وبعد مرور بضعة أيام توجه نحو الغاية المطلوبة. وحط رحاله في محل قريب من هناك يقال له (كسك چنار) فنزله. واستراح بضعة أيام. وكان أخذ صحبته من أمراء الأكراد بكر بك وكان شيخا محترما. وولي بك من أصحاب التدابير الصائبة. ذهب هؤلاء صحبة الكتخدا إلى حاكم شهرزور (سرخاب بك) بقصد ترهيبه من جهة وترغيبه من أخرى وقدموا

__________________

(١) يسمى في هذه الأيام (مجلس النيابة) وإذا كان شخصا بعينه قيل (نائب جلالة الملك) ، أو (نائب سمو الوصي). وهو خلفه. وهذا هو الاستخلاف. وأما في الوزارة فينوب أحد الوزراء عن رئيس الوزراء أو عن وزير آخر بالوكالة.

٧٤

له رسائل فيها نصائح مقنعة بخصوص جلبه للطاعة والإذعان. وكانت زوجة سرخاب بك قد أسرت أيام عثمان باشا السردار السابق (قائد الحملة). وهذا نظرا لعفته وشهامته أعادها إلى سرخاب بك وبهذا مال لجهة العثمانيين. ورضي عنهم من جراء عملهم هذا. أذعن من تلقاء نفسه ورغب أن يرتبط بالدولة فيخضع لها.

ذلك ما دعا أن يدخل في أمر الصلح فأخرج من البلدة جميع أرزاقه ، وقدم طاعته وأبدى إذعانه التام. وفي حدود سنة ٩٦١ سلم المدينة للحكومة فصارت شهرزور ومضافاتها وتوابعها مثل قلعة هاور ، وقلعة نقود ، وقلعة پاسكه ، وقلعة شميران ، وقلعة فرنچه من جملة الممالك العثمانية. فافتتحت جميعها والتحق أيضا أوغورلو بك من العجم ، وسرخاب بك الأمير السابق ومعهم نحو ألفي بيت من أقاربهم وسائر أتباعهم وطوائفهم. وسلموا مفاتيح القلاع الأخرى وكانت بأيدي أمرائها محمد سيف بك أمير بانه ، ويوسف بك أمير دستاره ، وبوداق بك أمير بروج. وكذا القلاع الأخرى التي بيد أورخان بك وجهان شاه بك فأبدوا طاعتهم وانقيادهم.

وبهذا نال الباشا توجها وإقبالا ، وسعدا. أبقى ما يكفي لإدارة البلدة من عساكر ومحافظين وعين لها أمير لواء (ولي بك) ثم توجه نحو همذان بما لديه من قوة. وفي هذه الأيام ألقى السلطان الرعب في قلوب الإيرانيين حينما كان في حدود نخچوان وأبدى سلطة وهيبة ثم عاد إلى دار السلطنة. وحينئذ ورد الخبر السريع إلى الوزير يأمره فيه السلطان بالرجوع إلى بغداد نظرا لما علم من أن الشاه طهماسب متأهب للاستيلاء على بغداد ، فكان من الضروري أن يرجع إليها ليأخذ عدته ويتأهب للطوارىء المتوقعة. وعلى هذا لم ير بدا من العودة فعاد إليها (١).

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٦٤ ـ ١.

٧٥

شهرزور ـ إمارة أردلان

إمارات الإقطاع في العراق تكونت من أمد بعيد ترجع به إلى أيام العباسيين. وإن شهرزور كانت بيد أمراء السلجوقيين وآخرهم الأمير قفجاق. ثم انقادت لاتابكة الموصل ، وبعدها لآل بكتكين فالعباسيين. وفي أيام المغول تابعوهم وبانحلال هؤلاء تغلبت القبائل وقوي نفوذها. وفي أيام العثمانيين كانت (إمارة أردلان) هي المسيطرة ، وكذا إمارات أخرى ولكن لم تكن في قدرتها.

إن لواء شهرزور من ألوية العراق المهمة. ويسمى الآن (لواء السليمانية). ويقطنه الأكراد قبائل وإمارات وفي هذا العهد شوهدت (إمارة أردلان) ، يجاورها إمارات أخرى أو قريبة منها ، ولم تكن في الحقيقة إمارة بالوجه الصحيح ، وإنما هي عشائرية. وتكونت إمارة أردلان في أواخر أيام المغول ، أو بعدها بقليل. وإن مؤسسها (بابا أردلان). كان قد عاش بين قبائل (گوران) ، وهو في الأصل من ذرية أحمد بن مروان من ذرية ولاة ديار بكر ومنهم من قال أولاد بابك بن ساسان.

ولما توفي بابا أردلان خلفه ابنه (كلول) ، ثم توالى أبناء هذا وأحفاده :

١ ـ خضر بن كلول.

٢ ـ الياس بن خضر.

٣ ـ خضر بن اليس.

٤ ـ حسن بن خضر.

٥ ـ بابلو بن حسن.

٦ ـ منذر بن بابلو.

٧٦

وإن هذا الأخير وزع ملكه بين أولاده :

١ ـ بيكه بك. وكان نصيبه :

(١) قلعة ضلم. (زلم) أو (قلعة ظالم).

(٢) تغر.

(٣) شمران. وهذه باسم جبل شمران. وهو معروف في تلك الأنحاء وينطقون به (شميران) و (شميلان). مر ذكره.

(٤) هاوار.

(٥) سيمان.

(٦) راودان.

(٧) كل عنبر (حلبچة).

٢ ـ سرخاب بك. وكان سهمه :

(١) لوى.

(٢) مشيله.

(٣) مهروان (مريوان). وأصل تلفظها (مهربان) فتصرفت اللغة الكردية به.

(٤) تنوره.

(٥) كلوس.

(٦) نشسكان.

٣ ـ محمد بك وكانت حصته :

(١) سروجك.

(٢) قراطاق. قراداغ أو قرداغ.

(٣) شهربازار.

٧٧

(٤) الان.

(٥) دمهران.

جاءت وقائع شهرزور في أيام هؤلاء الأخيرين ، وإن الدولة العثمانية قارعتهم كثيرا حتى قضت على إمارتهم بعد أن جادلوا جدالا عنيفا ، وأيست الدولة مرات من الاستيلاء عليهم.

وإن بيكه بك كان قد طال حكمه ٤٢ سنة جاء في الشرفنامه أنه توفي سنة ٩٤٠ ه‍. والصواب أنه أدرك عهد السلطان سليمان ولم يعرف تاريخ وفاته بالضبط. ومن أولاده :

(١) إسماعيل.

(٢) مأمون. وخلفه ابنه محمد بك. وتوفي أثناء حصار قلعة ضلم (زلم).

ظهرت الدولة العثمانية بعد فتح بغداد. وإن (لواء شهرزور) بعد مأمون بك صار بيد عمه (سرخاب بك). وإن الوقائع علمتهم السياسة وكيف يميلون مرة إلى الدولة العثمانية وأخرى إلى الدولة الصفوية. وكانت أطماع الدولتين في العراق وأنحائه على أشدها.

أعقب سرخاب بك أولادا كثيرين ، وعمر طويلا ، فخلفه ابنه سلطان علي. وهذا أعقب ولدين تيمور خان ، وهلو خان وكانا صغيرين فولي الأمر عمهما (بساط بك بن سرخاب بك). وهذا نازعه ابن أخيه (تيمور خان) ، ثم ولي الأمر بعد وفاة عمه بساط بك. وفي سنة ٩٩٨ ه‍ قتل تيمور خان ، فقام مقامه أخوه (هلو خان). ودامت إمارته إلى سنة ١٠٠٥ ه‍ (١) وما بعدها.

__________________

(١) الشرفنامه ص ١١٧ وما بعدها.

٧٨

وهذه الإمارة لم يعد لها ذكر مدة ، ثم ظهرت برياسة عشائرية ـ على ما هو المنقول من رجالها ـ وقطنت المحل المعروف اليوم في جبال (هاورمان) ، وتسمى قبائلهم الآن باسم قبائل (هاورمان). يسكنون في لحف الجبل ، وقسم منهم تابع لإيران. والقسم الآخر للعراق من لواء السليمانية. فهناك :

١ ـ هاورمان لهون. نصفها عراقية والنصف الآخر إيرانية. والعراقية داخل خورمال من قضاء حلبچة (البچه).

٢ ـ هاورمان رژاو. تابعة لإيران.

٣ ـ هاورمان دزلي. لهم قرى في العراق ، وأخرى في إيران.

وتاريخها المحفوظ لديها يرجع إلى سنة ١٠١٥ ه‍ إلا أن هذا لم يستند إلى نص تاريخي ولم يوصل بما مرّ. ومنهم من ينكر علاقة هؤلاء بالأردلانيين. ظهرت وقائع هؤلاء كثيرا. وأصلهم ما ذكرت ، ولا محل لتفصيل إمارة هؤلاء الموجودة اليوم ، ومن أهم وقائعهم ما كان أيام (مدحة پاشا) على ما نتناوله في حينه. وكل ما علمناه أن الدولة العثمانية حاولت أن لا تترك لهم باقية إلا أن لهم صفحة مهمة من تاريخ شهرزور أوضحنا عنها في كتابنا (شهرزور ـ السليمانية).

حوادث سنة ٩٦١ ه‍ ـ ١٥٥٣ م

حاكم العمادية :

في سنة ٩٦١ ه‍ كان السلطان أرسل حاكم العمادية السلطان حسين بك بشجعان الأكراد إلى جانب آذربيجان. ولما رجع بلغه أنه في موضع يقال له (تخت سليمان) اجتمع بضعة آلاف من القزلباشية مع أبي الفتح سلطان وحمزة سلطان وعلي سلطان وخضر وإبراهيم قولي وخليفة. وكانوا قد قصدوا بغداد وحواليها ، فتوجه إليهم حسين بك بمن معه

٧٩

وقاتلهم قتالا عنيفا ، فكسرهم. ومن ثم وصل الخبر إلى الركاب الهمايوني عند نزوله قلعة بايزيد ففرح وأكرم حسين بك وزاد في إيالته (١).

إمارة العمادية

كانت إمارة العمادية أقرب إلى البداوة. يقال لها (إمارة الهكارية). و (جبال الهكارية) هناك فسميت باسم جبالها. ولم تكن لها إدارة منظمة ، ولا راعت لوازم الحكم جاءتنا أخبارها مبتورة ، فلم يدون عنها إلا اليسير وإن كانت من أقدم ما عرف.

ولما أراد عماد الدين زنكي أول أتابكة الموصل التسلط على الهكارية لجأوا إلى مدينة (آشب) وتعرف بقلعة (الشعباني) ، فخربتها الحروب وطال الحصار مدة. وفي سنة ٥٣٧ ه‍ أذعنوا بالطاعة للأتابك. ولكنه لم ينتزعها من يد الهكارية. دامت بأيديهم إلى أيام المغول منقادين له.

وبعد أيام المغول تسلط عليهم (البهدينانية) وهم أولاد عم (الشمدينانية). ذكرتهم في (عشائر العراق الكردية) (٢). ولكن الهكارية لا يزالون باقين إلا أنهم ضاقت إمارتهم أو صاروا تابعين. والبهدينانيون يدعون أنهم (عباسيون) مع العلم بأن البهدينانة والشمدينانية أولاد عم ، من الجولمركية وهم أمويون. وبسطنا القول في البهدينانية في (كتاب العمادية) (٣).

وكان بدء حكمهم على العمادية بعد سنة ٧٤٠ ه‍ إلا أن تاريخ هذه

__________________

(١) منهل الأولياء ص ٢٧ لا يزال مخطوطا.

(٢) عشائر العراق الكردية ص ١٩١.

(٣) لا يزال مخطوطا.

٨٠