موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٦

مرعيّا في أكثر الممالك الإسلامية. وشيوع فقهه كاف ومغن عن إحياء ذكرى أخرى. وغالب الصحابة الكرام لا تعرف قبورهم (١).

وقد ذكر أوليا چلبي أن السلطان خصص مبلغ مائة ألف دينار لهذه التعميرات ولقبة الشيخ عبد القادر الجيلي (الگيلاني).

وهنا قصرنا البحث على الحادث وإلا ففي كتاب (المعاهد الخيرية) مباحث مسهبة عن (جامع الإمام أبي حنيفة) ومدرسته وما لحقها من تعميرات.

٣ ـ حضرة الشيخ عبد القادر وجامعه :

جاء في سليماننامه : «رأى السلطان أن قد وهى مزار الشيخ عبد القادر ، وعاد أنقاضا بالية ، فأمر أن ترفع له قبة عالية ، وأن تتخذ دار ضيافة للفقراء والأرامل ، وأهل البلد ومن حولهم فقاموا بالأمر ..» ا ه (٢).

ولا شك أن الجامع موجود من أيام السلطان سليمان القانوني ، تشهد بذلك منارته القديمة البيضاء. وكذا خيراته. إلا أن التعمير العظيم ورفع سمك القبة للمصلى كان أيام سنان باشا المعروف بچغاله زاده.

وجاء في أوليا چلبي أن السلطان سليمان حينما فتح بغداد بنى قلعة لمرقد الإمام الأعظم وجامعا ودار ضيافة كما أنه عمر قبة عالية للشيخ عبد القادر الجيلي وجامعا وتكية وعمارة وجدد خيرات أخرى ،

__________________

(١) تاريخ البجوي ج ١ ص ١٨٤ و ١٨٥ وما بعدهما وهناك تفصيل ما جرى من التحري على قبر الإمام الأعظم وتعميره. والكتاب في مجلدين يتضمن حوادث الدولة العثمانية من سنة ٩٢٧ ه‍ إلى سنة ١٠٤٩ ه‍. من تأليف إبراهيم البجوي المتوفى سنة ١٠٦١ ه‍ وذيل عليه مصطفى بن أحمد البلغرادي من سنة ١٠٤٥ ه‍ إلى سنة ١٠٦١ ه‍.

(٢) سليماننامه ص ١١٩.

٤١

٤٢

عين لها أوقافا ... (١).

وجاء في تاريخ الغرابي : «في سنة ٥٦١ ه‍ توفي الشيخ الجيلي قدس سره في بغداد وهو من أولاد الحسن بن علي بن أبي طالب (رض). وأمه أم الخيرات أمة الجبار فاطمة بنت أبي عبد الله الصومعي ... (إلى أن قال) ولما مات دفن بمدرسته في بلدة بغداد ، وبني على قبره ميل. ولما جاء السلطان سليمان إلى بغداد هدم الميل وبني عليه قبة شاهقة. وبعد أسس سنان پاشا بجوار القبة جامعا ولم يتفق له إكماله وإنما بنى منه مقدار ثلثه وبعد مضي سنوات كمله والي بغداد علي باشا ابن الوند في العقد التاسع من المائة العاشرة ، ثم ألحق رواقان أحدهما من جانب الغرب بحذاء الجامع والآخر من جانب الشرق محاذ لقبة ضريحه قدس سره ، وبعد في سنة ١٠٨٤ ه‍ ألحقت ظلة قدام الجامع والقبة والرواقين. وفي مقابلة هؤلاء حجر متعددة يسكنها الفقراء من أهل التقوى والصلاح وحضرته معمورة بتلاوة القرآن ، والأذكار ، ومذاكرة العلم بحيث لا تخلو من ذلك ليلا ونهارا. والحمد لله الذي جعلنا وآباءنا وأجدادنا من خدام حضرته الشريفة ...» اه (٢).

وهذه القبة غير قبة الجامع ، لا تزال قائمة بديعة البناء والصنع شاهدة بمعرفة بانيها ، مشيرة إلى قدرته الصناعية. ولعل هذا العمل كان تجاه أعمال الصفوي وصرفه المبالغ في سبيل مراقد الأئمة. وكان الأولى بالاثنين أن يرفهوا على الأهلين وينقذوهم مما هم فيه من بلاء الحروب وانتهاك الحرمات ولكن المظاهر آنئذ هي المطلوبة المرغوب فيها لجذب العوام واستهوائهم لجانبهم. ولا تزال قبة الضريح رفيعة

__________________

(١) ج ١ مخطوط عندي.

(٢) تاريخ الغرابي ورقة ١٢٩.

٤٣

البنيان ، عظيمة الأثر ولعلها نفس القبة التي هي من آثار السلطان المشهودة لكنها دخلها الإصلاح بتغطيتها بالكاشي ... والغرض من هذه العمارة بيان احترام السلطان لصاحب المرقد وإجلاله. وأكثر جهود السلاطين مبذولة لهذه الناحية ...

والتفصيل في كتاب (المعاهد الخيرية). وجاء في تاريخ رمضان زاده محمد النشانجي أن من حسنات السلطان سليمان أنه عمر مشهد الشيخ عبد القادر الگيلاني وجامعه. ولم يتوسع وإنما راعى الإيجاز في كل مباحثه.

٤ ـ تعمير الجامع والحضرة الكاظمية :

ثم إن السلطان زار مرقدي الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد ورتب لخدام الحضرات وظائف من خزانة بغداد. وكان الشاه إسماعيل بدأ بعمارة الحضرة والجامع فلم يتمهما فأصدر السلطان فرمانه بتكميلهما.

قال ذلك صاحب كلشن خلفا (١). وجاء في مساجد بغداد للأستاذ محمود شكري الآلوسي أن الشاه إسماعيل كتب على جدران المسجد :

«بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بإنشاء هذه العمارة الشريفة سلطان سلاطين العالم ظل الله على جميع بني آدم ، ناصر دين جده الأحمدي ، رافع أعلام الطريق المحمدي ، أبو المظفر الشاه إسماعيل ابن الشاه حيدر ابن جنيد الصفوي الموسوي. خلد الله تعالى ألوية الدين المبين بملكه وسلطانه ، وأيده لهدم قواعد أهل الضلالة بحجته وبرهانه. وحرر ذلك في سادس شهر ربيع الثاني سنة ٩٢٦ الهلالية» (٢).

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٦٢ ـ ١.

(٢) تاريخ مساجد بغداد ص ١١٧.

٤٤

وفي هذا وفي كلشن خلفا ، ما يؤيد أن الجامع والحضرة قد بنيا ولم تتم عمارتهما ، فأتم السلطان سليمان ذلك بل لم يتم كل ما هنالك فإن المنارة لم تكمل إلا في سنة ٩٧٨ ه‍ أيام السلطان سليم الثاني. أوضحت ما جرى على هذه الحضرة والجامع من التعميرات لمختلف الأزمان في كتاب (المعاهد الخيرية) وكان ناظم تاريخ بناء المنارة الشاعر فضلي بن فضولي البغدادي.

وجاء في كتاب (تاريخ كاظمين) الفارسي ذكر ما جرى من تعميرات تالية منها أن الشاه عباس الكبير أمر سنة ١٠٣٣ ه‍ بعمل ضريح من فولاذ لحفظ الصناديق من الخاتم كما أنه حدث غرق ببغداد والكاظمية سنة ١٠٤٢ ه‍ فتضعضعت جدران الحضرة الكاظمية فأمر الشاه صفي بترميم ما اختل تعميره ، وأودع القيام بذلك إلى قزاق خان أمير الأمراء السابق في شيروان. وفي سنة ١٠٤٥ ه‍ أجريت بأمره أيضا بعض الإصلاحات والترميمات في سلم المنارة وبعض التعميرات في المواطن الأخرى المختلة.

وجاء فيه أيضا أن الجيش العثماني عندما اكتسح بغداد نهب ما في الحضرة من قناديل فضية ومرصعة وبعض المزينات. ولم يعين مصدرا (١).

٥ ـ تسجيل المملكة العراقية :

وهذه كانت من أكبر أعمال السلطان. سجل الأملاك والمقاطعات. وهذه السجلات نالت اعتمادا ووثوقا بحيث صار يعمل بمضمونها بلا بينة. وكانت مرجعا دائما.

__________________

(١) تاريخ كاظمين ص ١٢٤.

٤٥

فقد جاء في المادة ١٧٣٧ من مجلة الأحكام العدلية أن قيود الدفاتر الخاقانية معمول بها لكونها أمينة من التزوير. ويقصد منها الدفاتر المدونة والمسجلة أيام هذا السلطان ، وجاء عنها في شرح المجلة للأستاذ علي حيدر أنها ما كان خاصا بأيام السلطان سليمان القانوني من تحرير للأراضي والأملاك وأيام السلطان مراد الثالث. والمقصود منها في العراق ما كان أيام السلطان سليمان. ألف لجنة من أهل الفضل والاستقامة فحرروا القرى والمزارع والمراعي والأراضي الأخرى بعناية تامة وتحقيق زائد خالية من شائبة التزوير ومجموع هذه القيود تبلغ ٩٧٠ دفترا أو سجلا مخزونة في مكان مقفل بأربعة أبواب الواحد تلو الآخر معمولات من حديد ، محكمة الصنع لا يتطرق إليها الخطر. وإذا أريد تبديل حكم أرض أو ملك من هذه الأملاك وجب استحصال إرادة سنية وصدور فرمان فتفتح من أمين الدفتر الخاقاني بواسطة الموظف الموكل بالأمر فيدون خلاصة الفرمان ويوقع في أعلى القيد للأراضي المطلوب تجديد قيدها ، ثم يعاد الدفتر إلى محله بعد الإشارة إلى ما حدث ، ويحافظ هذا المخزن الموكل بأمر محافظته. ولا يزال أمر العناية بهذه السجلات مرعيا. فلم يطرأ عليها الخلل ، ولا دعا أن تداخلها شائبة التزوير والتصنيع. يعمل بها بلا بينة. بين ذلك الشيخ علاء الدين شيخ الإسلام ، وهكذا كان إفتاء شيوخ الإسلام على هذا الوجه وجاءت فتوى ابن عابدين في التنقيح وفي رد المحتار ، فعملت بذلك المجلة وهذه القيود سجلت فيها الأراضي الأميرية والمؤسسات الخيرية ، ولا تشمل ملك الأفراد من المزارع ولا الأملاك الخاصة ، أو ما هو مقيد بالإجارتين.

والقيود الخاقانية يراد بها هذه القيود دون معاملات الطابو الأخرى وسنداتها. فهذه لم تكتسب تلك القوة بوجه.

أقر السلطان أمر السجلات في بغداد وساقها نحو وجهة سالمة.

٤٦

رأى لزوم إدارتها بمنهاج موحد. وطراز إدارة ثابتة. والتشكيلات الإدارية القديمة للمملكة العثمانية ترتكز على النحو الذي اختطه ببعض التعديل. ودوائر الطابو تبعت هذه الطريقة في التسجيل لسائر الأملاك والعقارات.

٦ ـ نهر الحسينية في كربلاء :

هذا النهر من أعظم أعمال السلطان. كان يسمى باسمه (النهر السليماني) والآن يسمى (بالحسينية). أجراه إلى كربلا فأحياها. ولم يوفق السلاطين السابقون أيام غازان وغيره ومنهم الشاه إسماعيل ، والشاه طهماسب. واعتقد أن السلطان كان يملك أكابر المهندسين ، فتمكن من العمل. وتم المشروع على يده. ويقال إن هندسته كانت فائقة تدل على خبرة ومقدرة من أحضرهم من المهندسين ولا شك أنه كان أقرب لاستخدام أعاظم المهندسين وهو من أعظم الملوك وليس لدينا ما يوضح الأعمال الهندسية ووصف خطورة المشروع والخطط التي قام بها رجاله ولا علمنا عن هؤلاء المهندسين. والأعمال تنسب إلى السلطان وحده والنهر بوضعه شاهد العظمة. والآن كربلاء قائمة بدوامه والعمارة المشهودة في كربلاء والحياة الزراعية ، والبساتين فيها قامت بسبب من هذا الأثر ، فتجددت حياة اللواء ، وصار يعد من أعظم المشاريع الإصلاحية بل كان حقيقة مشروعا جليلا في حياة البلد وما جاوره من بقاع تصل مياهه إليها. ثم بعد مشروعه هذا بمدة طويلة قامت (سدة الهندية) واكتسبت شكلا أعظم ونتائج مهمة خصوصا بعد اتخاذ الأبواب واستخدام لوازم العمارة والإرواء الحديثة. فعليه الآن عمارة اللواء وقوام حياته. وعلى ما حققه بعض المؤرخين أن المهندسين كانوا يرون أن كربلاء في محل عال ونهر الفرات منخفض عنها فيستحيل إيصال الماء إليها فكان إيصال الماء إليها يحتاج إلى خبرة هندسية كاملة فتمت في عهد هذا السلطان. وعد صاحب گلشن خلفا ذلك كرامة من كراماته وبركة من بركات توفيقه وإقباله. وأظن أنه يقصد بذلك التفاته لهذا

٤٧

المشروع واهتمامه في إنجازه ... (١).

٧ ـ إيالات العراق وألويته :

ومن الإصلاح الذي أجراه السلطان تقسيم العراق إلى إيالات وألوية متعددة. وبهذا قضي على الإدارات القديمة ، فاعتبر العراق خمس إيالات :

١ ـ إيالة بغداد.

٢ ـ إيالة البصرة.

٣ ـ إيالة الموصل.

٤ ـ إيالة شهرزور.

٥ ـ إيالة الأحساء.

ومنهم من لم يعد الأحساء من الايالات لضعف العلاقة. ولكل إيالة ألوية. جعل السلطان الإدارة في هذه الايالات مقتبسة من إدارة العاصمة وتشكيلاتها. ويأتي الكلام في التشكيلات الإدارية في آخر الكتاب.

٨ ـ صلب إسكندر جلبي الدفتري :

في ٨ رمضان ٩٤١ ه‍ أمر السلطان بصلب إسكندر جلبي فصلب بإيعاز من الوزير الصدر الأعظم إبراهيم باشا (٢). وذلك أن هذا الوزير كان يخشى من هذا الدفتري ويعده رقيبا عليه. صار ينتظر الفرص للوقيعة به. يوغر صدر السلطان عليه. كان الدفتري صاحب مال كثير لا يكاد يوجد عند أحد وله أعوان ومماليك يعدون بالآلاف. وله مقدرة فائقة فلا

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٦٢ ـ ١.

(٢) نخبة التواريخ ص ٦٩.

٤٨

يحذر الوزير من سواه ، فرتب عليه بعض الوسائل للوقيعة به. منها أنه أبدى وجود سراق للخزانة ، وتكون شغب كان هيأه ولكن هذا عرف أمره إلا أنه خفي أمره على السلطان.

وكان أيضا رأي الوزير الأعظم من إسكندر جلبي أنه نهاه أن يلقب نفسه (سردار سلطان) ومعناه قائد السلطان ويقرأ بكسر الراء الثانية على الإضافة الفارسية إلا أنه لو سهل فلم تكسر راؤه لكان معناه السلطان صاحب القيادة العامة ... فلم يلتفت لذلك وعده رقابة له.

ومهما كان الأمر أوغر الوزير قلب السلطان على إسكندر چلبي فعزله قرب همذان ثم زاد في تخويفه من بقائه فصلبه في بغداد في (٨ رمضان سنة ٩٤١ ه‍) وهذا أوجب استياء عاما ونفرة من الكل وعرف أن ذلك بتدبير من الوزير الأعظم. وكذا حذر السلطان من صهره حسين چلبي وسول له قتله فضرب عنقه.

وهذا الحادث ـ وإن كان أدى إلى الاستيلاء على ثروة هذا الدفتري وعلى مماليكه الذين يبلغون السبعة آلاف ـ قد أثر في نفس السلطان كثيرا وندم على فعلته بمتابعة هذا الوزير حتى أن المؤرخين يقصون أنه رأى رؤيا مزعجة جدا فيها يلومه المقتول لارتكابه الوقيعة به ، بحيث إنه شوهدت صيحات عظمى صدرت منه وهو نائم فانتبه مذعورا. وهذه تعين درجة ما حصل له وفي الصباح زار مراقد الأئمة ـ ويقال إن هذه الزيارة تسكين لما استولى عليه من الاضطراب فأزعجه (١).

وفي عودته كان يكتم عن الوزير الأعظم إبراهيم باشا الوقيعة به والانتقام منه. وكان إبراهيم باشا استحوذ على السلطان وملك سمعه وبصره ولكنه رأى منه بعض أفعال استاء منها فرآه اكتسب طورا مهما.

__________________

(١) تاريخ صولاق زاده ص ٤٩٠.

٤٩

استبد بالأمور وأبدى المقدرة الكاملة سواء مع السفراء أو الوفود أو غيرهم. وكذا ارتاب من اللقب الذي لقب نفسه به (سردار سلطان).

ولما كانت السلطنة لا تقبل الشركة في النفوذ والتسلط وجب أن يقف عند حد فلم يحتمل السلطان أوضاعه هذه فقتله في ٢١ رمضان سنة ٩٤٢ ه‍ أي بعد مضي نحو سنة بسيف الغدر الذي قتل به إسكندر وصهره.

ثم تولى الوزارة سبعة من مماليك إسكندر چلبي ، أكبرهم الصوقوللي وكان إبراهيم باشا تقدم عند السلطان بجماله وموسيقاه وبدت حينئذ مواهبه فنال أعز مكانة عرفت في أعز أيام هذه السلطنة وهو رومي ما زال يتقدم ويترقى حتى وصل إلى هذه المنزلة ولكنه استولى عليه الغرور ، ولم يفكر في أصل مكانه الأول ، وما ناله بعد أن كان من المماليك فوصل إلى هذا الموقع الممتاز.

لذا كان سقوطه هائلا ، كأن لم يغن بالأمس (١) ... كذا قالوا. وأشاروا أنه أول من خرقت به عادة نصب الوزراء من غير أهل المكانة من الأعيان والوجوه.

والملحوظ هنا أن أعوان إسكندر چلبي استفادوا من انفصال السلطان عن الوزير فتمكنوا من إغرائه عليه للوقيعة به ، نظرا لتكاتفهم وكانوا عصبة حتى نالوا الوزارات بعده. جاؤوا من الطريق التي توصل بها إلى الحكم.

٩ ـ الجامع السليماني ـ جامع السراي :

ويسمى (جامع جديد حسن باشا). وسميت المحلة أخيرا باسم جديد حسن باشا. ولم نقف على اسم الجامع القديم قبل تعمير السلطان

__________________

(١) كذا. ص ٤٨٩.

٥٠

له. وجوامع كثيرة طرأ عليها الاندثار ثم جرى تعميرها ، فلم تحافظ على اسمها القديم. وهذا الجامع عمره السلطان سليمان القانوني حين ورد بغداد. وإن أوليا چلبي كان جاء إلى بغداد سنة ١٠٦٧ ه‍ وقد بين جوامع بغداد ، وذكر من جملتها (الجامع السليماني). قال : وفيه منارة. ويقع أمام باب السراي (دار الحكومة) (١).

وذكر هذا الجامع (مرتضى آل نظمي) في كتابه (جامع الأنوار) عند كلامه على الإمام الناصر موضحا أن هذا الإمام تربته متصلة بهذا الجامع وأنه لا يزال يزار (٢). ولعل الخليفة الناصر اتخذت له تربة هناك ولكننا تعوزنا النصوص في بيان محل دفنه (٣). فمن الضروري الاتصال بوثائق أخرى لنعلم قيمة ما ذكره أوليا چلبي ومرتضى آل نظمي.

ثم إن هذا الجامع عمره حسن باشا (فاتح همذان) ، فعرف باسمه فقيل (جامع جديد حسن باشا) للتفريق بينه وبين حسن باشا الوالي الذي هو أقدم منه والمسمى بجامع الوزير وفي (تاريخ المعاهد الخيرية تفصيل ما جرى عليه من تعميرات.

١٠ ـ السلطان في طريق عودته ـ قتله أمير صوران :

كان السلطان سليمان نظم إدارة بغداد ثم غادرها في ٢٨ من شهر رمضان سنة ٩٤١ ه‍. سار في طريقه نحو إربل فوصل إلى محل يدعى (كوك تپه). وهناك سمع بأن أمير صوران (سوران) عز الدين شير وردت

__________________

(١) رحلة أوليا جلبي ج ٤ ص ٤١٩.

(٢) جامع الأنوار. نقله السيد عيسى صفاء الدين البندنيجي إلى العربية ، وصدر عن الدار العربية للموسوعات ـ بيروت ـ سنة ٢٠٠٢ م تحقيق : أسامة النقشبندي ومهدي عبد الحسين النجم.

(٣) اعترض الدكتور مصطفى جواد على نص دفن الخليفة الناصر في جامع السراي فبين أنه دفن في مقبرة الخلفاء العباسيين.

٥١

إليه رسالة من الشاه. ذلك ما دعا أن يشتبه السلطان منه فأمر بضرب عنقه في الديوان العالي (١).

إمارة صوران

من آخر إمارات صوران لما بعد المغول. وهذه الإمارة تكلمت عليها في (عشائر العراق الكردية) (٢). وأفردت لواء إربل بكتاب خاص توسعت في إماراتها ، وذكرت ما جاء في مسالك الأبصار من أنهم من بلاد السهرية. أهلها مشهورون باللصوصية من بلاد شقلاباد (شقلاوة) والدربند الكبير ، لا يبلغ عددهم ألفا وجبالهم عاصية ودربندهم بين جبلين شاهقين يشقهما الزاب الكبير. أميرهم حسام الدين. وجل ما يقال هنا أن عز الدين شير من أسرة الصهرانيين (السورانيين) ولا تعرف علاقته بحسام الدين وأول من علمنا منهم (كلوس) كما لقبه أهل تلك الأنحاء. ويراد به (الأثرم) ساقط الأسنان الأمامية من فمه. وكان في الأصل من قرية هوديان. ويقال لها (يهوديان) أيضا. كان راعيا في تلك القرية. ولما توفي أعقب من الأولاد عيسى وإبراهيم وشيخ أويس. وكان عيسى منهم شجاعا. جمع إليه بعض الأشخاص ، فتمكن أن يجذب إليه الجماهير بالإحسان إليهم ، فدخلوا في طاعته. ومن ثم عادى حاكم البلد آنئذ ، وعزم على مقاومته. وكان يطلق عليه وعلى جماعته بطريق الهزء والسخرية (الإمارة) ، فتوجه إلى (بالكان). وإن أهل تلك الناحية أحبوه ، وقبلوا إمارته.

ولم تمض مدة حتى تبعه خلق كثير ، فعزم على فتح قلعة (أوان). قال في الشرفنامة كان في أطراف تلك القلعة صخور حمراء. يقال لها (سنك سرخ) بالفارسية ، فكان عيسى وأصحابه يجلسون على تلك

__________________

(١) مرآة الكائنات ص ١٢٥. القسم السادس منه.

(٢) عشائر العراق الكردية ج ٢ ص ١٥٥.

٥٢

الصخور ، وشرعوا يشنعون الغارات ، ويقومون بالحروب ، فلقبوا بـ (سنك سرخى) أي أصحاب الصخور الحمراء. ومن جراء كثرة الاستعمال نحت اللفظ فسموا بـ (سهراني). فقالوا للسرخ (سهر) فشاع كذلك ، وتساهلوا في التصرف باللفظة.

ذكرت في (عشائر العراق الكردية) أن هذا الفظ أقدم مما ذكر في الشرفنامة ، وأن البلاد معروفة بهذا الاسم من زمن قديم. وتطلق على ما بين الزابين. وشاع (سوران) ، و (صوران) ، و (سهران) ، أو (صهران). وجاء في المسعودي (سحر) ، و (القوم السحرة). وكذا في الكتب العربية الأخرى. وفي مسالك الأبصار سمى بلادهم بالبلاد (السهرية).

تمكن الأمير عيسى من الاستيلاء على (ولاية السهران). وبعد وفاته خلفه ابنه (شاه علي بك). وهذا دام حكمه مدة. ثم توفي عن أولاد :

١ ـ عيسى.

٢ ـ مير بوداق.

٣ ـ مير حسين.

٤ ـ مير سيدي.

فقسم والدهم في حياته ملكه بينهم. ومن هؤلاء عيسى بك طال حكمه. وحارب أمير بابان (مير بوداق) فقتله. ثم مات فخلفه ابنه (پير بوداق). وهذا استولى على ناحية (سوماقلق) انتزعها من أيدي القزلباشية. ثم توفي عن أولاد :

١ ـ الأمير سيف الدين.

٢ ـ الأمير حسين.

فولي بعده (الأمير سيف الدين). ولم يطل أمد حكمه فمات وخلفه

٥٣

أخوه (الأمير حسين). وهذا توفي. فصار بعده ابنه الأكبر سيف الدين. وبعد وفاته خلفه عمه (مير سيدي بن شاه علي بك).

وهذا توسع حكمه إلى إربل بل زاد نطاق حكمه إلى أنحاء كركوك والموصل. ودامت بلاد سهران مستقلة تحت حكمه. وترك من الأولاد :

١ ـ أمير سيف الدين.

٢ ـ مير عز الدين شير.

٣ ـ سليمان.

ومن هؤلاء مير عز الدين شير ولي الإمارة بعد والده. وفي سنة ٩٤١ ه‍ أيام ورود السلطان سليمان إلى (گوگ تپه) قرب إربل بدر منه ما أوجب الشبهة والنفرة ، اطلع على مراسلة بينه وبين الشاه طهماسب ، فأمر بقتله.

ومن ثم أمر السلطان بنصب (حسين بك الداسني) أميرا حاكما على إربل. وهو من اليزيدية لكن هذا الحادث لم يفل من عزم الصورانيين ، وبقوا في نزاع مع الداسنيين وإن كانوا انحسروا إلى الجبال ، وتقلص حكمهم ، فاعتزوا بالمواقع الجبلية المستعصية. حفظوا إمارتهم. فخلف عز الدين شير أخوه سليمان بك. وهذا كان له من الأولاد :

١ ـ قلي بك.

٢ ـ أمير عيسى.

٣ ـ أمير سيف الدين.

والأخير من هؤلاء اعتز بلواء (سوماقلق). ووقعت حروب دامية بينه وبين حسين بك الداسني ، فلم يتمكن من مقاومة الداسنية ، فالتجأ إلى أمير أردلان بيكه بك (الظاهر أولاده أو أحدهم) فلم يجد فيهم بغيته ، فعاد ، فمالت إليه الطوائف الصهرانية فتمكن من اكتساح إربل.

٥٤

وفي هذه الأثناء جمع حسين بك الداسني اليزيدية ، فوقعت حرب عظيمة كان من نتائجها أن دارت الدائرة على اليزيدية ، فتغلب عليهم الأمير سيف الدين ، وقتل نحو خمسمائة من متميزيهم وأكابر رجالهم. وحصل على غنائم لا تحصى. وعادت الحروب مرات ، وفي كلها كان اليزيدية في خذلان مريع.

دعا السلطان إلى استانبول حسين بك الداسني ، فأمر بقتله ولعل ذلك مبدأ السخط على اليزيدية ، والفتوى من أبي السعود بقتلهم هاج عليهم الكرد وغيرهم من جراء ما قاموا به من حروب مع المجاورين. وكان الأمير سيف الدين بتسويل أو ترغيب من يوسف بك برادوست المشهور بـ (غازي قران) عزم على السفر إلى إستانبول طالبا العفو عما بدر ، وأن يوليه السلطان (إمارة سهران) الموروثة له من آبائه وأجداده إلا أن السلطان لم يقبل معاذيره فقتله وعين مكانه السلطان حسين أمير العمادية إلا أن إمارة الصورانيين لم تنقطع وبقيت إلى حين.

نقف بهذه الإمارة الآن عند هذا الحد والملحوظ أن الصهرانيين يضرب المثل (بخناجرهم) ، فيقال (خنجر صوراني) لجودته كما يقال عندنا (خنجر صليب) في رداءته.

نظرة وإجمال

في هذا التاريخ دخلت بغداد تحت سيطرة الدولة العثمانية ولم يسبق أن حكمتها وإنما كانت بعيدة عنها كما أذعن بالطاعة سائر الأمراء المجاورين من اللر ، وإمارة البصرة ، والقطيف والبحرين ، وأمير الحويزة مانع المشعشع (١).

__________________

(١) انفرد بذكر اسمه صاحب كلشن خلفا ص ٦١ ـ ٢ وفي تاريخ العراق ج ٣ لم نجد له أثرا ، فلم نتمكن من معرفة صلة له بمن سبقه.

٥٥

والممالك الشرقية آنئذ كانت منحلة الإدارة. ومن الضروري أن توحد إدارتها وتتبع أعظم قوة وهي القوة التي سحقت إيران وفلت من غربها ولم تكن الإدارة تابعة للسلطة من كل وجه ، بل كانت عامة دون تدخل في الشؤون الجزئية ، تابعة لمواهب الوالي وقدرته.

وأهم الدواعي الحقيقية لهذا الفتح أنه لم يبق منازع للحكومة التركية بعد خضد شوكة العجم فلا مانع لها من استيلاء على بغداد. والشهرة القديمة من أكبر الدواعي في توليد الآمال. فالنفوس منصرفة إلى حب الاستيلاء على بغداد والأنحاء العراقية ...

وأما البواعث الظاهرية فهي ما مرت الإشارة إليه.

كان وطد السلطان الأمن ونظم الإدارة كما أراد ثم غادر بغداد في ٢٨ رمضان سنة ٩٤١ ه‍ وعسكر في (گوگ تپه) قرب آلتون كوپري وتوجه من هناك نحو إيران لما سمع من ظهور الشاه واستيلائه على تبريز ومحاصرته مدينة وان. جاءته الأخبار بذلك ، فوافى متوجها نحو تبريز. وحينئذ فر من وجهه الشاه طهماسب ، وبهذا تمت حوادث بغداد ، فبقيت إدارتها بيد الولاة ، ووافق السلطان على طلب الصلح بعد الإلحاح فعاد إلى استانبول فدخلها في ٤ رجب سنة ٩٤٢ ه‍ (١).

الوالي سليمان باشا

وهذا أول وال على العراق أودعت إليه الدولة العثمانية منصب إيالة بغداد ، نقل عن ولاية ديار بكر فنصب أمير أمراء (٢). وفي گلشن خلفا أن السلطان بعد عودته من زيارة المراقد المباركة في النجف وكربلاء نصبه واليا بلقب (بكلربكي). وجاء عنه في قاموس الأعلام أنه

__________________

(١) تاريخ صولاق زاده ص ٤٩٠ وتاريخ بجوي ج ١ ص ١٨١.

(٢) صولاق زاده ص ٤٩٠.

٥٦

في الأصل مجري ، فأسلم. وفي سفر إيران كان واليا في ديار بكر. جاء مع السلطان إلى بغداد حين الفتح فنقل لولايتها. ولما فتحت أوفن (١) نصب واليا عليها برتبة الوزارة ، وفي سنة ٩٥٢ ه‍ اعتزل المنصب المذكور ولم تمض مدة حتى توفي (٢).

وجاء في السجل العثماني أنه نال منصب الشام ثم منصب حلب وغدر به هناك أتباعه توفي إلا أنه جاء في تاريخ رمضان زاده نال الوزارة سنة ٩٤٣ ه‍ ، وجعل (واليا) على (بدون) وفي السجل وليها سنة ٩٤٢ ه‍. وزاد في گلشن خلفا أنه كان قادرا على إدارة الملك (٣).

ولم نتمكن من العثور على وقائع أخرى غير ما مر سوى أن الشاه كان قد حاصر (وان) فلما علم بمغادرة السلطان بغداد وأنه متوجه نحوه فر منه. وكان خلال سفره هذا توالت رسل الشاه لطلب الصلح. وبعد اللتيا والتي قبل الصلح ومن ثم عاد السلطان إلى عاصمة ملكه كما مر.

حوادث سنة ٩٤٢ ه‍ ـ ١٥٣٦ م

عزل الوالي :

في هذه السنة أو في التي تليها عزل الوالي ولم يحدث تبدل في الوضع ومن المؤسف أننا لم نتمكن من معرفة الوالي الذي جاء بعده فخلفه في حكومته. وفي تاريخ الدولة العثمانية لم يبقوا على وال مدة طويلة لما كان من تجارب الماضي وعبره ، فلا يريدون أن تبقى الولاية

__________________

(١) أو بودين وبدون كما جاء في التواريخ التركية واللفظ ألماني. وأصلها في المجرية بوده وتطلق على عاصمة المجر على القسم الواقع في غربي الدانوب (طونه) والآخر (بشته) ويقال للاثنين (بودا ـ بشته).

(٢) قاموس الأعلام ج ٤ ص ٢٦٢٠.

(٣) كلشن خلفا ص ٦١.

٥٧

إقطاعا له ، أو لا يرون أن يتمكن الوالي فيها مدة. ولا يعقل أن تكون بغداد خالية من وال للمدة من ٩٤٢ ه‍ إلى سنة ٩٥١ ه‍ ولكن أخبار هؤلاء ضاعت عنا ، ولم تعد تعرف.

حوادث سنة ٩٤٥ ه‍ ـ ١٥٣٩ م

لم تدون وقائع مهمة للعراق خلال السنين السابقة أو لم نتمكن من الوقوف عليها فنرى صاحب گلشن خلفا أول ما يبدأ بحوادث العراق أثناء حكم الولاة بالوقعة التالية :

حاكم البصرة ـ تسليمه المفاتيح

جاء في نخبة التواريخ أنه في ١٥ صفر سنة ٩٤٥ ه‍ كان قد خرج السلطان من استانبول متوجها نحو أدرنة فخيم في صحرائها في أواخر هذا الشهر ، وغرضه تأديب (ويودة) بغدان أي حاكمها المدعو (پترو) ، وكان يبدي للسلطان الطاعة ظاهرا ، ويضمر العداء ، وفي هذه الأثناء وصل إليه مانع بن راشد (حاكم البصرة) ابن مغامس ومعه وزيره الأمير محمد ، كان أرسلهما حاكم البصرة راشد لتقديم واجب الطاعة والخضوع للسلطان. قدما الهدايا ومفاتيح البلاد إليه ، وراشد هذا كان أميرا مستقلا ، صاحب خطبة وسكة ونال هؤلاء الوفود التفاتا زائدا من السلطان وأبدى لهما لطفا كبيرا ... (١).

ولم نقف على أحوال هذه الإمارة ولا على نقودها بالرغم من التحريات في مواطن عديدة. والملحوظ أنها من أمراء المنتفق وأغلب الظن أنهم من الشرفاء. توصلوا إلى الحكم بقوة العشائر وعدم المعارض مما رسخ قدمها وذاقت لذة الحكم. وفي گلشن خلفا ذكر هذه الوقعة

__________________

(١) نخبة التواريخ ص ٧١ وتاريخ صولاق زاده ص ٤٩٥ وكلشن خلفا ص ٦١ ـ ٢.

٥٨

توصلا لما حدث عام ٩٥٣ ه‍. وعلاقة الشرفاء بالعراق معروفة ومر الكلام على الشريف أحمد في تاريخ الجلائرية (١).

وجاء في كتاب الأنساب للسيد ركن الدين الحسني النسابة عن الشريف أحمد. قال إنه قدم إلى البلاد الفراتية من مكة وحكم بالحلة من العراق سبع سنين إلى أن ولي الأمير الشيخ حسن (أبو السلطان أويس) وحاربه وقتله في شهر رمضان سنة ٧٤٢ ه‍ ودفن بالمشهد الشريف المرتضوي عند عمه الشريف عبد الله في الحضرة الشريفة.

والشريف عبد الله أمه أم ولد نوبية. انتقل من مكة إلى العراق في زمان السلطان خدابنده وأقطعه. وعقبه بالعراق.

ثم إن النسابة المذكور ذكر الشريف أحمد بأنه كان شهما شجاعا كريما فاضلا وله من الأولاد أحمد وسليمان ومحمود. وأورد أن لمحمود ابنا اسمه محمد ...

وفي هذا النص توضيح زائد. وإن ظهور أمراء المنتفق الشبيبيين ، وأمراء البصرة مما يجعلنا نرى تلك العلاقة بالشرفاء وأنها لم تنقطع ، بل قوي اعتقادنا بما سبق لنا القول فيه. وللكلام على أمراء المنتفق محل آخر.

حوادث سنة ٩٥١ ه‍ ـ ١٥٤٥ م وما يليها

الوالي فرهاد باشا الصولاق

(ولايته الأولى)

وجهت إليه إيالة بغداد سنة ٩٥١ ه‍ وعزل منها في السنة التالية (سنة ٩٥٢ ه‍). كان تربى في البلاط الملكي. وفي عهد السلطان سليم

__________________

(١) تاريخ العراق بين احتلالين ج ٢.

٥٩

الأول كان مرافقا له في الحرب وتقلد مناصب منها (إمارة اليمن) ، فحلب ، ثم وجهت إليه (إمارة بغداد). وهذا لم يتعرض له صاحب گلشن خلفا لهذه المدة ، ثم وجهت إليه مناصب أخرى حتى صارت إليه ولاية بغداد للمرة الثانية كما سيجيء. ولعل السبب في أن صاحب گلشن لم يذكره هذه المرة لأنه لم يجد ما يدونه لأيامه هذه. وبقية أخباره في ولايته الثانية ... (١).

والغرض من بيانه هنا مراعاة التسلسل لأمراء بغداد. وقد غاب عنا الكثير منهم. والصولاق يعني الحرس الملكي في البلاط ، ثم أطلق على حرس الوالي في مثل بغداد ومصر من الممالك المستقلة ، وكان بعض آبائه أو أجداده من هؤلاء فعرف بصولاق زادة أي من آل الصولاق.

هذا. ولم نجد ما يسد الفراغ بين سليمان باشا وفرهاد باشا الصولاق. ولعل خمول ذكرهم ، وعدم ظهور وقائع مهمة مما سبب أن يغفل أمرهم. وكأن صاحب گلشن خلفا ، يتطلع إلى قائمة الولاة أمام عينيه فلا يذكر إلا من كانت له مكانة ، أو ظهرت في أيامه حوادث تدعو لذكره. أو أنه لم يجد من أسمائهم ما يتمكن من تدوينه.

حوادث سنة ٩٥٢ ه‍ ـ ١٥٤٦ م

الوالي اياس باشا

ضبطه صاحب قاموس الأعلام بمد أوله (آياس) والعرب ينطقون به بلا مد والنطق به معروف. وأصله ألباني. (أرناود ، أو أرنبود) (٢) تخرج

__________________

(١) سجل عثماني ص ١٦ ج ٣.

(٢) أصل اللفظة (آربانيا) أو (آربريا) فالبعض ينطق بالأول وآخرون بالثاني.

والأوروبيون يقولون (آلبانيا) وهكذا جاءتنا عن مترجماتهم الجغرافية والسياسية وفي التركية وردت محرفة من طريق الروم الذين يتكلمون بها (آربانيا) ، أو ـ (آروانيا) للمملكة و (أروانت) للأهلين فلفظها الترك (أرنارويت) أو (أرناود) وبعضهم أبدى أن أصلها فارسي (عارنبود) أي لم يكن عارا أو عربي (عار علينا أن نعود) ، وذلك من السخافة بمكانة. (قاموس الأعلام) وفي دائرة المعارف الإسلامية بحث مهم في هذه المادة.

٦٠