موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٦

والملحوظ أن هذه التكية تخرج منها خطاطون عديدون بل أساتذة أكابر من شيوخها كان لهم الذكر الجميل في جودة الخط وإتقانه. وقد تعرضنا لذكر جماعة منهم في كتابنا (تاريخ الخط العربي في العراق). وسنتناول بعض المعروفين في الطريقة خاصة وفي مواهب أخرى.

الطريقة المولوية

ولما تعين لنا بناء تكية هؤلاء المتصوفة في بغداد لزم أن نتكلم في أصل هذه الطريقة وكيف نالت شهرتها في المملكة العثمانية مع أنها لم يستقر لها قدم ثابت في بغداد ولم تنل رواجا ، وذلك أن الموظفين الواردين من الآستانة كان كثير منهم ينتسبون إلى هذه الطريقة إلا أنهم لم يؤثروا التأثير الكافي ولأنهم في عزلة ، عن الاحتكاك بالأهلين. ومن جهة أخرى لم تقبلها نفوس الأهلين ومع هذا لا يزال في هذا الحين وبعده بمدة طويلة لها شيوخ تجري على مراسيم القوم وتقاليدهم المعروفة. لا سيما وقد رأوا من رجالها خدمة لا تقدر ...

والمولوية شائعة في بلاد الترك وكان رئيس الإرشاد يقلد السلطان سيفه إثر جلوسه على العرض ومؤسس هذه الطريقة جلال الدين الرومي المتوفى سنة ٦٧٢ ه‍ اشتهر بكتابه (المثنوي) ويحتوي على أكثر من ٤٧

__________________

وقال ظهير الدين الكازروني في تاريخه : «ثم تقدم ـ الخليفة المستنصر بالله ـ بعمل رباط دير الروم فتم في ثامن رجب سنة ٦٢٦ وجعل له منارة للتأذين ...» ا ه. وفي الصفدي : نقلا عن تاريخ ابن الساعي أن الدار المستجدة مجاورة للمدرسة المستنصرية. وتقع في الأعلى منها ، وأنها لم ير مثلها أحد (مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق ج ٤ ص ٤٣). وكان جامع الآصفية ملاصقا لجامع الوزير (المسجد ذي المنارة) قبل فتح الطريق. وأعتقد أنه زال الإشكال (التوضيح في كتابنا المعاهد الخيرية). والملحوظ أن دار القرآن من المستنصرية. والدار المستجدة (الرباط) بنيت قبل المستنصرية. فالرباط ثابت ، وما استبعده الدكتور لم يكن بعيدا في الحقيقة. وهذا ما يبطل الاستنتاج بأن المحلة بعيدة عن الرباط.

١٦١

ألف بيت. وله ديوان أيضا في ثلاثين ألف بيت. وهو في الأصل من خراسان. ولد ببلخ. وخراسان في الأصل منبع الغلو وكان قد لقن تصوف (فريد الدين العطار) حفظ كتابه (أسرارنامه). و (تصوف الحلاج) ، وأخذ عن ابن عربي ، وعن القنوي والغلاة أمثال هؤلاء. اتصل (بشمس تبريزي) فلم ينفك أحدهما عن الآخر والمتصوفة يقولون إنه كان قد استولى عليه العشق الإلهي (الجذبة). وغيرهم يقول إنه قد تبله الشمس التبريزي حبا واستأسره في عشقه فامتلك مجامع قلبه حتى إنه يقال إن ديوان الشمس التبريزي قاله جلال الدين على لسانه ونطق باسمه. ويدل شعره على أنه من الغلاة أرباب نحلة الاتحاد والحلول من الباطنية. ونبه العلماء على لزوم نبذه ... أما صناعته الأدبية فهي ليست براقية تماما ولكن الرغبة مصروفة إلى ما فيه من غلو وعقيدة باطنية.

يدعو لنبذ التقليد ، وطرح العقيدة الموروثة ويريد أن يستميل بهذه إلى طريقته. وهي لم تكن بالأمر الجديد ولا الغريب.

ومن وقف على آراء فريد الدين العطار ، وسائر الغلاة عرف طريقة هؤلاء وتلخص في صد الناس عن القرآن الكريم تارة بتأويل أحكامه ، وصريح نصوصه إلى ما يخرجها عن معناها ، وطورا بتلقين عقائد وحدة الوجود والحلول والاتحاد وآونة بترك الفرائض والرسوم الشرعية بزعم أنها لا تخصهم وأنهم الواصلون فلا تسري الأحكام عليهم وأمثال ذلك مما يدخل في دعوة أهل الابطان ... ولا يترددون في تسمية أنفسهم أنهم من أهل الباطن ، ورجال الشرع والدين من أهل الظاهر. فلا فرق بين هؤلاء وبين فرق الباطنية المتكتمة إلا أنها جاءت بشكل توهم أنها غير تلك. وأما السماع ، والرقص وما يتعلق بهما من ناي أو عود فإنه تلاعب باسم الدين ولهو لا يرضى به الله (اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) وغرهم بالله الغرور. وفي (رسالة ناصحة الموحدين وفاضحة الملحدين) للعلاء البخاري ما يبين عن أغراضهم وفيه

١٦٢

رد عليه وعلى محيي الدين ابن عربي والحلاج. والكتب عنهم وعن أضدادهم كثيرة جدا لا محل لاستقصائها ...

ومن الكتب المؤلفة في المولوية باللغة التركية (حديقة الأولياء) ، منها رسالة خاصة (بالمولوية) ولعبد الغني النابلسي (العقود اللؤلؤية في الطريقة المولوية) كتبه باللغة العربية. وباللغة الفارسية نفس (المثنوي) ، و (مجالس سبعه مولانا) ، و (مكتوبات جلال الدين الرومي). وهذه كتبت باللغة الفارسية. والمخطوطات والمطبوعات في هذه الطريقة كثيرة جدا.

وهؤلاء توغلوا في المملكة العثمانية ، وعمروا تكايا اصطادوا بها كثيرين ، ونسبوا لشيوخها تصرفات وكرامات ... إلا أن العرب لم تمض عليهم مغازي هؤلاء فكانوا في دائرة ضيقة لم تلبث أن زالت من العراق ولم يبق إلا اسمها ...

وهذه الطريقة ثلاث شعب :

١ ـ الچلبية.

٢ ـ القلندرية.

٣ ـ الددوية.

وفي إيران الطريقة الجلالية تنسب إلى جلال الدين نفسه. وعندهم المثنوي لا يعادله كتاب. وهم كثيرون. وطبع المثنوي عندهم مرات.

جامع الصاغة أو جامع الخفافين ومدرسته :

يعرف اليوم بـ (جامع الصاغة) أو (جامع الخفافين). وكان هذا الوالي قد عمره. وفيه لوح كتب لمدرسته سنة ٩٩٩ ه‍ ، وهو بخط الخطاط الشهير في ذلك العهد (قوسي البغدادي) ونصه (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ...) لا يزال ناطقا بتاريخه.

١٦٣

يعد من الجوامع القديمة. ونسي اسمه الأصلي ، فتضاربت الآراء فيه. والصحيح أنه (مسجد الحظائر) من تأسيس أم الخليفة الناصر لدين الله العباسي. والمدرسة في هذا الجامع قديمة. ويرجع تاريخ تجديدها إلى هذا العهد. واللوح المذكور يشير إلى ذلك. والتعميرات الجديدة من عمل آل الپاچه چي. والتفصيل لا يسعه هذا المقام. والتولية على الجامع اليوم بيد آل مصطفى سليم.

دار القرى :

هذه من عماراته أيضا دامت إلى ما بعد السلطان مراد الرابع. ذكرها أوليا چلبي في رحلته. ولم يبق لها الآن أثر. قال أوليا چلبي إنها لا تزال موجودة أي في أيامه إلى سنة ١٠٦٧ ه‍ ، ولا شك أنها دامت إلى ما بعد هذا التاريخ (١).

عزل الوالي :

ثم إن هذا الوالي انفصل عن ولاية بغداد ولم يعرف عنه أكثر من أنه حارب العجم ، أراد أن يستفيد من حالة إيران المضطربة فلم يتمكن أكثر مما أشير إليه. وبعودته صرف جهوده للعمارة فبنى الخان وتوابعه. ولروحي قصائد فيه مذكورة في ديوانه (٢).

حوادث سنة ١٠٠٠ ه‍ ـ ١٥٩١ م

والي البصرة

جاء في سجل عثماني ج ٣ «أن سنان باشا ولي البصرة سنة ألف وعزل منها سنة ١٠٠١ وكان رئيس بوابين أيام محمد باشا الصوقوللي

__________________

(١) أوليا جلبي ج ٤ ص ٤٢٠.

(٢) كلشن خلفا ص ٦٥ ـ ٢.

١٦٤

وقد استشهد في الحرب سنة ١٠٠٧ ه‍ وهو أمير أمراء مرعش (١). وهذا لم تتعرض له نصوص التواريخ الأخرى.

حوادث سنة ١٠٠١ ه‍ ـ ١٥٩٢ م

الوالي جعفر باشا

وفي هذه السنة قد ولي بغداد (خادم جعفر باشا). قال فيه صاحب گلشن خلفا إنه حكم ايالة تبريز لمدة ثماني سنوات فكانت مساعيه هناك مشكورة ، وله حروب مع إيران مشهورة. فأنعم عليه السلطان بمنصب بغداد.

حوادث سنة ١٠٠٢ ه‍ ـ ١٥٩٣ م

عهدي البغدادي

في سنة ١٠٠٢ ه‍ توفي عهدي الشاعر الكاتب المؤرخ المشهور ، ابن شمسي البغدادي المذكور في حوادث سنة ٩٧٥ ه‍. وأكثر ما عرف برحلته العلمية إلى استانبول (گلشن شعرا) المسماة (تذكرة أرباب الصفا) ، وفيها أبدى من المقدرة والعلم الغزير ، والانتباه القوي في نعوت الأدباء والعلماء ، ورجال الدولة باستانبول كما أنه عرف بوالده ، وببغداديين كثيرين. عندي نسخة مخطوطة منها ، وكذا في المكتبة العامة باستانبول نسخة أخرى. والترك اليوم يعولون عليها في تراجم المعاصرين ممن عرف بهم.

إن المؤلف ذهب إلى استانبول سنة ٩٦٠ ه‍ وعاد إلى بغداد سنة ٩٧١ ه‍ واتصل في طريقه بمختلف الطبقات واستطلع ما عندهم من علم وأدب وفضل. عاشر ضروب الناس من أرباب المشارب فلم يترك شيخا

__________________

(١) سجل عثماني ص ١١٠.

١٦٥

إلا تحرى ما لديه ولا شابا إلا سبر نياته ، ولا أرباب المناصب إلا أخذ من معارفهم ولا أهل التصوف إلا اقتبس منهم فحصل من المعرفة صنوفا ، ومن العلوم أنواعا فوقف على ما عند أهل الدنيا ، وما في خزائن أهل الزهد والتقوى من رجال الآخرة ...

وصل إلى استانبول فرأى فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ... وبين أنه لم يتمكن من تدوين كل ما رأى من فضل وأدب جم ، ومعرفة غزيرة. فكانت هذه ـ كما قال ـ عجالة سريعة. ونزرا قليلا تنبىء عن معين لا ينضب.

اكتسب ما اكتسبه من مجالسة الشعراء المجيدين ، والأمراء الكرام ومن معاشرة العلماء الأبرار ، ومن مصاحبة أهل الفصاحة والبلاغة من عنادل البيان ، ومن الاطلاع على أغاريدهم اللطيفة. كل ذلك بطريق المحادثات ، أو المطارحات الشعرية ، أو المذاكرات العلمية ...

وفي هذه كان طالبا متتبعا لازم القوم حتى أتقن لغتهم وتمكن أن يحذو حذوهم حتى صار كأحدهم بل صار فريدا في الشعر ...

وفي سنة ٩٧١ ه‍ دعاه داعي الوطن وحبه من الإيمان فقال في التشوق إلى بغداد :

دل­از طوربتان روم چون عهدي پريشانست

هواي ديدن بغداد وخوبان عجم دارد

يقول إنه مغرم بجمال الروم إلا أن هوى بغداد والشوق إليها وإلى الحسن الفارسي ملك زمام لبه وأخذ بمجامع قلبه فمال به. وقال :

ـ إنني عزمت على العودة فدونت ما خطر لي من خواطر وما عن لي عن السلاطين العظام ، والعلماء الفخام ، وأرباب الدولة والشعراء الأخيار مما جرى في مجالسهم وما عرفته عنهم وما اقتبسته من صحبتهم

١٦٦

فجعلته في أربع روضات أكتبها حسب الطاقة وأجمعها من أوراق متفرقة ...

جعل الروضة الأولى في بيان صفات السلطان العادل وأبنائه ذوي الخصال الجميلة ، والروضة الثانية في علماء زمانه العظام والموالي الكرام والمدرسين النبلاء ، والروضة الثالثة في الأمراء والدفتريين ومنتخبات أشعارهم ، والروضة الرابعة في مشاهير الشعراء مرتبا لها على ترتيب حروف الهجاء مع ذكر نتف من أشعارهم.

وفي هذه الروضات أورد مقدارا وافرا من شعره ... ثم إنه قدم كتابه إلى السلطان متوسلا قبوله. قال :

جمع­أيدوب­أرباب نظمي ايتدم أول سلطانه عرض

عادت أولمشدر صونر بنده شه دورانه عرض

خاكپايندن بتر مقصودي أرباب دلك

نوله صونسه خاكپايه عهدي فرزانه عرض

والمؤلف لم يكتف بذكر رجال الروم وعلمائهم بأن تعرض للبغداديين ممن نبغ في أدب أو علم وأضاف ترجمة والده شمسي البغدادي وبعض من لهم به لحمة نسب أو اتصال أدب وكثيرين ممن لا يزالون في خفاء عنا أو لا نعلم عنهم شيئا كثيرا ، أو أكثر مما بينه بل لم يقف عند تاريخ هذه التذكرة وإنما زاد عليها. وتجاوز التاريخ المرسوم لها.

وهذه قائمة بأسماء من ذكرهم مع بيان نتف يسيرة عنهم :

١ ـ داعي : بغدادي المولد وفي الأصل من الفرس المدرسين. ذكر في كشف الظنون له ديوانا.

٢ ـ حقيقي بك : من الأمراء ولد ببغداد واسمه مصطفى وهو ابن عم عثمان بك ترك بغداد أيام خضر باشا سنة ٩٦٣ ه‍ لمنافرة حدثت بينه

١٦٧

وبين الوالي وكان (قوللو أغاسي) ، ومن أمراء الألوية. له شعر في الفارسية والتركية.

٣ ـ فكري بك : ولد ببغداد وهو من البيكات الممتازين. أبوه سنان الطويل الذي كان في خدمة السلطان ثم صار واليا ببغداد ، وله أشعار في اللغات الثلاث. فقد بين عهدي أحد أولاد سنان باشا المترجم ، ولم يعرف له ذكر في المؤلفات الأخرى. وسيأتي ذكر ابن سنان الطويل أعني سنان باشا وهو (محمود باشا) الذي تنسب إليه (المحمودية).

٤ ـ سليمان أفندي : من العلماء دخل في سلك الحكومة فقام بوظائف كثيرة. ثم صار دفتريا ببغداد. شاعر وأديب.

٥ ـ أكرم بك ابن قايتمز بك : من بغداد وأصل نسبه من قره قويونلي. ابن عم علي باشا والي بغداد. شاعر في اللغات الثلاث صاحب عهدي في الآستانة.

٦ ـ محمد بك. من غلمان السلطان سليمان. عين دفتري تيمار اتخذ لقب (فيضي) عنوانا له. مشهور في النظم والنثر.

٧ ـ أحمد الحريري من العلماء بغدادي ، وهو صوفي مشهور.

٨ ـ أحمد ظريف ، بغدادي ، ينتسب إلى العالم المشهور المولى محمد الشيرازي.

٩ ـ آتشي : بغدادي من أرباب الصناعة وهو شاعر.

١٠ ـ جوهري : بغدادي وهو السيد حسني شاعر أيضا.

١١ ـ ابن رفيق : من بندنيج دخل في السپاه ببغداد وهو صوفي شاعر ذهب إلى بلاد الروم عدة مرات.

١٢ ـ حسيني : من أعيان بغداد ومن عشاق المتصوفة. توفي سنة ٩٨٥ ه‍.

١٦٨

١٣ ـ خادمي : بغدادي من محلة قنبر علي شاعر صوفي.

١٤ ـ ذهني چلبي : بغدادي اسمه عبد الدليل شاعر اشتهر بالموسيقى.

١٥ ـ روحي البغدادي : أشهر من قفا نبك شاعر معروف اسمه عثمان. رومي الأصل ومن مماليك اياس باشا والي بغداد. ولد ببغداد وتزوج فيها. دخل في المتطوعين وتوفي سنة ١٠١٤ ه‍ وديوانه مطبوع يأتي ذكره.

١٦ ـ ضائعي : بغدادي من أهل العلم. ثم مال إلى الشعر بكليته.

١٧ ـ طرزي : من أهل دزفول. ورد بغداد بأمل السياحة ولكن طاب له الوطن فأقام وهو صديق حميم لعهدي. ويعد من حلالي المشاكل في الآداب.

١٨ ـ فضولي البغدادي : هو محمد بن سليمان شاعر مشهور في الفارسي والتركي والعربي اشتهرت دواوينه. توفي بالطاعون سنة ٩٦٣ ه‍ وفي كشف الظنون سنة ٩٧١ ه‍. مر الكلام عليه.

١٩ ـ فضلي بن فضولي البغدادي : شاعر كوالده.

٢٠ ـ كلامي : كربلائي شاعر صوفي كان في الخانقاه في مشهد الحسين (رض) نزعت نفسه إلى التطلع إلى العالم ومشاهدة الأقطار. يعرف (بجهان دده) والظاهر أن آل الدده في كربلاء الآن ممن يمتون إليه والخانقاه لا يزال في أيديهم. وهم في الأصل من البكتاشية.

٢١ ـ نادري : بغدادي الأصل سكن الموصل وهو شاعر أيضا.

٢٢ ـ محيطي : من القضاة ولد في جزيرة رودس. ودرس العلوم عن بوستان زاده محمد چلبي من الموالي العظام تولى النيابة في الشام وأدرنة والأستانة أمدا طويلا. وقد تقلب في مناصب شرعية حتى صار

١٦٩

قاضي الفيلق. وله وقوف على العلوم العربية وشعر لطيف وعين ابنه أحمد أفندي دفتريا لبغداد سنة ٩٩٦ ه‍. ذهب لزيارة مشهد الحسين (رض) ونظم قصيدة في الغزل قدمها للحضرة. شعره في الغزل معروف. ومقطعاته جميلة رقيقة وله (فتح نامه) تتضمن وصف الحروب في الجبهة الشرقية. فكان ممن توطن بغداد.

٢٣ ـ نصرتي : من الفرس توطن بغداد مدينة السلام مدة طويلة وهو ابن أخت المولى الرازي الشيرازي. وكان يحفظ خيار الشعر.

٢٤ ـ والهي البغدادي : من زمرة أرباب الأقلام. كان من أهل المعارف والعلوم. وسعى سعيه للتحصيل وله شعر لطيف رقيق.

هذا ما أمكن الاطلاع عليه في تذكرة عهدي من بغداديين.

أما عهدي فإنه شاعر أديب ومؤرخ. أما اطلاعه على التركية ، فمما لا نزاع فيه .. وكذلك يقال عن تضلعه في الفارسية. ولا ريب أنه يتقن اللغة العربية. فإنه عاش في محيط عربي.

ذكره مؤرخون عديدون كصاحب (قاموس الأعلام). و (صاحب سجل عثماني) ، و (كشف الظنون) في مادة تذكرة الشعراء و (عثمانلي مؤلفلري) وغيرهم وبينهم روحي البغدادي ذكره في ديوانه وأطراه إطراء عاطرا. وكفى أن يعرف كتابه گلشن شعرا.

ويصح أن يعد من أول السياحين العراقيين إلى بلاد الترك في عهد العثمانيين كتب رحلته العلمية فجاءت بأفضل المطالب وأجل المباحث وإن كانت ليست من نوع السياحات التي تعين موطن الحركة والقيام والقعود والأيام والليالي ، ولكنه كتب كل ما أراد ، وأوضح عن القطر التركي بل عن استانبول إيضاحا لم يسبق إليه.

١٧٠

حوادث سنة ١٠٠٣ ه‍ ـ ١٥٩٤ م

الشيخ عبد الله الكردي البغدادي :

اشتغل بالعلوم أولا وفاق بها أقرانه ثم غلب عليه الحال ورمى كتبه في الماء وسلك الطريقة ، نزل دمشق وعزيت إليه فيها كرامات. كذا قال صاحب خلاصة الأثر وبئس ما فعل. توفي سنة ١٠٠٣ ه‍ تقريبا (١).

حوادث سنة ١٠٠٥ ه‍ ١٥٩٦ م

البصرة ـ حكومة افراسياب

مر بنا ذكر ولاة كانوا حكموا البصرة. أكثرهم لا نعلم عنهم شيئا مهما. ومن هؤلاء الولاة (علي باشا) حكمها إلى سنة ١٠٠٥ ه‍ وأن وقائعها خلال الحكم العثماني متقطعة فلم تصل إلينا تامة ، بل بقيت في غموض فالمدونات عنها قليلة جدا تكاد تكون معدومة وغاية ما نعلمه أنها بيد المتغلبة وليس للوالي أمر أو نهي إلى أن انتزعت تماما ... أما بعد هذا التاريخ فقد وصلت إلينا وثائق مهمة مثل (زاد المسافر ولكنة المقيم والحاضر) (٢) و (منظومة في آل أفراسياب) (٣) في تاريخ وقائعهم الأخيرة وفيها مطالب مهمة ، وكذا (كتاب قطر الغمام) ووقائع تاريخية مفرقة في كتب كثيرة كلها تبحث في أيام تغلب هذه الإمارة على البصرة. أما العثمانيون فلم يتعرضوا إلا لما وقع في أيامهم ولا يهمهم غير ذلك ...

__________________

(١) خلاصة الأثر ج ٣ ص ٨٥.

(٢) طبع في بغداد سنة ١٣٤٢ ه‍ ـ ١٩٢٤ م بمطبعة الفرات. وكان عني بتصحيحه وترتيبه الأستاذ خلف شوقي الداودي صاحب جريدة شط العرب. ويأتي الكلام عليه في المجلد الآخر من هذا الكتاب.

(٣) وهذه نظم العلامة الشيخ ياسين بن حمزة آل شهاب البصري الشافعي ذكر فيها واقعة حسين باشا بن علي باشا آل أفراسياب في البصرة وما جرى عليه مع مصطفى باشا والي بغداد وباقي الوزراء وفيها تفاصيل لا توجد في غيرها سواء من ناحية المواقع التاريخية أو الأشخاص المشاهير.

١٧١

ومن مطالعة هذه الوثائق تبين أن والي البصرة (علي باشا) باع البصرة بدراهم معدودة إلى أفراسياب ومضى لوجهه ولم يذكر عنه العثمانيون شيئا يستحق التدوين سوى هذه الصفقة الخاسرة.

يقال إن أفراسياب كان كاتبا للجند المحافظ في البصرة. وإن الأهلين قاطعوا واليهم ، وأضربوا عن الاختلاط به أو الرجوع إليه ، وبسبب ذلك قلت مداخله وعجز عن القيام بأرزاق الجند وأقواتهم فلم ير بدا أن يبيع البلدة من أفراسياب بثمانية أكياس رومية (١) وكان الكيس ثلاثة آلاف محمدية على أن لا يقطع اسم السلطان من الخطبة فرضي بذلك أفراسياب واشترى البصرة وذهب حاكمها إلى استانبول سنة ١٠٠٥ ه‍.

ومن العبث في حال كهذه أن نلتمس لهذا المتغلب أصلا بعد معرفة الطريقة التي توصل بها أو أن نركن إلى الأقوال في ذلك فهو عصامي حصل على الحكومة وصارت تدعى باسمه (الافراسيابية) أو (السيبية) ، وتنسب إليه بعض العمارات مثل (السيب) ولم نعرف عن حاله السابق أكثر من أنه (ديري) نسبة إلى نهر الدير من أنهار البصرة في شماليها ، فاستخدم كاتبا للجند إلا أن صنائعه لم يكتفوا بذلك وإنما استنطقوه ، أو أخذوا إشارة من بعض أخلافه فبنوا عليها وقالوا إنه من آل سلجوق. والمتزلفون كثيرون في كل حين. ونسبه إلى آل سلجوق عبد علي الحويزي في كتابه (قطر الغمام) ، فهو بصري وعندي أنه لما كان بصريا فالافتخار به أولى من إلصاقه بآخرين من الأجانب. وقال الحويزي إن نسبته إلى الدير باعتبار أن أخواله من هناك.

__________________

(١) الكيس خمسمائة قرش وهنا يراد بالكيس ما شرحه النص ثلاثة آلاف محمدية ، والمحمدية عشر أقجات. ضربت أيام السلطان محمد الفاتح. والأقجة كانت تعتبر نصف مثقال من الفضة وتسمى بالعثماني ، ولكنها تغيرت كثيرا حسب العهود المختلفة. أوضحت عنها في كتاب (النقود العراقية لما بعد العهد العباسي).

١٧٢

والمطلوب بيان أعماله ، وما قامت به أسرته من الحضارة أو التخريبات ولا يهمنا ما يتوسل به رجال هذه الأسرة أو المتزلفون لهم من الانتساب إلى أكبر أسرة ، أو أعز قوم ، أو أشرف قبيلة في حين أن المؤسس إنما قام بمقدرة ذاتية ، ومواهب نفسية. ولم يكن المعول عليه النسب في أصل تسنمهم المكانة الرفيعة.

والمعروف عن هذا المؤسس أنه راعى رغبة الأهلين في الأمور النافعة ونشر العدل والعلم فقوي سلطانه وزادت شوكته فحبب نفسه من الأهلين ، وفتح القبان. وكان يحكمه رجل يقال له (بكتاش آغا) فانتزعه منه وقضى على نفوذ (حاكم الدورق) وهو بدر ابن السيد مبارك و (حاكم الحويزة) السيد مبارك (١) اللذين صار لهما شأن استفادة من ضعف حاكم البصرة. فلما تمكن أفراسياب قضى على أمثال هؤلاء أو تمكن من فتح أكثر الجزائر ، وكذا امتنع من إعطاء الجوائز إلى السيد مبارك وهي رسوم كان يأخذها وكذا رده عما كان يأخذه من شط العرب من القسم الشرقي منه. واستمرت حكومته لمدة سبع سنوات ثم خلفه ابنه (علي باشا) ولم نعثر على تفاصيل كافية عن أيامه وعلى كل تصادف زمن تأسيس حكومة وتنظيم إدارة فلا يؤمل منها أكثر مما عرف عن والده. ويأتي بنا ذكر حوادثهم في حينها.

حوادث سنة ١٠٠٦ ه‍ ـ ١٥٩٧ م

الوالي الوزير حسن باشا

قال في جامع الدول : «في هذه السنة (١٠٠٦ ه‍) خرج خارجي من جانب البصرة يقال له السيد مبارك فاجتمع إليه جمع عظيم من أوباش العرب والعجم فنهبوا البلاد وأفسدوا فيها ولما عرض ذلك إلى الباب العالي وجه ايالة بغداد إلى الوزير حسن باشا بن محمد باشا

__________________

(١) هذا ابن سجاد المذكور في تاريخ العراق بين احتلالين ج ٣.

١٧٣

الطويل (الطوپال) وأمر بدفع غائلة الخارجي وأرسل إلى صوبه» ا ه (١).

وفي فذلكة كاتب چلبي في حوادث سنة ١٠٠٦ ه‍ اختير هذا الوزير لمنصب بغداد في أوائل شهر رمضان من هذه السنة ، وصار سردارا على الأمراء والجيش في شهرزور وفي الحدود لما قام به السيد مبارك من أعمال نهب وإفساد فتجاوز على أنحاء البصرة ، وسواحل الأحساء وحدودها ليقوم بدفع غائلته ، وكان أهل تلك الأصقاع استمدوا من شاه العجم ، فكان ضرر جيشهم أكبر ، فاستعانوا بالدولة العثمانية. وفي ذي الحجة من السنة المذكورة كتبت الدولة العثمانية لشاه العجم لدفع غائلته إلا أن صاحب الفذلكة أسدل الستار عن النتائج (٢).

والسيد مبارك هذا هو أمير المشعشعين وله ابن اسمه السيد بدر ولي الدورق ، ومنهم السيد خلف ذكرهم أبو البحر الخطي في ديوانه (٣).

ومثله في تاريخ نعيما. بين أن حسن باشا عهد إليه بوزارة بغداد في رمضان هذه السنة وعين سردارا على الأمراء والعساكر في بغداد وشهرزور وفي الثغور اختير لدفع غائلة السيد مبارك الذي عاث في أنحاء البصرة بجموعه فانتهب قرى البصرة والأحساء وأحدث فيها ضررا كبيرا وأدى إلى قتل نفوس بريئة في القرى والقصبات والبنادر فكانت الخسائر فادحة (٤) ... وزاد صاحب سجل عثماني أنه أي الوالي الابن الكبير

__________________

(١) جامع الدول ج ٢ ص ١٠٩١.

(٢) الفذلكة ج ١ ص ١٠٦.

(٣) الخطي أبو البحر شرف الدين جعفر بن محمد توفي سنة ١٠٢٨ ه‍. كذا قال صاحب السلافة وترجمته في خلاصة الأثر أيضا. عندي نسخة مخطوطة من ديوانه. جمعه السيد الشريف جعفر بن عبد الجبار الموسوي لما بينهما من الألفة والاختصاص كذا ذكر عند إيراد قصيدة في مدحه. والديوان لا يخلو من فوائد تاريخية عن القطيف والبحرين وصحار. أوضحنا عنه في التاريخ الأدبي.

(٤) تاريخ نعيما ج ١ ص ١٩٢ ـ ١٩٣.

١٧٤

لمحمد باشا الطوپال (لا الطويل) الصوقوللي ولي بغداد سنة ١٠٠٦ ه‍ وعزل سنة ١٠١٢ ه‍ وقتل سنة ١٥١٣ ه‍ في حرب قره يازيجي من الجلالية وكان چلبيا ، شجاعا ، ميالا إلى الأبهة ، بنى في بغداد (جامعا ورواقا). وله كرسي من فضة يجلس عليه ، ذو أزهار وأشجار صناعية (١) ...

وفي گلشن خلفا أنه سنة ١٠٠٤ ه‍ عهد إلى الوزير حسن باشا بحكومة بغداد وأكثر التواريخ على أن ولايته كانت سنة ١٠٠٦ ه‍.

وفي ديوان روحي البغدادي قصيدة في مدح الوزير حسن باشا. ليس فيها تاريخ (٢).

حوادث سنة ١٠٠٨ ه‍ ـ ١٥٩٩ م

جامع الوزير

بنى حسن باشا الجامع المعروف باسمه ويقال له (جامع الوزير) ولا يزال معروفا بهذا الاسم ، وبعد تلك الوقائع عاد إلى بغداد وبنى الجامع سنة ١٠٠٨ ه‍. مكتوبا عليه بخط قديم أنه عمره الوزير حسن باشا بن محمد باشا ، و (تاريخ الجامع) يعين أن ذلك كان سنة ١٠٠٨ ه‍ والظاهر أنه تاريخ تمامه.

والمشهور أن هذا الوزير عمر الجامع من أموال التجار المنتهبة من الأعراب ، كانوا هاجموا سفن التجار ثم استحصلت منهم. اختلطت فلم يعرف أصحابها ولم يستطيعوا أن يعينوها وباقتراح منهم على الوزير طلبوا أن يعمر جامعا بها فعمر هذا الجامع من أموال التجار وسمي باسمه. أنقل هذا الخبر عن المرحوم السيد محيي الدين الگيلاني عن والده المرحوم

__________________

(١) سجل عثماني ص ١٢٧.

(٢) ديوان روحي ص ٣٥.

١٧٥

فخامة السيد عبد الرحمن أفندي الكيلاني نقيب الأشراف ببغداد.

وهذا نص ما كتب في باب المصلى :

(«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). عمر هذا المسجد في أيام خلافة خليفة الرحمن السلطان ابن السلطان ، السلطان محمد خان ابن السلطان مراد خان خلد الله ملكه وسلطانه. صحب البناء والإنشاء الغازي الوزير حسن باشا ابن الوزير المعظم المرحوم محمد باشا في سنة ١٠٠٨ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتحية» ا ه.

والآن لم يبق من هذا الجامع إلا منارته القائمة ورقعته الواسعة. ولم يعمر بعد. وهذا الجامع لا علاقة له بحسن باشا المذكور في تاريخ مساجد بغداد للأستاذ الآلوسي في صفحة ٣١ فإن تلك الصفحة في (جديد حسن باشا) الذي مر الكلام عليه باسم (الجامع السليماني). وأصل هذا الجامع من بناء الخليفة المستنصر بالله العباسي. ويسمى بـ (المسجد ذي المنارة). وفي كتابنا (المعاهد الخيرية) تفصيل عنه في ما جرى عليه من تعميرات ، وما ورد فيه من نصوص (١).

كاخ بهشت :

وهذا الوزير مائل إلى استخدام الحشم والأعوان بحيث يضارع الملوك في أبهتهم وسائر أوضاعهم فهو معجب بنفسه ومعروف بالچلبية والشجاعة. ولما كان واليا ببغداد اتخذ له سريرا فخما بقيمة أربعين ألفا أو خمسين ألف قرش ، سماه (كاخ بهشث) وزينه بأشجار وأثمار من فضة خالصة مما جعل الناس في حيرة من أمره (٢) ...

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٦٦ ـ ١ ورحلة أوليا جلبي ج ٤ ص ٤١٩.

(٢) كلشن خلفا ص ٦٦.

١٧٦

١٧٧

ترجمة كتاب مناقب الكردري :

وفي أيامه كان مفتي بغداد المولى حسين ابن الحاج حسن الأدرنوي وبرغبة من حسن باشا الوزير ترجم إلى التركية مناقب البزازي المعروفة بمناقب الكردري وهو الإمام محمد بن محمد الكردري المعروف بالبزازي المتوفى سنة ٧٢٧ ه‍ وكتابه المناقب عربي طبع في الهند مع مناقب الموفق. وهذا في أبي حنيفة (رض) وتاريخ حياته.

حوادث سنة ١٠١١ ه‍ ـ ١٦٠٢ م

أمير قشعم

أظهر العصيان أمير قشعم فحاربه والي بغداد محمد باشا وانكسر عسكر بغداد. هذا ما ذكره صاحب عمدة البيان في تصاريف الزمان إلا أننا لا نعرف واليا ببغداد لهذا التاريخ بهذا الاسم. نثبت ما ذكره هنا. ولعل النصوص الأخرى تعين ذلك ، وكذا ما ذكره عن خان چغاله بين أنه بناه سنان باشا ابن چغاله سنة ١٠١٣ ه‍ وهذا ليس بصواب قطعا. وذكر أنه بناه للينكچرية.

عزل الوالي :

عزل هذا الوالي. واختلف في تاريخ عزله. جاء في تاريخ نعيما أنه انفصل سنة ١٠٠٨ ه‍ ووجهت ايالة بغداد إلى طرنقچي حسن باشا فلم يذهب ، ثم وجهت سنة ١٠٠٩ ه‍ إلى محمد باشا آل سنان باشا (١). أما الوزير حسن باشا فإنه قتل سنة ١٠١٠ ه‍. ولم يعرف عنه سوى بناء الجامع ، وشراء العرش لإظهار الأبهة والعظمة. كأن أمثال هذه تزيد من خشية الناس له ، أو تكبر عقلا ، أو ترمز إلى حسن تدبير ، أو تعين اقتدارا. والآراء أمثال هذه موجودة في صنوف من الناس. وذكر صاحب

__________________

(١) جاء في عمدة البيان اسم محمد باشا ولم يوضح عنه.

١٧٨

سجل عثماني أنه عزل سنة ١٠١٢ ه‍ إلا أننا نقطع ببطلان ذلك والأمر المهم أن صاحب الفذلكة ذكر حربه لليازيجي الجلالي في حوادث سنة ١٠١٠ ه‍ فمن المستبعد جدا أن نقبل ما ذكره صاحب سجل عثماني فقد ولي الشام قبل هذا ثم صارت الحرب (١).

إن حسن باشا بن محمد باشا الوزير ابن الوزير كان نائب الشام. ولي في مبدأ أمره كفالة حلب ، دخلها ولم يلتح أو لم تكمل لحيته ، ثم ولي بعدها كفالة الشام سنة ٩٨٥ ه‍ وعزل عنها وولي ولاية أناطولي (الأناضول) ثم ولاية أرزن الروم. وكان الوزير الأعظم فرهاد باشا سردارا على العساكر العثمانية لغزو العجم فاجتمع به في ولايته المذكورة ووقع بينهما أمور طويلة بسبب أن فرهاد باشا كان بنى بعض القلاع في ديار الشرق ودفع حساب كلفته عليها في دفتر وطلب من بقية الأمراء إمضاء ذلك الدفتر فمنهم من أمضاه ومنهم من رده وكان صاحب الترجمة ممن رده وعرض على السلطان أن المبلغ الذي رفع حسابه فرهاد باشا ليس كما ذكر. (وعلى هذا) بادر صاحب الترجمة إلى الرحيل فرحل إلى دار السلطنة. (وحينئذ) أقبل السلطان عليه وولاه الشام للمرة الثانية وكان ذلك في حدود سنة ٩٧٧ ه‍ واستمر بها حاكما مدة تزيد على سنتين. ثم عزل وأعيد ثالثا.

ولما عزل صاحب الترجمة عن الشام في هذه المرة سافر إلى دار السلطنة وتقلبت به الأحوال إلى أن صار حاكما في بلاد الروم واستمر هناك ونسبوا إليه في حكومته أمورا لا أصل لها فورد حكم سلطاني بقتله فلم يسلمه العسكر للقتل ثم حضر بعد ذلك إلى جانب السلطنة وبحث عن أصل الحكم الذي ورد بقتله فلم يجد له أصلا. ولم يزل يحاول الخروج من القسطنطينية حتى أعطى ولاية بغداد وما يليها من بلاد عراق

__________________

(١) فذلكة كاتب جلبي ص ١٧٣.

١٧٩

العرب. فذهب إليها بعسكر جرار ودخلها بأبهة عجيبة وأظهر فيها من الحجاب ما لم يعهد لمثله ولم يزل بها حاكما حتى حدثته نفسه بحفر نهر أخذه من دجلة فأجراه يسقي أماكن كثيرة قيل إن محصولها يزيد في السنة على عشرين ألف دينار ذهبا. وحدث بينه وبين العسكر العراقي أمور أدت إلى أن عرض أمرهم على الحضرة السلطانية فأمروه بالخروج من بغداد فخرج منها خائفا من شق العصا وأقام بالموصل أياما ثم نازلهم منازلة المحارب إلى أن جاءه الأمر بالانفصال بعد أن نهبت جماعته فتوجه إلى ديار بكر فبينا هو فيها إذ بالأمر السلطاني جاءه أن يصير اصفهسلارا (أصله سپهسلار بمعنى قائد عام) على العساكر ويذهب لقتال عبد الحليم اليازيجي الباغي الناجم في نواحي سيواس هو والطائفة الكيانية .. (فكانت النتيجة) أن قتل في توقات. في سنة ١٠١٢ ه‍ (١).

وقال في (عمدة البيان في تصاريف الزمان) عن حسن باشا ما نصه :

«وهو لما ولي بغداد أجرى شعبة من الدجيل ، فكان محصولها عشرين ألف دينار» ا ه. ذكر ذلك في حوادث سنة ١٠١٢ ه‍.

ولم يتعرض صاحب گلشن خلفا لهذا الحادث فجاء هذا النص موضحا لما في خلاصة الأثر.

وتاريخ نعيما يفيد أن حسن باشا عين سردارا للقيام بتنكيل عبد الحليم قره يازيجي والجلالية سنة ١٠٠٨ ه‍ ولعله تأخر قليلا وذهب (٢) ... وهذا هو الأجدر بالقبول ، وأن تاريخ العراق غامض من هذه الناحية فلم يعرف بالضبط تاريخ الولاة ولا تاريخ ولايتهم ولا أيام عزلهم.

__________________

(١) خلاصة الأثر ج ٢ ص ٤٥.

(٢) نعيما ج ١ ص ٢٤٥.

١٨٠