موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٦

وهذه الفرامين لم تفرق بين الضرائب الخارجية والداخلية ، وعينت مقدار الضريبة وما يجب أن يستوفى. وكل ما في ذلك بيان وتفصيل لما يؤخذ على الأموال التجارية داخلا وخارجا ... وفيه ما يعين الفروق أيام العباسيين وأيام الدولة العثمانية. وأشارت الفرامين إلى أن المأخوذ قديما كان واحدا من اثني عشر فصار يؤخذ ٠٥ وفي بعضها مثل الجوخ كان يؤخذ عنه ٠٢٠ فصار يستوفى واحد من خمسة عشر والأمتعة الأخرى يؤخذ عنها ٠٥ كما أنه يؤخذ من عينياتها ٠١ باسم (غلمانية). والرسوم والضرائب لم تكن قاسية ، قربتها الدولة من الأحكام الشرعية ، وتسهيل أمر الأموال ودخولها المملكة برسوم كمركية قليلة تشويقا لأصحابها ليأتوا بالبضائع ...

وعلى كل حال إذا كانت رسوم الدولة معروفة في الوثائق المارة ، فلا شك أن هذه الفرامين قد عينت بوضوح ما كان يؤخذ من ضرائب عن الأموال التجارية كما أن المعاهدات من تاريخ فتح بغداد سنة ٩٤١ ه‍ ـ ١٥٣٥ م إلى سنة ١٠٣٣ ه‍ ـ ١٦٢٤ م قد أوضحت ما جرت عليه الدولة في علاقاتها التجارية.

والضرائب الأخرى لم يختلف المعتاد فيها عن النهج الشرعي ، وأن التبدل قد يحدث ولكنه لا يمضي زمن حتى يعود إلى حالته الشرعية في موارد الحكومة في العراق ... وجل ما نعلمه أن مقرر الضرائب بوجه عام لا يختلف عما في أصل الدولة ، أو التعامل الجاري ، أو المعاهدات الدولية المعقودة مما لا مجال لبسط القول فيها هنا.

٣ ـ الضرائب :

وهذه يصعب تحديدها من كل وجه ، وأن (الضرائب التجارية) قد مرت الإشارة إليها في نصوص الفرامين ، وأما الضرائب الأخرى فهي على المعتاد في ضرائب المغروسات ، وضرائب الزروع ، وضرائب

٣٢١

الحيوانات وتسمى (الكودة) وضرائب الرؤوس (الجزية) ... وأن (كتب الفقه) بوجه عام ، والوثائق والقوانين العثمانية تعين طريقة الأخذ وهكذا نهج الموظفين القائمين بأمرها ... فهي شرعية أكثر منها حكومية خاصة دون أن يتطرق إليها الخلل ... أوضحنا ذلك في (الضرائب وتاريخها) في رسالة خاصة (١).

٤ ـ ممتلكات الدولة :

وهذه تظهر أكثر في الأراضي الأميرية ، وفي الأموال الأخرى من غنائم وغيرها ... وفي هذه قوانين وحالات مقررة قبل أن ينشر قانون الأراضي.

٥ ـ النقود :

وهذه تعتبر كميزان لمعرفة مالية الدولة ، وكانت النقود في العراق قد تأثرت بمختلف الدول التي تناوبته ، وأثر المالية ظاهر في النقود بصورة قطعية ، ولكن بوجه تقريبي لا يحتمل أن يختلف عن الأمر الصحيح المتعين.

والدولة تأثرت بالفتح ومنها تتبين علاقاتنا الاقتصادية ، وتتوضح أوضاعنا من وجوهها الأخرى كما أن العراق تأثر بنقود المجاورين ، والدول المتصلة بنا من طريق البحر ، فالصلات بادية ...

ومن ثم يتجلى لنا في النقود ثلاث ظواهر نقودنا ، ونقود الدولة العثمانية ، والنقود الأجنبية فكل هذه تعين الصلات ، وبالتعبير الأولى تدل على العلاقات الاقتصادية والمالية بالعراق وتؤكد ماليته ولو بطريق التقريب.

__________________

(١) ضرائب الأموال التجارية ذكرتها في مجلة غرفة التجارة. وكمرك بغداد ووثائق تتعلق به للأستاذ يعقوب سركيس. كما أنه نشرها في (رسالة خاصة).

٣٢٢

والنقود العراقية في هذا العهد (الدينار البغدادي) عثر على المضروب منه سنة ٩٥٠ ه‍ ، و ٩٥٨ ه‍ وسنة ٩٦٠ ه‍ في بغداد والموصل أيام السلطان سليمان. وهكذا في أيام السلطان سليم الثاني. ومثله أيام السلطان مراد الثالث سنة ٩٨٢ ه‍ ببغداد ، وبالموصل وفي عهد السلطان محمد الثالث سنة ١٠٠٣ ه‍ ، والسلطان مراد الرابع سنة ١٠٣٥ ه‍ وسنة ١٠٤٣ ه‍ في الحلة وبغداد. و (الدرهم البغدادي) في مختلف أيام السلاطين لهذا العهد ، و (الفلوس البغدادية) وهذه لم نعثر على نماذج منها واضحة.

ونقود الدولة العثمانية (الشاهية السليمانية) من ذهب ، والآقچة العثمانية ، أو العثماني أو الدرهم العثماني ، والفلوس العثمانية. و (الهشتى) وهو ثمن الآقچة. شاع البغدادي للدرهم ، والعثماني للآقچة العثمانية أو الدرهم العثماني.

وأما النقود الأجنبية فالإيرانية منها (الدينار العباسي). و (العباسية) الإيرانية من فضة. والعباسية من الفلوس النحاسية ... و (الفلوري) أصله أجنبي.

ولا أطيل القول فإن الدولة في النقود تستوفي ضريبة غير مباشرة ، وفيها تدمج السياسة ، ويظهر شعار الدولة وقد بسطت البحث في (كتاب النقود العراقية لما بعد العهد العباسي) إلا أني أقول هنا لم يبق تعامل في النقود القديمة وقد شاعت نقود العراق من ضربه ، ونقود الدولة ، وكذا النقود التي دعت إليها الحالة الاقتصادية للتعامل.

وهنا لا أمضي دون بيان عن النقود المضروبة سنة ٩٢٦ ه‍ أيام السلطان سليمان القانوني ، فهذه كانت ضربت أيام ذي الفقار. استعان بالدولة العثمانية بعد أن ثار على الشاه طهماسب سنة ٩٣٤ ه‍ ، ودامت حكومته في بغداد إلى سنة ٩٣٦ ه‍ ، ثم استردها منه الشاه طهماسب.

٣٢٣

وضربها في التاريخ المذكور للدلالة على جلوس السلطان.

ودار الضرب وتسمى (السكه خانه) في هذا العهد كانت في القلعة كما يفهم من وقفية جامع القلعة. والظاهر أن محلها لم يتغير لما قبل هذا التاريخ. وفي أيام المماليك عرفنا أن دار الضرب صارت بقرب خان مرجان في سوق السكه خانه. ثم اندثرت دار الضرب.

٣ ـ القضاء في العراق

١ ـ القضاء بوجه عام :

القضاء في المملكة يعين أن السيرة جارية على شريعة أو ما نسميه (قانونا). فلم تكن الأمور تابعة للأهواء. والقضاة تابعون للقضاء الإلهي ، ولم يختلف في الأزمان وتطورها إلا بقدر ما يعرض للفكر البشري من تطور في التفسير الفقهي وهذا قليل جدا.

والعهد العثماني لم يختلف فيه القضاء عما كان عليه في الأقطار الإسلامية جمعاء ، وأن المؤلفات الفقهية من متون وشروح وحواش ، وفتاوى ، وصكوك وأحكام متماثلة ... تعد المرجع للكل ، وأن التشكيلات القضائية من استخدام حاكم منفرد جارية في كل الأقطار لقلة الحكام الذين يحملون فكرة حقوقية ناضجة ، والتسجيل وتنظيم الإعلامات والحجج سار على طريقة مطردة ، وسنن واحد ، وأن القدرة تابعة للمعرفة والمواهب في التصرف والتوجيه الشرعي مما أيد مكانة القضاء ولم يضطرب أمره. فتعين الغرض الفقهي ، ويصح أن يستخدم القاضي في مختلف الأقطار دون أن يرى صعوبة في تطبيق الشرع. ووقع ذلك فعلا.

وعندنا الفقهاء في مخلداتهم قاموا بأمر التوجيه ، وأعدوا المادة الفقهية للقضاء ، وعملهم تطبيقي وتعيين للأحكام في الوقائع النازلة ،

٣٢٤

والقضايا الخاصة ، ويستعين القضاء أحيانا بالمفتين للتبصر بالرأي ، والتمكن من الاستدلال الفقهي.

والعهد العثماني التزم مذهبا بعينه وهو مذهب أبي حنيفة ، وكان الشائع في العراق ولا يزال (المذهب الشافعي) وقبله كان الصوت للمذهب الحنبلي ، وهذا لا يخلو من اعتلال ، وإن كان الفقه سار سيرة قانونية ، وأدى واجبا ثابتا لا يتزعزع ، ولا يعتريه أي خلل في نهجه وفي معلومية أحكامه. فالقضاء ارتكز على هذا الأصل الفقهي ، وأن (المشيخة الإسلامية) ، و (دار الفتوى) قد سيطرتا على الحالة ، فلم تدعا مجالا للتشويش فمضى الفقه والقضاء على حالة تطبيقية في مراعاة نهج قطعي لا يتغير.

والدولة العثمانية رأت المدارس الكثيرة في بغداد ، وفي الشام ، وفي مصر فانبهرت بمقاييسها لتمكين الفقه ، وتقوية القضاء. فبذلت في هذا السبيل ما أمكن من قدرة ، وحاولت التفوق بالسلاح العلمي وسارت سيرة موفقة ، فأسست المدارس ، وشيدت صروح العلم ، فلم تمض مدة حتى تمكنت من ناصية العلوم ، وظهرت بمظهر العظمة. وهكذا لم يعوز الدولة. وكانت الكل في الكل في إدارة الثقافة فسهلت طريق (خزائن الكتب) ، فبدأ السلاطين بالوقف ، وبجعلها عامة ، ومالت الرغبة إليها ، فلم تمض مدة حتى اقتنت آثارا لا تحصى ، ولم تكتف بالمدارس وحدها فتكاملت العلوم جمعاء ، فنهجت في الفقه نهجا صالحا مقبولا ، وأن التجارب جعلتها تستقر على مؤلفات معتبرة في الفتاوى لتأمين السيطرة القضائية ، وأن لا يركن القضاء إلى الميول النفسية ، فقبلت الفتاوى المعتبرة لأكابر الفقهاء ، ولم تترك الأمر إلى القاضي بلا قيد ولا شرط ، فيرجح القول الضعيف باقترانه بحكم الحاكم.

ويخطىء من يظن أن القضاء لم ينل عناية أو رعاية من العثمانيين

٣٢٥

لما رأينا مؤخرا من انحلال. هذا الانحلال لم يقتصر على ضرب من ضروب الإدارة ، بل لم يسلم منه القضاء. ومن أهم العوامل الحروب الخارجية والفتن الداخلية. فالداء كان عاما شاملا في اضطراب جسم الدولة. وفي أول الأمر أي في بدء الفتح العثماني للعراق لم تكن الحالة كذلك ، فقد سيطرت مؤخرا المشيخة الإسلامية ، ودار الفتوى على المرافق العلمية والفقهية ومن أجل أركانها المدارس والقضاء ...

٢ ـ القضاء في بغداد :

هذه مكانة القضاء في المملكة العثمانية. كانت احتفظت به الدولة وصارت تنصب القضاة في بغداد ولو كان فيها من الفقهاء الأكابر من يصلح إلا أن سياستها كانت تدعو إلى ذلك. ولعل في هذا وفي الدفتريين ما يعين لها الحالة لأخذ المعلومات ، والانتباه إلى الحوادث بعناية زائدة ، كما احتفظ العراق بالإفتاء في أكثر الأحيان ، وكانت تختار لقضاء بغداد قضاة متميزين في العلوم معروفين في الفقه والعلوم الإسلامية ، فيعدون من الصنف الأرقى ، وعلاقة القضاء بالسياسة كبيرة جدا ، فلا تريد أن تجلب الدولة النقمة عليها من علماء بغداد بحرمانهم من جميع المرافق العلمية ، ورجال الإفتاء عندهم كثيرون وصلاح الدولة مرتبط بجميع نواحيه فلم تتهاون في أمر من أمورها.

وهؤلاء القضاة كانت سلطتهم واسعة في الأمور العلمية. وفي أول الأمر بهرتهم المدارس وتوجيهها ، والأوقاف وحسن إدارتها واستقرارها ، والأوضاع العلمية وحالاتها ... فاقتبسوا ما كان ، وأصلحوا ما عندهم ، ورعوا الأوقاف والمدارس حق رعايتها ، ونهجوا بالعلوم والآداب النهج المشهود ، فنقلوا غالب ما وجدوا ضرورة لنقله ، واقتبسوا وخدموا العلوم والآداب ، وصاروا يبذلون الغالي والرخيص في سبيل الحصول على ما يرفع المستوى العلمي والفقهي عندهم ، وتجمعت الثقافة في عاصمة

٣٢٦

الدولة ، ولم تمض مدة حتى بلغت مكانة مقبولة ، فظهر من القضاة جماعة توالى ورودهم بغداد ، وتكاثر عددهم بتوالي الحكم وامتداده. ويهمنا من كان في العاصمة ويعدون من أصحاب الدرجة الأولى في المقدرة ويختارونهم ممن عرف بالعلم الوافر من أهل الكمال. وكانت إدارة المدارس بأيديهم أيضا.

ومن المؤسف أننا لم نتمكن من معرفة قائمة كاملة في القضاة ولا الوقوف على كثيرين منهم وقوفا علميا ... ولكن معرفة المدارس في أصل الدولة والاهتمام بمتخرجيها وظهور جماعة منهم مما يجعلنا نقطع في المعرفة. ونعين الضعف ومبدأه فينا.

وممن عرف بالقضاء في بغداد :

١ ـ كان أول قاض ببغداد (المولى مصلح الدين مصطفى النيكساري) مدرس مغنيسا (١). وأعيد لقضائها سنة ٩٤٧ ه‍ وعزل سنة ٩٥٤ ه‍ وتوفي سنة ٩٦٩ ه‍ (٢).

٢ ـ منلا كمال چلبي. وكان عالما فاضلا حميد الخصال توفي ببغداد (٣).

٣ ـ أمين زاده كوسه سي منلا يحيى. ولي قضاء بغداد. ثم ولي تدريس دار الحديث باستانبول وصار مدرس السلطان. وكان فاضلا كاملا (٤).

كان هؤلاء القضاة في أيام السلطان سليمان القانوني. وهكذا توالوا ...

__________________

(١) تاريخ روضة الأبرار ص ٤٢٥.

(٢) سجل عثماني ج ٤ ص ٤٥٢.

(٣) مرآة كائنات ج ٢ ص ١٣٣.

(٤) مرآة كائنات ج ٢ ص ١٣٣.

٣٢٧

٤ ـ السيد محمد قاضي بغداد. ذكره فضولي البغدادي الشاعر في ديوانه.

٥ ـ توقيعي زاده لطف الله بن أبي الفتوح القاضي ببغداد. وفي أيامه أصدر وقفية السيد الشيخ شمس الدين الكيلاني سنة ٩٥٥ ه‍.

٦ ـ الشيخ عبد الله بن محمد أمين توقيعي زاده القاضي ببغداد.

وفي أيامه سجلت في ١٥ رجب سنة ٩٧٨ ه‍ وقفية السيد الشيخ زين الدين ابن السيد الشيخ شرف الدين القادري المتولي على أوقاف الحضرة القادرية.

٧ ـ يوسف القاضي. ولي قضاء بغداد. كان في أيام السلطان سليمان القانوني وتوفي في عهده (١).

٨ ـ القاضي دولگرزاده محمد. ولي قضاء بغداد في ربيع الآخر سنة ٩٦٩ ه‍ وفي المحرم من سنة ٩٧٤ ه‍ أحيل للتقاعد. وتوفي سنة ٩٧٧ ه‍. وهو عالم وشاعر بالتركية والعربية. وخطاط أيضا.

٩ ـ ميرزا مخدوم. ولي قضاء بغداد وإفتاءها ، والتدريس في مدرسة مرجان وألف كتاب النواقض في بغداد أيام قضائه سنة ٩٨٧ ه‍. وهو في رد الشيعة. وظهرت ردود عليه جاء ذكرها في خزانة المشهد الرضوي برقم ٨٩١ و ١٠٠٣ وجاء بعضها في كتاب الفوائد الرضوية عند الكلام على عبد العالي الكركي. وأصل اسم هذا القاضي معين الدين أشرف الحسني الحسيني. ويرجع نسبه إلى السيد الشريف الجرجاني. وتوفي سنة ٩٩٥ ، أو ٩٨٨ وهو شيرازي حنفي (٢).

١٠ ـ محمد بن علي المعروف بـ (ابن السپاهي) أو (سپاهي زاده).

__________________

(١) سجل عثماني ج ٤ ص ٦٥٤.

(٢) الكاكائية في التاريخ ص ٧٥.

٣٢٨

أصله من بروسة ، صار في موطنه مدرسا ، وفي سنة ٩٩٢ ه‍ ولي قضاء بغداد ، وتوفي سنة ٩٩٧ ه‍ في أزمير. ويعد من القضاة المعروفين ، متقنا للغات العربية والتركية والفارسية ، وله قدرة على النظم.

ومن أهم مؤلفاته :

١) أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك. أتمه في رجب سنة ٩٨٠ ه‍.

٢) نموذج الفنون.

٣) حاشية على شرح التجريد.

٤) حاشية على شرح حكمة العين.

٥) تقويم البلدان.

١١ ـ فضيل چلبي. ويعرف بـ (جمالي زاده) ابن علي الزنبيلي. ولي قضاء بغداد وبلدان أخرى. توفي سنة ٩٩١ ه‍ وله مؤلفات عديدة (١).

١٢ ـ القاضي رضوان. ولي القضاء وعين الملا غانما البغدادي مدرسا في المستنصرية.

١٣ ـ يحيى نوعي. من ذرية پير علي نصوح. ولد سنة ٩٤٠ ه‍. وولي قضاء بغداد. توفي سنة ١٠٠٣ ه‍ وله مؤلفات عديدة (٢).

١٤ ـ نعمان القاضي ببغداد. وهذا ذكره روحي البغدادي. وعده من رجال الأدب.

__________________

(١) سجل عثماني ج ٤ ص ٢٤.

(٢) سجل عثماني ج ٤ ص ٦٣٤.

٣٢٩

١٥ ـ سعدي زاده محمد. ولي قضاء بغداد. وهو ابن قلعه حكلي سعدي أفندي. وتوفي سنة ١٠١٨ ه‍ في المدينة وكان قاضيها (١).

١٦ ـ نوري القاضي ببغداد. وكان أيام بكر صوباشي قاضيا وإن نائبه (نائب المحكمة السيد محمد). وفي خلاصة الأثر نقل بحثه عن الشيخ عثمان الخياط البغدادي.

١٧ ـ قاضي بغداد مذكره جي زاده مصطفى. جاء ذكره إثر فتح بغداد من السلطان مراد الرابع في وقفية جامع القلعة المؤرخة في ١١ رمضان سنة ١٠٤٨ ه‍. ورأيت ختمه الموقع في هذه الوقفية مؤرخا سنة ١٠١٣ ه‍. وما جاء في فذلكة كاتب چلبي من أنه موسى غير صواب لما هو مذكور في الوقفية. وفي تاريخ نعيما.

١٨ ـ (محمد قدسي رمضان زاده) محمد بن أحمد بن محمد بن رمضان آل نشانجي. ولي قضاء بغداد للمرة الأولى في جمادى الأولى سنة ١٠٠٤ ه‍ ، وللمرة الثانية في ٢١ جمادى الثانية سنة ١٠٢٠ ه‍. وهو صاحب تاريخ (مرآة الكائنات). توفي سنة ١٠٣١ ه‍ (٢).

ومن أهم ما رجعنا إليه وقفيات تعين أسماء القضاة منها وقفية السيد شمس الدين الكيلاني ووقفية السيد زين الدين الكيلاني. وهما من أقدم الوقفيات. ووقفيات أخرى. وتواريخ ، وربما نحصل على ما يعين لنا عددا آخر من القضاة. وكل من هؤلاء له المكانة ، وكانت الدولة اختارت أكابر الرجال لمثل قضاء بغداد ومصر والشام موطن الفقه ، ومحل المباحث العلمية ... فلا تريد الدولة أن تضيع سمعتها ، ولا أن تشتري التنديد الذي يوجه إليها من استخدام من هو غير صالح بل نرى

__________________

(١) سجل عثماني ج ٤ ص ١٤١.

(٢) عثمانلي تاريخ ومؤرخلري ص ٢٨ ـ ٢٩ المسمى بـ (آيينه ظرفا) تأليف جمال الدين. طبع بمطبعة اقدام سنة ١٣١٤ ه‍. وسجل عثماني ج ٤ ص ٥٧.

٣٣٠

أنها اختارت في غالب الأحيان ولاة كانوا صدورا ، ولم تهمل أمر القضاء ، وجاءت التصريحات بذلك في مواطن عديدة.

ومن ثم نقطع أن من أركان التشكيلات الإدارية (القضاء). اكتسب مكانة في أصل الدولة ، وعني به عناية كبيرة. ولا يهمنا أن نتعرض لما يتفرع في مواطن أخرى من العراق ، فإن ذلك بلا ريب كان أقل اهتماما وتدوينا ، وإن كان وسيلة لظهور الرجال الأكابر ، فكان تجربة علمية وقضائية معا ... والمقصود ذكر (قضاة بغداد) ومن عرف أمره منهم ، واشتهر ونشاهد الفواصل طويلة ، ولم يتيسر الوقوف على الكثيرين.

ومن مؤلفات العراق في هذا العهد كتاب (ملجأ القضاة في ترجيح البينات) لغانم البغدادي من علماء بغداد وجه به القضاء ولا شك أنه قام بحاجة ماسة. وتوالى التأليف في الموضوع. ومثله (كتاب الضمانات) ويعد من أجل الآثار في موضوعه الفقهي وخدمته للقضاء ، فلم يقطع العراق أمله ، ولا أهمل العلوم النافعة للقضاء وإكمال مهمته.

والتاريخ مبناه النقل ، وقد أعوزتنا مطالب عديدة تستدعي توضيح أمر القضاء أكثر. وليس لدينا ما نستعين به فلم نستطع أن نوضح أكثر مما علمنا. وأما القضاء في البلدان الأخرى فإنه بلا شك يستمد قوته من عاصمة العراق. تابع لها فيما سوى الموصل ، والبصرة بل إن البصرة تابعة أكثريا لبغداد في قضائها ...

٤ ـ الجيش

إن الدولة العثمانية عسكرية. لم تتوضح فيها قوة الجيش ، ولم تنفصل عن الشرطة إلى أمد قريب منا ، وإنما يقوم الجيش بالمهمتين الداخلية لحفظ الأمن ، والخارجية لدفع العوادي. استخدمت قديما جيشا يقال له (الينگچرية) أي الجيش الجديد من سنة ٧٣٠ ه‍ ـ ١٣٢٩ م.

٣٣١

تأسس أيام السلطان أورخان ، واكتسب نظاما ، وتوزع إلى صنوف. وبهذا تمكنوا من استخدام جيش غير الجيش التركي تابع لتربيتهم ، وأصله من لقطاء أولاد الأجانب ، تربوا تربية إسلامية وعودوا على الحروب ، ومالوا إلى هذه التربية لما رأوا من الحاجة لانعدام الكثيرين من رجالهم ، فأكلتهم نيران المعارك ، ومن جهة أخرى الحروب المستمرة كانت تتطلب ذلك ، ولا نجد دولة لم تستخدم الأقوام لصالحها وإن كانت ذات قوة وسلطان ، وسمي هذا الجيش بـ (الينگچرية) ومعناه الجيش الجديد (ينگي) جديد و (چري) بمعنى جيش أو جند (١).

وتشكيلات الجيش في العراق لا تختلف عن أصل الدولة من ترتيبات إلا أن الوالي هو المسيطر وأن أمير الجيش التابع له هو (آغا الينگچرية) ، ويستخدم الجيش الأهلي أيضا ، وهو المعروف بجيش الولاية ، وأحيانا يتولى الوالي القيادة بنفسه في القضايا المهمة ، وينيب منابه (قائممقاما) يسمى (قائممقام الوالي) ، يتولى أعماله مدة غيابه.

وفي القضايا العظيمة والمدلهمات الكبيرة الشأن تعين الدولة الوالي ، أو تقوم بنفسها في الحروب ، وتدعو الولاة المجاورين. وإن هذه تدل على التناصر لإخماد ثورة ، أو حرب ناشبة ، وبعد إنهاء الواجب يعود كل من الولاة المجاورين إلى محله. وفي حوادث عديدة ما يشير إلى ذلك.

إن جيش الينگچرية دام إلى ما بعد هذا العهد أي إلى سنة ١٢٤١ ه‍ ، ثم حل محله (الجيش النظامي) وهذا لحقته تبدلات عديدة ومهمة في تنظيمه ، وتحول التمرين الحربي ، وتبدلت معداته وأسلحته إلى أن انقطعت العلاقة من العراق سنة ١٣٣٥ ه‍ ـ ١٩١٧ م.

__________________

(١) شاع بين بعض الكتاب المصريين أن يكتب بلفظ (انكشارية) ولكن العراق استعمل اللفظ قريبا من أصله من مدة طويلة.

٣٣٢

والدولة العثمانية معروفة بأنها دولة محاربة ، فلها مهارة في التدريب العسكري. واكتسبت شهرة عالمية وهذا الجيش تمكن من التوغل إلى أواسط أوروبا ، فحاصر (فينة) أو (ويانة) ، ثم أخفقت في الحروب بعدها وأصابها تحول كبير في الانحلال والتدهور ، فقدت المزايا ، وأضاعت ممالكها المفتوحة الواحدة بعد الأخرى.

حاولت في تجارب عديدة أن تستعيد القوة ، أو تحرس المملكة ، فلم تفلح ، وخذلت مرات عديدة ، فكانت محاولاتها عبثا ، وأن الينگچرية كانوا سبب الاحتفاظ بسلطتها ، فأدى وضعهم الأخير إلى انحلالها ودمارها ، وصارت عبرة المعتبر في نشاطها وفي انحلالها ، وكلاهما مدار الانتفاع قطعا ، فإذا كان جيش المغول لا يخلو من نقص طرأ عليه ، وجيش تيمور انحل للسبب نفسه ، فالجيش العثماني لا يخلو من بواعث لنشاطه وانحلاله. ومجموع ما هنالك يكون عبرة عظيمة في التنظيم والنقص والسيطرة والتدهور كما أن الجيش العباسي قد طرأ عليه ما طرأ ...!

وفي هذه التجارب خدمة لإدارة الجيش ، وتدارك لما يحتمل أن يطرأ من انحلال بتلافي الأخطار والتجارب وأن لا يقع الخلل والاضطراب ، بل إن جيوش الأمم وتشكيلاتها كلها مدار عبرة العصور ، وطريق التوصل إلى الغرض من إصلاح. وفي مثل هذه الحالة لا يراعى الترتيب المنطقي والعقلي المجرد ، وإنما هناك تجارب عملية خلال عمر طويل مضى على البشرية لا يستهان بها يصح أن يعول عليها ...

والعراق فقدت منه إدارة الجيش وزعامته وقضي عليه من تاريخ التغلب في العهود العباسية ، وتسلط المغول ومن تلاهم فقد القدرة والسيطرة على الموقع ، وأن يكون سيد بلاده ، وقائد جنده ، وغاية ما صار جنديا تابعا أي جيشا أهليا تابعا لجيش أصل الدولة ففي سنة

٣٣٣

٩٤١ ه‍ دخل جيش الترك العثمانيين ، فظهر في فتوحه بقدرته. وهذا لم يكن يتصور تسلطه وتغلبه إلا في نظامه وطاعته وحسن إدارته. ومتى فقد هذا الجيش السيطرة من قواده ، وركن إلى الجموح وعدم الإذعان من جنده حرم القدرة من الفتوح ، ومن حراسة المملكة أو الممالك المفتوحة ...

وحياة الأمم قائمة بحياة جيشها ، وإدارتها ثابتة بثبوت هذه الحياة ، والتمكن من السيطرة على الجيش حذر أن يجمح وإلا انحل ، وانفرط عقده ، وتبعثر أمره ، وزالت وحدته وحاكميته ... والبقاء ودوام الحياة العليلة إنما تكون أحيانا مقرونة بعلة المقابل ، وانحلاله فلم تعجل أمور الوفاة ، وقد يصح ، وتعود له القدرة بسرعة موت المقابل الند له ...

وكل هذه مفسرة لحياة الجيش في أطواره ، وقد مضت الأمثلة العديدة لأول العهد ، ولآخره ... ومن الأولى في هذه الحالة أن ندرس (نفسية الجيش) في نفسية قواده ، ودرجة قدرتهم للتمكن من السيطرة على الموقف ، ومراعاة النظام وعدم التهاون به ... والحوادث المارة أمثلة مشهودة.

والجيش التركي من سلجوقي ، وأتابكي ، ومغولي ، وتركماني ... قد عرفت مكانته في القوة والشجاعة والفتح. وحب النظام ، والطاعة ، مع قوة وتمرن في الأفراد. ومن ملك جيشا مثله ملك العالم ، بل تمكن في الدرجة الأولى من حفظ استقلاله ، ووقف بالأمم عند حدودها ، فلا تستطيع أمة معتدية أن تنتهك حرمة مملكته ، أو تتجاوز عليه ، وقد ظهرت هذه في السيطرة على أقطار عديدة بما يملك أمراؤها من نفسية ، وما استطاعت بها أن تحمل الجند على الطاعة التامة ، وأن تنسق الجيش تنسيقا في أقصى حدود التنسيق ، فأذعنت لها الأمم رهبة أو رغبة.

والترك العثمانيون لا يختلفون عن سائر الأتراك الذين وصفهم

٣٣٤

الجاحظ ، وابن حسول (١) وغيرهما لما ملكوا من سجايا ، ومن أهمها الشجاعة ، والتنظيم الحربي ، والطاعة الكاملة ، ولم تنعدم من هؤلاء تلك الأوصاف ، بل لا تزال موجودة بارزة للعيان بالرغم من وجود الضعف والانحلال ، فالمزايا الفردية لا تزول وإنما يذهب أمر الوحدة ، والنشاط العام. والتنظيم المشترك. فلا تظهر المزايا الشخصية بل تنقلب إلى ما يعجل بالقضاء على الأمة ، ويسهل للأجنبي أن يحكم أو يتحكم. وهذه السنة موجودة في الكل ولعل في تفوق المقابل ما يدعو لانتصاره ، ولكن السجايا الفردية لم تمت ، فترى الجيش المغلوب يدمر ، ويوقع بالعدو كما يوقع المنتصر ... والوحدة والنشاط نلحظها في نفسية القائد ، وفي مقدار نشاطه ، أو درجة عنايته وعنائه في التنظيم. فالعلاقة غير مقطوعة. والتعويض عن هذه القدرة بقائد محنك أمر لا ينكر. والأمم راعت الطريق في الكل وجعلت الحالة سائرة باطراد لإزالة ما وقع فيه الأقوام من انحلال في جيوشها.

وفي غالب الحروب يتولى السلطان الأمر بنفسه ، والأمور البحرية في الأكثر يودعها إلى (قپو دان پاشا) أو قبطان باشا وكان هذا يستمد قوته من السلطان ، وفي بعض الأحيان يودع الأمر إلى الصدر الأعظم ويسمى بـ (السردار) وتوزع القيادة إلى الولاة في الأكثر لتعدد المواطن ، فكل وال قائد جيشه ...

والجيش العثماني يتكون من :

__________________

(١) رسالتان في فضائل الجندية عند الترك إحداهما للجاحظ طبعت مرارا والأخرى عثرت عليها وقدمت لها مقدمة ترجمت إلى التركية وطبعت بأنقرة في مجلة (بلله تن) مع الأصل العربي وطبعت باستانبول مستقلة أيضا. كان نقلها الأستاذ المرحوم محمد شرف الدين رئيس الشؤون الدينية بأنقرة. وهي (تفضيل الأتراك على سائر الأجناد) لابن حسول.

٣٣٥

١ ـ الحرس الملكي (قپو قولي).

٢ ـ الينگچرية.

٣ ـ جيش الولايات.

٤ ـ القوة البحرية.

وكل من هذه يتفرع إلى طوائف أو صنوف يقال لكل منها (أوجاق) وهو الجيش الذي تودع إليه مهمة خاصة من أعمال الجندية ، فالجيش يوزع إلى صنوف (أوجاق) ، ويقال لرئيس هذا الصنف (آغا) ، أو (آغا الأوجاق). وهو الضابط أو الرئيس أو الآمر ، وهناك آغا المتفرقة ، وأغوات الداخل (الأندرون) ، وأغوات الخارج (البيرون) ...

وفي الولايات كل صنف من هذه يسمى باسم كتلك ، فالوضع أشبه بالصنف المصغر من هذه ، فهي موجودة في الولايات إلا أنها بقلة ورئيسها يقال له (آغا) ولا يخرج هؤلاء عما هو في أصل الدولة. ويختص جيش بغداد بل وسائر الولايات بـ (جيش الولايات) وبين هؤلاء (الحرس الأهلي) أو ما يسمى (يرلي قولي) وهم مشاة ومنهم ما يسمى بـ (طوپر اقلي) وهؤلاء خيالة. ويتكون من العزب. وهم غير متزوجين ، ويشترط أن يكونوا كذلك و (السكبانية) وهؤلاء دون من سبقهم ، ثم أهمل أمر هؤلاء فوضع محلهم البندقيون (التفنگچي) ، ويقال لأحدهم (سرحشمه) بل يسمون (احشامات). وهكذا صنف منهم يسمى بـ (المأجورين) أو (المتطوعة) وهم مدفعية ورئيسهم (آغا المدفعية) ، ومنهم اللغمچية أصحاب الألغام ، ومنهم المسلمون ويسمون قديما (الچرخچية) ويكونون في صحبة الجيش لتسوية الطرق والمعابر وتعميرها ... ومنهم المرابطون في الثغور ويقال لهم (سر حدلي). ومن هؤلاء الدليل ويسميه الترك (دلي) ، والمتطوعة ... ومنهم البسلية ورئيسهم يقال له (دلي باشي) ، و (الاي بگي) يتولى عدة وحدات من الدلية ، ويقال له

٣٣٦

(سرحشمه) أيضا. وهكذا (الخيالة الطوپراقلية) وهؤلاء يتكونون من جانب أهل التيمار والزعامة ، ويسمى بعضهم (قوريجي) أو متطوع (كوكللي).

هذا. ولا محل لذكر أرزاق الجيش ومخصصاته ولا بيان كسوته فهذه كلها متبدلة ، وغالبها لا يهمنا الإطناب في وصفها. وكذا الأسلحة والتفصيل عنها ، فإننا نوضح ذلك عرضا وإلا فالموضوع واسع يحتاج إلى بحث خاص ليس هذا محله.

٥ ـ الشرطة

كانت لها المكانة في الدولة العباسية وما قبلها وكانت تعد من أركان الدولة ، وأن الخليفة المنصور كان يعظم أمرها ، ويوليها اهتمامه كثيرا. وهكذا امتدت إلى أمد. وفي الدولة العثمانية لم تفصل الشرطة عن الجيش إلا في أيام التنظيمات الخيرية ، ولم تكن لها تشكيلات خاصة ، وإنما آغا الينگچرية يقوم بأمرها كما يقوم بإدارة الجيش لمحاربة العشائر ، ويكون تحت سلطة الوالي في المحاربات الدولية ...

وعلى كل حال في هذا العهد لم نجد تفريقا بين الشرطة ، وأعمال الجيش ، فلا محل لإفراد هذا الصنف ببحث خاص ، وإنما أفردناه لنعين مكانته من الدولة وكيف كانت تقوم بمهمة الأمن الداخلي ...؟!

٦ ـ الحسبة

مصلحة إدارية لتنظيم أعمال المدينة ، ومراقبة هذه الأعمال لتجري بوجه الصحة ، وأن تلاحظ ما يقع من غش في المعاملات ، أو ما يضر بالصحة أو بالنظافة ، وسائر ما من شأنه أن يراقب مثل البيوعات وسائر الأمور المدنية ...

٣٣٧

سارت على النهج الشرعي ، وبالوجه المبين في كتب الحسبة ، ولم تفترق عما هنالك ، ولكنها في الأيام الأخيرة طرأ عليها ما طرأ من تبديل ، وما عرض من تعديل وتحويل مما سنتناوله في مباحث أخرى (١).

علاقة إيران بالعراق

في هذا العهد

إن الشرق الأدنى كانت تتنازعه الحكومة الصفوية والدولة العثمانية وابتدأت بينهما المقارعات بحروب ودعايات شديدة لا سيما في العراق. ففي سنة ٩١٤ ه‍ ـ ١٥٠٩ م دخل في حوزة إيران واستمر حكمها فيه إلى سنة ٩٤١ ه‍ ـ ١٥٣٤ م تخلله بعض الاضطراب كثورة ذي الفقار. لم تثبت قدم الصفويين وخلص للعثمانيين. وطال النزاع على العراق وتداولته الأيدي إلى سنة ١٠٤٨ ه‍ ـ ١٦٣٩ م أيام السلطان مراد الرابع ولعله العامل الوحيد في ضعف الحكومتين لما بذلتاه من الجهود فصار العراق تابعا للحكومة العثمانية ...

وخلال هذه المدة لم تتوضح السياسة الخارجية بوجه صريح وغاية ما يقال عن هذه الحكومات أنها مصروفة إلى التغلب وكل حكومة تحاول الانتصار على الأخرى بل القضاء عليها دون أن تتقيد بعهد أو ميثاق استفادة من ضعف إحداهما أو قوة الأخرى فلم تدعا وسيلة تتوسلان بها إلا فعلتاها ، واستخدمتا المذهب آلة قوية بدافع جذب معتنقيه فصارت الواحدة تكفر الأخرى وتستحل دماءها وأموالها وأعراضها كأنها بعيدة عن الإسلام أو غريبة عن الإنسانية ، والفتاوى تصدر تترى تهييجا لمنتحلي عقيدة كل ناحية ، والغرض الأصلي التغلب والظفر على المخالف المنازع ، والسعي للقضاء على أهل الحزبية

__________________

(١) في مجلة العالم الإسلامي البغدادية ذكرت مقالا في الحسبة وبيان المؤلفات فيها.

٣٣٨

الأخرى أو عدها محكومة الزوال ، ونرى القسوة بالغة أشدها.

وفي هذا كله نرى العراق في حالته الراهنة عند استيلاء أحد الفريقين لم ينل إدارة ذاتية ، أو حكومة شعبية ولو لصنف من صنوفه ... إلا أن الحكومة العثمانية كانت أوسع صدرا لإدارة الشعوب المختلفة لتمرنها في مملكتها الأصلية على مثل هذه الإدارة كما أنها تحترم مقدسات الأخرى دون العكس مما خذل سياسة إيران وأحبطها في غالب الأحيان في وقائع تاريخية مختلفة.

مضى ما جرى بين الحكومتين فيما يخص العراق ونجد الحكومة العثمانية فلت من غرب الإيرانيين وعركتهم عركة بعثرتهم. وكان ذلك في وقعة چالديران عندما كانوا في إبان نشاطهم وتمكنهم من الاستيلاء على إيران والعراق ودخولهما في حوزتهم ... ثم أعقبت الحكومة العثمانية ذلك بضربة أخرى عام ٩٤١ ه‍ ـ ١٥٣٤ م على يد السلطان سليمان القانوني فاستولت على العراق بالوجه المشروح ثم طرأ ضعف على الحكومتين معا إلا أن الحكومة الصفوية أيام الشاه عباس الكبير (سنة ٩٩٥ ه‍ ـ ١٥٨٧ م : ١٠٣٨ ه‍ ـ ١٦٢٩ م) تمكنت من استعادة النشاط والقوة. هاجمت بغداد فاكتسحتها. انتزعتها من بكر صوباشي. ثم بذلت الحكومة العثمانية جهودها لمحاولة الاستعادة لسنين حتى نهض السلطان مراد الرابع بنفسه بعد أن نظم إدارته الداخلية ، وأمن الحالة الخارجية بمعاهدات عقدت مع المجاورين الآخرين وتفرغ بعد ذلك كله لحرب إيران فكانت وقيعته بإيران مؤلمة قاسية جدا لم تقم لإيران بعدها قائمة تذكر مدة حكم الصفويين ...

ومن ثم عقدت المعاهدة مع إيران وتأسس الصلح. وبهذا تثبتت المواثيق والعهود فزالت حالة اختلال الموازنة وأن الواحدة كانت تحاول إمحاء الأخرى والسيطرة على ممالكها. كانت آمال كل واحدة قوية

٣٣٩

وخيالها واسعا ... فلا تريد أن تلتزم بعهد ما ...

وعلى كل حافظت الدولتان المتجاورتان على هذا الوضع لمدة ...

التقسيمات الإدارية

لا تظهر سلطة الدولة إلا في تشكيلاتها الإدارية. وهذه توزع إلى وحدات إدارية يتألف من مجموعها سلطة الولاية (١) ، فتتجمع في شخص الوالي.

والتقسيمات الإدارية في العراق وزعت إلى ايالات واعتبرت وحداتها بوجه عام مقتبسة من أصل تشكيلات الدولة وإن كانت لم تتغير البلدان وما كان يدخل ضمنها من أعمال.

وهذه تقسم إلى خمس ايالات. ومنهم من عدها أربع ايالات بإخراج إيالة الأحساء.

١ ـ ايالة بغداد

وتقسم إلى ثمانية عشر لواء (سنجاقا) وفيها دفتري لخزانتها ، ومعاون ، ودفتري تيمار وأمين الدفتر. وهذه ألويتها :

١) لواء الحلة من الألوية المهمة. وله مكانته في وقائعه وعلاقاته الأخرى.

__________________

(١) لخصنا هنا ما في جهان نما وأوليا جلبي ج ٤ ص ٤١٣ وما في رسالة (عيني علي) المتوفى سنة ١٠١٦ ه‍ وكان من أمناء الدفتر. وتسمى هذه الرسالة بـ (قوانين آل عثمان ، در خلاصه مضامين ديوان). رأيتها مخطوطة باستانبول وعندي نسخة مطبوعة منها ... تحوي مطالب مهمة في التشكيلات الإدارية وفي مالية الدولة ... طبعها شناسي أفندي مع (كتاب دستور العمل لإصلاح الخلل) لكاتب جلبي ... وكل هذه ترجع مباحثها إلى هذا العهد.

٣٤٠