موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٦

ثم تفرق أعوانه وتركوا ما لديهم من سفن وساروا من طريق البر حتى عادوا إلى بغداد برا بعد سياحات طويلة.

ذلك ما دعا أن يكتب سيدي علي رئيس (مرآة الممالك) فيوضح فيها ما جرى عليه من الأهوال وكيف تفرق عنه أعوانه واضطر أن يبيع السفن وأن ترسل أثمانها إلى السلطان (١).

والحاصل شرح قصته ووصف ما رأى من بلاد في ممالك مختلفة فكانت رحلته هذه خير أثر ، وفيها الكثير من مصطلحات البحارة وإيعازاتهم وآلاتهم. وسياحته برا أبدع. سار بمن صحبه من جماعته حتى عادوا إلى بغداد (٢).

العلاقة البحرية الأولى

بالعراق والسواحل العربية

إن جهود الدول الإسلامية المبذولة ـ وللعراق النصيب الأوفر منها ـ في خلال العصور الماضية من سياحات واكتشافات لأصقاع وممالك نائية أدت إلى تكوين أساطيل قوية ، وتوسيع في القدرة البحرية. فسهلت أن تكون تجارتها طليقة ، وأوضاعها في صالح نفعها. وهذه اكتسبت شكلا ثابتا مشت عليه في خلال القرون العديدة فلا يحتاج إلى تجديد عهد ، أو مفاوضات مستمرة ولم يكن ليخطر بالبال أن تنتهك حرمة هذا البحر ، أو ما يشوش أمر هذه التجارة ، أو يحاول أجنبي أن يقضي عليها أو يخرج على المقرر المعتاد ... لذا فكر المحصورون من الغربيين أن يستغنوا عن الاتصال بالهند بواسطة مصر من جراء سيطرة الدولة العثمانية

__________________

(١) في المجلد الثاني من منشآت فريدون صور الكتب المرسلة إلى ملك كجرات وإلى حاكم سورت وفيها إيضاح رسمي (ج ٢ ص ٢١٩ و ٢٢٠).

(٢) مرآة الممالك (رحلة سيدي علي رئيس) ص ٢٧ ، وتحفة الكبار ص ٦٦ والتفصيل في هذين الكتابين.

١٠١

على البحر الأبيض المتوسط فالتمسوا أن يكون طريق تجارتهم أوسع أو حرا خالصا لهم ، فصاروا يتحرون ما يسهل أمر هذه التجارة وأن يأتوا من طريق أخرى لعلهم يستفيدون منها ويخرجوا إلى مواطن جديدة. فكانت نتائج ذلك أن اكتشف الأسبان أميركا من ناحية نائية لم تمس حقوق التجارة الإسلامية والشرقية كما أن البرتغال اكتشفوا «رأس الرجاء الصالح» ويسمى (رأس عشم الخير) عند المصريين ، فجعلوا سفنهم تتجول في سواحل إفريقيا ، وسواحل العرب ، وسواحل الهند .. كان ملك البرتغال عمانوئيل الأول قد أمر واسكو دوغاما الأميرال أن يذهب بسفنه لاكتشاف طريق الهند فسار من لشبونة سنة ١٤٩٧ م ـ ٩٠٣ ه‍ خرج إلى سواحل إفريقيا الغربية حتى وافى رأس الرجاء الصالح. وتمكن من السيطرة على تلك الأنحاء. وإن سلطة العثمانيين كانت قوية في البحر الأبيض المتوسط ، والصلة بمصر للاتصال بالهند كانت مخطرة صعبة جدا على البرتغاليين ، فالتمسوا الطريق إلى الهند ، فتمكنوا من الوصول إلى الغرض. وسيطروا على سواحل المحيط الهندي ، وقطعوا الصلة بالتجارة إلا من طريقهم.

ذلك ما هدد تجارتنا وتجارة الهند معا ، أو حول وضعها ، ومثلها تجارة إيران ، ومصر وصرف وجهتها ومبدأ ذلك على ما دونه مؤرخونا قد تعين أيام السلطان الغوري. فتغيرت الحالة.

قال في الشذرات : «في آخر أيام الغوري (١) في حدود سنة ٩٢٠ ه‍ ظهر البرتقال على بنادر الهند ، استطرقوا إليها من بحر الظلمات (البحر

__________________

(١) الملك الأشرف أبو النصر قانصوه بن عبد الله الجركسي المشهور بالغوري (٩٠٦ ه‍ : ٩٢٢ ه‍) وخلفه طومان باي ابن أخيه من سنة ٩٢٢ ه‍ : سنة ٩٢٣ ه‍) وهذا آخر ملوك الدولة الجركسية بمصر فانقرضت دولتهم باستيلاء السلطان سليم الياوز من ملوك العثمانيين عليها وقتله في ١٢ جمادى الأولى سنة ٩٢٣ ه‍ ـ ١٥١٧ م.

١٠٢

المحيط الأطلسي المعروف بالأتلانتيكي) من وراء جبال القمر منابع النيل (اجتازوا من رأس الرجاء الصالح) فعاثوا في أرض الهند ووصل أذاهم وفسادهم إلى جزيرة العرب وبنادر اليمن وجدة. فلما بلغ السلطان الغوري ذلك جهز عليهم خمسين غرابا مع الأمير حسين الكردي (١) وأرسل معه عسكرا عظيما من الترك والمغاربة واللوند وجعل له جدة إقطاعا وأمره بتحصينها. فلما وصل حسين الكردي شرع في بناء سورها وإحكام أبراجها وهدم كثيرا من بيوت الناس مع عسف وشدة ظلم بحيث بنى السور جميعه في أقل من عام ثم توجه بعساكره إلى الهند في حدود سنة ٩٢١ ه‍. فاجتمع بسلطان كجرات (خليل شاه) (٢) فأكرمه وعظمه وهرب الفرنج عن البنادر لما سمعوا بوصوله. ثم عاد حسين الكردي إلى اليمن فافتتحها من (بني طاهر) ملوكها وقتل سلاطينها في هذه السنة وترك فيها نائبا في زبيد اسمه (برسباي الچركسي). وتم الأمر الذي لا مزيد عليه له وللسلطان الغوري ... ثم عاد حسين إلى جدة وقدم مكة فبلغه زوال دولة الغوري. وورد أمر السلطان سليم بقتل حسين الكردي فأخذه شريف مكة بغتة وقيده وشمت به وأرسله لبحر جدة فغرقه فيه» (٣).

ويوضح هذا ما جاء في البرق اليماني في الفتح العثماني :

__________________

(١) قال عنه في سجل عثماني : «هو كردي وأن البرتغال بدأوا في ضبط كجرات ودكن واليمن في سنة ٩٠٠ ه‍ فأرسل عليهم الغوري قوة عسكرية فكان قائد الحملة. وفي سنة ٩١٧ عمر جدة وفي سنة ٩٢٢ سد البرتغال المضيق واتفقوا مع أمير اليمن عامر وأخذوا منه المؤونة وحاربوا للمحافظة عن عامر وفي السنة المذكورة ضبط اليمن ثم عاد إلى جدة فبين له الشريف أبو نمي بعد أن ضبط السلطان مصر أنه يقدمه إلى السلطان فقتله وكان ظالما سفاكا». (ج ١ ص ١٨٢).

(٢) لم يعرف هذا الاسم بين سلاطين كجرات ، وقد رأينا في البرق اليماني أنه مظفر شاه وهو الأولى والأصح موافقا لما في تواريخ عديدة. (منها دول إسلامية).

(٣) الشذرات ج ٨ ص ١١٥. واللوند جيش بحري. (وخان اللاوند) محلة ببغداد كانوا فيها.

١٠٣

«وقع في أول القرن العاشر من الحوادث الفوادح النوادر دخول الفرتقال من طائفة الفرنج ... إلى ديار الهند ، وكانت طائفة منهم يركبون من زقاق سبتة في البحر ويلجون في الظلمات ، ويمرون خلف جبال القمر .. ويصلون إلى المشرق ، ويمرون بموضع قريب من الساحل في مضيق أخذ جانبه جبل ، والجانب الثاني بحر الظلمات في مكان كثير الأمواج ، لا تستقر به سفائنهم وتنكسر ولا ينجو منهم أحد ، واستمروا على ذلك مدة وهم يهلكون في ذلك المكان ولا يخلص من طائفتهم أحد إلى بحر الهند إلى أن خلص منهم غراب إلى الهند ، فلا زالوا يتوصلون إلى معرفة هذا البحر إلى أن دلهم شخص ماهر من أهل البحر يقال له أحمد بن ماجد (١) صاحبه كبير الفرنج وكان يقال له الأملندي (٢) وعاشره في السكر فعلمه الطريق في حال سكره. وقال لهم لا تقربوا الساحل من ذلك المكان وتوغلوا في البحر ثم عودوا ، فلا تنالكم الأمواج ، فلما فعلوا ذلك صار يسلم من السكر كثير من مراكبهم ، فكثروا في بحر الهند .. ثم أخذوا هرموز وتقووا هناك وصارت الأمداد تترادف عليهم من البرتغال ، فصاروا يقطعون الطريق على المسلمين أسرا ونهبا ، ويأخذون كل سفينة غصبا إلى أن كثر ضررهم على المسلمين وعمّ أذاهم على المسافرين ، فأرسل السلطان مظفر شاه (٣) بن محمود شاه بن محمد شاه سلطان كجرات يومئذ إلى السلطان الأشرف قانصوه

__________________

(١) هذا الشخص الماهر. قد عبر عنه الغربيون بأنه (كاناكا) ويراد به الرياضي الفلكي ولم يسموه باسمه واللفظة جاءت من الهند ، ويقصد بها العالم بأمر البحار. ويعنون ابن ماجد.

(٢) ويقال الملندي أو الميرانتي لفظة إسبانية يراد بها أميرال أو ربان البحر (الملاح العربي ص ١١).

(٣) توفي سنة ٩٣٢ ه‍ ـ ١٥٢٥ م وترجمته في النور السافر ص ١٩١ ـ ١٩٢ طبعة بغداد ١٣٥٣ ه‍ ـ ١٩٣٤ م.

١٠٤

الغوري يستعين به على الإفرنج ..» ه (١).

وجاء في النصوص الغربية ما يؤيد ما ذكره العرب وأوضح عنها الأستاذ محمد ياسين الحموي في رسالته الملاح العربي (٢) ، وكذا جاء خبر هؤلاء في النور السافر أيضا. وهذه وثائق معاصرة تعين مبدأ دخول البرتغال ، وطريقته إلا أننا نقطع بغلط الرواية القائلة بأن واسكو دوغاما أسكر أحمد بن ماجد فباح له بسر عبور رأس الرجاء الصالح ، واجتياز تياره المحدق بالخطر من جراء أنه أي أحمد بن ماجد يفتخر بأنه حاج الحرمين ، ويبين وصفه العلمي ، وإذا كان قد جاء من الغزل ، أو التغني بشرب الخمر في أوائل منظوماته البحرية فهذا تحبيب لحفظها كما هو شأن العرب في نظمهم وتشبيبهم أو غزلهم ، أو تقديم ما ولع به المرء من شرب الخمرة ... وجاءت النصوص الغربية المعاصرة والتالية مكذبة لهذا الخبر. وفي النور السافر تعرض لذكر بعض وقائعهم. وعبر عنه بـ (الإفرنج) فبين وقائعهم في عدن وكذا في الشحر (٣).

إن آمال البرتغال كانت مصروفة إلى النهب والسلب ، والاستعمار وإلى ترويج تجارتها ، أو التوسط في تجارة غيرها ونقلها لمن تحتاجه فكانت البذرة الأولى لانتزاع التجارة من المسلمين وتحويلها إلى جانب أوروبا واستعمار البلاد الكثيرة بالقضاء على استقلالها وقد جاء عن هذا الحادث من ناحية العراق وفارس أيضا في (كتاب وجهة الإسلام) ما نصه :

«لما احتل البرتغاليون هرمز في الخليج الفارسي في القرن السادس

__________________

(١) البرق اليماني في الفتح العثماني.

(٢) الملاح العربي ص ٧ و ١٠ طبعت سنة ١٣٦٦ ه‍ ـ ١٩٤٧ م في المطبعة الهاشمية بدمشق وله الأسطول العربي أيضا.

(٣) النور السافر ص ٩٧ و ٢٠٨.

١٠٥

عشر قطعوا كل صلة بحرية بين الهند وفارس ليفوزوا باحتكار هذا الطريق ...» اه.

وأقول بل بين الهند والعراق ومصر أيضا وحولوا وجهتها إلى ناحيتهم فقبضوا عليها بيد من حديد (١) ...

ومن ثم انتهت حكومة الچراكسة في التاريخ المذكور وكان لهم أسطول (٢). وابتدأت علاقات الترك العثمانيين البحرية مع حكومة البرتغال فإنهم ورثوا حكومة مصر. وكانت سابقا تجارة الهند مرتبطة بالغرب من طريق مصر والبندقية (ونديك) ومن طريق الشرق بالعراق وبنادر العجم. فالوجهة تغيرت بمزاحمة الإسبان والبرتغال فالأولى اكتشفت أميركا والأخرى وجدت طريقا للهند من جنوبي إفريقيا من رأس الرجاء الصالح. وأول ما عرف من علاقاتهم أنهم عاثوا في أنحاء البحر المحيط الهندي وسواحل العرب وإيران فقام ملك مصر بما قام به على يد قائده حسين الكردي. كانت قتلته السبب في تمكن البرتغال في تلك الأنحاء دون معارض أو مقاوم. والبحرية العثمانية في ذلك الحين لم تؤسس في البحر الأحمر (بحر القلزم) ومشغوليات العثمانيين في الفتوح والحروب البحرية الأخرى ألهتهم عن الالتفات كثيرا إلى البحرية في تلك الأطراف ...

ذلك ما دعا أن تنقطع المواصلات بين الهند ومصر والبندقية وبين الهند والعراق وتتوجه إلى البرتغال من طريق رأس الرجاء الصالح أو على يدهم في العراق وبذلك تمكنوا من قهر السواحل لهم وإذعانها

__________________

(١) وجهة الإسلام ص ٢٢.

(٢) تاريخ أسطول مصر من أيام الأيوبيين مذكور في قوانين الدواوين لأسعد بن مماتي ، ومن أيام من بعده في خطط المقريزي ، وفي كتاب حقائق الأخبار في دول البحار في المجلد الثاني منه.

١٠٦

لمطالبهم ... بقوا بلا مزاحم أو معارض. ولا يزال النبز عندنا بـ (پورتكيشي) أي برتغالي معروفا وهذا يعني السفاك المعتدي الأثيم ...!!

والحكومة العثمانية ـ بعد أن استولت على أكثر الممالك الإسلامية ـ صارت ترى نفسها المالكة لبلاد المسلمين ، الوارثة لها المسيطرة على مصالح المسلمين بل الحامية لها. فلا يوافق مصلحتها أن تجعل جزيرة العرب وسواحل الهند تحت تحكم البرتغال وعتوهم بل لا ترضى أن يتجاوز أمثال هؤلاء على مصالح المسلمين ويجعلوها تحت نفوذهم. ففكر السلطان سليمان القانوني في الأمر وكان آنئذ أكبر ملوك الأرض. ففي سنة ٩٣٢ ه‍ نصب قائدا على أسطوله في البحر الأحمر أحد المشاهير هناك وهو (سليمان رئيس) وتحت نظارة هذا القائد بدأت الحكومة بتأليف عمارة (أسطول) وتجهيزه في بندر السويس فتمكن من عمل أسطول قوامه من ٢٠ قادرغة.

فكان هذا الأميرال أول من فوض إليه أمر تكوين الأسطول العثماني في البحر الأحمر وهكذا تولى بعده من تولى بالوجه المبسوط.

أما البرتغال فإنهم استفادوا من انحلال حكومة مصر. والعثمانيون كانوا آنئذ في حروب بحرية وبرية دامية في البحر الأبيض المتوسط ، والممالك الأخرى كمحاصرة فينة والتوغل في تلك الأنحاء مما لم يعد بالفائدة فهمهم المطاحنة مع الأصل لا القرصنة في بحر عظيم لا يدرك له منتهى. وعلى هذا فالبرتغال اكتشفوا جزيرة زنكبار عام ١٥٠٣ قبل كل شيء ، فكانت قاعدة وفي عام ١٥٠٧ وصلوا إلى مسقط من جزيرة العرب ، وعام ١٥٠٨ ضبطوا بوغاز هرمز ، وفي سنة ١٥٠٩ نصبوا أميرا لمستملكاتهم في الهند سواء في مليبار ، وسرنديب ومالاقه مما لا يسع المقام تفصيله (١).

__________________

(١) أسفار بحريه عثمانية ج ١ ص ٤١٦.

١٠٧

والحكومة العثمانية في هذا الحين لم تنظر إلى ما يهدد سلامة الحكومات الإسلامية في سواحل إفريقيا والهند إذ لم يصف لها الجو لانشغالها بحروب أخرى إلا أن الذي أثار ذلك ، ونبه على الخطر المحدث كان ملك كجرات «الملك محمود» ابن مظفر شاه (١). فقد استعان بالسلطان سليمان وكانت قد طبقت شهرته الآفاق وحاول الملك محمود بذلك رفع سيطرة أولئك.

ومن ثم تأهب السلطان للأمر تأمينا لسواحل العرب وتخلصها للحكومة العثمانية من جهة ، ومنع تجاوز البرتغال على الهند من أخرى وفوض أمر القيام بذلك لأمير أمراء مصر آنئذ سليمان باشا عام ٩٣٧ ه‍ وكان اتخذ له أسطولا اشتغل بإعداده من سنة ٩٣٢ ه‍ إلا أن الأمر لم يتم وذلك لأن أمير أمراء مصر رافق السلطان سليمان في فتح بغداد. فتأخر أمر ذلك لمدة.

وبعد أن تم الفتح عاد سليمان باشا لمهمته الأولى. من جهة أن بهادر شاه حاكم كجرات وهو أخو محمود شاه قد التجأ أيضا إلى السلطان وطلب حمايته من جراء المهاجمة التي أصابته من همايون شاه من آل بابر شاه. وورد السفراء من بهادر شاه (٢) عام ٩٤٣ ه‍ وبينوا أن مهاجمة همايون شاه واستيلاءه مما يسهل للبرتغال فتوحهم وقوى آمالهم فاكتسحوا بندر ديو من كجرات. ذلك ما عجل القضية وسرع فيها ولم يمكن من إتمامها فسار في أواخر محرم الحرام (٣) سنة ٩٤٦ فيما عهد

__________________

(١) محمود شاه الثاني. ولي الحكم سنة ٩٣٢ ه‍ ـ ١٥٢٥ م ودام إلى نفس السنة (١٥٢٦ م) فخلفه بهادر شاه أخوه.

(٢) في ثالث رمضان سنة ٩٤٣ ه‍ ـ ١٥٣٧ م قتل السلطان بهادر ابن السلطان مظفر صاحب كجرات في (بندر الديو). (النور السافر ص ٢١٠).

(٣) في كتاب محاربات عثمانية أنه سار في ١٥ المحرم سنة ٩٤٥ ه‍ الموافق ١٣ حزيران سنة ١٥٤٨ م من السويس ووصل عدن في ٧ ربيع الأول (ص ١٩ منه).

١٠٨

إليه بالوجه المذكور فلم يتيسر الاستيلاء نظرا لقلة ذخيرة العسكر ، والتجهيزات. ومما عسر الأمر أن جهان شاه قد توفى في الأثناء فخلفه السلطان محمود ملك كجرات (١) فلم يساعد مما صعب الأمر ودعا للعودة. ولم تعرف آنئذ قدرة العثمانيين من جهة أن الأسطول البرتغالي لم يستطع أن يقاومهم ، أو يتحارب معهم. وعلى كل أصابته الرهبة والظاهر أنه فر من وجههم خوفا ورعبا ، أو لم تكن فيه استطاعة لمقاومته فلم يتأهب للطوارىء ، وأن سطوة الأسطول العثماني كانت ظاهرة للعيان من جراء اكتساحها مدينتين عظيمتين من مستملكات الهند. فكانت هذه السفرة من بواعث الأسفار الأخرى فقد دعت إلى آمال السيطرة على البحر المحيط الهندي (٢) ...

ومن ثم تزايدت علاقات الحكومة العثمانية بالهند وأمرائه ففي سنة ٩٥٠ ه‍ أرسلت الحكومة العثمانية سفينة حربية بقيادة (يوسف تركي) ، وأخرى بقيادة (حسين تركي) إلى حاكم كجرات وفيها من المهمات وآلات الحرب مع عساكر لمعاونة الحاكم المشار إليه إلا أنه لا تعطف أهمية كبرى لأمثال هذه وإنما تعد العمارة الكبرى ما كانت أيام سليمان باشا فإنها يحسب لها حسابها.

وإن العثمانيين بعد أن سحبوا أسطولهم «أيام سليمان باشا» عاد البرتغال إلى عدن فاتحد الأهلون معهم وسلموا البلد إليهم لما رأوا من العثمانيين ما أبعدهم عنهم. وفي تلك الأثناء كان الأميرال في البحر الأحمر (پيري بك رئيس) المشهور فأرسلته الحكومة إلى تلك الأطراف للتنكيل بالعدو فتمكن من استرداد عدن. ذلك ما دعا السلطان أن يبتهج

__________________

(١) في ١٣ ربيع الأول سنة ٩٦١ ه‍ ـ ١٥٥٤ م توفي محمود شاه ابن لطيف شاه المذكور. قال في النور السافر في زمنه أخذ الإفرنج (البرتغال) الديو من المسلمين (ص ٢٥٢) هذا مع أن مدينة ديو قد استولى عليها البرتغال قبل سلطنته.

(٢) أسفار بحريه عثمانية ج ١ ص ٤٢٢ ومرآة الممالك ص ٤.

١٠٩

به ويزيد في راتبه ، ويجعل زعامة البحر الأحمر له وسماه (قبودان بحر القلزم). وفي المرة الثانية جرد عمارته وصدر إليه الأمر ليتجول في سواحل جزيرة العرب. ولينظم أمورها ويستعيد المواقع الأخرى التي كان قد استولى عليها البرتغال فقام من ميناء السويس عام ٩٥٩ ه‍ ـ ١٥٥٢ م فجرى ما مر تفصيله ...

والحاصل أن الحروب الأخيرة قد خذلت العثمانيين ولم يعد بالإمكان إعادة الحياة لهم من جراء ما أصاب (سيدي علي رئيس) من ضربة قاسية والبرتغال اهتموا من عهد الحروب الأولى واتخذوا العدة الكافية وحكموا السواحل. فلم يكن في الإمكان للعثمانيين أن يستعيدوا نشاطهم فاستولى البرتغال على السواحل المهمة ، ووضعوا أيديهم على الاقتصاديات فكانت سفرة (سيدي علي رئيس) هي الأخيرة فلم يطيقوا القيام بأخرى بعدها أقوى منها لينالوا المركز اللائق في جزيرة العرب وسواحلها ، والهند وما والاه. وعلى كل كانت أغلاط العثمانيين كبيرة ، ابتدأت بقتلة (حسين الكردي) ، ثم التعديات والقسوة في سواحل اليمن ، ثم في سواحل عدن. وللشائعات الرديئة أثرها في النفوس. ومن جهة أنهم لم يهتموا الاهتمام كله بل كانت اشتغالاتهم في الأنحاء الأخرى أكبر وهي غير مجدية أيضا.

ولو كان العثمانيون نجحوا على يد سيدي علي أو غيره لتبدلت الحالة ، ولتمكن هؤلاء من تأسيس بحرية صالحة وأسطول مهم ، ولكان تعرف القوم بأحوال البحار هناك من طريقها العلمي بما عثر عليه سيدي علي رئيس من مؤلفات بحرية من جهة واستعانة بالعرب ممن مارس الأسفار البحرية من أخرى.

هذا ، ولم يكن الأمر مقصورا على البرتغال وإنما دخلت السياسة الغربية في الهند من كل صوب فضيقت الخناق على التجارة وعلى

١١٠

الصلات إلا من طريقها. أعقبت البرتغال دول أخرى في التسلط على الهند من طرق مختلفة فكانت أول شركة للدانيمارك دخلت في سنة ١٦١٢ م وانحلت هذه سنة ١٦٣٤ م ، ثم دخلت شركة هو لندية في سنة ١٥٩٤ م. وهكذا الشركة الإنكليزية دخلت الهند بعد الهولنديين ، وسميت (شركة الهند الشرقية). كان ذلك سنة ١٦١٠ م وهذه الشركة تملكت مدارس سنة ١٦٣٩ م. وتمكنت من التوسع سنة ١٦٨٦ م. وفي أيام (أورنك زيب) جرت معركة كادت تقضي على شركتهم لولا أن إمبراطور المغول صالحهم ، فثبت وضعهم. وهكذا دخل الفرنسيون الهند.

وكان البرتغال حاولوا التسلط على البحر المحيط الهندي من ناحيتين إحداهما أن يجعل لهم مستقر في البحر الأحمر ، وآخر في جزيرة هرموز ، فتمكنوا من هرموز بعد سعي طال من سنة ١٥٠٧ م إلى سنة ١٥١٥ م فتوصلوا إلى الاستيلاء عليها ولم يشاؤوا إلا أن يسيطروا على تجارة الهند وأن لا تكون إلا من طريقهم. وهكذا كان عمل الدول الأخرى ، ولم تكن لهم آمال الاستيلاء على إيران أو العراق وإنما إيجاد صلات تجارية (١).

الأسطول العثماني وما يتألف منه

إن العثمانيين لم يكونوا في الأصل محاربين بحريين ، ولا أرباب بحرية ، ولا كانت لهم علاقة في محاربة أعدائهم في الأنحاء البعيدة التي يفصل بينهم وبينها البحر. ولهم في المواطن البرية الكفاية. في أول أمرهم استغنوا بالچكديرمات المسماة (قره مرسل). وهذه من نوع زوارق

__________________

(١) تاريخ سياست خارجي إيران ص ٥٠ وما بعدها لمؤلفه الدكتور كاظم صدر وترجمه جواد صدر طبع سنة ١٣٢٢ ش. ه.

١١١

بحر المرمرة مما يستعمل للنقليات التجارية في أيامنا بصورة معتادة.

وقد مرت الأيام على ذلك ثم إنهم كونوا بحريتهم الأخيرة التي قارعوا بها أكبر الحكومات البحرية آنئذ. فاحتذوا البندقية (ونديك) في سفنهم الحربية فزادوا في جسامتها وبدلوا أشكالها ، وغيروا هيئاتها فتجاوزت أنواعها العشرة وصارت صنوفا عديدة لكل منها اسم وقد مر بنا أسماء بعضها. وهذه بصورة عامة كانت تتحرك بالشراع تارة ، وبالمجاذيف أخرى. ويفرق بين صنوفها بسهولة بالنظر لما تحتوي عليه من مقاعد للبحارة وذلك :

١ ـ (فرقته) Frigate وتحتوي على عشرة مقاعد إلى سبعة عشر (١).

٢ ـ (قرلانغيج) وهي أصغر أنواع (فرقته) وتسير مجاذيفها بواسطة شخصين أو ثلاثة. وهذه سريعة السير. ولها شراع.

٣ ـ (الپركنده) Brigantin وفيها ١٨ مقعدا ، أو ١٩.

٤ ـ (القاليته) Galley تحوي ٢٠ إلى ٢٤ مقعدا. وتسير بالمجاذيف وبالشراع.

٥ ـ (القادرغه) Galley تحوي على (٢٥) مقعدا.

ويطلق على هذه جميعها (عمارة صغيرة).

٦ ـ (باستاره) ، أو (باشتارده).Bastard تحتوي على ٢٦ إلى ٣٦ مقعدا.

٧ ـ (باشتاردة الباشا) الباشتاردة بعينها وفيها ٣٦ مقعدا تاما.

٨ ـ (ماونة) من نوع سابقتها ، وكل مجذاف منها يجذف به خمسة أشخاص ، أو ستة ، أو سبعة.

__________________

(١) قال شمس الدين سامي : كل سفينة قديمة لها ثلاث سوار تسمى بهذا الاسم.

١١٢

وتسمى عند الترك ماعونه أيضا. وأصلها معونة العربية وعند البنادقة Mahon. وهي الشلندى المعروف عند اللاتين بـ Chelandium واستعملها العرب باسم صندل. قال في تاريخ الأسطول العربي :

«من المراكب الحربية الكبيرة مسطحة لحمل المقاتلين والسلاح. وتعادل في أهميتها الشونة ... ولها ساريتان أو ثلاث سوار. يبلغ طولها ١٩٥ قدما وعرضها ٣٣ قدما. وكانوا يجهزونها بـ ٢٤ مدفعا وحمولتها ٦٠٠ شخص» (١).

والصندل كان يعمل من شجر الصندل فسمي بذلك وهو زورق عريض. ويقال له (فلكه) أو (فولوقه).

٩ ـ (كوكه) و (كوه). وهذه تزيد على الماونة في أنها تحتوي على مخزن للمدفع أو بالتعبير الأصح الجهة السفلية منها كالماونة والفوقية كالقاليون. وقد صنع منها أيام السلطان بايزيد الثاني اثنتين لمرة واحدة تحوي كل واحدة منها ١٥٠٠ (طن).

والسفائن المذكورة كلها من نوع (چكديرمه) أو (چكديرى).

١٠ ـ (القاليون) Galleon. وتحتوي في الأصل على أكثر من جانب ولا تسير في الغالب إلا بالشراع. وهذه أشهر أنواعها :

(١) قاراقاCarack. استعملت في أيام السلطان سليمان القانوني وحملها بين (١٥٠٠ و ٢٠٠٠) طن. والظاهر أنها (الحراقة) (٢).

__________________

(١) تاريخ الأسطول العربي ص ٣٨ : للأستاذ محمد ياسين الحموي طبع بدمشق سنة ١٣٦٤ ه‍ ـ ١٩٤٥ م.

(٢) قلت لعلها الحراقة فبين الدكتور (مصطفى جواد) أنها من السفن النهرية لا السفن البحرية ، وأن حمولتها لا تكون ١٥٠٠ ـ ٢٠٠٠ طن ، وأقول ألا يصح استعارتها لنوع من السفن البحرية. والمهم أن يرجع إلى تاريخ هذه اللفظة. وربما كان العرب استعاروها من أصل.

١١٣

(٢) بارچه. وهي من السفن الجسيمة الحربية.

(٣) قاراوه لا Caravella سفينة حربية قديمة.

(٤) پولاقا Polacca.

(٥) پورتون Portolano. استعمل في الأيام الأخيرة أي بعد الألف ويحمل ٤٠ إلى ٤٥ مدفعا.

(٦) كوكه (كووه). من نوع قاليون. أول من استخدمها السلطان بايزيد الثاني وتعد من نوع چكديرمه أيضا. مر الكلام عليها.

(٧) قپاقا. أحدثت سنة ١٠٩٣ وتحمل ٨٠ مدفعا.

(٨) انبارلى. تحمل ١١٠ مدافع. وكان منها محمودية وسليمية فبقيتا إلى الأيام الأخيرة.

ومن ثم يظهر نوع السفن المذكورة في الوقائع التاريخية إلا أن هذه المصطلحات وصلت إلى العثمانيين من البندقية ولم يستعمل إلا لفظ (غراب) في مصطلحات الكتب القديمة وكذا (بارچه) وهي البارجة العربية بعينها. وتسهل المعرفة والمقابلة بالسفن العربية من طريق الحمل أو عدد المقاتلة ، أو مقابلة اللغات.

هذا ، وأوضح كاتب چلبي في كتابه (تحفة الكبار في أسفار البحار) (١) أنواع السفن البحرية العثمانية ، وما تكون منه أسطولها أيام عزها ، وذكر الوقائع البحرية إلا أن غالبها مما يعود للبحر الأبيض المتوسط ، وليس لوقائع الهند إلا النصيب القليل ، فلم يتوسع في الإيضاح. والمصطلحات تابعة لمواطن صنع السفن ، والأخذ به من علمائها ورجال صناعتها ، فشاعت ألفاظ ، وعارضتها أخرى ، فنرى الاختلاف بينها كبيرا. وفي (كتاب أسفار بحرية) تفصيل للمصطلحات

__________________

(١) تحفة الكبار طبع مصورا في سنة ١٣٢٩ رومية باستانبول في المطبعة البحرية.

١١٤

ومقابلة لغاتها ومباحث موسعة في تاريخ السفن البحرية. وتصاوير مهمة (١).

وفي أيام الدولة الأيوبية ذكر لأسماء المراكب البحرية ذكرها ابن مماتي في كتاب قوانين الدواوين (٢) وإن أسماء السفن جاء ذكرها في مجلة (العالم الإسلامي البغدادية في المجلد الأول منها). وفي لغة العرب ، وفي رحلة ابن بطوطة وفي كتاب (تاريخ الأسطول العربي) ، وفي كتاب (الملاح العربي) ، وفي خطط المقريزي. وفي كتب ومجلات عديدة (٣).

مؤلفات العرب في علم البحار

وكتاب المحيط

مؤلفات العرب في الهيئة كثيرة. توغلوا في علومها وتفرعاتها ، وإن علم البحار يتناول الوجهة التطبيقية والعملية من هذا العلم مع اتصال بالجغرافية وبالتجارب الفعلية. وهذه مما يخص علم البحار.

وكان الرئيس سيدي علي في رحلته قد مر بالهند ، وهناك رأى آثار العرب القديمة والحديثة في علم البحار ، فصرف أكبر همه في أن يعرف ما يقع نظره عليه ، أو تصل إليه يده مما يتعلق بالمحيط الهندي وما جاوره من بحار كالخليج الفارسي ، وبحر القلزم (البحر الأحمر) ، وسائر السواحل المتصلة أو كان مما يبحث في علم الأنواء ، أو أبعاد البحار أو حالات طبيعية وطرق ومد وجزر ورياح وتعيين جهات ... فظفر ببغيته ،

__________________

(١) كتاب أسفار بحريه عثمانية طبع سنة ١٣٠٦ ه‍ للأستاذ محمد شكري مدرس التاريخ في مكتب البحرية.

(٢) قوانين الدواوين ص ٣٣٩.

(٣) المقتطف ج ١٣ ص ٥٠٥ وج ٤٤ ص ٤٠١ وج ٨٤ ص ٦٢ وص ١٨٤.

١١٥

ونال رغبته. فنقل ذلك من كتب العرب ، وتكونت منها له مجموعة كبيرة سماها بـ (المحيط) كما سبقه پيري رئيس في (كتاب البحرية). وممن نقل آثارهم من مؤلفي العرب :

١ ـ ابن ماجد :

رئيس علم البحر وفاضله ، وأستاذ هذا الفن وكامله الشيخ شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن عمر بن فضل بن دويك بن يوسف ابن حسن بن حسين بن أبي معلق السعدي المعقلي ، ابن أبي الركائب النجدي. ومن هنا نعلم أنه من أهل نهر معقل من البصرة .. وكان من أكابر علماء الفن ووالده كان من البحارة العلماء ، وكذا جده ...

جاء ذكره في النص المنقول من البرق اليماني في الفتح العثماني وعلاقته بالبرتغال معلومة وتعين تاريخه.

ومؤلفاته :

(١) كتاب الفوائد في أصول البحر والقواعد. ألفه لركاب البحر ورؤسائه. ألفه سنة ٨٨٠ ه‍.

(٢) حاوية الاختصار في أصول علم البحار. أرجوزة نظمها سنة ٨٦٦ ه‍. وذكر فيها الرياح ومواعيدها ، والمنازل وما فيها من مصطلحات ، وأوضح عن المواسم وأوقاتها ، وذكر سواحل عديدة ، وعلاقة الفلك بأقطار عديدة والبلدان التي على سواحلها.

(٣) الذهبية. أرجوزة. وشرحها أيضا. ألفها في سلخ جمادى سنة ٨٦٥ ه‍.

(٤) المعربة. أرجوزة أيضا.

(٥) أرجوزة في تعيين القبلة.

١١٦

(٦) أرجوزة بر العرب في خليج فارس.

(٧ و ٨ و ٩ و ١٠ و ١١ و ١٢ و ١٣) كلها أراجيز.

(١٤) السبعية. ألفها سنة ٨٩٦ ه‍ وجاء اسم مؤلفها في آخرها وهو ابن ماجد الموضوع البحث.

(١٥) هادية المعالم.

وهذه المجموعة من الرسائل والأراجيز جاءت في مجموعة خزانة باريس وطبعت بالزنك في مجلدين.

(١٦) الميل. وجدت في مجموعة الدكتور داود الچلبي. وجاء فيها أن السبعية من مؤلفاته فتعين أنها لأحمد بن ماجد المذكور ، فزال الشك فيها. ولا عبرة بغلط الاسم.

(١٧ و ١٨ و ١٩ و ٢٠ و ٢١ و ٢٢ و ٢٣ و ٢٤ و ٢٥ و ٢٦) وهذه كلها قصائد في أغراض بحرية مختلفة.

ظفر الأستاذ سيدي علي رئيس بمؤلفاته فنقلها إلى التركية وجمعها في كتابه (محيط) ، وإن الغربيين استعانوا بآثاره ونقلوا (محيط) إلى اللغة الألمانية. فكانت الاستفادة عامة من كتب ابن ماجد.

٢ ـ ماجد بن محمد :

وهذا من مشاهير البحريين العلماء وله من المؤلفات :

(١) الأرجوزة الحجازية. وتتجاوز ألف بيت.

٣ ـ سليمان بن أحمد بن سليمان المهري المحمدي :

لم نستطع أن نعين تاريخه ولا التعرف بمعاصريه.

والملحوظ أنه لم يتعرض لذكر ابن ماجد ومؤلفاته بقبول أو ردّ. والظاهر أنه قبله. ومن مؤلفاته :

١١٧

(١) رسالة في علم التواريخ سماها (قلادة الشموس واستخراج قواعد الأسوس). في معرفة السنين المشهورة عند الجمهور القمرية ، والشمسية والرومية والقبطية والفارسية.

(٢) تحفة العقول في تمهيد الأصول. ذكر فيها أن له كتابا سماه (المنهاج) وشرح تحفة العقول أيضا. وهذا الكتاب في صفة الأفلاك والكواكب ، والمقاييس من درجة ، وأزوام ، وأصابع ، ودبان ومصطلحات أخرى.

(٣) العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية.

يتناول موضوع هيئة وجغرافية مع بيان علاقتهما بعلم البحار ، والمواقيت ، وكذا الرياح ومواسمها بالنظر للمواطن التي يجري السفر فيها. وفيه السفر من جدة إلى عدن وهكذا يمضي في ذكر أسفار عديدة. والمؤلف لم يكتف بالمؤلفات العربية ، وإنما كان يعتمد على كتب الهند والعجم.

(٤) كتاب المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر :

جامع لعلم البحور المعمورات. وفي كتابه (تحفة العقول في تمهيد الأصول) صرح أن المنهاج له.

وهناك رسائل لم يعرف مؤلفوها جاءت في المجموعة البحرية طبعة باريس ، وكذا في مجموعة الأستاذ الدكتور داود الچلبي وهي مصورة.

وهذه المجموعات من الآثار الجليلة المتعلقة بعلم البحار. ولها قيمتها. وفيها ما يكشف عن بعض الغموض عن هذا الفن الجليل. وباقي الرسائل في مجموعة الدكتور جاءت متأخرة ، وقريبة من عصرنا كما يفهم من تواريخها. فكانت مكملة لما في المجموعة الباريسية ...

وفي مجموعة الدكتور كتاب (فكرة الهموم والغموم والعطر

١١٨

المشموم في العلم المبارك المقسوم والمسافات والنجوم) جاء وصفه في مخطوطات الموصل ، وفي لغة العرب ، ولم يعرف مؤلفه.

والحاصل أن (سيدي علي رئيس) أخذ الكثير من هذه الرسائل القريبة من عصره وجمعها في كتابه (المحيط). واستفاد من اتجاه كتب العرب وترجم رسائلهم وجعلها من فصول كتابه لخدمة أمته لعلها تعود مرة أخرى. نقله إلى اللغة الألمانية الأستاذ هامر. وطبع ولم يطبع الأصل في تركيا. والأمل أنه لا يهمل.

ولا شك أن الاستفادة من مؤلفات العرب كان نصيب الأقوام الآخرين انتفع منها الغربيون حتى تقدمت عندهم علوم البحار ، وتولدت السفن البخارية. ومن ثم تغيرت الوجهة تماما.

وعلم البحار في هذا العصر يتصل بناحيتين إحداهما مؤلفات العرب من طريق بحارتهم وعلومهم ، وثانيتهما الهنود وما قاموا به. وأما الإيرانيون فقد كان لهم اتصال بالاثنين إلا أننا لم نقف لهم على آثار خاصة بعلوم البحار ، ولكن (كتب الهيئة) أو (علم الفلك) والتقاويم وتواريخ السنين وضبط يوم النوروز وما ماثل مما لها علاقة كبيرة به. فجاءت آثار العرب المذكورين مجموعة صحيحة في علم البحار ، ولكنهم تأثروا ببحارة إيران ومصطلحاتهم باللغة الفارسية ومصطلحات الهيئة الإيرانية كما تأثروا بالهنود أيضا ومصطلحاتهم عين مصطلحات الإيرانيين أو أغلب ما فيها. فلم يلتفت ابن ماجد والمهري إلى علوم العرب وحدها ، وإنما أخذوا بما عند غيرهم أيضا فجاء المجموع كاملا. ولو طبعت مجموعة الچلبي ، وكتاب فكرة الهموم المذكور لكملت المجموعة ، وتم المراد. ومن ثم نلاحظ تقدمات علم البحار عند الغرب واستفادته من العلوم الجديدة والمخترعات العصرية ، فنكون قد جمعنا بين المصطلح ، وتاريخ العلم ، وتطور الفن.

١١٩

١٢٠