موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٦

عليه الشاه في حينه فلم يتم. فكانت هذه الحروب دمار الدولتين.

وعلى كل لم ينجح في مهمته فغضب عليه السلطان لما شوهوا به سمعته. نزع منه المنصب وجعل خسرو باشا وزيرا أعظم ... وهذا أيضا شغل في قضايا أخرى كانت تهدد قلب السلطنة. فكانت الدولة في اضطراب لا مزيد عليه ...

أما بغداد فإن الجيش حينما انسحب منها ترك مرضى كثيرين فاقتسمهم أغنياؤها وطببوهم حتى شفوا وإن الشاه عباس عاد إلى إيران ظافرا بعد أن طال مقامه. ومن ثم لم يعرف عما جرى لقلة المدونات ، ولا يؤمل من حالة لا تزال حربية وفي حالة حصار ، مهددة في كل آن بحروب جديدة. بقي فيها الجيش يتوقع ما سيجر إليه ذهاب الوزير الأعظم ، أو ما تقوم به السلطنة العثمانية ...

حوادث سنة ١٠٣٦ ه‍ ـ ١٦٢٦ م

حالة العراق

إن الحكومة العثمانية ـ كما قدمنا ـ شغلت بنفسها في حوادثها الداخلية. والإيرانيون لم تكن فيهم الهمة الأولى للتوغل في الأنحاء العراقية الأخرى فاكتفوا برفع الحصار عن بغداد وعادوا ... ومن ثم صح أن نقول إن هذا العام قد سكنت فيه حالة العراق نوعا ...

حصار البصرة :

كانت البصرة بيد علي باشا آل أفراسياب. وحاول العجم الاستيلاء عليها فوجه الشاه إليها قائده (إمام قولي خان) فحاصرها أشد الحصار ولكنها بذلت كافة جهودها للدفاع فعجز القوم من التمكن منها ورجع القائد خائبا ، وترك خيامه ومدافعه وأموالا عظيمة وراءه ...

والشيخ عبد علي الحويزي مدح علي باشا بقصيدة ذكر فيها الوقعة

٢٤١

وأرخها بنصف بيت وهو (علي دمر الخان سنة ١٠٣٦ ه‍). والحصار طال إلى سنة ١٠٣٨ ه‍ أي أنه دام إلى أن توفي الشاه عباس الكبير فلما ورد خبر وفاة الشاه عاد إلى مملكته. هذا مع العلم بأن الحكومة العثمانية خذلت أمام الجيوش الإيرانية مرارا مما جعلنا نقطع بأن دفاع البصرة كان دفاع مستميت احتفاظا بها وذبا عن حريمها بخلاف الترك العثمانيين فلم تهمهم بقدر أهليها. ونراهم يطرون (علي باشا أفراسياب) على دفاعه هذا (١).

حوادث سنة ١٠٣٧ ه‍ ـ ١٦٢٧ م

وفاة السيد عمر البصري

هو ابن عبد الرحيم البصري الحسيني الشافعي نزيل مكة المشرفة ، الإمام المحقق ، أستاذ الأستاذين ، كان فقيها عارفا مربيا ، كبير القدر ، عالي الصيت ، حسن السيرة ، كامل الوقار ... كذا في الخلاصة نقلا عن الشبلي وأطال في وصفه. أخذ عنه خلق كثير. وزاد أنه متمكن في التصوف أيضا. توفي سنة ١٠٣٧ ه‍ (٢).

ولم نقف على رجال العراق في هذا العصر. ألهت الحوادث بل الرزايا من تدوينها ولم تخل في وقت من عالم أو أديب.

حوادث سنة ١٠٣٨ ه‍ ـ ١٦٢٨ م

حالة العراق

لا يؤمل أن نرى صلاحا أو إصلاحا والحكومة الإيرانية في حرب ولم تنقطع يد العثمانيين عن مواصلة الزحف وكل ما في الأمر كانت التأهبات عظيمة من الجانبين والإدارة عسكرية قاسية جدا ابتلي العراق

__________________

(١) زاد المسافر ص ١٩.

(٢) خلاصة الأثر ج ٣ ص ٢١٢.

٢٤٢

بأطماع الفريقين إلا أن موت الشاه في جمادى الأولى من هذه السنة (١٠٣٨ ه‍) وتبدل الحكم وهجومات الأتراك المتوالية بإزعاج كل ذلك لم يحرك ساكنا في الأهلين للمطالبة باستقلال واتخاذ تدابير لدفع الحكومتين. وما قيام بكر صوباشي إلا لهذا الأمل ، فخاب خيبة ذريعة. والعراق صار بين حكومتين إذا رأى ضعفا من واحدة ونزع إلى الاستقلال وحاول التملص منها فاجأته الأخرى بجيوشها وهاجمته على غرة ولم يجد فرصة للنهوض ، ولا لتحقيق هذه الأمنية مع العلم بأن حروب الماضي لم تكن تشغل إلا ناحية واحدة مقدرة بقوة الواحدة بالنظر للأخرى ...

لم نعلم عن حكومة إيران في العراق علما وافيا عن جميع أعمالها حتى هذا التاريخ رغم كثرة المراجع التركية. وهذا شأنهم في تواريخهم. توضح علاقاتهم مع غيرهم لا أكثر ... ومثلها تواريخ إيران لم توضح أكثر من العلاقات العامة ، ولم نجد أثرا يستحق التدوين.

حوادث سنة ١٠٣٩ ه‍ ـ ١٦٢٩ م

السردار خسرو باشا وبغداد

في فترات غير مقطوعة نسمع بعودة الحروب ، والتأهب للقراع ، كل دولة تستعد لما يؤمن لها الانتصار. وهكذا كان الأمر فعلا ، ففي ١٨ شوال من سنة ١٠٣٨ ه‍ نهض السردار من استانبول لاستخلاص بغداد وهو الصدر الأعظم خسرو باشا وجعل مكانه قائممقاما رجب باشا. فوصل قونية في المحرم من سنة ١٠٣٩ ومنها شتى في ديار بكر ثم توجه نحو الموصل فوصل إليها في غرة جمادى الأولى. ومن هناك سار في ١٣ جمادى الثانية. عبر الزاب في ٢٥ منه وفي طريقه ضرب العربان الذين كانوا نكلوا بالأهلين وكان أملهم أن يمضوا إلى آلتون كوپري (القنطرة) فذهبوا إلى شمامك ومنها جاؤوا إلى قرية ميره بك من أمراء

٢٤٣

صوران ثم ساروا إلى شهرزور في ٢٨ رجب فمروا بكثيرين من أمراء الكرد وكانوا أذعنوا بالطاعة. مروا من سر چنار حتى وصلوا إلى نفس شهرزور فأقاموا فيها. ولما كانت شهرزور تخربت أيام الشاه عباس لم يبق لها أثر فهي صحراء واسعة بين جبال وآثار القلعة المعروفة بظالم قلعة (زلم) موجودة. كان بناها السلطان سليمان. وحاكمها (الشيخ عبد الله) ويسمى (شيخو). أذعن بالطاعة وقدم ابنه رهنا. والتفصيل في فذلكة كاتب چلبي (١).

أعاد القائد تعمير قلعة گلعنبر (٢) وهي مركز قضاء وتسمى (حلبچة). كان بناها السلطان سليمان خان. وينطق بها (ألبجه).

كان تشتت أمراء الكرد وفروا من أيدي العجم. التجأوا إلى الجبال الشاهقة والمواطن الصعبة المرور فاختفى كل من ظالم علي ، ومأمون خان ، ومراد خان من أمراء أردلان. ولما رأوا الوزير الأعظم وافى إليهم أطاعوه.

أطاع السردار جماعة من أمراء الكرد وهم حكام هاوار ، وكسانه ، وشهر بازار ، ودمير قپو ، وچناد ، وخوسير ، وهزار ميرد ، ودلخوران ، ومركاره ، وحرير دويز ، ونيل ، وطاوى ، وزنجير گرقپو ، ومنزل عجور ، وابروان ، وپلنكان ، وباسكي ، ودوان ، وقزلجة قلعه وپاوره برند ، وقلعه غازي ، ونعل لب بإربل ، وچنار كدوكي ، ومهربان ...

قال في الفذلكة إن الأكراد يتابعون القوة ، ولا يعتمد عليهم وتغلب عليهم المداراة (٣). ومثل هذه القوى لا تصد.

ولما سمع الشاه بخبر قدوم الصدر الأعظم ورأى أن قد اضطربت

__________________

(١) فذلكة كاتب جلبي ج ٢ ص ١١٩.

(٢) كلعنبر جاءت في فذلكة كاتب جلبي ج ٢ ص ١١٨.

(٣) فذلكة كاتب جلبي ج ٢ ص ١١٩.

٢٤٤

أفكار الأهلين في همذان جهز الجيش وجعل القائد عليه أمير الأمراء زينل خان وأحمد خان بن هلو خان الأردلاني فمر من جهته ومعهم نحو الأربعين أو الخمسين ألفا من الجند فوصل إلى قلعة مهربان (مريوان) وذلك في رمضان هذه السنة فساق عليه الوزير جيشا لمقابلته تحت قيادة نوغاي باشا أمير أمراء حلب فتقابل الجمعان قرب المدينة ورخصت في هذه المعركة النفوس فلم يدع أحد من قوته شيئا وبذلت المجهودات ودامت المقارعة حتى العصر فوصل المدد للجيش العثماني وقت الحاجة واشترك في المعمعة فرجحت هذه الكفة على العجم ففر القليل منهم وهلك كثيرون وتركوا جرحى حتى إن سردارهم زينل خان فر أيضا. وعند وصوله إلى الشاه غضب عليه فأورده حتفه للحين.

وعلى هذا الخبر خلى الشاه همذان وانسحب إلى عاصمته. أما الوزير فإنه توجه نحو مهربان. ولمصلحة اقتضت بقي هناك مدة سبعة أيام أو ثمانية. ثم عزم إلى همذان فكسر الجيش الإيراني في طريقه. ومنها استولى على درگزين (١). وكان في نيته أن يذهب إلى عاصمة إيران وهي أصفهان ولكنه حين وصوله إلى صحراء درگزين اضطر أن يطيع أمر السلطان الوارد إليه القاضي بلزوم ذهابه إلى بغداد. وفي هذه الأثناء أصلى نهاوند بنيران حامية.

وفي طريقه أمر السردار كلّا من يوسف باشا أمير أمراء روم ايلي وكوچك أحمد باشا أن يدمروا مملكة (رستم خان) ففعلوا واجتمعت الجيوش في باش دولاب لتتوجه إلى بغداد وتلتحق بجيش السردار للذهاب إلى هناك فخربوا كل ما مر في طريقهم.

وفي ١٠ ذي القعدة توجهوا إلى بغداد. اجتمعوا في باش دولاب. ولكن المنقول عن بعض الثقات من أهالي بغداد أن (دجلة) كان في حد

__________________

(١) وصفها في تاريخ نعيما ج ٣ ص ٣٥.

٢٤٥

النقصان ولذا انتظروا ورود المدافع والمعدات الحربية فمكثوا عدة أيام بلا حرب ولا جدال.

حوادث سنة ١٠٤٠ ه‍ ـ ١٦٣٠ م

بقية حوادث الصدر الأعظم بجانب بغداد

وفي أوائل المحرم من سنة ١٠٤٠ ه‍ مضى إلى المدينة (بغداد) من طريق در گزين ، ودرتنك وقصر شيرين وحلوان. وهكذا حتى عبر نهر ديالى ، فوصل إلى قنطرة (چبوق) ، واللقمانية وفي ٢٨ المحرم وافى الشط قرب الأعظمية.

ومن الجهة الأخرى إن كنج عثمان جاء من طريق الفرات فورد الفلوجة ومنها مضى إلى الحلة فهاجمها. وفي ٢٠ صفر سنة ١٠٤٠ ه‍ شرع السردار في حصار بغداد ، وأحاطها من جميع جوانبها. وفي ٣ ربيع الأول سنة ١٠٤٠ ه‍ هاجمها هجوما شديدا. وذلك أن كل وال (أمير أمراء) هاجم بما لديه من الأغوات والعساكر فاجتازوا المتاريس ووصلوا إلى قرب السور فكان دخولهم هذا المأزق مخطرا جدا. وهناك بذلت النفوس مجهودها ، وجالدت جلادا عنيفا. وكانت المدافع ترمي على الأعداء فرمت ما يقرب من ألف قنبلة ولكنها لم تتمكن من التأثير على السور إلا من جانب ومع هذا دام الحرب لمدة أربعين يوما. فظهر العجز في الجيش العثماني وبدرت بوادر خفوق المسعى رغم الجهود والمعارك الخطيرة. وإن الهجوم الأخير الذي جرى قد فل الجيش وبعثره. أتلف الكثير منه بحيث صار لا يدري الواحد بالآخر. وفي كل هذه المدة لم يأت مدد. وأعوز البارود والمؤونة والعتاد أكثر من كل شيء ... وما ورد إليهم لم يف بالمطلوب (١).

__________________

(١) فذلكة كاتب جلبي ج ٢ وتاريخ نعيما ج ٣ ص ٥٤.

٢٤٦

وكان الأولى أن يركنوا إلى الحصار ، وأن يمنعوا خروج الجيوش المحصورة ، ويقطعوا السابلة وأن لا يمدوا المحصورين استفادة من التجارب العديدة ، فلا يجازفوا بالهجوم ويخاطروا ... وكأنهم في غفلة عن المخذوليات السابقة.

لم تكن للعدو من القوة ما يكفي للحصار والمقاومة. وإنما أحكم حصاره وأبطل الألغام التي عملها العثمانيون ... وكان العجم قد عزموا على تسليم البلد ولم يجدوا وسيلة للتخلص بغير طلب الأمان. ولكن العثمانيين عجلوا.

وحينئذ قرر الإيرانيون الهجوم من جانب الثلمة التي أثرت فيها المدافع واستمروا في الدفاع بعددهم ومدافعهم وأن يحاربوا حرب المستميت ...

ولهذا أول ما قارب العثمانيون المدينة أصلوهم بنيرانهم ومنعوا العساكر العثمانية ، فقتلوا من تقدم أولا وقطعوا طريق إمدادهم ...

وعلى كل لم يتيسر الفتح. ويعزو أوليا چلبي (١) الخذلان في هذه الحرب إلى أن الجيش ربح غنائم كثيرة إلى حد الإشباع ، والأسد لا يكون مفترسا إلا إذا جاع ، فلم يهاجموا أثناء الحصار بشدة. ولكن الواقع يؤيد أن أسباب المحاصرة مكينة ، فلم يتمكنوا من اختراق الجبهة.

لم يقدر السردار على المطاولة لا سيما وقد كانت خسائره كبيرة وضائعاته عظيمة ... لم يصبر على الدوام في الحرب كما فعل حافظ أحمد باشا. ولذا قرر لزوم الرجوع باستشارة الأمراء وذلك في ٨ ربيع الأول من هذه السنة. وفي أوليا چلبي تركوا بغداد في ٢٧ صفر سنة ١٠٤٠ ه‍ فعاد بما لديه من قوة وخيام وغيرها. وفي أثناء هذه الحرب

__________________

(١) رحلة أوليا جلبي ج ٤ ص ٤٠٣.

٢٤٧

استشهد أمير أمراء الأناضول داود باشا. إلا أن السردار قرر أنه إذا بقيت الحلة في يده أمكنه معاودة الحرب في السنة المقبلة بأمل تسهيل أمر الفتح بناء على اقتراح بعضهم فوافق عليه ، وأرسل أمير آمد خليل باشا مع نحو عشرين ألفا من عسكر ايالته وبينهم الينگچرية. وفي كتاب (خبر صحيح) كان معه اثنا عشر ألفا فأرسلوا على جناح السرعة إلى الحلة. أحاطوا جوانبها بالخنادق لتكون لهم عدة أيام الخطر والمحاصرة.

وفي هذا الأوان هاجم قائد العجم توخته خان المسمى (خان خانان) فضبط (درنه ودرتنك) ففر المحافظون من الجنود هناك من أمامه ... ومن جهة أخرى إن رستم خان أيضا هاجم الحلة ووجه عزمه إليها فاستمد خليل باشا بالسردار فأرسل إليه بضعة أمراء لكنهم لم يجدوا طريقا للوصول إليه. فكان استعجالهم تسرعا مغلوطا (١) ...

مهاجمة شهرزور :

ثم إن العجم هاجموا شهرزور بنحو ثلاثين ألف جندي بقيادة توخته خان ومعه أحمد خان (٢) وظالم علي فطردوا من فيها بالقوة وجعلوها قاعا صفصفا ولم يبقوا فيها بناء ما. وفي المعركة قتل محمد باشا بن أرنود وانهزم عمر باشا وابدال باشا. وهؤلاء أيضا لم ينجوا من سيف السردار فأمر بقتلهم وإن أمراء الكرد مالوا إلى العجم وتابعوهم.

عودة السردار إلى الموصل :

وفي هذه الأيام وصل السردار إلى الموصل بتاريخ ٧ جمادى الأولى وشرع في إحكام حصارها ومنها توجه إلى ماردين.

وهذا الوزير كما نعته كاتب چلبي لم يكن له تدبير صائب. استبدّ

__________________

(١) فذلكة كاتب جلبي وتاريخ نعيما ج ٣ ص ٥٦.

(٢) هو الأمير أحمد بن هلو خان أمير أردلان.

٢٤٨

برأيه ، ولم يحسن التصرف كحافظ أحمد باشا فأدى عمله إلى القضاء على الجيش ومهماته وذهبت كل التدابير هباء ...

مهاجمة الحلة :

هاجم الشاه بنفسه الحلة بنحو أربعين ألف جندي بعد أن رآها استعصت على جيوشه فحاصرها لمدة ثلاثة أشهر وكان محافظها آنئذ خليل باشا فلم يصل إليه المدد وكان أصاب الدولة العثمانية قحط وبيل فلم تتمكن من معاونته بل كانت في حالة اضطراب من جراء هذا الغلاء. فقطع أمله من المعاونة ولم يفكر إلا في طريقة الخلاص من هذه الغائلة المحدقة به. وكانت مدة الحصار بلغت الثلاثة أشهر أو الأربعة ففي بعض الأيام هجم بما لديه من فوارس على جبهة من جبهات العدو فخرقها وتمكن من الخروج ولم يتمكن منهم العدو بشيء فوصل إلى الموصل. كان لهذه الشجاعة التي أبداها في شق الجبهة مما تذكر له وتزيد في سمعته. وحينئذ أوقع العجم بأهل الحلة ما شاؤوا من قتل ونهب.

وفي اليوم التالي نادى المنادي بالأمان فانقطع النهب وكفوا عن الغارة والقتل. وإن الجنود التي بقيت في المؤخرة طلبت الأمان.

ثم عاد الشاه ومن معه من الجنود العثمانيين الذين طلبوا الأمان إلى بغداد وسير الروم وهم الجنود إلى الموصل ومنها توجه إلى إيران. ولم ينج منهم إلا القليل. سير الجنود الرومية إلى أوطانهم ولطفهم وأذن لهم بالذهاب. ثم أمر أن يعمر مرقد الإمام على (رض) فبوشر بالعمل في الحال. وأما الحلة فإنه ضيق عليها وأذل أهليها وأمر أن تبنى قلعة محكمة هناك ويتخذ خندق فشرع في العمل فدمرت دور وبساتين وحدائق للأهلين فتضرروا كثيرا (١).

__________________

(١) تاريخ نعيما ج ٣ ص ٦٥.

٢٤٩

حوادث سنة ١٠٤١ ه‍ ـ ١٦٣١ م

حكومة بكتاش خان

بغداد في هذه الأيام :

في هذه الاضطرابات والحالات الحربية كان الحاكم في بغداد (صفي قولي خان) ، ولكنه عاجلته المنية ولم يمهله الأجل. وكان متعصبا في مذهبه كما أنه كان متصلبا في الإدارة. وبلغت مدة حكومته ثماني سنوات تقريبا.

ولما وصل خبر وفاته إلى شاه العجم أظهر حزنا كبيرا وأصابه ألم عظيم. واتباعا للتقاليد المرعية دعا المنجمين واستطلع رأيهم في معرفة طالع أمرائهم الموجودين فكان طالع (بكتاش خان) غالبا على الكل ...

وعلى هذا نصب (بكتاش خان) حاكما على بغداد. ولكن الطالع ظهرت حقيقته مؤخرا بدخول السلطان مراد خان بغداد واستيلائه عليها وهي في يده وتحت حكمه. فكانت أيام بغداد في سوء وحروب ومعامع بل قلاقل عظيمة فلم تهدأ الحالة.

وإن من آثار الوالي السابق بناء السراي (دار الحكومة) المعروف (أيام صاحب گلشن خلفا) بالدفتر خانة.

بكتاش خان :

في هذه السنة ولي بكتاش خان على بغداد. قال صاحب گلشن خلفا إنه كان مشغولا بالشرب وتعاطي المعاصي وأخذ الهدايا وعدم المبالاة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فمال الناس في أيامه إلى الأهواء النفسية وانهمكوا في المعاصي وصاروا لا يبالون بانتهاك الحرمات .. والحالة حربية ، فلا يعول على مثل هذه الإشاعات.

٢٥٠

حالة الترك :

إن السردار كان قد صرف همه إلى تعمير القلعة في الموصل وتحكيمها. وفي هذه السنة كان يتجول بين ديار بكر والموصل. ولكنه لم يتمكن من إجراء عمل ما. وإن موسم الشتاء قد حل فوصل إلى مشتاه وانتظر فيه. وفي ٢٨ ربيع الأول انتزع منه السلطان الخاتم فصار حافظ أحمد باشا وزيرا للمرة الثانية فأمر بإرجاع الجنود إلى استانبول.

وإثر ذلك حصل قيام عليه من الينگچرية ورؤساء الموظفين فقتل في سنته وكان من أعاظم رجال الدولة. عين مكانه رجب باشا فصار صدرا أعظم. وهذا أيضا قتل من جانب السلطان نظرا لاشتراكه مع الثائرين الذين أصروا على قتل حافظ أحمد باشا فخلفه محمد باشا وهذا دمر المتغلبين والثائرين ممن كانوا يضطرون السلطان إلى قتل وزرائه وتبديلهم وبهذه الوسيلة أمنت الحكومة من شرورهم.

ولما أمن السلطان مراد المركز شرع في تسكين الأناضول والتنكيل بالثائرين فتمكن من ذلك أيضا.

حوادث سنة ١٠٤٢ ه‍ ـ ١٦٣٢ م

وفي سنة ١٠٤٢ ه‍ هاجم شاه العجم كرجستان. وكان حاكمها آنئذ (طهمورث) فلم يستطع مقاومة الأعجام فانسحب وضبطوا كرجستان ومنها توجهوا نحو (وان) فوصل خبر ذلك إلى استانبول فأصدرت الأوامر إلى رؤساء الثغور للاهتمام بالأمر والتأهب للطوارىء.

حوادث سنة ١٠٤٣ ه‍ ـ ١٦٣٣ م

غرق بغداد

في هذه السنة طغى ماء دجلة فغرقت من بغداد محلة باب الأزج (١)

__________________

(١) اعترض الدكتور (مصطفى جواد) على تاريخ الغرابي في ذكر باب الأزج وأن هذه المحلة لا تصل إلى محل الكسرة.

٢٥١

وغيرها. والسبب أن إسماعيل بن نجم كانت بستانه محاذية لبدن القلعة فبثق من البدن بثقا ليسقي بستانه ، فاتسع وهدم جانبا من البدن ، فتركه وانهزم ، فأخبر والي بغداد بكتاش خان ، فقام مهرولا حتى وقف عليه ، فشاور بعض المهندسين في هذا الأمر ، فطلبوا ثلاث طيارات ، ملأوها ترابا وحجرا وخسفت في الهدم وترك خلفها الخشب والحطب والتراب حتى انقطع سيل الماء ، واطمأن الناس بعدما ذاقوا مشقة عظيمة (١).

حوادث حربية :

وفي ربيع الأول سنة ١٠٤٣ ه‍ سار توخته خان أمير أمراء العجم بعساكره إلى وان وكانت عدتهم نحو الثلاثين ألفا فهاجمها وضبطها ، ولكن أمير أمراء ديار بكر مرتضى باشا وأمير أمراء أرضروم خليل باشا وافوا إليها. وفي ١٠ ربيع الآخر أنقذوا وان من يد أعدائهم ورجعوا. فلما سمع الوزير الأعظم وكان قد تحرك أيضا لإمداد الجيش لاستخلاص وان في ١١ ربيع الآخر فرح كثيرا وسر الفيلق وقد وصل الصدر الأعظم إلى حلب في ١٥ جمادى الثانية.

وفي أوائل رجب بناء على الفرمان الصادر قتل والي حلب نوغاي باشا ووجهت الولاية إلى والي ديار بكر محمد باشا الطيار ، وإن مرتضى باشا عاد إلى استانبول.

وفي هذه الأثناء حصلت بعض الاضطرابات في الفيلق أحدثها رؤساء الينگچرية. وفر رئيسهم إلى استانبول فقتل بأمر من السلطان هو ومن معه.

والحاصل أن الأحوال الإدارية والاختلالات الداخلية منعت من استعادة بغداد ودعت إلى بقائها في أيدي الإيرانيين مدة ...

__________________

(١) تاريخ الغرابي ج ٢ ص ١٠٩.

٢٥٢

والملحوظ أن النزاع على بغداد وتهالك الترك في سبيلها واهتمام صدورهم في حروبها. والعجم ومجازفتهم في الاحتفاظ بها كل هذه من الأمور الداعية لانتباه الأهلين ولكن أين الانتباه والقوى متكافئة بل راجحة للعجم في الحرص على العراق ودفاعهم عنها دفاع المستميت في كل مرة ... وكذا الترك ومخاطرتهم في الهجوم عليها ولزوم استعادتها ...

مال الأهلون كل منهم لناحية فصاروا طعمة نيران هذه الحرب الملتهبة بلا أمل ولا مواعيد شافية ، ولا التمكين من أي حق بل نراهم يطلبون من الأهلين المقاتلة معهم. وتسهيل النجاح والغالبية ليكونوا شهداء لتمكين سلطانهم ، أو واسطة لتأمين استعبادهم وقهرهم ...

وهكذا نرى عدم المبالاة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فلا يكاد يظهر لهما أثر في هذا العهد فمال الناس إلى الأهواء النفسية وانهمكوا بالمعاصي. ولذا نرى الصلحاء في خوف وارتباك من الأمر. كثرت في أراذل الناس الفواحش فصارت هذه بمثابة الحالة الاعتيادية المألوفة ...

حوادث سنة ١٠٤٥ ه‍ ـ ١٦٣٥ م

الطاعون في بغداد

توالت الأرزاء ، واختلت الحياة بسبب تكاثر الجيوش ، وصارت المعيشة في اضطراب ، فكان من لوازم ذلك أن حدث في سنة ١٠٤٥ ه‍ في اليوم الثالث من شعبان المعظم الطاعون. هاجمت جيوشه الأهلين واستولت على إقليم العراق واستمر ضرره ودام خطره إلى أول يوم من عيد الفطر.

كانت الضائعات عظيمة جدا فكم دمر من أسرات وقرض من أهلين ...! حتى إنه لم يبق من يدفن الأموات أو يحمل الموتى ، فكان

٢٥٣

لمصابه خطر عظيم وكثرت الأراجيف ونال الأهلين رعب كبير ومن ثم تراهم تركوا المعاصي فصاروا يميلون إلى الصلاح وإلى تأديب النفوس والركون إلى الاستغفار والتمسك بالعبادة فلم يبق ملجأ إلا الله تعالى ...

ورد في تاريخ الغرابي :

«وقع في بغداد طاعون وكثر حتى جروا بعض الموتى من أرجلهم ورموا بهم في دجلة. وبيعت قربة الماء بخمسة عباسيات» ا ه (١).

ثم خفت وطأته. واستمر إلى يوم عرفة فانقطع وزال خطره وشفي المصابون به فكثرت الموروثات ونال الفقراء الثراء. وبعد أمد يسير أبطر الناس الغنى ووسوس لهم الشيطان سوء الأعمال فمالوا إلى المنكرات وعادوا الكرة إلى عمل الموبقات ... كذا قال صاحب گلشن خلفا.

حالة العراق :

من هذه الأحوال يظهر أن هذا القطر لم ينل راحة. فهو بين حرب وظلم وغرق وطاعون ... فلا أمل أن نرى عمارة ، أو عدلا ، أو أمنا ، أو نموا في الحضارة ولا تمكنا من العلوم والآداب. والحالة لا تزال حربية والاهتمام بالجيش هو المطلوب. والأخبار المتضمنة هجوم السلطان مراد على العراق بقصد استعادته من مؤيدات ذلك. تأهب بنفسه وقام على العجم لصد غائلتهم فلم يتمكنوا من القضاء عليها من مدة بحيث شوشت عليهم داخليتهم وخارجيتهم. فهي بالنظر إليهم أم المسائل أو صارت (قضية الحياة والممات). دامت هذه الأحوال من الاضطراب إلى أن استولى السلطان على بغداد.

__________________

(١) العباسية نقد إيراني من فضة وتساوي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي. أوضحت عنها في (كتاب النقود العراقية لما بعد العهد العباسي). لم يطبع بعد.

٢٥٤

فيل الشاه صفي :

في هذه السنة بلغ الخبر كوچك أحمد باشا وكان مقيما في الموصل أن أمير آخور الشاه زينل خان أتى إلى بلدة شهرزور ومعه فيل أهداه سلطان الهند إلى الشاه صفي ، فذهب إليها وانتزعه منه وأرسله إلى السلطان مراد ، فبلغ هذا الخبر الشاه فأرسل نحو خمسين ألف فارس ، فالتقوا بأحمد باشا عند قلعة مهربان ، فاقتتلوا ولم يتزلزل أحمد باشا من مكانه حتى استشهد ، ولقبه العجم (بدمير قازوق) لثباته (١).

حوادث سنة ١٠٤٦ ه‍ ـ ١٦٣٦ م

الحالة العامة

من حين تركت الدولة العثمانية حصار بغداد اشتغلت في تنظيم داخليتها فلم تتمكن. عاث العجم فيها وصاروا في تأهب حربي بل في مقارعات فعلية فلم تدع فرصة للالتفات ... إلا أن الحروب كانت في أنحاء (وان) فصارت تتداولها الأيدي. واشترك السلطان مراد في حربها ... وعلى كل نرى الحكومتين تتقارعان الطالع ، وتجازف كل واحدة بقدرتها وما لديها من قوة ولم تكن هناك الحرب الحاسمة لتعادل القوى ، ولم يكن الترجيح فائقا من جهة ، وإنما يعوز حسن التدبير للتفوق والرجحان ويغلب على العثمانيين الاضطراب في الإدارة مما منع أن تكون كفتهم راجحة بكثرة القوة وكمال العدة. أنهكت الحروب الدولتين ولم تفكر واحدة منهما في الأمر وما يؤول إليه. وإنما تأمل الواحدة أن تقضي على الآخرى. ولم ينقطع هذا الأمل.

الحرب سجال. والعراق لم يصف له الجو ، وحالته ما وصفنا من حروب إلى طواعين إلى قسوة وتعديات وهكذا ...

__________________

(١) تاريخ الغرابي ج ٢ ص ١١٣.

٢٥٥

حوادث سنة ١٠٤٧ ه‍ ـ ١٦٣٧ م

لم نجد ما يصلح للتدوين عن هذه السنة إلا حادث اهتمام العثمانيين في العودة إلى بغداد ومحاولة استردادها وسفر السلطان إليها بنفسه وتجييشه الجيوش العظيمة وقيامه بالمهمات الكبرى فلا حديث غير هذا يهم العراق. وحكومة العجم أيضا متأهبة لقمع نفوذ العثمانيين والقضاء عليهم.

السلطان مراد يتأهب لاستخلاص بغداد :

كانت بغداد في أيدي العثمانيين من سنة ٩٤١ ه‍ أيام السلطان سليمان ودامت في أيديهم إلى واقعة بكر صوباشي فبقيت نحو المائة سنة تحت حكمهم فحاولت الاستقلال ثم صارت في حكم العجم وقام العثمانيون بهجومات عديدة وعظيمة لاستعادتها فأخفقوا في مساعيهم كلها واستصعب الفتح ، وكون هذا الخذلان خطرا عظيما. كانوا قد بذلوا النفس والنفيس في سبيله فظهر عجزهم وبان ضعفهم ... وهذا الخذلان كان أكبر محرض ، فالسلطان مراد وجد أن الخطر حل واكتسبت المصيبة شكلا عاما ، فعزم بنفسه للقضاء على هذه الغائلة وهو من أعاظم رجال العثمانيين لم يأت مثله من أيام السلطان سليمان فسار للمقارعة بعد أن قضى على اضطرابات داخلية وفتن خارجية مهمة وأمن الحالة مع المجاورين الآخرين ... وحينئذ تمكن من خضد شوكة العجم وفل غارب نفوذهم في العراق وافتتح مدينة (بغداد). استخلصها للعثمانيين فبقيت في حوزتهم إلى الحرب العظمى وحينئذ خرجت من أيديهم في سنة ١٣٣٥ ه‍ ـ ١٩١٧ م.

السلطان مراد في طريقه إلى بغداد :

إن السلطان أصدر فرمانا في التأهب لسفر بغداد في أوائل رجب سنة ١٠٤٧ ه‍ وأوعز في اتخاذ ما يلزم للحرب ، وفي ٨ شوال هذه السنة

٢٥٦

٢٥٧

أخرج الطوغ الهمايوني (١) وركز أمام الحربية فاستعد الوزراء والأمراء ممن تقرر اشتراكهم في الحرب ونشروا الأعلام الأخرى للاطلاع ، وفي ١٥ شوال نقل الأوطاغ الهمايوني (خيمة الملك) إلى اسكدار ، وفي ١٦ ذي القعدة تحرك الفيلق أيضا إلى اسكدار وفي ٢٣ منه يوم الخميس برز السلطان بموكب زاهر واحتفال عظيم وذهب إلى اسكدار ممتطيا جواده وعلى رأسه مغفر عليه عمامة حمراء من شال ، وعلى كتفه طيلسان فكان في زي عربي يحكي طراز الصحابة الكرام (رض) في أوضاعهم حينما يتأهبون للغزو والجهاد ومعه الجيوش في أبهة (٢). وحيثما مر من صوب أو التفت إلى جهة أو ناحية من النواحي سمع نداء الأهلين قائلين له (عليك عون الله) فكان لوضعه هذا تأثير كبير في النفوس.

وفي ٢٣ ذي الحجة يوم السبت رحل السلطان من اسكدار وتوجه نحو بغداد وقطع في سفره هذا (١١٥) مرحلة. وفي المرحلة الخامسة من هذه المراحل عاد المشيعون إلى استانبول وهم الموالي والمعزولون والمدرسون.

حوادث سنة ١٠٤٨ ه‍ ـ ١٦٣٨ م

السلطان في طريقه أيضا

وصل السلطان إلى حلب الشهباء بتاريخ ١١ ربيع الأول من سنة ١٠٤٨ ه‍ وهنا انضم إليه الجيش المصري بأميرهم رضوان بك. وفي ٢٦

__________________

(١) الطوغ : علم للعثمانيين ، ولسائر الأتراك ويتكون أعلاه من شعر الخيل ويلون بألوان وله أهمية. وتتعين رتبة الأمير بالنظر لما منح من طوغات. والتفصيل في كتاب (تشكيلات وقيافت عسكرية) ص ٣٧.

(٢) رأيت في استانبول في متحف طوبقبو قسم الخزانة لباسه حين افتتح بغداد. وبين هذه مغفر ، ودرع ، وكنانة سهام وسيف ، حتى ركاب فرسه وعدته ... وقد حفظ في خزانة خاصة كتب عليها ذلك. أما السلطان سليمان فقد حفظوا لباسه بوجه عام.

٢٥٨

ربيع الأول منه رحل عنها وقطع مراحل حتى وصل پيره جك وهناك أعد قبل هذا عثمان باشا أربعين سفينة ونصب منها جسرا للعبور فعبر عليها الجيش أما السلطان فإنه ركب في زورق وعبر. استصحب المفتي معه إكراما له. وقد صب خمسة مدافع عظيمة اثنان منها كل واحد حشوه عشرون أوقية من البارود وثلاثة منها حشو كل منها ١٨ أوقية. وصنع في الفلوجة ٨٠٠ سفينة لنقل الذخائر والأطعمة. وهنا التحق بالفيلق أمير أمراء سيواس كور خزينة دار وأمير بوزاوق شمسي بك زاده فانضموا إليه في پيره جك.

ولما وصل منزل جلاب توفي الوزير الأعظم بيرام باشا في ٦ ربيع الآخر فتأثر عليه السلطان كثيرا. وعهد بالوزارة العظمى إلى محمد باشا الطيار. وبعد منزلين ورد أمير أمراء الشام (درويش محمد باشا).

وفي ٢٣ ربيع الآخر ورد السلطان ديار بكر فأقام بها للاستراحة عشرة أيام. وبعد يومين من وصوله جاء الوزير الأعظم فأجري له احتفال عظيم وأنعم عليه السلطان بخيمة وخرگاه وأوطاغ وبارگاه. وفي ذلك اليوم عهد إلى درويش محمد باشا بإيالة ديار بكر وألحق به كثير من أمراء الألوية. وكذا التحق بدرويش محمد باشا أمير الصحراء (سلطان البر) ابن أبي ريشة مع باشوات طرابلس وحلب وعدة أمراء ألوية وعين مقدمة الجيش وأرسل في الأمام.

وفي ٤ جمادى الأولى رحل السلطان عن ديار بكر وكان ذلك في ٣ أيلول. وبدل السلطان قيافته فدخل ماردين للتفرج ...

وفي أثناء مروره بحلب وديار بكر تقدم الشعراء لمدحه والدعاء له بالسفر الميمون وكان مدحه الشاعر نظمي أفندي البغدادي حين ورد الرها بقصيدة تركية طويلة جعل كل شطر من أبياتها تاريخا لقدومه ودعا له بالسفر المبارك. ومدح بقصائد ومقاطيع تركية كثيرة ذكر في (تذكرة

٢٥٩

رضا) جملة صالحة منها لا نرى فائدة في إيرادها لعدم معرفة الكثيرين اللغة التركية ...

وفي سلخ جمادى الأولى وصل إلى مدينة الموصل.

ولا يهمنا أن نذكر المنازل قبل أن يصل إلى الموصل وإنما نكتفي بما ذكر. وفي كتاب (روضة الأبرار في فتح بغداد من قبل السلطان مراد) تأليف قره چلبي زاده عبد العزيز أفندي تفصيل ، وهو تاريخ مختصر مخطوط ، ومنه نسخة برقم ٢٠٨٩ في خزانة أسعد أفندي في السليمانية باستانبول. كتبه أيام وزارة مصطفى باشا وبين تاريخ حركة السلطان في منازل عددها ونقلنا منه من حين ورود السلطان الموصل. وهذا المؤلف كتب ما هو أشبه بما كتبه مطراقي أيام السلطان سليمان القانوني إلا أنه لم يكن معاصرا ولا كان كتابه مصورا ...

وبعد أن أتم ذكر أسفار السلطان قد بين الحوادث التي وقعت في استانبول بغياب السلطان وكان قد جعل السلطان مكانه موسى باشا محافظا وختم المقال بأوصاف الوزير وجميل مناقبه ... عولنا على كثير من نصوصه في حكاية الفتح وما يتعلق بها ولم نترك الكتب الأخرى المعاصرة أو القريبة منها مثل فذلكة كاتب چلبي وگلشن خلفا وغيرهما ...

ورود سفير من الهند :

كان أرسل ملك الهند خرم شاه (١) كتابا إلى السلطان مع هدية بيد

__________________

(١) إن سليم شاه (جهانكير شاه) ابن أكبر شاه كان قد ولي سنة ١٠١٤ ه‍ ١٦٠٥ م وتوفي سنة ١٠٣٦ ه‍ ، فخلفه ابنه (شهريار) طالت مدته بضعة أشهر فقتل وهذا قد خلفه بايسنقر بن دانيال بن أكبر شاه. وهذا تغلب عليه خرم شاه (آصف خان) ، فالتجأ بايسنقر إلى العثمانيين ، فلم ينل مطلوبا ، وعاد إلى الهند فهلك. وخرم شاه المذكور ابن سليم شاه. وهو الذي أرسل رسولا إلى السلطان مراد الرابع بالوجه المذكور. (فذلكة ج ٢ ص ٩٨ ودول إسلامية ص ٥٠٢ وتاريخ نعيما ج ٣ ص ٣٥٧).

٢٦٠