موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٦

فقبل أمانهم على أن يخرجوا في يومهم ويتركوا أسلحتهم. إلا أن قسما منهم لجأ إلى القلعة الداخلية ، وأن قسما آخر مالوا إلى الباب المظلم فحاصروا فيه وشرعوا في القتال ... فكانت النتيجة أن قتل في هذه الحرب من العجم (٨٧) ألفا.

وذكر أوليا چلبي أن الله عزيز ذو انتقام كان مرتضى باشا السردار قد توفي في حرب روان فطلب الجيش الأمان من الشاه إلا أنه لم يف بعهده فقتل (١٢) ألفا من الجند فكان الانتقام منه بعد ثلاث سنوات (١).

وبعد هذه الوقائع ملئت بغداد من القتلى. وكذا الخارج. وكان هذا القتل لم يسبق له مثيل في تاريخ الحروب الإيرانية.

وبذلك انتقم الترك من الشاه ونال جزاءه وحصل الجيش التركي على غنائم وافرة جدا. وأما نفس رعايا بغداد فإنهم تقدموا صفوفا بأطفالهم ونسائهم لطلب الأمان وصاحوا (الداد ، أمان) (٢). فأصدر السلطان أمانه لهم وأن لا تنهب بغداد وأن كل من عثر على مال فله أخذه.

وأعلن السلطان الأمان أيضا ومنع منعا باتا أن يتعرض أفراد الجيش بأموال الأهلين أو أولادهم. وكل من وجدت في خيمته أموال لأحد فعقابه الإعدام. ولو لم يأمر بهذا لعادت بغداد يبابا ، أو أثرا بعد عين.

والخلاصة أن بغداد أنقذت من أعداء الترك وخلصت للعثمانيين.

وبهذا تم (الفتح) (٣).

__________________

(١) أوليا چلبي (بتلخيص) ج ٤ ص ٤٠٧.

(٢) معروف عند البغداديين تعبير (الداد أمان) إلى الآن ومعناه التسليم وطلب الأمان.

(٣) نعيما ج ٢ ص ٣٧٧. وفذلكة كاتب جلبي ج ٢ ص ٢٠٥ و (تشكيلات وقيافت عسكرية).

٢٨١

وجاء خبر ذلك مجملا في تاريخ الغرابي. قال :

«سار السلطان ... لاستخلاص بغداد دار السلام (مدينة السلام) ... فنزل عليها وحاصرها أربعين يوما. فلما رأى حاكمها بكتاش خان وسائر الخانات أن لا طاقة لهم بمقاومة الهزبر طلبوا الأمان فأعطاهم السلطان ما طلبوا ، وخرج بكتاش خان إلى حضرة السلطان بالأمان ، ثم إن السلطان أمر أن كل من كان من عسكر القزلباش فليلق السلاح ويخرج عليه الأمان ، فما رضوا بذلك فاجتمعوا كلهم عند الباب الشرقي المعروفة بـ (قره قاپي) فعين السلطان من أبادهم ، فما خرج منهم سوى خمسة وعشرين شخصا توجهوا إلى ممالك العجم ، فحين فارقوا بغداد أمطرت السماء ، واشتد المطر ، فآووا إلى قبة في الطريق ، فخرج أحدهم في الليل لإراقة الماء ، فوقعت القبة على رفقائه فقتلتهم ، وذهب ذلك الرجل إلى العجم فأخبرهم» (١) ا ه.

فكان بحثه مختصرا بل مقتضبا ، وقد مر بنا التفصيل من كتب تاريخية عديدة.

زيارة الإمام الأعظم :

وفي اليوم التالي ذهب السلطان لزيارة الإمام الأعظم وقال : الآن حقت الزيارة. وكان قال إنني أخجل من زيارته قبل أن تفتح بغداد. فقرىء هناك الختم الشريف وتليت الأدعية وذبحت القرابين وبذلت الصدقات.

التبريكات بالفتح :

وفي هذا اليوم رتب الديوان العالي فهنأ السلطان بهذا الفتح

__________________

(١) تاريخ الغرابي ج ٢ ص ١١٤.

٢٨٢

الجليل كل من الوزير الأعظم وشيخ الإسلام وسائر الوزراء والصدور وأركان الدولة والولاة وآغا الينگچرية والأمراء وضباط الجيش. فألبس الخلع الفاخرة كلّا من هؤلاء ودعا لهم بالخير.

أرخ هذا الفتح جماعة منهم شيخ الإسلام وغيره كثيرون (١).

ولما كانت هذه التواريخ تركية لم نر فائدة في نقلها وذكرها. والتواريخ العربية كان أكثر الناس من نظمها. قال المحبي وقفت بمكة المشرفة على تاريخ للقاضي تاج الدين المالكي وهو هذا :

خليفة الله مراد غزا

قلعة بغداد فأرداها

وعندما حاصرها جيشه

اندك للأسفل أعلاها

وأصبح الشاه ذبيحا لما

أخبر من كثرة قتلاها

هذا اختصار القول فيها فإن

قيل لقد أجملت ذكراها

فلنشرحن فعل مراد بها

مؤرخا قد ذبح الشاها

انتهى (٢).

منح رتب وكتب أخبار الفتح :

وفي هذا اليوم حرر (كتاب الفتح) وأرسلت كتب أخرى ومنح الميراخور الكبير خليل آغا رتبة الوزارة وأرسل ببشرى الفتح إلى الآستانة. وأمر بنقل (أوطاغ السلطان) إلى باب الإمام الأعظم فأبدل

__________________

(١) تاريخ نعيما وتذكرة رضا وكلشن خلفا ص ٧٩ ـ ١.

(٢) خلاصة الأثر ج ٤ ص ٣٣٩.

٢٨٣

مكانه. وفي اليوم نفسه ابتدىء بعمارة القلعة وأعلن بواسطة المنادين أن لا يبقى أحد مختفيا وليظهر كل بلا خوف ولا حذر وأن لا يتعرض أحد بالمختفين. ومنح سلحدار باشا منصب القبودانية (القبطانية) وجرت توجيهات أخرى لا نرى فائدة في ذكرها مما لا يخص أحوال بغداد. وفي هذه الترفيعات نوع منحات ...

ومن التوجيهات التي أجريت أن والي قسطموني السابق محمد باشا منح منصب ايالة شهرزور.

وفاة بكتاش خان والي بغداد السابق :

وفي تلك الليلة توفي بكتاش خان في سرايه بعد العشاء فجأة كذا في نعيما. وفي گلشن خلفا أنه انتحر ، وترك زوجته بنت (حسين خان اللر). فأرسلت بجميع أموالها وأتباعها إلى أبيها ولم يتعرض إلى شيء من أموالها. وهذا الوالي حكم بغداد مدة سبع سنوات. قال صاحب گلشن خلفا ولا يزال سراي الحكومة قائما. فهو من آثاره وله منظر جميل وحديقة غناء ... وكذا الحمام من بنائه (١).

ولاية بغداد :

وفي اليوم التالي منحت (ايالة بغداد) إلى كوچك حسن آغا (٢) آغا الينگچرية وعهد بأغوية الينگچرية إلى مصطفى آغا الركابدار. ومن المدرسين مصطفى (٣) أفندي التذكره جي عين قاضيا لبغداد. وإن كتخدا

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٧٩ ـ ١.

(٢) لم يكن حسين آغا وإنما هو حسن آغا كما في كلشن وسجل عثماني بخلاف ما ورد في تاريخ نعيما.

(٣) جاء في نعيما أنه مصطفى أفندي التذكره جي وما جاء في فذلكة كاتب جلبي من أنه موسى أفندي التذكره جي. فليس بصواب.

٢٨٤

الينگچرية (بكتاش آغا) عين لمحافظة بغداد وحراستها وجعل معه ثمانية آلاف نفر من الينگچرية.

سرقة حمائل السيف :

ومما يحكى أن شخصا من أكراد العجم يدعى قارچغاي كان يتكلم بلهجة لطيفة. لذا عفا السلطان عن قتله حتى أنه نال شرف مصاحبة السلطان (مرافق الملك) فتطاول ولم يتأدب بحضوره. وفي يوم الفتح قدم (بكتاش خان) للسلطان سيفا مرصعا ولما علم قارچغاي المزبور وكان في المجلس قال أنا أذهب به فأقدمه للسلطان فأخذ السيف وله حمائل مذهبة ومجوهرة. ولكنه لخساسة طبعه بدل الحمائل وأوصل السيف إلى السلطان فقبله السلطان منه وقال لسلحدار باشا إني أعجب أن تكون حمائل هذا السيف اللطيف غير متناسبة معه.

أخبر بكتاش بأنه إذا كانت لهذا السيف حمائل مناسبة له فليرسلها. فأجاب أن حمائل هذا السيف ذهبية ومجوهرة فهي متناسبة معه. ولعلها بدلت. وبالتهديد والتحقيق ظهرت. واعترف قارچغاي بها وحينئذ غضب السلطان عليه وعده كافر النعمة. ولم يلتفت لكل هذا اللطف حتى طمع وخان فلا يستحق هذه العناية والرعاية فأمر بقتله فقتل.

خرافة مولوية :

حكى نعيما أنه قبل فتح المدينة ببضعة أيام جاء أحد دراويش المولوية تجاه أوطاغ السلطان وقال له : أيها الملك اسعوا واجهدوا أن تفتحوا المدينة قبل يوم الاثنين وإلا لو تأخر غرقنا بالسيول فلا يتيسر الفتح. وفي ذلك اليوم أمر السلطان طيار باشا بالهجوم وأقنعه بل هدده في لزوم الهجوم فاهتموا له وأقدموا عليه. وفي الحقيقة تيسر الفتح يوم الجمعة. أغاروا على البلدة يوم السبت وفي اليوم التالي الأحد بذل

٢٨٥

الأمان. وفي يوم الاثنين جادت السماء بمطر عظيم امتلأت منه المتاريس وغرقت الخيام فبقيت في الأطيان.

وبهذا ظهرت كرامة ذلك الدرويش المولوي الكامل. ولو كانت أمطرت هذا المطر قبل الفتح لما أمكن الفتح بل لم يقدروا أن يخرجوا من متاريسهم. فكان هذا التدبير موفقا ... فحصل المأمول في أحسن وجه. ثم إنه بعد الفتح توالت الأمطار فأوقفت الحركة خارج الخيام.

والظاهر أن هذه الحكاية رتبت إثر وقوع الأمطار فأراد هؤلاء أن يستفيدوا منها ولو بعد حين وقد بينا عن هؤلاء وأوضحنا بعض الإيضاح عن طريقهم ، وغاية ما يقال إن هذه وأمثالها سبب نكبة المسلمين وإماتة أرواحهم ونفوسهم الجريئة الحية ... ولم يذكر هذه الواقعة صاحب الفذلكة.

تعمير مرقدي الإمام الأعظم والشيخ عبد القادر الكيلاني :

ثم إن السلطان أمر بتعمير مرقدي الإمام الأعظم والشيخ عبد القادر الكيلاني بنظارة شيخ الإسلام يحيى أفندي. وهذا شرع في العمل. فعمر الأبنية التي في ساحة القبة العليا وزينها بقناديل ذهب وفضة. وكذا عمر صندوقا وقام باللوازم الأخرى. واتخذ ستارا من صوف أخضر وعمامة.

وقائع أخرى :

ثم إنه كان عين من العجم قاض في بغداد. تمكنوا من القبض عليه فقتل. وكذا قتل دفتري الموصل (عباس البغدادي) لتحقق تهاونه في إرسال المهمات وللاطلاع على بعض أحوال منه غير مرضية. وإن محمد باشا المعزول من قسطموني وجهت إليه (ايالة شهرزور).

٢٨٦

قتل القزلباشية :

إن الدولة أرادت أن تقطع دابر القزلباشية إذ علمت أن قد جاء أكثر من ثلاثمائة منهم من النجف إلى الكاظمية فأمر بقتلهم وذلك قبل الفتح وإعطاء الأمان وكذا قتل نحو ألف ، ثم قتل نحو أربعمائة.

قتل الواردون من القزلباشية من النجف أيضا لما علم من جاسوس منهم ألقي القبض عليه جاء وكان حاملا كتابا ، فيه أنه إذا استولى العثمانيون على بغداد فأخبرونا لنترك أوطاننا ونذهب إلى ديار العجم. وبهذه التهمة قتلوا (١).

وعلى كل حال إن العثمانيين أبدوا قسوة في القتل لما رأوا من حنق من الإيرانيين فقابلوهم بأشد منه مما لا ترضاه الشريعة فالضرر ممنوع ابتداء ، وكذا المقابلة به. فأضاعوا قاعدة (لا ضرر ولا ضرار). وربما كان الحنق من الجيش فلم يستطيعوا صده ...

عودة السلطان إلى استانبول :

وبعد ذلك تقرر عودة الركاب الهمايوني إلى الآستانة فعاد في ١٢ من شهر رمضان وأرسل ابن مير فتاح وسائر خانات العجم المحبوسين إلى ديار بكر.

وكان السلطان حينما أراد العودة تقدم لزيارة الإمام الأعظم. ثم إنه عبر مع الصولاقية والمتفرقة العلوفية والچاوش وبلوك اليمين إلى جانب الكرخ فمضوا إلى مرقد الإمام موسى الكاظم. وأمر أن تنظم أحوال بغداد وأن يبقى الوزير الأعظم مع عموم العساكر مدة ببغداد للقيام على العجم والقضاء على غائلتهم وتأسيس الإدارة المنتظمة ...

وبهذا انقطعت حوادث السلطان من بغداد بعد أن أودع الشؤون

__________________

(١) تاريخ نعيما ج ٣ ص ٣٨٣.

٢٨٧

إلى أهلها. بقي الوزير الأعظم ووالي بغداد.

السلطان في طريقه إلى عاصمته :

١ ـ إن سفير الهند المذكور سابقا جاء إلى الركاب الهمايوني في تكريت وهنأه بالفتح. أذن له بالعودة وأمر باتخاذ ما يلزم لذلك فذهب إلى الوزير الأعظم ...

٢ ـ إن سفير إيران المرسل من الشاه كان جاء إلى ماردين ، ومنها أبقي في الموصل فلما عاد السلطان إلى الموصل في ٢٢ رمضان كتب معه كتابا إلى الشاه صفي. وفيه أن السفير خليفة مقصود أعيد. فعليك أن تبعث بالهدايا والتقدمات. وإلا دمرت مملكتك بجيوشي العظيمة. ولو كنت شجاعا لما تخلفت عن الظهور ... وكتب في رمضان سنة ١٠٤٨ ه‍. وينطوي على التهديد والتهكم.

٣ ـ خرج السلطان من حدود العراق فلا تهمنا حوادث حله وترحاله وسائر وقائعه. وصل إلى ديار بكر في غرة شوال. وفي ١٠ صفر سنة ١٠٤٩ ه‍ وصل إلى العاصمة باحتفال مهيب.

حوادث الصدر الأعظم

(في العراق)

الصدر الأعظم قرا مصطفى باشا بقي في بغداد ٦٠ يوما بعد رجوع السلطان ، وفي ١٦ منه صلى أول جمعة في (جامع الگيلاني). وكان تموين الجيش صعبا جدا. وفي خلال المدة توالى ورود المؤونة. وفي غرة شوال جاءتهم المؤونة من البصرة في عشر قطع من الأغربة. وجاء سفير العجم ، فأعيد إلى الشاه مع حمزة باشا. ثم أرسل مع (سفير الهند) أرسلان آغا المتفرقة. وفي ١٤ شوال تم تعمير القلعة. وفي ١٠ ذي القعدة رحل الصدر الأعظم فنزل (باش دولاب). بقي هناك بضعة أيام.

٢٨٨

ثم قصد ديار العجم فتوجه نحو لقمان الحكيم. وفي يوم حركته أبقي في بغداد (١٢٠٠٠) من الجيش البغدادي و (٨٠٠٠) ينگچري من صنف الحراس (نوبتجي) ، و (١٠٠٠) سپاهي ...

وفي ٢٧ منه حلوا بالقرب من (قنطرة چبوق) من الخالص وهناك اتخذوا مرعى (چايرا) ، فبقوا نحو ٢٠ يوما. ولما كان نهر ديالى قد فاض ، فقد اتخذوا جسرا من سفن وفي ٩ ذي الحجة عبر بعض الجند في الكلك من قرية ينگيجه فارين فعلم ذلك ومن ثم اتخذت التدابير من أمير أمراء قرمان حسن باشا فمنع وقوع أمثالها ، وفي اليوم التالي نصب الجسر فعبروا عليه فمضوا نحو شهربان ...

وفي ١٩ منه ورد السفراء من رستم خان. وبعد أربعة أيام في منزل (زاوية) ورد ميراخور الشاه (محمد قولي) سفيرا ، فاستقبل من چاووش ، وفي اليوم التالي ورد السفير إلى مجلس الوزير في قزلرباط (السعدية) ، فتكلم في الصلح ، فسأله الوزير هل جئت بمفاتيح (درتنك) لتطلب الصلح؟ وأبدى أنه لا يتم الصلح ما دام رستم خان في درتنك. وأظهر غضبا على السفير. وكتب بهذا أيضا إلى الشاه كما كتب إلى رستم خان أن يرحل عن درتنك. أمهلهم أن يأتوا بالجواب خلال ستة أيام وإلا شرع في الحرب.

أما السفير الإيراني فإنه أرسل في الحال رسولا إلى الشاه ، وقصد السردار التوجه نحو الهدف المقصود ، فجاءه السفير قائلا :

سيدي الصدر!

كان ذهب سفيرنا إليكم ، فاتخذتموه دليلا ، فأخذتم بغداد. والآن اجعلوا داعيكم دليلا أيضا لعلكم ترغبون في فتح أصفهان!!

أبدى ذلك للصدر بمقام اللطيفة ، ورجا أن لا يعجل بالسفر إلى أن ينتهي الوعد المضروب فيصل جواب الكتاب المرسل. ومن ثم يكون

٢٨٩

لكم الأمر. تضرع للوزير أن يؤخر حركته. وفي غرة المحرم سنة ١٠٤٩ ه‍ رحل رستم خان عن درتنك. رجع القهقرى فجاء الخبر بذلك.

وفي اليوم التالي ٢ المحرم وصل إلى خانقاه الصغير ، وفوضت ايالة بغداد إلى (درويش محمد باشا). وفي ذلك المنزل ورد الخبر أن صارو خان السفير الكبير من جانب الشاه سيصل قرب قصر شيرين إلى صحراء (زهاو) (١). وهناك كان الشاه أثناء حصار بغداد يترقب الحالة. وجاء من رستم خان كتاب يشعر بأنه غادر درتنك امتثالا للأمر ، وبين فيه أن صارو خان وكيل الشاه سيوافي قريبا.

السفير الإيراني ـ المعاهدة :

في ١١ المحرم ورد صارو خان ، جاء إلى الفيلق الثاني ، فأرسل لاستقباله من قام بالمهمة ، وأعدت له خيمة خاصة ، وبعد العصر واجه الصدر الأعظم. وجرت بينهما محادثات. وبعد ذلك تكون الديوان العالي ، فألبس ومن معه الخلع. وفي ١٤ منه تم الصلح بعد مفاوضات اجتمع في خلالها رجال الجيش والأمراء في خيمة الوزير الأعظم ، وحضر صارو خان وكيل الشاه ، والسفير الأول محمد قولي فتفاوضوا في الأمر ، وأوضحوا أن الصلح سيد الأحكام وباعث رفاه الأنام.

وكان ما تم عليه الاتفاق بعد أخذ ورد ومفاوضات كثيرة : أن تكون جسان وبدرة ومندلجين (بندنيج) ودرنه ودرتنك إلى سرمل من ايالة بغداد وما بينها من صحار في حوزة بغداد وكذا ضياء الديني وهاروني من قبائل الجاف ، وأن تكون القرى التي في غربي قلعة زنجير للعراق ، وهكذا يعتبر من شهرزور ما كان في غربي (قلعة ظالم علي) وما فوقها من جبال وما كان ناظرا إلى هذه القلعة من الأطراف إلى الكدوك المار

__________________

(١) وردت (رحارا) ، وأحيانا (زحا). وصوابها (زهاب) أو زهاو.

٢٩٠

إلى شهرزور وكذا قلعة قزلجة وتوابعها ، فكل هذه تضبط من جانب الدولة العثمانية. وعدا ذلك فإن أخسخة ووان وشهرزور وبغداد والبصرة وما يدخل فيها من بقاع وقلاع ونواح وأراض وجبال وتلال فلا يتعرض بها من جانب الشاه قطعا ، ولا يتدخل بها وهكذا القلاع بين مندلجين إلى درتنك ، وبيره ، وزردوي المسماة زمردماوا أيضا وما كان في شرقي قلعة زنجير من قرى وقلاع ، وأورمان وتوابعها ، ومهريان وتوابعها فكل هذه تكون في تصرف الشاه وضبطه. ومثلها حدودها وتوابعها وما يدخل فيها ولا يتدخل فيها من جانب السلطنة العثمانية ، وزنجير قلعة تقع في قمة جبل سيكة وما كان في حدود وان وهي قرتور ، وماكور. وكذا ما كان في جانب قارص وهو مغازبرد فإنها تهدم من الطرفين. والسلام.

هذه المعاهدة صارت أصلا لحل الاختلاف في الحدود. وكانت الدولتان لم تتقيدا بعهد لكل واحدة منهما آمال. فجاءت هذه المعاهدة حاسمة للنزاع وقطعت آمال كل دولة. فوقفت عند نصوصها. وكل تجاوز وقع بعد هذا كان يحل بالاستناد إليها ، وبمراجعة نصوصها كما أن حدود الدولة أيام السلطان سليمان صارت أصلا في تكوين هذه المعاهدة.

أرسلت هذه المعاهدة إلى الشاه فأمضاها في ١٩ المحرم وأعطيت نسختها إلى محمد قولي بك ليذهب بها إلى استانبول لإمضائها أيضا. وعلى هذا أجريت ضيافة للسفير الكبير والسفراء الآخرين. وفي اليوم التالي أجرى السفير الكبير ضيافة للأمراء. ومن ثم ذهب صارو خان إلى الشاه ، وبقي في الفيلق محمد قولي بك ليأخذ المعاهدة إلى استانبول للإمضاء. وفي اليوم التالي ذهب من صحراء (حورين) (١).

__________________

(١) (حورين) كذا ورد. والصواب (هورين). ولا تزال معروفة بهذا الاسم.

٢٩١

والي بغداد درويش محمد باشا :

عهد الصدر الأعظم إليه بولاية بغداد في ٢ المحرم سنة ١٠٤٩ ه‍ مكان كوچك حسن باشا وعين هذا لمنصب وان إلا أنه نقل إلى طرابلس ... ونال درويش محمد باشا الوزارة أيضا في ١٥ المحرم. وفي ٢١ منه ودع الصدر الأعظم ، وعاد إلى بغداد من المعبر المسمى (علي كچيدي) من نهر ديالى. ولما وصل الصدر إلى ديار بكر جاءته في ٢٤ صفر برات الوالي. وهذا من حين ذهب إلى بغداد ضبط أمورها وجلس على سرير الحكم في السراي الذي كان بناه بكتاش خان.

عودة الصدر الأعظم :

وفي ٢٥ المحرم عبر الصدر نهر ديالى ، وتوجه نحو كركوك ، وبعث رجب آغا بخبر الصلح. وأنعم على جعفر باشا (أخي محمد باشا) بإيالة شهرزور وكان والي كركوك آش محمد باشا قد حصلت شكاوى منه ، فحبس في القلعة في ٢ صفر وأذن لجيش مصر بالعودة. وفي ١٠ منه عبر الزاب على جسر من سفن ، ومنحت مملكة سيد خان أمير العمادية إلى أحد أولاده. وفي ٢٧ صفر رحل الصدر عن الموصل. وفي أسكى موصل ورد (رجب آغا) وجاء بالخط الهمايوني الشريف مشعرا برضا السلطان بالصلح.

جامع القلعة

يراد بالقلعة (القلعة الداخلية). ولا تزال معروفة بهذا الاسم. وهذا الجامع داخلها. وكان شاهد هذه القلعة أوليا چلبي فقال :

«في داخل هذه القلعة بيوت من طين ، وجامع السلطان مراد إلا أن بانيه الأول السلطان سليمان» ا ه (١).

__________________

(١) رحلة أوليا جلبي ج ٤ ص ٤١٩.

٢٩٢

ولا شك أن أوليا چلبي كتب عن أصل هذا الجامع ما سمعه ، ولم يكن صوابا ، فإن هذا الجامع بني أيام دخول السلطان مراد بغداد ، فظن أنه من بنائه ، وأنه كان من تعمير السلطان سليمان. وجاء التصريح في الوقفية المؤرخة ١١ رمضان سنة ١٠٤٨ ه‍ أن هذا الجامع أنشأه جلال الدين ابن المرحوم بهاء الدين في محلة السكه خانه (دار الضرب) الواقعة في محلة القلعة. وذكر من حدود الجامع (تكية الملا سعد الدين ابن السيد عبد الجليل الدوري). وهذه التكية لا تزال ولكنها بحالة دمار.

وبقرب جامع القلعة مرقد عليه قبة يقال له (السيد محمد الزمچي). وليس لدينا ما يوضح عنه. والوقفية تنطق بالموقوفات منها ما هو داخل القلعة ، ومنها ما هو خارج القلعة. وكان القاضي الذي حكم بصحة الوقف (مذكره چي زاده مصطفى). وهو أول قاض بعد فتح السلطان مراد.

ولا تزال تولية الوقف بيد ذرية الواقف ، والمتولي الآن السيد طه ابن السيد شاكر ابن السيد محمود القلعه لي بن رحمة بنت محمد ضياء الدين بن علي بن عبد الرزاق بن عبد القادر بن بهاء الدين ابن الواقف. والسيد محمود هذا يعرف بالسيد محمود الثنائي. خطاط معروف. غير (محمود الثنائي) المشهور في عهد المماليك. أوضحت ذلك بتفصيل في كتاب (المعاهد الخيرية) ، وفي (تاريخ الخط العربي في العراق).

وهذا الجامع أنشىء بتاريخ الوقفية ، ولم يكن جامعا آخر كما توهم بعضهم ، أو كما ذكره أوليا چلبي نقلا عمن ليس لهم علم. والملحوظ أن من شهود الوقفية مدرس المستنصرية إبراهيم ، ومدرس مدرسة مرجان أحمد بن عمر ، ومدرس مدرسة أبي النجيب محمد بن حسين وآخرون.

٢٩٣

حوادث سنة ١٠٤٩ ه‍ ـ ١٦٣٩ م

نقيب السادات وسادن مشهد الإمام الحسين

نقيب سادات بغداد (السيد دراج) كان سادن حضرة الإمام الحسين (رض) وكان من الأعيان المشهورين ، وهو صاحب قوة ومكنة ، فلما استولى شاه العجم (الشاه عباس) على بغداد أحسن الظن به واعتقد فيه الاعتقاد الجميل ، فرعاه وأكرمه. فكان في مقام الخدمة. يفكر في العواقب ، فلم يغفل أمر العثمانيين. وكان في ذلك الحين أراد الشاه أن يقتل أهل السنة قتلا عاما ، فتوسط (السيد دراج) فقال له سأختار محبي آل علي ، وما عداهم فاقتلهم. وبهذه الوسيلة أنقذ خلقا كثيرا من القتل.

وهذا العمل المشكور كله لم يمنع الوالي من الوقيعة به بعلة أنه كان شيعيا معروفا بتشيعه ، فلم يتحمل شهرته ومكانته فاتخذ ذلك وسيلة للقضاء عليه (قتله) ، واستولى على أمواله الوافرة في حين يدعي أنه (درويش) ، فلم تردعه هذه الخدمة النبيلة ، ولا المكانة المقبولة. أراد هذا الوالي أن يستقل بنفوذ العراق وحده ، وأن تكون بغداد والأنحاء العراقية خالصة للدولة العثمانية. وقد جاء ذكر ذلك في تاريخ نعيما ، وفي فذلكة كاتب چلبي ، وفي خبر صحيح (١). والآن من بقايا السيد دراج (أسرة نقيب كربلاء). ومنهم النقيب الحالي صديقنا السيد الفاضل (حسن النقيب). وهو من الأخيار. وللتفصيل محل آخر.

وفاة السلطان مراد الرابع :

وفي ١٦ شوال سنة ١٠٤٩ ه‍ توفي السلطان مراد. وكان بعد عودته إلى استانبول قد بنى قصرا نفيسا سماه (بغداد كوشكي) أي (قصر بغداد). بذل في عمارته وتزييناته الأموال الكثيرة واستخدم أرباب الفن والصنعة. كتب فيه الكتابات الخطية النفيسة من آيات محلولة بالذهب

__________________

(١) خبر صحيح. من كتب التاريخ المهمة المعتبرة يأتي في حينه.

٢٩٤

بخط الخطاط الشهير (محمود چلبي الطوبخانه لي). وشغل به كثيرون من أهل المعرفة لتظهر فيه الصنعة والفن من نقش وتذهيب وتزويق ... كتب فيه بالخط الجلي (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ) وغيرها (١).

وهذا القصر عاد متفرجا للمتفرجين. ينظرون إلى ما فيه من صنعة وريازة. رأيته في سراي طوپقپو باستانبول معروضا لزوار المتاحف. وهناك (خزانة بغداد) (كوشكي). رأيت بعض كتبها النفيسة النهاية من الصنعة ...

وبهذا تمت حوادث هذا العهد. وغالب ما عولنا عليه من المراجع (تاريخ نعيما) ، و (فذلكة كاتب چلبي) و (گلشن خلفا) و (خلاصة الأثر) وباقي ما أشير إليه أثناء ذكر المصادر في حينها ...

العشائر

في هذا العصر لا نرى للعشائر إلا ذكرا قليلا لأن المقارعات كانت دولية ، والقوى عظيمة بين الحكومتين واستعانتها في الدرجة الأولى بقوتها ، وفي المملكة لم يتأسس نظام تام لنرى به العلاقة مكينة بين العشائر والحكومة بل إن الحكومة لم تتمكن سلطتها لا على العشائر ولا على غيرها ، وقد مر بنا في المجلدات السابقة ذكر قبائل عديدة إلا أن القبائل التي سمع لها صوت في هذا العهد أشهرها :

١ ـ قبيلة طيىء :

إن أمراءها (آل أبي ريشة) من فخذ آل مرا.

١) ظاهر : هو أبو مدلج (٢) المترجم في الكواكب السائرة ابن

__________________

(١) تاريخ نعيما ج ٣ ص ٤٤٨.

(٢) ظاهر هو أبو مدلج بن عساف أي أن المترجم هو ظاهر بن عساف وإلا فلا تستقيم العبارة الواردة في الخلاصة كتب ظاهر بن مدلج والصحيح أبو مدلج. هذا الغلط غيّر المعنى.

٢٩٥

عساف بن عجل بن نظير بن قدموس كان أمير عرب الشام وهو من فخذ أبي ريشة ، وله قوة خارقة بحيث يمسك الدرهم من الفضة بأصبعيه. يفركه فيذهب نقشه ويفتت الحنطة بين أصبعيه. اشتهر بالبطش والقسوة.

ومن عجيب أمره أنه دخل عليه ولده قرموش وهو مريض ليقتله فضربه بسيف فقتله ، وشرب شخص لبنا (حليبا) كان لامرأة فشكته إليه ولما سئل أنكر ذلك وحلف بحياته أنه لم يشرب فطعنه برمح كان بيده فإذا اللبن خارج من جوفه فأمر المرأة بأخذ بعير من إبله بدل ما غصب من لبنها.

مات على فراشه سنة ٩٤٥ ه‍. انتهى (١).

٢) أحمد أمير العرب من آل حيار. وهم ـ كما في خلاصة الأثر ـ حكام العرب أبا عن جد (٢) ... ومقام هؤلاء في بلاد سلمية وعانة ، والحديثة. ومن عادتهم أن من استولى منهم على خيمة المال والسلاح يكون حاكما على العرب جميعهم. وذلك أن لهم خيمة من الشعر كبيرة جدا ولها حرس يتناوبون في اليوم والليلة وكلها صناديق مقفلة بالأقفال الحديدية المحكمة والصناديق مملوءة من الذهب والفضة والجوهر والسلاح وغير ذلك من نفائس الأشياء وكان أحمد استولى عليها. وجاء أنه قتل ظاهرا.

٣) شديد بن أحمد. هذا ولي بعد أبيه. وكان ظالما عنيدا متكبرا ، خسيسا ... ولم يزل حاكما إلى أن مات سنة ١٠١٨ ه‍. واتفق أنه كان في خيمة في بعض صحارى حلب ، وكان ابن عمه مدلج بن ظاهر معه في الخيمة وكان شديد يلعب الشطرنج مع بعض أقاربه ولم يكن عنده من إخوته أحد فاختلس مدلج الفرصة في خلو الأمير فناداه وهو يلعب يا

__________________

(١) خلاصة الأثر ج ٢ ص ٢٢٢.

(٢) في تاريخ العراق أن هؤلاء من طيىء لا من البرامكة كما في خلاصة الأثر.

٢٩٦

شديد يا شديد فقال نعم فما أتم قوله (نعم) إلا ومدلج ضربه بخنجر في بطنه ، خرج من ظهره فمات.

٤) مدلج. هذا هو قاتل شديد انتقاما لأبيه ظاهر الذي قتله أحمد والد شديد فولد المقتول قتل ولد القاتل. وهذا انتزع الإمارة من الأمير حسين بن فياض الحياري فانعقدت له الإمارة. قدم بجماعة من الأمراء فأزاحوا حسينا عن الإمارة وعن خزائن والده وحاولوا قتله فهرب ... وإنما انعقدت له الإمارة لكونه أكبر منه وأقرب إلى سلسلة الإمارة ولكونه كان شريك والده في قتل الأمير شديد ابن عمهما (١). وفي تاريخ نعيما أنه كان أمير العربان من مدة مديدة ، وأن العشائر البدوية بين بغداد والموصل تحت سلطته وإدارته ، وكان أيام حافظ أحمد باشا قد مال إلى جانب العجم ، ولما ورد خسرو باشا لاستخلاص بغداد عزم على الوقيعة به واستئصاله من البين فنكل به وبعشائره وأثناء ذلك سقط من على فرسه فهلك وطلبت قبائله الأمان فأذعنت بالطاعة. سنة ١٠٤٠ اه.

ونصب الوزير أميرا على العربان سعيد بن فياض وكان له شأن في أيامه (٢) ...

٥) الأمير حسين بن فياض الحياري أمير العرب. وهذا كان من أمره أنه لما مات والده ظن أنه ولي عهده في الإمارة فوضع يده على خزائن والده واحتفت به العرب. وإذا بابن عمه مدلج قد نازعه فأزاحه عن الإمارة.

ثم إن الأمير حسينا نزل على بعض الكبراء واستظل بظله حتى أصلح بينه وبين مدلج وجعل له جانبا من الولاية قليلا. ثم وقع في بغداد ثلج عظيم لم يعهد مثله قبل ذلك ببغداد وحسين هناك ومدلج بعيد

__________________

(١) خلاصة الأثر ج ٢ ص ٢٢٢.

(٢) تاريخ نعيما ج ٣ ص ٦٥.

٢٩٧

عنه فأمن مدلج بسبب ذلك فركب حسين في الثلج وذهب بعد أيام إلى منازل مدلج ونزل خفية حتى يدرك الليل ويدخل إلى نسائه. وكانت زوجة مدلج بنت شديد (مر ذكره) تساهر النساء وكان مدلج يدخل ثملا من الخمر فلبس حسين لباس النساء ودخل بينهن وأطال الجلوس مترقبا الفرصة في قتل ابن عمه وكانت بنت شديد زوجة لوالد حسين فبالفراسة عرفته وتحيرت بين أن تسكت فيقتل زوجها وبين أن تتكلم فيقتل ابن زوجها وإن قالت له اهرب تخاف أن يسمع زوجها فقالت في مؤخر كلامها بمناسبة لا ينبغي المخاطرة في الأمور وينبغي الاحتفاظ على النفس من القتل. فلما علم حسين أنها اطلعت عليه خرج من بين النساء هاربا. ثم وقع في خاطرها أنه ربما يقتل زوجها خارج دارها فصبرت ساعة ثم بعثت لزوجها أنني رأيت بين النساء من يشبه حسينا. وما تحققت هذا الأمر فاحتفظ على نفسك فعند ذلك بعث مدلج جماعته فوجدوا حسينا ركب فرسه وانهزم فأتبعه بالعساكر فلم يدركوه.

ثم بعد ذلك كثر أتباع حسين من العرب ووعدته طائفة ممن كانوا عند مدلج أن يتابعوه ويشايعوه فأشار إليه قوم بأن يأخذ من مراد باشا حاكم حلب عرضا في الإمارة ليتقوى من جانب السلطنة بعد ما قال له بعض العرب (إن الأروام لا وفاء لهم بالعهود) فلم يسمع وجاء إلى حلب وقدم الهدايا إلى الباشا ووعده وكتب الوزير إلى مدلج يطلب منه خمسة وعشرين ألفا ليقتل له حسينا فوعده فغدر مراد باشا بحسين ووضعه في سجن القلعة حتى جاءه المال فخنقه ثم بعث عسكره لنهب أمواله وجماعته فقاتلوهم فانهزم أتباع مراد باشا وأخذ عرب حسين جميع ما كان بيد جماعة مراد باشا حتى نزعوا ثيابهم وأدخلوهم إلى بلاد أريحا حفاة ثم إن الله سلط الوزير الحافظ حتى قتل مراد باشا (١).

__________________

(١) خلاصة الأثر ج ٢ ص ١٠٢.

٢٩٨

٦) خالد العجاج من آل أبي ريشة. كان في محاربات بغداد بعد أن استولى عليها بكر صوباشي.

وكان غالب سكناه في أنحاء هيت وعانة وما جاور تلك الأطراف. وقد أسس له ارتباطا مع والي بغداد بكتاش خان الحاكم من جانب إيران فنال احتراما لدى العجم ، وله فرس أعطاه للحاكم المشار إليه يسمى عند العرب (كحيلان). ولا يزال هذا الأمير حيا إلى ما بعد الفتح وقتل سنة ١٠٥٤ ه‍ (١) ...

وكلمتنا الأخيرة في هذا الموضوع أن العشائر لم يكن لهم الصوت فيما بين سوريا والعراق إلا قبيلة طيىء فإنها حافظت على مكانتها. وظهر فيها أمراء آخرون ولم تنقطع الإمارة منهم من أيام الحكومات السالفة ... ولهم فروع متفرقة في أنحاء عديدة. فصلنا القول فيها في كتاب (عشائر العراق).

٢ ـ القشعم :

مر بنا أن هناك قبائل أخرى مثل (غزية) وآل قشعم ، وزبيد ولكنها لم تشترك في الحروب ولم تنتصر لناحية ، ولا تزال العشائر محافظة على أوضاعها السابقة ، تخشى الحكومات وتود الابتعاد عنها ...

(والقشعم) من هذه القبائل أكثر ذكرا بين قبائل العراق بعد قبائل طيىء. ينطق بها (الجشعم) وهي معروفة.

٣ ـ الجاف :

من القبائل الكردية. جاء ذكرها في المعاهد المعقودة أيام السلطان مراد. أوضحت عنها في (كتاب عشائر العراق الكردية).

__________________

(١) نعيما ج ٤ ص ٩١.

٢٩٩

٤ ـ باجلان :

وباجوان منهم وذكرتهم في عشائر العراق الكردية. وفي كتاب (الكاكائية في التاريخ) ، وفي رحلة المنشىء البغدادي. أعانوا الدولة العثمانية في حروب الإيرانيين.

وهناك عشائر أخرى عربية وكردية لا محل لذكرها.

إمارات عراقية

١ ـ اليزيدية

ظهروا في هذا العهد أكثر وبدت أعمالهم ، أو أن المدونات عرفت عنهم أوضح. ويهمنا بيان ما يتعلق بهم في هذا العهد. وجل ما نعلمه عن هؤلاء وقائع الصورانيين واستمرارهم في حروبهم وهذه لم نجد التفصيل الوافي عنها إلا أننا ذكرنا نتائجها في أنحاء إربل ، وأنها كانت قاسية جدا. ولعلها السبب في القضاء عليهم في تلك الجهات. والباعث المهم في هذا مناصرة الدولة لهم ، ودخولهم في السياسة والحروب.

ومن ظواهر هذه المناصرة بل من نتائجها أن عدلت الدولة عنهم ، ومالت إلى من هو أقوى منهم أعني (أمير العمادية). ومن ثم نجد الصدود عنهم قد ظهر في (فتوى شيخ الإسلام أبي السعود). وهذه الفتوى جاء نصها في مؤلفات عديدة ، ذكرناها في (تاريخ اليزيدية) ، وتعد أقدم فتوى للعثمانيين. أصلها كتب باللغة التركية ، وذكرت في الرسالة الذهبية للخياط. نقلها إلى اللغة العربية. ولم يعين تاريخها. مع العلم بأن شيخ الإسلام أبا السعود العمادي قد ولي المشيخة سنة ٩٥٢ ه‍ وأن العلاقة بالعراق كانت سنة ٩٤١ ه‍ ، بل قبل ذلك كان الاتصال بشمال العراق ، وكان هناك يزيدية أيضا. ولا شك أنها كتبت بعد أن ولي المشيخة ، ووفاة أبي السعود كانت في سنة ٩٨٢ ه‍. ولكن

٣٠٠