موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٦

المؤرخين لم يذكروا حادثا أدى إلى إصدار هذه الفتوى إلا ما وقع بين الصورانيين وبين الداسنية. وكانت هذه من أهم الوقائع قسا بها كل فريق بالآخر ولعل صدور الفتوى مقرونا بقبيلة الأمير الداسني. ويفهم من فحوى السؤال أنهم تعرضوا بجيش العثمانيين هاجوا لما وقع عليهم وعلى أميرهم فحصلت الدولة هذه الفتوى للوقيعة بهم. وهذا أقوى احتمال في إصدار هذه الفتوى.

ولما كانت تحوي مطالب ، وعندي نصها التركي في مخطوطة قديمة ثم نقلت إلى اللغة العربية. والتشكيك بها غير صحيح. رجحت أخذ ترجمتها منقولة إلى العربية من (الرسالة الذهبية) للخياط الموصلي (١). قال :

«ما قول أئمتنا الحنفية ، والشافعية ، والمالكية ، والحنابلة ، وما جوابهم عن عسكر المسلمين ، إذا غزوا هذه الطائفة الطاغية وقتلوها. أو قتل أحد من المسلمين بأيديهم ، هل يكون قاتلهم غازيا ومقتولهم شهيدا. أفتونا مأجورين ، مثابين؟

الجواب : والله أعلم بالصواب ، أنهم يكون قاتلهم غازيا ومقتولهم شهيدا. لأن قتالهم جهاد أكبر ، وشهادة عظيمة ، وفي هذه الحالة سبب حل قتلهم ، وسبب حل سبي نسائهم وذراريهم. هل السبب الموجب لذلك بغيهم ، وخروجهم على سلطان المسلمين وإشهارهم السيوف على قتل عساكر المؤمنين ، أو السبب بغضهم لحضرة الإمامين الكاملين

__________________

(١) الرسالة الذهبية في الرد على اليزيدية وتسمى الفريدة السنية في الكشف عن عقائد اليزيدية تأليف محمد ذخري بن أحمد الخياط من علماء الموصل كتبت أيام ولاية محمد رؤوف باشا والي بغداد عند ما أرسل إلى اليزيدية السيد محمد طاهر بك رئيس أركان الجيش ببغداد سنة ١٢٨٩ ه‍ ـ ١٨٧٣ م. وصفناها في كتاب (تاريخ اليزيدية وأصل معتقدهم). في النسخة المعدة للطبعة الثانية.

٣٠١

الهمامين التقيين النقيين الشهيدين النسيبين ، الإمام أبي محمد الحسن السبط والإمام أبي عبد الله الحسين ، سيدي شباب أهل الجنة ، وعداوتهم المقتضية لاستحلال قتلهم وقتل أولادهم من أهل بيت النبوة ، إغاظة لجدهم الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو السبب في ذلك بغضهم لحضرة قدوة الأولياء ، مدينة العلم ، الخليفة الرابع علي المرتضى ، ابن عم المصطفى صلّى الله عليه وسلم المقتضي بغضه بغض الله ورسوله ، وتحقير علمه وقرابته من الرسول صلّى الله وسلم ، أو السبب استحلالهم قتل العلماء الفاضلين ، أو استحلال قتل المشايخ الكاملين ، وقتل رؤساء الدين المبين ، والاستهتار بكلام الله المجيد ، وبالكتب الشرعية والتفاسير والأحاديث وإنكار يوم القيامة والحشر والنشر ، وإنكار أركان الدين الخمسة ، أو السبب الموجب لقتلهم اعتقادهم في عدي بن مسافر الأموي أنه الشريك الأغلب لحضرة رب العزة جل شأنه سبحانه. تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، أو السبب محبتهم التامة مع الشيطان اللعين ، واعتقادهم فيه أنه طاووس الملائكة مشاققة لأخبار الله عز وجل ، أو السبب في وجوب قتلهم قطعهم طريق عباد الله ، وإخافة أبناء السبيل بسفك الدماء ، ونهب الأموال على الدوام بلا انقطاع ، أخذا من قوله عز وجل : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) الآية ، أو السبب هو إباؤهم عن عقود أنكحتهم من أنفسهم ، وإنما يفوضون عقودهم إلى رأي رئيسهم الفاجر ، أو السبب في ذلك غير هذه الوجوه المذكورة؟ أفتونا الجواب الصحيح تكونوا مأجورين!

الجواب : نعم أسباب حل قتالهم هي جميع الوجوه المذكورة ، وغيرها ، وهم أشد كفرا من الكفار الأصليين ، وقتلهم حلال في المذاهب الأربعة وجهادهم أصوب ، وأثوب من العبادات الدينية وتشتيت شملهم ، وتفريق جموعهم ، والمباشرة في قتالهم وقتل رؤسائهم من

٣٠٢

الواجبات الدينية ، وحكام الوقت والولاة الذين يرخصون في قتلهم ويحرضون على قتالهم ، ويرغبون في سبيهم. شكر الله سعيهم وأعانهم وساعدهم على مقاصدهم وأيدهم عليهم بنصره العزيز. فلهم أن يقتلوا رجالهم ويستأسروا ذريتهم ونساءهم ويبيعوهم في أسواق المسلمين كأسارى سائر الكفار ، ويحل لهم أيضا التصرف في أبكارهم وزوجاتهم بعد الاستيلاء بملك اليمين على ما عليه الفتوى من القول الأقوى ، فتحقق حينئذ كفرهم وجواز لعنهم ، فأما امتناع الإمام الشافعي (رض) عن لعن يزيد لعنه الله فليس بثابت كرواية عنه ولئن سلم بثبوتها عنه ، فامتناعه إنما كان لأجل عدم كون ذلك اللعين من عبدة الأوثان ، لا لأجل كونه عنده مؤمنا ، لأن بعض الأولياء المقربين أخذوا عنه الخبر بحسب المعنى من روحه الشريفة ومن مرقده العالي ، وقد أخذوا عنه أيضا في عالم الرؤيا أخبارا صحيحة في تجويز اللعن على يزيد. وقد قال الإمام النعمان بن ثابت أبو حنيفة الكوفي عليه رحمة الوفي ، في يزيد : ملعون! ووقع هذا اللعن منه في جواب الإمام أبي يوسف عليه الرحمة وهذه الطائفة الطاغية ليست من الاثنتين والسبعين فرقة من الفرق الإسلامية بل هم مرتدون عن الإسلام ، خارجون عن الملل كلها ، لأنهم مرتكبون على الدوام الفسوق والفجور ، مبيحون الأعمال القبيحة والخمور ، معتادون قطع السبيل على عباد الله وسفك دمائهم ، وغصب أموالهم ، ومجموعهم من قبيل أولاد الزناء ، وأيضا أجمع علماء الأمصار كلهم كعلماء اليمن ، وقره باغ ، وعلماء التاتار فأفتوا بحل قتلهم واسترقاقهم وسبي نسائهم وذريتهم بالتأكيد البليغ ، وبينوا أن قاتلهم ينال ثواب الدارين وداخلا جنة النعيم دخولا أوليا ، صرحوا بذلك حتى مولانا الإمام فخر الدين الرازي في أماكن متعددة من تفسيره الكبير أثبت جواز اللعن على يزيد مستدلا على الجواز بدلائل نقلية وعقلية ، وأثبت حل قتلهم ، وحصول أجر الغزاة لقاتلهم ، وثواب الشهداء لمقتولهم بهذا

٣٠٣

النظر ، وأثبت حل التصرف بملك اليمين في أبكارهم وزوجاتهم وإباحة أسر نسائهم وذراريهم وجواز بيعهم شرعا. قال ذلك في تفسير بعض السور القرآنية ، وكذلك الإمام أحمد والإمام أبو الليث السمرقندي ومولانا عبد الرحمن الجامي أفتوا كلهم بجواز التصرف بهم ، حتى أن مولانا المذكور كتب في الإباحة المذكورة رسالة فتوى وإني رأيتها عيانا بخطه. ولا سيما مولانا سعد الدين التفتازاني في شرح عقائده صرح بجواز اللعن على يزيد ، وعلى أنصاره ، وأعوانه ، وكذلك السيد الشريف الجرجاني وأكثر العلماء صرحوا بجواز اللعن على يزيد ، وبالتعجيل على قتالهم من غير إمهال ، وعدوا إهمال قتالهم مذموما ، ولا سيما حضرة الشيخ عبد القادر الجيلي قدس الله سره العزيز قد قال في وعظه الشريف في بغداد اسمعوا يا معاشر العلماء والصوفيين ، إن يزيد بن معاوية ملعون وعمله باطل ، وأعوانه ضالون ، وأنصاره باغون يدخلون النار معه بأشياعهم. قال ذلك على منبره خطيبا مصرحا بتحقيق موته على الكفر ، وقال ألا إن أولياء الله وأحباءه وصالحي خلقه أعداء هذا اللعين وباغضوه. نقل ذلك القول عنه محققو أصحابه في كتابه المسمى بالوعظي حتى قال إن قتال هذه الطائفة الضالة أهم من قتال الكفار الأصليين لسراية أضرارهم للناس. حتى يروى عن علي كرم الله وجهه أنه لما رجع من قتال الخوارج منصورا ، قال : أيها الناس إن كل من عادى أولادي وأهل بيتي الطاهرين ، وأهانهم ، فكأنه بغض رسول الله وأهان الخلفاء الكرام ، وهو عند الله فاجر ملعون ، ومن بعد فكل من كان مؤمنا موحدا لا ينبغي له أن يتردد في إهانتهم وقتالهم واستحلال أطفالهم وأموالهم والإهانة لهؤلاء الخذلة إكراما للأنبياء والأولياء والخلفاء وتفريجا يلحق روحي بعدي ، إذ قلع فسادات هذه الطائفة الضارة عن وجه الأرض من الواجبات الشرعية فلأجل ذلك الدافع حررت هذه الفتوى ، وأثبتها نقلا وشرعا واجتهادا ، وسلمت هذه الفتوى

٣٠٤

بأيدي أهل الجهاد والتقوى حتى تصل إليهم الغيرة على كتاب الله المبين وتحصل لهم النخوة على الدين المبين ، ولا أعلم الغيب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» ا ه (١).

تمت فتواه رحمه الله وأرضاه.

هذا واليزيدية في أيام السلطان سليمان نالوا مكانة كبيرة. تولوا إربل في أيام أميرهم حسين الداسني ، وانتزعت الإمارة من الصهرانيين بقتل أميرهم عز الدين شير. ومنحت لأمير اليزيدية. والصهرانيون لم يهدأ لهم بال وأصابتهم غوائل حربية ووقائع لم تثن عزيمتهم ، فاستمروا في قتالهم ، فكانت النتيجة أن تغلبوا على الداسنية (اليزيدية) ، فأمر السلطان بقتل أميرهم (حسين بك الداسني).

لا يهمنا التعرض لأكثر من هذا. وقد بسطنا القول في (تاريخ اليزيدية) المعد للطبعة الثانية ، وذكرنا وقائعهم عند الكلام على الصهرانيين.

٢ ـ إمارة أردلان

هذه الإمارة تكلمنا عليها في حوادث شهرزور (٢). وكنا وقفنا بها عند ذكر (هلو خان). وفي وقائع سنة ١٠٢٢ ه‍ في الصلح المعقود مع إيران اشترط على الدولة الإيرانية أن لا تساعد أمير أردلان في شهرزور. وفي حوادث سنة ١٠٣٢ ه‍ جاء أن أمير أردلان (أحمد خان). وكان في جهة إيران في المخاصمات مع العثمانيين. مال إليهم. وهذا هو ابن هلو خان أمير شهرزور.

__________________

(١) الرسالة الذهبية ص ٦٢ : ٦٨.

(٢) ذكرت في ص ٧٦ من هذا الكتاب.

٣٠٥

وعلى كل حال لم تذعن هذه الإمارة للعثمانيين بسهولة. وإنما ناضلت عن نفسها ما استطاعت. وفي أثناء المباحث ورد ذكر أمراء آخرين من الأردلانيين إلا أن الرياسة كانت بيد من ذكروا. وورد تصريح أيضا في معاهدة السلطان مراد فيما يتعلق بحدود العراق وبذكر هذه الإمارة. وتقف حوادث العراق عند هذا لما يخص هذا العهد (١).

٣ ـ إمارة الصورانيين

وهذه الإمارة وقفنا بها عند قتلة عز الدين شير أميرهم. والآن نتناول ما جرى على هذه الإمارة بعد ذلك فأقول :

تقلص ظل هذه الإمارة ، ففرت من وجه السلطان سليمان ، واختير لإمارة إربل حسين بك الداسني. وهذا جرت في أيامه وقائع أدت إلى تدمير طائفته اليزيدية وتقلص ظلهم بما توالى من معارك دامية.

وذلك أن قتلة عز الدين شير أدت إلى إقصائهم إلى الجبال. وبعد حروب قاسية مع اليزيدية تمكنوا من الاستيلاء على إربل. ثم طوي ذكرهم بعد قتلة الأمير سيف الدين من السلطان سليمان. ومن ثم عاد ذكرهم وتجدد بصورة عامة ، ولم يعين اسما.

وجل ما يعول عليه في هذه الحالة الشرفنامه فإنها توسعت في ذكرهم إلى أيامها. وتفصيل الخبر أن عز الدين شير كان قتله السلطان سليمان سنة ٩٤١ ه‍. وهذا انقطعت به الإمارة عن إربل ، ولكن بقيت هذه الإمارة عشائرية ، وخلف عز الدين شير من خلف ممن سبق ذكرهم في حوادث السلطان سليمان القانوني (٢).

ثم إن الحكومة أودعت إدارة إربل إلى حسين بك الداسني أمير

__________________

(١) جاء في عالم آراي عباسي تفصيل لما يتعلق بالأردلانيين.

(٢) ذكرت في ص ٧٢ من هذا الكتاب.

٣٠٦

اليزيدية ، فانتزع السلطة من الصورانيين. وكانوا لم يهدأوا على ما جرى ، ووقعت بينهم حوادث دامية بالوجه المذكور حتى دمروا اليزيدية أيام الأمير سيف الدين بك. وهذا استولى على إربل (١).

وبعد ذلك أودع السلطان إمارة إربل إلى أمير العمادية حسين بك. وإن الأمير قلي بك بن سليمان بك بن مير سيدي مال مؤخرا إلى الدولة العثمانية ، وطلب أن تودع إليه مملكة آبائه الموروثة له ، فلم تأمن الدولة منه ، ومنحته لواء السماوة من أعمال البصرة. وبعد أن صار على إربل أمير العمادية حسين بك تمكن من إعادة الأمير قلي بك فجعله أميرا على أنحاء حرير من مملكة الصورانيين.

وبهذا أرادت تقريب هؤلاء ، ولم تشأ أن تنفرهم. ووقائع إيران مترقبة في كل حين. وبوفاته ترك من الأولاد بوداق بك ، وسليمان بك ، فخلفه الأول منهما. وهذا حكم (شقلاوة) وسماها في الشرفنامه (شقا آباد). وفي هذه الأثناء حدث ما يكدر الصفو بين الأخوين ، فلم يستطع الأمير بوداق مقاومة أخيه ، فاستنصر أمير العمادية. وكان يأمل المساعدة ، فتوفي في العقر من أعمال العمادية.

ولي الأمير سليمان بك مستقلا. وفي أيامه حارب قبيلة زرزا فتغلب عليها كما انتصر على أحد أبناء عمه (قباد بك) سنة ٩٩٨ ه‍ ، كما كان أظهر بعض الانتصارات على الإيرانيين وقدم الغنائم إلى السلطان مراد فرضي عنه ، فكان حاكم صوران. وبوفاته خلفه ابنه (علي بك) ، وأيدت الدولة إمارته بفرمان سلطاني. وبقي حاكم صوران إلى ما بعد سنة ١٠٠٥ ه‍ (٢). ومن آخرهم في هذا العهد (ميره بك). كانت حوادثه في سنة ١٠٣٩ ه‍.

__________________

(١) ذكرت في ص ٥٢ من هذا الكتاب.

(٢) الشرفنامه ص ٣٦٢.

٣٠٧

دامت هذه الإمارة بحالة عشائرية حتى انتهى هذا العهد.

٤ ـ إمارة بابان

وهذه الإمارة كانت في نطاق ضيق لم يظهر لها ما يدعو للتدوين من وقائع العراق إلا ما كان ذا علاقة بالإمارات الأخرى لا بالدولة. وجاء في الوقائع الأخيرة من هذا العهد ذكر إمارات عديدة بأسماء مواطنها ، فلم تكن هذه من بينها ، أو أنها أشير إليها باسم مواطن حكمها.

وهذه الإمارة كان من آخر أمرائها پير بوداق الببي (الباباني). وكانت إمارة معروفة المكانة بين إمارات الكرد ، لكن هذه الإمارة انتهت وقضي عليها بانتهاء حكم پير بوداق.

ثم خلفها أعوان الأمراء من غير (بيت الإمارة) من تلك الأنحاء (١). وجاءت حوادثها ضئيلة الأثر في وقائع العراق ولم تقو إلا بعد انحسار الأردلانيين. وحينئذ اتصلت بوقائع العراق المتوالية مما يتعلق بالعهود الأخرى.

٥ ـ إمارة العمادية

أطاع أمراء الأكراد السلطان سليما ، وأن العمادية من جملة الإمارات ، وجعل عليها الأمير إدريس البدليسي (البتليسي). وسيطرته عامة. وأن يحصل على عائدات لا أن يتدخل في الحكم المباشر. وقد تكلمت في (تاريخ العمادية) على تفصيل الحالة باطراد.

ولي الإمارة إدريس البدليسي في أيام (السلطان حسن). وهذا كان يتولى السلطة الفعلية وترك من الأولاد :

__________________

(١) كذا ص ٣٦٢.

٣٠٨

١ ـ السلطان حسين.

٢ ـ سيدي قاسم.

٣ ـ مراد خان.

٤ ـ سليمان.

٥ ـ پير بوداق.

٦ ـ ميرزا محمد.

٧ ـ خان أحمد.

وفي أيام السلطان سليمان القانوني خلفه ابنه السلطان حسين وهذا قام بخدمات عظيمة للدولة ، فزادت في سلطته ووسعت نطاق حكمه ، فبلغت أيام إمارته نحو ثلاثين سنة. حكم إربل بعد القضاء على الداسنية. وفي أيامه عادت حرير للصورانيين.

وتوفي عن أولاده :

١ ـ قباد بك.

٢ ـ بيرام بك.

٣ ـ رستم بك.

٤ ـ خان إسماعيل.

٥ ـ السلطان أبو سعيد.

ولي قباد بك بعد والده أيام السلطان سليم الثاني. وبعد مدة مال أتباعه إلى أخيه بيرام بك فخلع من الإمارة. ثم عاد ، وبعدها قتل ، فولي الإمارة بيرام بك للمرة الثانية إلا أن سيدي خان والسلطان أبا سعيد ابنا قباد بك ذهبا إلى استانبول يشكون قتل والدهما للسلطان مراد الثالث.

نال بيرام بك الإمارة فجاءه المنشور بالإمارة من الصدر الأعظم عثمان باشا ولكن سيدي بك بن قباد بك قدم شكواه للسلطان ثم فوضت إليه الإمارة فدخل العمادية في أواسط ذي الحجة سنة ٩٩٣ ه‍ ، وأودع

٣٠٩

أمر تحقيق الشكوى إلى فرهاد باشا ، فألقى القبض على بيرام بك وثبتت إدانته شرعا من جراء قتل قباد بك فحكم عليه بالقصاص سنة ٩٩٤ ه‍. ودام سيدي بك في الإمارة مدة طويلة. واشترك في حوادث بغداد لسنة ١٠٣٩ ه‍.

ولما جاء السلطان مراد الرابع إلى بغداد كان أمير العمادية (يوسف خان) ابن سيدي خان وهذا لم يشترك في حرب بغداد ، ولم يكن من بين المهنئين بالفتح. ومثله (عبدال خان) أمير بتليس (بدليس) ، فصدر الأمر السلطاني إلى ملك أحمد باشا ، للقضاء عليهما ، فتمكن من القبض على أمير العمادية وحبسه في ديار بكر ، ففرح السلطان بذلك. جاءه الخبر حين النزع ، فدعا للوزير ملك أحمد باشا بالتوفيق. ثم قدم يوسف خان ألف كيس للدولة ، فعفت عنه وأعادته إلى إمارة العمادية ...

وأما عبدال خان فقد قضي على إمارته ، واستولى الترك على خزائنه ونفائسه ذكر ذلك أوليا چلبي (١).

٦ ـ إمارة ابن عليان

مر بنا الكلام على حوادثها. فلا مجال للبسط والتفصيل. فإن المعلومات عنها قليلة جدا.

٧ ـ إمارة آل أفراسياب

هذه الإمارة سبق الكلام عليها (٢). ولم ينقطع خبرها. ولا تزال مستمرة إلى ما بعد هذا العهد. فلا نعجل بذكرها.

والحاصل أن الإمارات في العراق عديدة ، وشأنها متفاوت ، وقوتها ومنعتها غير مستقرة ومن أهمها ما كان في الحدود. وكانت إمارة

__________________

(١) أوليا جلبي ج ٤ ص ٤١٣ و ١٩٠.

(٢) راجع ص ١٧١ من هذا الكتاب.

٣١٠

البصرة بيد (راشد بن مغامس) فقضت عليها الدولة العثمانية. ومثلها إمارات عشائرية كثيرة فدامت أمدا أطول مثل العمادية ، واليزيدية. ومنها انقرضت إمارتها ... ومنها ما لا يزال في بدء التكوين ، أو كانت المعرفة بتسلسل أمرائها ناقصة ... فلا مجال للتفصيل.

الدولة العثمانية

(في هذا العهد)

استقلت الدولة العثمانية سنة ٦٩٩ ه‍ وكانت قبيلة ساعدتها الأوضاع لتظهر بمظهر دولة. وكانت تسمى (قبيلة قايي خان) ، وأول سلطان عرف لها في إعلان دولته السلطان عثمان. وتوالوا حتى أيام السلطان محمد (فاتح استانبول) سنة ٨٥٧ ه‍ ـ ١٤٥٣ م ، وعلا شأن هذه الدولة أكثر بمن تلا من سلاطين منهم السلطان سليم الياوز. وهذا الأخير عرف باتصاله بإيران وبالشام ومصر ، فدمر جيش الصفوية وعلى رأسهم الشاه إسماعيل سنة ٩٢٠ ه‍ ويقال إن الشاه بقي متألما لهذا الحادث حتى توفي سنة ٩٣٠ ه‍ (١). وكان فقد مكانة عظيمة ، واعتراه اليأس ، فلم يستعد قدرته كما ذل أتباعه القزلباش في الأناضول والبلاد الأخرى (٢).

واكتسح السلطان الشام ومصر وقضى على دولة المماليك سنة ٩٢٣ ه‍ ورسخت قدمه في هذه الأقطار. وفي أيام ابنه السلطان سليمان كانت الصولة على إيران قوية شديدة ففر الشاه طهماسب منه ، وصار يتهرب من مكان إلى مكان ، فمضى السلطان إلى بغداد فافتتحها سنة ٩٤١ ه‍ ـ ١٥٣٤ م ، ودامت في حكم العثمانيين إلى سنة ١٠٣٢ ه‍ ، فاستولى عليها الشاه عباس الكبير ، فانتزعها منه السلطان مراد الرابع

__________________

(١) مختصر تاريخ إيران : باول هورن ص ٨٦.

(٢) تكلمنا عن القزلباش أو القزلباشية في كتاب الكاكائية في التاريخ.

٣١١

فانقضى هذا العهد باستعادة بغداد من الشاه صفي. وكانت هذه الحرب وسابقاتها دمرت الدولتين ، فطمع الأجانب بهما ، وزادت آمالهم في اكتساح الشرق ...

قائمة السلاطين العثمانيين

(لما قبل الفتح)

١ ـ السلطان عثمان. جلس في ٤ جمادى الأولى سنة ٦٩٩ ه‍ ـ ١٣٠٠ م. وتوفي ٢١ شهر رمضان سنة ٧٢٦ ه‍ ـ ١٣٢٦ م.

٢ ـ أورخان. جلس في يوم وفاة والده ، وتوفي في رجب سنة ٧٦١ ه‍ ـ ١٣٦٠ م.

٣ ـ السلطان مراد خداوند كار. جلس يوم وفاة والده. وتوفي في ١٥ شعبان أو أوائل رمضان سنة ٧٩١ ه‍ ـ ١٣٨٩ م.

٤ ـ السلطان يلدرم بايزيد. جلس يوم وفاة والده. وتوفي في ١٥ شعبان سنة ٨٠٥ ه‍ ـ ١٤٠٣ م.

(فاصلة السلطنة) (١).

٥ ـ السلطان محمد الچلبي. جلس في المحرم سنة ٨١٦ ه‍ ـ ١٤١٣ م وتوفي في ربيع الأول سنة ٨٢٤ ه‍ ـ ١٤٢١ م.

٦ ـ السلطان مراد الثاني. جلس يوم وفاة والده وتوفي في ٥ المحرم سنة ٨٥٥ ه‍ ـ ١٤٥١ م (٢).

__________________

(١) فترة جرت فيها منازعات على السلطنة بين الاخوة الأمير سليمان ومحمد جلبي ، وموسى جلبي ومصطفى جلبي فاستقرت للسلطان محمد جلبي.

(٢) في المحرم سنة ٨٤٧ ه‍ ترك السلطان مراد أمر الملك لولده ومال إلى العبادة إلا أن الأعداء اتخذوا ذلك فرصة فأشعلوا نيران الحرب فاضطر للعودة سنة ٨٤٨ ه‍ ودخل الحروب فانتصر ودام في السلطنة إلى أن توفي.

٣١٢

٧ ـ السلطان محمد الثاني الفاتح. جلس في ١٦ المحرم منه وتوفي ٤ ربيع الأول سنة ٨٨٦ ه‍ ـ ١٤٨١ م.

٨ ـ السلطان بايزيد الثاني. جلس يوم ١٠ منه. وتوفي في ١٠ ربيع الأول أو الآخر سنة ٩١٨ ه‍ ـ ١٥١٢ م.

١٠ ـ السلطان سليم الياوز. جلس يوم وفاة والده وتوفي في ٩ شوال سنة ٩٢٦ ه‍ ١٥٢٠ م.

قائمة السلاطين (من فتح بغداد)

١ ـ السلطان سليمان القانوني. جلس يوم وفاة والده. وتوفي ٢٢ صفر سنة ٩٧٤ ه‍ ـ ١٥٦٦ م.

٢ ـ السلطان سليم الثاني. جلس يوم وفاة والده. وتوفي ٢٧ شعبان سنة ٩٨٣ ه‍ ـ ١٥٧٥ م.

٣ ـ السلطان مراد الثالث. جلس يوم وفاة والده. وتوفي ٨ جمادى الأولى سنة ١٠٠٣ ه‍ ـ ١٥٩٥ م.

٤ ـ السلطان محمد الثالث فاتح اكرى. جلس يوم وفاة والده.

وتوفي ١٢ رجب سنة ١٠١٢ ه‍ ـ ١٦٠٣ م.

٥ ـ السلطان أحمد الأول. جلس يوم وفاة والده. وتوفي ٢٢ ذي القعدة سنة ١٠٢٦ ه‍ ـ ١٦١٧ م.

٦ ـ السلطان مصطفى الأول. جلس يوم وفاة أخيه ، وخلع في غرة ربيع الأول سنة ١٠٢٨ ه‍ ـ ١٦١٩ م.

٧ ـ السلطان عثمان الثاني ابن السلطان أحمد. جلس يوم خلع عمه وفي ٨ رجب سنة ١٠٣١ ه‍ ـ ١٦٢٢ م خلع. وفي ٩ منه توفي.

٣١٣

٨ ـ السلطان مصطفى الأول ثانية. جلس يوم وفاة ابن أخيه وخلع في ١٥ ذي القعدة سنة ١٠٣٢ ه‍ ـ ١٦٢٣ م. وتوفي في سنة ١٠٤٨ ه‍ ـ ١٦٣٨ م.

٩ ـ السلطان مراد الرابع فاتح بغداد ابن السلطان أحمد. جلس يوم خلع سابقه. وتوفي ١٦ شوال سنة ١٠٤٩ ه‍ ـ ١٦٤٠ م.

هؤلاء سلاطين العثمانيين من فتح بغداد إلى آخر أيام السلطان مراد الرابع.

التشكيلات الإدارية

سارت الإدارة من حين دخول العثمانيين بغداد سيرة مطردة إلا بعض ما دعا إلى تعديل ، أو ما حدث من ثورة أو استقلال.

وهذه الإدارة مصغرة من إدارة أصل الدولة ، وكل تبدل في الأصل يؤدي إلى تحول في الولاية. وأما التقسيمات الإدارية فإنها تابعة للحالة التي كانت عليها ، وما طرأ من أمور دعت إلى تغير في التقسيمات ...

وتتكون هذه الإدارة من أركان عديدة أهمها :

١ ـ الولاية

يقوم (باشا) بإدارتها. ويغلب عليه لقب (وزير). ولكل وال (كتخدا) أو (كهية) وهو بمنزلة (معاون) له. وفي الأكثر يتولى الإدارة باسم الوالي.

تكلمنا على الولاة فلا نعيد القول. وينيب الوالي من يقوم مقامه عند الذهاب إلى الحروب ، فيسمى (قائممقام الوالي) كما أن الذي يتقدم الوالي لاستلام المنصب يسمى (متسلما) ، وكذا يطلق هذا على المتصرف ...

٣١٤

فنكتفي هنا بالإشارة والولاية لها السلطة على جميع الفروع ، وتتكون تشكيلاتها من الكهية أو الكتخدا (١) ، وهو معاون الوالي وردؤه. كان يأتي معه ويعزل بعزله فإذا سخط الأهلون من عمل من أعماله ورأى الوالي خطرا عدل وخفف من الشدة ، فلم يقطع أملا ولا يجعل الأمر حتما ... ومن رئيس الكتاب ، وأقلام المالية ، وأقلام التحرير ، وقد جمع الديوان الخطاطين البارعين ، والمنشئين الماهرين ، وأرباب المواهب المختارة.

وكتاب الديوان لهم التفوق في التحرير ، والمعرفة المالية ، وفي أنواع الخطوط مما يبهر في اتقان الصنعة ، وهم مزودون بكفاءة علمية وأدبية فائقة. وهناك (كاتب الفارسية) ، و (كاتب العربية). وكلها تابعة لرياسة الديوان. ويقال له (ديوان أفنديسي).

هذا وأسماء ولاة بغداد مرت وأما ولاة الموصل والبصرة وسائر الإيالات الأخرى فإننا لا نعرف إلا بعضهم في غالب الأحوال.

٢ ـ مالية العراق

إننا بكل صعوبة تمكنا من تدوين بعض الحوادث ، وبيان الأوضاع السياسية وغيرها فمن العسر جدا أن ندون عن مالية العراق في عهد انقطعت عنا فيه الوسائل ، وفقدت الوثائق لا سيما في موضوع الأمور المالية وجل ما تيسر معرفته أن ندرك بعض الحالات المالية ، والموظفين الماليين. ونعلم شيئا عن النقود والضرائب فتحصل لنا المعرفة

__________________

(١) ويقال كدخدا ، وكخوه أو جخوه. ومعناه في اللغة الفارسية الكبير القدر ، المقدم بين الناس. وعندنا قديما عرف بـ (الكيا) والكيا الهراسي من العلماء. وذكر في ابن خلكان. وهذا يعين المصطلح في الإدارة.

وفي حقائق الدقائق لابن كمال باشا وبرهان قاطع ما يوضح أصله ومعناه. وفي مجموعة عمر رمضان غلط التصرف بلفظ كتخدا. وهذا غير صواب منه.

٣١٥

الإجمالية ، أو الوقوف نوعا على ما هنالك لا بوجه الاستقصاء ، وجل الوثائق لا تفي بالغرض ، ولا تؤدي الحاجة.

التمسنا المعرفة من طريق الضرائب المفروضة ، ومن بعض الفرامين ، ومن قوانين آل عثمان مما يتعلق بأصل الدولة ، ومن ترتيب الدولة في الأمور المالية ، ومن ذلك الدفتريون ، ونوع الضرائب والنقود ، ومن العلاقات الدولية والعهود والروابط الاقتصادية.

ومن أكبر ما هنالك وضع العراق المالي في ثروته الطبيعية ، وفي علاقته بإيران وجزيرة العرب ، وما يرتبط به القوم من علاقات بحرية واتصالات بالهند ، والبلدان القريبة والنائية. فمثل هذه لا تنكر حالاتها ، ولا تهمل قيمة الأوضاع الحاصلة بسبب دولة البرتغال ، وما ولدت من خلل مالي ، وانقطاع الروابط بالهند من جراء الإخلال بما كان مألوفا.

وتصعب جدا المعرفة التاريخية المطردة ، وإنما الوقائع في جميع العصور تنبه إلى الحاجة ، وتميط اللثام عن وجه الغرض ، وتعين الوضع بأجلى مظاهره ، بل إن الحروب العظمى الأخيرة قد كشفت عن ماهية العلائق ، وأوضحت ما للعراق من مكانة مالية ، وما عليه من أوضاع متصلة ، فندرك حصار المغول الاقتصادي إبان الحروب المتطاولة ، وأيام الانقياد لهم وفتح الطريق ، وما تولد من ذلك ، كما شوهد مع البرتغال ، وكذا العلاقات الاقتصادية بالمجاورين وبالهند ، ومثلها بالشام وبالحجاز ، وبإيران والترك وما وراء ذلك.

لا شك أن الحالة الطبيعية ، والوضع الجغرافي في العراق جعل الصلات المالية مقرونة بأقطار عديدة لا تدع ريبا في مكانتها وأهميتها الاقتصادية ، وحالتها التي كانت عليها ، وما فيها من أقوام متنوعي الرغبات ، موصولي التاريخ لا انفكاك للواحد عن الآخر.

وكل هذا يؤدي إلى بعض الانكشاف ، ويوضح بعض الإيضاح ،

٣١٦

فنعرف المعرفة العامة ، ولولا التاريخ في وقائعه الكبرى لما استطعنا هذه المعرفة.

ومن المهم أن نعرف الخصائص الخاصة ، والحوادث لهذا العهد ، لنتمكن أكثر ، وننال حظنا من الوقوف على ما ليتنا أكثر باستنطاق تلك الوسائل ، فنعرف المناصب المالية ، والضرائب ، والنقود ... وبذلك ما يفسر أكثر ، ويؤدي إلى هذه المعرفة.

ومن الصواب أن لا نقف عند معرفة مالية العراق وعلاقتها بالسلم والحرب وإنما يهمنا أكثر أن نعرف (مالية الدولة العراقية) ، وعلاقتها بأصل الحكومة العثمانية ، وطريق إدارتها ، وتشكيلاتها المالية ... فإن هذا يهمنا كثيرا ، وجل ما نقوله في هذا الباب النشاط لأول الأمر ، وأثر الفتح ثم اختلال الحالة في أصل الدولة ، واضطراب المالية عندنا تبعا لها وما إلى ذلك من أوضاع وظواهر قطعية.

ومن ثم نجد الضرورة ماسة إلى معرفة مالية أصل الدولة العثمانية ، ومالية العراق من جراء تلك الصلة إلا أننا يؤسفنا أن ما تمكنا من تدوينه قليل ، يكاد يعد تافها بالنظر للقطر العراقي العظيم في تطوراته ، وربما كان ظهور الثورات والمنازعات أو المشادات بين بغداد والدولة العثمانية يعد من أجل ظواهر تلك الدولة وعلاقاتها بأصل الدولة. وهذا لا شك فيه ولا ريب.

وما كتب في أصل مالية الدولة من مثل (آصفنامه) ، و (قانوننامه آل عثمان) ، وما جاء في التواريخ العثمانية من حوادث كثيرة ، وما ذيلت مؤخرا به تلك القوانين مثل (قانوننامه عثماني) لمؤذن زاده المعروف بـ (عيني علي) ، و (قوانين أبي السعود) و (قوانين آل عثمان در مضامين دفتر ديوان) ، ورسالة قوچي بك ، ودستور العمل لإصلاح الخلل ، ونصائح الوزراء والأمراء ... كل هذه وأمثالها مما يعين الحالة ، والشكوى في

٣١٧

آخر العهد تدل على ما عليه الحالة من خلل في المالية ... وأن هذا الأمر سرى مفعوله إلى العراق فلم ينج منه ... وعمت البلوى بما كان ينسب إلى الموظفين من الارتشاء ، فكانت البلية أكبر ...

١ ـ الدفتريون :

من أجل المناصب المالية في العراق منصب الدفترية ، أكبر منصب في المالية ، فإذا كان عندنا اليوم وزير المالية ، ومدير المالية العام ، فإن الدولة كان لها هذا المنصب ويعد بمنزلة وزارة المالية ، وعندنا الدفتريون بمكانة أقل نوعا من دفتري الدولة في عاصمتها ، ولكنه لا يختلف عنه في مهمة الإيالة مثل بغداد ، وإن التشكيلات المالية هنا مصغرة من تلك بلا كبير فرق ...

وإن الدفتريين كانوا مجهزين بأكمل المعرفة ، والاطلاع القانوني ، والثقافة البالغة حدها ، والاطلاع المكين على المعتاد المالي للدولة ، وربما فاق منهم كثيرون في مختلف الآداب وولدوا نهضة في مملكتهم ، وغالب هؤلاء من متخرجي ديوان المالية ، وكلهم عارف بما هنالك من تعاملات محلية لكل قطر ودراسة عملية ... فجاءت هذه الأعمال نابعة لنهج مالي ، ولفرامين قطعية ، وحقوق شرعية في الضرائب ، وقوانين آل عثمان ، فلا يتجاوزونها مراعين المعاهدات الدولية في العلاقات الخارجية.

وكل هذه تعين مهمتهم ، وتبين وضعهم ، وتجعلهم في غنى عن معرفة أخرى ، ولا ريب أن ذكر جملة من هؤلاء مما يؤدي إلى الاطلاع على سيرتهم ، وأنهم كانوا مالكين زمام الأمور ، وأن النقص في بعضهم غير مؤثر في أصل المنصب وقيام أصحابه بما توحيه الكفاءة ، ويلهمه العمل ...

وهذا المنصب من أصل تشكيلات الدولة العثمانية وإلا فإن التشكيلات المالية عندنا تابعة رأسا للوزير ، وإن رجال الديوان ـ القسم

٣١٨

المالي ـ يقومون بها ، ويؤدون واجبها ، ويعينون الأعمال ، وينظمون الإدارة المالية. والأصل في هذه المعرفة كفاءة الوزير ، وفي الغالب يكون من رجال الديوان ، أو أنه يعول على من يقوم بالمهمة ممن اكتسب من التعامل ، ومن المعرفة والثقافة المالية ، والاطلاع على الأحكام الشرعية وقد جهز بكفاءة وقدرة لا مزيد عليهما بل إن هذه المعرفة تكشف للمرء الطريق وتبصره بما لم يكن يعلم. ولا شك أن إلهام العمل مقرونا بالعلم يفتح ما يزيد في اتقان العمل بل يؤدي إلى علم جديد ...

وهؤلاء أشهر الدفتريين :

١ ـ عالي أفندي الدفتري. وسماه روحي البغدادي (عالي بك).

٢ ـ سليمان أفندي الدفتري وكان شاعرا وأديبا.

٣ ـ محمد بك من غلمان السلطان سليمان. عين دفتري تيمار ولقب (فيضي). وعرف بالنظم والنثر.

٤ ـ أحمد أفندي بن محيطي أفندي. عين دفتريا لبغداد سنة ٩٩٦ ه‍ ، وشعره معروف بغزله ، ومقطوعاته جميلة ورقيقة وكان ممن توطن بغداد.

٥ ـ حسن بك الدفتري. ولروحي البغدادي قصيدة في رثائه.

ومرت الإشارة إلى ذكرهم في الحوادث أو المباحث المذكورة في صلب هذا الكتاب. وهؤلاء لم نتمكن من تواريخهم جميعهم بالضبط ، ولا أدركنا أوضاعهم ، وقل من عرفنا التفصيل عن حياته مثل ما عرفنا عن عالي أفندي إلا أننا علمنا من نتف حياتهم بعض ما يظهر لنا القدرة والكفاءة والمعرفة الكاملة في العلوم والآداب ، فإذا كان الديوان قد دربهم إلى المعاملات ، وما كان يجري في الدولة ، فإنهم هذبوا أنفسهم بشتى المعارف ، وجهزوا القدرة العملية بالمعرفة العلمية والأدبية ،

٣١٩

فنفعوا ، ووضعوا أسسا مالية قويمة فسارت الدولة على نهج مطرد ، وضبطوا تعامل كل قطر ، وما درج عليه من خطة ... وكان نصيب العراق منهم وافرا ...

ويهمنا أن نشير إلى أن العراق ، وأخص ايالة بغداد قد اكتسبت مكانة في التشكيلات المالية كما في التشكيلات الإدارية ، فكان يوجه منصب الدفترية في بغداد إلى أكابر رجال الدولة المعروفين في مهمتهم ، فيقومون بالغرض أجل قيام ، وكانت أوضاعهم محدودة نوعا ، فلا يستطيعون التصرف بالمالية كيف شاؤوا أو اختاروا ، فقد مشت مالية العراق على اطراد أشبه بالمألوف من القوانين.

٢ ـ الفرامين :

وهذه تعين سيرة الدولة في الأمور المالية ، أو المعاهدات المرعية في الضرائب الكمركية ، أو التعامل المحلي ، وهكذا ، وفي العراق جرت بعض هذه الفرامين ، وسارت على خطة مقبولة ، ونهج صحيح. ومثل هذه المنقولات في الضرائب ، وسائر المعاملات.

ومن أقدم ما وصل إلينا من الفرامين ما يبين الحالة المالية في بعض صفحاتها ، وجاءت هذه مؤيدة خصوصيتها في العراق ، وتدعو للالتفات من جراء أنها تتعلق بماليته ...

١) الفرمان المؤرخ في سنة ٩٥٩ ه‍ ـ ١٥٥١ م. كان قد أصدر إلى والي البصرة قبل حرب البرتغال أيام سيدي علي. وكان العراق آنئذ متصلا بالهند في تجارة معتادة جارية على سنن مطرد ، فأراد البرتغال أن يحولوا الوضع إليهم ، وأن تكون التجارة الخارجية على يدهم ...

٢) الفرمان المؤرخ في سنة ٩٨٢ ه‍ ـ ١٥٧٤ م. وهذا لا يختلف عن سابقه ، فيكادان يتفقان في مضمونهما.

٣٢٠