موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٦

جامع الكاظمية :

في هذه السنة تمت منارة هذا الجامع وبذلك تم بناؤه في سنة ٩٧٨ ه‍. وكان في ٦ ربيع الثاني سنة ٩٢٦ ه‍ قد أتم عمارة مشهد الشاه إسماعيل الصفوي ، ولم يتعين لنا تاريخ بناء الجامع وإتمامه أيام السلطان سليمان ولقد استمر إلى أيام السلطان سليم ، فتمت منارته أيام هذا الأخير. ينطق تاريخها بذلك بلسان الشاعر فضلي ابن الشاعر فضولي البغدادي. وما جاء في تاريخ مساجد بغداد مغلوط في التاريخ ، وفي الأعلام والألفاظ. أوضحنا ذلك في كتابنا (المعاهد الخيرية). وجاء التاريخ : (أولدى بو جانفزا مناره تمام) في بناء المنارة سنة ٩٧٨ ه‍ (١).

ولم يرد لهذه التعميرات ذكر في گلشن خلفا.

الوالي علي باشا الصوفي :

ثم آلت إدارة بغداد إلى الوالي علي باشا الصوفي. وجاء في سجل عثماني أنه وليها عام ٩٧٧ ه‍. وهذا لا يأتلف مع تاريخ بناء جامع المرادية أيام سلفه والظاهر أنه سنة ٩٧٨ ه‍. وذلك بعد بناء الجامع ، أو أن هذا تاريخ التعيين لا الدوام في المنصب. وقال عنه إنه توفي سنة ٩٧٩ ه‍ وهو من أهالي بوسنة ، تخرج في البلاط الملكي ، وصار متصرفا في بعض الألوية ثم صار مربيا للشهزادة السلطان سليم وتقلب في عدة إمارات وقضى مدة في معية الشهزادة السلطان سليم وأرسل سفيرا إلى إيران وبعد عودته ولي مصر سنة ٩٧١ ه‍ وفي سنة ٩٧٣ ه‍ عزل ثم صار أمير أمراء بغداد وكان عدلا مجتنبا الأطماع ، صالحا ، دينا (٢). وگلشن

__________________

(١) تاريخ مساجد بغداد وآثارها ص ١١٨.

(٢) سجل عثماني ص ٥٠٠.

١٤١

خلفا لم يذكر شيئا من وقائعه وإنما بين أنه ولي بعد مراد باشا ووقف عند ذلك.

الوالي حسين باشا :

قال عنه صاحب گلشن أنه پتور حسين باشا ولي بعد علي باشا الصوفي ، وقال عنه صاحب سجل عثماني إنه من أهالي هرسك وهو (بودور حسين باشا) تربى في البلاط وصار مير لواء ثم صار أمير أمراء بودين وفي سنة ٩٧٩ ه‍ ولي بغداد وفي سنة ٩٨١ ه‍ صار أمير أمراء مصر وتقلد مناصب أخرى وتوفي بعد سنة ١٠٠٣ ه‍ وهو مائل للعدل ، مبتعد عن الظلم ، رافع للبدع. وبنى جامعا في پراجه (١) ...» ا ه ونعته في گلشن خلفا بأنه كان رافع البدع وجامع الطرفين. ولم يزد على ذلك (٢).

الوالي عبد الرحمن باشا :

ولي بغداد سنة ٩٨١ على ما جاء في سجل عثماني (٣) وقال عنه : «كان عالما ، ثم صار تذكرجي لرستم باشا ، وبعدها نال دفترية مصر ، ثم تيمار روم ايلي وإثر ذلك وجهت إليه إمارة بروسه ، ومرعش. وفي سنة ٩٨١ ه‍ حصل على منصب بغداد وانفصل عنه عام ٩٨٢ ه‍ ثم توفي» ا ه. وجاء عنه في گلشن خلفا أنه معروف بتصلبه وخشونته فشاع بين الناس بـ (عدو الرحمن). نال الولاية من طريق الكتابة والتحرير. وكانت وفاته ببغداد» ا ه (٤).

__________________

(١) سجل عثماني ج ٣ ص ١٨٥.

(٢) كلشن خلفا ص ٦٥ ـ ١.

(٣) ص ٣١٢.

(٤) كلشن خلفا ص ٦٥ ـ ١.

١٤٢

حوادث سنة ٩٨٢ ه‍ ١٥٧٤ م

الوالي علي باشا الدرويش

ولي بغداد سنة ٩٨٢ ه‍. وهذا الوالي كانت عهدت إليه إدارة الأحساء وولاية البصرة ثم وجهت إليه ايالة بغداد ، ومات فيها. والظاهر أنه توفي في سنته كما يفهم من تاريخ من أتى بعده.

الوالي الوند زاده علي باشا

نشأ في سلك الأمراء وولي بغداد سنة ٩٨٢ ه‍ إثر جلوس السلطان مراد الثالث. وانفصل عنها سنة ٩٩٥ ه‍ (١). ثم ولي إدارة نجد والأحساء وفي سنة ١٠٠١ ه‍ انفصل من هناك وسكن حلبا وفي ربيع الآخر سنة ١٠٠٧ ه‍ (٢) ولي بغداد أيضا ، وبعد شهرين في جمادى الثانية توفي ونقل نعشه إلى حلب وكان شيخا جليلا من أهل الثمانين. (كذا في سجل عثماني) (٣). والمستفاد من گلشن خلفا أنه أورده في حوادث سنة ٩٨٤ ه‍. ولكنه نسب إليه من الحوادث ما جرى سنة ٩٨٢ ه‍. وقال صاحب گلشن إنه إثر وروده وبأمر من السلطان مراد الثالث عمر جامع الحسين رضي الله عنه سنة ٩٨٤ ومرقده المبارك سنة ٩٩١ ه‍ ومنارته سنة ٩٨٢ ه‍ كما أنه عمَّر جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني رحمه الله ... ويستفاد من نص گلشن خلفا أنه ولي بغداد سنة ٩٩١ ه‍ ودام فيها إلى سنة ٩٩٥ ه‍ ... وليس بصواب بالنظر لتاريخ بناء المنارة.

وهذه المنارة وتعرف بمنارة العبد هدمت قبل بضع سنوات أي قبل الحرب العالمية الثانية في سنة ١٣٥٦ ه‍ ـ سنة ١٩٣٧ م ـ ولم يبق لها

__________________

(١) وما جاء في سجل عثماني من أنه ولي سنة ٩٩٩ ه‍ فإنه يخالف صراحة كلشن خلفا مما لا يقبل الريب.

(٢) الظاهر سنة ١٠٠٦.

(٣) سجل عثماني ص ٥٠٤.

١٤٣

أثر ، وكانت منارة بيضاء بلا كاشي ، بنيت في الجهة اليسرى من نفس الحضرة.

والحاصل أن الوقائع لم تردنا مطردة. وعلى كل ندون ما جرى على ترتيب السنين بقدر ما نتمكن من تدوينه على أن ما ذكره الغرابي في تاريخه يدعو للالتفات فيما يخص جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني.

حوادث سنة ٩٨٥ ه‍ ـ ١٥٧٧ م

حسيني البغدادي

في هذه السنة توفي حسيني البغدادي ، وإن الموما إليه كان آباؤه وأجداده من أعيان بغداد ، وحصل هو أيضا على مكانة وغنى ... إلا أنه مال إلى التصوف واختار العزلة فقطع العلاقة مع الأمور الدنيوية فتجول كثيرا في الأقطار فاختل عقله. وكان قد نظم في اللغتين الفارسية والتركية وصف بها الجمال والحسن بأجلى بيان فهو من الشعراء المشاهير ذكره عهدي وأورد له بعض الأشعار والرباعيات الفارسية والتركية (١) ...

ومن هذه الترجمة وغيرها يظهر أن عهدي البغدادي قد زاد في گلشن شعرا بعد أن أتمه في سنة ٩٧١ ه‍ فمضى به إلى هذا التاريخ.

حوادث سنة ٩٩١ ه‍ ـ ١٥٨٣ م

عمارة مرقد الحسين (رض) وجامعه

في هذه السنة عمر الوالي مرقد الحسين رضي الله عنه وجامعه. وقد مرت الإشارة إلى ذلك. وذكرت التفصيلات في (كتاب المعاهد الخيرية). وفي كتاب (تاريخ جغرافياي كربلاي معلى) الفارسي بعض التوضيح.

__________________

(١) كلشن شعرا ـ عهدي ص ١٥٦.

١٤٤

حوادث سنة ٩٩٢ ه‍ ـ ١٥٨٤ م

جاء في كشف الظنون أن الوالي علي باشا غزا المولى سجادا المشعشع في هذه السنة ، فكتب نيازي الشاعر كتابا في غزواته باسم (هزنامه علي باشا) ويسمى (ظفرنامه). والولي سجاد ابن السيد بدران. ولي سنة ٩٤٨ ه‍ فأخرجه منها السيد مبارك بن مطلب بن بدران. وتوفي سنة ١٠٢٥ ه‍ ـ وقيل سنة ١٠٢٦ ه‍ (١).

حوادث سنة ٩٩٣ ه‍ ـ ١٥٨٥ م

دفترية عالي أفندي في بغداد

في أواخر هذه السنة نال عالي أفندي دفترية بغداد. وهو أديب كامل ومؤرخ فاضل ، صاحب تاريخ (كنه الأخبار) في مجلدات بعضها لا يزال مخطوطا ، وله (كتاب مناقب هنروران) وفيه بيان عن الخطوط والخطاطين وهو أيضا من مشاهير الخطاطين وأمثال هؤلاء الفضلاء تأثروا بالقطر وثقافته والأدلة على ذلك عديدة. ومؤلفاته كثيرة والمطبوع منها (فصول الحل والعقد وأصول الخرج والنقد) ولم يذكر فيه اسم مؤلفه دامت مدة بقائه في الدفترية إلى سنة ٩٩٤ ه‍ فعزل من بغداد. توفي سنة ١٠٠٨ ه‍. وترجمه ابن الأمين محمود كمال بك بترجمة ضافية في كتاب مناقب هنروران. وابن الأمين كان مدير متحف الأوقاف الإسلامية في استانبول رأيته هناك سنة ١٩٣٤ م ، أديب فاضل وله آثار كثيرة. وعالي أفندي عرفنا بخطاطين عراقيين في كتابه مناقب هنروران ، وفي أوليا چلبي ذكر له بيتين في نخيل بغداد (٢). والموما إليه تأثر كثيرا بالعراق وكتابه وأدبائه ، ونقل الخط ورجاله ودواوين شعرائه وعرف بهم وهكذا فعل في الممالك الأخرى مما زاد في الثقافة التركية وأضاف إليها آدابا جديدة ...

__________________

(١) پانصد ساله خوزستان ص ٦٦ وكشف الظنون.

(٢) أوليا جلبي ج ٤ ص ٤٣٠.

١٤٥

حوادث سنة ٩٩٥ ه‍ ـ ١٥٨٦ م

الوالي جغاله زاده سنان باشا

ولي بغداد وقيادتها للمرة الأولى في هذه السنة. وهذا هو المعروف بـ (سنان باشا) واسمه الأصلي (يوسف). كان قد جاء بجيش عظيم ... وإثر وصوله سار إلى محاربة العجم في أنحاء (چمچمال) فساق الجيوش إليها وافتتح قلعتي (بيلور) و (ناور) (١) فانتصر على العجم وعاد ظافرا ...

حوادث سنة ٩٩٦ ه‍ ـ ١٥٨٧ م

دسفول ـ نهاوند

وفي هذه السنة استولى الوالي سنان باشا على دسفول فافتتحها. ثم مضى إلى نهاوند فاكتسحها وكانت هذه عاصمة الشاهات. وبعد أن استولى عليها عهد بمنصبها إلى كتخداه محمد باشا وعين لها المهمات والمستحفظين ... وتوجه نحو همذان ونكل بجيوش العجم كثيرا ودمرهم فعاد إلى بغداد (٢) ...

وجاء في (عالم آراي) أن چغاله زاده أمير أمراء بغداد ساق جيشا إلى نهاوند وسلب ونهب ، وسحب كثيرا من القبائل والعشائر في عليشكر (قطر معروف) إلى جبال اللر فأسكنهم فيها. فأظهر (شاه ويردى) طاعته لحكومة الروم (العثمانيين) والاتصال بولاة بغداد. ولما تصالحت إيران مع العثمانيين بقي شاه ويردى على حياله ولكنه أبدى الطاعة لإيران ولم يترك بابا من أبواب الحيل إلا ولجه ، وآماله مصروفة إلى أن ينال حكومة إيران يوما ... هكذا كانت تحدثه نفسه ...

__________________

(١) الاختلاف بين النسخة المطبوعة والمخطوطة في هذين العلمين في كلشن خلفا ظاهر ففي المطبوعة كما ذكر وفي المخطوطة جاء (بيلور) و (تادده).

(٢) ديوان روحي البغدادي ص ١٣.

١٤٦

جامع الكيلاني ـ تعميراته :

كان هذا الجامع في الأصل مدرسة لأستاذه أبي سعيد المخرمي. يقع في محلة باب الأزج. ولكثرة الاتصال بهذا الجامع صارت المحلة تدعى بمحلة الشيخ أو محلة (باب الشيخ). ومنارته البيضاء موجودة من أيام السلطان سليمان القانوني. وقد مر الكلام على تعمير قبة الشيخ عبد القادر الكيلاني.

ومن أعمال الوالي سنان باشا تعمير (جامع الشيخ) ، ودار السبيل للحضرة الگيلانية ذكر ذلك روحي البغدادي في ديوانه وبين تاريخا لذلك قال :

«جامع أهل دعا جشمه آب حيات».

قال الغرابي في تاريخه :

«وبعده أسس سنان باشا بحذاء القبة ـ قبة الشيخ عبد القادر الكيلاني ـ جامعا ولم يتفق له إكماله ، وإنما بنى منه مقدار ثلثه ، وبعد مضي سنوات كمله والي بغداد علي باشا الوند في العقد التاسع من المائة العاشرة ...» ا ه.

وهذا النص يخالف ما في گلشن خلفا ، ومن غيره تعين لنا أن التاريخ عن الولاة غير متقن ولا مضبوط.

طال أمد تعمير هذا الجامع حتى ظهر بهذه العظمة. فإن قبة المصلى كبيرة جدا لا يوازيها في الأقطار التي رأيتها ما هو بعظمتها وسعتها وجليل بنائها. ويقال إن باطنها قد ملىء تبنا وعوض به عن معتمد أو مستند للبنائين في صنع تلك القبة وبنائها دون استخدام (الصقالة) أو (السكلة).

حوى هذا الجامع ريازة معتبرة كما أنه جمع خطوط خطاطين

١٤٧

تصلح أن تعد نموذجا لخطاطينا عدا التزويقات والنقوش ...

وفي الجامع اليوم مدرستان. ويطول الكلام الآن في التوضيح.

وقد فصلنا القول فيه في كتاب (المعاهد الخيرية).

الطريقة القادرية

تكية الشيخ عبد القادر الكيلاني غير منفكة عن الجامع ، وإن الدراويش يسكنون الجامع في حجر خاصة ، وتاريخ تكونها قديم يرجع إلى تاريخ تكون الطريقة. فهما متلازمان.

والشيخ عبد القادر الكيلاني كان ورد العراق شابا ، وأخذ العلم من مشاهير علماء بغداد. ومن أشهرهم المخرمي صاحب مدرسة باب الأزج وكان أكثر اتصالا به ، واشتهر بالوعظ كما عرف بالزهد والتقوى ، فصار من العلماء المعروفين ، والوعاظ المقبولين ، خلف أستاذه في التدريس بمدرسته فمالت إليه القلوب ، ولهج به الناس ، وحصل على الثقة من كافة الطبقات ، ويعد سلوكه المرضي ، وزهده وصلاحه (طريقة) ، عرفت أخيرا بـ (الطريقة القادرية) ونهجها اتباع الكتاب الكريم والحديث الشريف.

وهكذا مال القوم من قديم الزمان إلى أهل الصلاح والتقوى ، بحيث صار الناس يقتدون بهم في زهدهم وصلاحهم ، بل روعيت كافة أعمالهم الدينية ، وتعبداتهم ، فاتخذت نهجا لما نالوه من منزلة مقبولة في النفوس ، فصار ذلك منشأ الطرائق ... ومنها هذه.

عاصر حضرة الشيخ عبد القادر جماعة من الزهاد الأكابر ... ثم دخل كثيرون من أرباب الزيغ من غلاة التصوف هذه الطريقة ، فأفسدوا الكثير منها ولم يعهد أن ذم أحد الزهد والصلاح والتقوى إلا أن دخول أهل الابطان بين صفوفهم أخرجهم عن نهجم ، وجعلهم (فلاسفة) من

١٤٨

رجال (الأفلاطونية الحديثة) لا من رجال العبادة والتقوى. والبر معروف ، والفاجر كذلك. ولم ينجح الغلاة في التدخل بهذه الطريقة.

نالت هذه الطريقة رغبة لما عرفت بالصلاح والزهد ، ولم يدخلها الغلو المعروف عن الكثيرين من المتصوفة ، فلم تعهد فيها النزعة القائلة بالوحدة ، أو بالاتحاد ، والحلول ، بل لم يتمكنوا منها ... ونتناول هنا ما قامت عليه من أصول الزهد والصلاح ...

كان الشيخ عبد القادر عرف بالصلاح ، وذاعت آثاره ، وانتشرت في الأقطار ومن كتبه (الغنية) ، و (فتوح الغيب) ، وجاءت ترجمته في كتب عديدة ، وبينها ما خلص لذكر مناقبه في الزهد والتقوى وأنه كان مدرسا معروفا ، زاول التدريس والوعظ في مدرسة شيخه المخرمي ، وكان من علماء السلف ، حنبلي المذهب ، وكذلك كان خلفه الشيخ عبد القادر ...

ويهمنا أكثر من كراماته ، وما ينسب إليه من خوارق أمر صلاحه وتقواه ، وحوادث وعظه ونصيحته للمسلمين ، فإن تلك اعتادتها الطوائف لإكبار صاحب طريقتها أو نحلتها ... وما قيمة من يمشي على الماء ، أو يطير في الهواء ، ولا يذعن لقدرته تعالى وطاعته بل يدعي ما انفرد به الواحد الأحد ، ويحاول أن يزاحم الباري في قدرته. فجل ما يصلح أن يكون قدوة للمسلمين التزام الشرع ، وما أوصى بمقتضاه ، وخلصت عقيدته فوافقت القرآن ، ولم تخرج عليه قيد شعرة ، بل إن حسن العقيدة والسلوك المقبول إنما يكون في متابعة أوامر الله ، وما قرره في كتابه العظيم من اجتناب نواهيه. وهذه هي سبيل المؤمنين ، وطريق المسلمين الصالحين المتقين ، ويشتركون في اتباع هذه الطريقة. ولا يهمنا عمل الشخص والتزامه أمورا شاقة ليكون قدوة ، وإن كانت لا تخلو من حب تفوق.

ويعين طريقته ما مضت عليه في مختلف العصور من تعاليم قويمة

١٤٩

لمريديها ، والراغبين في سلوكها. أخذها شيوخ عن شيوخ ، ومن هؤلاء يعرف أن شيوخ الجيلي بل أجل شيوخه أبو سعيد المبارك المخرمي (١) الشمطي الحنبلي ، وهو أخذ عن الشيخ أبي الحسن علي بن محمد بن يوسف القرشي الهكاري عن الشيخ أبي الفرج يوسف الطرسوسي عن الشيخ أبي الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي اليماني ، عن الشيخ الشبلي ، عن الجنيد ، عن سري السقطي عن معروف الكرخي عن علي ابن موسى الرضا عن آبائه حتى الإمام علي بن أبي طالب ... وهؤلاء شيوخهم معروفون. لكل واحد شيوخ متعددون لا محل لتعدادهم. إلى أن يتصلوا بالرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن تلقيناتهم :

لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ، ومن دخل حصني أمن من عذابي.

حديث ينقلونه ، ويتناقلونه.

(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ).

والوصايا بالذكر : (يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ ، وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...).

والصلوات الخمس (أَقِيمُوا الصَّلاةَ ...).

ومحبة الله. (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ).

وهذه وصية الشيخ التي يتناقلونها المؤكدة لمراعاة أحكام الكتاب ، أوصى بها بعض أولاده فقال :

«أوصيك يا ولدي بتقوى الله وطاعته ولزوم الشرع ، وحفظ

__________________

(١) ورد في إجازات الطريقة بلفظ (المخزومي) وليس بصواب. توفي سنة ٥١٣ ه‍.

١٥٠

حدوده ، واعلم يا ولدي ـ وفقنا الله تعالى وإياك والمسلمين أجمعين ـ أن طريقتنا هذه مبنية على الكتاب والسنة ، وسهل الصدور ، وسخاء اليد ، وبذل الندى ، وكف الجفا ، وحمل الأذى ، والصفح عن عثرات الإخوان.

وأوصيك يا ولدي بالفقر وهو حفظ حرمات المشايخ ، وحسن العشرة مع الإخوان ، ونصيحة الأصاغر والأكابر ، وترك الخصومة ، لا ترك أمور الدين.

واعلم يا ولدي ـ وفقنا الله وإياك والمسلمين أجمعين ـ أن حقيقة الفقر أن لا تفتقر إلى من هو مثلك ، وحقيقة الغنى أن تستغني عمن مثلك ، وأن التصوف حال ، لا الأخذ بالقيل والقال ، وإذا رأيت الفقير فلا تبدأه بالعلم وابدأه بالرفق ، فإن العلم يوحشه ، والرفق يؤنسه.

واعلم يا ولدي ـ وفقنا الله وإياك والمسلمين ـ أن التصوف مبني على ثماني خصال أولها السخاء ، وثانيها الرضا ، وثالثها الصبر ، ورابعها الإشارة ، وخامسها الغربة ، وسادسها لبس الصوف ، وسابعها السياحة ، وثامنها الفقر ، فالسخاء لنبي الله إبراهيم ، والرضا لنبي الله إسحاق ، والصبر لنبي الله أيوب ، والإشارة لنبي الله زكريا ، والغربة لنبي الله يوسف ، ولبس الصوف لنبي الله يحيى ، والسياحة لنبي الله عيسى ، والفقر لسيدنا وشفيعنا محمد صلّى الله عليه وسلم.

أوصيك يا ولدي أن تصحب الأغنياء بالتعزز ، والفقراء بالتذلل ، وعليك بالإخلاص وهو نسيان رؤية الخلق ، ودوام رؤية الخالق ، ولا تتهم الله في الأسباب واستكن لله في جميع الأحوال ، ولا تضع حوائجك اتكالا بأحد لما بينك وبينه من القرابة والمودة والصدق ، وعليك بخدمة الفقراء بثلاثة أشياء أحدها التواضع ، والثاني حسن الآداب ، والثالث سخاء النفس. وأمت نفسك حتى تحيى ، وأقرب الخلق

١٥١

إلى الله أوسعهم خلقا ، وأفضل الأعمال رعاية التسري عن الالتفات إلى شيء يؤذي الله. وعليك إذا اجتمعت بالفقراء بالتواصي بالصبر. إن الفقير لا يستغني بشيء سوى الله تعالى.

يا ولدي إن الصولة على من هو دونك ضعف وعلى من هو فوقك فخر ، وإن الفقر والتصوف جد فلا تخلطهما بشيء من الهزل.

هذه وصيتي لك ...» اه.

هذه الوصية ليس فيها ما يخالف الشرع ، بل كلها تقوى ، وأخلاق مرضية ورعاية للسلوك المرضي وتكرار لفظة الشهادة.

جرى هؤلاء على الذكر ، وشيخ الذكر يقال له (شيخ الحلقة) (١). وليس لديهم إلا ترديد (كلمة الشهادة) ، ولا يقصد من ذلك إلا رسوخ التوحيد ، وتكرار أمره ، وحسن تلقينه وتلقيه.

وإن عاتگة خاتون (٢) صاحبة المدرسة رصدت من وقفها بعض الغلة للذكر وشيخ الذاكرين ومعه عدد منهم ، والحث على الوصايا الفاضلة التي تصلح أن تكون سلوكا عاما شاملا .. وفي آية (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ما يؤيد هذه الوصايا ، وقد اتخذ القوم أعماله قدوة ، على أساس آية ومن (يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى).

وهنا نقول إن القوم وأمثالهم من أرباب الطرق تجاوزوا الحد في الاتباع ، وإنما يراد بذلك (سَبِيلِ اللهِ) وذلك باتباع أوامره واجتناب نواهيه ، وهي (سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) يدل على ذلك آية (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي). فالأخذ رأسا وبلا واسطة هو المطلوب ، وهو

__________________

(١) لا يزال شيخ الحلقة منصبه متوارثا ، وآل شيخ الحلقة معروفون آخرهم السيد محمد نجيب توفي سنة ١٣٦٦ ه‍.

(٢) ذكرتها في كتاب المعاهد الخيرية.

١٥٢

سبيل المؤمنين. فلا نعرف سواه حذر أن يشاد أحد في هذا الدين ، أو يكلف نفسه بما لا يطيقه عامة المسلمين فالانقطاع إلى الله مقبول ممن كلف نفسه ورغب في ذلك ، واتباع أمره مرضي أيضا في لزوم الأخذ بما خلق المرء لأجله فلا يمنع من ملاذ الحياة المشروعة. نقل القرآن عن عباده المؤمنين دعاءهم :

(رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النَّارِ) وجاء في أخبار عديدة منها «كل ما ليس عليه أمرنا فهو رد» ، ويدل على التزام الشرع فإذا كان الشيخ رحمه الله ، ورضي عنه سار على طريقة المؤمنين ، وهي الدين القويم المبين في القرآن الكريم ، فلا ريب أن يدعو إلى هذه الدعوة ، وأن يسير كل مسلم على هذا ولن يشاد أحد في هذا الدين إلا غلبه ، فلا شك أنه لا يتأخر لحظة عن اتباع القرآن الكريم ، ومن (يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ...).

نعوذ بالله من الخروج عن جادة الصواب والغلبة ، وفي هذه الأيام شاع في اتباع هذه الطريقة من خرج عن الصدد وزاغ عن الطريق السوي ، فصارت متابعة الطريقة أشبه بالخروج عن الإسلام لما دخلها من بدع وشذوذ مما لم يؤثر عليها. نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. تكلمت في (عشائر العراق الكردية) عن الطريقة. وهي منتشرة في الهند وبلاد الترك وسوريا ومصر وبلاد المغرب ...

الأسرة الكيلانية

هذه أسرة قديمة تبتدىء بحضرة الشيخ عبد القادر الكيلاني المتوفى سنة ٥٦١ ه‍. جاء بغداد من جيل في لواء كركوك وتسمى گيل أو من گيلان وكان من تلاميذ المبارك بن علي بن الحسين بن بندار المخرمي باني مدرسته المعروفة بمدرسة (باب الأزج) أو (مدرسة المخرمي) ، ثم عرفت (بمدرسة الشيخ عبد القادر الگيلاني). وتعد أسرته من أقدم الأسر

١٥٣

العراقية ، عرف مؤسسها بالوعظ والتدريس من أيام وفاة شيخه المخرمي المذكور سنة ٥١٣ ه‍ ، وكان الشيخ حنبليا ويعد من أكابر العلماء في عصره ، وجاء ذكر معاصريه في كتاب بهجة الأسرار. ودامت الأسرة إلى اليوم تتولى أوقاف الحضرة القادرية.

وفي بغداد منها (آل عبد العزيز) ، و (آل عبد الرزاق) من أولاد حضرة الشيخ إلا أن التولية والنقابة كانتا ولا تزالان لهذا العهد بيد (أولاد عبد العزيز) ابن الشيخ. وفي هذا العهد أصابتهم نكبات من الدولة الصفوية ، وترك الكثيرون منهم بغداد ، ذهبوا إلى مختلف الأنحاء إلى حلب ، وإلى الشام ومصر ، وإلى استانبول .. وكان ذلك في أيام دخول الشاه إسماعيل بغداد سنة ٩١٤ ه‍.

كان تأثيرهم على العالم الإسلامي كبيرا وكلمتهم مسموعة في بيان فظائع الصفويين. والحق أن هؤلاء لم يمنعهم حنقهم من الوقيعة والنكاية بالمسلمين لأغراض مذهبية.

ومن مشهوري الأسرة جماعة ذكرهم صاحب قلائد الجواهر منهم الشيخ شمس الدين والشيخ زين الدين ، وهم من آل عبد العزيز أهل التولية والنقابة في الوقت الحاضر. وفي خلال المدة بين حكم العجم والعثمانيين لم تنقطع علاقة الأسرة بالحضرة الكيلانية مما يتعلق بإدارة المدرسة أو الجامع ، والتكية القادرية. فهم شيوخ الطريقة تؤخذ عنهم ومعروفون بالعلم أيضا.

وكل ما عرف من أحوالهم في هذا العهد ما جاء منصوصا عليه في قلائد الجواهر. وأشرنا إليه في تاريخ العراق (١). ولا نمضي دون بيان أن الموقوفات الموجودة التي يتمتع بها آل الگيلاني كانت من موقوفات

__________________

(١) تاريخ العراق بين احتلالين المجلد الثالث.

١٥٤

السيد الشيخ شمس الدين الكيلاني والسيد الشيخ زين الدين الكيلاني من أسرة الشيخ عبد القادر من أولاد عبد العزيز ابنه في هذا العهد ، وقد أنعم السلاطين العثمانيون إنعامات كثيرة في إعفاء الموقوفات من التكاليف والرسوم الأميرية بل وقفوا عليها الرسوم وقفا إرصاديا ، وجعلوها للحضرة القادرية.

وأما أسرة عبد الرزاق منهم فإنها لم تكن لها نقابة ولا تولية في العهد الذي نكتب عنه ، ولم تنل مكانة إلا بعد هذا التاريخ ، فقد زاحموا أولاد عبد العزيز ونازعوهم النقابة ، فتولاها كثيرون منهم ، وفي أيام الوالي محمد نجيب باشا سنة ١٢٦١ ه‍ عادت النقابة والتولية مستقلة إلى السيد علي ابن السيد سلمان النقيب من آل عبد العزيز ، فاستقرت فيهم ولا تزال إلى اليوم غير مزاحمة لطول عهدها بالتولية والنقابة ...

وعرف من أسرة (عبد الرزاق) السيد علي ، والسيد عبد الرحمن ، والسيد عبد العزيز ، والسيد رمضان ، والسيد محمود بن زكريا وغيرهم. وأما أسرة عبد العزيز فقد عرف منها السيد علي ابن السيد سلمان ، وابنه السيد سلمان ثم ابنه السيد عبد الرحمن ، والسيد محمود حسام الدين ابن السيد عبد الرحمن ، والسيد عاصم. وهو نقيب الأشراف اليوم ابن السيد عبد الرحمن ، ومتولي الوقف القادري وكان قد زاحمه في التولية فخامة السيد رشيد عالي الكيلاني. فولي الوقف مدة.

وللتفصيل عن الأسرة الگيلانية موطن آخر.

عزل الوالي سنان باشا :

ثم طوى ذكر هذا الوالي وسماه صاحب سجل عثماني (چغاله زاده سنان يوسف باشا) وهو اسم ولقب جمع بينهما وقال : «هو من بوسنة ، ابن قبطان الفرنك چغاله. أخذ والده في عصر السلطان سليمان وتربى في البلاط ونال مناصب عديدة منها ولاية بغداد ، وقبطانية البحر وآخر ما

١٥٥

عهد إليه سردارية العجم فتوفي بتاريخ رجب سنة ١٠١٤ ه‍. وكان محاربا جسورا ، وله ابن اسمه محمود باشا» (١).

دامت ولايته إلى سنة ٩٩٨ ه‍ فعزل.

الوالي قاضي زادة علي باشا :

ولي بغداد سنة ٩٩٨ ه‍ ، وبعد أن عزل حصل على منصب بودين وهكذا تقلب في مناصب عديدة وتوفي سنة ١٠٣٢ ه‍ وكان صادقا ، متدينا ، عاقلا (٢).

وهذا لم يذكره صاحب گلشن خلفا. وإنما مضى رأسا إلى چغاله زاده سنان باشا. والحال أن روحي البغدادي ذكره في ديوانه ص ١٥. ومن الغريب أن مرتضى آل نظمي لم ينقل من ديوان روحي البغدادي ، ولعله لم يصل إليه. وجاء في روحي البغدادي تاريخ ولايته وتصادف هذه السنة التي ذكرها صاحب سجل عثماني. وتاريخه :

«علي پاشا عادل حامىء دار السلام أولدى».

قضاء بغداد :

في هذه السنة ولي (قضاء بغداد) رضوان أفندي وهذا جعل الملا غانما البغدادي مدرسا في المدرسة المستنصرية (٣).

حوادث سنة ٩٩٩ ه‍ ـ ١٥٩٠ م

جغاله زادة سنان ـ ولايته الثانية :

في هذه السنة ولي بغداد چغاله زاده سنان باشا مرة ثانية وكان كاتب ديوانه (حسن أفندي) ولروحي البغدادي قصيدة في مدحه أطرى

__________________

(١) سجل عثماني ص ١١١ ج ٣.

(٢) سجل عثماني ج ٣ ص ٥١٠.

(٣) فذلكة كاتب جلبي ج ٢ ص ٦.

١٥٦

فضله وتفوقه في الشعر والكتابة (١) ... وإن الوالي سنان باشا رأى العجم استعادوا نهاوند فتقدم نحوهم وسار إليهم فافتتحها وكان جيشه متكونا من عسكر بغداد وقليل من عسكر شهرزور ومن ثم عين لها أمير أمراء ، وجيشا وقام بما لزم لتنظيم إدارتها. وفي هذه الأثناء كان حاكم لرستان (شاه ويردى خان) (٢) وهذا أصابته من الوالي ضربة موجعة كما أن هذا الوالي أسَرَ حاكم همذان قورقمز خان وعاد منصورا ، قص ذلك كله في كتاب عرضه لدولته ونقله صاحب گلشن خلفا. مدحه روحي البغدادي بقصيدة في فتح نهاوند وبأخرى رحب بها بقدومه (٣) ...

خان جغان والقهوة والسوق :

وبعد أن أتم حروبه مع العجم عاد إلى بغداد بالغنائم. عمر فيها خانا وقهوة وأسواقا في أطرافهما. قال صاحب گلشن ولا يزال هذا الخان معروفا (بخان چغاله زاده). مدحه عليه شعراء ذلك الزمن بأشعار تركية. وأقول كان هذا الخان قائما ويسمى خان الصاغة أو (خان جغان) بتحوير طفيف في أصل اللفظ ولكنه في سنة ١٣٤٨ ه‍ ـ ١٩٢٩ قلع من أصله وبني مجددا واتخذت فيه أسواق لبيع الأقمشة الحريرية وما ماثلها ولم يبق منه للصاغة إلا قسم قليل. امتلكه السيد مناحيم دانيال صاحب المبرات العديدة والصديق السيد صالح قحطان المحامي وشركاء آخرون.

وكان كتب على بابه حين بنائه :

__________________

(١) ديوان روحي ص ٤٧.

(٢) كان شاه ويردى يلعب على الاثنين. يرى ضعفا في حكومة إيران. ذكر ذلك صاحب (عالم آراي عباسي) إلا أنه مال للإيرانيين حينما رأى أن الشاه نظم داخلية إيران على أحسن ما يرام فأخذ يميل إليه ويتوسط لقبوله وقد وسعنا القول فيه في (تاريخ اللر الفيلية).

(٣) ديوان روحي ص ٢٠ إلى ٢٥ وكلشن خلفا ص ٦٥ ـ ٢.

١٥٧

١٥٨

«عمر هذا الخان وما فيه من البنيان في أيام دولة السلطان ابن السلطان مراد خان خلد الله ملكه وسلطانه وأفاض على كافة العالمين عدله وإحسانه ٩٩٩» ا ه.

والملحوظ أن ذلك كان أيام السلطان مراد الثالث ، وهو بخط الخطاط العراقي صاحب الثلاث تسعات عبد الباقي المولوي المعروف (بقوسي) وكانت هناك كتابة تركية زالت معالمها ولم يبق إلا ما ذكر مما عثرنا عليه. أوضحت في (تاريخ الخط العربي في العهد العثماني) عن خطاطه.

وأما القهوة فهي الآن الخان المسمى بـ (خان الكمرك) وكانت عليها كتابة إلا أن هذه نقلت إلى دار الآثار في القصر العباسي. وهي أبيات تركية ذكرها صاحب گلشن خلفا (١).

تكية المولوية في بغداد :

هذه التكية تسمى (المولاخانه) أيضا. والآن تعرف بجامع الآصفية. عمرت في أيام هذا الوالي سنة ٩٩٩ ه‍ عمرها محمد چلبي كاتب الديوان في بغداد. وهذا يأتي الكلام عليه عند بيان وقائع أحمد الطويل.

تضاربت الأقوال في أصل هذه التكية المسماة في هذه الأيام بالمولاخانه ، وفي تاريخ تأسيسها. وجل ما تحققناه من نصوص عديدة أن هذه التكية كانت تسمى (رباط دير الروم). وهي من بناء الخليفة المستنصر بالله العباسي ، وتقلبت بها الأحوال حتى صارت تعرف بـ (تكية المولوية). وما جاء في تاريخ الغياثي عن القلندر خانة يستبعد أن يكون هذا المحل مع أننا ظننا أنها قد صارت قلندر خانة (تكية). أوضحنا

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٦٦ ـ ١.

١٥٩

ذلك في المعاهد الخيرية. ثم صارت (جامع الآصفية) (١) والتسمية الأخيرة لداود باشا فإنه عمرها فأضيفت إليه باعتبار أنه آصف وقته. ذكرنا ما جرى عليها في أيامه وأوضحنا الوثائق التي دعت إلى تعميرها.

ومحمد چلبي باني التكية لم يعرف عنه شيء غير قتلته ابن الطويل ، وأنه كان كاتب الديوان ، ولو لم يتعرض لقتلة الوالي المتغلب لما عرف بل كان في عداد المهملات (٢). ومما علمناه أن (الخطاط قوسي) كان قد كتب لوحا في التكية سنة ٩٩٩ ه‍ ، مما يعين أن هذه التكية كان بناؤها سنة ٩٩٩ ه‍. وهذا تاريخ تجديد بنائها من محمد چلبي المذكور (٣).

__________________

(١) تاريخ العراق ج ٢.

(٢) كلشن خلفا ص ٦٦ ـ ٢.

(٣) بين الدكتور ـ مصطفى جواد ـ أصلها (دار القرآن المستنصرية) ثم أوضح عن محلة (دار الروم) ، أو (دير الروم) بنصوص من ياقوت في مادتي (دير الروم) و (دور) واستبعد أن تكون في الآصفية مع أن صفي الدين عبد الحق لم يعين محلة (دار الروم) واستدل من هذه الأقوال أنها مجاورة لمشهد الإمام أبي حنيفة ومحلة الخضريين أو الخضيرية حتى عدّ من فضول القول التقريب بين دار الروم في شرقي الاعظمية وجامع الآصفية في رأس الجسر الأعلى ، واستدل بتقسيم المياه في الخطيب البغدادي ج ١ ص ١١٥ وأيده بمختصر مناقب بغداد. وبين أن جامع الوزير لم يكن المسجد ذا المنارة الوارد في ص ١٤٣ وقال : هذا مبني عن ظن أن الآصفية (دير الروم) استدلالا بالكتاب المسمى بالحوادث الجامعة ، والحال أنه المدرسة التتشية.

وأقول إن تتبع الدكتور يستند إلى استنتاجات بعيدة ، واستدلالات من اسم المحلة وتعيين موقعها في حين أن الموضوع (رباط دير الروم) وهذا الرباط متعين في أنه هو الدار المستجدة ، أو الدار المستجدة لرباط دير الروم. أو دار الروم الملاصق للمدرسة المستنصرية من أعلاها ، والمجاور للمسجد ذي المنارة فهو بينهما ، فالنصوص التي عينت موقع الرباط كثيرة منها الكتاب المسمى (الحوادث الجامعة) ص ٢ وص. ٥٣ فالمستنصرية متعينة وتوضح اتصال الرباط أو الدار المستجدة بها ، وهو أيضا متصل بالمسجد ذي المنارة فهو بينهما.

١٦٠