موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٢

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٢

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

تيمور لنك ساقت للتعرف بها اطرادا للمباحث ومعرفة الأمراء المعاصرين منهم ... فرأينا أن نجمل أوضاعها ليكون القارىء على علم من روابط تيمور بها ...

وهذه قائمة ملوكها :

١ ـ جغتاي بن جنگيز.

٢ ـ قرا هلاكو بن موتوكن بن جغتاي.

٣ ـ باراق (براق) بن يسونتو بن موتوكن. وهذا أول من أسلم ولقب غياث الدين.

٤ ـ بيگي بن سارمان بن جغتاي.

٥ ـ بوغا تيمور بن قوداغاي بن بوزاي بن موتوكن.

٦ ـ كونجك (كونجه) بن دوي چچن بن باراق.

٧ ـ تاليغا بن قوداي.

٨ ـ ايسن بوغا الملقب إيل خواجة بن دوي چچن.

٩ ـ گوبك بن چچن المذكور.

١٠ ـ دوري تيمور بن چچن.

١١ ـ تارما شير بن چچن. أسلم فتابعه جميع عظماء ما وراء النهر ...

١٢ ـ بوران بن دوري تيمور.

١٣ ـ جنكشي بن أبو كان بن چچن.

١٤ ـ ييسون تيمور بن أبو كان.

١٥ ـ علي سلطان. من ذرية أوكتاي قاآن تغلب على ما وراء النهر.

١٦ ـ محمد بن پولاد بن كونجك. استعاد ملك آبائه.

٣٤١

١٧ ـ قازان سلطان بن ياسسور بن أورك بن بوغا تيمور المذكور. تغلب عليه الأمير قازغان.

١٨ ـ دانشمندجه خان بن قايدو بن قاشين بن أوكتاي قاآن. قتله قازغان أيضا.

١٩ ـ بايان قولي بن صورغو بن چچن المذكور. وهذا قتله الأمير عبد الله بن قازغان.

٢٠ ـ تيمور شاه بن ييسون تيمور.

٢١ ـ عادل سلطان بن محمد بن پولاد بن كونجك. وهذا نصبه الأمير حسين بن بسلاي ابن الأمير قازغان وكان ولي الإمارة بعد الأمير عبد الله المذكور. وفي أيامه ظهر تيمور لنك وسار عليه فلما علم الأمير حسين اشتبه من عادل سلطان فأغرقه حيا.

٢٢ ـ دورجي بن ايلجيكداي بن دوي چچن. نصبه الأمير حسين. ولكن تيمور تغلب عليهما وقتلهما معا.

٢٣ ـ سيورغاتمش بن دانشمند جه نصبه تيمور لنك.

وكان تغلب الأمراء على الأخيرين من هؤلاء سائدا فلما تمكن تيمور من إخضاع تلك الأنحاء (ما وراء النهر) قضى على المتغلبة وبقيت سلطات الملوك اسمية وصار هو المتغلب الوحيد. وإن اضطراب الحالة في هذه البلاد جعل ملك كاشغر وما والاها وهو توقلوق تيمور (١) من

__________________

(١) ورد في كتب العرب طغلوق تيمور كما مر في النصوص السابقة. وكان هذا الملك صاحب سلطة قوية ومكينة ... وكان أهل كاشغر ومغولستان ولوا عليهم ايسين بوغا المذكور في القائمة وبوفاته لم يبق من الجغتاي من يولونه إلا أنهم علموا أن له بنتا اسمها منيكلي ولدت منه ابنا اسمه توقلوق تيمور وآخر من شيره أوغول اسمه تيمور ملك فأحضر الأول ونصب ملكا ... وفي أيامه أسلم كافة المغول ، أسلم في يوم واحد منهم مائة وخمسون ألفا ... «شجرة الترك».

٣٤٢

الجغتاي يرى أنه الأحق بها ، والأولى بحكومتها ... فساق جيشا لجبا ففر من وجهه الأمير حسين وكذا الأمير تيمور ، وبقي في ما وراء النهر ... نحو سنة ثم عاد إلى كاشغر وخلف ابنه الياس خواجة هناك وتوفي بعد سنة ولما سمع تيمور والأمير حسين بذلك اشتبكا مع الياس خواجة بقتال ففر من وجههما إلى كاشغر ... فولي الحكم مكان أبيه إذ وجده قد توفي ... وإن الأمير حسين والأمير تيمور لم يلبثا أن تقاتلا فتمكن تيمور من قتل الأمير حسين كما تقدم ... فانفرد الأمير تيمور فيما وراء النهر ... إلا أن السلطة كانت اسمية للسلطان (سيور غاتمش) المذكور في القائمة ... فكان الأمير تيمور يأمر وينهى وهو اسمه ملك.

قضى ٢٤ سنة بملوكية زائفة. وخلفه ابنه السلطان محمود إلا أنه قتله بعد حروبه مع العثمانيين ... ومن ثم صار الملك المطلق بالاستقلال ، وخلف الملك لأولاده من بعده ...

أما حكومة كاشغر فإنها بعد أن وليها الياس خواجة كان أمير أمرائه خداداد ابن الأمير بولادجي فعارضه قمر الدين من أحفاد الأمير بولادجي وثار عليه وقتله ... وحاول قطع نسله فلم يبق إلا رضيع هربه خداداد إلى جبال بدخشان وكان اسمه خضر خواجة ... وقامت حروب هائلة بين تيمور وقمر الدين جرت فيها خمس معارك عظيمة كان في نتيجتها أن هرب إلى إيران والتجأ إلى بعض أمرائها ... أما خضر خواجة فإنه جيء به إلى كاشغر فأقيم مقام أبيه ولا يزال أولاده وأحفاده حكاما هناك إلى ما بعد الألف الهجري أيام أبي الغازي بهادر خان (١) وأرى في هذا الكفاية لمن أراد معرفة الوضع باختصار ...

__________________

(١) شجرة الترك ص ١٦٠ وما يليها ...

٣٤٣

٥ ـ حكومة القفجاق :

مر الكلام عليها في الكتاب السابق وفي هذا الكتاب خلال الوقائع مما يغني عن الإعادة والتفصيل ...

٦ ـ الحكومة المصرية :

وهذه علاقاتها أكثر ولكنها سياسية وحربية أكثر منها رابطة ود وألفة وقد أوضحنا ما جرى ... وفي أيام هذه الحكومة نرى الأوضاع مختلفة عن أيام الحكومة السابقة ...

وهذه قائمة بأسماء ملوكها :

١ ـ الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون. وقد مر في المجلد الأول.

٢ ـ الملك المنصور أبو بكر ابن الملك الناصر محمد (٧٤١ ه‍ : ٧٤٢ ه‍).

٣ ـ الملك الأشرف كوچك ابن الملك الناصر محمد (٧٤٢ ه‍ : ٧٤٢ ه‍).

٤ ـ الملك الناصر أحمد ابن الملك الناصر محمد (٧٤٢ ه‍ : ٧٤٣ ه‍).

٥ ـ الملك الصالح إسماعيل ابن الملك الناصر محمد (٧٤٣ ه‍ : ٧٤٦ ه‍).

٦ ـ الملك الكامل شعبان ابن الملك الناصر محمد (٧٤٦ ه‍ : ٧٤٧ ه‍).

٧ ـ الملك المظفر سيف الدين حاجي ابن الملك الناصر محمد (٧٤٧ ه‍ : ٧٤٨ ه‍).

٨ ـ الملك الناصر حسن ابن الملك الناصر محمد (٧٤٨ ه‍ : ٧٥٢ ه‍).

٩ ـ الملك الصالح ابن الملك الناصر محمد (٧٥٢ ه‍ : ٧٥٥ ه‍).

١٠ ـ الملك الناصر حسن المذكور (٧٥٥ ه‍ : ٧٦٢ ه‍).

١١ ـ الملك المنصور صلاح الدين محمد ابن المظفر حاجي (٧٦٢ ه‍ : ٧٦٤ ه‍).

١٢ ـ الملك الأشرف شعبان بن حسين ابن الناصر محمد (٧٦٤ ه‍ : ٧٧٨ ه‍).

١٣ ـ الملك الصالح حاجي بن الأشرف (٧٧٨ ه‍ : ٧٨٤ ه‍).

٣٤٤

ثم خلف هؤلاء دولة الجراكسة والمعاصرون منهم :

١ ـ الملك الظاهر سيف الدين برقوق (٧٨٤ ه‍ : ٨٠١ ه‍).

٢ ـ الملك الناصر أبو السعادات فرج بن برقوق (٨٠١ ه‍ : ٨٠٨ ه‍).

٣ ـ الملك المنصور عبد العزيز (٨٠٨ ه‍ : ٨٠٨ ه‍).

٤ ـ الملك الناصر فرج المذكور ثانية (٨٠٨ ه‍ : ٨١٥ ه‍).

٧ ـ حكومة الشرفاء في الحجاز :

وهذه مضت بعض العلاقات معها ، وغالبها أيام المغول وأول من عرف منهم أيام المغول عز الدين أبو نمي محمد بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني ودامت إمارته أربعين سنة فتوفي سنة ٧٠١ ه‍ وتوالى أولاده حميضة وعطيفة وعطية ورميثة إلى سنة ٧٤٦ وكانوا في نزاع بينهم وقد استقرت الإمارة لرميثة من سنة ٧٣٨ ه‍. وبعده وليها ثقبة وعجلان ابنا رميثة مشتركا بتنازل من أبيهما. ثم ولي الإمارة الشهاب أحمد بن عجلان سنة ٧٦٠ ه‍. ثم ابنه محمد سنة ٧٨٨ ه‍. ونازعه عدنان بن مغامس (١) فولي الإمارة سنة ٧٨٨ ه‍ ثم خلفه في الإمارة علي ابن عجلان سنة ٧٨٩ ه‍. وهذا حدث له مع أقاربه ما حدث وزاحمه القوم .. وكان للحكومة المصرية سلطة ونفوذ بل تحكم في مقدراتها ونزاع مع أمرائها وهكذا كان يجري على يديها العزل والنصب إلى أواخر العصر .. وحاولت حكومة المغول أن تتدخل في شؤونها وتزاحم الحكومة المصرية ، أو أن تأخذ السلطة من يدها وتشوش عليها أمرها فلم تفلح ... أما صلاتها بالعراق في هذا العهد فقليلة ولا تزيد على بعض الوقائع المارة عند الكلام على الشريف أحمد بن رميثة بن أبي نمي ثم انقطعت العلاقات السياسية إلا من الناحية الدينية وهي الحج

__________________

(١) ورد معاقس ، ومقابس ، ومقامس ... الخ والتصحيف ظاهر. والتسمية بمغامس معروفة.

٣٤٥

وصلته ، وتقديم بعض الهدايا أو الانعامات على قطان البيت الحرام وعلى كل لم يقع ما يكدر صفو الألفة ، ولا حصل تدخل في الإدارة ...

عشائر العراق

هذا العهد لا تفترق العشائر فيه عن العصر السابق كثيرا ، ولا تزال طيىء صاحبة الإمارة العشائرية ولها النفوذ على غيرها ، والقبائل الأخرى في الغالب مختصة في النفوذ ببقعة ، أو ناحية محدودة ، أو بالاتفاق والانضمام إلى الإمارة القبائلية ... مما لا يعطف له كبير أهمية في السياسة العامة وإن كان لا ينكر أثره في الإدارة الداخلية. ولكن الإدارة في تدبير هذه القبائل كانت مكتومة ، أو أن الذين كتبوا لم يطلعوا على دخائل الأمور ولا علاقة لهم بالعشائر وبما كانت تراعيه الحكومة من سياسة معها والوقوف على أسرارها ... ولا نجد إلا فلتات أقلام جاءت عفوا أو ذكرت عرضا وعلى كل لم يصلنا عنها الشيء الكافي ...

والقبائل المذكورة في المجلد السابق لا تزال في العراق ولم يطرأ عليها خلل ... وأما التي ذكرت في هذا المجلد فهي :

١ ـ قبيلة طيىء :

وهذه تكلمنا على أمرائها بإسهاب ، وفي الغالب كانت أوضاعها معروفة ... ولكن المباحث تدور حول الأمراء ولم يتعرض لفروع قبائلها أو مفرداتها ... وإن كانت أخبار الأمراء جاءت متوالية ومنظمة ومجموعة ... بعد أن كانت مشتتة ومفرقة في وثائق عديدة ومختلفة ... وآل مرا قد تكلمنا عليها أيضا وغالب وقائعها ممزوجة بأمراء طيىء الآخرين ...

٣٤٦

٢ ـ قبائل زبيد :

وهذه جاء ذكرها بمناسبة بعض الحوادث بينها وبين قبائل طيىء .. ولا نجد لها ذكرا في هذا العهد إلا في وقائع خاصة ، ولا يعني هذا أنهم وجدوا أثناء الحادث أو قبيلة بأمد يسير فالمدونات التاريخية ترجع بنا إلى عهد أبعد وكثيرا ما نرى الحوادث لا تتعرض إلا لما له علاقة بالحكومة ... جاؤوا بصورة متوالية ، وقطنوا متفرقين ... أو بمجموعات كبيرة ...

٣ ـ قبيلة بني حسن :

مر ذكرها. والتفصيل عنها في عشائر العراق.

٤ ـ كلب :

وهؤلاء قسم كبير منهم مع قبائل زبيد على ما سيجيء ...

هذا ولا محل للإطالة وقد مر قسم من القبائل في المجلد الأول ولم يحصل تبدل مهم يدعو لتدوينات جديدة ... وفي الأجزاء التالية تتوضح وقائع القبائل أكثر ...

الأوضاع السياسية

إن هذه الحكومة تكونت على انقاض حكومة المغول (حكومة هلاكو وأخلافه) وهي من نسل مغولي أيضا وبينها وبين الحكومة المالكة صهرية وارتباط مهم في القيادة الحربية قامت لها بمعارك وناضلت عنها نضالا عظيما ، مشهودا ... ولما رأت انحلال هذه الحكومة قامت على اطلالها وبقاياها. وليس بالغريب من قبيلة كبيرة كان رئيسها يلقب (نويان) أن يقوم بما قام به وهذا اللقب (نويان) عندهم ليس وراءه رتبة عسكرية سوى القيادة العامة والتشكيلات العسكرية آنئذ على الترتيب

٣٤٧

المذكور في المجلد الأول. مشى القوم فيها على طريقة جنكيز في تنظيم جيوشه ...

قامت هذه الحكومة بإدارة محدودة ، لم تكن في نطاق سابقتها وتكونت آنئذ حكومات أخرى فارسية كحكومة آل مظفر ، ومغولية كالحكومة السلدوزية (الچوبانية) ، وسائر الحكومات المتغلبة مما مر ذكرها فوجدت هذه الحكومة معارضات ومقارعات شديدة ... ولم تستقر لها الإدارة إلا بعد مدة ... وكان يؤمل منها بعض النفع لو لا أن السلطان أحمد كدر الراحة ، وظهور تيمور الفاتح العظيم في هذه الأيام نغص الطمأنينة ... والأول اشتبه من الأمراء فصار يقتل فيهم والآخر جاء كأنه صاعقة أصابت العالم ، أو طاعون فتاك استولى ... أو طوفان جارف أتى بسيله ... فمحا حكومات كثيرة مبعثرة الحالات ومضطربة الجانب ... ومنها الجلايرية إلا أن سلطانها (السلطان أحمد) لم يقف عند نكبة ، أو يسلم لغائلة ... مكتوف الأيدي مستسلما للقضاء ... وإنما كان يترقب الفرص ، وينتهز الوضع ... للتحفز والقيام ... وهو في حالة بين اليأس والرجاء حتى استعاد ملكه المغصوب إلا أنه جاءه البلاء من متفقه بالأمس الأمير قرا يوسف ، حليفه في السراء والضراء ... أو بالتعبير الأصح تولدت فيه آمال جديدة ولم يكتف ببغداد فسعى لحتفه بظلفه ... ومهما كانت الدواعي ، والأوضاع السياسية قضي عليه وانقرضت حكومته وزالت من العراق وبعد مدة صارت في خبر كان ولم يبق إلا اسمها وبعض حوادثها مدونة في بطون الكتب ...

وهذه الحكومة كسابقتها لم ينل العراق حظا منها بل أصيب بنكبة من تيمور فلا تقل عن القارعة الأولى (على يد هلاكو) وكان قد ذاع عن تيمور لنك أنه أمر بتعمير بغداد وإعادة ما خرب منها وهيهات أخنى عليه الدهر قبل أن ينال العراق منه وطرا ... ففي أيام تيمور لم ينل العراق ما يستحق التنويه والذكر وإنما هناك حروب وثورات واضطرابات ...

٣٤٨

وتخريبات ... أما الجلايرية فنعتبرهم أهون الشرين والاستفادة منهم مصروفة إلى أن العراق كان قد اتخذ عاصمة لهم في غالب عهدهم فأصابته العمارة نوعا ، أو النضارة لا لأهليه بل ليروا ويبصروا ...

ولا أمل للعراقي أن يصل إلى مأرب ، أو يحصل على مطلوب ، أو ينال سعة من رزق وهؤلاء لم يقصر أحد منهم في نهبه وسلبه الأتعاب والممتلكات ما وجد إلى ذلك سبيلا ، لا يرغب إلا في سد نهمه ... والعراقي أشبه بالحيوان الأعجم يطعم ليحمل الأثقال ، أو ليقوم بالخدمة والحاجة ... تنازعت هذه الحكومات بينها للاستيلاء علينا ، وتقابلت بسببنا ... ولا هم لواحدة منها إلا التنعم بنا ...

وعلى كل قضي على هذه الحكومة لتخلفها حكومة جديدة مثلها أو دونها ... وكتبت علينا الأرزاء وكل جديد في الحكم يتطلب نفعا منها جديدا وكثيرا ، يريد أن نكون (بقرة حلوبا) ، أو (دابة ركوبا) ... وهكذا لا ندري مصيرنا في هذا العصر وما ستجره الأيام من الويلات ... والبدوي أهون شرا ، وأقل كلفة ، يركن إلى المواطن البعيدة ، والخافية عن الأنظار ، أو أنه يخطب القوم وده إذا كانت له الإمارة على جملة قبائل ... وتميل العشائر إلى الأقوى من هؤلاء التماسا وراء الراحة والاستفادة ... والأحوال الحربية المتوالية ، والمعارك الدامية مما شوش النظام الداخلي وقضى على الإدارة الثابتة والمطردة ... ولو لا الموقوفات لأهل الخير لما عمرت المدارس ولذهبت ريح العلم من البين إلا أن بقايا العلماء ذهبوا إلى البلاد الأخرى من طريق الحج أو ما ماثل من الأعذار فنجد العلماء العراقيين قد انتشروا في الأطراف ولم يعلم عن الباقين إلا القليل ... وسير الحالة على ما سيوضح ...

هذا والحديث ذو شجون ، لا يحتمل البيان أكثر ...

٣٤٩

الثقافة

أو العلوم والمعارف

للأوضاع السياسية ارتباط قوي بالثقافة ، فكلما ضيقت السياسة الخناق على الأهلين شغلوا بأنفسهم ، وعادوا لا يلتفتون إلى العلوم والآداب ... أو أنها ألهت من النظر إلى ما يفيد ... وكلما خلد الناس إلى الراحة وسكنت الحالة واطردت ... مالوا بكليتهم إلى التربية والتهذيب .. والقضايا الاجتماعية متماسكة فإذا تخلخلت ناحية اضطربت سائر النواحي ...

وقد قدمنا أثناء ذكر الحوادث وفيات علماء مشاهير ، وأدباء معروفين أيام هذه الحكومة ما يعين الحالة الراهنة والأمر الواقع ، ولا مجال للإسهاب هنا ولكننا نقطع في درجة اهتمام العراق بالعلوم ، والتهذيب وقل بالنتيجة الحضارة ومقوماتها فإنه لم ينس ذكرى الماضي ، واستعادة زهوه كلما وجد إلى ذلك سبيلا ...

نعلم أن المدارس كانت من أعظم المؤسسات العلمية والدينية ، كان ولا يزال مقياسها كبيرا ، ونطاقها واسعا خصوصا في هذا العصر فقد أنشئت مجموعة مهمة منها ... ولعل الباعث المهم أن بغداد صارت عاصمة كما أشير إلى ذلك فيما سبق أو أن النفسيات ملت من الظلم وضجرت من القسوة فمالت إلى دور العبادة ، والمدارس وركنت إلى تأسيس مثل هذه ... ونرى الأول هو الصحيح لأن العمارات زادت ، وكثر البذخ ، فانصرف أهل الخير بسبب الغنى إلى هذه العمارات ... فكانت من أكبر عوامل الثقافة ، والمعرفة العلمية الصحيحة ...

والمدارس المؤسسة في هذا العهد ، وكذا الجوامع تكفي للدلالة على الاهتمام بالعلوم والغالب أن لا يخلو مسجد من مدرسة ، ولا

٣٥٠

مدرسة من مسجد وفيها المدرسون الموظفون أو بصورة حسبية ... وأشهر المؤسسات من هذا النوع :

١ ـ مدرسة مرجان.

٢ ـ المدرسة الوفائية.

٣ ـ مدرسة الخواجة مسعود.

٤ ـ مدرسة العاقولي. أصل وضعه مدرسة صغيرة فنال شكلا موسعا.

٥ ـ جامع سراج الدين.

٦ ـ جامع النعماني.

٧ ـ مدرسة سيد سلطان علي.

٨ ـ مدرسة الوزير إسماعيل. وهذه لم تتم. وإنما صلب فيها مؤسسها فصارت تسمى ب «جامع المصلوب» ... (١).

وهذه إذا أضيفت إلى بقايا المدارس السابقة استكثرنا العدد ، وعلمنا أن الرغبة كانت كبيرة ، والمدارس مفتوحة ولم تسد في وجه طالب ... وأهل الخير وقفوا الموقوفات الدائمة لبقاء مهجتها وحفظ عينها وعرضت للاستفادة. اشتهر في التدريس بها علماء ذاع صيتهم ، وبعدت شهرتهم ... وبينهم كثيرون لم نعثر على تراجم لهم ، والمعروف مقتضب وثبتناه على علاته حتى نجد ما يوسع في المعرفة ويزيد في العلم

__________________

(١) مر في ترجمته شروع الوزير في بنائها وأنه أراد أن يقيمها بأحجار طاق كسرى فمنعه العاقولي وقدم له ما يجب من الآجر ولما أراد النجار أن يقطع خشبة من أخشاب البناء البارزة وطلب إليه ذلك منعه وقال لعلها يصلب فيها أحد فكان هو المصلوب ...

٣٥١

بهم. فهذا الفيروزآبادي صاحب القاموس جاء بغداد سنة ٧٤٥ ه‍ وبقي إلى سنة ٧٥٥ ه‍ قرأ على :

١ ـ الشهاب أحمد بن علي الديواني في واسط.

٢ ـ التاج محمد بن السباك.

٣ ـ السراج عمر بن علي القزويني خاتمة أصحاب الرشيد بن أبي القاسم.

٤ ـ محمد بن العاقولي.

٥ ـ نصر الله بن محمد ابن الكتبي.

٦ ـ الشرف عبد الله بن بكتاش قاضي بغداد ومدرس النظامية. وكان الفيروزآبادي عمل عنده معيدها.

ولا نزال نجهل تراجم بعض هؤلاء المشاهير ومكانتهم العلمية والأدبية ... وهم في أيام هذا الرجل من رجال الإجازة وأساتذة العلم ، وبالتلقي عنهم اشتهر ...

والأمر لا يقتصر على هؤلاء ممن مرت تراجمهم خلال سطور الكتاب بصورة مختصرة أو مقتضبة على الرغم من القدرة العلمية والأدبية ... وإنما هناك رجال عمل وتدريس دون التدريس العالي ، والتدريسات الأولية التي لا يستغنى عنها ... وقد نهجت هذه كلها في حياتها نهجا صالحا وبدرجات متفاوتة لمختلف الثقافات وضروبها ... حتى تربية العوام والسواد الأعظم وتهذيبهم وهناك الوعظ والإرشاد وفائدته كبيرة جدا ... ولم يهمل ... والقوم لاحظوا كافة صنوف الناس وأسسوا لهم المؤسسات ..

وعلى كل أرقى صنوف المعرفة يتولاها أكابر المدرسين كمدرسي المستنصرية والنظامية وأمثالهم وهو ما يراد به عندنا ما يراد ب (أستاذ).

٣٥٢

وهؤلاء (رجال الإجازة) فهم الذين يتولون حق منح الإذن بالتدريس كواحد منهم فيقوم بمهمة قريبة من مهمة أستاذه المتخرج عليه .. إلى أن ينال مكانته بما يظهر فيه من مواهب. ولا يصل إلى هذه المنزلة إلا من تيسرت له القدرة العلمية والكفاءة التامة في حل الغوامض والمشاكل وزاول بتدريب أستاذه ما يؤهله للاستغناء عنه بنفسه ... وغالب علماء العراق معروفون فيه وفي أقطار عديدة ...

تلك السيرة المنتظمة التي مضى عليها العلماء لم يفسدها تبديل مناهج ، ولا تحويل مدرسين ، ولا تغيير أساليب أو كتب مدرسية .. وإنما نراها سائرة إلى الكمال ، ومستمدة ثقافتها من نفس بيئتها وما تدعو إليه ... ولكن أثرت فيها السياسة الغربية والثقافة الإيرانية وكان قد أشبع بها رجال الحكومة وملوكها ... فأهملت تلك الثقافة ، وزالت فائدتها فبعد أن كان رجال الدولة من متخرجي هذه المدارس والجادين لصلاحها وإصلاحها ... صار الوزراء الأجانب ينظرون إليها بعين الريبة والخوف ، ويخشون أن يقدم أحد رجالها عليهم ... بل صاروا لا يأمنون أحدا من العراقيين فقدموا أبناء جلدتهم ليحتفظوا بمراكزهم ولم ينظروا إلى الكفاءة العلمية ، ولا درجة الثقافة في العلوم والصناعات (هذا من شيعته وهذا من عدوه) .. ومن ثم صار لسان حال هؤلاء العلماء يقول :

إذا كان علم الناس ليس بنافع

ولا دافع فالخسر للعلماء

مالوا إلى الإمامة ، والخطابة ، والوعظ ، والتدريس وهو أرقى المناصب ، أو القضاء ولا يحصل دائما فانحصرت فائدة العلوم ومطالبها في هذه الأمور فانحطت المدارك ، وتركوا السياسة ومشتقاتها ... وصارت مخصصاتهم لا تكفي لسد الرمق والحاجة وصار غيرهم يتنعم بأنواع النعيم وكل خيرات البلاد بأيديهم ... فإذا قال العالم :

غزلت لهم غزلا دقيقا فلم أجد

لغزلي نساجا فكسرت مغزلي

لا يعدو شاكلة الصواب ...

٣٥٣

دعا سوء هذه الأوضاع من إهمال شأن العلماء أن صارت مؤسساتهم العلمية ودور ثقافتهم لأنفسهم ، ولينالوا حظا من رغبتهم لا أن يكونوا رجال الدولة ، أو أعضاءها الفعالة ... ومن أراد حظا من ذلك وطمحت نفسه إلى أكثر مما هو فيه مال إلى الخارج. والتاريخ دوّن الكثيرين ... أو انكب على لغة القوم وآدابهم ليحصل على بعض حظوظهم أو يأمن غوائلهم ... ذلك كله بعد أن كان أولئك القوم قد اتخذوا مناهج ثقافية متعددة وبصورة متوالية لإدراك اللغة العربية وعلومها بالترجمة وبوسائل أخرى ... وهذه الأيام بدء دور الاستقلال بالثقافة ...

وهكذا يقال عن الآداب من منظوم ومنثور كانت واسعة الخطى ، وغزيرة المادة فركدت لما أصابها من خذلان فاشتهر أدباء العراق في غير العراق ، وذاع صيت شعراء الفرس في نفس العراق. ولم يعد بالإمكان صد تيار السيل الجارف .. وإن تعديل المناهج وتدريس اللغة الفارسية وآدابها لا يؤدي إلى مجاراة العصر. لأن العراق لو انقلب منطقة فارسية وأهمل أهلوه لغتهم وثقافتهم لما نالوا غير منزلتهم فالعروة كانت بيد الكواز ، والقوم لا يقربون سوى أبناء جلدتهم .. ونبغ في العراق بعض شعرائهم ممن له الذكر العظيم عندهم ...

هذه الأشكال ظاهرة عيانا ، وإن فتح المدارس الجديدة لم يعوض الخلل ، ولا وقف تيار هذا الإفساد في الثقافة وإنما تمادى ولم يظهر بوضوح إلا في العصور التالية إذ لا تزال بقية باقية ... ولكن تحقق بصورة جلية أن تلك الثقافة يصح أن يقال فيها (علم لا ينفع وجهل لا يضر).

ولا يفوتنا أن نقول إن هذا العصر تفوق على غيره بكثرة مدارسه وتنوع علومه .. مع القطع بأن الفارسية استعانت كثيرا بهذه المدارس ،

٣٥٤

واستفادت من علومها لتكتسب ثقافتها ... فتكون لهم مجموع استغنوا به ، وتمكنت هذه أكثر بتوالي العصور ، ترجموا ، وألفوا ، ونظموا ... إلى أن صار رأس مالهم كبيرا جدا. ويعد هذا الزمن عهد انتصار الصراع بين العربية والفارسية ... بعد أن كانت الثقافة الفارسية ضئيلة في العهد العباسي وكان العرب يقتنصون أصحاب المواهب منهم فصار الكثيرون من أدباء العرب قد مالوا إلى الآداب الفارسية ونالوا نصيبا منها ... فانعكست الآية ...

ولا لوم على الفارسي أن يخدم ثقافته فهذا مما يمدح عليه ... ولكننا دوّنا ما وقع وأوضحنا وجهة العلاقة ودرجة التمكن ، والتيار الذي جرى ... لا بقصد التعديل بل بيان الأسباب والبواعث لما حصل ...

وعلى كل إن العراق استولت عليه الإدارة الفارسية فأثرت على ثقافته ولغته وأدت إلى إدخال ألفاظ فارسية في العامية وفي الفصحى .. حتى دخلت في التهجي (زير ، زبر ، پيش) وهكذا مما لا يسع القول فيه أكثر من هذا.

الصناعات الجميلة

أصل الصناعات في العراق يرجع إلى عهد بعيد جدا إلى ما قبل العصور الإسلامية بآلاف السنين إلا أن الطرز اختلف ، والرغبة الأخيرة في هذا العصر خاصة توجهت إلى نواح جديدة ما زالت ولا تزال في تغير مستمر .. فإذا اندثر شكل ، أو مات نوع .. تغير إلى آخر ؛ أو خلفه غيره .. وأوضح مظاهرها في هذه الأيام التصوير ، والتطريز ، والنقش ، وزخرف العمارات والأواني والحلي والأسلحة ... ومثلها الموسيقى والغناء ، والخط والتفنن فيه ، والتجليد ، والتذهيب والرصد وآلاته ، والفلك وبروجه ... وهكذا.

٣٥٥

ويطول بنا تعداد ما هنالك ، وأول أمر يلفت النظر ما له ارتباط وعلاقة بالآثار الإسلامية ، ويكفي لمعرفة المتكامل منها عندنا أن نسرح أبصارنا في آثار مملكتنا ومخلداتها ؛ أو في المنقول منها إلى متاحف استانبول والمدن الكبرى أمثال متاحف برلين وباريس ولندن وأميركا ... فنرى هذه قد بلغت المنتهى من الاتقان ، وفيها ما يمثل المجالس العلمية ، ومجتمعات العلم والأدب ، أو الخلاعة أو الحروب والصيد ... وهكذا مما يبهر الناظر ، ويسترعي وقوف البصر حيران مبهوتا ، أو على الأقل يدعنا نقطع بأن الصانع العراقي قطع شوطا في الصبر والمثابرة على إكمال مهمته ، والتفوق في مهنته بما زاوله ... سواء كان في محاذاة غيره أو محاكاة الطبيعة ، وتقليد ما في أيدي الآخرين ... أو كان عمله مما أبدعه أو اخترعه خياله ، أو ابتكره ذوقه ...

إن الصناعة وكمالها ، والنقش وضروبه ... تجتذب النفوس إليها بمرآها ، ويهيج الشعور الحي بدقتها ، ويؤدي إلى درجة الاعتناء بالفنون الجميلة ... ولا تكفي هذه وإنما يجب أن نتفحص تطورها ، أو سيرها التاريخي في مختلف الأزمان ... ولكن لا مجال لنا إلا أن ننظر إلى حالتها التي عليها في هذا العهد من بين العصور الأخرى لنشاهد إلى أي جهة سائرة ... فنكون على بينة من حركة الفنون الجميلة والصناعات النفيسة فنعلم أثرها في مفترق الطرق ، وما ولدته العصور أو الحضارات حتى برزت ... فتدهورت وانحطت أو تكاملت وارتفع شأنها ...

كان العصر العباسي من أوضح العصور الإسلامية في تكامله ، لا يخلو من التأثر بالصناعات قبله ولكنه جاء بها موافقة لذوقه ومعرفته ، وتابعة لمقتضى تربيته ونحو ما يرغب فيه ... فكان لها طابعها الخاص ... وأما في العصر المغولي فقد جاءت مستقاة من ناحية صينية وتغلبت عليها حتى في ثقافاتها الأخرى ، ولا تخلو من التأثر بالصناعات

٣٥٦

الإيرانية ، أو أن الإيرانيين اقتبسوها ممزوجة بما عندهم وموافقة لميولهم ، أو متصلة بآدابهم ومألوفاتهم ...

والعراق لم يخرج عن هذه الأوصاف وإن كان للمحيط حكمه وأثره ، وللأدب نزعته واتصاله ... ففي هذا العهد نرى الطوابع مرسومة ، والنقوش ثابتة ، والعلاقة ظاهرة للعيان ... فإذا عددنا نقاشا واحدا ، أو مذهبا ، أو بضعة خطاطين أو بنائين في عصر أو عدة عصور فهذا لا يدل على أن العصر أو العصور لم تنجب غير هذا ، أو عقمت أن تلد مثله ولم تنتج سواه ... وإنما كان نسيان العصر لرجاله ، أو فقدان آثارهم ، أو تجول هذه الآثار في الأقطار حتى خفيت ، أو ضياع التواريخ بسبب الحوادث ، أو جهل العصور التالية كل هذه لا تمنع من التعرف بالآثار الموجودة والمخلدة في المتاحف ، أو الاطلاع على جماعة من أصحابها ...

ـ نعم صرنا نتحرى الآثار لمعرفة قوة الصناعة ودقتها ، ودرجة رقيها فلو عدمنا التاريخ فلا نعدم نفس الآثار ... ولعل في هذه ما يغني أو يبصر بما كان .. فالخطاطون نوعا معروفون واشتهر منهم جماعة في هذا العصر ، والكل ساروا على منوال ياقوت المستعصمي ... فهو أستاذ الجميع في الأيام الأخيرة ، وصلتهم به موصولة ... وتوالوا بعده إلى أن جاء رجال الوقت المعاصرون ، وقد قدمنا ذكر جماعة منهم عند حوادث الوفيات وأخص بالذكر السلطان أويس ، والسلطان أحمد ، والسلطان إبراهيم بن شاه رخ بن تيمور لنك من الملوك ..

وبكل أسف أقول نحن في حاجة أكيدة للحصول على نماذج من خطوطهم وأن نتحرى عنها في مختلف المتاحف ودور الكتب لنتمكن من إدراك الصناعة بمعناها ولو في الخط خاصة ولا يكفينا أن نعلم أسماء جماعة ممن فاقوا في الخط دون أن نعرف درجة حسن خطوطهم ، وقيمة

٣٥٧

ما كتبوه علميا ودرجة تطور هذه الصناعة بمن قامت بهم ... حتى نالوا الحظ الوافر من الشهرة لحد أن صاروا أساتذة الخط عند جميع الأمم الإسلامية ...

ولا ننسى أن الغالب في الناس أن يجعلوا هؤلاء الأساتذة واسطة الوصول وسلمه إلى أستاذ الخط بالاستحقاق فلم يشاؤوا أن يحتفظوا بنماذج منها ، وإنما يقفون عند الأصل ... والسند أو الصلة الفنية مقصورة في الغالب على الخط ، ولا نجد أساتذة موصولي السند في النقش وفي غيره كالتجليد والتذهيب ، والرسم وما ماثل ... فلم نحرص على رجال الصناعات ، ولا علمنا مدونات عنهم بصورة متوالية ، ولا حفظنا أسماء أصحابها إلا أن يكون صاحب الأثر قد دون اسمه مثل النقاش الخطاط زرين قلم في نقوشه وخطوطه على بناية جامع مرجان وخان الأورتمة وعبد علي النقاش وكان قد استخدم في بلاط سمرقند ايام تيمور ... وكان عمل تيمور على أن يجمع في عاصمته سمرقند أكبر عدد ممكن من الفنانين والصناع فنقل إليها مئات المصورين من بغداد وتبريز وغيرهما من البلاد التي استولى عليها ومع ذلك ظلت بغداد وتبريز مركزين لصناعة التصوير ... (١).

وفي المتحفة البريطانية نسخة من قصائد خواجو الكرماني المسماة ب ـ (هماي وهمايون) المار ذكرها سابقا. كتبت بخط مير علي التبريزي الخطاط المشهور في بغداد سنة ٧٩٩ ه‍ (١٣٩٦ م) ، وعلى إحدى صوره توقيع الفنان الفارسي جنيد السلطاني الذي كان في خدمة السلطان أحمد

__________________

(١) التصوير في الإسلام ص ٣٨ تأليف الدكتور زكي محمد حسن أمين دار الآثار العربية بمصر وكتابه مفيد جدا إلا أنه لا يخلو من بعض الهنات الهينات مثل عده السلطان أويس آخر ملوك الجلايرية في حين أنه أراد السلطان أحمد ... وما شابه ... مما لا يخلو منها كتاب وغالبها شطة قلم.

٣٥٨

الجلايري ببغداد وهناك نسخة أخرى بخط أحمد التبريزي ترجع إلى هذا العهد وهي عدة قصائد منها تاريخ منظوم لفتوح جنكيز خان ...

وفي هذين المخطوطين من الصور ما يعين عصر الجلايرية فإن أمثال هؤلاء عاشوا في عهد هذه الحكومة وتعهدها ... وإن السلطان أحمد كان من الملوك الذين عالجوا التصوير وأصابوا فيه نجاحا وهكذا قل عنه في الموسيقى .... (١).

ونحن مهما اتخذنا طريق الصناعة وقربنا هذه الآثار بعضها من بعض وأظهرناها مجموعة لا تعين لنا حقيقة العصر وما هي عليه ... فإن الفنون الجميلة لا ينبغ فيها إلا أفراد ... وهي لا تصلح لمقارنة العصور ... ونخطىء كثيرا إذا قابلنا الموجود بآخر وظهرت بعض مزاياه على غيره فهذا ليس بالقطعي لإراءة العصر ولما لم نحط خبرا بكل ما للعصر ، وإن غالب من كتبوا اتخذوا المعروف لديهم أساس المعرفة فلا يقطع في حكمهم وقد قدمنا نماذج في العصر المغولي والظاهر أن التكامل قد سار في طريقه سيرا مقبولا ، ومشى بخطى واسعة بالنظر لما عرف وأن التطور الحاصل طبيعي لتوالي العصور في المعرفة ونزوعها إلى ما تبتغيه ...

أما فن الموسيقى فإن أصل تمكنه ورسوخه يرجع إلى عهد صفي الدين عبد المؤمن أيام العهد المغولي ... ففي أيامه اكسب قواعده تثبيتا ، وأنالها شكلا علميا ، ولم يقف على الأخذ ... وآخر من عرفناهم في هذا العصر السلطان أحمد فإنه كان نابغة فيه .. ولكننا نقول بكل صراحة إننا لم نعرف أساتذنه في هذا الفن ، ولا اطلعنا على قائمة ندمائه فيه ... ممن لهم رغبة في الموسيقى واتقان في الصناعة ... وعلى كل سلك الباقون التالون على نهج الصفي ...

__________________

(١) التصوير في الإسلام ص ٣٩.

٣٥٩

أما الأبنية والعمارات وما فيها من زينة نقوش وخطوط وهندسة ... فإن أمثلتها على الرغم من قلة الباقي من الآثار كافية لإظهار بدائع الصناعة والنقش والخط ... فإنها تمثل المشاهد في الكتب ، أو هي تقريب منه ، كما أن إحكام مادة البناء ، وصناعته الهندسية ... دليل عظمة الفن ... ومن هذه الأمثلة بناء جامع مرجان وجامع العاقولي ، وخان الأورتمة ، وبعض الآثار الأخرى ...

والحاصل أن هذه النواحي وغيرها مما يتعلق بالصناعة ومقوماتها تحتاج إلى مباحث كثيرة ومستقلة بأن توسع بإسهاب لتعرض على القراء لتعيين ما هم فيه ، ومقابلته بما كانوا عليه ... وأقف عند هذا الحد. مكتفيا بعرض الصور الفنية ...

٣٦٠