موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٢

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٢

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

وكان قد عمر هذا الجامع الوزير حسن باشا سنة ١١٣١ ه‍. وقال المرحوم شكري الآلوسي في مساجد بغداد إن الشيخ سراج الدين هذا من رجال الصوفية وله ذكر في تاريخ أولياء بغداد ، والتفصيل هناك (١).

حوادث سنة ٧٨٤ ه‍ ـ ١٣٨٢ م

قتلة السلطان حسين : (ترجمته)

في عجائب المقدور كان قتل السلطان غياث الدين حسين في جمادى الآخرة من سنة ٧٨٣ ه‍ وفي الانباء ذكر هذا الحادث في تلك السنة وقال : وقيل في ربيع الآخر من السنة التي بعدها (سنة ٧٨٤ ه‍) وترجمه في المواطنين وفي حبيب السير كانت قتلته بتاريخ ١٥ صفر سنة ٧٨٤ ومثله في الغياثي دون تعيين الشهر. وسبب قتله أنه اغتاله أخوه أحمد وكان استنابه السلطان على البصرة ، وتوجه إلى تبريز فمالأ الأمراء عليه حتى قتل واستقل أحمد بالسلطنة ... وكانت هذه المواطأة بإشارة الشيخ الكحجاني ... كانت في نتيجة النزاع مع إخوته ... فالسلطان أحمد يبدي أنه لم يطق الصبر على هذه الحالة من الاضطراب والتشوش وانحلال الأمور فنهض لطلب الحكم وخرج من تبريز فجمع له جيشا وعزم على اكتساح تبريز والاستيلاء عليها فقتل السلطان وقيد شمس الدين زكريا والخواجة جمال الدين (٢) ..

__________________

توفي في حدود الستين ودفن بتربة جده بالزرادين بباب الأزج. قاله الصديق الأستاذ مصطفى جواد وبين أن مقبرة الزرادين هي في محلة الصدرية وأقول المقبرة كانت مشهورة وقد رأينا وشاهدنا القبور فيها وكانت بالنظر لوصفها متصلة ... وفي هذا النص ما يعين التربة وأنها اتخذت جامعا وإن لم نكن نقطع في تاريخ بناء هذا الجامع ...

(١) تاريخ مساجد بغداد ص ٤١.

(٢) حبيب السير ج ٣.

١٨١

وجاء في ابن خلدون أن السلطان حسين لما رجع من بغداد إلى توريز (تبريز) عكف على لذاته وشغل بلهوه واستوحش منه أخوه أحمد فلحق بأردبيل وبها الشيخ صدر الدين (الصفوي) واجتمع إليه من العساكر ثلاثة آلاف أو يزيدون فسار إلى توريز وطرقها على حين غفلة فملكها واختفى حسين أياما ثم قبض عليه أحمد وقتله (١) ...

وقد كثرت الأقاويل في السلطان حسين بين مادح له وذام ، وأكثر المؤرخين كانوا يميلون إلى مدحه والثناء عليه ولعل الذم كان موجها من جانب خصومه المنتصرين عليه مما دعا إلى تقولات كهذه ... وقد قيل «ولأم المخطىء الهبل» وإلا فهذا صاحب الأنباء نعته بقوله كان شجاعا شهما ؛ حسن السياسة ، قتل غيلة ... وفي عجائب المقدور :

«هو جلال الدين حسين ، أفاض على رعيته فضله وإحسانه ، وكان كريم الشمائل ، جسيم الفضائل ، وافر الشهامة ، ظاهر الكرامة ، أراد أن يمشي على سنن والده ، ويحيي مآثره من رسوم آثاره ومعاهده فخذلته الأقدار ، وخالفت صفو مساعيه الأكدار». ا ه (٢).

وفي هذا مخالفة لما جاء في النصوص الأخرى. وجل ما نعلمه عن خلفه السلطان أحمد يشير إلى خرق وشراسة وذم من مؤرخين لا يحصون ...

وعلى كل كان السلطان حسين قد ولي الحكومة عام ٧٧٦ ه‍ وقد أسلفنا البحث عما وقع في أيامه من الاضطراب وانتقاض الأمراء عليه. قالوا هو مولع باللهو واللعب غافل عن تدبير المملكة ، وبلغ به من حب النساء أن صار يتزيا بزيهن ويدخل الولائم والأعراس فيما بينهن ولم

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون ج ٥ ص ٥٥٣.

(٢) عجائب المقدور ص ٤٦.

١٨٢

يعلموا به ومما يحكى عن هؤلاء الأمراء أنهم شكوا ذلك إلى وزيره الأمير زكريا فقال لهم الوزير اشكروا الله الذي بلاكم بمن يجعل القناع على رأسه ولم يبتلكم بمن يضع القناع على رؤوسكم فقام عليه رجاله وعصوا عليه فاستعان عليهم بعادل آغا الذي استولى على عراق العجم ... هذا ما دعا أن دبر مناوئوه وفي مقدمتهم الشيخ علي أخوه قتلة الأمير إسماعيل وقيام الشيخ علي الشهزاده مكانه في منصب بغداد فارتبك أمر السلطان حسين من جراء هذا الحادث فركن إلى عادل آغا فأمده وتقدم نحو بغداد فلما وصلها فر الشيخ علي من وجهه ومضى إلى دسبول وتستر واستقر السلطان حسين في حكومة بغداد ولما كان غير مدبر ولا ناظر لأمور الرعية بعقل وحكمة تكاثر ظلمة وزاد عتوه في بغداد ... فاجتمع الأهلون عليه واتفقوا على معارضته وقتاله ودعوا الشيخ عليا الشهزاده ليجعلوه حاكما عليهم فوافى إليهم وولي حكومة بغداد. وحينئذ التجأ السلطان مرة أخرى إلى عادل آغا فظهر عليه أخوه الآخر أيضا وهو السلطان أحمد فقضى على السلطان حسين المذكور وقتله.

ولم يكن له من الأولاد سوى بنت يقال لها دوندي سلطان وهذه غير دوندي بنت دلشاد المذكورة في هذا الكتاب وسيأتي لها من الحوادث ما له علاقة بالعراق ...

وفيات

١ ـ الوزير شمس الدين زكريا :

إن قتلة السلطان غطت على ما جرى على الخواجة شمس الدين زكريا بن حسن الدامغاني البغدادي صهر الخواجة الوزير غياث الدين محمد بن رشيد الدين فضل الله الوزير وابن أخته فلم نعد ندري ما حل

١٨٣

١٨٤

١٨٥

به والمعروف أن السلطان أحمد قتل الأمراء. ولذا انقطع بأنه قتله. وهذا نال الوزارة أيام الشيخ حسن سنة ٧٣٧ ه‍ وكان انتخابه لمحض التأثير والاستفادة من شهرة الخواجة غياث الدين محمد وقد مدحه الخواجة سلمان الساوجي بقصائد كثيرة مدونة في مواطن من ديوانه ثم إنه اعتزل ونالها مرة أخرى سنة ٧٥٧ ه‍ أيام السلطان أويس وكان هذا الوزير لا يزال حيا بعد قتلة ابنه الأمير إسماعيل والملك حسين وكان محترما لدى هذه الحكومة ولمحض هذا الاحترام نال أخوه نجيب الدين الإمارة وأما إسماعيل ابنه فإنه نال الوزارة وحكومة بغداد (١) وفي دستور الوزراء «تصرف ـ الشيخ حسن الكبير ـ بممالك العراق .. وجعل الخواجة شمس الدين زكريا .. لمنصب الوزارة ، وبقي في منصبه في جميع أيام دولته وفي أيام أولاده (أويس وحسين) وفي عهده اختار العدل والإنصاف والعلم حتى وفاته .. فكان له الذكر الجميل» ا ه (٢).

وباقي ما ذكره لا يختلف عن النص السابق وقد مر من البيان ما يبصر بحياته ... ونرجح أنه توفي أو قتل في هذه السنة فقد طوي ذكره بعد حادث السلطان حسين وبعد القبض عليه وتقييده بالوجه المار ... والمعروف أن السلطان أحمد من حين ولي أوجس خيفة من الأمراء فقتل جماعة منهم .. فلا يبعد أن يكون الوزير أحدهم ...

٢ ـ محمد بن عرب الهيتي :

في هذه السنة (٧٨٤ ه‍) توفي محمد بن عرب الهيتي الحسني الحنفي العراقي نزيل حماة كان فصيح اللسان ؛ عزيز الأخلاق ، وصل من العراق إلى سلمية فاتفق توجه قاضي القضاة نجم الدين عبد الرحيم

__________________

(١) سلمان ساوجي تأليف رشيد ياسمي والأنباء ج ١ وديوان ساوجي المطبوع في الهند.

(٢) دستور الوزراء ص ٣١٨.

١٨٦

البارزي إليها فأعجب به فذهب إلى حماة وقرره مشغلا في علم العربية بالجامع الكبير ، والنوري بحماة ، وانتفع به جماعة. فإن تقريره كان سهلا ، سريع المأخذ ، توفي في الطاعون (١).

حوادث سنة ٧٨٥ ه‍ ـ ١٣٨٣ م

حرب السلطان أحمد والشيخ علي :

كان السلطان أحمد بعد قتلة أخيه أعلن سلطنته مستقلا فكان كما وصفه صاحب حبيب السير سفاكا ، رديئا للغاية ، لا يستقر على حالة ... وإنما يلتمس الشغب ويتحرى التشويش دائما ، وكان قاسي القلب ، قليل الرحمة ، شديدا وجاهلا ، وله ولع بالموسيقى ... قال الغياثي : «ولما قتل أخاه السلطان حسينا استشعر بالخوف من الأمراء والأكابر الذين قتلوا أخاه. فقبض على بعضهم وقتلهم فنفرت قلوب باقي الأمراء منه وجاؤوا إلى بغداد وأقاموا الشهزاده الشيخ عليا سلطانا وتوجهوا به إلى تبريز (٢) ... وزاد في حبيب السير : أنه تواترت الأخبار في أن الشهزاده الشيخ عليا وپير علي باوك بإغراء من عادل آغا عزموا على حرب السلطان أحمد فسارع السلطان أحمد للملاقاة والحرب وتصادموا عند السبعة أنهار (هفت رود) ، وإن عمر قپچاق قد انفصل أثناء المعركة من السلطان أحمد والتجأ إلى الشيخ علي فاضطرب أمر السلطان فوقعت المغلوبية عليه وهرب من طريق خوي إلى نخچوان (٣) والتحق بقرا محمد بن تورميش (والد قرا يوسف) صاحب الموصل وكان السلطان قد تزوج بنته فاستمده وهذا اشترط شروطا وافقه السلطان أحمد عليها منها أنه ليس له أن يتقدم

__________________

(١) الدرر الكامنة ج ٤ ص ٨٤.

(٢) ص ١٨٧.

(٣) بلد بأقصى آذربيجان واسمه القديم «نشوى» ويعرف بين العامة بنخجوان أو نقجوان «مراصد الاطلاع والمعجم».

١٨٧

إذا رأى النصر دون أمر منه ، وأنه إذا فتح عليهم تكون الغنائم خالصة لهم فلا يطمع فيها ... فوافق السلطان أحمد ... وحينئذ رتب قرا محمد جيشا ونظمه كما يريد وقصد الشيخ علي فحدثت المعركة بين الفريقين ، وفي هذه المعركة قتل الشيخ علي أصابه سهم وغنم التركمان غنائم وفيرة جدا وكذا قتل پير علي باوك وإن السلطان أحمد أرسل رأسه إلى عادل آغا ليظهر له نتيجة أعماله .. ومن ثم ذهب السلطان إلى تبريز ... وفي الغياثي أنه قبل الحرب راسل خضر شاه بن سليمان شاه السلطان أحمد وكان أجل أمراء بغداد فانهزم خضر شاه وأصيب الشيخ علي بسهم فحمل إلى أخيه السلطان أحمد وبه رمق فمات وذلك عام ٧٨٦ ه‍ ... وتقرر الملك للسلطان أحمد .. وفي هذا إيضاح يوافق ما جاء في ابن خلدون ...

وجاء في الأنباء في حوادث سنة ٧٨٦ ه‍ أن شيخ علي شاه زاده .. كان من جملة الأمراء فلما قتل أحمد بن أويس أخاه حسينا في سنة ٧٨٤ ه‍ قبض على أمراء الدولة فقتلهم وأقام أولادهم في وظائفهم فنفرت منه قلوب الرعية وتمالأوا عليه وأقاموا أخاه هذا سلطانا وتوجهوا به من بغداد إلى تبريز فالتقاهم بمن معه ومعه قرا محمد بن بيرم خجا (بيرام خواجة) صاحب الموصل وهو صهره كانت بنته تحت أحمد فالتقى بمقدمة القوم فراسله خضر شاه بن سليمان شاه الإسلامي وكان أجل أمراء بغداد فانهزم خضر شاه وأصيب شاه زاده (الشهزاده علي) بسهم وحمل إلى أخيه وبه رمق فمات» ا ه.

أما صاحب حبيب السير فإنه يعين الحادث في سنة ٧٩٥ (١).

ترجمة السلطان علي :

في أواخر أيام السلطان أويس أرسل الشيخ علي الشهزاده ـ إثر

__________________

(١) حبيب السير ج ٣ ص ٨٤.

١٨٨

الغرق ببغداد ـ مع الوالي الأمير إسماعيل فكان أمير البلد إلا أنه رأى استبدادا من الأمير إسماعيل فاغتاله وأعلن ولايته على بغداد وبعد وفاة السلطان أويس استمر في ولايته ... ولما قتل الأمير إسماعيل بل بعد ذلك بمدة سار السلطان حسين من تبريز إلى بغداد فانهزم الشيخ علي ثم عاد بالوجه المار ... ولما تسلطن السلطان أحمد مال الأمراء المخالفون إليه وشوقوا الشيخ عليا لمقارعة أخيه فكانت النتيجة أن قتل في المعركة ... فكانت مدة حكمه ببغداد تقرب من عشر سنوات وترك ابنا اسمه شاه ولد.

جامع سيد سلطان علي :

مر بنا من الحوادث ما يبصر بقتلة الشيخ علي والكتب التاريخية لم تذكر أعماله التي قام بها ببغداد ومآثره فيها ولا يعلم بالتحقيق تاريخ بناء هذا الجامع إلا أنه يصادف العصر الذي بني فيه جامع مرجان والنظر إلى مأذنة كل منهما تجعلنا نقطع بأن البناء متقارب في الزمان إن لم يكن مماثلا ... ومأذنة جامع النعماني المذكور لا تختلف عنهما. على كل هذا الجامع من بناء هذه الحكومة والظاهر أنه بني لمناسبة وفاة وقد ضاعت عنا الأخبار الخاصة ولم يدون إلا ما يتعلق بالحروب والسياسة العامة وقد ذكر الأستاذ المرحوم الحاج علي علاء الدين الآلوسي في تعليقة له على كتاب كلشن خلفا عند ذكر قتلة الشيخ علي ما نصه :

«والظاهر أن شيخ علي هذا هو المنسوب إليه جامع السيد سلطان علي فإنه ولي بغداد وتوفي فيها وموضع الجامع في مرافق دار الخلافة العباسية وهو الأنسب بالسلاطين وأما ما يقال من أنه الرفاعي فذلك من الموضوعات» ا ه (١).

__________________

(١) حاشية كلشن خلفا ص ٥٠.

١٨٩

ويؤيد هذا النص ما ذكر من الاستدلال السابق ... وأن الشيخ علي أعلن نفسه سلطانا في بغداد وكان حكمها مدة ولعل اللفظ المشهور أصله (سيدي السلطان علي) فخفف بالوجه الشائع (سيد سلطان علي) وعلى كل نبدي ملاحظتنا ولا يبعد أن يظهر نص يعين الباني ...

أما الأستاذ المرحوم شكري الآلوسي فقد قال هو من مساجد بغداد القديمة مطل على دجلة من نهر المعلى المعروف موضعه اليوم بمحلة سبع أبكار أو المربعة وقد جدد عمارته السلطان عبد الحميد الثاني سنة ١٣١٠ ه‍ (١).

وأقول كانت الكتابة على باب هذا الجامع بخط عثمان ياور (٢) ومنارته من بناء عصر الجلايرية وقد هدمت في هذه الأيام أي سنة ١٣٥٣ ه‍.

أحوال بغداد ـ طورسون :

أما أهل بغداد فإنهم بعد قتلة الشيخ علي أرسلوا خبرا إلى عادل آغا بأن يبعث معتمدا ليحكم بغداد دار السلام فأجاب الطلب وأرسل الأمير تورسن (طورسون) (٣) وهو من الأمراء وابن خالة عادل آغا ليتولى إدارة بغداد ونصب قوام الدين النجفي ليقوم بوزارة بغداد ... ولما وصل الأمير طورسون إلى بغداد استقبله عبد الملك التمغاتي الذي كانت بيده

__________________

(١) تاريخ مساجد بغداد ص ٤١.

(٢) خطاط معروف من تلاميذ الخطاط الشهير سامي بك وله مخطوطات على الكاشي في مشهد الإمام الأعظم والشيخ معروف الكرخي وألواح خطية في هذه المشاهد دعاه الحاج حسن باشا والي بغداد أيام ولايته وفي أواخر أيامه عاد إلى استانبول فتوفي هناك ...

(٣) جاء في ابن خلدون ج ٥ ص ٥٥٤ بلفظ ـ برسق ـ وتكرر مرارا وليس بصحيح وإنما الصحيح ما ذكرنا نقلا عن حبيب السير وقد تكرر منه مرارا وأساسا إن هذا الاسم لا يزال معروفا إلى اليوم وينطق به عندنا ـ طورسون ـ فالترك يسمون به وإن صاحب كلشن خلفا ذكره بهذا اللفظ ورقة ٥٠ ـ ١.

١٩٠

أزمة الأمور وجاء معه الذين كانوا قد قتلوا الأمير إسماعيل فأمر حالا بقتل هؤلاء واستولى على ما بأيديهم من أموال وتقدر بعشرة آلاف تومان وكثر النهب والسلب واضطرمت نيران الفتن وأرسلت المبالغ المذكورة إلى عادل آغا ... وفي هذا السبيل جرى ما جرى مما لا يكاد يحصيه قلم .. فانتهكت حرمات واستبيحت أموال (١).

السلطان أحمد وبغداد :

جاءت الأخبار إلى تبريز فعلم السلطان أحمد بكل تفاصيلها .. وحينئذ سار توا وعلى وجه الاستعجال إلى بغداد وأن السلطان في هذه الأثناء ورد إليه شاه منصور من آل مظفر فارا من حبس القلعة واتصل به ... أما طورسون فإنه حينما علم بورود السلطان وتوجهه إلى بغداد فر منها وذهب من طريق بعقوبة فاقتفى بعض الرجال أثره وألقي القبض عليه فأمر السلطان بقتله وقتل قوام الدين النجفي وقتل بعض من أوجس منهم خيفة وأعاد الشاه منصور إلى حاكمية تستر كما كان سابقا وقضى السلطان الشتاء في بغداد وفي موسم الربيع من سنة ٧٨٥ ه‍ نصب الخواجة يحيى السمناني حاكما على بغداد وعاد هو إلى تبريز (٢) ...

وقد وردت هذه الوقعة في ابن خلدون بما نصه :

«ثم سار أحمد إلى بغداد وقد كان استبدّ بها بعد مهلك الشيخ علي الخواجة عبد الملك (التمغاتي) من صنائعهم بدعوة أحمد ثم قام الأمير عادل في السلطانية بدعوة أبي يزيد (أخي السلطان أحمد) وبعث إلى بغداد قائدا اسمه برسق (صحيحه تورسون) ليقيم بها دعوته فأطاعه عبد الملك وأدخله إلى بغداد ثم قتله برسق (تورسون) ثاني يوم دخوله واضطرب البلد شهرا ثم وصل أحمد من توريز (تبريز) وخرج برسق

__________________

(١) حبيب السير.

(٢) حبيب السير ج ٣ ص ٨٤ وروضة الصفا ج ٥ ص ٧٥.

١٩١

(تورسون) القائد لمدافعته فانهزم وجيء به إلى أحمد أسيرا فحبسه ثم قتله وقتل عادل بعد ذلك وكفي أحمد شره وانتظمت في ملكه توريز (تبريز) وبغداد وتستر والسلطانية وما إليها واستوثق أمره فيها ثم انتقض عليه أهل دولته سنة ٧٨٦ ه‍ ...» ا ه (١).

ملحوظة :

كان أبو يزيد ابن السلطان أويس مع الأمير عادل قد مالا إلى شاه شجاع وبالمفاوضة والمخابرات السياسية تمكن السلطان أحمد من استعادة أخيه أبي يزيد إليه إلى بغداد وأمنه فأعيد كما أن عادل آغا انتهز فرصة مجيء تيمور لنك فذهب إليه وجعله حاكما على تبريز ثم قتله ... وكان عادل آغا ممن انتقض عليه من أهل دولته بالوجه الذي ذكره ابن خلدون ... وسيجيء البحث عن ذلك.

الركب العراقي

وفيها ـ سنة ٧٨٥ ه‍ ـ أخبر جماعة من الركب العراقي وصلوا إلى مكة أنه كان قد تجهز ركب كبير من شيراز والبصرة والحسا فخرج عليهم قريش ابن أخي زامل ومعه ثمانية آلاف نفس وكل معهم أموال كثيرة لؤلؤ وجوهر وذهب وفضة فنهب جميع ما معهم وقتل منهم خلقا ومن سلم رد إلى بلاده ماشيا عريانا وبعضهم حضر إلى مكة صحبة الركب العراقي على الصفة المذكورة. وأما ركب العراقيين فلم يمكنهم قريش من السفر حتى جمعوا له عشرين ألف دينار حسابا عن كل حمل خمسة دنانير ذكر ذلك ابن قاضي شهبة ومثله المقريزي في السلوك وأن مبشيري الحاج المصري هم المخبرون بذلك. بين ذلك كله الصديق الأستاذ مصطفى جواد وقال : قريش هذا ابن أخي زامل بن عيسى بن عمر بن مهنا من آل فضل الطائي وورد أيضا زامل بن موسى بن عساف (عيسى).

__________________

(١) ج ٥ ص ٥٤.

١٩٢

١٩٣

١٩٤

وفيات

١ ـ عبد الله بن خليل الأسداباذي :

هو جلال الدين البسطامي نزيل بيت المقدس ، ولد ببغداد وصحب الشيخ علاء الدين العسفي البسطامي لما قدم من خراسان فلازمه وسلك طريقه وصحبه إلى الشام ثم إلى بيت المقدس وترك ما كان فيه ببغداد وكان قد قرأ واشتغل وأعاد بالمدرسة السلطانية للشافعية فترك وظائفه ووقف كتبه على الطلبة واستمرت إقامته ببيت المقدس مقبلا على أنواع المجاهدة والرياضة وله رسالة معروفة فيها آداب حسنة وكانت وفاته في المحرم سنة ٧٨٥ ه‍ (١).

مدرسة الخواجة مسعود بن سديد الدولة وعمارته :

إن الخواجة مسعود بن سديد الدولة كان من أكابر بغداد فأسس مدرسة وأسواقا (عمارة) في غاية الحسن جعلها وقفا على المذاهب الأربعة على صفة المستنصرية ووقف عليها الأوقاف الكثيرة والخطوط التي على جدران المدرسة بيده ودار الكتب أكثرها بخط يده وكان يكتب خطا حسنا وكتب اسمه على جدران المدرسة بهذه العبارة «وكتبه مسعود ابن منصور بن أبي الهارون نسبا الشافعي مذهبا» وكان يتصل بهارون أخي موسى بن عمران وكان أبوه يلقب سديد الدولة وكان دينه القديم اليهودية وله جاه عند السلاطين ثم أسلم ...

ولما مات سديد الدولة عن مال كثير ورثه ولداه داود ومسعود ثم مات داود واستولى مسعود على الجميع ثم اقتضى رأيه أن يعمر هذه المدرسة فابتدأ بعمارتها في أيام السلطان أويس وانتهت في أيام السلطان

__________________

(١) الدرر الكامنة ج ٢ ص ٢٥٩.

١٩٥

أحمد ولما تمت استدعى السلطان لينظرها وفرشوا تحت أرجله الديباج من مسافة ثلاثمائة ذراع والخواجة بهادر مملوك الخواجة مسعود على كتفه قربة السقاء مملوءة من الدراهم ينثرها تحت أرجله وأما باقي الولائم والتقاديم فلا يحصى شرحها ولم يكن الخواجة مسعود وزيرا وإنما كان من أعيان البلد ...

وقال بعض الشعراء من جملة قصيدة يمدح بها الخواجة ويصف المدرسة :

وللقراءات في الأسحار هينمة

كالورق ما بين تسجيع وتغريد

أضحت مزامير داود ولا عجب

أن المزامير تتلى عند داود

يشير إلى أن المدفون في المدرسة هو داود (١) ...

اليهود في هذا العصر :

قد مضى القول في المجلد الأول عن اليهود وعن سديد الدولة وما حصل عليه من المكانة. ولكن لم يذكر عن إسلام أولاده أثناء بيان الحوادث ولعل الوقائع الماضية لها دخل في قبول الإسلامية ، وإن الثراء وصل إليه من تلك السلطة أو المكانة التي حصلوا عليها ..

إن تلك الحوادث التي جرت على اليهود بعد أن نالوا المنزلة الكبيرة في الدولة أخفتت صوتهم ولم نسمع عنهم ما يستحق الذكر لعدم العلاقة بمصالح الحكومة والتدخل في سياستها فأهملوا ولم يظهر لهم صوت إلا بعد أزمان طويلة سنعرض لذكرها في حينها.

__________________

(١) تاريخ الغياثي ص ١٨٥.

١٩٦

حوادث سنة ٧٨٦ ه‍ ـ ١٣٨٤ م

الانتقاض على السلطان أحمد ـ خروج تيمور لنك :

في سنة ٧٨٤ ه‍ ظهر الأمير تيمور لنك بمظهر الفاتح العظيم في تركستان وبخارى وسائر بلاد ما وراء النهر وخرج في جموع من المغول والتتر وساقها نحو خراسان ودامت حروبه إلى عام ٧٨٧ ه‍.

وكان في أيام خروج تيمور لنك من وراء النهر انتقض على السلطان أحمد أهل دولته عام ٧٨٦ ه‍ وسار بعضهم وهو الأمير عادل آغا إلى السلطان تيمور فاستصرخه فأجاب صريخه وبعث بالعسكر معه على تبريز فأجفل عنها السلطان أحمد إلى بغداد واستبد بها ذلك الثائر وعاث تيمور لنك في تبريز وآذربيجان وخربها وجاء إلى أصفهان وطلائعه وافت تخوم العراق فأرجف الناس منه وأعاد إلى الذاكرة وقائع جنكيز وأولاده وكانت حروبه بآذربيجان مع التركمان سجالا ثم تأخر إلى ناحية أصفهان وجاءه الخبر بظهور خارج عليه وهو قمر الدين فعاد إلى مملكته عام ٧٨٧ ه‍ وخفي خبره إلى سنة ٧٩٥ ه‍ ... وانفرد السلطان أحمد ببغداد وأقام بها (١) ...

وقد ذكر في الحديث عن أولية تيمور من هذا الكتاب وموضح أيضا في الضوء اللامع ... (٢).

وفيات

١ ـ محمد بن مكي العراقي :

توفي في هذه السنة محمد بن مكي العراقي كان عارفا بالأصول

__________________

(١) ابن خلدون ج ٥ ص ٥٥٤.

(٢) الضوء اللامع ج ١ ص ٥٢.

١٩٧

والعربية فشهد عليه بدمشق بانحلال العقيدة واعتقاد مذهب النصيرية واستحلال الخمر الصرف وغير ذلك فضربت عنقه بدمشق في جمادى الأولى وضربت عنق رفيقه عرفة بطرابلس وكان على معتقده» (١).

٢ ـ الشيخ شمس الدين الكرماني :

الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف بن علي بن عبد الكريم الكرماني الشافعي نزيل بغداد ولد في ١٦ جمادى الآخرة سنة ٧١٧ ه‍ واشتغل بالعلم فأخذ عن والده ثم حمل عن القاضي عضد الدين ولازمه اثنتي عشرة سنة وأخذ عن غيره ، ثم طاف البلاد ودخل مصر والشام والحجاز والعراق ، ثم استوطن بغداد وتصدى لنشر العلم بها نحو ثلاثين سنة وكان مقبلا على شأنه معرضا عن أبناء الدينا. قال ولده الشيخ تقي الدين يحيى : كان متواضعا بارا لأهل العلم وسقط من علية فكان لا يمشي إلا على عصا منذ كان ابن أربع وثلاثين سنة. قال ابن حجي : صنف شرحا حافلا على المختصر ، وشرحا مشهورا على البخاري وغير ذلك وحج غير مرة وسمع بالحرمين ودمشق والقاهرة ، وذكر أنه سمع بجامع الأزهر على ناصر الدين الفارقي ، وذكر الشيخ ناصر الدين العراقي أنه اجتمع به في الحجاز وكان شريف النفس مقبلا على شأنه ، وشرح البخاري بالطائف وهو مجاور بمكة وأكمله ببغداد ، وتوفي راجعا من مكة بمنزلة تعرف بروض مهنا في سادس عشر المحرم ونقل إلى بغداد فدفن بها وكان اتخذ لنفسه قبرا بجوار الشيخ أبي إسحق الشيرازي وبنيت عليه قبة ، ومات عن تسع وستين سنة (٢).

__________________

(١) الشذرات ج ٦ والأنباء ج ١ ، في حوادث هذه السنة وسنة ٧٨١ ه‍.

(٢) الشذرات ج ٦. والدرر الكامنة ج ٤ ص ٣١٠ ، والأنباء في حوادث هذه السنة.

١٩٨

١٩٩

النصيرية

هؤلاء من الغلاة القائلين بإلهية الإمام علي ، وهم لم ينقطعوا من العراق ، ولا يزالون إلى اليوم ويعرفون ب (النصيرية) وأسماء أخرى ، يخفون عقائدهم ويتكتمون كثيرا. ويظن لأول وهلة أنهم مسلمون ، ويظهرون أحيانا الشعائر الإسلامية خوفا ، فلا يبعد أن يقوم بعضهم مثل المترجم المذكور أعلاه فيجاهر بمعتقده فيفتضح أمره ، ويناله ما يناله .. والروح الإسلامية لا تزال شديدة وقوية في هذا العصر ، لا تسمح لأحد بمخالفة أساساتها بعقيدة زائغة ... وقد اتفقت الفرق الإسلامية بأن هؤلاء خارجون عن الملة ..

وليس من موضوعنا التعرض لأكثر من بيان تلخيص في معرفة تطور هذه العقيدة وهي منتشرة في أنحاء العراق المختلفة .. ومن المؤسف أن لم نعثر لهم على مؤلفات واضحة وصريحة تعين معتقدهم تفصيلا .. ولكن العلماء بحثوا وذكروا بعض معتقداتهم. ومن أوضح أساسات عقائدهم الاعتقاد (بعبادة الأشخاص) وأهمها الاعتقاد بإلهية الإمام علي وأولاده ... واشتهروا باسم (النصيرية). و(العلي اللهية) ، و(المشعشعين) ، و(القزلباشية) ، و(الشبك) وغيرهم ... ومن عقائدهم التناسخ والحلول أو الاتحاد.

ونذكر بعض النصوص الخاصة بالنصيرية وبالعلي اللهية لنتبين أن المعتقدات الأخرى لا تفترق إلا بالأسماء .. وهذا ما قاله السمعاني :

«النصيرية ... نسبة لطائفة من غلاة الشيعة يقال لهم النصيرية ... ينتسبون إلى رجل اسمه نصير وكان في جماعة قريب من ١٧ نفسا ، وكانوا يزعمون أن عليا هو الله. كان زمن علي فحذرهم ، وقال : إن لم ترجعوا عن هذا القول ؛ وتجددوا إسلامكم عاقبتكم عقوبة ما سمع مثلها في الإسلام ، ثم أمر بأخدود ، حفر في رحبة جامع الكوفة فأشعل فيه

٢٠٠