موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٢

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٢

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

أحمد بن أويس إلى بغداد ودفع له حين السفر خمسمائة ألف درهم (قيمتها ٢٠ ألف دينار) وخمسمائة فرس و٦٠٠ حمل ، وجهزه أحسن جهاز فخرج في مستهل شعبان وسار في ١٣ وسار معه عدة من الأمراء الكبار إلى أطراف البلاد ، ثم صحبه سالم الدوكاري ، ثم جهز السلطان كمشيغا وعدة من الأمراء إلى حلب ... ثم توجه بعدهم في أول ذي القعدة فدخلها في العاشر وأقام إلى عيد الأضحى ورجع إلى الديار المصرية في الثاني عشر منه ...

وذكر أحمد بن أويس في كتابه للسلطان أنه لما وصل إلى ظاهر بغداد خرج إليه نائب تمر وقابله فأطلق المياه على عسكر ابن أويس فأعانه الله وتخلص ...

زبيد ـ طيىء :

في هذه السنة مات عامر بن ظالم بن حيار بن مهنا غريقا بالفرات ومعه ١٧ نفسا من آل مهنا في وقعة بينه وبين عرب زبيد ، وقتل معه خلق كثير جدا ... ومن هنا نجد علاقة الخصومة حدثت في هذه الأيام ، ولم يتكدر ما بينهما من أيام المغول إلى هذا الحين ...

قبائل زبيد (١) :

من أعظم القبائل العراقية ، لا تقل عددا عن القبائل الأخرى ، منتشرة في أنحاء عديدة من هذا القطر ، وبمجموعات لها شأنها

__________________

(١) ورد ذكر قبيلة بني عزة في الجامع المختصر لابن الساعي ، وفي كتب تاريخية مثل عشائر العرب للبسام ، وتاريخ نجد للأستاذ الآلوسي ، وعنوان المجد في تاريخ بغداد والبصرة ونجد ، وجزيرة العرب ، وقلب الجزيرة ... ومنهم الآن في نجد ، وفي القدس عند حدود شرقي الأردن ، وفي العراق في غالب ألويته في ديالى ، وكركوك ، والموصل ، والدليم ، والحلة ، وبغداد ، والكوت والتفصيل في عشائر العراق.

٢٤١

ومكانتها ... إلا أن السياسة العشائرية كانت مكتومة ، أو غير واضحة ، وكانت الحكومات ترضى من العشائر بالقليل ؛ وأحيانا بالطاعة الاسمية ... أو استخدام البعض على الآخر ... وكذا هذه القبائل لا أمل لها في التدخل بمقدرات المملكة ولا ترغب أن تكون رمية الأغراض فقد رأت في عصور مختلفة تلاعبات جمة يقصد منها الاستعانة بها للتسلط ، أو الحصول على السلطة من هذا الطريق ...

وزبيد في هذا العصر نراهم في سورية مع قبيلة طيىء ، وبصورة منفردة ، وفي الفرات الأعلى ، وفي مواطن كثيرة ... ويتكون منهم شطر كبير في العراق ... وقد حافظوا أحيانا على اسمهم (زبيد) بالتصغير ، أو اكتسبوا أسماء أخرى ، وبينهم من ينتسب رأسا إلى (زبيد الأكبر) وهم العبيد والجبور والدليم وزبيد الذين في لواء الحلة وبينهم من يمت إلى (زبيد الأصغر) وهم العزة وغالب من يمت إلى زبيد الأصغر في أنحاء بغداد ولواء ديالى وعمرو بن معدي كرب الزبيدي من أبطال فتح العراق من زبيد الأصغر ... (١) وللكلام على قبائل زبيد بتفصيل محل آخر ...

حوادث سنة ٧٩٧ ه‍ ـ ١٣٩٤ م

السلطان أحمد في بغداد :

إن والي بغداد الخواجة مسعود الخراساني دامت إدارته في بغداد مدة ... ولما رأى السلطان أحمد أن قد سنحت له الفرصة استفاد من غياب الأمير تيمور في حروبه (٢) مع توقتامش في صحراء القفجاق عاد

__________________

(١) عنوان المجد ص ١٤٥ و١٥٠ و١٥٥ ، ونهاية الأرب في أنساب العرب ص ٢٢٣ وغيرها ..

(٢) تقويم الوقائع عام ٧٩٧ ه‍ وكلشن خلفا ورقة ٥٠ ـ ١.

٢٤٢

إلى بغداد فوجد الوالي نفسه أمام أمر واقع فلم يستطع المقاومة إذ جاء السلطان أحمد بجيش عظيم. ففر الوالي من بغداد وحينئذ دخلها السلطان أحمد ... وكان الأمير زاده ميران شاه ابن الأمير تيمور حاكما بتبريز فأمر إذ ذاك بحصار قلعة النجا (١) وفيها السلطان طاهر ابن السلطان أحمد وجماعة من خواصه وأمواله وذخائره فمكث مدة في حصارها ...

وجاء في روضة الصفا أن بغداد كان فيها الخواجة محمود السبزواري فتركها وتوجه إلى أنحاء البصرة وتمكن السلطان في بغداد سنة ٧٩٩ ه‍ والتخالف بين النصين ظاهر في حين أننا نرى كلشن خلفا يؤيد أن الوقعة جرت بالوجه المنقول سابقا فرجحناه لأن الوقائع التالية ومحاربته مع الشهزاده أميران شاه جاءت بعد هذا الحادث كما أن وفاة ابن العاقولي (٢) تعين تاريخ مجيئه وكلها تنطق بصحة هذا التاريخ.

ملحوظة :

جاء في الغياثي : «أن تيمور استصفى أموال بغداد جميعها ورحل عنها يوم السبت غرة صفر ، دخل السبت وخرج السبت ... وأما السلطان أحمد فإنه لما هرب على طريق مشهد الحسين (رضه) وصل إلى الرحبة فأكرمه نعير وأنزله في بيوته ثم تحول إلى حلب ونزل الميدان وأكرمه نائبها وطالع السلطان بخبره فأذن له في دخول القاهرة في سنة ٧٩٦ ه‍. وصل أحمد إلى القاهرة في شهر ربيع الأول فتلقاه الأمراء وخرج إليه السلطان إلى الربدانية وكان السلطان حينئذ برقوق فقعد بالمصطبة المبنية له هناك فترجل له السلطان أحمد من قدر رمية سهم فأمر السلطان الأمراء بالترجل له ، ثم لما قرب منه قام له فنزل من

__________________

(١) وردت في الغياثي بلفظ «النجق».

(٢) ستأتي ترجمته في حوادث الوفيات.

٢٤٣

المصطبة فمشى إليه فالتقاه وأراد أحمد أن يقبل يده فامتنع فطيب السلطان خاطره وأجلسه معه على مقعده ثم خلع عليه ، وأركبه صحبته إلى القلعة فأنزله في بيت طغا تيمور على بركة الفيل ونزل جميع الأمراء في خدمته ، ثم أرسل له السلطان مالا كثيرا وقماشا ومماليك تخدمه يقال قيمة ذلك عشرة آلاف دينار ذهبا ثم حضر الموكب السلطاني فأذن له في الجلوس ثم أركبه معه إلى الجيزة للصيد ، ثم تزوج السلطان برقوق بنت أخيه دوندي سلطان وبنى عليها قريب السفر ، ثم تجهز ... وبقي السلطان أحمد في القاهرة ... وبعد مدة طلب إجازة التوجه إلى بغداد فتوجه وحين سمع الخواجة مسعود بتوجه السلطان رحل عن بغداد ودخل السلطان أحمد ...» ا ه (١).

وباء وغلاء :

في هذه السنة وقع الوباء ببغداد وتخلى عنها أكثر أهليها فدخل سلطانها الحلة فأقام بها ، وأعقب الوباء غلاء فلذلك تحول. وكان في المحرم توجه غلمان السلطان وحريمه إلى بغداد ... (٢).

وفيات

١ ـ أبو بكر الموصلي :

في هذه السنة توفي أبو بكر بن عبد البر بن محمد الموصلي الشافعي قال في ذيل الأعلام : الشيخ الإمام القدوة الزاهد العابد الخاشع العالم الناسك الرباني بقية مشايخ علماء الصوفية وجنيد الوقت ، كان في ابتداء أمره حين قدم من الموصل وهو شاب يتعانى الحياكة وأقام بالقبيبات عند منزله المعروف زمانا طولا على هذه الحال وفي أثناء ذلك يشتغل بالعلم

__________________

(١) الغياثي ص ١٩٥.

(٢) الأنباء ج ١.

٢٤٤

٢٤٥

ويسلك طريق الصوفية والنظر في كلامهم ولازم الشيخ قطب الدين مدة واجتمع بغيره وكان يطالع أيضا كتب الحديث ويحفظ جملة من الأحاديث ويعزوها إلى رواتها وله إلمام جيد بالفقه وكلام الفقهاء فاشتهر أمره وصار له أتباع وكان شعاره إرخاء عذبة خلف الظهر ثم علا ذكره وبعد صيته وصار يتردد إليه نواب الشام ويمتثلون أوامره وسافر بآخره إلى مصر مستخفيا وحج غير مرة ثم عظم قدره عند السلطان وكان يكاتبه بما فيه نفع للمسلمين ثم إن السلطان عام أول اجتمع به في منزله وصعد إلى علية كان فيها وأعطاه مالا فلم يقبله وكان إذ ذاك بالقدس الشريف وقال في أنباء الغمر وكان يشتغل في التنبيه ومنازل السائرين وكان ولده عبد الملك يذكر عنه أنه قال : كنت في المكتب ابن سبع سنين فربما لقيت فلسا أو درهما فأنظر أقرب دار فأعطيهم إياه وأقول لقيته قرب داركم توفي بالقدس في شوال وقد جاوز الستين.

٢ ـ محمد ابن العاقولي : (مدرسة المستنصرية):

توفي غياث الدين أبو المكارم محمد بن صدر الدين محمد بن محيي الدين عبد الله بن أبي الفضل محمد بن علي بن حماد بن ثابت الواسطي ثم البغدادي الشافعي المعروف بابن العاقولي قال ابن قاضي شهبة في طبقاته : صدر العراق ومدرس بغداد وعالمها ورئيس العلماء بالمشرق مولده في رجب سنة ٧٣٣ ه‍ ببغداد ونشأ بها وسمع من والده وجماعة وأجاز له جماعة. قال الحافظ شهاب الدين بن حجي (١) كان (مدرس المستنصرية) ببغداد كأبيه وجده ودرس أيضا (بالنظامية) كأبيه

__________________

(١) ورد في الشذرات ابن صحبي وليس بصحيح وقد مضت بعض النصوص التاريخية عنه والصواب شهاب الدين أحمد بن علاء الدين حجي الدمشقي وقد مرت الإشارة إلى أن الموما إليه ممن سمع منه ابن حجر صاحب الأنباء كما ذكر في صحيفة من هذا الكتاب. فاقتضى التنبيه لئلا يلتبس الأمر. فيظن أنهما اثنان ..

٢٤٦

ودرس هو بغيرهما ، وكان هو وأبوه وجده كبراء بغداد وانتهت إليه الرياسة بها في مشيخة العلم والتدريس وصار المشار إليه والمعول عليه فهرع القضاة والوزراء إلى بابه والسلطان يخافه وكان بارعا في الحديث والمعاني والبيان وشرح مصابيح البغوي وخرج لنفسه أربعين حديثا عن أربعين شيخا وفيها أوهام وسقوط رجال في الأسانيد وكانت نفسه قوية وفهمه جيدا وكان بالغا في الكرم حتى ينسب إلى الإسراف ولما دخل تيمور لنك بغداد هرب منها مع السلطان أحمد فنهبت أمواله وسبيت حريمه وقدم الشام واجتمعنا به وأنشدنا من نظمه فلما رجع السلطان إلى بغداد رجع (١) معه فأقام دون خمسة أشهر وقال الحافظ برهان الدين الحلبي كان إماما علامة متبحرا في العلوم غاية في الذكاء مشارا إليه وكان يدخله كل سنة زيادة على مائة ألف درهم وكلها ينفقها وصنف في الرد على الشيعة في مجلد توفي في صفر ودفن بالقرب من معروف الكرخي بوصية منه. وقال ابن حجر شرح منهاج البيضاوي (في أصول الفقه) والغاية القصوى (في فقه الشافعية مختصر الوسيط للإمام الغزالي) وحدث بمكة وبيت المقدس وأنشد لنفسه بالمدينة : ـ

يا دار خير المرسلين ومن بها

شغفي وسالف صبوتي وغرامي

نذر علي لئن رأيتك ثانيا

من قبل أن أسقى كؤوس حمامي

لأعفرن على ثراك محاجري

وأقول هذا غاية الإنعام

وقد ترجمه المقريزي في كتابه السلوك في دول الملوك (٢) في

__________________

(١) في هذه إشارة إلى تاريخ رجوع السلطان بالوجه المبين سابقا ...

(٢) هذا التاريخ لتقي الدين المقريزي مفصل جدا ورأيت منه نسخة جميلة في مكتبة فاتح باستانبول تحت رقم يبتدىء من ٨٧٧ إلى ٨٨٠ وتمتد حوادثه إلى سنة ٨٤٤ ه‍ وقد ذكر المؤلف في حوادث سنة ٧٩٦ ورود كتاب تيمور إلى مصر وعين نصه كما أنه ذكر نص الجواب إليه ... فاكتفى بالإشارة لمعرفة العلاقة آنئذ بين الحكومات الإسلامية مما لا محل لإيراده مفصلا هنا ...

٢٤٧

الجزء السابع منه في حوادث هذه السنة قال : «إنه توفي يوم الأربعاء ١٦ ربيع الآخر ببغداد. وكان قدم القاهرة في الجفلة من تيمور ، وهو من علماء الشافعية» ا ه.

قال في الأنباء : «كان وقع بينه وبين أحمد بن أويس وحشة ففارقه إلى تكريت ، ثم توجه إلى حلب ، وكان إسماعيل وزير بغداد بنى له مدرسة (١) فأراد أن يأخذ الآجر من إيوان كسرى فشق على الغياث ذلك وقال هذا من بقايا المعجزات النبوية ، ودفع له ثمن الآجر من ماله.

ومن شعره :

لا تقدح الوحدة في عازب

صان بها في موطن نفسا

فالليث يستأنس في غابه

بنفسه أصبح أو أمسى

أنست في الوحدة في منزلي

فصارت الوحشة لي أنسا

سيان عندي بعد ترك الورى

وذكرهم أذكر أم أنسى (٢)

جامع العاقولي :

إن هذا الجامع من أول أمره اتخذ مدرسة لطلاب العلم بصورة محدودة. والظاهر أنه اكتسب شكل جامع ، ونال وضعه المشاهد أيام المترجم ومكانته وسخاؤه مما يجعلنا نميل إلى أنه لم ينس عمارة جده. ومنارته من بناء هذا العصر .. والآثار من النقوش والكتابات تنبىء عن صناعة هذه الأيام ... وهي من بقايا العصور السالفة فلم تمت بعد ولا تزال سوقها رائجة بعض الرواج ... ولا أدل على ذلك من نشر صور بعض الألواح ...

__________________

(١) لعلها هي المعروفة «بجامع المصلوب» وقد مر النقل عن صلبه في عمارته وحكاية ذلك مفصلا ... وهذا قد أعيد مسجدا في الأيام الأخيرة وكان محلا خربا ليس فيه آثار تنطق ببانيه أو مؤسسه ، شاهدناه كذلك مدة ثم صار مسجدا يصلي فيه الشيعة.

(٢) الأنباء ج ١.

٢٤٨

حوادث سنة ٧٩٨ ه‍ ـ ١٣٩٥ م

قتلة توقتامش خان :

في هذه السنة قتل توقتامش حان وقد تكلمنا عليه في أحوال تيمور وهو صاحب بلاد الدشت (القفجاق) ،

فاستراح تيمور من أكبر مناضل له ، شوش عليه أمره كثيرا ، وكان يخافه ، ويحذر أن يتوسع نفوذه بعد أن ناصره ، وصار يحسب له حسابه ... ولا يزال تيمور مشغولا بحروبه حتى في هذه السنة ، وكانت الحروب بينهما دامية جدا ...

قتل بعد أن انكسر من اللنك ، قتله أمير من أمراء التتر يقال له قطلوا (١). وما جاء في الضوء اللامع من أنه لا يزال حيا إلى ما بعد سنة ٨١٤ ه‍ فغير صحيح. وفيه تفصيل زائد ... (٢).

وكان توقتامش من المشاهير بين ملوك القفجاق وقد ذكرنا بعض الشيء عنهم في الحوادث السابقة. وغاية ما نقوله هنا أن تيمور لنك كان من أكبر مناصريه حبا في خضد شوكة أرص خان من ملوكهم لأنه كان من منافسيه. ولما استقل توقتامش خان بالملك وانتشرت شهرته صار يتوهم منه ويحاول وجود سبب ما لمحاربته فاتخذ وقائع آذربيجان وخراسان خير وسيلة للقيام في وجهه ... وذلك أن تيمور لنك سمع بانحلال أمر الجلايرية ، ووقوع الحروب بين أمرائهم فتعلقت نواياه بتلك المملكة ، وتمهيدا لذلك أرسل أخص معتمديه الحاج سيف الدين إلى هذه البلاد بوسيلة الحج في الظاهر وتفحص أحوال البلاد وتجسسها في الحقيقة وهو في المكانة اللائقة من الدهاء بل هو أعظم من أعان تيمور في تأسيس الملك فلما رجع أخبره أن الغنم لا راعي لها والبلاد غنيمة

__________________

(١) الأنباء ج ١.

(٢) الضوء اللامع ج ٢ ص ٣٢٥.

٢٤٩

باردة لأن ملوكها في محاربة ومقاتلة فيما بينهم فيمكن الاستيلاء عليها واحدة بعد واحدة. فلما سمع ذلك لم يشك في أنه يستولي عليها وقصد هذه البلاد. وهنا ابتدأت حروبه ، واكتسح السلطانية من أعمال تبريز ، ورجع عنها بالوجه المشروح سابقا ...

وكانت بين السلطان أحمد وبين توقتامش خان مواصلة ومراسلات ، والرسل بينهما تتردد ... وفي العام الذي شتى فيه تيمور لنك بالري كان قاضي سراي قد توجه نحو تبريز برسالة من عند توقتامش خان إلى السلطان أحمد فتبين أن السلطان أحمد في بغداد وبين أمرائه ببلاد آذربيجان مقاتلة ، وأن البلاد في هرج ومرج فأرسل إلى توقتامش يخبره بذلك ويحثه على لزوم حفظ الحدود والثغور ، وأن لا يغفل ذلك ، فأرسل توقتامش خمسين ألف فارس وأمرهم أن يقيموا هناك ... وأما القاضي فقد وصل بغداد وأدى الرسالة وبينما هو مقيم ببغداد وكان معه واحد من أولاد المغل فائق الحسن والجمال فحصل للسلطان علاقة بذلك الغلام فرجع القاضي منفعلا من هذا السلطان وأغرى توقتامش خان على ترك معاونته وحرضه على مخالفته فأرسل توقتامش عساكر كثيرة إلى دربند ، وأمرهم أن يتوجهوا إلى تبريز وأن يقبضوا على السلطان أحمد فلما وصلوا إلى تبريز وجدوها في تحصن الأمير سنتاي (مر ذكره) قائد جيش السلطان أحمد ، وبعد حصار أسبوع دخل عسكر توقتامش خان تبريز عنوة ونهبوا ما فيها ، ولم يروا السلطان أحمد فهو في بغداد وكان هو المقصود فرجعوا عنها ... واستصحبوا معهم الشيخ كمال الدين الخجندي. وكان ذلك سنة ٧٨٧ ه‍.

وهذه الوقعة أغضبت تيمور لنك ، وعدها تجاوزا على حدود منطقة نفوذه .. فاتخذها وسيلة لمخالفة توقتامش بحيث نسبه إلى كفران النعمة ونسيان الحقوق ... والتواريخ التي كتبت في أيام تيمور وبعده وفي أيام

٢٥٠

أخلافه مشت على هذه الوتيرة ... وكان لمخابرات توقتامش ومراسلاته مع ملوك مصر وقع عظيم في تقوية هذا الظن ... والصحيح يريد أن لا يزاحمه في النفوذ أحد ... ومن ثم حاربه بمحاربات عديدة مضى بيان أكثرها وآخرها هذه المرة .. وتيمور لم يهمل أمرا وإنما كان يرعى مصالحه ويلاحظ كل دقيقة فيها ولا يتهاون ... وقد فصل صاحب تلفيق الأخبار وقائع توقتامش الحربية مع تيمور وغيره إلى أن مات بالوجه المذكور وفي التواريخ الأخرى أن حادث قتله كان سنة ٧٩٩ ه‍ وهو الصحيح ... (١).

وفاة سعد بن إبراهيم الطائي :

وفي هذه السنة توفي سعد بن إبراهيم الطائي الحنبلي البغدادي قال في أنباء الغمر كان فاضلا وله نظم فمنه :

خانني ناظري وهذا دليل

لرحيل من بعده عن قليل

وكذا الركب إن أرادوا قفولا

قدموا ضوءهم أمام الحمول

حوادث سنة ٧٩٩ ه‍ ـ ١٣٩٦ م

الحرب بين أميران شاه والسلطان أحمد :

في هذه السنة توجه أميران شاه إلى بغداد وحاصرها وكان السلطان أحمد فيها فدافع عنها إلا أن أميران شاه لم يطل أمد حصاره لبغداد وإنما رجع بسرعة إلى تبريز من جهة أنه جاءته الأخبار في مخالفة بعض أعدائه له. أما تيمور فإنه كان في هذه السنة في الهند ... (٢).

__________________

(١) تلفيق الأخبار ج ١ ص ٥٨٢ : ٦٢٧.

(٢) تقويم الوقائع والغياثي.

٢٥١

السلطان طاهر ابن السلطان أحمد في بغداد :

وفي هذه السنة استفادة من غياب أميران شاه عن تبريز وصولته على بغداد خرج السلطان طاهر ابن السلطان أحمد وخواصه من الحصار في قلعة النجا (وفي الغياثي سماها النجق) بمعاونة أمراء الكرج واتصل بأبيه في بغداد ... (١).

حوادث سنة ٨٠٠ ه‍ ـ ١٣٩٧ م

السلطان أحمد في بغداد :

في هذه السنة ـ على ما جاء في الجلد الرابع والعشرين من عقد الجمان ـ كان السلطان أحمد بن أويس ملكا ببغداد. وصاحب العقد في غالب مباحثه عن هذه الأيام أسدل الستار عن بغداد ووقائعها ، وتكلم على حوادث تيمور في حلب وأنحاء سورية وفصل ذلك بكثرة ... وهو عارف بما يجري آنئذ ...

وفي هذا العهد كسابقه لم تكن للعراق علاقة مباشرة في السياسة الخارجية ، وإنما هي تعود لحكومة العراق الأصلية (الجلايرية). لأنها المسيطرة على مقدراته وبيدها الحل والعقد. وهذه تأسست لها علاقة مع مصر بسبب حوادث تيمور كما ذكر والملحوظ هنا أن العراق كان ارتباطه بالجلايرية أقوى وأكثر من سائر الحكومات ...

وفيات

وفاة تاج الدين أبي محمد عبد الله السنجاري :

في هذه السنة أو التي قبلها توفي تاج الدين أبو محمد عبد الله بن

__________________

(١) الغياثي ص ١٩٥.

٢٥٢

علي بن عمر السنجاري الحنفي قاضي صور. ولد سنة اثنتين وعشرين وتفقه بسنجار وماردين والموصل وإربل ، وحمل عن علماء تلك البلاد وحدث عن الصفي الحلي بشيء من شعره ، وقدم دمشق فأخذ بها عن القونوي الحنفي ، ثم قدم مصر فأخذ عن شمس الدين الأصبهاني وأفتى ودرس وتقدم ونظر المختار في فقه الحنفية وغير ذلك وكان يصحب أمير علي المارداني فأقام معه بمصر مدة وناب في الحكم ثم ولي وكالة بيت المال بدمشق ودرس بالصالحية وكان حسن الأخلاق ، لطيف الذات ، لين الجانب ومن شعره.

لكل امرىء منّا من الدهر شاغل

وما شغلي ما عشت إلا المسائل

توفي بدمشق في ربيع الآخر كذا في صحيفة ٣٥٨ من الشذرات وأعاد ذكره في صحيفة ٣٦٥ من الجلد السادس ومن نظمه (سلوان المطاع لابن ظفر) ...

حوادث سنة ٨٠١ ه‍ ـ ١٣٩٨ م

خلاف أمراء بغداد ـ السلطان أحمد :

قال الغياثي : إن تيمور أراد أن يحتال على السلطان أحمد بأن يقبض عليه حيا فلم يتم ما أراد وذلك أنه أرسل إليه أحد أمرائه وهو شروان (١) ، لجأ على سبيل أنه انهزم من تيمور وانضم واستصحب معه مالا كثيرا ليقسمه في أمراء السلطان خفية ليستميل به قلوبهم وليقبضوا عليه ويسلموه إلى تيمور ، دخل بغداد فتلقاه السلطان بالإعزاز والإكرام وأعطاه القبة وزنكاباد واختصه بمزيد العناية واشتغل شروان سرا يدس الأموال إلى الأمراء والمقربين من عشرة آلاف إلى ثلثمائة ألف كل على قدر مرتبته حتى لم يترك أحدا من الأمراء والمقربين إلا أعطاه شيئا

__________________

(١) جاء في روضة الصفا بلفظ «شروان شاه» ـ ص ١٠٢ ج ٦ ـ.

٢٥٣

والسلطان غافل إلى أنه ذات يوم من الأيام سقطت الورقة المفصل بها أسماء الجماعة من كاتب شروان فالتقطها شخص يقال له كورة بهادر فأوصلها إلى السلطان في حين ورود الأخبار عن عساكر تيمور أنها وصلت البندنيجين وقد هرب منها أمير علي قلندر وهو آنئذ حاكمها ودخل بغداد والسلطان قد أمر بسد أبواب بغداد إلا بابا واحدا وهو في غاية الحيرة والاضطراب وإذا بهذه الورقة أوصلت إليه ، مكتوب اسم حاملها قد خصص له عشرة آلاف دينار ، فأمر حالا بضرب عنقه ثم أرسل يادكار الأختجي إلى شروان ومعه عدة أمراء بينهم قطب الحيدري ومنصور وغيره لنهب الأويرات فجاؤوا برأسه ...

ثم قتل جميع من له اسم في تلك الورقة بحيث كان يرسل واحدا ويقول له اقتل فلانا ولك ماله وبيته فيما إذا تم الأمر حتى يرسل الآخر فيقتل ذلك القاتل وهكذا قتل الواحد تلو الآخر حتى قتل في خلال أسبوع ألفين من أمرائه وأقاربه ومقربيه وقتل عمته وفا خاتون (١) وأكثر الحرم والخدم الذين كانوا عنده ... ثم بعد ذلك غلق الباب عليه ولم يترك لأحد من الناس سبيلا إليه حتى طعامه الخاص كانوا يأتي به الياورجية ويطرقون الباب ويسلمون الطعام للخدام من الباب ويرجعون. ولما مضى على هذا الحال عدة أيام أمر ستة أنفار من الخدم المقربين بالخفية أن يأخذوا من الاسطبل سبعة خيول خاصة ويعبروها إلى الجانب الغربي وركب مع الستة أفراد وسار إلى قرا يوسف فاستنصره وقال له تعال انهب بغداد وجاء به وبعسكره بهذا الطمع على أنهم ينهبون بغداد وأنزلهم في الجانب الغربي ودخل إلى داره وندم على ما فعل فأخرج إليهم النقود والأقمشة والرخوت من خزانته والخيول والأموال الأخرى حتى أرضاهم ولم يدعهم يتعرضون بالمدينة ورحلوا إلى مواطنهم كذا في الغياثي.

__________________

(١) قال في روضة الصفا : وهي التي ربته ... «ص ١٠٢».

٢٥٤

وجاء في كلشن خلفا أن أمراء بغداد اتفقوا على دفع السلطان عنهم فلما علم بذلك قتل الكثيرين منهم ثم سار إلى ديار بكر واستعان بقرا يوسف فجاء معه إلى بغداد وألقى الهيبة والرعب في قلوب الباقين وتمكن هو ببغداد (١).

جامع الوفائية :

الظاهر من مكانة وفا خاتون أنها صاحبة الجامع المعروف اليوم (بجامع الوفائية) وهو الجامع القديم الكائن في سوق الكبابية ويرجع بالنظر إلى آثاره إلى هذا العهد واليوم بيد متولّ هو عبد اللطيف وله مرتزقة في فضلة الغلة. وإن مرور العصور حال دون اتصالهم بالواقفة .. ولكنهم أثبتوا بموجب إعلام شرعي التعامل القديم ...

قال الآلوسي في مساجد بغداد : إنه من مساجد بغداد القديمة العهد ... وسماه باسم من قام بعمارته من ولاة بغداد (مسجد الإسماعيلية). واليوم معروف ب (جامع الوفائية) كما يستفاد من حجج التولية أيضا وقد شاهدتها كما أني رأيت في وقفية (جامع علي أفندي) (٢) ذكر المدرسة (الوفائية) عند تحديد أملاك الوقف هناك ولم يرد في تاريخ مساجد بغداد بيان لهذه التسمية (٣) ...

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٥٠ ـ ١.

(٢) مساجد بغداد ص ٧٧.

(٣) كتب المؤلف تعليقا على جامع الوفائية ما يلي :

لا يسمى (جامع الوفائية) بجامع الإسماعيلية. وإنما هذا الجامع هو جامع الصاغة. وكان يسمى (جامع الإسماعيلية). وهذه التسمية متأخرة. وللتفصيل محله من كتاب (المعاهد الخيرية في العراق) ، والمجلدات التالية من تاريخ العراق.

٢٥٥

عزيز بن أردشير الاسترابادي :

قد ذكرنا مجمل ترجمته عند الكلام على (كتاب بزم ورزم) ، وكان ألفه للقاضي برهان الدين السيواسي وقد ضبط في الأنباء تاريخ وفاة هذا القاضي سنة ٨٠١ ه‍ قال : «فيها قتل القاضي برهان الدين أحمد السيواسي أمير سيواس قتله قرا يلك التركماني عثمان بن قطلبك ، قتل وسبى وغنم فرجع.» ا ه (١). وفي الدرر الكامنة والشقائق توفي في أواخر سنة ٨٠٠ ه‍.

فارق سيواس إلى مصر أثناء هذه الوقعة فتوفي بعدها ... ولم نعثر على وفاته والكتاب خير وثيقة لبيان مصاب بغداد بسلطانها أحمد وبتيمور لنك ...

قال في كشف الظنون في مادة تاريخ القاضي برهان الدين السيواسي في أربع مجلدات للفاضل عبد العزيز البغدادي ذكر ابن عربشاه في تاريخه أنه كان أعجوبة الزمان في النظم والنثر عربيا وفارسيا ، وكان نديم السلطان أحمد الجلايري ببغداد فالتمسه منه القاضي عند نزوله إليها فامتنع وأقام من يحرسه وهو يريد الذهاب فوضع ثيابه بساحل دجلة ثم غاص وخرج من مكان آخر ، ثم لحق برفقائه فزعموا أنه غرق فصار عند القاضي مقدما معظما فألف له تاريخا بديعا ذكر فيه بدء أمره إلى قرب وفاته وهو أحسن من تاريخ العتبي في رقيق عباراته ، ثم بعد وفاة القاضي رحل إلى القاهرة فتردى هناك من سطح عال ومات منكسر الأضلاع ذكره ابن عربشاه في حاشية الشقائق انتهى. ويفهم من هذا أن صاحب كشف الظنون لم ير الكتاب فقص نقله في هذه القصة ويكذبها ما جاء في نص كتاب بزم ورزم المذكور. وهو كاف

__________________

(١) الأنباء ج ١ وقد اضطرب ناشر كتاب بزم ورزم في تعيين وفاة القاضي المذكور وهنا ذكر مع القطع تاريخ الوفاة.

٢٥٦

للتعريف به ومعرفة المخالفة وقد مر النقل منه ، حكى ما شاهد ؛ ولازم السلطان أحمد فألقي القبض عليه وعفا عنه ابن تيمور. واسمه الصحيح (عزيز) لا (عبد العزيز) ...

حوادث سنة ٨٠٢ ه‍ ـ ١٣٩٩ م

ذهاب السلطان أحمد إلى العثمانيين :

كان السلطان أحمد في غاية الخوف من تيمور وكانت جواسيسه تأتيه بالأخبار دون انقطاع. ولما علم في أواخر سنة اثنتين وثمانمائة بعزم تيمور على السفر إلى سيواس توهم أن سوف يسد عليه طريق الروم وأن مصر والشام في اضطراب وتشوش ، وأن السلطان برقوق قد توفي فخشي أن يقطع عليه طريقه فذهب توّا إلى بلاد الروم (١) مع قرا يوسف وأخذ أهله وأولاده وأمواله ونفائسه فترك بغداد إلى وال يدعى (فرجا) كذا في الغياثي وفي كلشن خلفا ، وأما في روضة الصفا فقد جاء اسمه (فرخ) بتشديد الراء وتكرر مرارا وهو اسم أعجمي والتسمية به معروفة ...

وهذا دامت إمارته على بغداد إلى حين مجيء الأمير تيمور وافتتاحه لها ...

وجاء في الأنباء : «في شوال (سنة ٨٠٢ ه‍) بلغ أهل بغداد عزم تيمور لنك إلى التوجه إليهم ففر أحمد سلطانها ، واستنجد بقرا يوسف فأخذه ورجع إلى بغداد وتحالف على القتال ، وأعطاه مالا كثيرا ، فأقام عنده إلى آخر السنة ، ثم توجه هو وقرا يوسف إلى بلاد الروم قاصدين أبا يزيد بن عثمان ... فوصل اللنك إلى قراباغ في شهر ربيع الأول

__________________

(١) مملكة العثمانيين وسلطان الروم المعاصر ييلديرم بايزيد وسيأتي الكلام على حكومتهم ...

٢٥٧

وقصد بلاد الكرج فغلب على تفليس ، ثم قصد بغداد فبلغه توجه أحمد وقرا يوسف إلى جهة الشام ، وقصد بلاد قرا يوسف فعاث فيها وأفسد ، وبلغ قرا يلك حال اللنك ... فسار إليه ووقف في خدمته كالدليل ، وعرفه الطرقات ، واستقر في جملة أعوانه فدخل اللنك سيواس عنوة فأفسد فيها عسكره على العادة وخربوا فرد آخر السنة ؛ وقد كثر اتباعه من المفسدين ...» ا ه.

وهنا نرى صاحب الأنباء كرر المباحث وخلط فيها بين حوادث هذه السنة والتي بعدها فصرنا نشاهد البحث وقد سبق منه الكلام عليه ...

حوادث سنة ٨٠٣ ه‍ ـ ١٤٠٠ م

دخول تيمور بغداد :

وهذه المرة الثانية التي دخل بها تيمور بغداد. قال الغياثي : وكان يوم السبت ٢٦ ذي القعدة لسنة ٨٠٣ ه‍ بخلاف كلشن خلفا فإنه عين دخول تيمور عام ٨٠٢ ه‍ وكان قد تركها السلطان أحمد وتفصيل الخبر أن السلطان أحمد بعد أن ذهب إلى مصر عاد إلى بغداد وحينئذ فر واليها الخواجة مسعود بالوجه المذكور فدخلها ودام حكم السلطان أحمد فيها إلى سنة ٨٠١ ه‍ فتركها إلى الوالي فرج وذهب إلى ييلديرم بايزيد سلطان العثمانيين وفي هذه الأيام وافى تيمور لاستعادة بغداد وانتزاعها من أميرها المذكور ...

حاصرها الأمير تيمور بنفسه ومعه الأمير زاده سلطان خليل والشيخ نور الدين ورستم طغا فأحاطوا بها ولم يبالوا بمناعتها فدخلوها ... أما الأمير فرج فإنه لم يجد مخلصا ، وسدت السبل في وجهه فلم يستطع الدفاع فركب السفن هو وأهله وذهب إلى أنحاء البصرة ... وبينما هو

٢٥٨

كذلك إذ ألقى المغول القبض عليه ... وحينئذ توجه الجيش نحو بغداد وقتلوا الأهلين قتلا عاما ؛ فكان المصاب عظيما لا يستطيع البيان أن يعبر عن بعضه فلم يجد القوم ملجأ ، وعاث فيهم التتر فلم يبقوا ولم يذروا ، ودمرت الآثار العباسية وزالت بقاياها من البين ، ودثرت الجوامع وخربت المساجد ، وبلغ الظلم والقسوة حدهما. ودام البلاء والفتك لمدة أسبوع ثم كف عن القتل ...

والحاصل صارت بغداد في قبضته وأضاف إليها الجزائر والبصرة وولى إمارتها إلى ميرزا أبي بكر بن ميران شاه وذهب هو إلى بلاد الروم (المملكة العثمانية) (١).

وجاء في تواريخ عديدة أن تيمور بعد أن عزم إلى الروم ثنى عزمه إلى الشام فسخرها ورجع إلى قلعة آلنجق (النجا) وكان لها عشر سنوات محصورة فتوقف هناك حتى سخرها وقتل سيدي علي الأوغل شاهي الذي كان بها وأرسل جيشا إلى بغداد فامتنعت عليه ووقع الحرب بين أميرها فرخ وبينهم وجاء أمير علي قلندر من البندنيجين وغيره من الأمراء الآخرين وعبروا دجلة من قرب المدائن وسار فرخ شاه من الحلة وميكائيل من السيب فالتقوا جميعا عند صرصر واجتمع معهم مقدار ثلاثة آلاف فارس فوقعت المعركة بينهم وبين الجغتاي حوالي عمارة أمير أحمد فانكسر الجيش العراقي ... إلا أن الأمير فرخ لم يسلم المدينة وحاصر فيها وطلب أن يجيء الأمير تيمور بنفسه فبعث المغول بالخبر إلى تيمور فتوجه إليهم بنفسه من طريق آلطون كبري (٢) وچمچمال وشهرزور فجاء إلى بغداد فلم يصدق الأمير فرخ وأصر على الدوام بالحرب. وليعتقد الأمير فرخ بصحة وجود تيمور جاءهم الشيخ بشر من الصلحاء في الأعظمية فخاطب أكابر الأهلين في بغداد الحاضرين على السور فحلف لهم أن هذا

__________________

(١) كذا في كلشن خلفا وكان ذلك في سنة ٨٠٢ ه‍.

(٢) وبلفظ آلتون كوپري ومعناه قنطرة الذهب.

٢٥٩

هو تيمور بعينه فكذبوه وشتموه ورموه بالنشاب ..

فلما شاهد تيمور ذلك الحال نزل بعساكره إلى قرية العقابية وهناك نصب جسرا ومضى لجانب الرصافة فضيق الخناق وحاصر بغداد لمدة أربعين يوما فملّ الناس الحرب وضجروا من فقدان المأكول وامضّ بهم الحر ... فتركوا الحصار ودخل الجغتاي من برج العجمي وعاثوا في المدينة فقتلوا الأهلين تقتيلا فظيعا فهلك أكثر الناس ... ومن الأمراء المعروفين الذين جاؤوا معه أمير زاده خليل سلطان ومن القواد أصحاب لقب (نويان) أمير شيخ نور الدين ورستم طغاي بوقا والأمير زاده شاه رخ والأمير سليمان شاه وأمير زاده رستم وأمير شاه ملك وبرندق وعلي سلطان وغيرهم من أمراء التومان الآخرين.

أما الأمير فرخ فإنه ركب سفينة مع بعض أهله وخواصه إلا أنه تمكن الجغتاي من قتله فلم ينج منهم ...

ثم إن تيمور بعد أن فرغ من قتل الناس انتشر قومه في البلد فأحرقوا الدور وأخربوا المدارس والعمارات ... (١).

وجاء في روضة الصفا أن فتح بغداد كان بعد محاصرة دامت أربعين يوما يوم السبت ٧ ذي القعدة لسنة ٨٠٣ ه‍ وقتل خلق لا يحصى واتخذت من رؤوسهم منارات وخرج منها في العشرة الأولى من ذي الحجة إلا أنه لم يصل إلى العلماء منه ضرر ... ومن هناك زار مشهد الإمام موسى الكاظم (ر ض) ومضى إلى الحلة فزار مشهد الإمام علي (ر ض) وقضى نحو عشرين يوما تثبيتا للسطوة والسيطرة على تلك الأنحاء وعلى واسط وتجمع إليه علماء العراق وآذربيجان وغيرهم وكانت مجالسه مشغولة بالمناظرات العلمية وما ماثل .. ونرى التفصيلات عن دخوله وإقامته بالعراق وفتحه وذهابه في تاريخ روضة الصفا موافقة للغياثي وهي

__________________

(١) الغياثي وروضة الصفا وغيرهما.

٢٦٠