موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٢

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٢

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

لسلطان هراة فجمع العساكر وقصد اللنك بسمرقند فالتقوا بين سمرقند وخجند فكانت الكسرة أولا على اللنك ثم عادت له الغلبة فانتصر اللنك. دخل اللنك خجند ففر أميرها وأمر فيها بعض جنده فاستولى على بقية البلاد التي لم تكن دخلت في طاعته رهبة ورغبة. ثم دخل سمرقند فأول شيء فعله بعلي شير صاحبه الذي أعانه على مستنيبه وقسم البلد بينه وبينه أن قتله غيلة ... ثم أوقع بمن كان بسمرقند من الزعر وكان عددا كثيرا قد أسعروا البلاد وكان اللنك أعلم بهم من غيره لأنه كان يرافقهم كثيرا ، وكان إيقاعه بهم بالتدريج بطريق المكر والخديعة والحيلة إلى أن استأصلهم وكفى أهل البلاد شرهم ثم لما استقرت قدمه في المملكة خطب بنت ملك المغل وهو فرحان (١) فزوجها له وزادوا في اسمه (گورگان) فلذلك كان يكتب عنه تيمور گورگان ومعناه بلغة المغول الصهر أو الختن ثم توجه بعساكره إلى خوارزم وجرجان فصالحوه على مال ثم قصد هراة فنزل إليه ولد ملكها غياث الدين بالأمان فاستولى عليها واستصحب ملكها معه إلى سمرقند فسجنه فاستمر في سجنه إلى أن مات ، ثم قصد سجستان فنازل أهلها فتحصنوا منه مدة ثم طلبوا منه الأمان فأمنهم على شريطة أن يمدوه بما عندهم من السلاح فاستكثروا له من ذلك ليرضوه وصار يستزيدهم فبلغوا الجهد في التقرب إليه بما قدروا عليه منه فلما ظن أن غالب سلاحهم صار عنده وأن غالبهم صار بغير سلاح بذل فيهم السيف وخرب المدينة حتى لم يبق منها بعد أن رحل عنها من تقوم بهم الجمعة ولما استولى على هذه الممالك مع سعتها وشدة فتكه بأهلها توارد أمراء النواحي على الدخول في طاعته ، والوفادة عليه ومنهم خجا (خواجة) علي بن مؤيد بطوس وأمير محمد ببناورد وأمير

__________________

(١) كذا جاء في الدرر ولعله تمرخان.

١٤١

حسين بسرخس فأنزلهم نوابا في ممالكهم. وكذا جميع من بذل له الطاعة ابتداء ، ومن راسله فعصى عليه يتعذر أن يعفو عنه إذا قدر عليه ، وكان من جملة من راسله شاه شجاع صاحب شيراز وعراق العجم فبذل له الطاعة وسأله المصاهرة فزوج ابنته بابن اللنك وهاداه وهادنه واستمر على ذلك إلى أن مات في سنة ٧٧٧ ه‍ والحاصل صفت له ممالك سمرقند وولاياتها وممالك ما وراء النهر وجهاتها وتركستان وما حواليها وممالك خوارزم وما يتعلق بها ... وهذه الأخبار تعرف بأولية اللنك مجملا ... وممن نازله اللنك في هذه السنة حسين صوفي صاحب خوارزم ومات فاستقر ولده يوسف مكانه واستولى اللنك على خوارزم وخربها كدأبه في غيرها من البلاد. ولكنه مع كل هذا لم يظهر بعد بمظهر فاتح عظيم وكل ما في الباب أنه قضى على الدويلات الصغيرة في تلك الأنحاء ... وبرزت فيه آثار القدرة والدهاء والعظمة ... وإنما ذاع اسمه واشتهر صيته بعد أن قارع أكابر الملوك ودوخ الممالك على ما سنشير إليه في الوقائع المتعلقة بالعراق (١) ...

ملحوظة :

إن طقتمش (توقتامش) المذكور ولي السلطنة بعد بردي بك المذكور سابقا وكانت قد تفرقت مملكتهم إلى إمارات صغيرة ... والمعروف أنه ابن بردي بيك أو أنه من بيت الملك على اختلاف في ذلك. وفي شجرة الترك أن الأسرة المالكة انقرضت .. وكان توقتامش من أعظم ملوك التتار شوكة وأعلاهم همة ، وأحسنهم سياسة ، وأقواهم جأشا وأشدهم سطوة وبأسا وفي تلفيق الأخبار يميل إلى أنه ابن بردي

__________________

(١) الأنباء والدرر الكامنة والفوائد البهية والضوء اللامع ... أما الغياثي فقد نقل حرفيا من الأنباء ص ٢٢٣ وما يليها.

١٤٢

بيك ولما استقر له الملك صار تيمور لنك يخشى توسعه وينوي الوقيعة به خصوصا بعد أن علم بأنه قد بقي بلا مزاحم ولا معارض في ملكة الدشت (القفجاق) ... وأخذ يعده من المنافسين له ... وله وقائع أخرى مهمة مع ايدكو ملك الترك من قبيلة قونكرات (قونقرات) وملوك المسقوف ... مما لا علاقة لها بموضوعنا وهي مذكورة في تلفيق الأخبار ... وقد ترجمه صاحب الضوء اللامع وغيره (١).

حوادث سنة ٧٧٤ ه‍ ـ ١٣٧٢ م

الخواجة مرجان (والي بغداد):

في هذه السنة توفي الخواجة مرجان ، وقد مر بيان أوقافه ، وواقعة عصيانه وكان طواشيا ومن موالي السلطان أويس ، استنابه على بغداد ، ثم استوحش مرجان منه ، أو كما ذكر اضطره الأمراء فأعلن استقلاله ببغداد وجاهر بالمخالفة ...

وكان قد كاتب الأشرف صاحب مصر يخبره أنه خطب له ببغداد والتمس منه التقليد بالنيابة فأرسل إليه ذلك منه ومن الخليفة. وأرسل الأعلام والخلع ، وأذن له أن يدخل الديار المصرية إن رابه من أويس ريب ..

ثم إن أستاذه (السلطان أويس) تجهز إليه بعساكر كثيرة ، وحاصره إلى أن غلب عليه بالوجه المبسوط سابقا في حوادث سنة ٧٦٥ ه‍. قال في الدرر ويقال إنه كحله. ولكن هذا لم يثبت من المؤرخين المعاصرين. ولعل مبنى هذا الخبر الإشاعة ..

وبعد وفاة سلطان شاه خازن قرره السلطان نائبا عنه ببغداد (واليا)

__________________

(١) الضوء اللامع ج ٢ ص ٣٢٥ وتلفيق الأخبار ج ١ ص ٥٦٨ وما يليها.

١٤٣

لما علم من شهامته وحفظ الطرقات في زمانه .. وكانت الطرقات في أيام خلفه قد فسدت فلما أعيد للنيابة انصلحت فلم يزل على ذلك إلى أن مات سنة ٧٧٤ ه‍ (١) ومن خير ما وصف به الحاكم العادل ما قاله في وقفيته :

«الحاكم العادل في رعيته كالوالد الشفيق على ولده ، ألا وإن كل من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ...» ا ه.

ورغبة الناس فيه وإعادته لولاية بغداد ، ودوامه فيها إلى أن مات تدل دلالة واضحة على أنه كان من حكام العدل.

والي بغداد الجديد :

ولي وزارة بغداد إثر وفاة الخواجة مرجان الخواجة سرور. وهذا من ممدوحي الشاعر الخواجة سلمان الساوجي إلا أن هذا الوالي لم يعرف عنه من التفصيل ما يبصر بوقائعه وأيامه في بغداد وهنا نشير إلى أن صاحب (كتاب ساوجي) جعل وزارة الخواجة سرور بعد وفاة السلطان شاه خازن ولم يكن هذا صحيحا منه (٢).

وفيات

١ ـ أحمد بن رجب الحنبلي :

توفي في هذه السنة أو التي قبلها أحمد بن رجب بن حسين بن محمد بن مسعود السلامي البغدادي ، نزيل دمشق ، والد الحافظ زين الدين بن رجب. ولد ببغداد سنة ٦٤٤ ه‍ ونشأ بها ، وقرأ بالروايات ،

__________________

(١) الدرر ج ٤ ص ٣٤٥ وما مر بيانه من الحوادث وساوجي ص ٣٤.

(٢) ساوجي ص ٣٤.

١٤٤

وسمع من مشايخها ، ورحل إلى دمشق بأولاده فأسمعهم بها وبالحجاز والقدس وجلس للإقراء بدمشق ، وانتفع به ، وخرج لنفسه معجما وكان ذا خير ودين وعفاف (١) ...

٢ ـ ابن كثير المؤرخ :

هو عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير البصري (البصروي) ثم الدمشقي الفقيه الشافعي ولد سنة ٧٠٠ ه‍ ، وتفقه بجماعة ، وانتهت إليه رئاسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير وهو القائل :

تمر بنا الأيام تترى وإنما

نساق إلى الآجال والعين تنظر

فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى

ولا زائل هذا المشيب المكدر

ومن مصنفاته التاريخ المسمى (بالبداية (٢) والنهاية) والتفسير (٣) واختصر تهذيب الكمال وأضاف إليه ما تأخر في الميزان سماه التكميل ، وطبقات الشافعية وله سيرة صغيرة وغير ذلك وتلامذته كثيرون منهم ابن حجي وقال فيه : «احفظ من أدركناه لمتون الأحاديث وأعرفهم بجرحها ورجالها وصحيحها وسقيمها وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا واستفدت منه» وكانت له خصوصية بابن تيمية ومناضلة عنه توفي في شعبان ودفن بمقبرة الصوفية عند شيخه ابن تيمية رحمه الله تعالى (٤) وكان العيني صاحب عقد الجمان ينقل من تاريخه كثيرا وترجمه ترجمة واسعة. قال عنه عند ذكر مؤلفاته :

__________________

(١) الأنباء في حوادث هذه السنة ج ١ والدرر ج ١ ص ١٣٠ ، والشذرات ج ٦.

(٢) طبع سنة ١٣٥٢ ه‍ ولم يتم طبعه ، صدر منه خمس مجلدات فقط.

(٣) طبع مرات وأثنى ابن تيمية على تفسيره هذا ثناء عاطرا في فتاواه المطبوعة.

(٤) الشذرات ج ٦ والأنباء ج ١ حوادث هذه السنة.

١٤٥

«والتاريخ الذي فاق على سائر التواريخ وهو عمدة تاريخي (عقد الجمان) هذا الذي جمعته وزدت عليه من غيره ...» ا ه.

وتاريخه عمدة ومعول المؤرخين بعده ... وكنا نظن أن هذه العصور لم يكتب فيها أحد مفصلا سوى مؤرخي العجم ولما رأينا تواريخ الذهبي وابن كثير والعيني والمقريزي وابن تغري بردي وأضرابهم قطعنا في السبق لمؤرخي العرب على غيرهم وهي مرجع سائر المؤرخين ...

٣ ـ شمس الدين محمد الموصلي :

هو شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان الموصلي الشافعي نزيل دمشق ولد على رأس القرن وكتب الخط المنسوب ونظم الشعر فأجاد وكان أكثر مقامه بطرابلس ثم قدم دمشق وولي خطابة يلبغا واتجر في الكتب فترك تركة هائلة تبلغ ثلاثة آلاف دينار قال ابن حبيب عالم علت رتبته الشهيرة ، وبارع ظهرت في أفق المعارف شمسه المنيرة ، وبليغ تثني على قلمه ألسنة الأدب ، وخطيب تهتز لفصاحته أعواد المنابر من الطرب ، كان ذا فضيلة مخطوبة وكتابة منسوبة ، وجري في الفنون الأدبية ، ومعرفة بالفقه واللغة العربية ، وله نظم المنهاج ونظم المطالع وعدة من القصائد النبوية وهو القائل في الذهبي لما اجتمع به :

ما زلت بالطبع أهواكم وما ذكرت

صفاتكم قط إلا همت من طربي

ولا عجيب إذا ما ملت نحوكم

والناس بالطبع قد مالوا إلى الذهب (ي)

تصدر بالجامع الأموي وولي تدريس الفاضلية بعد ابن كثير. وقد أطنب العيني في ترجمته في المجلد الثالث والعشرين من عقد الجمان ، وفي الأنباء في المجلد الأول منه.

١٤٦

حوادث سنة ٧٧٥ ه‍ ـ ١٣٧٣ م

غرق بغداد :

في هذه السنة كان الغرق ببغداد ، زادت دجلة زيادة عظيمة وتهدمت دور كثيرة حتى قيل إن جملة ما تهدم من الدور ستون ألف دار وتلف للناس شيء كثير بسبب ذلك ويقال إنه لم يبق في بغداد عامر إلا قدر الثلث ودخل الماء في الجامع الكبير والمدارس وصارت السفن في الأزقة تنقل الناس من مكان إلى مكان ثم من تل إلى تل. ثم يصل الماء إليهم يغرقهم وجرت بسببه في بغداد خطوب كبيرة وجلا أكثر أهليها ثم عاد من عاد فصار لا يعرف محلته فضلا عن داره ...

وكانت قد زادت دجلة حتى اختلطت بالفرات فأرسلت إليها الأنهار والعيون والسحب من كل جهة وبقيت بغداد في وسط الماء كأنها قصعة في فلاة وصارت الرصافة ومشهد أحمد ومشهد أبي حنيفة وغيرهما من المشاهد والمزارات لا يوصل إليها إلا في المراكب كان قد انفتح من البستان الذي كان الخليفة اتخذه متنزها في وسط دوره فتحة على باب الأزج فتدافع أمراء بغداد في سدها ورمى ذلك بعضهم على بعض فكان الشيخ نجم الدين التستري تلك الأيام قد عزم على الحج في خمسين نفرا من الصوفية وقد هيأ من الزاد ما لا مزيد عليه فاستدعى خادمه وقال : أنفق على سد هذه الفتحة جميع ما معنا حتى الزاد ففعل ، ويقال إنه صرف عليها عشرة آلاف دينار وبلغ السلطان أويس ذلك فاستعظم همته ووعد أنه يكافيه. ثم أكرى من الملاحين على حمل رحله ورجالته من بغداد إلى الحلة وكان سفر الناس أجمعين في تلك السنة في المراكب وخرجوا في خامس شوال فلم يمض لهم إلا خمسة أيام حتى هبت ريح عاصفة قصفت سور المدينة ثم تزايد الماء فانكسر الجسر وغرقت الدور حتى إن امرأة من الخواتين ركبت من مكانها إلى كوم من

١٤٧

الكيمان بألف دينار وتقاتل الناس وذهبت أموالهم وأصبح غالب الأغنياء فقراء ثم بعد عشرين يوما نقصت دجلة وانقطع الماء فبقيت البلد كأنها سفينة غرقت. ثم نقص الماء فبقيت ملآنة بالموتى من الأهلين والدواب فجافت ونتنت وبقي الماء كأنه الصديد فوقع الفناء في الناس بأنواع من الأمراض من الاستسقاء وحمى الدق وغلت الأسعار. وكان أويس بتبريز ، فلما بلغه الخبر غضب على نوابه فالتزم الوزير عن نائبه أن يعمر بغداد من خالص ماله بشرط أن يطلق للناس العراق ثلاث سنين للزراع والمقاتلة وأن لا يطالب أحدا بدين ولا بصداق ولا حجارة ولا بحق فقبل السلطان فشرع في ذلك ونادى من أراد عمارة بيته ليجئ يأخذ دراهم ويسكن بيته بالأجرة حتى يوفي ما اقترضه ثم يصير البيت له وأخذ في عمارة السوق والسور ... هذا ما ذكره صاحب الأنباء ... وقد عين تاريخ الغياثي حادث الغرق ليلة السبت ٢٣ شوال من هذه السنة كما أن الخواجة سلمان الساوجي ذكر وقوعه في السنة المذكورة. ولكن غالب المؤرخين مشى على حدوثه في سنة ٧٧٦ ه‍ ويفسر هذا بوصول الخبر وفي تاريخ وفاة نائب بغداد عبد الغفار الآتي ذكره يشعر بذلك أيضا ...

وفي حبيب السير ذكر الغرق في سنة ٧٧٦ ه‍ وقال : طغت مياه دجلة فصار الغرق ببغداد وتهدمت عماراتها العالية ، وذهب الآلاف من دورها فصارت أنقاضا ، ومات خلق عظيم تحت الأنقاض ... فكانت الخسارة عظيمة في النفوس والفادحة لا تقدر في الأموال وعادت بغداد خرابا بعد نضارتها وزهوها. وجاء في الدر المكنون أن الغرق كان في السنة المذكورة.

وهذا المصاب يذكرنا بما هو معروف لدى الأهلين وراسخ في أذهانهم من أن بغداد بين غرق وحرق ...

١٤٨

ولاية بغداد :

جاء في الغياثي أنه كان السلطان بتبريز فوصل إليه خبر الغرق في بغداد فأسف على ذلك ، فندب أمراءه وقال من لبغداد وعمارتها ، وتكون خمس سنوات مطلقة من الخراج فقام الأمير إسماعيل ابن الأمير زكريا وقبل بذلك فسيره إليها ، وأرسل معه الشهزاده الشيخ علي ، وأنكر الأمير زكريا على ابنه الأمير إسماعيل فعله ، وقال له سوف تهلك فيها ، وكان كما قال فإن الأمير زكريا كان رجلا عاقلا لبيبا مجربا للأمور. فتوجه الأمير إسماعيل بأموال بغداد فحفر نهرانها ، وأجرى مياهها ، وزرع أراضيها ... وأسس عمارته المشهورة ببغداد ومدرسة وخانات وأسواقا على جانب دجلة الشرقي ، ولم يتفق له إتمام المدرسة.

هذا ما قاله الغياثي وكان الوالي السابق الخواجة سرور. وهذا قد توفي لما أصابه من ألم خراب بغداد كما نقل ذلك صاحب حبيب السير (١).

وفيات

١ ـ علي بن الحسن البغدادي :

توفي علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن الكلائي البغدادي الحنبلي المقرىء سبط الجمال عبد الحق ولد سنة ٦٩٨ وأجاز له الدمياطي ومسعود الحارثي وعلي بن عيسى بن القيم وابن الصواف وغيرهم. قال ابن حبيب كان كثير الخير والتلاوة وحج مرارا وجاور وخرج له ابن حبيب مشيخة (٢).

__________________

(١) حبيب السير ج ٣ ص ٨٢.

(٢) الأنباء ج ١.

١٤٩

٢ ـ نائب بغداد :

توفي عبد الغفار بن محمد بن عبد الله المخزومي الشافعي رضي الدين. اشتغل بالفقه فمهر وولي نيابة بغداد ومات في ذي القعدة بعد الغرق من هذه السنة وكان حسن الخلق والخلق ، دينا ، متواضعا (١).

٣ ـ بدر الدين محمد الإربلي : (مدرس المدرسة المرجانية)

وتوفي بدر الدين محمد بن عبد الله الإربلي الأديب الشاعر المعمر ولد سنة ٦٧٠ ه‍ ومهر في الآداب ودرس بمدرسة مرجان ببغداد ومات في جمادى الآخرة (٢).

٤ ـ إمام جامع بغداد :

توفي في هذه السنة محب الدين محمد بن عمر بن علي بن عمر الحسيني القزويني ثم البغدادي إمام جامع بغداد كان أبوه آخر المسندين بها (٣) حدث عن أبيه وغيره واشتغل بعد أبيه على كبر إلى إن صار مفيد البلد مع اللطافة والكياسة وحسن الخلق وصار يسمع البخاري ، وكل سنة يجتمع عنده خلق كثير. توفي عن نيف وستين سنة (٤).

٥ ـ بدر الدين الجيلي السنجاري :

هو حسن بن شمس الدين محمد بن سرسق بن محمد بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الجيلي. كانت له حرمة ووجاهة في أنحاء سنجار وماردين مات أبوه سنة ٧٣٩ ه‍ وقد ذكر في هذا المجلد والصحيح في اسمه أنه شمس الدين محمد بن سرسق كما ذكر هنا ،

__________________

(١) الأنباء ج ١.

(٢) الدرر الكامنة ج ٣ ، ص ٤٦٨ والأنباء ج ١ حوادث هذه السنة.

(٣) مرت ترجمته في هذا الكتاب.

(٤) الدرر الكامنة ج ٤ ص ١٠٩ ، والأنباء ج ١ حوادث هذه السنة.

١٥٠

ومات بدر الدين حسن المذكور عن سن عالية والحياليون في سنجار ينتسبون إليه ومنهم جماعة منتشرة في أنحاء بغداد وفي تاريخ اليزيدية بيان عن قرية الحيال (١).

حوادث سنة ٧٧٦ ه‍ ـ ١٣٧٤ م

وفاة السلطان :

في هذه السنة ٢ جمادى الأولى توفي السلطان بمرض السل (الدق) وكان قد لازمه من ٢٧ ربيع الآخر وقال في كتاب (سلمان ساوجي) إن موته كان من صداع لازمه من ٢٧ ربيع الآخر حتى توفي (٢).

ترجمته :

نرى ترجمته مبسوطة في حبيب السير وروضة الصفا وكلشن والغياثي والشذرات والأنباء إلا أن هذه الكتب تختلف في الكلام عنه بين سعة واختصار وقد مر بنا من الحوادث ما يبصر بترجمته سوى أننا نقول ما ذكره صاحب الدرر الكامنة بما نصه : «أويس بن حسين بن حسن بن آقبغا المغلي ثم السريري استقر في سلطنة بغداد بعد سنة ٧٦٠ ومات سنة ٧٧٦ ه‍» ا ه غير صحيح والصحيح أنه ابن الشيخ حسن بن حسين ولعل هذا غلط ناسخ ولم تعرف هذه النسبة (السروي) وصحيحها الجلايري فاقتضى التنبيه (٣).

وكذا ما جاء في الضوء اللامع من أنه (السريسري) محرف عن الجلايري (٤).

__________________

(١) الأنباء ج ١ حوادث هذه السنة.

(٢) ص ٦٢.

(٣) ص ٤١٩ ج ١.

(٤) الضوء اللامع ج ١ ص ٢٤٤.

١٥١

والغياثي اعتمد الدرر في تاريخ سلطنته كما أشرنا إلى ما قاله في هذا الباب. وفي حبيب السير أنه ذو نصفة وحصل على السلطنة بالاستحقاق وله رأفة بالأهلين وحب زائد بهم وموصوف بالعدل والتفاته واهتمامه بأهل الفضل والعلم كبير جدا وكذا بالشعراء وهو عالي الهمة ، جعل المملكة في أمن وأمان وراحة وطمأنينة كما أنه بما كان له من المآثر والميزة على غيره تمكن من ضبط العراق وآذربيجان ضبطا تاما فكانت إدارته قويمة ... وعلى كل امتدت سلطته وسطوته إلى ما وراء حدود مملكة أبيه فاستطاع أن يضم إلى ما وصل إليه من أبيه ممالك أخرى ودامت سلطنته نحو عشرين سنة (١).

وجاء في روضة الصفا أنه مرض أواخر ربيع الآخر سنة ٧٧٦ ه‍ بمرض صعب وتوفي في التاريخ المذكور آنفا ، وقبل وفاته كان قد استوصى الأمراء السلطان فيمن يخلفه وكان قد جاء إليه أركان دولته والقاضي الشيخ علي والخواجة كحجاني فحضروا عنده واستطلعوا رأيه فقال السلطنة بعدي للسلطان حسين وولاية بغداد للشيخ حسن أخيه الأكبر فأبدوا أنه لا يطيق الصبر على ذلك ولا يتحمل هذه فأحال الأمر إليهم فاتخذوا هذه الإشارة وسيلة للقبض على الشيخ حسن وتقييده ثم إن السلطان صار لا يقدر على الكلام وفي اليوم التالي في الليلة التي مات فيها السلطان قتل الشيخ حسن المذكور وجاء في عقد الجمان :

«توفي القاآن أويس بن الشيخ حسن بن حسين بن اقبغا بن ايلكان صاحب تبريز وبغداد وما أضيف إليهما. توفي في هذه السنة (سنة ٧٧٦ ه‍) وكان رأى في المنام قبل موته أنه يموت يوم كذا وكذا فخلع نفسه من الملك وولى عوضه في تبريز وبغداد ولده الأكبر الشيخ حسين واعتزل هو وصار يتشاغل بالصيد ويكثر من الصلاة والعبادة إلى الوقت الذي عينه لهم فمات

__________________

(١) حبيب السير ج ٣ جزء أول ص ٨١.

١٥٢

فيه وكان ملكا عادلا حازما ذا شهامة وصرامة منصورا قليل الشر ، كثير الخير للفقراء وأهل العلم وكان شابا ، سليما ، شجاعا ورث ملك العراق وآذربيجان عن أبيه ، وأقام في السلطنة تسع عشرة سنة ثم توفي في تبريز عن نيف وثلاثين سنة رحمه الله» (١). وفي عجائب المقدور :

«كان الشيخ أويس من أهل الديانة والكيس ، ملكا عادلا وإماما شجاعا فاضلا ، مؤيدا منصورا ، صارما مشكورا ، قليل الشر ، كثير البر ، صورته كسيرته حسنة وكانت دولته تسع عشرة سنة ، وكان محبا للفقراء ، معتقدا للعلماء والكبراء ، وكان قد أبصر في منامه ، وقت موافاة حمامه ، فاستعد لحلول فوته ، ورصد نزول موته ، وخلع من الملك يده ، وولاه حسينا ولده .. ونبذ دانيه ودنياه ، وأقبل على طاعة مولاه واستعطفه إلى الرضى ، والعفو عما مضى ، ولازم صلاته وصيامه ، وزكاته وقيامه ، ولا يزال يصلي ويصوم ، حتى أدركه ذلك الوقت المعلوم ، فأظهر سره المصون ، وتلا إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، فدرج على هذه الطريقة الحسنة ، وقد جاوز نيفا وثلاثين سنة ...» ا ه (٢) وقال في أنباء الغمر في أبناء العمر :

«كان محبا في الخير والعدل ، شهما ، شجاعا ، عادلا ، خيرا ، دامت ولايته ١٩ سنة ، وقد خطب له بمكة ، راسل عجلان بن رميثة صاحب مكة بمال جليل ، وقناديل ذهب وفضة للكعبة ، وخطب باسمه عدة سنين ، عاش ٣٧ سنة (كذا) قيل إنه رأى في النوم أنه يموت في وقت كذا فخلع نفسه من الملك وقرر ولده حسين بن أويس ، وصار يتشاغل بالصيد ويكثر العبادة فاتفق موته في ذلك الوقت بعينه ، وكتب إلى المؤرخ حسن بن إبراهيم القيسي الحصيني أنه كان استدعى ولده لذلك فاتفق موته قبل وصوله إلى بغداد .. وله من الأولاد حسن وحسين

__________________

(١) عقد الجمان ج ٢٣.

(٢) عجائب المقدور ص ٤٦.

١٥٣

وأحمد وعلي وغيرهم ، وأكبرهم حسن» ا ه (١) ومثله في تاريخ الغياثي وفي الشذرات ما يقرب من هذا ... وقد رثاه الخواجة سلمان الساوجي بقصيدة فارسية ... وكان في أيامه قد مدحه جملة من الشعراء أمثال الخواجة سلمان المذكور وشرف رامي والخواجة محمد عصار ، وعبيد زاكاني (٢) ، وناصر النجاري وغيرهم من فصحاء عصره ... ومن العلماء شمس منشي بن هندوشاه النخچواني (٣) وغيرهم ممن مضى ذكرهم ... وهؤلاء من أدباء العجم وعلمائهم ..

وفي أيامه حدثت عمارات مهمة منها ما لا يزال باقيا إلى اليوم ، وأصاب الناس رغد في العيش ورفاه وراحة لو لا أن تنغص في بعض الحوادث المارة ...

النقود في أيامه :

إن النقود المضروبة في أيام السلطان أويس والموجودة اليوم أكثر مما هو معروف عن عهد والده بينها الفضية والذهبية ... ومنها ما ضرب سنة ٧٦٢ ه‍ في بغداد ، ونرى في أحد وجهيها (لا إله إلا الله محمد رسول الله) داخل دائرة بخط كوفي ، وشكل مربع كتب في أضلاعه (أبو بكر ، عمر ، عثمان ، علي) وفي الوجه الآخر سنة الضرب وأنه ضرب في بغداد بصورة مربعات في وسطها السلطان الأعظم ، أويس بهادر ، خلد الله ملكه في ثلاثة أسطر.

__________________

(١) المجلد الأول في حوادث هذه السنة.

(٢) عبيد هذا توفي سنة ٧٧٢ ه‍ وهو الخواجة نظام الدين عبيد الله القزويني ويمت إلى أصل عربي وترجمته في تذكرة الشعراء لدولتشاه السمرقندي.

(٣) صاحب صحاح العجم في اللغة الفارسية قدمه للخواجة غياث الدين محمد ، وفي أيام السلطان أويس ألف «دستور الكاتب في تعيين المراتب» في قواعد الإنشاء وأصول الكتابة كان أمره الخواجة غياث الدين به فلم يتم في عهده. ووالده صاحب تاريخ «تجارب السلف» ترجم به تاريخ الفخري المسمى «منية الفضلاء» سنة ٧٢٤ ه‍.

١٥٤

وباقي النقود منها ما هو مضروب في السنة المذكورة أيضا في بغداد ، والشكل واحد إلا أن كتابته لا تختلف كثيرا عن سابقتها ، وهكذا يقال عما ضرب في البصرة في السنة المذكورة ، وفي الحلة وفي تبريز وفي همذان وقد ضربت نقود باسمه أيضا في شيراز ولا تختلف عن سابقاتها إلا في أوصاف السلطان والدعاء له ومن النقود ما هو مضروب سنة ٧٧٠ ه‍ ، عثر على قطعة ذهبية منها ، وأخرى مضروبة سنة ٧٦٢ ه‍ وثالثة لم يتعين تاريخها وكلها من ضرب بغداد. وفي هذه كتب اسم السلطان بحروف مغولية ـ أو يغورية (١) ...

السلطان جلال الدين حسين بهادر خان

جلوسه :

السلطان جلال الدين حسين بهادر خان هو ابن السلطان أويس. ولي باتفاق من الأمراء وأركان الدولة ، وجلس على سرير السلطنة في تبريز وكان آنئذ شابا .. هنأه الخواجة سلمان الساوجي بقصيدة فارسية في غاية البلاغة ... وأول ما قام به من الأمور أن قرر وضع والده ، وأبقى الحالة كما كانت. نقل ذلك صاحب حبيب السير (٢). وقد مر الكلام عن العهد له بالسلطنة من أبيه السلطان أويس ... ولكن صاحب الأنباء قال : «أكبر أولاده حسن ، قتله الأمراء خشية من شره وسلطنوا حسينا لضعفه فتشاغل باللهو واللعب ، يخطف النساء من الأعراس وغيرها فقتلوه أيضا ...» ا ه (٣).

__________________

(١) مسكوكات قديمة إسلامية قتالوغي قسم ثالث لمحمد مبارك ص ١٩٤ ـ ١٩٩ ومسكوكات إسلامية تقويمي لأحمد ضيا ص ٩٧ ـ ٩٨.

(٢) حبيب السير ج ٣.

(٣) الأنباء ج ١ حوادث هذه السنة.

١٥٥

ضرب النقود باسمه :

وفي هذه السنة ضربت النقود باسمه «جلال الدين حسين بهادر خان».

وعثر له على نقود أخرى تاريخها سنة ٧٨٣ ه‍ ضربت في بغداد منها سكة ذهبية موجودة في المتحفة البريطانية وباقي النقود فضية لا يقرأ تاريخها وهي من مضروبات بغداد ، وبعضها لا يعرف محل ضربه لملس فيها (١) ...

وفيات

١ ـ إبراهيم بن عبد الله البغدادي :

نزيل دمشق ، وهو شيخ زاوية البدرية تجاه الأسدية ظاهر دمشق ، وكان خيرا ؛ معمرا ، صالحا ، مثابرا على الخير. مات في ربيع الآخر (٢).

٢ ـ جمال الدين السرمري :

توفي في هذه السنة جمال الدين أبو المظفر يوسف بن محمد بن مسعود بن محمد بن علي بن إبراهيم العبادي ثم العقيلي السرمري الحنبلي الشيخ العالم المفنن الحافظ ولد في رجب سنة ست وتسعين وستمائة وتفقه ببغداد على الشيخ صفي الدين عبد المؤمن وغيره ثم رحل إلى دمشق وتوفي بها ومن تصانيفه نظم مختصر ابن رزين في الفقه ونظم الغريب في علوم الحديث لأبيه نحو من ألف بيت ، ونشر القلب الميت بفضل أهل البيت ، وغيث السحابة في فضل الصحابة ، والأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة ، وعقود اللآلي في الأمالي ، وعجائب الاتفاق ، والثمانيات.

قال ابن حجي رأيت بخطه ما صورته مؤلفاتي تزيد على مائة مصنف كبار وصغار في بضعة وعشرين علما ذكرتها على حرف المعجم

__________________

(١) مسكوكات إسلامية قتالغي قسم الثالث ص ٢٠٠ ـ ٢٠١.

(٢) الأنباء ج ١.

١٥٦

في الروضة المورقة في الترجمة المونقة وقد أخذ عنه ابن رافع مع تقدمه عليه وحدث عنه وذكره الذهبي في المعجم المختص وأثنى عليه توفي في جمادى الأولى (١).

٣ ـ الأمير حيار :

وهو الأمير حيار بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة ...

أمير آل فضل توفي في هذه السنة (سنة ٧٧٦ ه‍) بنواحي سلمية عن بضع وستين سنة وتولى عوضه أخوه الأمير قارا (٢) وفي الأنباء : استقر ولده بعده (٣).

حوادث سنة ٧٧٧ ه‍ ـ ١٣٧٥ م

قصد السلطان بيرام بيك وقرا محمد التركماني :

في موسم الربيع من هذه السنة سار السلطان نحو الخواجة بيرام (٤) بيك وقرا محمد التركماني فأزاحهما واستولى على بعض القلاع التي دخلت في تصرفهما ثم إنه حصلت مفاوضات في الصلح فتم على أن أمراء التركمان يقدمون له تقدمة في عشرين ألفا من الغنم كل سنة فقبل بذلك وعاد (٥).

ظهور دولة قرا قوينلو والاستيلاء على الموصل :

جاء في تقويم التواريخ أن دولة قرا قوينلو ظهرت في هذا التاريخ باستيلاء الخواجة بيرام على الموصل ... وهؤلاء كانوا على عهد سلاطين

__________________

(١) الشذرات ج ٦.

(٢) عقد الجمان ج ٢٣.

(٣) أنباء الغمر ج ١.

(٤) في الدر المكنون ورد لفظ بهرام بيك وهؤلاء أمراء قرا قوينلو.

(٥) حبيب السير.

١٥٧

المغول أمراء ألوس (١) (قبيلة) فلما مات السلطان أويس رأى الخواجة بيرام بيك في نفسه قوة فتغلب واستولى على الموصل بعد حصار طال مدة أربعة أشهر فأخذها بالأمان وتملك سنجار وبعض المواطن في آذربيجان ...

حروب السلطان ـ شاه شجاع :

في هذه السنة سار شاه شجاع ابن الأمير محمد بن مظفر بجيش قوي إلى أنحاء آذربيجان فالتقى مع السلطان حسين فوقعت حرب دامية ، وفيها انهزم السلطان حسين ، وبقي شاه شجاع نحو أربعة أشهر في تبريز بنشاط وطمأنينة ... ثم سمع أن شاه يحيى عزم على أخذ شيراز فاضطر أن يترك تبريز ، ويسرع في العودة ... وحينئذ نهض السلطان من بغداد وذهب توا

__________________

(١) هم أمراء القبائل الذين هم أمراء جيش والألوس معناه القبيلة وهم يقودون قبائلهم أثناء الحرب وهذه القبائل كبيرة ولها مكانتها وتوضيحا لذلك نقل الصديق الفاضل مصطفى جواد النص التالي عن مسالك الأبصار :

«قال ابن فضل الله العمري : حدثني الفاضل نظام الدين أبو الفضائل يحيى ابن الحكيم الطياري ... فأما أمر الجيش والعساكر فإلى كبير أمراء الألوس وهو المسمى بكلاري يك أي أمير الأمراء كما كان قطلو (قطلغ) شاه مع السلطانين محمود غازان وأخيه محمد خدابنده وچوبان مع ولده السلطان بو سعيد بهادر خان و(مثل) هذا القائم الآن الشيخ حسن بن حسين بن آقبغا مع قانه السلطان محمد بن طشتمر بن استمر بن عنبرجي ، وأمراء الألوس أربعة : (بكلاري يك) (كان ولا يزال إلى مده قريبة يسمى في العهد العثماني (بكلريكي) وتعني أمير الأمراء.) وثلاثة أخرى ويسمى هؤلاء الأربعة (أمراء القول) (هم الذين يسمى كل منهم عند الترك العثمانيين (قول قومانداني).) ويشترط أن يكون هؤلاء هم الذين تكتب أسماؤهم في اليراليغ والفرمانات بعد اسم السلطان ثم اسم الوزير بعدهم ... وكل ذي سيف لا يخرج أمره عن القائم بهذه الوظيفة التي هي إمرة أمراء الألوس. وكل ذي قلم ومنصب شرعي لا يخرج عن الوزارة. وطبقات الأمراء أعلاها النوين وهو أمير عشرة آلاف ثم أمير ألف ، ثم أمير مائة ، ثم أمير عشرة. هذه طبقات رتبهم ، نقص فيها ولا مزيد عليها ...» ا ه.

١٥٨

إلى تبريز ، وتمكن من إدارتها ... هذا ما ذكره صاحب حبيب السير (١).

وفي الأنباء ذكر هذا الحادث في السنة الماضية ، وأوضح أن شاه شجاع وثب على تبريز بعد موت السلطان أويس وملكها ، وأساء السيرة ، فراسل أهل تبريز السلطان حسينا فتجهز إليه في العساكر ، فلما بلغ ذلك شاه شجاع تقهقر عن تبريز ودخلها السلطان ومن معه بغير قتال (٢) ...

وفي تاريخ الغياثي أن شاه شجاع سار من شيراز إلى تبريز سنة ٧٨١ ه‍ (وفي موطن آخر منه سنة ٧٨٠ ه‍) وبعد ثلاثة أشهر انهزم شاه شجاع وعاد السلطان حسين إلى تبريز (٣). وفي هذا مخالفة للتواريخ الأخرى المعتبرة ، والمؤرخ لم يقطع في التاريخ الصحيح. وأما تاريخ محمود كيتي المعاصر فإنه يذكر الوقعة موافقا لما جاء في حبيب السير.

وذلك أن شاه شجاع كان قد تأهب للهجوم على تبريز استفادة من وفاة السلطان أويس واغتناما للفرصة ولكن لم يحصل ذلك بهذه السرعة ...

آل مظفر :

هؤلاء سبقت بعض الوقائع معهم ... وأمراؤهم سبعة كان قد ابتدأ حكمهم سنة ٧١٨ ه‍ ودام إلى ١٠ رجب سنة ٧٩٥ ه‍ ؛ ومدة إمارتهم ٧٧ سنة سواء في فارس ، أو في عراق العجم وكرمان وباميان وآذربيجان ... ولهم اتصال وثيق وعلاقات مهمة بالعراق وكثير من حوادثه ... والمعول عليه من تواريخهم تاريخ معين الدين اليزدي المتوفى سنة ٧٨٩ ه‍ (٤) ألف

__________________

(١) حبيب السير ج ٣ ص ٨٢.

(٢) الأنباء ج ١.

(٣) تاريخ الغياثي ص ١٨٦ و٢١٥.

(٤) كان من المحدثين العلماء ومن فضلاء عهد الأمير مبارز الدين محمد وابنه شاه شجاع ، اختاره الأمير مبارز الدين في سنة ٧٥٥ ه‍ للتدريس في دار السيادة في ميبد وكان واسطة عقد الصلح بين الأخوين شاه شجاع وشاه محمود ...

١٥٩

تاريخا سماه (مواهب إلهي) أو المواهب الإلهية ... وفي كشف الظنون ألفه سنة ٧٥٧ ه‍ والصحيح أن حوادثه تمتد إلى سنة ٧٦٦ ه‍. كان أتمه في أواخر أيام مبارز الدين. ولما مات قدمه إلى شاه شجاع في السنة التالية وجعله باسمه وأضاف إليه وقائع تلك السنة ..

وهذا من التواريخ الأساسية للبحث عن هذه الحكومة .. إلا أنه لا يفترق في أسلوبه عن تاريخ وصاف والعتبي فهو مملوء من الاستعارات العجيبة والعبارات الغريبة ، والإطراء الزائد ، والمدح وألفاظ التفخيم ، فطفح من الإغراق في النعوت بحيث ضاعت الفائدة أو كادت ... وباقي المؤرخين المعاصرين وإن كان قد تعرض لذكرهم مثل صاحب تاريخ گزيده ، أو ابن بطوطة ... إلا أنهم لم يستوعبوا أخبارهم ؛ ولا وسعوا في البحث عن تاريخ حكومتهم وإدارتهم. وإنما كان ذلك نصيب (محمود كيتي) فإنه من المعاصرين ، عاش معهم فدون ما يشاهد ، وسجل ما سمع من الثقات ، واستقصى أحوالهم ؛ وحرر وقائعهم من أولها إلى آخرها وأبدى عن ماضيهم الكفاية واستمر في البيان حتى انقراضهم ... كتبه سنة ٨٢٣ ه‍ وسهل به ما جاء مغلقا من كتاب المواهب الإلهية المذكور ، فلم يراع ما راعاه ؛ وإنما استعمل البساطة ، وجعل همه الوقائع وإيضاحها ... أضافه مؤلفه إلى تاريخ گزيده إلا أن النسخة الموجودة عندي من تاريخ گزيده ناقصة الأول والآخر وأما رسالة محمود كيتي فهي كاملة وصحيحة لم يمسها نقص والمطبوع من تاريخ كزيده لا يعتمد عليه لوجود أغلاط كثيرة فيه ... ونسختي الخطية نفيسة جدا وجيدة الورق والخط ، وهذه الحكومة مستوفاة المطالب هناك ولا يطمئن القلب لغيرها ، وصاحبها معاصر القوم وكان أحد موظفيهم ... وما جاء في غيرها فيتحتم التبصر فيه ... ومن الأسف أننا لم نطلع على أحوال المؤلف أكثر مما بينه في مقدمة كتابه والمفهوم منها أنه كان أبا عن جد في خدمتهم ، وأنه قص ما شاهد ، أو علم من الثقات الأكابر كتبها ـ كما

١٦٠