موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٢

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٢

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

زين الدين عمر بن أحمد الشماع المتوفى سنة ٩٣٦ ه‍ ١٥٣٠ م وسماه : (القبس الحاوي لغرر ضوء السخاوي) وكذا الشهاب أحمد بن العز محمد الشهير بابن عبد السلام المتوفى سنة ٩٣١ ه‍ ـ ١٥٢٥ م وسماه : (البدر الطالع من الضوء اللامع) واختصره الشيخ أحمد القسطلاني وسماه : (النور الساطع في مختصر الضوء اللامع) (١).

والكتاب جليل في موضوعه وهو على نسق الدرر الكامنة وفيه فوائد عن عراقيين كثيرين ولكنه لا يتكلم عليهم في الغالب إلا عرضا أو لعلاقة اتصال بهم لأنهم ذهبوا إلى أنحاء سورية ومصر. طبع في هذه الأيام (سنة ١٣٥٤ ه‍ ـ ١٩٣٦ م) في أجزاء عديدة ولم يتم طبعه لحد الآن. منه نسخة في مكتبة آل باش أعيان في البصرة والجلد الأول منه في مكتبة السيد نعمان خير الدين الآلوسي بين كتب الأوقاف.

تزك تيمور :

هو تاريخ السلطان تيمور ومذكراته الحربية والسياسية أملاها لنفسه في اللغة المغولية وترجمها إلى الفارسية أبو طالب ومن الفارسية نقلت إلى الفرنسية وطبعت سنة ١٧٨٧ م نقلها إلى لغته المستشرق المعروف الأستاذ (لانگله) (٢) ، وهذه النسخة الإفرنسية موجودة في مكتبة جامعة جنويز ومنها ترجمها مصطفى رحمي إلى التركية باسم (تيمور وتزوكاتي) طبعت عام ١٣٣٩ ه‍ وقد عولنا عليها وعلى النسخة الفارسية المطبوعة

__________________

(١) كشف الظنون ، ج ٢ ص ٨٥.

(٢) لانگله مستشرق افرنسي ولد في پيرين سنة ١٧٦٣ م وتوفي عام ١٨٢٤ م درس أغلب اللغات الشرقية وصار أستاذا للفارسية والماليزية في مدرسة اللغات الشرقية بباريس ، وعين أستاذا في أكاديمية الرقم وأمين المخطوطات الشرقية في مكتبة باريس. وترجم إلى لغته «تزك تيمور» أو «نظاماته السياسية والعسكرية» ، وله مؤلفات أخرى.

٢١

في بمبي للمرة الأولى في مطبعة فتح الكريم بتاريخ ٢٩ شعبان سنة ١٣٠٧ ه‍ وهذه النسخة مطبوعة على طبعة كلارن في لندن سنة ١٧٨٣ م.

وموضوع هذا الأثر الجليل يتضمن ما سار عليه تيمور من القوانين ، وما عمل بمقتضاه من الدساتير العملية ، وما اكتسبه من الحوادث اليومية والتجارب الشخصية ، فأوصى أن تكون هذه الأعمال خطة أولاده وأخلافه من ذريته لتعينهم في حياتهم السياسية والحربية ... وهي أشبه بما مضى عليه جنگيز من (الياساق) أو (الياسا) (١) ...

وهذه في الحقيقة نتائج أعماله في إدارته وما زاوله من المهام في حياته فهي التاريخ الصحيح المجمل والوقائع الجزئية أمثلة لها وتطبيقات لما قام به. وقد تحرينا تعريبا لهذه فلم نعثر عليه مع أنها من الوثائق المهمة للتحقيق عن حياته الصحيحة ، ولتأييد النصوص الأخرى الواردة عنه أو الطعن فيها ... وينطوي تحتها الاستفادة من الآراء ، والاستعانة بالشورى والحزم والاحتياط في إدارة المملكة ، وتدبير الأمور في السياسة الخارجية ، والاهتمام بأمور الجيش وحسن تدريبه وإدارته .. ومنها نرى أنه لم يضيع حزما ، ولا تهاون بفكرة بل راعى ما أمكنه من التدابير الصائبة.

وفي هذه وغيرها مما يفهم من مطاوي الكتاب ما يبصر بأنه لم يضع فرصة ، ولا توانى عن تسجيل ما رأى وشاهد ، أو ما صادف بالعودة إلى التفكير فيما وقع. وبهذا يكذب أعداءه والطاعنين به من أن همه السفك والنهب والقتل كأن غايته تشفية غليله من البشرية باتخاذها مجزرة له .. وإنما راعى المصلحة ، ونصب الغاية أمام عينيه فلم يتحاش

__________________

(١) فصل القضايا : صوابه لفصل القضايا الشرعية واليارغونية نسبة إلى اليارغو وهو المحاكمة على حسب القانون الجنكيزي ، واعتمادا على مواد الياسا ، وقد ورد ذكره في الحوادث الجامعة ، قاله الصديق الفاضل مصطفى جواد.

٢٢

من الركون إلى الواسطة مهما كانت قاسية ، وتمسك بالتدابير رغم فظاعة الآلة ... وفي كل هذه لم يضع رشده ، ولم يدع الفرصة ، ولا تأخر عن العمل بها عند سنوحها بلا تهاون أو توان بل لم يعرف التواني ... وإنما يحاول بكل ما أوتي من قدرة لإدراك مواطن الضعف في خصومه ، والتطلع على أحوالهم والتبصر بشؤونهم حتى الشخصي منها ليعرف قوة العلاقة بالأعمال العامة وإن كانت ترى لأول وهلة أنها ليس لها مساس بشؤون المملكة خارجا وداخلا.

وعلى كل كانت هذه الأوضاع أمامه بارزة .. فإذا غلب ناحية مال إلى الأخرى أو غلب هو على أمره من جهة ركن إلى غيرها حتى يتم الفوز ما دام هو في الحياة ... وولعه بالشطرنج يعين خطته أكثر ويفسر مذكراته هذه ...

روضة الصفا في سيرة الأنبياء والملوك والخلفاء :

تاريخ فارسي في ست مجلدات للخواجه حميد الدين محمد مير خواند ابن سيد خوارزمشاه البلخي وفي كشف الظنون أنه لمير خواند محمد بن خاوند شاه بن محمود وكان قد ولد المؤلف عام ٨٣٧ ه‍ ١٤٣٤ م في بلخ وولع في التتبعات التاريخية من صغره ثم إنه كان قد رماه الزمان وضاقت به الوسيعة فمال إلى علي شير النوائي وزير حسين بايقرا حاكم خراسان ومازندران وركن إلى مكتبته المشهورة في العالم آنئذ فصار يتردد إليها وينتفع بها ... ومن ثم وبسبب الانتساب إلى الوزير المشار إليه تعرف بفطاحل العلم هناك أمثال عبد الرحمن جلبي ، وشيخ أحمد السهيلي ، والخواجة عبد الله مرواريد والخواجه أفضل الدين محمد ، والولي الخواجة آصفي ، ودولتشاه السمرقندي (١) من أكابر العصر

__________________

(١) هذا هو صاحب تذكرة الشعراء.

٢٣

وصفوتهم ... فاتصل مؤرخنا بهؤلاء بواسطة الوزير ... ذلك ما دعا أن يزيد في تتبع هذا المؤرخ ويقوي نشاطه فصار يجهد بشوق وعشق ليس وراءهما ... كما أن الرغبة تكاثرت في الكل لحد أن الوزير نفسه استقال من الوزارة وعمد إلى العلم والتأليف ... وهكذا فعل هذا المؤرخ لكتابة تاريخه فقد أقام في تكية من تكايا هراة براحة وطمأنينة مال فيها إلى التدوين ... وهذه التكية (خانقاه خلاصية) التي أنشأها الأمير علي شير ...

سعى مؤرخنا سعيا حثيثا لإكمال تاريخه هناك ولما وصل إلى الجلد السابع منه وافاه الأجل المحتوم على حين غرة فقضى قبل أن يشرع في الجلد السابع عام ٩٠٤ ه‍ ١٤٩٨ م عن عمر ٦٧ في مدينة هراة فلم يتم تأليفه وإنما كان ذلك نصيب ابنه (غياث الدين خواندمير).

وجاء في مقدمته أن جمعا من إخوانه التمسوا تأليف كتاب منقح محتو على معظم وقائع الأنبياء والملوك والخلفاء ثم دخل الوزير مير علي شير وأشار إليه أيضا فباشره مشتملا على مقدمة وسبعة أقسام وخاتمة فالقسم الخامس منه في ظهور جنكيز وأحواله وأولاده والسادس في ظهور تيمور وأحواله وأولاده والسابع في أحوال سلطان حسين بايقرا ... فالأقسام الأخيرة منه فيها تفصيلات مهمة عن الترك والمغول والتتر ومن يليهم وأوضح الوقائع بكل سعة حتى زمان السلطان حسين بايقرا ... فهو من الكتب الجامعة المستوعبة لتواريخ كثيرة كانت قد سبقته .. وعلى كل هو خير أثر لعصرنا الذي نكتب عنه وللعصور التالية له إلى أواخر أيامه وخلاصة لما فيها من حوادث. ويعد من أفضل المراجع التي عولنا عليها .. ولا يكاد يصدق أن امرءا واحدا قام بهذا العمل الجليل .. ولا يوجه عليه لوم من ناحية أنه كتب عن الحكومة الجلايرية بإجمال فهو بعيد عنها فلا ينظر إلا إلى المباحث العمومية ومع هذا نجد فيه بعض المطالب التي قد لا نجدها في غيره .. والمؤلف على كل حال وكما يفهم من

٢٤

أسلوب كتابه تحدى جامع التواريخ ، ومؤلفات المغول التاريخية الأخرى فاتخذها أساسا ولكنه هذب ونقح ورتب أي أنه عدل في الأساليب ... واختصر وحذف ألفاظ المدح الزائد والثناء الكثير ...

اعتنى الهند والإيرانيون بطبعه عدة طبعات والأوروبيون زاد انتباههم إليه أكثر من غيره فترجموا غالب أقسامه إلى لغاتهم فكان له أكبر وقع في نفوسهم ... وهو في الحقيقة يبصر بالوقائع السابقة ويفصل القول عنها بكل سعة (١) وعندي بضعة أجزاء مخطوطة منه.

حبيب السير :

تأليف غياث الدين خواندمير بن حميد الدين مير خواند المذكور وهذا ممن نشأ على يد الوزير علي شير النوائي ودرس عليه وتخرج في مدرسة عرفانه .. ولد عام ٨٨٠ ه‍ ١٤٧٦ م وتتلمذ على الوزير المشار إليه وقد نبغ في شبابه واشتهر في حياة أبيه بالعلم والعرفان وحصل على مكانة لائقة ...

إن الوزير ساعد هذا الشاب أن يحضر المجالس العلمية. والمناقشات التي تجري في المواضيع المختلفة لما رآه فيه من الكمال والأدب الجم والعلم الواسع ولما هناك من علاقة صحبة مع والده. وقد برهن المترجم صاحب التاريخ على كفاءته ومقدرته العلمية بما أبرزه من المؤلفات النافعة ... إلا أن مجالس الوزير لم تدم طويلا كما أن هراة لم تبق مركز الثقافة ولم يطل أمد علميتها ... فالوزير توفي عام ٩٠٦ ه‍ ١٥٠٠ م فانطفأت تلك الفعالية الفكرية والقدرة العلمية ، وزالت الرغبة .. إذ إن السلطان حسين بايقرا حامي العلم والعلماء توفي بعد خمس سنوات عام ٩١١ ه‍ ١٥٠٥ م فأخذ يتقلص أمر الالتفات إلى

__________________

(١) كشف الظنون ونفس التاريخ للمؤلف وإسلامده تاريخ ومؤرخلر.

٢٥

التهذيب الفكري رويدا رويدا حتى زالت الرغبة من البين .. فإن خلفاء السلطان لم يهتموا ذلك الاهتمام كما أن الأوضاع السياسية كانت غير مساعدة ... ظهر الشاه إسماعيل فاضطربت الحالة. وساءت الأمور وزال ملك ولديه ميرزا بديع الزمان ، وميرزا مظفر حسين ...

ذلك ما دعا مؤرخنا أن يتأثر للمصاب ، ولما جرى على الحكومة التي حمته ووالده مدة لا يستهان بها. فاختار الانزواء واشتغل بالتأليف. وحينئذ شرع في إكمال الجلد السابع من روضة الصفا تأليف والده فأتمه طبق الأسلوب الذي جرى عليه والده وراعى طريقته في تأليفه ثم اختصره بتمامه باسم (خلاصة الأخبار).

ولم يقف عند هذه المؤلفات وإنما شرع بمؤلفه القيم (حبيب السير) وهذا هو الذي عقدنا له الكلام هنا وهو شاهد عيان عن أواخر العصر التاسع حتى أواسط القرن العاشر وما جرى في هذا الأوان من الحوادث في آسيا ... ومن هذه الناحية يعد كتابه من الوثائق المهمة والجليلة ... وكله تاريخ عام كتبه باسم أستاذه (كريم الدين حبيب الله الأردبيلي) ويبتدىء من الخلقة وينتهي بوفاة الشاه إسماعيل الصفوي ويحتوي على وقوعات العالم الإسلامي وله علاقة كبرى في تاريخنا عن هذا العهد فهو من المراجع المهمة ... وأهم ما فيه القسم الباحث عن موضوعنا ... جعل الأصل الذي اعتمده عين الأصل الذي عول عليه والده إلا أنه رأى الاختصار أولى ، والتلخيص أشد ، والناس لا يستطيعون مباحث مفصلة كهذه من ناحية الاستنتساخ والاقتناء والمطالعة وأضاف إليه معلومات قيمة تتعلق بعصر تيمور وما بعده إلى آخر الأيام التي كتب عنها ... طبع في الهند في مجلد ضخم يحتوي على أجزاء. وللمؤلف آثار أخرى أهمها : (مآثر الملوك) ، و(دستور الوزراء) وسيأتي ذكره ، و(أخبار الأخيار) ، و(مكارم الأخلاق) و(منتخب تاريخ وصاف) و(جواهر الأخبار) و(غرائب الأسرار). كتب هذه المؤلفات

٢٦

أيام الجدال الحربي بين الأوزبك والصوفيين ... وأكبر مساعد له على إظهار هذه الآثار المكتبات الغنية بالمؤلفات الكثيرة والمتنوعة ...

ولما لم يستطع البقاء مع فداحة الأمر ، واضطراب الحالة ترك وطنه مكرها عام ٩٣٢ ـ ١٥٢٥ م وذهب إلى (بابرشاه) الحاكم في الهند من آل تيمور فجاء إلى (اكره) ملتجئا إلى ملكها فرأى منه حسن قبول والتفات ... وكان قد أعز العلماء وأبدى لهم توجها كبيرا وعلى الأخص نال المترجم احتفاء السلطان لما رآه منه من العلم الجم والخبرة الواسعة في التاريخ وغيره .. وكذا حصل على مكانة لائقة لدى (همايون شاه) بن بابر شاه ومن ثم كتب المترجم له (همايوننامه) لما رآه منه من الالتفات الزائد والاحترام اللائق ...

وفي سنة ٩٤٢ ه‍ ١٥٣٥ م سار مع الشاه إلى كجرات فمرض في سفره ومات في الطريق فأمر السلطان أن ينقل جسده إلى دهلي ودفن في جوار أعاظم الرجال المدفونين هناك أمثال (أمير خسرو الدهلوي) و(نظام الدين أوليا) ذلك لما كان له من المكانة لديه ...

والحاصل أن هذا المؤرخ من أكابر المؤرخين لا يقل عن والده في تأليفاته التاريخية بل ربما فاقه أو أنه أتم ما قام به والده فمؤلفاته مكملة من ناحية وموضحة من أخرى ... وهي السلسلة التاريخية الموصولة بين دور المغول وبين الحكومات التالية له إلى زمانه ...

والملحوظ أن المؤلف في تاريخه حبيب السير لم يتعرض لخصوصيات العراق ، وحوادثه مما لا علاقة له بالأقطار الأخرى ... (١).

__________________

(١) نفس حبيب السير ، إسلامده تاريخ ومؤرخلر.

٢٧

دستور الوزراء :

لصاحب حبيب السير أيضا ، فارسي وموضوعه جليل جدا ، عيّن فيه الوزراء في إيران من أقدم أزمانهم إلى أيامه وفيه تعرض لبيان وزراء وملوك سيطروا على العراق وإيران معا ، تعرض لهم أثناء بحوثه. وجدنا فيه من السعة ما لم نرها في غيره أوله مصدر في هذا الدوبيت :

أي منت احسان توبر خوان همه

فضل تو بود منبع احسان همه

در روز حساب هم باذنت باشد

لطف نبوي شافع عصياه همه

تكلم فيه على الوزراء ومن أهم مباحثه كلام على ابن العلقمي ، وحسن الصباح والإسماعيلية في مصر وفي إيران والخوارزمشاهيه ، وآل مظفر ووزراء جنكيز والجلايرية وتيمور لنك والمباحث الأخيرة منه تخص موضوعنا ... وعصره قريب من أشخاص الوقائع ففائدته فيما تعرض له كبرى ومهمة جدا ... ننقل منه ما نشير إليه خلال سطور الكتاب ..

أخبار الدول وآثار الأول :

لأبي العباس أحمد جلبي بن يوسف بن أحمد الدمشقي القرماني ولد سنة ٩٣٩ ه‍ ١٥٣٣ م وتوفي سنة ١٠١٩ ه‍ ١٦١٠ م. أوله : الحمد لله على تصاريف العبر الخ. طبع على الحجر في بغداد سنة ١٢٨٢ ه‍ ١٨٦٦ م والكتاب مباحثه عامة وقد يتعرض لبعض الحوادث الخاصة من حكومات العراق التالية لحكومة المغول قال في كشف الظنون اختصره مؤلفه من تاريخ الجنابي المتوفى سنة ٩٩٩ ه‍ ١٥٩١ م وفرغ من اختصاره في صبيحة يوم السبت مستهل المحرم سنة ١٠٠٨ ه‍ ١٦٠٠ م والمؤرخ أجمل الوقائع التالية للمغول بقوله : «لم يصل إلينا خبر من تولى بعده (بعد أبي سعيد) ثم قال : اتفق المؤرخون على أنه لم يبق من بني

٢٨

هلاكو من تحقق نسبه لكثرة ما وقع فيهم من القتل غيرة على الملك ، ومن نجا طلب الاختفاء بشخصه فخفي نسبه واستمرت بحار الفتن منهم تثور وتمور ، إلى أن نبغ الأعرج تيمور ، فأهلك الحرث والنسل ، واختلط المليح بالبسل ، وحل بالعالم البأس ، وفسدت أحوال الناس» ا ه (١).

فهو يصلح أن يكون مرجعا لأيام الأمير تيمور.

مراجع أخرى :

لا مجال لإيراد جميع المراجع الجديدة التي سأعتمدها غير ما تقدم وإنما أذكر منها (تاريخ گزيده) (ونزهة القلوب) و(تاريخ محمود كيتي) و(لب التواريخ) و(ظفر نامه) وغيرها. ويأتي النقل منها وأشير هنا إلى أن المراجع منها ما ذكر في المجلد السابق مما تستمر حوادثه إلى هذه الأيام ...

الحكومة الجلايرية

حوادث سنة ٧٣٨ ه‍ ١٣٣٧ م

سلطنة الشيخ حسن الجلايري :

في هذه السنة أو التي قبلها على اختلاف في ذلك استولى الشيخ حسن الجلايري على بغداد ، فقضى على حكومة المغول في العراق وأسس حكومة جديدة فيه هي «الحكومة الجلايرية» ، وتسمى «الايلگانية» أيضا ، ولما كان أول ملوكها الشيخ حسن المذكور قيل لها «الشيخ حسنية».

والشيخ حسن هذا (٢) هو ابن حسين كوركان ويقال له الأعرج

__________________

(١) راجع ص ٢٨٨ منه.

(٢) أغفل صاحب الدرر الكامنة اسم حسين والد الشيخ حسن كما أنه في ترجمة أويس قلب الوضع وسمى الجد أبا ، والأب جدا ومثله في كتابه أنباء الغمر عند ذكر وفاة السلطان أويس.

٢٩

(زوج بنت أرغون خان) ابن آقبغا (آق بغا) بن ايلگا نويان الجلايري ، ونسبة إلى ايلكا نويان المذكور يقال لحكومتهم «الايلگانية» رأس فرعهم الذي يرجعون إليه وجاء ذكره في أيام استيلاء المغول على بغداد بلفظ (ايلكو نويان) وبعضهم ذكره (ايلكان) والمعول عليه أنه بلا نون وقد مر ذكره في المجلد الأول من هذا الكتاب. وقد تشتبه هذه النسبة في النسبة إلى الحكومة الايلخانية ، والفرق واضح في أن الايلخانية تطلق على هلاكو وأخلافه لأن لقب ايلخان أعطاه منگو قاآن لأخيه هلاكو خان حينما سيره لاكتساح إيران وما جاورها ومن ثم سميت حكومته بالايلخانية (١) بخلاف هذه فإنها تمت إلى ايلكا نويان باعتباره جدا أعلى. وكان هذا في أيام هلاكو وله مكانة عنده (٢).

الحكومة الجلايرية :

جلاير قبيلة كبرى من قبائل المغول توصلت إلى الحكومة بهمة رجلها واتصاله الوثيق بحكومة المغول .. وكانت جموعها (كورن) كثيرة (٣) وتفرعت إلى فروع عديدة ، وأوشكوا أن ينقرضوا في حروبهم مع الخيتاي فلم يبق منهم سوى طائفة واحدة يقال لها (چابولغان) ، وهؤلاء كان بينهم وبين قييات حرب أدت إلى أسر قسم كبير منهم ولما تسلط جنكيز اتصل باقي الجلايرية به .. وأصلهم من المغول من أولاد (نكون) من قبيلة (دورلكين) وقد مر تفصيلها في الجلد السابق ، ولم يكن جلاير الجد الأقرب كما توهم صاحب كلشن خلفا ، وقد غلط صاحب

__________________

(١) ترك بيوكلري ص ٢٣.

(٢) كلشن خلفا ، شجرة الترك ، الغياثي.

(٣) الجمع يقال له كورن وهو ألف بيت ، وعندنا يطلق على ألف محارب على اعتبار كل بيت يخرج منه محارب ... وفي المثل العامي «قال يا محورب حورب قال تلاقت الجموع».

٣٠

الشذرات في عده ايلكا نويان بن هلاكو لأن قبيلة الجلايرية لا تتصل بآل جنكيز اتصالا قريبا وإن كان الكل من المغول ، وايلكانويان هذا هو رأس الفخذ الأقرب من هذه الطائفة أو الجد الأعلى كما تقدم وكان قد جاء مع هلاكو إلى إيران بقبيلته وافتتح بغداد معه. ومع هذا نرى الغياثي لم يقطع في أن السلطان من قبيلة الجلاير قال : «ذكر بعض المؤرخين أن أصله من جماعة الأتراك الذين يقال لهم جلاير» حالة أن التواريخ الأخرى متفقة على أنهم من قبيلة الجلاير وهكذا في دستور الوزراء يعده من الجلائر قطعا. وهذه القبيلة عارضت جنكيز خان في بادي الأمر ثم صارت له عضدا مهما وناصرا قويا .. كما أنها كانت ساعدا عظيما لحكومة هلاكو ، وأولاده وأحفاده. وذلك أن آقبغا (آق ـ بوغا) كان أمير الأمراء في زمن كيخاتو خان سلطان المغول وفي فتنة بايدو خان قتل. أما ابنه الأمير حسين فقد تزوج بنت أرغون خان وفي أيام أبي سعيد كان أمير قبيلة (ألوس) فتوفي بأجله ..

وإن ابنه الأمير الشيخ حسن حكم الروم زمن السلطان أبي سعيد وقد جرى عليه ما جرى من تطليق زوجته (١) بغداد خاتون وتزوج السلطان أبي سعيد بها بعد نكبة الچوبان وأولاده وبعد وفاة السلطان أبي سعيد ظهر التغلب وقامت الفتن فورد العراق عدة دفعات واقتحم مهالك عظمى ومخاطر كبرى في حروبه فاجتاز العقبات إلى أن تملك العراق وهو الذي يطلق عليه (الشيخ حسن الكبير) كما أنه يقال لابن الأمير جوبان (حسن الصغير). ولما انقرضت دولة أبي سعيد ولم يكن له ولد صفا الأمر لعلي باشا الاويرات أثر قتلة السلطان ارپا خان فتجاوز الاويرات (٢) حدودهم وقسوا في تعديهم ومن ثم نفر منهم جماعة مثل

__________________

(١) تاريخ المغول ص ٤٩٣.

(٢) أوضحت عن الأويرات الإيضاح الكافي في المجلد الأول من هذا الكتاب.

٣١

الحاج طغاي والحاج طوغا بك فمالوا عنهم وركنوا إلى الشيخ حسن الكبير وندبوه لدفع شرور هذه الطائفة فأنفذ الشيخ حسن رسولا إلى صورغان شير ابن الأمير جوبان وكان في كرجستان فطلبه وكلفه أن يصحب معه عساكر من الكرج فأتى إليه بعسكر عظيم. فعندها توجه الشيخ حسن بالعساكر الجمة إلى محاربة علي باشا وقمع شره فوقع الحرب بينهما في نهار السبت ١٧ ذي الحجة سنة ٧٣٦ ه‍ ١٣٣٦ م وكان ابتدأ في يوم الخميس ١٥ ذي الحجة سنة ٧٣٦ ه‍ ١٣٣٦ م فخذل علي باشا واستظهر الشيخ حسن وقتل علي باشا وخلص الأمر للشيخ حسن سنة ٧٣٧ ه‍ ١٣٣٦ م (١) وفي أيامه كان أولاد الأمير جوبان من أكبر المتغلبة وكانوا قبل هذا بسبب الأمير جوبان حكاما بأطراف البلاد ، فمنهم بير حسن بن محمود بن جوبان بشيراز وأعمالها ، والملك الأشرف ابن تمرتاش بن جوبان بتبريز ومضافاتها. وقد عقدنا فصلا للمتغلبة أيام المغول في المجلد الأول فنكتفي هنا بالإشارة (٢) وكادوا يتغلبون على مملكة المغول لو لا أن عرض لهم ما عرض وعلى كل تم للشيخ حسن الأمر في بغداد وتمكن من الحكم فيها بلا مزاحم تقريبا ، أو تغلب على غيره. وتزوج دلشاد وكانت من قبل لدى علي باشا الاويرات تدعي الحمل من أبي سعيد ، وكانت من أحب النساء للسلطان أبي سعيد وهي بنت الأمير دمشق ابن الأمير جوبان تزوج بها فتمكن من أخذ حيفه منه بالتزوج بها بعد مماته فقد كان أكرهه على تطليق زوجته بغداد خاتون وقال الغياثي : «ومن الغرائب أن الأمير حسينا والد الشيخ حسن كان قد تزوج بغداد خاتون بنت الأمير جوبان عمة دلشاد خاتون فبلغ أبا سعيد حسنها فانتزعها منه فشاء الله تعالى أن جلس ولده موضع أبي سعيد وتزوج امرأته دلشاد خاتون» ا ه.

__________________

(١) الغياثي عن الهداية.

(٢) تاريخ العراق ، المجلد الأول.

٣٢

والصحيح أن الشيخ حسن هو الذي انتزعت زوجته وأرغم على تطليقها فكان أن قدر تزوجه بزوجة أبي سعيد دلشاد خاتون ... (١) وهذا كاف للتعريف بهذا السلطان الذي كان يعد في أول أمره متغلبا فاستقر له ولأعقابه الملك مدة ...

غلاء في الموصل وبغداد :

في هذه السنة كان الغلاء في الموصل وبغداد (٢). ولهذه الفتن دخل فيه كما هو المعهود من أن الغلاء يتولد إثر هكذا وقائع ينشغل الناس فيها وينصرفون عن الزراعة وما ماثل ...

ملحوظة :

عد كثيرون تاريخ استقلال الشيخ حسن الكبير سنة ٧٤٠ ه‍ ولم يعتبروا أيام التغلب فقالوا الاعتداد بتاريخ إعلانه السلطنة لنفسه لا التزامه من يمت إلى هلاكو بنسب ... (٣) ، وآخرون اعتمدوا على تاريخ سنة ٧٣٧ ه‍ ١٣٣٦ م وهو تاريخ تخلص العراق. وفي كلشن خلفا كان ذلك عام ٧٣٨ ه‍ ١٣٣٧ م وعليه عولنا فإنه مؤرخ عراقي وأعرف بمراجعه. وأما غالب المؤرخين من الترك العثمانيين فقد عوّلوا على سنة ٧٣٦ ه‍ من جهة الحادثة الحاسمة بين علي باشا الاويرات وبين الشيخ حسن وقعت في ذي الحجة من هذه السنة فعدوها مبدأ الحكم. ولكل وجهة .. (٤).

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٤٨ ـ ١ وابن بطوطة ص ٣٨.

(٢) الدر المكنون.

(٣) مر في المجلد الأول الكلام على المتغلبية.

(٤) الدر المكنون ، تقويم التواريخ ، كتاب المسكوكات : أحمد ضياء وكتاب المسكوكات القديمة الإسلامية : محمد مبارك.

٣٣

وفيات

١ ـ يحيى بن عبد الله بن عبد الملك الواسطي :

هو أبو زكريا الواسطي كان فقيه العراق في زمانه. ولد سنة ٦٦٢ ه‍ وتفقه على والده وسمع من الفاروثي ، وأجاز له ابن أبي الدنية ، وعبد الصمد بن أبي الجيش وغيرهم. حدث ببغداد ودرس في المدرسة البرانية بواسط. وله مصنف في الناسخ والمنسوخ ، وكتاب مطالع الأنوار النبوية في صفات خير البرية. قال الذهبي برع في الفقه وكان يقال في حقه فقيه العراق في زمانه. مات بواسط في ربيع الآخر سنة ٧٣٨ ه‍ (١).

٢ ـ قطب الدين إبراهيم بن إسحق بن لؤلؤ :

حفيد صاحب الموصل. نزل مصر وسمع من ابن حلاق والنجيب وغيرهما وحدث. مات في ٢٤ شوال سنة ٧٣٨ ه‍ (٢).

٣ ـ محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطي :

الشيخ القدوة ناصر الدين ابن شيخ الحرامية أبي إسحق وقد تقدم ذكر أخيه أحمد في المجلد السابق وعاش هذا بواسط إلى سنة ٧٣٨ ه‍ ومات عن نيف وثمانين سنة. كذا في الدرر الكامنة عن سير النبلاء. وما جاء من أنه ابن شيخ الحرامية فغير صحيح والصواب ما قدمنا (٣).

__________________

(١) الدرر الكامنة ج ٤ ص ٤١٩ ، وطبقات السبكي ج ٦ ص ٢٥٠.

(٢) الدرر الكامنة ج ١ ص ١٧.

(٣) الدرر الكامنة ج ٣ ص ٢٨٤ ومعجم البلدان مادة حرامية ، ومراصد الاطلاع.

٣٤

حوادث سنة ٧٣٩ ه‍ ـ ١٣٣٨ م

توجه السلطان إلى بغداد :

لم يذكر مؤرخونا مثل صاحب كلشن خلفا والغياثي وقائع معينة لهذا السلطان مع أنه طالت حكومته في العراق كما تقدم سوى أن صاحب كلشن خلفا قال : ولما دخلت سنة ٧٣٩ ه‍ ١٣٣٨ م فر السلطان الشيخ حسن من الحروب بينه وبين الچوباني وتوجه إلى بغداد وكان الوالي فيها ابنه أويس فحكم ببغداد ولا يأتلف هذا التاريخ مع تاريخ تزوج السلطان بدلشاد خاتون وعمر السلطان أويس ليكون واليا اللهم إلا أن يكون عمره لا يتجاوز الأشهر فصار واليا .. وعلى كل هذه الأيام لا تخلو من حروب مع الخارج ومشغوليات في النزاع على السلطنة فلا يؤمل أن تدون حوادث أخرى ، ولعل الأمور جرت في أيامه على محورها فلم يقع ما يكدر صفو الأهلين وإنما جرت بطمأنينة وسلام. وهذا مستبعد جدا لما يتوضح من الوقائع الأخرى.

رسول بغداد إلى مصر :

جاء في عقد الجمان أنه «وصل رسول من بغداد ، وذكر أن الشيخ حسن وصل بغداد وطلب طغاي ، وحافظ الدين ، وضرب السكة باسم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ببغداد ، وأنه يطلب بعض أولاد السلطان ليملكوه عليهم ويكون معه بعض الجيش. فقال السلطان أولادي صغار ولكني أنا أجيء إليهم إذا وصل رسول طغاي وحافظ الدين والشيخ حسن» ا ه (١).

وفي ابن خلدون : «ويقال إنه أرسل إلى الملك الناصر صاحب مصر

__________________

(١) عقد الجمان ج ٢٣.

٣٥

بأن يملكه بغداد ويلحق به فيقيم عنده وطلب منه أن يبعث عساكره لذلك على أن يرهن فيهم ابنه فلم يتم ذلك لما اعترضه من الأحوال» ا ه (١).

وفي هذا إن صح ما يعين درجة الضعف إلا أننا لم نعثر على هذه السكة المضروبة بين نقود الشيخ حسن بالوجه الذي بينه صاحب عقد الجمان.

بين مصر والعراق :

وفي السلوك للمقريزي : «في سنة ٧٣٨ ه‍ توجه الأمير حيار بن مهنا الطائي من آل فضل في جماعته إلى بلاد العراق ، وصار في جماعة الشيخ حسن الكبير ، وأن الأمير أرتنا صاحب بلاد الروم تمكن وعظم شأنه فيها ، وأرسل رسولا إلى السلطان الملك الناصر ومعه هدية ، وسأل في رسالته أن يكون نائب السلطان ببلاد الروم ، ويضرب السكة باسم السلطان أيضا ، ويقيم دعوته ... فخلع الناصر على رسوله ، وأنعم عليه وعلى من صحبه ، وكتب له تقليد بنيابة الروم ... وازداد أرتنا بذلك عظمة ، حتى خافه الشيخ حسن أن يتفرد بمملكة الروم ، فأخذ في التأهب لمحاربته ... والتزم له حيار .. بجمع العرب فكتب له تقليدا بالإمرة ، ومع ذلك لم يستغن عن استعطاف الناصر لأنه كان في عهد تأسيس دولته ، فوصل مجد الدين إسماعيل السلامي ومعه رسل رسميون إلى القاهرة ، وقد مكنه الشيخ حسن إدامة الصلح بينه وبين السلطان الملك الناصر ، وجهز معه هدية جليلة ، وكان قد وصل إلى الناصر مستعيذا مستعينا أيضا ناصر الدين خليفة ابن الخواجة علي شاه فأكرمه السلطان ، وأنعم عليه ... وكان الشيخ حسن يهاب الأمير حسنا الجوباني مع القاآن سليمان وحاول غزوهما.

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون ج ٥ ص ٥٥٢.

٣٦

وفي صفر سنة ٧٤١ ه‍ قدم القاهرة رسول الشيخ حسن الكبير بكتاب يتضمن طلب عسكر بتسليم بغداد والموصل وعراق العجم لتقام بها الدعوة للسلطان ، وسأل أن يبعث السلطان إلى طغاي بن سوتاي في الصلح بينه وبين الشيخ حسن فأجيب إلى ذلك ووعد بتجهيز العسكر إلى تبريز ، ثم ركب الأمير أحمد قريب السلطان إلى طغاي ومعه هدية لينتظم الصلح بينه وبين الشيخ حسن ، وكان طغاي قد راسل السلطان الناصر سنة ٧٣٩ ه‍ وبعث إليه هدية وطلب مصاهرته. فجهز الناصر إليه هدية وخلع على رسوله وأصحابه وأنعم عليهم وأمرهم بالعود على أحسن حال.

وكلف الناصر رسوله المذكور أن يبلغ الملكين طغاي بن سوتاي والشيخ حسنا الكبير بما معناه «إن أردتم أن أرسل لكم جيشا لتقووا به على أعدائكم .. وتغزوا بلادهم وتضربوا باسمي السكة ، وتقيموا لي الخطبة ، وتحالفوني في السراء والضراء فأرسلوا إلي برهائن منكم ، ومن أسلم إليه الجيش على ثقة من أمري» كذا قال الشجاعي في ما نقل عنه ابن قاضي شهبة.

وخرج الأمير أحمد المذكور برسالة الناصر فوصل إلى طغاي في أواخر شهر رمضان من هذه السنة ٧٤١ ه‍ ، وطلب منه رهينة ، فأعد لذلك ولده برهشتين (كذا) وطلب منه الأمير أحمد رسلا ، فأوصلوه إلى الشيخ حسن الكبير ببغداد ، وكان مع الشيخ حسن صلغان شير بن چوبان ، فاجتمع بهما الأمير أحمد ببغداد ، واتفقوا على الصلح ، وتحالفوا ، وخطب للملك الناصر ، وأرسل الشيخ حسن رهينة من جهته ، وهو ابن أخيه إبراهيم شاه بن جلوا ، وسار الجميع ومعهم القاضي بدر الدين قاضي اربل ، والقاضي معين الدين قاضي الموصل ، وأرسل صاحب ماردين صحبتهم القاضي صدر الدين قاضي ماردين وعلى أيديهم نسخة اليمين والمهادنة ، وكان وصولهم إلى القاهرة يوم الأربعاء سادس ذي

٣٧

الحجة ، فأنزلوا بالميدان ، وأقبل عليهم السلطان إقبالا عظيما ، وقابلهم بالتبجيل ، وخلع عليهم ...

وكان من حديث الأمير حسن بن دمرداش بن جوبان أنه علم بمراسلة هؤلاء للملك الناصر فخشي أن المتحالفين ينزعون منه تبريز وغيرها ، فأرسل عمه صلغان شير إلى حسن الكبير يقول : «أنا وأنتم بنو عم ، ونحن ما عملنا معكم شيئا يوجب أن تدخلوا سلطان مصر بيننا ، والبلاد بلادكم» فمشت الرسل بينه وبينهم ، فاتفقوا وتحالفوا على الصلح وذلك بعد أن وصل رسلهم ورهائنهم المذكور إلى السلطان الملك الناصر ، وبعد أن أمر نقيب الجيش بإعداد العدد ، واستعجال السفر إلى تبريز ... في هذه التجريدة ... ورسم أن يكون خروجهم إلى تبريز في نصف ذي الحجة ... (وهناك تفصيلات).

وبينما هم في انتظار العرض ، فالحركة إذ قدم إلى القاهرة إدريس القاصد صحبة مملوك صاحب ماردين بكتابة تحقق اتفاق حسن بن دمرداش والشيخ حسن الكبير وطغاي بن سوتاي ، وأن حسنا خطب لهما على منابر بغداد والموصل ، واتفق أولاد دمرداش والشيخ حسن على أن يعبروا الفرات إلى الشام نكاية في الملك الناصر ... وكان الناصر في هذه الأيام في غاية ما يكون من المرض ... تحقق الأمر فتبين صحة الاتفاق وخيبة الناصر من بلاد العجم والعراق. (ومات السلطان بعد أيام) فأمر ذوو السلطان بتجهيز ابن طغاي ، وإبراهيم شاه ومن معهما ورجعهم إلى بلادهم فتجهزوا وساروا في صفر سنة ٧٤٢ ه‍ .. هذا ملخص قول ابن قاضي شهبة والمقريزي. قاله الصديق الأستاذ مصطفى جواد.

٣٨

وفيات

١ ـ عالم بغداد :

في هذه السنة توفي عالم بغداد صفي الدين عبد المؤمن ابن الخطيب عبد الحق بن عبد الله بن علي بن مسعود بن شمايل البغدادي الحنبلي الإمام الفرضي المتقن ولد في سابع عشري جمادى الآخرة سنة ٦٥٨ ه‍ ١٢٦٠ م ببغداد وسمع بها الحديث من عبد الصمد ابن أبي الجيش وابن الكسار وخلف وسمع بدمشق وبمكة من جماعة وتفقه على أبي طالب عبد الرحمن بن عمر البصري ولازمه حتى برع وأفتى ومهر في علم الفرائض والحساب والجبر والمقابلة والهندسة والمساحة ونحو ذلك واشتغل في أول عمره بعد التفقه بالكتابة والأعمال الدنيوية مدة ثم ترك ذلك وأقبل على العلم فلازمه مطالعة وكتابة وتدريسا وتصنيفا وإفتاء إلى حين موته وصنف في علوم كثيرة فمن مصنفاته شرح المحرر في الفقه ست مجلدات وشرح العمدة مجلدان ، وإدراك الغاية في اختصار الهداية (١) مجلد لطيف وشرحه في أربع مجلدات ، وتلخيص المنقح في الجدل ، وتحقيق الأمل في علم الأصول والجدل واللامع المغيث في علم المواريث واختصر تاريخ الطبري في أربع مجلدات واختصر الرد على ابن المطهر للشيخ تقي الدين ابن تيمية في مجلدين لطيفين واختصر معجم البلدان لياقوت وهو المعروف اليوم بكتاب (مراصد الاطلاع في الأمكنة والبقاع) ، اختصره وأضاف إليه فعرف بهذا الاسم وفصل ما قاله عن الأصل. طبع باعتناء الأستاذ جوينبول في ليدن ، وفي إيران

__________________

(١) الهداية الأصلية في فقه الحنابلة متن معتبر منه نسخة مخطوطة في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد رقم ٢٣٠٣ تأليف نجم الهدى أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلواذي.

٣٩

سنة ١٣١٥ ه‍ وله غير ذلك وخرج لنفسه معجما لشيوخه بالسماع والإجازة نحوا من ثلاثمائة شيخ وسمع منه خلق كثيرون وله شعر رائق توفي ليلة الجمعة عاشر صفر ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد (١).

٢ ـ عبد الرحمن بن عمر بن حماد الخلال :

الربعي البغدادي الحريري ولد سنة ٦٨٦ ه‍ سمع من محمد بن أحمد بن حلاوة ببغداد ومن آخرين. كان كثير التطوف وحدث بالبلاد التي دخلها حتى ذكر أنه حدث بخان بالق (بجاق) من بلاد الخطا وكان حسن الخلق كثير التلاوة وهو مولى المحدث سعيد الهذلي مات ببغداد في شعبان سنة ٧٣٩ (٢).

٣ ـ محمد بن أحمد بن علي بن غدير الواسطي :

الشيخ شمس الدين ابن غدير المقرىء أخذ القراءات عن العز والفاروثي وصحبه مدة وجاور معه بمكة وسمع من عبد الله بن مروان الفارقي وغيره وكان ماهرا في القراءات عارفا بطرقها مستحضرا ، تصدر للإقراء بجامع الحاكم وكان سيىء الخلق بذيء اللسان قال الذهبي هو من فضلاء المقرئين على مزاح فيه ولعب. وبلغني عنه سوء سيرة ، مات في ٤ المحرم سنة ٧٣٩ ه‍ (٣).

__________________

(١) الشذرات ج ٦ والدرر الكامنة ج ٢ ص ٤١٩.

(٢) الدرر الكامنة ج ٢ ص ٣٣٩.

(٣) الدرر الكامنة ج ٣ ص ٣٤٣.

٤٠