موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٢

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٢

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

النار ، وأمرهم بالرجوع فما رجعوا ، فأمر غلامه قنبرا حتى ألقاهم في النار فهرب واحد من الجماعة اسمه نصير واشتهر هذا الكفر منه .. وهذه الطائفة بالحديثة (بلدة على الفرات). سمعت الشريف عمر بن إبراهيم الحسيني شيخ الزيدية بالكوفة يقول : لما انصرفت من الشام رحلت إلى الحديثة مجتازا فسألوني عن اسمي فقلت عمر فأرادوا أن يقتلوني لأن اسمي عمر حتى قلت إني علوي ، وإني كوفي فتخلصت منهم وإلا كادوا يقتلونني ...» ا ه (١).

وحديثة هذه تسمى حديثة الفرات وحديثة النورة (٢) والآن ليس فيها نصيرية. وإنما المعروف أنهم لا يزالون في عانة في محلة الحقون .. ويحكي أهل عانة القصص الغريبة عنهم سواء في إظهار شعائر الإسلام ، أو في الأمور الخفية التي يتعاطون العبادات أو الاجتماعات فيها .. وعندهم سر (عمس) لا يحلفون به كذبا ويقصدون بالعين (عليا) ، وبالميم (محمدا) ، وبالسين (سلمان الفارسي) ... ويتقول عليهم المجاورون بعض الأمور مثل قولهم «يا أبا السعود يا أبا السعود منك خرجنا وإليك نعود» فيزعمون أنهم يجردون بنتا يخاطبون فرجها بما ذكر .. ويعزون إليهم حادث الكفيشة أو الكفشة وتنسب أيضا إلى كثيرين من أمثال هذه الطائفة بسبب التكتم من اتخاذ ليلة ساهرة تطفأ فيها الشموع ويتصل رجالهم بنسائهم ويكذبها الواقع فلا يعتمد على هكذا إشاعات ... وقد نقلت هذه العادة قديما وألصقت ببعض طوائف الغلاة كما نقل صاحب (الفرق بين الفرق) عن طائفة البابكية في جبلهم قال : «للبابكية في جبلهم ليلة عيد لهم يجتمعون فيها على الخمر والزمر وتختلط فيها رجالهم ونساؤهم فإذا أطفئت سرجهم ونيرانهم افتض فيها

__________________

(١) كتاب الأنساب ، السمعاني ص ٥٦٢ ـ ٢.

(٢) معجم البلدان في مادة حديثة.

٢٠١

الرجال النساء ..» ا ه (١) ويقصدون من ذلك أن هؤلاء إباحية .. والمعروف في أمثلة كثيرة أنهم يعتقدون بالتناسخ ويسبون الصحابة الكرام .. وفي كتاب الفرق : وتولوا عبد الرحمن بن ملجم .. وقالوا خلص روح اللاهوت من الجسد البراني .. (٢) والصارلية على هذا الاعتقاد.

وقد اشتهرت هذه الطائفة بواسط أيضا ، ومنها اشتق المشعشعون على ما يظهر .. ونظرا لعلاقة البحث سأذكر المراجع الخاصة في هذه العقيدة عند الكلام على المشعشعين لأن هؤلاء النصيرية لم يحافظوا على اسمهم بل تسموا بأسماء أخرى ففي غير العرب يقال لهم بصورة عامة (النيازية) (أصحاب النذور) لا يقيمون (شعائر الإسلام) ، ولا يقصون شواربهم. ولهم مواسم معينة لإجراء النذور وينعتون سائر المسلمين ب (النمازية) أي أهل الصلاة. واللفظة فارسية وهي (نماز) يراد بها الصلاة .. ويعين هذه العقيدة المكتومة ـ عقيدة العلي اللهية ـ ما جاء في (دبستان مذاهب) فإنه عمدة في تدوين كثير من العقائد أمثالها قال :

«عقائد العلي اللهية : في جبال المشرق بالقرب من الخطا موطن يدعى (أرنيل) وأحيانا يسمى (رمال) ويقال لملكه (باب) فأهل هذا الموطن يقولون : من المعلوم لمن تبحر في حقائق الأمور وأدرك دقائقها أن لا مجال للتقارب بين السفليين والعلويين ، ولا صلة للخلقة بين العنصريين والملكوتيين ، وأن الرابطة بين الزمانيين واللازمانيين مفقودة ، كما لا علاقة بين المكانيين واللامكانيين .. وهم جميعا مع كل ذلك مكلفون بحكم العقل والشرع بمعرفة الله تعالى ، والملائكة العلويون ،

__________________

(١) «كتاب الفرق بين الفرق ص ٢٥٢».

(٢) كتاب الفرق مخطوط عندي نسخة منه وغالبه في طائفة الإسماعيلية يتكلم عليها بسعة وينقل من مؤلفات أصحابها فهو مفيد للتعريف بهذه الطائفة ...

٢٠٢

والأنبياء السفليون لا قدرة لهم ولا طريق إلى معرفة الله تعالى على حد «ما عرفناك حق معرفتك»».

ذلك ما دعا أن يهبط تعالى من المرتبة الصرفية ودرجة البحتية والإطلاق .. ففي كل عصر ودور بمقتضى فرط لطفه يتصل بجسم من الأجسام ليبصره عباده فيمتثلوا أوامره عن معرفة فيصغوا إليها ويعملوا بموجبها ...

وقد ورد في هذا الشأن آيات وأحاديث تتعلق بالرؤية وفيها إشارة واضحة إلى ذلك. فعليه ولما كان ظهور الروحاني في صورة جسمانية أمر ممكن وقد سلم العقلاء بذلك وجاء في الأخبار عند المسلمين وتقرر أن المجرد يتيسر تمثيله فجبرائيل عليه السّلام ظهر بصورة دحية الكلبي. وكذلك تظهر الجن والشياطين بصور البشر ، فمن الأولى أن يبدو القادر المتعال للخلق بهذا التجلي ، وهكذا أفراد الناس لا يستغنون عن الاستعانة بغيرهم ...

وهذه الطائفة نظرا لتلك القاعدة المتفق عليها تقول بأنه يجب أن لا يدوم ظلم وأن ينتظم العالم ويمضي بمقتضى قوانين ثابتة وسنن دائمة ، وهذا لا يمكن أن يقوم به أحد سوى الله تعالى .. وعلى هذا قضت حكمته وإرادته أن يظهر بمظهر البشر إنفاذا لأوامره فيضع لهم الشرائع لترتيب الأمور وتنظيمها .. والعقل والنقل يؤديان إلى أنه لم يكن هناك في دور الشمس والقمر من توفرت فيه الشرائط للقيام بهذه المهمة سوى علي المرتضى ...

والحق أن النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي كان أعلم بكثير من سائر الأنبياء واجتمعت فيه كافة الصفات الحميدة التي اتصف بها الأنبياء قبله مما دعا أرباب العقول أن يروه يخرج من الجنة ويحل جسم أبي البشر فيشاهدوه بصورة آدم ، وتارة يجدونه مجسما بهيئة نوح فيصنع الفلك ، وأحيانا يبصرونه في شكل إبراهيم يلعب بالنار ، وينظرونه في لباس الكليم ناطقا

٢٠٣

لهم. ومما يؤيد ذلك قول (من عرف نفسه فقد عرف ربه) ، و(أن الله خلق آدم على صورته) .. وما آدم أبو البشر سوى المرتضى بدليل (رأيت ربي في صورة امرىء) إشارة إلى قدم الذات التي تظهر بصورة نبي في جسم رجل عظيم فذّ كما أن البصير ذكر هذه الأبيات الدالة على حيرته في الأمر :

غرض زبت شكنيها جز اين نبود بني را

كه دوش خود بكف پاي مرتضى برساند

ومعناه : لم يكن يقصد النبي من كسر الأصنام سوى أن تمس قدم المرتضى كتفه. ويقولون إن الكعبة لم تأت إلى الوجود إلا بسبب حضرته ، فإن كل دور يتصل فيه بأجساد الأنبياء والأولياء كما تدرج من آدم إلى أحمد وهكذا نور الحق أخذ بالتنقل (التناسخ) في الأمة ...

وبعضهم يقول إن نور الحق ظهر في هذا الدور بمظهر علي فكان هو (الله) وبعده يحل في أولاده .. ويعتقدون أن (محمد علي) هو رسول (علي الله) ولما رأى الحق لم يتمكن رسوله من إتيان عمل فبادر إلى مقاومته ، وحل في جسد رجل اسمه أحمد الذي كان يقول إن هذا المصحف الذي بين أيديكم لا يليق العمل به لأن هذا المصحف لم يكن المصحف المودع من (علي الله) إلى محمد بل إن هذا مرتب من أبي بكر وعمر وعثمان ليس إلا.

وقد كان شمس الدين ـ كما شوهد ـ يقول : إن هذا المصحف هو كلام علي الله إلا أنه نظرا لكونه مرتبا من قبل عثمان فلا تجوز تلاوته. وقد وجد أن بعضهم قد جمع ما كان هناك من نظم ونثر مما يتعلق بعلي وأدخله ضمن القرآن ، وكانوا يرجحون هذا القرآن الأخير على القرآن الأصلي لاعتقادهم أنه وصل إليهم من علي الله بطريق مباشر ، وأن القرآن الأصلي وصل إلى الناس بواسطة محمد بطريق غير مباشر وفيهم

٢٠٤

٢٠٥

طائفة تدعى (علوية) وينتسبون إلى علي الله وأنهم منه فيشاطرون بقية إخوانهم في العقائد المذكورة إلا أنهم يقولون إن هذا المصحف الموجود ليس كلام علي الله إذ إن الشيخين قد سعيا في تحريفه فتبعهم عثمان ، وتركه لفصاحته وصنف مصحفا آخر بدله به وأحرق الفرقان الأصلي ...

وشأن هذه الطائفة أنهم كلما وجدوا مصحفا أحرقوه ، ويعتقدون أن علي الله اتصل بالشمس فلا يزال شمسا وقد كان من الشمس وقد اتصل مدة بجسم عنصري. ولهذا رجعت الشمس بأمره إذ كان هو عين الشمس. وعلى هذا يقولون للشمس (علي الله) ، وعندهم الفلك الرابع (دلدل) ، وأصبحوا عبدة النيران ، وصارت الشمس في نظرهم هي الله وهم خلق عظيم ، ويزعمون أنهم حينما يدعون الشمس تجيب دعوتهم وتعينهم في الشدائد ...

ومنهم رجل اسمه عبد الله قد نقل من أحوالهم عن آخر اسمه عزيز الأمر العجيب ، كان قد ذكر (علي الله) بحرص وانهماك زائدين ، وشوق تام ، وأنه لم يكن ليؤثر به السيف كما أن أحدنا أنكر هذا الأمر فأخذ عزيز يشتغل بذكر (علي الله) واستمر على انهماكه وحرصه إلى أن أزبد فمه وخاطب المنكر قائلا :

ـ أيها الملعون اضربني فبادر المنكر في ضربه بالسيف فلم يؤثر فيه ، فأدى ذلك إلى أن التحق المنكر بهم ..

وهذه الطائفة لا يجوز لأهلها أن يذبحوا الحيوانات ، ولا كل ذي روح ، ويتجنبون أكل اللحوم بحكم مفاد ما قاله (علي الله) : «لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوانات» وما ورد في المصحف من ذبح بعض الحيوانات وأكل لحومها إنما يراد به لحم أبي بكر وعمر وعثمان وأتباعهم ، وأنهم المقصودون بالمحرمات ، وأن إبليس والحية والطاووس

٢٠٦

عبارة عن هؤلاء الثلاثة. وكذلك شداد ونمرود وفرعون يراد بهم هؤلاء الثلاثة. ويجوز السجود لصورة (علي الله) ، وأن كسر الأصنام ، وعبادتها إشارة إلى هؤلاء الثلاثة ، وأن الشيخين هما صنما قريش ، ويعتقدون بالتاريخ ، ويقولون إن عليا لما ظهر بصورة الأنبياء قديما كانت تتألب عليه جبهة المعارضين والمنكرين وهم هؤلاء الثلاثة» ا ه (١).

وهذا المؤلف افتضح عقائدهم ، وأزال عنها الخفاء ، ونشر المكتوم ، وأعلن المبهم ، وهتك الستر فصرنا كلما وجدنا الظواهر متماثلة قطعنا في العينية .. وكنا قد وصفنا كتابه (دبستان مذاهب) في تاريخ اليزيدية (٢) فلا نرى باعثا لإعادة الكلام عليه .. ومهما يكن ففي هذه الوثائق واختلاف المستندات في العصور المتوالية مما يعرف بعقائدهم ولا نزال نتحرى ونثبت ما تيسر لنا العثور عليه. وسيأتي في حوادث سنة ٨٤١ ه‍ وما يليها من النصوص ما يوضح أكثر ويبصر بحقيقة نحلتهم .. وكل ما نلخصه هنا للقارىء مما مر أن القوم من الغلاة وأغراضهم مصروفة إلى إهمال القرآن وأنه مبدل ، ودعوة الناس إلى لزوم نبذه .. وفي هذا ما يكفي لمعرفة دخائلهم ونواياهم الهدامة ... وما عبادة الشمس والخروج بألفاظ القرآن إلى أمور لا تقرها اللغة ولا يساعد عليها النص إلا نتائج يتوصلون بها إلى تبديل معانيه عند من لا يجسر على المجاهرة في تكذيبه .. وفي گوران عقائدهم شائعة ولكنهم يتكتمون فيها وفي عبادة الشمس. وقد حكى لي جماعة عن عبادتهم الشمس عند بزوغها وغروبها ..

__________________

(١) دبستان مذاهب ص ٢٤١.

(٢) تاريخ اليزيدية ص ٢٢.

٢٠٧

حوادث سنة ٧٨٧ ه‍ ـ ١٣٨٥ م

شاه شجاع من آل المظفر :

في هذه السنة توفي شاه شجاع وقد مر الكلام على تكون إمارتهم في إيران وأوضحت بعض علاقاتهم بنا .. وأن شاه شجاع ولي الحكم عام ٧٦٠ ه‍ وكان قد استبد بوالده هو وشاه محمود ابنه الآخر فكحلوه وسجنوه ... وتولى ذلك شاه شجاع في قلعة من عمل شيراز سنة ٧٦٥ ه‍ وفي السنة المذكورة وقع الخلف بين شاه محمود وشاه شجاع فسار إليه شاه محمود من أصبهان بعد أن استجار بالسلطان أويس الجلايري فأمده بالعساكر وملك شيراز ولحق شاه شجاع بكرمان من أعماله وأقام بها ، واختلف عليه عماله ثم استقاموا على طاعته ، ثم جمع بعد ثلاث سنوات ورجع إلى شيراز فآل الأمر إلى انتصاره ففارقها أخوه محمود إلى أصبهان وأقام بها إلى أن هلك سنة ٧٧٦ ه‍ فاستضافها شاه شجاع إلى أعماله وأقطعها لابنه زين العابدين وزوجه بنت السلطان أويس وكانت تحت محمود ، وقد مرت الإشارة إلى وقائعه مع الجلايرية ، ثم هلك شاه شجاع سنة ٧٨٧ ه‍ وصادف ذلك ظهور تيمور لنك في تلك الأنحاء أيام النزاع على السلطة بينه وبين أقاربه فقارع اللنك بعضا وقرب آخرين إلى أن عاد إلى مملكته. وقد مضى الكلام على شاه منصور والتجائه إلى السلطان أحمد ...

وكان شاه شجاع ملكا ، عادلا ، عالما بفنون من العلم محبا للعلماء وكان يقرىء الكشاف والأصول والعربية وينظم الشعر بالعربية والفارسية ويكتب الخط الفائق مع سعة في العلم والحلم والكرم. وكان قد ابتلي بالنهم (كثرة الأكل) فكان لا يسير إلا والمأكول على البغال صحبته فلا يزال يأكل ، ولما مات صار ولده زين العابدين بعده ، وفي

٢٠٨

أيام هذا انقرضت حكومتهم كما سيجيء (١).

آل فضل ـ عثمان بن قارا :

في هذه السنة توفي أمير آل فضل وهو عثمان بن قارا بن مهنا بن عيسى وكان شابا كريما شجاعا جميلا يحب اللهو والخلاعة ومات شابا قاله ابن حجر. كذا في الشذرات والأنباء (٢) وهذا لم يكن أميرا منصوبا من الحكومة ولكنه من أبناء الأمراء وقد ورد في الدرر الكامنة بلفظ عثمان بن قارا بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حذيفة (حديثة) بن فضل أمير العرب من آل فضل بالشام والعراق ... وهو ابن أخي نعير (٣) ويؤيده ما جاء في الأنباء من أنه عثمان بن قارا بن مهنا بن عيسى وجاء في الشذرات بلفظ (فار) وليس بصحيح وكذا ما جاء في ابن خلدون بلفظ (قارىء) و(قارة) وهو غلط ناسخ ..

وفي عقد الجمان جاء قارا بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع .. وقد مر الكلام عليه في حوادث سنة ٧٨١ ه‍ كما ذكر الأمير حيار بن مهنا في حوادث سنة ٧٧٦ ه‍.

وهنا نقول : إن هذه القبيلة لم تنقطع سكناها عن العراق بل لا تزال قاطنة فيه إلى اليوم ... فالعلاقة والارتباط موجودان .. ويؤيد هذا ما جاء في ابن خلدون من أن هذه القبيلة وكذا أمراؤها من آل فضل رحالة ما بين الشام والجزيرة ونجد من أرض الحجاز يتقلبون بينها في الرحلتين وينتسبون في طيىء ومعهم أحياء زبيد وكلب وهذيل ومذحج

__________________

(١) الدرر الكامنة ج ٢ ص ١٨٧ ، وتاريخ محمود كيتي.

(٢) الشذرات ج ٦ ، والأنباء ج ١ حوادث هذه السنة.

(٣) ج ٢ ص ٤٤٧.

٢٠٩

أحلاف لهم ويناهضهم في الغلب والعدد آل مراد (١) ثم ذكر ابن خلدون مواطن إقامتهم من سورية وكذا إقامة زبيد ...

والناحية المهمة التي يجب الالتفات إليها هي أن آل فضل اتصلوا بالحكومة السورية وتعهدوا لها في إصلاح السابلة بين الشام والعراق فأقطعتهم الإقطاعات وولتهم الإمارة العشائرية والرياسة العامة لا لهذا الغرض وحده بل حذرا من أن يميلوا إلى التتر لعلمهم أن العربي لا يتقيد ببقعة خاصة ولا يقبل بالذل وقاعدتهم الطبيعية (وإذا نبا بك منزل فتحول) فاستظهروا برياستهم على آل مراء (مرى) وغلبوهم على المشاتي ..

ومهنا هذا هو ابن مانع بن جذيلة (ورد بلفظ حديثة وهو الأشبه بالصواب نظرا لتكرره) بن فضل بن بدر بن ربيعة بن علي بن مفرج بن بدر بن سالم بن حصة بن بدر بن سميع ويقفون عند هذا فلا يتجاوزونه في العد ...

وقد مر بنا في حوادث عام ٧٤٩ ه‍ الكلام على إمارة أحمد بن مهنا ... وقبله كانت الفتنة قائمة بين سيف بن فضل وبين فياض بن مهنا فسكنت في أيام أحمد المذكور ...

ثم توفي في سنة ٧٤٩ ه‍ فولي مكانه أخوه فياض وهلك سنة ٧٦٢ ه‍ فولي مكانه حيار (٢) بن مهنا فولي مكانه ابن عمه زامل بن

__________________

(١) ورد فيما سبق من النصوص أنهم يطلق عليهم آل مرا وبينا ذبحة المرا المعروفة ولعله تخفيف لمراد التي جاءت في ابن خلدون وقد رأينا صاحب الدرر الكامنة يكتبها بلفظ ـ مرى ـ مقصورة وهم قبيلة من طيىء تنازعت مع هؤلاء الأمراء من آل فضل فكانت الحروب بينها على الإمرة طاحنة جدا ...

(٢) جاء في ابن بطوطة ـ حيار ـ بالحاء والياء وهو الصحيح وورد في الدرر أيضا في حرف الحاء ... وفي ابن خلدون جاء بلفظ خيار وهو غلط ناسخ.

٢١٠

موسى بن عيسى سنة ٧٧٠ ه‍ وكان معه بنو كلاب فعاث في أنحاء حلب فولي مكانه معيقل بن فضل بن عيسى وفي سنة ٧٧٥ ه‍ أعيد حيار إلى إمارته فتوفي سنة ٧٧٧ ه‍ فولي أخوه قارا (١) إلى أن توفي سنة ٧٨١ ه‍ فولي مكانه معيقل بن فضل (٢) وزامل بن موسى المذكوران شريكين في إمارتهما ثم عزلا لسنة ولايتهما وولي نعير (٣) ابن حيار بن مهنا واسمه محمد ولا يزال أميرا على آل فضل وجميع أحياء طيىء (٤) بالشام والسلطان يزاحمه بحجر بن محمد بن قارا حتى سخط عليه وظاهر محمد بن قارا ثم سخط عليه وولى مكانهما ابن عمهما محمد بن كوكبتين بن موسى بن عساف بن مهنا فقام بأمر العرب وبقي نعير منتبذا بالقفر (٥).

والحاصل أن رياسة طيىء وإمارتها لا تزال إلى هذا العهد الذي نكتب عنه لآل فضل وبينهم آل مهنا وآل فضل وقد نازعهم الإمارة (آل علي) من طيىء أيضا إلا أنهم لم تدم لهم الإمارة وعرف منهم محمد بن أبي بكر ثم عادت إلى آل فضل بالوجه الموضح .. ولا مجال للإطناب في أمر علاقة هؤلاء بالعراق ... نظرا لقلة التدوينات فيها.

__________________

(١) ورد قارة وفي موطن آخر قارى وهذا هو قارا والد عثمان المترجم.

(٢) ورد في الأنباء معتقل بن فضل بن مهنا أحد أمراء العرب من آل فضل كما في حوادث سنة ٧٨٦ ه‍.

(٣) ورد بلفظ بعير وبصير في ج ٦ صحيفة ١٠ و١١ من ابن خلدون مكررا والصحيح نعير.

(٤) الجلد الخامس من ابن خلدون.

(٥) ابن خلدون ج ٥ و٦ ص ١٠ ـ ١١.

٢١١

حوادث سنة ٧٨٨ ه‍ ـ ١٣٨٦ م

اجتياح تبريز :

في هذه السنة اجتاح تيمور لنك مدينة تبريز نقل ذلك صاحب عقد الجمان وفصل القول عن ظهوره تفصيلا زائدا وسيأتي الكلام على تاريخ ظهوره عند الكلام على اكتساح بغداد في حينه ... وهنا نقول إن صاحب الأنباء ذكر أن اللنك قصد تبريز ونازلها وواقع صاحبها أحمد بن أويس إلى أن كسره وانهزم إلى بغداد ودخل تيمور لنك تبريز فأباد أهلها وخربها وجهز أحمد بن أويس إلى صاحب مصر امرأة يخبره بأمر تيمور لنك ويحذره منه ويخبره بأنه توجه إلى قراباغ ليشتي بها ثم يعود في الصيف إلى بغداد فوصلت المرأة إلى دمشق فجهزها بيدمر صحبة قريبه جبرئيل (١).

وكان في هذه السنة أيضا طرق اللنك شيراز فحاربه شاه منصور وقد ثبت ثباتا عظيما .. ذكر ذلك صاحب الأنباء.

النزاع على إمارة مكة المكرمة :

انقطعت العلاقة السياسية بين مكة المكرمة والعراق إلا من الناحية الدينية وهي الحج وتقديم بعض الهدايا والخيرات ، وقصد البيت الحرام للزيارة وإلا فلم تقع تدخلات في الإدارة كما مضى القول عليه ففي هذه السنة في شعبانها توفي أمير مكة الشهاب أحمد بن عجلان بن رميثة بن نمي الحسيني واستقر ولده محمد بن أحمد فعمد كبيش بن عجلان إلى أقاربه فكحلهم منهم أحمد بن ثقبة وولده وحسن بن ثقبة ومحمد بن عجلان ففر منه عفان (٢) بن مغامس إلى القاهرة فشكا إلى سلطانها من

__________________

(١) الأنباء ج ١.

(٢) جاء في ابن خلدون «عنان» بالنون ر : ج ٥ ص ٤٨١.

٢١٢

صنيعه والتزم بتعمير مكة وسعى في أمرتها فأجيب إلى ذلك. قال ابن حجر : كان أحمد بن عجلان عظيم الرياسة والحشمة اقتنى من العقار والعبيد شيئا كثيرا إلى غير ذلك (١).

وهذا غير أحمد بن رميثة الذي مر الكلام عليه في حوادث سنة ٧٤٠ ه‍ وقد جاء ذكر هذا في ابن خلدون وفيه بيان لعلاقتهم بحكومة مصر وتدخلاتها بشؤونهم وتفصيل لمن ولي الإمارة منهم .. (٢).

وفيات

١ ـ شمس الدين محمد الحلي :

هو شمس الدين محمد بن الحسين بن أحمد الحلي ويعرف بابن البقال ولد بالحلة في جمادى الأولى سنة ٧٠٨ وتعانى الآداب فمهر وقدم حلب ومدح أعيانها كتب عنه أبو المعالي ابن عشائر من نظمه ما كتب به إلى الشريف عبد العزيز بن محمد الهاشمي ومن نظمه :

يا صاحبي بأرض النيل لي قمر

جمال بهجته أبهى من القمر

ورد الخدود ورمان النهود على

بان القدود به قد عيل مصطبري

توفي في حدود سنة ٧٨٨ (٣).

حوادث سنة ٧٨٩ ه‍ ـ ١٣٨٧ م

اللنك وحوادثه :

في هذه السنة عاد اللنك مرة أخرى إلى عراق العجم فاستقبله ملوكها ، وأذعنوا بالطاعة مثل اسكندر الجلالي ، وإبراهيم العجمي ، وأبي

__________________

(١) «الشذرات ج ٦».

(٢) ابن خلدون ج ٥ ص ٤٨٢.

(٣) الدرر الكامنة ج ٣.

٢١٣

إسحق السرحاني وسلطان أحمد ابن أخي شاه شجاع وابن عمه شاه يحيى ، فكان جملة من اجتمع عنده من ملوك العجم ١٧ ملكا فبلغه على أنهم تواعدوا على الفتك به فسبقهم وأمر بالقبض عليهم وقد اجتمعوا في خيمة وقرر في ممالكهم أولاده وأحفاده وبيع ذراري المقتولين فلم يبق منهم أحد. ثم توجه نحو عراق العرب فبلغ ذلك أحمد بن أويس فجهز له عسكرا كثيفا مع أمير يقال له استباي (١). فتلاقيا على مدينة سلطانية فانهزم جند بغداد فلم يتبعهم اللنك وعطف على همذان وما يليها وقبض على متوليها ؛ واستناب فيها ثم كر راجعا إلى بغداد وبلغ أحمد بن أويس ذلك فعرف أنه لا طاقة له بلقائه وكان أحمد بن أويس استولى على مملكة تبريز عوضا عن أخيه حسين بعد قتله ولم يلبث إلا قليلا حتى فاجأه عسكر اللنك فلما بلغه ذلك رحل عنها وترك أهلها حيارى فهجم عليهم العسكر عنوة فانتهبوها وقتلوا منها ما لا يمكن شرحه وأقاموا بها شهر رجب كله لاستخلاص الأموال وتخريب الدور وتعذيب ذوي الأموال بالعصر والإحراق والضرب وأنواع العذاب وانتهكوا الحرمات وسبوا الحريم والذراري وكان قبل ذلك قد استولى على تبريز وفعل بها الأفاعيل. وكان أحمد بن أويس قد أرسل ذخائره وحريمه وأولاده إلى قلعة يقال لها نجا في غاية الحصانة وقرر فيها أميرا يقال له آلتون مع ثلثمائة نفس من أهل النجدة فسار له اللنك فلم يقدر عليها وقتل في الحصار أميران كبيران من عسكره ثم رحل عنها لما سمع أن قد طرق بلاده طقتمش خان وأنه قد تعرض لأطراف بلاده راجعا أيضا. ولما بلغ ذلك قرا محمد التركماني انتهز الفرصة ووصل إلى تبريز فملكها وقرر فيها ولده مصر خجا (مصر خواجة) ورجع إلى بلاده وفي ٩ رجب أمر المحتسب يطلب ذوي الأموال واستخراج زكواتها منها وأن يتولى قاضي

__________________

(١) ورد في عجائب المقدور «سننائي» وكان هذا قد ألبسه السلطان أحمد المقنعة وأشهره في بغداد بعد أن ضربه وأوجعه لما رأى من هزيمته. «ص ٤٠ منه».

٢١٤

الحنفية الطرابلسي تحليفهم فعمل ذلك في يوم واحد. فلما ورد الخبر برجوع تيمور لنك رد على الناس ما أخذ منهم وبطلت مطالبتهم في الزكاة وبالخراج أيضا (١).

قلعة النجا :

لما رأى السلطان أحمد أنه لا قدرة له بمقابلة هذا الطاغية قرر الخروج من ممالكه بغداد والعراق وتبريز ، وجهز ما يخاف عليه صحبة ابنه السلطان طاهر إلى قلعة النجا ، ثم قصد البلاد الشامية في سنة ٧٩٥ ه‍ في حياة الملك الظاهر أبي سعيد برقوق ، فوصل تيمور إلى تبريز ونهب بها ، ووجه إلى قلعة النجا العساكر لأنها كانت معقل السلطان أحمد ، وبها ولده وزوجته والذخائر ، وتوجه هو إلى بغداد ... وكان الوالي بالنجا رجلا شديد البأس يدعى آلتون كان يعتمد عليه ومنه جماعة نحوا من ثلثمائة رجل ، كان ينزل بهم التون ليلا ويشن الغارة ... فوهن أمر العسكر فأبلغوا تيمور ذلك فأمدهم بنحو ٤٠ ألفا مع أربعة أمراء كبيرهم يدعى قبلغ تيمور فوصلوا إلى القلعة ولم يكن إذ ذاك آلتون فيها فتعاضد ومن معه بهمة صادقة فاخترقوا الصفوف وقتلوا من العسكر أميرين أحدهما قبلغ تيمور .. فلما سمع تيمور لنك نهض إليها بنفسه وأحاط بجوانبها ...

وكانت هذه القلعة أمنع من عقاب الجو فلم يتمكن منها تيمور ، وكان آلتون عارفا بشعابها ، ويهاجم عدوه ليلا وفي أوقات مختلفة فيسلب وينهب ويقتل ويرجع سالما ، ولم يزل هذا دأبه حتى أعجز تيمور وأصحابه ، فلم ير تيمور بدا من الارتحال لضيق المجال فارتحل بعد أن رتب للحصار اليزك ، واستمر الحصار مدة طويلة ، قيل إنها مكثت في

__________________

(١) الأنباء ج ١.

٢١٥

الحصار اثنتي عشرة سنة ثم استولى عليها. وتمام القصة مذكور في عجائب المقدور (١).

والحق أن الدفاع والحصار والقدرة تابعة لقوة النفس وعزتها ... فإذا أرادت أن لا تستذل قاومت وناضلت ، ولو كان كل بلد قارع هذا القراع وجادل جدال رجال هذه القلعة لتمكن من المحافظة على استقلاله ، والاعتزاز بكيانه ... والخوف والخذلان ما استوليا على أمة إلا نالها ما نال الأقوام أمام تيمور ... تفسخوا فتمكن منهم أكثر مما كان لديه من قوة ...

وفيات

العز الموصلي :

وهو علي بن الحسين بن علي بن أبي بكر بن محمد بن أبي الخير ، العلامة عز الدين الموصلي الشاعر نزيل دمشق مهر في النظم وجلس مع الشهود بدمشق تحت الساعات وأقام بحلب مدة وجمع ديوان شعره في مجلد وله البديعية المشهورة قصيدة نبوية عارض بها بديعية الصفي الحلي ... وشرحها في مجلدة وله أخرى لامية على وزن (بانت سعاد) مات سنة ٧٨٩ ه‍ (٢).

حوادث سنة ٧٩٠ ه‍ ـ ١٣٨٨ م

١ ـ شجاع الدين أبي بكر السنجاري :

في هذه السنة توفي شجاع الدين أبو بكر بن محمد بن قاسم

__________________

(١) عجائب المقدور ص ٤٤.

(٢) الدرر ج ٣ ص ٤٣.

٢١٦

السنجاري الحنبلي نزيل بغداد الشيخ الإمام المحدث كان فاضلا مسندا حدث بالكثير وحدث عنه الشيخ نصر الله البغدادي وولده قاضي القضاة محب الدين وتوفي عن ثمانين سنة (١).

٢ ـ ابن الدواليبي :

في هذه السنة توفي عبد المحسن بن عبد الدائم بن عبد المحسن ابن محمد الدواليبي البغدادي الحنبلي. ولد سنة ٧٢٣ ه‍ وروى عن جده عفيف الدين عبد المحسن بن محمد وغيره وكان واعظا يكنى أبا المحاسن ذكره في الأنباء وقد مر الكلام على جده الأعلى وهو محمد ابن عبد المحسن المعروف بابن الخراط والدواليبي وهو عفيف الدين في كما جاء في المجلد الأول في هذا الكتاب (٢).

٣ ـ بدر الدين محمد بن إسماعيل الإربلي :

وهو المعروف بابن الكحال. عني بالفقه والأصول ، وكان جيد الفهم ، فقيرا ، ذا عيال .. جاوز الأربعين (٣).

حوادث سنة ٧٩١ ه‍ ـ ١٣٨٩ م

التصلية بعد الأذان :

في هذه السنة كانت التصلية بعد أذان المغرب لضيق وقتها ، وروعي فيها ما كان يراعى من التصلية كل ليلة جمعة ذكر ذلك في الأنباء. وهذا يعد تاريخ استعمالها في مصر وسورية ...

__________________

(١) الشذرات ج ٦ وفي الدرر الكامنة أنه سمع من أحمد بن يوسف بن إبراهيم الكرسي ، وعن التقي الدقوقي وأخذ عنه كثيرون عد بعضهم صاحب الدرر ـ ج ١ ص ٤٦١.

(٢) الأنباء ج ١.

(٣) الأنباء ج ١.

٢١٧

حوادث سنة ٧٩٢ ه‍ ـ ١٣٩٠ م

وفيات

١ ـ شرف الدين إسماعيل الفروي :

في هذه السنة توفي شرف الدين إسماعيل الفقيه ابن حاجي الأزدي الفروي بفتح الفاء وسكون الراء نسبة إلى فروة ، الفقيه الشافعي ، كان أحد علماء بغداد ، ثم قدم دمشق في حدود السبعين ، فأفاد بها في الجامع وغيره ودرس بالعينية وغيرها وكان دينا خيرا تصدق بما تملكه في مرض موته ومات في صفر (١).

حوادث سنة ٧٩٤ ه‍ ـ ١٣٩٢ م

شاه منصور من آل المظفر ـ تيمور لنك :

في هذه السنة رجع تيمور لنك إلى إيران وقصد عراق العجم في جمع عظيم فملك أصبهان وكرمان وشيراز وفعل بها الأفاعيل المنكرة ثم قصد شيراز فتهيأ شاه منصور لحربه فبلغ تيمور لنك اختلاف من في سمرقند فرجع إليها فلم يأمن شاه منصور من ذلك بل استمر على حذره ثم تحقق رجوع تيمور لنك فأمن فبغته تيمور لنك فجمع أمواله وتوجه إلى هرمز ثم انثنى عزمه وعزم لقاء تيمور لنك فالتقى بعسكره وصبروا صبر الأحرار لكن الكثرة غلبت الشجاعة فقتل الشاه منصور في المعركة ثم استدعى ملوك البلاد فأتوه طائعين فجمعهم في دعوة وقتلهم أجمعين (٢).

وكانت هذه الوقعة مقدمة السير إلى بغداد فاضطرب الأهلون وأصابهم الخوف وكذا السلطان أحمد وسيأتي الكلام على ذلك عند ذكر

__________________

(١) الشذرات ج ٦ ، والأنباء ج ١ ، والدرر الكامنة ج ١ ص ٣٦٥.

(٢) الأنباء ج ١.

٢١٨

وقعة بغداد. وشاه منصور هذا من آل المظفر وقد مضت بعض وقائعه. وهكذا فعل تيمور لنك بإمارة اللر إلا أن حاكمها الملك عز الدين العباسي أطاعه فأنعم عليه مؤخرا بإمارته وأعاده إلى مكانته ...

حوادث سنة ٧٩٥ ه‍ ـ ١٣٩٢ م

انقراض آل مظفر :

إن زين العابدين كان قد ولي الإمارة بعد والده شاه شجاع بالوجه المذكور وهذا كان قد ناهضه شاه منصور وقام من تستر وسار إلى شيراز فامتلكها وأخوه يحيى ولي يزد وذهب هو إلى أصفهان وامتلك عمهما أحمد بن محمد بن المظفر كرمان.

ثم كان ظهور تيمور لنك بالوجه المشروح فقارع هؤلاء وقرب بعضهم ، دام ذلك إلى سنة ٧٨٧ ه‍ وبعدها عاد تيمور لنك إلى مملكته وفي سنة ٧٩٥ ه‍ اكتسح مملكتهم فانقرضت حكومتهم في هذه السنة ..

ولم تقف حوادثه عند هذا الحد فقد عاث في تبريز وشيراز. فذاع خبره في الأقطار فارتاع لما يحكى عنه كل قلب فسار إلى السلطانية فنازلها وقتل صاحبها ، ثم قصد تبريز فدخلها عنوة ونهبها كعادته وأرسل إلى جميع البلاد نوابا من قبله ثم طلب بغداد ومن ثم توجه نحو العراق (١).

__________________

(١) الأنباء ج ١ ، ومحمود كيتي والغياثي.

٢١٩

حكومة تيمور في العراق

في ٢٠ شوال سنة ٧٩٥ ه‍ ـ ١٣٨٣ م

تيمور لنك ـ فتح بغداد :

كان ظهور تيمور لنك في إيران سابقا لهذا التاريخ وقد مر الكلام على أوليته في هذا الجزء من الكتاب وأشير إلى وقائعه المباشرة في حوادث سنة ٧٨٦ ه‍ إلى هذه السنة لم يظهر لها أثر بارز بسبب الذهول والاندهاش الذي أصاب الناس أو أن حوادث تيمور غطت على غيرها. وفي يوم الجمعة ١١ شوال هذه السنة دخل تيمور لنك بغداد (١) وجاء في كتاب (بزم ورزم) أنه استولى على بغداد في ٢٠ شوال سنة ٧٩٥ ه‍ ولعل هذا هو الصحيح لأنه من معاصر حاضر الوقعة .. وفي التواريخ الأخرى ما يخالف هذه مما لا محل لاستقصائه الآن ... وفر السلطان أحمد الجلايري من بغداد فكان هذا مبدأ حكمه على العراق.

تفصيل وقعة بغداد :

إن تيمور لنك قد استولى على مملكة العجم بطولها وعرضها. وتناولها ضرره وأصابها وباله ، ذلك ما ولد الاضطراب في مدينة بغداد والعراق كله ، وأزعج سلطان العرب وهو السلطان أحمد الجلايري فالتهب غيظا عليه ، وثار ثائر غضبه وحميته فجهز جيشا عظيما جعل آمر قيادته مودعة إلى أميره سنتائي (٢) فعينه سردارا (قائدا) وفوض إليه مهمة صد غائلة الأمير تيمور والوقوف في وجهه .. فلما سمع تيمور لنك اتخذ

__________________

(١) تاريخ تيمور لنك لمرتضى أفندي آل نظمي ص ٥٤.

(٢) جاء في تاريخ تيمور لنك لمرتضى أفندي آل نظمي البغدادي بلفظ «وسناي» «صحيفة ٤٨». وقد ذكرنا فيما مر عن الأنباء وغيره الاختلاف في تلفظ اسم هذا القائد ...

٢٢٠