تاريخ مدينة دمشق - ج ٣

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٣

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٩
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

داود الطيالسي أنبأنا جعفر بن عبد الله بن عثمان القرشي ، أخبرني عمر بن عروة بن الزبير قال : سمعت عروة بن الزبير يحدث عن أبي ذرّ الغفاري قال : قلت : يا رسول الله كيف علمت أنك نبي حين علمت ذلك ، واستيقنت أنك نبي؟ قال : «يا أبا ذرّ أتاني ملكان ، وأنا ببعض بطحاء مكة فوقع أحدهما على الأرض وكان الآخر بين السماء والأرض ، فقال أحدهما لصاحبه : أهو هو قال : هو هو ، قال : فزنه برجل ، قال فوزنت برجل فرجحته ، ثم قال : زنه بعشرة فوزناني بعشرة فوزنتهم ، ثم قال : زنه بمائة فرجحتهم ، ثم قال : زنه بألف ، فوزناني فرجحتهم ، فجعلوا ينتشرون (١) علي من كفة الميزان.

قال : فقال أحدهما للآخر لو وزنته بأمّته رجحها ، ثم قال أحدهما لصاحبه : أخرج قلبه ـ أو قال : شق قلبه ـ فشقّ قلبي فأخرج منه مغمز الشيطان ، وعلق الدم فطرحهما ثم قال أحدهما لصاحبه : اغسل بطنه غسل الإناء ، واغسل قلبه غسل الملاء (٢) ودعا بالسكينة كأنها درهرهة (٣) بيضاء فأدخلت قلبي ، ثم قال أحدهما لصاحبه : خط بطنه ، فخاطا بطني وجعلا الخاتم بين كتفي ، فما هو إلّا أن وليا عني فكأنما أعاين الأمر معاينة» [٧٧٣].

أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد بن البغدادي ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد القفال ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الورّاق ، أنبأنا أبو بكر بن زياد ، أنبأنا يونس (٤) ـ هو ابن عبد الأعلى ـ أنبأنا ابن وهب ، حدثني يعقوب وهو ابن عبد الرّحمن الزّهري ، عن أبيه عنه أيضا يعني عبد الرّحمن بن هاشم بن (٥) عتبة بن أبي وقاص ، عن أنس بن مالك قال (٦) : أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث ليال ، قال : خذوا خيرهم وسيدهم ،

__________________

(١) رسمها بالأصل وخع : «ينتشرون» ولعل الصواب ما أثبت ، وانظر مطبوعة ابن عساكر السيرة ١ / ٣٧٣.

(٢) الملاء : جمع ملاءة وهي الإزار والريطة (اللسان).

(٣) بالأصل : «دره هره» وفي خع : «درهرهره» ولعل الصواب ما أثبت ، ففي القاموس : الدرهرهة : الكوكبة الوقادة (قاموس : دره).

(٤) بالأصل : «أبو يونس» والصواب عن خع.

(٥) بالأصل «عن» والمثبت عن خع.

(٦) انظر الخبر في سيرة ابن كثير ١ / ٢٣١ والبداية والنهاية ٢ / ٣٣٧.

٤٦١

فأخذوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فعمد به إلى زمزم فشقّ جوفه ثم أتي بتور (١) من ذهب فغسل جوفه ثم مليء حكما (٢) وإيمانا.

أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أنبأنا أبو علي بن المذهب ، أنبأنا أبو بكر بن مالك ، نبأنا عبد الله بن أحمد [ثنا محمّد](٣) بن عباد المكي ، أنبأنا أبو ضمرة ، عن يونس ، عن الزّهري ، عن أنس قال : كان أبيّ يحدث : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «فرج سقف بيتي وأنا بمكة ، فنزل جبريل صلوات الله وسلامه عليه ، ففرج صدري ، فغسله من ماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب مملوء حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري وأطبقه (٤)» [٧٧٤] انتهى.

رواه غيره عن يونس فلم يذكر أبيّا في إسناده.

أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين المزرفي (٥) ، أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحربي (٦) السكري ، أنبأنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبّار ، أنبأنا محمد بن عباد ، أنبأنا أبو صفوان ، يعني الأموي ، واسمه عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان ، عن يونس ، عن الزّهري أن أنسا كان يحدث : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل عليه‌السلام ففرج صدري ، ثم غسله من ماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب مملوء حكمة وعلما فأفرغها في صدري ثم أطبقه» [٧٧٥].

رواه أبو ضمرة عن يونس فزاد في الإسناد أبيّ بن كعب.

أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد بن طاوس ، أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علي بن الحسن (٧) بن أبي عثمان ، أنبأنا عبد الله بن عبيد الله بن يحيى [حدثنا

__________________

(١) من الأواني.

(٢) الأصل وخع ، وفي سيرة ابن كثير : حكمة.

(٣) سقطت من الأصل وخع ، والزيادة عن مسند أحمد ٥ / ١٢٢.

(٤) في مسند أحمد : «ثم أطبقه» وفي خع كالأصل.

(٥) في خع «المرزقي» والصواب ما أثبت انظر الأنساب.

(٦) بالأصل وخع : «الحرقي» والصواب ما أثبت ، انظر تاريخ بغداد ١٢ / ٤٠ وسير أعلام النبلاء ١٧ / ٦٠٩.

(٧) بالأصل وخع : «الحسين» والصواب ما أثبت ، انظر سير أعلام النبلاء ١٨ / ٥٨٩.

٤٦٢

الحسين بن](١) إسماعيل المحاملي ، أنبأنا محمد بن إدريس الرازي ، أنبأنا محمد بن عيسى بن الطّبّاع ، أنبأنا معاذ بن محمد بن معاذ بن أبيّ بن كعب ، حدثني أبي عن جدي عن أبي قال : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما أول ما أبكرت من أمر النبوة؟ قال : لقد سألت قال : «إني لفي صحراء وكلام فوقي يهوي إليّ أسمعه ، فإذا رجل يقول للآخر : أهو هو؟ قال : نعم ، فاستقبلاني بوجوه لم أر على بياضها قطّ ، وعليهما ثياب لم أر مثل حسنها قطّ ، ولهما أرواح لم أجد ريحا من أحد قطّ مثله قال : فأخذ أحدهما بضبعي (٢) ، وأخذ الآخر بضبعي الآخر لا أحد يمسّهما مسّا ، فقال أحدهما للآخر : اضجعه ، قال : فأضجعاني بلا هصر ولا قصر. فقال لصاحبه : افلق صدره ، ففلق صدري فيما أرى بلا وجع ولا ألم ولا دم. فقال : أخرج منه الغلّ والحسد وأدخل فيه الرأفة والرحمة. قال : فأخرج علقة ، فرمى بها ، ثم استخرج شيئا مثل الفضّة فأدخله فيه وقال : هذه الرأفة والرحمة ، ثم قال بإبهامه اليمنى على صدري ثم قال : ثم عدّ ، وأسلم ، قال : ثم قمت ثم جئت ـ يعني ـ ما غدوت به من رحمتي الصغير ورأفتي على الكبير» [٧٧٦].

أخبرناه أبو القاسم [بن السمرقندي النيسابوري](٣)(٤) أنبأنا أبو بكر القطيعي ، أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل (٥) ، حدثني محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز ، أنبأنا يونس بن محمد ، أنبأنا معاذ بن محمد بن معاذ بن محمد بن أبيّ بن كعب ، حدثني أبي محمد بن معاذ ، عن معاذ ، عن محمد ، عن أبيّ بن كعب أن أبا هريرة كان [جريئا](٦) على أن [يسأل](٧) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أشياء لا يسأله (٨) عنها غيره فقال :

__________________

(١) بالأصل وخع : «عبد الله بن عبيد الله بن يحيى بن عثمان بن إسماعيل المحاملي» والصواب ما أثبت انظر الأنساب (المحاملي) وترجمة عبد الله بن عبيد الله بن يحيى في سير أعلام النبلاء ١٧ / ٢٢١ وفيها : حدث عن القاضي أبي عبد الله المحاملي.

(٢) الضبع : وسط العضد ، وقيل : العضد كله. (اللسان).

(٣) في المطبوعة السيرة ١ / ٣٧٥ «أخبرنا أبو القاسم الشيباني ، أخبرنا أبو علي التميمي» مكان المثبت بالأصل وخع بين المعقوفتين.

(٤) بياض بالأصل ، انظر الحاشية السابقة ، ومكان البياض استدرك فيها : «أخبرنا أبو علي التميمي».

(٥) مسند أحمد بن حنبل ٥ / ١٣٩.

(٦) بياض بالأصل ، واللفظة المستدركة عن مسند أحمد ٥ / ١٣٩.

(٧) سقطت من الأصل وخع واستدركت عن مسند أحمد.

(٨) عن المسند وبالأصل وخع : يسأل.

٤٦٣

يا رسول الله [ما](١) أول ما رأيت من أمر النبوة؟ فاستوى (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [جالسا](٣) وقال : «لقد سألت أبا هريرة : إني لفي صحراء ابن عشر سنين وشهرا ، إذا أنا بكلام فوق رأسي ، وإذا رجل يقول لرجل : هو هو؟ قالا : نعم فاستقبلاني بوجوه لم أرها لأحد (٤) قطّ ، وأرواح لم أجدها من خلق قطّ ، وثياب لم أرها على أحد قطّ ، فأقبلا إليّ يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي ، لا أجد لأحدهما مسّا ، فقال أحدهما لصاحبه اضجعه فأضجعاني [بلا قصر ولا هصر](٥) فقال (٦) أحدهما لصاحبه : افلق صدره فهوى (٧) أحدهما إلى صدري ففلقها (٨) فيما أرى بلا دم ولا وجع ، فقال له : أخرج الغلّ والحسد (٩) ، فأخرج شيئا كهيئة العلقة فطرحها ، فقال له : أدخل الرأفة والرحمة فإذا مثل (١٠) الزجّ يشبه الفضة ثم [هزّ إبهام](١١) رجلي اليمنى فقال : أعد (١٢) وأسلم ، فرجعت بها أغدو به رقة إلى الصغير ، ورحمة للكبير» [٧٧٧].

هذا الإسناد أوفى بالإيصال من الذي قبله.

أخبرتنا الشريفة أم المجتبا فاطمة بنت ناصر قالت : قرئ (١٣) على إبراهيم بن منصور السّلمي وأنا حاضرة قال : أنبأنا أبو بكر بن المقرئ ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، أنبأنا أبو طالب عبد الجبار بن عاصم ، أنبأنا أبو محمد بقية بن الوليد الحمصي ، عن

__________________

(١) زيادة عن المسند ، سقطت اللفظة من الأصل وخع.

(٢) بالأصل وخع : «ثم استوى» والمثبت عن المسند.

(٣) عن خع والمسند ، سقطت من الأصل.

(٤) في المسند : «لخلق» وفي خع كالأصل.

(٥) ما بين معكوفتين زيادة عن المسند ، ومكان العبارة بياض بالأصل وخع.

(٦) في المسند : وقال.

(٧) بالأصل وخع : «فحقرا» كذا ، والمثبت عن المسند.

(٨) بالأصل وخع : «صدر قفلها» والمثبت عن المسند.

(٩) بالأصل وخع : فأخرج الغل والحسد فأخرج شيئا ...

(١٠) كذا بالأصل وخع ، وفي المسند : فإذا مثل الذي أخرج.

(١١) ما بين معكوفتين من المسند ، ومكان العبارة بالأصل وخع : «ثم هوى بها من».

(١٢) في المسند وخع : أغد.

(١٣) بالأصل وخع : «قرأ» والصواب ما أثبت قياسا إلى سند مماثل.

٤٦٤

بحير (١) بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن ابن عمرو السّلمي ، عن عتبة بن عبد (٢) حدثهم (٣) : أن رجلا سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟ قال : «كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر ، فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا ، ولم نأخذ معنا زادا. فقلت : يا أخي اذهب فأتنا بزاد من عند أمّنا ، فانطلق أخي ومكثت عند البهم ، فأقبل إليّ طيران أبيضان ، كأنهما نسران (٤) فقال أحدهما لصاحبه : أهو هو؟ قال (٥) : نعم ، فأقبلا يبتدراني ، فأخرجاني (٦) فبطحاني للقفا ، فشقا بطني ، فاستخرجا (٧) قلبي فشقّاه ، فأخرجا منه علقتين سوداوين فقال أحدهما لصاحبه : ائتني بماء (٨) وثلج فغسلا به جوفي ثم قال : ائتني بماء برد فغسلا به قلبي. ثم قال : ائتني بالسّكينة فذرّها في قلبي. ثم قال أحدهما لصاحبه : حصه (٩) فحاصه وختم عليه بخاتم النبوة.

وقال أحدهما لصاحبه : اجعله في كفة واجعل ألفا من أمته [في كفّة](١٠) فإذا أنا لأنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يحزّ عليّ بعضهم. فقال : لو أن أمّته وزنت به لمال بهم.

ثم انطلقا وتركاني وفرقت فرقا شديدا ، ثم انطلقت إلى أمي ، فأخبرتها بالذي لقيت ، فأشفقت أن يكون قد التبس بي. فقالت : أعيذك (١١) بالله ، فرحّلت بعيرا لها ، وجعلتني على الرحل وركبت خلفي ، حتى بلغتني إلى أمي ، فقالت : أديت أمانتي وذمّتي (١٢)

__________________

(١) بالأصل وخع «بحري» تحريف والصواب ما أثبت عن الكاشف للهذلي ، وورد في التهذيب والخلاصة : «ابن سعيد».

(٢) بالأصل «عن عبده» وفي خع «عن عبده بن عبده» وفي كلّ تحريف ، والصواب ما أثبت عن عتبة بن عبد.

انظر ترجمته في تهذيب التهذيب ، والكاشف للذهبي ، وأسد الغابة.

(٣) الحديث في دلائل النبوة للبيهقي ٢ / ٧ ـ ٨ وأخرجه الحاكم في مستدركه ٢ / ٦١٦ ـ ٦١٧ وقال : «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» وأخرجه أحمد بن حنبل في المسند ٤ / ١٨٤.

(٤) عن المصادر السابقة ، وبالأصل وخع : «بشران».

(٥) عن البيهقي وبالأصل وخع : قالا.

(٦) في البيهقي : فأخذناني.

(٧) في البيهقي : ثم استخرجا.

(٨) في المصادر : بماء ثلج.

(٩) بالأصل وخع : «خصه فخصه» والمثبت عن البيهقي ، وزيد فيه : يحصه : يخيطه. وفي اللسان : حاص الثوب يحوصه حوصا وحياصة : خاطه.

(١٠) سقطت من الأصل وخع واستدركت عن البيهقي.

(١١) بالأصل وخع : «أعندك» والصواب عن المصادر.

(١٢) عن خع ومصادر الحديث ، وبالأصل : وذريتي.

٤٦٥

وحدّثتها بالذي لقيت فلم يرعها ذلك. قالت : إني رأيت خرج مني نور (١) أضاءت منه قصور الشام [٧٧٨].

أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه ـ لفظا ـ وأبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان قراءة ، قالا (٢) : أنبأنا أبو القاسم بن أبي العلاء ، أنبأنا أبو محمد بن أبي نصر ، أنبأنا أبو القاسم بن أبي العقب ، أنبأنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم ، أنبأنا محمد بن عائذ ، أخبرني الوليد بن مسلم قال : حدثنا صاحب لنا عن عبد الله بن مسلم أنه حدّثه قال : حدثني عبادة بن نسيّ قال : سمعت أبا العجفاء يقول : حدثني شداد بن أوس قال : أقبل رجل من بني عامر ، شيخ كبير يتوكأ على عصاه (٣) حتى مثل بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا محمد ، إنك تفوه بأمر عظيم ، تزعم أنك رسول الله أرسلت إلى الناس كما أرسل موسى بن عمران ، وعيسى بن مريم ، والنبيون من قبلهم ، وإنما أنت رجل من العرب (٤) ممن يعبد هذه الحجارة والتماثيل ، فما لك والنبوة؟ وإنما النبوة من بيتين : من بيت خلافة ، وبيت نبوة. ولست من هذا ولا هذا.

ولكن لكلّ قول حقيقة ، ولكل بدوّ شأن ، فحدّثني بحقيقة قولك ، وبدو شأنك ـ قال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حليما لا يجهل ـ فقال له : «يا أخا بني عامر إنّ الأمر (٥) الذي سألتني عنه قصصا ونبأ ، فاجلس حتى أنبئك (٦) بحقيقة قولي ، وبدو شأني ، قال : فجلس العامري ، وتهافت العرب حذوا (٧) بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«إنّ والدي لما بنى بأمي حملت ، رأت فيما يرى النائم (٨) أن (٩) نورا خرج من جوفها فجعلت تتبعه بصرها حتى ملأ ما بين السموات والأرض نورا ، فقصت ذلك على

__________________

(١) بالأصل وخع : «نورا».

(٢) بالأصل وخع : قالوا.

(٣) عن خع وبالأصل «حصاة».

(٤) كذا بالأصل وخع ، وفي مختصر ابن منظور : العريب.

(٥) في مختصر ابن منظور ٢ / ٨٣ «إن للأمر» ، وفي الطبري ٢ / ١٦١ «إن لهذا الحديث».

(٦) بالأصل وخع : «حتى أنبئك عنه فحقيقة» والمثبت عن المختصر.

(٧) الحذو : الإزاء والمقابل (اللسان).

(٨) سقطت من الأصل وخع واستدركت عن المختصر.

(٩) بالأصل وخع : نور.

٤٦٦

حكيمة (١) من أهلها فقالت لها : والله لئن صدقت رؤياك ليخرجن من بطنك غلام يعلو ذكره بين السّماء والأرض ، وكان هذا الحي من بني سعد بن هوازن ينتابون نساء أهل مكة فيحضنون أولادهم ، وينتفعون بخيرهم ، وإن أمّي ولدتني في العام الذي قدموا فيه ، وهلك (٢) والدي فكنت يتيما في حجر عمي أبي طالب ، فأقبل النسوان يتدافعنني ويقلن : ضرع صغير ، لا أب له ، فما عسينا أن ننتفع به من خيره؟ وكانت فيهن امرأة يقال لها أم كبشة ابنة الحارث فقالت : والله لا أنصرف عامي هذا خائبة ، فأخذتني وألقتني على صدرها ، فدرّ لبنها فحضنتني ، فلما بلغ ذلك عمي أبا طالب أقطعها إبلا ومقطعات من الثياب ، ولم يبق عمّ من عمومتي إلّا أقطعها وكساها ، فلما بلغ ذلك النسوان أقبلن إليها فقلن : والله يا أم كبشة لو علمنا بركة تكون هكذا ما سبقتنا إليه.

قال : ثم ترعرعت وكبرت ، وقد بغضت إليّ أصنام قريش والعرب فلا أقربها ولا آتيها ، حتى إذا كان بعد زمين حتى خرجت بين أتراب لي من العرب نتقاذف بالأجلّة ـ قال أبو عبد الملك : يعني البعر (٣) ـ فإذا بثلاثة نفر مقبلين معهم طشت من ذهب مملوءا ثلجا ، فقبضوا عليّ من بين الغلمان فلما رأى ذلك الغلمان انطلقوا هرابا ، ثم رجعوا فقالوا : يا معشر النفر إن هذا الغلام ليس منا ، ولا من العرب وإنه لابن سيد القريش وبيضة المجد ، وما من حيّ من أحياء العرب إلّا لا يلته (٤) في رقابهم نعمة مجلّلة ، ولا يصنعوا بقتل هذا الغلام شيئا ، فإن كنتم لا بدّ قاتليه فخذوا أحدنا فاقتلوه مكانه. قال : فأبوا أن يأخذوا مني [فدية](٥) فانطلقوا وأسلموني في أيديهم ، فأخذني أحدهم فأضجعني إضجاعا رفيقا فشقّ ما بين صدري (٦) فصدعه فاستخرج منه مضغة سوداء منتنة فقذفها ، ثم غسله في تلك الطشت بذلك الثلج ثم ردّه ، ثم أقبل الثاني فوضع يده على صدري إلى عانتي فالتأم ذلك كله ، ثم أقبل الثالث وفي يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفي وثديي

__________________

(١) بالأصل وخع : «حليمة» والمثبت عن المختصر.

(٢) عن المختصر وبالأصل وخع : أهلك.

(٣) كذا بالأصل وخع والمختصر «الأجلة» وفي اللسان (جلل) : الجلّة والجلّة : البعر.

(٤) في المختصر : لآبائه.

(٥) بياض بالأصل وخع قدر كلمة ، واستدركت اللفظة عن المختصر.

(٦) ثمة سقط في الكلام بالأصل وخع ، والعبارة في المختصر : ما بين صدري إلى عانتي (في الطبري : إلى منتهى عانتي). ثم استخرج قلبي فصدعه.

٤٦٧

فلبث (١) زمانا من دهري وأنا أجد برد ذلك الخاتم ، ثم انطلقوا وأقبل الحي بحذافيرهم وأقبلت معهم أمي التي أرضعتني ، فلما رأت ما بي أكرمتني وقالت : يا محمد قتلت لوحدتك (٢) وليتمك ، وأقبل الحي يقبلون ما بين عيني إلى مفرق رأسي ويقولون : يا محمد ، قتلت لوحدتك (٢) وليتمك ، احملوه إلى أهله لا يموت [عندنا ، فحملت إلى أهلي ، فلما رآني عمي أبو طالب ، قال : والذي نفسى بيده لا يموت](٣) ابن أخي حتى تسود به قريش جميع العرب ، احملوه إلى الكاهن ، فلما حملت إليه فلما رآني قال : يا محمد حدثني ما رأيت ، وما صنع بك؟ فأنشأت أقص عليه القصص ، فلما سمعه وثب (٤) علي فالتزمني (٥) وقال يا للعرب (٦) اقتلوه فو الذي نفسي بيده لئن بقي حتى يبلغ (٧) مبالغ الرجال ليشتمن موتاكم ، وليسفهن رأيكم ، وليأتينكم بدين ما سمعتم بمثله قطّ. قال : فوثبت عليه أمي التي أرضعتني فقالت : إن كانت نفسك قد عمتك (٨) فالتمس لها من يقتلها ، فإنّا غير قاتلي هذا الغلام ، فهذا بدوّ شأني وحقيقة قولي.

قال : فقال العامري : فما تأمرني يا محمد؟ قال : آمرك أن تشهد أن لا إله إلّا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وتصلّي الخمس لوقتهن ، وتصوم شهر رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. وتؤدي زكاة مالك. قال : فما لي إن فعلت ذلك؟ قال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى)(٩).

فقال : يا محمد ، فأي المسمعات أسمع؟ قال : جوف الليل الدامس ، إذا هدأت العيون فإن الله تعالى حي قيوم ، يقول : هل من تائب فأتوب عليه ، هل من مستغفر فأغفر له ذنبه ، هل من سائل فأعطيه سؤله.

__________________

(١) كذا بالأصل وخع ، وفي المختصر : «فقد لبثت».

(٢) بالأصل وخع : «لوجدتك» والمثبت عن المختصر.

(٣) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن خع والمختصر.

(٤) بالأصل وخع «ثبت» والمثبت عن المختصر ، وفي الطبري : «وثب إليّ».

(٥) بياض بالأصل وخع واللفظة استدركت عن المختصر ، وفي الطبري : فضمني إلى صدره.

(٦) عن خع ، وبالأصل «للعرب» بدون «يا».

(٧) بالأصل وخع «بلغ» والمثبت عن المختصر.

(٨) بالأصل وخع : «تمهلت» والمثبت عن المختصر.

(٩) طه الآية : ٧٦ وفيها : (مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ، وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى).

٤٦٨

قال : فوثب العامري فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأن محمدا رسول الله انتهى.

هذا حديث غريب وفيه من يجهل. وقد روي عن شداد من وجه آخر فيه انقطاع [٧٧٩].

أخبرناه أبو عبد الله الحسين (١) بن عبد الملك الأديب الخلّال وأم المجتبا فاطمة بنت ناصر العلوية قالا (٢) : أنبأنا إبراهيم بن منصور السّلمي ، أنبأنا أبو بكر بن المقرئ ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، أنبأنا يحيى بن حجّي بن النعمان الشامي ، أنبأنا محمد بن يعلى الكوفي ، أنبأ ـ وقالت فاطمة : حدثنا ـ عمر بن صبح (٣) عن ثور بن يزيد عن مكحول ، عن شداد بن أوس قال (٤) : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ أتاه رجل من بني عامر هو سيد قومه وكبيرهم ومدرهم يتوكّأ على عصاه ، فقام (٥) بين يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ونسب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى جدّه فقال : يا ابن عبد المطلب إني نبئت [أنّك تزعم](٦) أنك رسول الله إلى الناس ، أرسلك بما أرسل به إبراهيم وموسى وعيسى (٧) وغيرهم من الأنبياء [ألا وإنك](٨) فلقد تفوّهت بعظيم ، إنما كانت الأنبياء والملوك من بيتين : بيت من بني إسرائيل بيت نبوة وبيت ملك ، فلا أنت من هؤلاء ولا من هؤلاء ، إنما أنت رجل من العرب ممن يعبد الحجارة والأوثان ، فما لك والنبوة؟ ولكن لكلّ ـ وقالت فاطمة : ولكلّ ـ أمر حقيقة ، فائتني بحقيقة قولك وبدو شأنك.

قال : فأعجب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسألته ـ وقالت فاطمة : بمسألته ـ ثم قال : «يا أخا بني عامر إنّ للحديث الذي تسأل عنه نبأ ومجلسا ، فاجلس» فثنى رجله وبرك كما يبرك البعير ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«يا أخا بني عامر إنّ حقيقة قولي وبدو شأني دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى أخي

__________________

(١) بالأصل وخع : «الحسن» خطأ ، والصواب ما أثبت انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٩ / ٦٢٠ (٣٦٤).

(٢) بالأصل وخع : «قال».

(٣) في الطبري : «صبيح» تحريف ، وفي تهذيب التهذيب : «الصبح» وفي ميزان الاعتدال : صبح بضم أوله.

(٤) الحديث في الطبري ٢ / ١٦٠ وما بعدها.

(٥) في الطبري : فمثل.

(٦) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وخع واستدركت عن الطبري.

(٧) عن خع ، سقطت من الأصل.

(٨) رسمت بالأصل وخع : «الأوائل» والمثبت عن الطبري.

٤٦٩

عيسى بن مريم ، وإني (١) كنت بكر أمي وإنها حملتني كأثقل ما يحمل الناس ـ وقالت فاطمة : النساء ـ حتى جعلت تشكو إلى صواحبها ثقل ما تجد ثم إن أمي رأت في المنام : أن الذي في بطنها نور قالت : فجعلت أتبع بصري النور ، [والنور](٢) يسبق بصري حتى أضاء لي مشارق الأرض ومغاربها ، ثم إنها ولدتني فلما نشأت بغضت إليّ الأصنام (٣) وبغّض إليّ الشعر ، واسترضع إليّ في بني جشم بن بكر. فبينما أنا ذات يوم في بطن واد (٤) مع أتراب لي من الصبيان ، إذ أنا برهط ثلاثة معهم طشت من ذهب ملآن من ثلج ، فأخذوني من بين أصحابي ، وانطلق أصحابي هرابا حتى انتهوا ـ وقالت فاطمة : إذا انتهوا ـ إلى شفير الوادي ، ثم أقبلوا على الرهط فقالوا : ما لكم ولهذا الغلام؟ إنه غلام ليس منا ، وهو ابن سيد قريش ، وهو مسترضع فينا ؛ من غلام يتيم ليس له أب ، فما ذا يرد عليكم قتله؟ ولكن إن كنتم لا بد فاعلين فاختاروا منا أينا شئتم ، فليأتكم فاقتلوه مكانه ودعوا هذا الغلام. فلم يجيبوهم ، فلما رأوا الصّبيان أن القوم لا يجيبوهم ، انطلقوا هرابا مسرعين إلى الحي يؤذونهم بهمّ. ويستصرخوهم (٥) على القوم ، فعمدوا إلي آخرهم فأضجعني إلى الأرض إضجاعا لطيفا ، ثم شقّ ما بين صدري إلى منتهى عانتي ، وأنا أنظر فلم أجد لذلك مسّا ، ثم أخرج أحشاء بطني فغسله بذلك الثلج فأنعم غسله ، ثم أعادها مكانها ـ وقالت فاطمة : في مكانها ـ.

ثم قام الثاني فقال لصاحبه : تنحّ ثم أدخل يده في جوفي فأخرج قلبي ، وأنا انظر فصدعه فأخرج منه مضغة سوداء ، فرمى بها ثم قال بيده يمنة منها منه ، كأنه يتناول شيئا فإذا أنا بالخاتم ـ وقالت فاطمة : بخاتم ـ في يده من نور يخطف (٦) أبصار الناظرين دونه ، فختم قلبي فامتلأ نورا ، وحكمة ـ وقال الخلّال : نور النبوة والحكمة ـ ثم أعاده مكانه فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا.

ثم قام الثالث فنحّا صاحبيه ، فأمرّ يده بين ثديي ـ وقال الخلّال : صدري ـ ومنتهى

__________________

(١) بالأصل وخع : «وإن» والمثبت عن الطبري.

(٢) زيادة اقتضاها السياق ، سقطت من الأصل وخع ، عن الطبري.

(٣) كذا بالأصل وخع ، وفي الطبري : أوثان قريش.

(٤) بالأصل وخع : «وادي».

(٥) الطبري : ويستصرخونهم.

(٦) الطبري : يحار الناظرون دونه.

٤٧٠

عانتي ، فالتأم ذلك الشق بإذن الله تعالى [ثم أخذ يدي](١) فأنهضني من مكاني إنهاضا لطيفا ، فقال الأول للذي شقّ بطني : زنوه بعشرة من أمته فوزنوني فرجحتهم ، ثم قال : زنوه بمائة من أمته فوزنوني فرجحتهم ، ثم قال : زنوه بألف من أمته فوزنوني فرجحتهم قال : دعوه ـ وقالت فاطمة : زنوه ـ فلو وزنتموه بأمته جميعا لرجح بهم ثم قاموا ـ زادت فاطمة : إليّ ، وقالا : ـ فضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني ، ثم قال : ـ وقال الخلّال قالوا : ـ يا حبيب لم ترع؟ إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرّت عينك ، قال : فبينما [نحن](٢) كذلك ، إذ أقبل الحي بحذافيرهم [وإذا أمي ، وهي ظئري](٣) أمام الحي تهتف بأعلا صوتها ، وهي تقول : يا ضعيفاه! قال : فأقبلوا عليّ يقبلوني ويقولون يا حبذا أنت (٤) من وحيد ، ما أنت بوحيد إن الله معك وملائكته والمؤمنون من أهل الأرض ثم قالت : يا يتيماه ، استضعفت من بين أصحابك فقتلت لضعفك ، فأكبوا عليّ وضموني إلى صدورهم ، وقبّلوا رأسي وقالوا : يا حبذا أنت من يتيم ، ما أكرمك (٥) على الله ، لو تعلم ما ذا يراد بك من الخير. قال : فوصلوا إلى شفير الوادي ، فلما بصرت فيّ ظئري قالت : يا بني ألا (٦) أراك حيا بعد. فجاءت حتى أكبت عليّ فضمّتني إلى صدرها ، فو الذي نفسي بيده ، إني لفي حجرها فضمتني إليها ، وإن يدي لفي يد بعضهم ، وظننت أن القوم يبصرونهم فإذا هم لا يبصرونهم. فجاء بعض الحي (٧) فقال : هذا غلام أصابه لمم ، أو طائف من الجن ، فانطلقوا بنا ـ وقالت فاطمة : [به ـ](٨) إلى الكاهن ينظر إليه ، ويداويه فقلت لهم : ـ وقالت فاطمة [ـ له ـ :](٩) يا هذا ليس في شيء مما تذكرون أرى نفسي ـ وقال الخلّال : إن لي (١٠) نفس سليمة وفؤادي صحيحا ،

__________________

(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وخع ، واستدرك عن الطبري.

(٢) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وخع واستدركت اللفظة عن الطبري.

(٣) ما بين معكوفتين عن الطبري ومكان العبارة بالأصل وخع : «زاد الطبري».

(٤) بعدها في خع : من ضعيف ، ثم قالت : يا وحيداه ، قال : فأكبوا عليّ وضموني إلى صدورهم وقالوا : يا حبذا أنت.

(٥) بالأصل وخع : «كرمك» والمثبت عن الطبري.

(٦) بالأصل وخع : «لا» والمثبت عن الطبري.

(٧) في الطبري : بعض القوم.

(٨) سقطت من الأصل وخع والزيادة عن الطبري.

(٩) سقطت من الأصل واستدركت عن خع.

(١٠) عن خع وبالأصل : في.

٤٧١

وليس بي قلبة (١) فقال أبي ـ وهو زوج ظئري ألا (٢) ترون كلامه صحيحا؟ ـ وقالت فاطمة : ألا ترون بنيّ كلامه كلام صحيح ـ إني لأرجو أن لا يكون بابني بأس (٣) ، فاتفق القوم على أن يذهبوا بي إلى الكاهن ، فاحتملوني حتى ذهبوا إليه فقصوا عليه قصتي ، فقال : اسكتوا حتى أسمع من الغلام فإنه أعلم بأمره ، فقصصت عليه أمري أوله وآخره ـ وقالت فاطمة : من أوله إلى آخره ـ فلما سمع مقالتي ضمّني إلى صدره ونادى بأعلا صوته قال [يا آل](٤) العرب اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه فو اللّات والعزّى لئن تركتموه (٥) ليبدلن دينكم ، وليسفهنّ أحلامكم ، وأحلام آبائكم ، وليخالفن أمركم ، وليأتين بدين لم تسمعوا بمثله ، قال فانتزعني ظئري من يده. قالت : ـ وقال الخلّال : قال (٦) ـ لأنت أعته منه وأجن ، ولو علمت أن هذا يكون من قولك ما أتيتك به ، ثم احتملوني وردّوني إلى أهلي ، فأصبحت مغموما ـ وقالت فاطمة : مغمرا (٧) ـ بما فعل بي وأصبح أثر الشق ما بين صدري إلى منتهى عانتي ، كأنه شراك (٨) ، فذلك ـ وقالت فاطمة : ذاك ـ حقيقة قولي وبدو شأني».

فقال العامري : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأن أمرك حقّ ، فائتني (٩) بأشياء أسألك عنها ، قال : «سل عنك» ـ وكان يقول للسّائلين قبل ذلك مثل : عما بدا لك ، فقال يومئذ للعامري : «سل عنك» ـ فإنها لغة بني عامر ، فكلمه بما يعرف. فقال العامري : أخبرني يا ابن عبد المطلب ، ما ذا يزيد (١٠) في الشر؟ قال : «التمادي» قال : فهل ينفع البر بعد الفجور؟ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم ، إن التوبة تغسل الحوبة ، والحسنات ـ وقالت فاطمة : وإن

__________________

(١) أي ليس به شيء ، وأصله من القلاب ، وهو داء يأخذ الإبل في رءوسها فيقلبها إلى فوق ، وفي اللسان : «ولا يستعمل إلا في النفي».

(٢) بالأصل وخع : «لا» والصواب ما أثبت عن الطبري.

(٣) بالأصل : «يا بني ما تين» وفي خع : بابني ماتين» والمثبت عن الطبري.

(٤) زيادة اقتضاها السياق. وفي خع كالأصل ، وفي الطبري : يا للعرب.

(٥) بعدها بالأصل : «بي» والمثبت يوافق عبارة خع.

(٦) عن خع ، سقطت اللفظة من الأصل.

(٧) كذا بالأصل وخع ، وفي المطبوعة «معرا» يعني متغيرا وجهه وعليه صفرة (قاموس).

(٨) عن الطبري وبالأصل وخع : بيراك.

(٩) في الطبري : فأنبئني.

(١٠) بالأصل وخع : «ما ذا تريد في الشيء» والصواب عن الطبري.

٤٧٢

الحسنات ـ يذهبن السيئات ، وإذا ذكر العبد ربه ـ زادت فاطمة : في الرّجاء ، وقالا ـ أغاثه عند البلاء».

قال العامري : وكيف ذلك يا ابن عبد المطلب؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ذلك بأن الله تعالى يقول : لا أجمع لعبدي أبدا أمنين ، ولا أجمع له خوفين. إن هو أمنني (١) في الدنيا خوف (٢) يوم أجمع فيه عبادي في حظيرة القدس (٣) ، فيدوم له أمنه ، ولا أمحقه فيمن أمحق». فقال : ـ وقالت فاطمة : قال العامري : ـ يا ابن عبد المطلب إلى ما تدعوا؟

قال : «ادعوا إلى عبادة الله تعالى وحده ، لا شريك له ، وأن تخلع الأنداد ، وتكفر باللّات والعزّى ، وتقر (٤) بما جاء من (٥) الله من كتاب ورسول وتصلي الصلوات الخمس بحقائقهم ، وتصوم شهرا من السنة ، وتؤدي زكاة مالك فيطهرك الله تعالى به ، ويطيّب لك مالك ، وتحج البيت إذا وجدت إليه سبيلا ، وتغسل من الجنابة ، وتقرّ بالبعث بعد الموت وبالجنة والنار».

قال : يا ابن عبد المطلب : إن فعلت هذا ، فما لي؟ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٦)).

قال : يا ابن عبد المطلب ، هل مع هذا من الدنيا شيء؟ فإنه تعجبنا الوطاءة من العيش ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم النصر والتمكين في البلاد».

قال : فأجاب العامري وأناب (٧) [٧٨٠].

مكحول لم يدرك شداد.

أخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، أنبأنا أبو بكر البيهقي (٨) ، أنبأنا أبو عبد الله

__________________

(١) عن خع وبالأصل «فايتني».

(٢) في الطبري : إن هو خافني في الدنيا أمنني يوم أجمع.

(٣) الطبري : الفردوس.

(٤) بالأصل وخع : «وتقرأ» والمثبت عن الطبري.

(٥) سقطت من الأصل وخع ، واستدركت عن الطبري.

(٦) سورة طه ، الآية : ٧٦.

(٧) بالأصل : «وأبا» والمثبت عن خع.

(٨) الحديث في دلائل البيهقي ١ / ١٣٩ وما بعدها.

٤٧٣

الحافظ (١) محمد (٢) بن عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن يوسف العماني ، أنبأنا محمد بن زكريا الغلابي ، أنبأنا يعقوب بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، [قال : حدثني أبي ، عن أبيه سليمان بن علي ، عن أبيه علي بن عبد الله بن عباس ، عن عبد الله بن عباس](٣) قال : كانت حليمة بنت أبي ذؤيب التي وضعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحدث أنها لما فطمت رسول الله تكلم قالت : سمعته يقول كلاما عجيبا سمعته يقول : «الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا» فلما ترعرع كان يخرج فينظر إلى الصبيان يلعبون فيتجنبهم ، فقال لي يوما من الأيام : «يا أمّاه ما لي لا أرى اخوتي بالنهار؟» قلت : فدتك نفسي يرعون غنما لنا. فيروحون من ليل إلى ليل ، فأسبل عينيه وبكى ، وقال : «يا أماه فما أصنع هاهنا وحدي؟ ابعثيني معهم».

قلت : وتحب (٤) ذلك؟ قال : «نعم» قالت : فلما أصبح دهنته وكحّلته وقمّصته وعمدت إلى خرزة جزع (٥) يمانية فعلّقته في عنقه من العين ، وأخذ عصا وخرج مع إخوته ، فكان يخرج مسرورا [ويرجع مسرورا](٦) فلما كان يوما من ذلك خرجوا يرعون بهما لنا حول بيوتنا ، فلما انتصف النهار إذا أنا بابني ضمرة يعدو فزعا ، وجبينه يرشح قد علاه البهر باكيا ، ينادي : يا أبة يا أمة الحقا أخي محمدا فما تلحقاه إلّا ميتا قلت : وما قصته قالا : بينا نحن قيام (٧) نترامى ونلعب ، إذ أتاه رجل فاختطفه من أوساطنا ، وعلا به ذروة الجبل ، ونحن ننظر إليه حتى شقّ من صدره إلى عانته ، ولا أرى ما فعل به ولا أظنكما تلحقاه أبدا إلّا ميتا. قالت : فأقبلت أنا وأبوه ـ يعني زوجها ـ نسعى سعيا ، فإذا نحن به قاعدا على ذروة الجبل شاخصا ببصره إلى السّماء ، يتبسّم ويضحك ، وأكببت عليه وقبّلت ما بين عينيه ، وقلت : فدتك نفسي ما الذي دهاك؟ قال : «خيرا يا أماه ، بينا أنا السّاعة قائم (٨) على إخوتي إذ أتاني رهط ثلاثة ، بيد أحدهم إبريق فضة ، وبيد الثاني

__________________

(١) بعدها بالأصل وخع : «أنبأنا أبو بكر» وهي مقحمة ، حذفناها ليوافق السند في دلائل البيهقي.

(٢) بالأصل وخع «أنبأنا» تحريف والصواب عن البيهقي.

(٣) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وخع واستدرك عن البيهقي.

(٤) في البيهقي : «أو تحب» وفي خع كالأصل.

(٥) ضرب من الخرز ، فيه بياض وسواد تشبه بن الأعين (اللسان).

(٦) الزيادة عن البيهقي ، سقطت من الأصل وخع.

(٧) بالأصل وخع : «قياما».

(٨) بالأصل وخع : «قائما» والمثبت عن البيهقي.

٤٧٤

طشت من زمردة خضراء (١) ملأها ثلجا ، فأخذوني فانطلقوني إلى ذروة الجبل ، فأضجعوني على الجبل إضجاعا لطيفا ثم شقّ من صدري إلى عانتي وأنا أنظر إليه ، فلم أجد لذلك حسّا ولا ألما ، ثم أدخل يده في جوفي فأخرج أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج ، فأنعم غسلها ثم أعادها. وقام الثاني فقال للأول : تنحّ فقد أنجزت ما أمرك الله تعالى به ، فدنا مني فأدخل يده في جوفي فانتزع قلبي وشقّه فأخرج منه نكتة سوداء مملوءة بالدم فرمى بها ، فقال : هذا حظ الشيطان منك يا حبيب الله ، ثم حشاه بشيء كان معه وذره مكانه ثم ختمه بخاتم من نور ، فأنا السّاعة أجد برد الخاتم في عروقي ومفاصلي. وقام (٢) الثالث فقال للثاني : تنحّ فقد أنجزنا ما أمرنا الله تعالى فيه ، ثم دنا الثالث مني فمرّ يده في مفرق صدري إلى منتهى عانتي ، قال الملك : زنه بعشرة من أمته فوزنوني فرجحتهم ، فقال : دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها لرجح بهم ، ثم أخذ بيدي فأنهضني إنهاضا لطيفا ، فأكبوا عليّ وقبّلوا رأسي وما بين عينيّ ، وقالوا (٣) : يا حبيب الله إنك لن تراع (٤) ولو تدري ما يراد بك من الخير لقرّت عيناك وتركوني قاعدا في مكاني هذا ، ثم جعلوا يطيرون حتى دخلوا حيال السماء وأنا أنظر إليهم ، ولو شئت لأريتك موضع مكانهم (٥) محولهما».

قالت : فاحتملته فأتيت به منازل بني سعد بن بكر ، فقال الناس : اذهبوا به إلى الكاهن حتى ينظر إليه ويداويه. فقال : «ما بي شيء مما تذكرون ، إني أرى نفسي سليمة ، وفؤادي صحيح بحمد الله». فقال : قال لي الناس : أصابه لمم أو طائف من الجن ، فقال : فغلبوني على رأيي. فانطلقت به إلى الكاهن فقصصت عليه القصة قال : دعيني أنا أسمع منه ، فإن الغلام أبصر بأمره منكم. تكلم يا غلام ، قالت حليمة : فقص ابني محمد قصته من (٦) أولها إلى آخرها. فوثب الكاهن قائما على قدميه فضمّه إلى صدره ونادى بأعلا صوته : يا آل العرب ، يا آل العرب. من شرّ قد اقترب ، اقتلوا هذا الغلام

__________________

(١) عن خع والبيهقي ، وبالأصل «صفراء».

(٢) عن البيهقي وبالأصل وخع : فأقام.

(٣) عن البيهقي ، بالأصل وخع : وقال.

(٤) بالأصل وخع : «ترع» والمثبت عن البيهقي.

(٥) كذا بالأصل وخع ، وفي البيهقي : موضع دخولهما.

(٦) في الدلائل : ما بين أولها.

٤٧٥

واقتلوني معه ، فإنكم إن تركتموه وأدرك مدرك الرجال ليسفهنّ أحلامكم ، ولينكدنّ أديانكم ، وليدعونّكم إلى رب لا تعرفونه ، وإلى (١) دين تنكرونه [٧٨١].

قالت : فلما سمعت مقالته انتزعته من يده ، وقلت : لانت أعته منه وأجنّ ، ولو علمت أن هذا يكون من قولك ما أتيتك به ، أطلب لنفسك من يقتلك ، فإنّا لا نقتل محمدا ، فاحتملته فأتيت به منزلي ، فما أتيت ـ يعلم الله ـ منزلا من منازل بني سعد بن بكر إلّا وقد شممنا منه ريح المسك الأذفر ، وكان في كل يوم ينزل عليه رجلان أبيضان ، فيغيبان في ثيابه ولا يظهران. فقال الناس : ردّيه يا حليمة إلى (٢) جده عبد المطلب ، وأخرجيه من أمانتك. قالت : فعزمت على ذلك ، فسمعت مناديا ينادي : هنيئا لك يا بطحاء مكة ، اليوم يرد عليك النور (٣) ، والدين ، والبهاء ، والكمال ، فقد أمنت [أن تخذلين أو تحزنين](٤) أبد الآبدين ودهر الداهرين. قالت : فركبت أتاني ، وحملت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين يدي ، أسير حتى أتيت الباب الأعظم من أبواب مكة وعليه جماعة ، فوضعته لأقضي حاجة ، وأصلح شأني ، سمعت هدّة (٥) شديدة ، فالتفتّ فلم أره (٦) ، فقلت : معاشر الناس أين الصبي؟ قالوا : أي الصّبيان؟ قلت : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، [الذي](٧) نضر الله تعالى به وجهي ، وأغنى عيلتي ، وأشبع جوعتي ، ربيته حتى إذا أدركت به سروري ، وأملي أتيت به أرده وأخرج من

أمانتي ، فاختلس من يدي من غير أن يمس قدميه الأرض ، واللّات والعزّى لئن لم أره لأرمينّ بنفسي من شاهق الجبل ، ولأتقطعن إربا إربا. فقال الناس : إنا لنراك غائبة عن الركبان ، ما معك محمد (٨). قالت : قلت : السّاعة كان بين أيديكم ، قالوا : ما رأينا شيئا. فلما آيسوني وضعت يدي على رأسي ، فقلت : وا محمداه ، وا ولداه ، أبكيت الجواري الأبكار

__________________

(١) البيهقي : ودين.

(٢) البيهقي : على.

(٣) عن خع والبيهقي غير واضحة بالأصل.

(٤) ما بين معكوفتين عن دلائل البيهقي ، ومكان العبارة بياض بالأصل ، وسقطت العبارة من خع.

(٥) بالأصل وخع : «جدة» والمثبت عن البيهقي.

(٦) بالأصل «فلم أر» وبعدها بياض قدر كلمة ، وفي خع : «فلم أر شيئا» والمثبت «فلم أره» عن الدلائل.

(٧) بياض بالأصل ، والمستدرك عن خع والدلائل.

(٨) بالأصل وخع : «محمدا» والمثبت عن الدلائل.

٤٧٦

لبكائي ، وصاح (١) الناس معي بالبكاء حرقة لي ، فإذا أنا بشيخ كبير (٢) كالفاني متوكئا على عكازة له. قالت : فقال لي : ما لي أراك (٣) تبكين وتصيحين (٤) قالت : فقلت : فقدت ابني محمدا. قال : لا تبكي ، أنا أدلك على من يعلم علمه ، وإن شاء أن يردّه عليك فعل ، قالت (٥) : قلت : دلني عليه ، قال : الصنم الأعظم. قالت : ثكلتك أمك ، كأنك لم تر ما نزل باللّات والعزّى في الليلة التي ولد فيها محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : إنك لتهذين (٦) ولا تدرين ما تقولين ، أنا أدخل عليه فأسأله أن يردّه عليك. قالت حليمة : فدخل وأنا أنظر ، فطاف بهبل سبوعا وقبّل رأسه ، ونادى يا سيدي ، لم تزل منعما على قريش ، وهذه السعدية تزعم أن محمدا قد ضلّ. قال : فانكب هبل على وجهه فتساقطت الأصنام بعضها على بعض ، ونطقت ـ أو نطق منها ـ فقالت : إليك عنا أيها الشيخ ، إنما هلاكنا على يدي محمدا. قالت : فأقبل الشيخ لأسنانه اصتكاك (٧) ، ولركبتيه ارتعادا ، وقد ألقى عكازته من بين (٨) يديه وهو يبكي ، ويقول : يا حليمة لا تبكي ، فإن لابنك ربّا (٩) لا يضيّعه ، فاطلبيه على مهل. فقالت : فخفت أن يبلغ الخبر عبد المطلب قبلي (١٠) فقصدت قصده ، فلما نظر إليّ قال : أسعد نزل بك أم نحوس؟ قالت : قلت : بل نحس الأكبر ، ففهمها مني ، وقال : لعل ابنك قد ضلّ منك. قالت : قلت : نعم ، بعض قريش اغتاله فقتله ، فسأل عبد المطلب سيفه وغضب ـ وكان إذا غضب لم يلتفت (١١) له أحد من شدة غضبه. فنادى بأعلا صوته : يا سبيل (١٢) وكانت دعوتهم في الجاهلية ـ فأجابته قريش بأجمعهم فقالت : ما قصتك يا أبا الحارث؟ فقال : فقد ابني محمد ، فقالت

__________________

(١) كذا بالأصل وخع ، وفي الدلائل : وضجّ.

(٢) سقطت اللفظة من الدلائل.

(٣) بعدها في الدلائل : أيها السعدية.

(٤) في الدلائل : وتضجين.

(٥) عن الدلائل وبالأصل «قال».

(٦) الأصل وخع : «لا تهدين» والمثبت عن الدلائل.

(٧) بالأصل وخع : «إسكاكا» والمثبت عن الدلائل.

(٨) في الدلائل : من يده.

(٩) بالأصل وخع : «دينا» والمثبت عن البيهقي.

(١٠) بالأصل وخع : «فبكى» تحريف ، والمثبت عن الدلائل.

(١١) في البيهقي : لم يثبت.

(١٢) في البيهقي : يا يسيل.

٤٧٧

قريش : اركب نركب معك ، فإن شققت (١) جبلا شققنا معك ، وإن خضت بحرا خضنا معك. قال : فركب فركبت معه قريش جميعا فأخذ على أعلى مكة ، وانحدر على أسفلها ، فلما أن لم ير شيئا ترك الناس واتّشح بثوب ، وارتدى بآخر ، وأقبل إلى البيت الحرام فطاف أسبوعا ، ثم أنشأ يقول :

يا ربّ إن محمدا لم يوجد

فجميع قومي كلها (٢) متردد

فسمعت مناديا ينادي من جو الهواء (٣) : معاشر القوم ، لا تضجّوا (٤) ، فإن لمحمد ربّا لا يخذله ولا يضيّعه. فقال عبد المطلب : يا أيّها الهاتف من لنا به؟ قالوا : بوادي تهامة عند شجرة اليمنى ، فأقبل عبد المطلب راكبا فلما صار في بعض الطريق تلقاه ورقة بن نوفل ، فصارا جميعا يسيران فبينما هم كذلك إذا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائم تحت شجرة يجذب أغصانها ويعبث بالورق. فقال عبد المطلب : من أنت يا غلام؟ فقال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. قال عبد المطلب : فدتك نفسي ، وأنا جدك عبد المطلب ، ثم احتمله على عاتقه (٥) ولثمه وضمّه إلى صدره ، وجعل يبكي. ثم حمله على قربوس (٦) سرجه ، وردّه إلى مكة ، فاطمأنت قريش ، فلما اطمأن الناس نحر عبد المطلب عشرين (٧) بعيرا وذبح أكبشا (٨) والبقر ، وحمل طعاما وأطعم أهل مكة.

قالت حليمة : ثم جهّزني عبد المطلب بأحسن الجهاز وصرفني ، وانصرفت إلى منزلي ، وإذا بكلّ خير دنيا ، لا أحسن وصف كنه خيري وصار محمد عند جده.

قالت حليمة : وحدثت عبد المطلب بحديثه كله ، فضمّه إلى صدره وبكى ، وقال : يا حليمة إنّ لابني شأنا ، وددت أني أدرك ذلك الزمان.

__________________

(١) في الدلائل : فإن سبقت خيلا سبّقنا معك.

(٢) في البيهقي : كلهم.

(٣) بالأصل وخع : «من حواليهم» والمثبت عن البيهقي.

(٤) في البيهقي : لا تصيحوا.

(٥) بعدها في البيهقي : وعانقه.

(٦) القربوس : حنو السرج (اللسان).

(٧) في الدلائل : جزورا.

(٨) في الدلائل : الشاء.

٤٧٨

هذا حديث غريب جدا وفيه (١) ألفاظ [ركيكة لا تشبه الصواب ،](٢) ويعقوب بن جعفر غير مشهور في الرواية. والمحفوظ من حديث حليمة ما تقدم قبل من رواية عبد الله بن جعفر.

أخبرنا أبو الفضل محمد بن إسماعيل الفضيلي (٣) ، وأبو المحاسن سعد بن علي بن الموفق بن زياد ، وأبو بكر أحمد بن يحيى بن الحسن الأرزنجاني (٤) ، وأبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب الهرويون قالوا : أخبرنا أبو الحسن عبد الرّحمن بن محمد بن المظفر الداودي البوسنجي ، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حموية ، أنبأنا أبو عمران عيسى بن عمر بن العباس ، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرّحمن بن بهرام الدارمي ، أنبأنا عبد الله بن صالح ، حدثني معاوية ، عن يونس بن ميسرة ، عن أبي إدريس ، عن ابن غنم ، قال : نزل جبريل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فشقّ بطنه ثم قال جبريل : قلب وكيع ، فيه أذنان سميعتان (٥) وعينان يبصران (٦) محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المقفّي الحاشر ، قلبك قيم ، ولسانك صادق ، ونفسك مطمئنة (٧).

__________________

(١) بالأصل وخع : وفيها.

(٢) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وخع ، والزيادة عن مطبوعة ابن عساكر السيرة ١ / ٣٨٨.

(٣) عن خع وبالأصل : الفضيل.

(٤) هذه النسبة إلى أرزنجان ، من بلاد أرمينيا. وفي خع : «الأذرنجاني».

(٥) عن مطبوعة ابن عساكر السيرة ١ / ٣٨٩ وبالأصل وخع : سمعيان.

(٦) الأصل وخع ، وفي المطبوعة : بصيرتان.

(٧) إلى هنا تنتهي المطبوعة ابن عساكر السيرة.

٤٧٩

باب

ذكر عروجه إلى السّماء واجتماعه بجماعة من الأنبياء

أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن علي القاضي البيهقي ، وأبو القاسم بن طاهر الشّحّامي ، قالا : أنبأنا أبو بكر بن خلف المقرئ.

وأخبرنا أبو بكر وجيه (١) بن طاهر الشّحّامي ، أنبأنا أبو حامد أحمد بن الحسن بن محمد الأزهري ، أنبأنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي ، أنبأنا أبو العبّاس السراج ، أنبأنا عبد الرحمن ، أنبأنا عبد الله بن سعيد أبو قدامة ، أنبأنا معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن قتادة ، أنبأنا أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة (٢) : أن نبيّ الله عليه الصلاة والسلام قال : «بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان أتيت بطشت من ذهب ممتلئ (٣) إيمانا وحكمة فشق (٤) من النحر إلى مراق (٥) البطن ، وأخرج القلب فغسل بماء زمزم ثم مليء إيمانا وحكمة وأتيت ـ وقال المغربي : فأوتيت ـ بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق فانطلقت أنا وجبريل حتى أتينا السّماء الدنيا قيل من هذا؟ قال : جبريل قيل : ومن معك؟ قال : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قالوا : مرحبا به ونعم المجيء جاء ، فأتيت على آدم فسلّمت عليه فقال : مرحبا بك من ابن (٦) ونبيّ.

__________________

(١) بالأصل وخع : «دحية» والصواب ما أثبت عن سند مماثل.

(٢) انظر دلائل البيهقي ٢ / ٣٧٧ ومسلم في الصحيح كتاب الأيمان ح (٢٦٥) ج ١ / ١٥١.

(٣) بالأصل وخع «ملأ» والمثبت عن البيهقي.

(٤) عن البيهقي وبالأصل وخع : يشق.

(٥) مراق البطن : ما سفل من البطن ورق من جلده.

(٦) في البيهقي ٢ / ٣٧٤ والمختصر ٢ / ١١٤ مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح.

٤٨٠