مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٢

٢١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار وعبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله عز وجل إني جعلت الدنيا بين عبادي قرضا فمن أقرضني منها قرضا أعطيته بكل واحدة عشرا إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك ومن لم يقرضني منها قرضا فأخذت منه شيئا قسرا فصبر أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا بها

______________________________________________________

الحديث الحادي والعشرون : صحيح.

« بين عبادي قرضا » القرض القطع وما سلفت من إساءة أو إحسان ، وما تعطيه لتقضاه ، والمعنى أعطيتهم مقسوما بينهم ليقرضوني فأعوضهم أضعافها لا ليمسكوا عليها ، وقيل : أي جعلتها قطعة قطعة وأعطيت كلا منهم نصيبا « فمن أقرضني منها قرضا » أي نوعا من القرض كصلة الإمام والصدقة والهدية إلى الإخوان ونحوها « وما شئت من ذلك » أي من عدد العطية أو الزيادة زائدا على السبعمائة كما قال تعالى : « وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ » (١) وقيل : إشارة إلى كيفية الثواب المذكور والتفاوت باعتبار تفاوت مراتب الإخلاص وطيب المال ، واستحقاق الأخذ وصلاحه وقرابته وأشباه ذلك ، والقسر : القهر « لرضوا بها مني » أي رضا كاملا.

« الَّذِينَ » صدر الآية : « وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ » قال الطبرسي قدس الله روحه : أي نالتهم نكبة في النفس أو المال فوطنوا أنفسهم على ذلك احتسابا للأجر ، والمصيبة المشقة الداخلة على النفس لما يلحقها من المضرة وهو من الإصابة كأنها يصيبها بالنكبة « قالُوا إِنَّا لِلَّهِ » إقرارا بالعبودية أي نحن عبيد الله وملكه « وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » هذا إقرار بالبعث والنشور أي نحن إلى حكمه نصير ، ولهذا قال

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٦١.

١٤١

مني قال ثم تلا أبو عبد الله عليه‌السلام ـ قول الله عز وجل : « الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ » فهذه واحدة من ثلاث خصال : « وَرَحْمَةٌ » اثنتان « وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ » (١) ثلاث ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام هذا لمن أخذ الله منه شيئا قسرا.

٢٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعلي بن محمد القاساني ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود ، عن يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال مروة الصبر في حال الحاجة والفاقة والتعفف والغنى أكثر من

______________________________________________________

أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن قولنا إنا لله ، إقرار علي أنفسنا بالملك ، وقولنا وإنا إليه راجعون ، إقرار على أنفسنا بالهلك ، وإنما كانت هذه اللفظة تعزية عن المصيبة لما فيها من الدلالة على أن الله تعالى يجبرها إن كانت عدلا ، وينصف من فاعلها إن كانت ظلما ، وتقديره إنا لله تسليما لأمره ورضا بتدبيره ، وإنا إليه راجعون ، ثقة بأنا نصير إلى عدله وانفراده بالحكم في أموره.

« صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ » أي ثناء جميل من ربهم وتزكية وهو بمعنى الدعاء لأن الثناء يستحق دائما ، ففيه معنى اللزوم كما أن الدعاء يدعى به مرة بعد مرة ، ففيه معنى اللزوم ، وقيل : بركات من ربهم عن ابن عباس ، وقيل : مغفرة من ربهم ورحمة أي نعمة عاجلا وآجلا ، فالرحمة النعمة على المحتاج ، وكل أحد يحتاج إلى نعمة الله في دنياه وعقباه.

« وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ » أي المصيبون طريق الحق في الاسترجاع وقيل : إلى الجنة والثواب ، انتهى.

قوله : هذا لمن أخذ الله منه شيئا قسرا ، أي فكيف من أنفق بطيب نفسه.

الحديث الثاني والعشرون : ضعيف.

وقد مضى معنى المروة وهي الصفات التي بها تكمل إنسانية الإنسان ، و

__________________

(١) سورة البقرة : ١٧٥.

١٤٢

مروة الإعطاء.

٢٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام يرحمك الله ما الصبر الجميل قال ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى الناس.

٢٤ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن بعض أصحابه ، عن أبان ، عن عبد الرحمن بن سيابة ، عن أبي النعمان ، عن أبي عبد الله أو أبي جعفر عليه‌السلام قال من لا يعد الصبر لنوائب الدهر يعجز.

٢٥ ـ أبو علي الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إنا صبر وشيعتنا أصبر منا قلت جعلت فداك كيف

______________________________________________________

الفاقة الفقر والحاجة ، والتعفف ترك السؤال عن الناس وهو عطف على الصبر والغناء بالغين المعجمة أيضا الاستغناء عن الناس وإظهار الغناء لهم ، وفي بعض النسخ بالمهملة بمعنى التعب فعطفه على الحاجة حينئذ أنسب ، وتخلل التعطف في البين مما يبعده فالأظهر على تقديره عطفه على الصبر أيضا.

الحديث الثالث والعشرون : كالسابق.

« شكوى إلى الناس » ظاهره عموم الناس وربما يختص بغير المؤمن لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : من شكا الحاجة إلى مؤمن فكأنما شكاها إلى الله ، ومن شكاها إلى كافر فكأنما شكا الله.

الحديث الرابع والعشرون : مرسل.

« من لا يعد الصبر » أي لم يجعل الصبر ملكة راسخة في نفسه يدفع صولة نزول النوائب والمصائب به يعجز طبعه ونفسه عن مقاومتها وتحملها فيهلك بالهلاك الصوري والمعنوي أيضا بالجزع وتفويت الأجر ، وربما انتهى به إلى الفسق بل الكفر.

الحديث الخامس والعشرون : ضعيف.

والصبر بضم الصاد وتشديد الباء المفتوحة جمع الصابر « أصبر منا » أي الصبر

١٤٣

صار شيعتكم أصبر منكم قال لأنا نصبر على ما نعلم وشيعتنا يصبرون على ما لا يعلمون.

______________________________________________________

عليهم أشق وأشد « لأنا نصبر على ما نعلم ».

أقول : يحتمل وجوها : « الأول » وهو الأظهر أن المعنى إنا نصبر على ما نعلم نزوله قبل وقوعه ، وهذا مما يهين المصيبة ويسهلها وشيعتنا تنزل عليهم المصائب فجأة مع عدم علمهم بها قبل وقوعها ، فهي عليهم أشد ، ويؤيده ما مر أن قوله تعالى : « ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » (١) نزل فيهم عليهم‌السلام فتدبر.

الثاني : أن المعنى إنا نصبر على ما نعلم كنه ثوابه ، والحكمة في وقوعه ، ورفعة الدرجات بسببه وشيعتنا ليس علمهم بجميع ذلك كعلمنا وهذه كلها مما يسكن النفس عند المصيبة ويعزيها.

الثالث : أنا نصبر على ما نعلم عواقبه وكيفية زواله وتبدل الأحوال بعده كعلم يوسف عليه‌السلام في الجب بعاقبة أمره واحتياج الأخوة إليه ، وكذا علم الأئمة عليهم‌السلام برجوع الدولة إليهم والانتقام من أعدائهم وابتلاء أعدائهم بأنواع العقوبات في الدنيا والآخرة ، وهذا قريب من الوجه الثاني.

__________________

(١) سورة الحديد : ٢٢ ـ ٢٣.

١٤٤

باب الشكر

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الطاعم الشاكر له من الأجر كأجر الصائم

______________________________________________________

باب الشكر

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

وقال الراغب : الشكر تصور النعمة وإظهارها ، قيل : وهو مقلوب عن الكشر أي الكشف ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة وسترها ، ودابة شكور مظهر لسمنه إسداء صاحبه إليه ، وقيل : أصله من عين شكري أي ممتلئة ، فالشكر علي هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه والشكر ثلاثة أضرب شكر القلب وهو تصور النعمة ، وشكر باللسان وهو الثناء على المنعم ، وشكر بسائر الجوارح وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقها ، انتهى.

وقال المحقق الطوسي قدس‌سره : الشكر أشرف الأعمال وأفضلها ، واعلم أن الشكر مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية ، وله أركان ثلاثة : الأول : معرفة المنعم وصفاته اللائقة به ومعرفة النعمة من حيث إنها نعمة ، ولا تتم تلك المعرفة إلا بأن يعرف أن النعم كلها جليها وخفيها من الله سبحانه ، وأنه المنعم الحقيقي ، وأن الأوساط كلها منقادون لحكمه مسخرون لأمره ، الثاني : الحال التي هي ثمرة تلك المعرفة ، وهي الخضوع والتواضع والسرور بالنعم من حيث إنها هدية دالة على عناية المنعم بك ، وعلامة ذلك أن لا تفرح من الدنيا إلا بما يوجب القرب منه ، الثالث : العمل الذي هو ثمرة تلك الحال فإن تلك الحال إذا حصلت في القلب حصل فيه نشاط للعمل الموجب للقرب منه.

وهذا العمل يتعلق بالقلب واللسان والجوارح ، أما عمل القلب فالقصد إلى

١٤٥

المحتسب والمعافى الشاكر له من الأجر كأجر المبتلى الصابر والمعطى الشاكر له من الأجر كأجر المحروم القانع.

______________________________________________________

تعظيمه وتحميده وتمجيده ، والتفكر في صنائعه وأفعاله وآثار لطفه ، والعزم على إيصال الخير والإحسان إلى كافة خلقه ، وأما عمل اللسان فإظهار ذلك المقصود بالتحميد والتمجيد والتسبيح والتهليل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى غير ذلك ، وأما عمل الجوارح فاستعمال نعمه الظاهرة والباطنة في طاعته وعبادته ، والتوقي من الاستعانة بها في معصيته ومخالفته ، كاستعمال العين في مطالعة مصنوعاته وتلاوة كتابه وتذكر العلوم المأثورة من الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، وكذا سائر الجوارح.

فظهر أن الشكر من أمهات صفات الكمال وتحقق الكامل منه نادر كما قال سبحانه : « وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ » (١) ولما كان الشكر بالجوارح التي هي من نعمه تعالى ولا يتأتى إلا بتوفيقه سبحانه فالشكر أيضا نعمة من نعمه ويوجب شكرا آخر ، فينتهي إلى الاعتراف بالعجز عن الشكر ، فآخر مراتب الشكر الاعتراف بالعجز عنه ، كما أن آخر مراتب المعرفة والثناء الاعتراف بالعجز عنهما ، وكذا العبادة كما قال سيد العابدين والعارفين والشاكرين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما عبدناك حق عبادتك وما عرفناك حق معرفتك.

قوله عليه‌السلام : الطاعم الشاكر ، الطاعم يطلق على الآكل والشارب ، كما قال تعالى : « وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ » (٢) ويقال : فلان احتسب عمله وبعمله إذا نوى به وجه الله ، والمعطي اسم مفعول ، والمحروم من حرم العطاء من الله أو من الخلق والقانع الراضي بما أعطاه الله.

__________________

(١) سورة سبأ : ١٣ :.

(٢) سورة البقرة : ٢٤٩.

١٤٦

٢ ـ وبهذا الإسناد قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما فتح الله على عبد باب شكر فخزن عنه باب الزيادة.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن جعفر بن محمد البغدادي ، عن عبد الله بن إسحاق الجعفري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال مكتوب في التوراة اشكر من أنعم عليك وأنعم على من شكرك فإنه لا زوال للنعماء إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت الشكر زيادة في النعم وأمان من الغير.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمد بن علي ، عن علي بن أسباط ، عن يعقوب بن سالم ، عن رجل ، عن [ أبي جعفر أو ] أبي عبد الله عليه‌السلام قال المعافى الشاكر له من الأجر ما للمبتلى الصابر والمعطى الشاكر له من الأجر كالمحروم القانع.

______________________________________________________

الحديث الثاني : مثل الأول.

« فخزن » أي أحرز ومنع ، ومثله في نهج البلاغة : ما كان الله ليفتح على عبد باب الشكر ويغلق عليه باب الزيادة وهما إشارتان إلى قوله تعالى : « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ » (١).

الحديث الثالث : مجهول.

« من أنعم عليك » يشمل المنعم الحقيقي وغيره « زيادة في النعم » أي سبب لزيادتها « وأمان من الغير » أي من تغير النعمة بالنقمة والغير بكسر الغين وفتح الباء اسم للتغير ويظهر من القاموس أنه بفتح الغين وسكون الياء ، قال في النهاية في حديث الاستسقاء : من يكفر بالله يلق الغير ، أي تغير الحال وانتقالها من الصلاح إلى الفساد ، والغير الاسم من قولك غيرت الشيء فتغير ، وفي بعض النسخ بالباء الموحدة وهو محركة داهية لا يهتدي لمثلها ، والظاهر أنه تصحيف.

الحديث الرابع : ضعيف.

وقد مر مضمونه.

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٧.

١٤٧

٥ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن داود بن الحصين ، عن فضل البقباق قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ » (١) قال الذي أنعم عليك بما فضلك وأعطاك وأحسن إليك ثم قال فحدث بدينه وما أعطاه الله وما أنعم به عليه.

______________________________________________________

الحديث الخامس : موثق.

« وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ » قال في مجمع البيان : معناه : اذكر نعم الله تعالى وأظهرها وحدث بها ، وفي الحديث التحدث بنعمة الله شكر وتركه كفر ، وقال الكلبي : يريد بالنعمة القرآن وكان أعظم ما أنعم الله عليه به ، فأمره أن يقرأه وقال مجاهد والزجاج : يريد بالنبوة التي أعطاك ربك أي بلغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التي أتاكها الله ، وهي أجل النعم وقيل : معناه اشكر بما ذكر من النعمة عليك في هذه السورة ، وقال الصادق عليه‌السلام : معناه فحدث بما أعطاك الله وفضلك ورزقك وأحسن إليك وهداك ، انتهى.

قوله : بما فضلك ، بيان للنعمة أي بتفضيلك على سائر الخلق ، أو بما فضلك به من النبوة الخاصة وأعطاك من العلم والمعرفة والمحبة وسائر الكمالات النفسانية والشفاعة واللواء والحوض وسائر النعم الأخروية « وأحسن إليك » من النعم الدنيوية أو الأعم.

« ثم قال » : أي الإمام عليه‌السلام ، فحدث بصيغة الماضي أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عملا بما أمر به « بدينه » أي العقائد الإيمانية والعبادات القلبية والبدنية « وما أعطاه » من النبوة والفضل والكرامة في الدنيا والآخرة « وما أنعم به عليه » من النعم الدنيوية والأخروية والجسمانية والروحانية.

__________________

(١) سورة الضحى : ١١.

١٤٨

٦ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند عائشة ليلتها فقالت يا رسول الله لم تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال يا

______________________________________________________

الحديث السادس : كالسابق.

« وقد غفر الله لك » إشارة إلى قوله تعالى : « إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ » وللشيعة في تأويله أقوال : أحدها : أن المراد ليغفر لك الله ما تقدم من ذنب أمتك وما تأخر بشفاعتك وإضافة ذنوب أمته إليه للاتصال والسبب بينه وبين أمته ، ويؤيده ما رواه المفضل بن عمر عن الصادق عليه‌السلام قال :

سأله رجل عن هذه الآية فقال : والله ما كان له ذنب ولكن الله سبحانه ضمن له أن يغفر ذنوب شيعة على ما تقدم من ذنبهم وما تأخر ، وروى عمر بن يزيد عنه عليه‌السلام قال : ما كان له ذنب ولا هم بذنب ولكن الله حمله ذنوب شيعته ثم غفرها له.

والثاني : ما ذكره السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه أن الذنب مصدر والمصدر يجوز إضافته إلى الفاعل والمفعول معا فيكون هنا مضافا إلى المفعول والمراد ما تقدم من ذنبهم إليك في منعهم إياك عن مكة وصدهم لك عن المسجد الحرام ويكون معنى المغفرة على هذا التأويل الإزالة والنسخ لأحكام أعدائه من المشركين عليه أي يزيل الله ذلك عنده ويستر عليك تلك الوصمة بما يفتح الله لك من مكة فستدخلها فيما بعد ، ولذلك جعله جزاء على جهاده وغرضا في الفتح ووجها له ، قال : ولو أنه أراد مغفرة ذنوبه لم يكن لقوله : « إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ » معنى معقول لأن المغفرة للذنوب لا تعلق لها بالفتح فلا يكون غرضا فيه ، وأما قوله : « ما تقدم وما تأخر » فلا يمتنع أن يريد به ما تقدم زمانه من فعلهم القبيح بك وبقومك.

الثالث : أن معناه لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه لك.

الرابع : أن المراد بالذنب هناك ترك المندوب ، وحسن ذلك لأن من المعلوم

١٤٩

عائشة ألا أكون عبدا شكورا قال وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقوم على أطراف أصابع

______________________________________________________

أنه عليه‌السلام ممن لا يخالف الأوامر الواجبة فجاز أن يسمى ذنبا منه ما لو وقع من غيره لم يسم ذنبا لعلو قدره ورفعة شأنه.

الخامس : أن القول خرج مخرج التعظيم وحسن الخطاب كما قيل في قوله : « عَفَا اللهُ عَنْكَ » (١).

أقول : وقد روى الصدوق في العيون بإسناده عن علي بن محمد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليه‌السلام فقال له المأمون : يا بن رسول الله أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال : بلى ، قال : فما معنى قول الله : « لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ »؟ قال الرضا عليه‌السلام : لم يكن أحد عند مشركي مكة أعظم ذنبا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما ، فلما جاءهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا : « أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ » إلى قوله : « إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ » (٢) فلما فتح الله تعالى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة قال له : يا محمد « إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ » عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه ، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم ، فقال المأمون : لله درك يا أبا الحسن.

وكان هذا الحديث بالوجه الرابع أنسب ، لتقريره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلام عائشة وإن أمكن توجيهه على بعض الوجوه الأخر.

والحاصل أن عائشة توهمت أن ارتكاب المشقة في الطاعات إنما يكون

__________________

(١) سورة التوبة : ٤٣.

(٢) سورة ص : ٥ ـ ٧.

١٥٠

رجليه فأنزل الله سبحانه وتعالى : « طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى » (١).

______________________________________________________

لمحو السيئات فأجاب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه ليس منحصرا في ذلك بل يكون لشكر النعم الغير المتناهية ورفع الدرجات الصورية والمعنوية بل الطاعات عند المحبين من أعظم اللذات كما عرفت.

« طه » قيل : معنى « طه » يا رجل عن ابن عباس وجماعة ، وقد دلت الأخبار الكثيرة أنه من أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم روى علي بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صلى قام على أصابع رجليه حتى تورم فأنزل الله تبارك وتعالى « طه » بلغة طي يا محمد « ما أَنْزَلْنا ». الآية.

وروى الصدوق في معاني الأخبار بإسناده عن سفيان الثوري عن الصادق عليه‌السلام في حديث طويل قال فيه : فأما طه فاسم من أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعناه : يا طالب الحق الهادي إليه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى بل لتسعد ، وروى الطبرسي في الاحتجاج عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ولقد قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشر سنين على أطراف أصابعه حتى تورمت قدماه وأصفر وجهه يقوم الليل أجمع حتى عوتب في ذلك ، فقال الله عز وجل « طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى » بل لتسعد به « الخبر ».

وقال النسفي من العامة : قال القشيري : الطاء إشارة إلى طهارة قلبه عن غير الله ، والهاء إلى اهتداء قلبه إلى الله ، وقيل : الطاء طرب أهل الجنة والهاء هوان أهل النار ، وقال الطبرسي (ره) : روي عن الحسن أنه قرأ طه بفتح الطاء وسكون الهاء ، فإن صح ذلك عنه فأصله طاه فأبدل من الهمزة هاء ومعناه طأ الأرض بقدميك جميعا فقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يرفع إحدى رجليه في الصلاة ليزيد تعبه ، فأنزل الله : طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ، فوضعها ، وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

__________________

(١) سورة طه : ١ ـ ٢.

١٥١

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن حسن بن جهم ، عن أبي اليقظان ، عن عبيد الله بن الوليد قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ثلاث لا يضر معهن شيء الدعاء عند الكرب والاستغفار عند الذنب والشكر عند النعمة.

______________________________________________________

وقال الحسن : هو جواب للمشركين حين قالوا إنه شقي فقال سبحانه : يا رجل « ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى » لكن لتسعد به تنال الكرامة به في الدنيا والآخرة.

قال قتادة : وكان يصلي الليل كله ويعلق صدره بحبل حتى لا يغلبه النوم فأمره الله سبحانه أن يخفف عن نفسه ، وذكر أنه ما أنزل عليه الوحي ليتعب كل هذا التعب.

وقال البيضاوي : المعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب بفرط تأسفك على كفر قريش ، إذ ما عليك إلا أن تبلغ أو بكثرة الرياضة وكثرة التهجد والقيام على ساق ، والشقاء شائع بمعنى التعب. ولعله عدل إليه للإشعار بأنه أنزل عليه ليسعد ، وقيل : رد وتكذيب للكفرة فإنهم لما رأوا كثرة عبادته قالوا إنك لتشقى بترك ديننا وأن القرآن أنزل إليك لتشقى به ، انتهى.

وأقول : القيام على رجل واحد وعلى أطراف الأصابع وأمثالهما لعلها كانت ابتداء في شريعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نسخت ، بناء على ما هو الأظهر من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عاملا بشريعة نفسه أو في شريعة من كان يعمل بشريعته على الأقوال الأخر ، وقد بسطنا القول في ذلك في الكتاب الكبير.

الحديث السابع : مجهول.

ومفاده معلوم لأن الدعاء يدفع الكرب والاستغفار يمحو الذنوب والشكر يوجب عدم زوال النعمة ، ويؤمن من كونها استدراجا ووبالا في الآخرة.

١٥٢

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن جبلة ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أعطي الشكر أعطي الزيادة يقول الله عز وجل : « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ » (١).

٩ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، عن رجلين من أصحابنا سمعاه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما أنعم الله على عبد من نعمة فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهرا بلسانه فتم كلامه حتى يؤمر له بالمزيد.

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابنا ، عن محمد بن هشام ، عن ميسر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال شكر النعمة اجتناب المحارم وتمام الشكر قول الرجل : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

______________________________________________________

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

الحديث التاسع : مرسل.

« فعرفها بقلبه » أي عرف قدر النعمة وعظمتها وأنها من الله تعالى لأنه مسبب الأسباب وفيه إشعار بأن الشكر الموجب للمزيد هو القلبي مع اللساني.

الحديث العاشر : مجهول.

ويدل على أن اجتناب المحارم من أعظم الشكر الأركاني ، وأن الحمد لله رب العالمين فرد كامل من الشكر لأنه يستفاد منه اختصاص جميع المحامد بالله سبحانه فيدل على أنه المولى بجميع النعم الظاهرة والباطنة ، وأنه رب لجميع ما سواه وخالق ومرب لها ، وأنه لا شريك له في الخالقية والمعبودية والرازقية ، وقوله :

تمام الشكر ، المراد به الشكر التام الكامل أو هو متمم لاجتناب المحارم ومكمل له.

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٧.

١٥٣

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن عيينة ، عن عمر بن يزيد قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول شكر كل نعمة وإن عظمت أن تحمد الله عز وجل عليها.

١٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا قال نعم قلت ما هو قال يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه ومنه قوله جل وعز : « سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ » (١) ومنه قوله تعالى : « رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً

______________________________________________________

الحديث الحادي عشر : حسن.

ويدل على أن الشكر يتحقق بالحمد اللساني ولا ينافي كون كماله بانضمام شكر الجنان والأركان.

الحديث الثاني عشر : صحيح.

قوله : حق ، أي واجب أو الأعم « ومنه » أي من الشكر أو من الحق الذي يجب أداؤه فيما أنعم الله عليه أن يقول عند ركوب الفلك أو الدابة اللتين أنعم الله بهما عليه ما قال سبحانه تعليما لعباده وإرشادا لهم حيث قال عز وجل : « وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي » إلى قوله : « وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ » أي مطيقين ، من أقرنت الشيء إقرانا أطقته وقويت عليه.

قال الطبرسي (ره) في تفسير هذه الآية : ثم تذكروا نعمة ربكم فتشكروه على تلك النعمة التي هي تسخير ذلك المركب وتقولوا معترفين بنعمة منزهين له عن شبه المخلوقين : سبحان الذي سخر لنا هذا ، أي ذلله لنا حتى ركبناه قال قتادة

__________________

(١) سورة الزخرف : ١٣.

١٥٤

وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ » (١) وقوله : « رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ

______________________________________________________

قد علمكم كيف تقولون إذا ركبتم.

وروى العياشي بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ذكر النعمة أن تقول : الحمد لله الذي هدانا للإسلام وعلمنا القرآن ومن علينا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول بعده : « سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا » إلى قوله : « وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ » ومنه قوله تعالى : « رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ».

ليس هذا في بعض النسخ وعلى تقديره المعنى أنه من موسى عليه‌السلام كان متضمنا للشكر على نعمة الفقر وغيره لاشتماله على الاعتراف بالمنعم الحقيقي والتوسل إليه في جميع الأمور ، وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : والله ما سأله إلا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب لحمه ، وكذا علم سبحانه نوحا عليه‌السلام الشكر حيث أمره أن يقول عند دخول سفينة أو عند الخروج منها : « رَبِّ أَنْزِلْنِي » وصدر الآية هكذا :

« فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً » قرأ أبو بكر منزلا بفتح الميم وكسر الزاي أي موضع النزول ، قيل : هو السفينة بعد الركوب ، وقيل : هو الأرض بعد النزول ، وقرأ الباقون منزلا بضم الميم وفتح الزاي أي إنزالا مباركا ، فالبركة في السفينة النجاة وفي النزول بعد الخروج كثرة النسل من أولاده ، وقيل : مباركا بالماء والشجر.

« وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ » لأنه لا يقدر أحد على أن يصون غيره من الآفات إذا أنزل منزلا ويكفيه جميع ما يحتاج إليه إلا أنت فظهر أن هذا شكر أمر الله به وتوسل إلى جنابه سبحانه ، وكذا كل من قرأ هذه الآية عند نزول منزل أو دار فقد شكر الله ، وكذا ما علمه الله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول عند دخول مكة أو في جميع

__________________

(١) سورة المؤمنون : ٩٢.

١٥٥

لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً » (١).

١٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن معمر بن خلاد قال سمعت أبا الحسن صلوات الله عليه يقول من حمد الله على النعمة فقد شكره وكان الحمد أفضل من تلك النعمة.

١٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد ، عن علي بن الحكم ، عن صفوان الجمال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال لي ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت فقال الحمد لله إلا أدى شكرها.

______________________________________________________

الأمور « رَبِّ أَدْخِلْنِي » قيل : أي أدخلني في جميع ما أرسلتني به إدخال صدق وأخرجني منه سالما إخراج صدق ، أي أعني على الوحي والرسالة ، وقيل : معناه أدخلني المدينة وأخرجني منها إلى مكة للفتح ، وقيل : إنه أمر بهذا الدعاء إذا دخل في أمر أو خرج من أمر ، وقيل : أي أدخلني القبر عند الموت مدخل صدق وأخرجني منه عند البعث مخرج صدق ، ومدخل الصدق ما تحمد عاقبته في الدنيا والدين « وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً » أي عزا أمتنع به ممن يحاول صدي عن إقامة فرائضك ، وقوة تنصرني بها على من عاداني ، وقيل : اجعل لي ملكا عزيزا أقهر به العصاة فنصر بالرعب ، وقد ورد قراءتها عند الدخول على سلطان ، والتقريب في كونه شكرا ما مر.

الحديث الثالث عشر : صحيح.

« وكان الحمد » أي توفيق الحمد نعمة أخرى أفضل من النعمة الأولى ، ويستحق بذلك شكرا آخر فلا يمكن الخروج عن عهدة الشكر ، فمنتهى الشكر الاعتراف بالعجز ، أو المعنى أن أصل الحمد أفضل له من تلك النعمة لأن ثمراته الدنيوية والأخروية له أعظم.

الحديث الرابع عشر : كالسابق.

__________________

(١) سورة الإسراء ٨٠.

١٥٦

١٥ ـ أبو علي الأشعري ، عن عيسى بن أيوب ، عن علي بن مهزيار ، عن القاسم بن محمد ، عن إسماعيل بن أبي الحسن ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد أدى شكرها.

١٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن الرجل منكم ليشرب الشربة من الماء فيوجب الله له بها الجنة ثم قال إنه ليأخذ الإناء فيضعه على فيه فيسمي ـ ثم يشرب فينحيه وهو يشتهيه فيحمد الله ثم يعود فيشرب ثم ينحيه فيحمد الله ثم يعود فيشرب ثم ينحيه فيحمد الله فيوجب الله عز وجل بها له الجنة.

١٧ ـ ابن أبي عمير ، عن الحسن بن عطية ، عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إني سألت الله عز وجل أن يرزقني مالا فرزقني وإني سألت الله أن يرزقني ولدا فرزقني ولدا وسألته أن يرزقني دارا فرزقني وقد خفت أن يكون

______________________________________________________

الحديث الخامس عشر : ضعيف.

« فعرفها بقلبه » أي عرف قدر تلك النعمة وأن الله هو المنعم بها.

الحديث السادس عشر : حسن أو موثق.

ويدل على استحباب تثليث الشرب ، واستحباب الافتتاح بالتسمية مرة والاختتام بالتحميد ثلاثا وسيأتي في أبواب الشرب في صحيحة ابن سنان تثليث التحميد من غير تسمية ، وفي رواية أخرى عن عمر بن يزيد الافتتاح والاختتام بالتسمية والتحميد في كل مرة وهو أفضل.

قوله عليه‌السلام : فيضعه ، أي يريد وضعه أو يقرب وضعه على مجاز المشارفة إذ لا تسمية بعد الوضع.

الحديث السابع عشر : حسن كالصحيح.

وقال في القاموس : استدرجه خدعه وأدناه كدرجة واستدراجه تعالى العبد

١٥٧

ذلك استدراجا فقال أما والله مع الحمد فلا.

١٨ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن حماد بن عثمان قال خرج أبو عبد الله عليه‌السلام من المسجد وقد ضاعت دابته فقال لئن ردها الله علي لأشكرن الله حق شكره قال فما لبث أن أتي بها فقال الحمد لله فقال له قائل جعلت فداك أليس قلت لأشكرن الله حق شكره فقال أبو عبد الله عليه‌السلام ألم تسمعني قلت الحمد لله.

١٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن المثنى الحناط ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا ورد عليه أمر يسره قال الحمد لله على هذه النعمة وإذا ورد عليه أمر يغتم به قال ـ الحمد لله على كل حال.

______________________________________________________

أنه كلما جدد خطيئة جدد له نعمة وأنساه الاستغفار ، أو أن يأخذه قليلا قليلا ولا يباغته.

الحديث الثامن عشر : ضعيف على المشهور.

ويدل على أن قول الحمد لله ، أفضل أفراد الحمد اللساني ، وكفى به فضلا افتتاحه سبحانه كتابه به ، مع أنه على الوجه الذي قاله عليه‌السلام مقرونا بغاية الإخلاص والمعرفة كان حق الشكر له تعالى.

الحديث التاسع عشر : ضعيف.

« يغتم به » على بناء المعلوم وقد يقرأ على المجهول « الحمد لله على كل حال » أي هو المستحق للحمد على النعمة والبلاء ، لأن كل ما يفعله الله بعبده ففيه لا محالة صلاحه.

قيل : في كل بلاء خمسة أنواع من الشكر.

الأول : يمكن أن يكون دافعا أشد منه كما أن موت دابته دافع لموت نفسه فينبغي الشكر على عدم ابتلائه بالأشد.

١٥٨

٢٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال تقول ثلاث مرات إذا نظرت إلى المبتلى من غير أن تسمعه ـ الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ولو شاء فعل قال من قال ذلك لم يصبه ذلك البلاء أبدا.

٢١ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن غير واحد ، عن أبان بن عثمان ، عن حفص الكناسي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما من عبد يرى مبتلى فيقول ـ الحمد لله الذي عدل عني ما ابتلاك به وفضلني عليك بالعافية اللهم عافني مما ابتليته به إلا لم يبتل بذلك البلاء.

______________________________________________________

الثاني : أن البلاء أما كفارة للذنوب أو سبب لرفع الدرجة فينبغي الشكر على كل منهما.

الثالث : أن البلاء مصيبة دنيوية فينبغي الشكر على أنه ليس مصيبة دينية ، وقد نقل أن عيسى عليه‌السلام مر على رجل أعمى مجذوم مبروص مفلوج فسمع منه يشكر ويقول الحمد لله الذي عافاني من بلاء ابتلى به أكثر الخلق فقال عليه‌السلام : ما بقي من بلاء لم يصبك؟ قال : عافاني من بلاء هو أعظم البلايا وهو الكفر فمسه عليه‌السلام فشفاه الله من تلك الأمراض وحسن وجهه ، فصاحبه وهو يعبد معه.

الرابع : أن البلاء كان مكتوبا في اللوح المحفوظ وكان في طريقه لا محالة فينبغي الشكر على أنه مضي ووقع خلف ظهره.

الخامس : أن بلاء الدنيا سبب لثواب الآخرة وزوال حب الدنيا من القلب فينبغي الشكر عليها.

الحديث العشرون : حسن كالصحيح.

« إلى المبتلي » قد يقال يعم المبتلي بالمعصية أيضا إلا أن عدم الإسماع لا يناسبه من غير أن تسمعه لئلا ينكسر قلبه ويكون موهما للشماتة.

الحديث الحادي والعشرون : مرسل.

١٥٩

٢٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن خالد بن نجيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا رأيت الرجل وقد ابتلي وأنعم الله عليك فقل ـ اللهم إني لا أسخر ولا أفخر ولكن أحمدك على عظيم نعمائك علي.

٢٣ ـ عنه ، عن أبيه ، عن هارون بن الجهم ، عن حفص بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رأيتم أهل البلاء فاحمدوا الله ولا تسمعوهم فإن ذلك يحزنهم.

٢٤ ـ عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في سفر يسير على ناقة له إذا نزل فسجد خمس سجدات فلما أن ركب قالوا يا رسول الله إنا رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه فقال نعم استقبلني ـ جبرئيل عليه‌السلام فبشرني ببشارات من الله عز وجل فسجدت لله شكرا لكل بشرى سجدة.

٢٥ ـ عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن يونس بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا ذكر أحدكم نعمة الله عز وجل فليضع خده على التراب شكرا لله فإن

______________________________________________________

الحديث الثاني والعشرون : مجهول.

« لا أسخر » أي لا أستهزئ ، يقال : سخر منه وبه كفرح هزأ والمعنى لا أسخر من هذا المبتلي بابتلائه بذلك ولا أفخر عليه ببراءتي منه.

الحديث الثالث والعشرون : مجهول.

الحديث الرابع والعشرون : موثق.

ويدل على استحباب سجدة الشكر عند تجدد كل نعمة والبشارة بها ، ولا خلاف فيه بين أصحابنا وإن أنكره المخالفون خلافا للشيعة مع ورودها في رواياتهم كثيرا وسيأتي في كتاب الصلاة إنشاء الله.

الحديث الخامس والعشرون : مجهول.

ويدل على استحباب وضع الخد في سجدة الشكر وعلى استحبابها عند تذكر

١٦٠