مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٢

كان راكبا فلينزل فليضع خده على التراب وإن لم يكن يقدر على النزول للشهرة فليضع خده على قربوسه وإن لم يقدر فليضع خده على كفه ثم ليحمد الله على ما أنعم عليه.

٢٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن عطية ، عن هشام بن أحمر قال كنت أسير مع أبي الحسن عليه‌السلام في بعض أطراف المدينة إذ ثنى رجله عن دابته فخر ساجدا فأطال وأطال ثم رفع رأسه وركب دابته فقلت جعلت فداك قد أطلت السجود فقال إنني ذكرت نعمة أنعم الله بها علي فأحببت أن أشكر ربي.

٢٧ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي عبد الله صاحب السابري فيما أعلم أو غيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال فيما أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه‌السلام يا موسى اشكرني حق شكري فقال يا رب وكيف أشكرك حق شكرك وليس

______________________________________________________

النعم أيضا ، ولو كان بعد حدوثها بمدة وعلى استحباب حمد الله فيها.

الحديث السادس والعشرون : حسن كالصحيح.

ويدل على فورية سجدة الشكر وعلى أنهم عليهم‌السلام يذهلون عن بعض الأمور في بعض الأحيان وكان هذا ليس من السهو المتنازع فيه.

الحديث السابع والعشرون : مجهول.

تقول أديت حق فلان إذا قابلت إحسانه بإحسان مثله ، والمراد هنا طلب أداء شكر نعمته على وجه التفصيل وهو لا يمكن من وجوه :

الأول : أن نعمه غير متناهية لا يمكن إحصاؤها تفصيلا فلا يمكن مقابلتها بالشكر.

الثاني : أن كل ما نتعاطاه مستند إلى جوارحنا وقدرتنا من الأفعال فهي في الحقيقة نعمة وموهبة من الله تعالى ، وكذلك الطاعات وغيرها نعمة منه ، فتقابل نعمته

١٦١

من شكر أشكرك به إلا وأنت أنعمت به علي قال يا موسى الآن شكرتني حين علمت أن ذلك مني.

٢٨ ـ ابن أبي عمير ، عن ابن رئاب ، عن إسماعيل بن الفضل قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا أصبحت وأمسيت فقل عشر مرات ـ اللهم ما أصبحت بي من نعمة أو عافية من دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك لك الحمد ولك الشكر بها علي

______________________________________________________

بنعمته.

الثالث : أن الشكر أيضا نعمة منه حصل بتوفيقه فمقابلة كل نعمة بالشكر يوجب التسلسل والعجز ، وقول موسى عليه‌السلام يحتمل كلا من الوجهين الأخيرين ، وقد روي هذا عن داود عليه‌السلام أيضا حيث قال : يا رب كيف أشكرك وأنا لا أستطيع أن أشكرك إلا بنعمة ثانية من نعمك ، فأوحى الله تعالى إليه : إذا عرفت هذا فقد شكرتني.

الحديث الثامن والعشرون : حسن كالصحيح.

« ما أصبحت بي » الإصباح الدخول في الصباح ، وقد يراد به الدخول في الأوقات مطلقا ، وعلى الأول ذكره على المثال ، فيقول في المساء ما أمست وما موصولة مبتدأ ، والظرف مستقر والباء للملابسة أي متلبسا بي فهو حال عن الموصول ، و « من نعمة » بيان له ولذا أنث الضمير العائد إلى الموصول في أصبحت رعاية للمعنى ، وفي بعض الروايات أصبح رعاية للفظ ، وقوله : فمنك ، خبر الموصول والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط وربما يقرأ منك بفتح الميم وتشديد النون وهو تصحيف. « حتى ترضى » المراد به أول مراتب الرضا ، « وبعد الرضا » أي سائر مراتبه فإن كان المراد بقوله لك الحمد ولك الشكر إنك تستحقهما يكون أول مراتب الرضا دون الاستحقاق ، فإن الله سبحانه يرضى بقليل مما يستحقه من الحمد والشكر والطاعة ، وإن كان

١٦٢

يا رب حتى ترضى وبعد الرضا فإنك إذا قلت ذلك كنت قد أديت شكر ما أنعم الله به عليك في ذلك اليوم وفي تلك الليلة.

٢٩ ـ ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان نوح عليه‌السلام يقول ذلك إذا أصبح فسمي بذلك عبدا شكورا وقال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صدق الله نجا

______________________________________________________

المراد لك مني الحمد والشكر أي أحمدك وأشكرك فلا يحتاج إلى ذلك « كنت قد أديت » أي يرضي الله منك بذلك لا أنك أديت ما يستحقه.

الحديث التاسع والعشرون : كالسابق.

« يقول ذلك » أي الدعاء المذكور في الحديث السابق وسيأتي في كتاب الدعاء أن نوحا عليه‌السلام كان يقول ذلك عند الصباح وعند المساء ، والأخبار في ذلك كثيرة بأدنى اختلاف أوردتها في الكتاب الكبير.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صدق الله نجا ، معناه أنه إذا أظهر العبد حالة عند الله وكان صادقا في ذلك بحيث لا يعتقد ولا يعمل ما يخالفه يصير سبب نجاته من مهالك الدنيا والآخرة ، ولعل ذكره في هذا المقام لبيان أن نوحا عليه‌السلام كان صادقا فيما ادعى في هذا الدعاء من أن جميع النعم الواصلة إلى العبد من الله تعالى وأنه متوحد بالإنعام والربوبية واستحقاق الحمد والشكر والطاعة ، فكان موقنا بجميع ذلك ولم يأت بما ينافيه من التوسل إلى المخلوقين ورعاية رضاهم دون رضا رب العالمين ، أو معه ، فلذلك صار سببا لنجاته وتسمية الله له شكورا ، وربما يقرأ صدق على بناء التفعيل كما قال بعض الأفاضل لعله عليه‌السلام أشار بآخر الحديث إلى تسمية نوح عليه‌السلام بنحي الله ، ويستفاد منه أن هذه الكلمات تصديق لله سبحانه فيما وصف الله به نفسه ، وشهد به من التوحيد.

وقال آخر : تصديقه في تكاليفه عبارة عن الإقرار بها والإتيان بمقتضاها وفي

١٦٣

٣٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمار الدهني قال سمعت علي بن الحسين عليه‌السلام يقول إن الله يحب كل قلب حزين ويحب كل عبد شكور يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم

______________________________________________________

نعمائه عبارة عن معونتها بالقلب ومقابلتها بالشكر والثناء ، انتهى.

ولا يخفى أن ما ذكرنا أظهر.

الحديث الثلاثون : ضعيف.

« كل قلب حزين » أي لأمور الآخرة متفكر فيها وفيما ينجي من عقوباتها غير غافل عما يراد بالمرء ومنه لا محزون بأمور الدنيا وإن احتمل أن يكون المعنى إذا أحب الله عبدا ابتلاه بالبلايا فيصير محزونا ، لكنه بعيد.

« كل عبد شكور » أي كثير الشكر بحيث يشكر الله ويشكر وسائط نعم الله كالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأئمة عليهم‌السلام والوالدين وأرباب الإحسان من المخلوقين ، وفي الأخبار ظاهرا تناف في هذا المطلب لورود هذا الخبر وأمثاله وقد روي عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ولا يحمد حامد إلا ربه ، ومثله كثير ، ويمكن الجمع بينها بأنه إذا حمد المخلوق وشكره لأن مولى النعم أمر بشكره فقد شكر ربه ويحتمل أن يكون هذا هو المراد بقوله : لم تشكرني إذ لم تشكره ، أو تكون أخبار الشكر محمولة على أن يشكرهم باعتقاد أنهم وسائط نعم الله ولهم مدخلية قليلة في ذلك ، ولا يسلب عليهم رأسا فينتهي إلى الجبر ، وأخبار الترك محمولة على أنه لا يجوز شكرهم بقصد أنهم مستقلون في إيصال النعمة فإن هذا في معنى الشرك كما عرفت أن النعم كلها أصولها ووجود المنعم المجازي وآلات العطاء وتوفيق الإعطاء كلها من الله تعالى ، وهذا أحد معاني الأمر بين الأمرين كما عرفت ، وإليه يرجع ما قيل : أن الغير يتحمل المشقة يحمل رزق الله إليك فالنهي عن الحمد لغير الله على أصل الرزق لأن الرازق هو الله ، والترغيب والحمد له على تكلف من حمل الرزق وكلفة إيصاله بإذن الله ليعطيه

١٦٤

القيامة أشكرت فلانا فيقول بل شكرتك يا رب فيقول لم تشكرني إذ لم تشكره ثم قال أشكركم لله أشكركم للناس.

______________________________________________________

أجر مشقة الحمل والإيصال.

وبالجملة هناك شكران شكر للرزق وهو لله وشكر للحمل وهو الغير وأيد بما روي لا تحمدن أحدا على رزق الله ، وقيل : النهي مختص بالخواص من أهل اليقين الذين شاهدوه رازقا وشغلوا عن رؤية الوسائط فنهاهم عن الإقبال عليها لأنه تعالى يتولى جزاء الوسائط عنهم بنفسه والأمر بالشكر مختص بغيرهم ممن لاحظ الأسباب والوسائط كأكثر الناس لأن فيه قضاء حق السبب أيضا.

والوجه الثاني الذي ذكرنا كأنه أظهر الوجوه لأن الله تعالى مع أنه مولى النعم على الحقيقة وإليه يرجع كل الطاعات ونفعها يصل إلى العباد يشكرهم على أعمالهم قولا وفعلا في الدنيا والآخرة فكيف لا يحسن شكر العباد بعضهم بعضا لمدخليتهم في ذلك.

ويمكن أن يكون قوله تعالى : لم تشكرني إذ لم تشكره إشارة إلى ذلك ، أي إذا لم تشكر المنعم الظاهري يتوهم أنه لم يكن له مدخل في النعمة فكيف تنسب شكري إلى نفسك لأنه نسبة الفعلين إلى الفاعلين واحدة فأنت أيضا لم تشكرني فلم نسبت الشكر إلى نفسك ونفيت الفعل عن غيرك ، وهذا معنى لطيف لم أر من تفطن به وإن كان بعيدا في الجملة ، والوجه الأول أيضا وجه ظاهر ، وكان آخر الخبر يؤيده وإن احتمل وجوها كما لا يخفى.

١٦٥

باب

حسن الخلق

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن أكمل المؤمنين

______________________________________________________

باب حسن الخلق

الحديث الأول : صحيح.

والخلق بالضم يطلق على الملكات والصفات الراسخة في النفس حسنة كانت أم قبيحة وهي في مقابلة الأعمال ، ويطلق حسن الخلق غالبا على ما يوجب حسن المعاشرة ومخالطة الناس بالجميل.

قال الراغب : الخلق والخلق في الأصل واحد لكن خص الخلق بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر ، وخص الخلق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة وقال في النهاية : فيه ليس شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق ، الخلق بضم اللام وسكونها الدين والطبع والسجية وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنة وهي نفسها وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها ولهما أوصاف حسنة وقبيحة ، والثواب والعقاب يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثر مما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة ، ولهذا تكررت الأحاديث في مدح حسن الخلق في غير موضع ، كقوله : أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق ، وقوله أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وقوله : إن العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ، وقوله : بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ، وأحاديث من هذا النوع كثيرة وكذلك جاء في ذم سوء الخلق أحاديث كثيرة ، انتهى.

وقيل : حسن الخلق إنما يحصل من الاعتدال بين الإفراط والتفريط في

١٦٦

إيمانا أحسنهم خلقا.

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن عبد الله بن سنان ، عن رجل من أهل المدينة ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما يوضع في ميزان امرئ ـ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي ولاد الحناط ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أربع من كن فيه كمل إيمانه وإن كان من قرنه إلى قدمه

______________________________________________________

القوة الشهوية والقوة الغضبية ، ويعرف ذلك بمخالطة الناس بالجميل والتودد والصلة والصدق واللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة والمراعاة والمساواة والرفق والحلم والصبر والاحتمال لهم ، والإشفاق عليهم.

وبالجملة هي حالة نفسانية يتوقف حصولها على اشتباك الأخلاق النفسانية بعضها ببعض ، ومن ثم قيل : هو حسن الصورة الباطنة التي هي صورة الناطقة كما أن حسن الخلق هو حسن الصورة الظاهرة ، وتناسب الأجزاء إلا أن حسن الصورة الباطنة قد يكون مكتسبا ولذا تكررت الأحاديث في الحث به وبتحصيله.

وقال الراوندي رحمه‌الله في ضوء الشهاب : الخلق السجية والطبيعة ثم يستعمل في العادات التي يتعودها الإنسان من خير أو شر والخلق ما يوصف العبد بالقدرة عليه ولذلك يمدح ويذم به ، يدل علي ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خالق الناس بخلق حسن ، انتهى.

وأقول : مدخلية حسن الخلق في كمال الإيمان قد مر تحقيقه في أبواب الإيمان.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

وهو مما يستدل به على تجسم الأعمال ، وقد مضى الكلام فيه.

الحديث الثالث : صحيح.

« وأربع » مبتدأ وكان موصوفة مقدر ، أي خصال أربع ، والموصول بصلته خبره « وإن كان من قرنه إلى قدمه ذنوبا » مبالغة في كثرة ذنوبه أو كناية عن صدورها

١٦٧

ذنوبا لم ينقصه ذلك قال وهو الصدق وأداء الأمانة والحياء وحسن الخلق.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن محبوب ، عن عنبسة العابد قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام ما يقدم المؤمن على الله عز وجل بعمل بعد الفرائض أحب إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخلقه.

٥ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن ذريح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم.

______________________________________________________

من كل جارحة من جوارحه ، ويمكن حملها على الصغائر فإن صاحب هذه الخصال لا يجترئ على الإصرار على الكبائر أو أنه يوفق للتوبة وهذه الخصال تدعوه إليها مع أن الصدق يخرج كثيرا من الذنوب كالكذب وما يشاكله ، وكذا أداء الأمانة يخرج كثيرا من الذنوب كالخيانة في أموال الناس ومنع الزكوات والأخماس وسائر ، حقوق الله وكذا الحياء من الخلق يمنعه من التظاهر بأكثر المعاصي والحياء من الله يمنعه من تعمد المعالي والإصرار عليها ويدعوه إلى التوبة سريعا وكذا حسن الخلق يمنعه عن المعاصي المتعلقة بإيذاء الخلق كعقوق الوالدين وقطع الأرحام والإضرار بالمسلمين فلا يبقى من الذنوب إلا قليل لا يضر في إيمانه مع أنه موفق للتوبة والله الموفق.

الحديث الرابع : كالسابق.

ما يقدم كيعلم قدوما وتعديته بعلى لتضمين معنى الإقبال ، والباء في قوله : بعمل لمصاحبة ، ويحتمل التعدية « من أن يسع الناس بخلقه » أي يكون خلقه الحسن وسيعا بحيث يشمل جميع الناس.

الحديث الخامس : كالسابق أيضا.

ويدل على أن الأخلاق لها ثواب مثل ثواب الأعمال.

١٦٨

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر ما تلج به أمتي الجنة تقوى الله وحسن الخلق.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين الأحمسي وعبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الخلق الحسن يميث الخطيئة كما تميث الشمس الجليد.

٨ ـ عنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال البر وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار.

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عبد الحميد قال حدثني يحيى بن عمرو ، عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام أوحى الله تبارك وتعالى إلى بعض أنبيائه عليهم‌السلام الخلق الحسن يميث الخطيئة كما تميث الشمس الجليد.

______________________________________________________

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

والتقوى حسن المعاملة مع الرب وحسن الخلق حسن المعاملة مع الخلق ، وهما يوجبان دخول الجنة والولوج الدخول.

الحديث السابع : حسن كالصحيح.

والميث والموث الإذابة مثت الشيء أميثه وأموثه من بابي باع ، وقال (١) : فانماث إذا دفته وخلطته بالماء وأذبته ، وفي النهاية : فيه حسن الخلق يذيب الخطايا كما يذيب الشمس الجليد ، الجليد هو الماء الجامد من البرد ، وفي المغرب الجليد ما يسقط على الأرض من الندى فيجمد.

الحديث الثامن : كالسابق ، والبر الإحسان إلى الغير.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور.

__________________

(١) أي القائل وهو أحد اللغويين.

١٦٩

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال هلك رجل على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتى الحفارين فإذا بهم لم يحفروا شيئا وشكوا ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا يا رسول الله ما يعمل حديدنا في الأرض فكأنما نضرب به في الصفا فقال ولم إن كان صاحبكم لحسن الخلق ائتوني بقدح من ماء فأتوه به فأدخل يده فيه ثم رشه على الأرض رشا ثم قال احفروا قال فحفر الحفارون فكأنما كان رملا يتهايل عليهم.

______________________________________________________

الحديث العاشر : صحيح.

والمستتر في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأتى للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنهم من قرأ أتي على بناء المفعول من باب التفعيل ، فالنائب للفاعل الضمير المستتر الراجع إلى الرجل والحفارين مفعوله الثاني ، ولا يخفى ما فيه ، والصفا جمع الصفاة وهي الصخرة الملساء ، وقوله : « ولم » استفهام إنكاري أو تعجبي « إن كان » الظاهر أن إن مخففة عن المثقلة ، وتعجبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنه لم اشتد الأرض عليهم مع كون صاحبهم حسن الخلق فإنه يوجب يسر الأمر في الحياة وبعد الوفاة بخلاف سوء الخلق فإنه يوجب اشتداد الأمر فيهما ، والحاصل أنه لما كان حسن الخلق فليس هذا الاشتداد من قبله ، فهو من قبل صلابة الأرض فصب الماء المتبرك بيده المباركة على الموضع فصار بإعجازه في غاية الرخاوة ، وقيل : إن للشرط ولم قائم مقام جزاء الشرط فحاصله أنه لو كان حسن الخلق لم يشتد الحفر على الحفارين فرش صاحب الخلق الحسن الماء الذي أدخل يده المباركة فيه لرفع تأثير خلقه السيء ولا يخفى بعده.

وقال في النهاية : كل شيء أرسلته إرسالا من طعام أو تراب أو رمل فقد هلته هيلا يقال : هلت الماء وأهلته إذا صببته وأرسلته ، ومنه حديث الخندق فعادت كثيبا أهيل أي رملا سائلا ، انتهى.

وبعضهم يقول : هلت التراب حركت أسفله فسال من أعلاه.

١٧٠

١١ ـ عنه ، عن محمد بن سنان ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الخلق منيحة يمنحها الله عز وجل خلقه فمنه سجية ومنه نية فقلت فأيتهما أفضل فقال صاحب السجية هو مجبول لا يستطيع غيره وصاحب النية يصبر على الطاعة تصبرا فهو أفضلهما.

١٢ ـ وعنه ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن علي ، عن عبد الله بن إبراهيم ، عن علي بن أبي علي اللهبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه ويروح.

______________________________________________________

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

والمنيحة كسفينة والمنحة بالكسر العطية « فمنه سجية » أي جبلة وطبيعة خلق عليها « ومنه نية » أي يحصل عن قصد واكتساب وتعمل ، والحاصل أنه يتمرن عليه حتى يصير كالغريزة ، فبطل قول من قال : أنه غريزة لا مدخل للاكتساب فيه ، وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : عود نفسك الصبر على المكروه فنعم الخلق التصبر ، والمراد بالتصبر تحمل الصبر بتكلف ومشقة لكونه غير خلق.

الحديث الثاني عشر : ضعيف.

واللهب بالكسر قبيلة « كما يعطي المجاهد » لمشقتهما على النفس ولكون جهاد النفس كجهاد العدو بل أشق وأشد ولذا سمي بالجهاد الأكبر وإن كان في جهاد العدو جهاد النفس أيضا ، وقوله : يغدو عليه ويروح ، حال عن المجاهد كناية عن استمراره في الجهاد في أول النهار وآخره ، فإن الغدو أول النهار والرواح آخره ، أو المعنى يذهب أول النهار ويرجع آخره والأول أظهر.

وقال في المصباح : غدا غدوا من باب فقد ذهب غدوة ، وهي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس ، ثم كسر حتى استعمل في الذهاب والانطلاق أي وقت كان ، وراح يروح رواحا أي رجع كما في قوله تعالى : « غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ » (١) أي ذهابها

__________________

(١) سورة سبأ : ١٢.

١٧١

١٣ ـ عنه ، عن عبد الله الحجال ، عن أبي عثمان القابوسي عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى أعار أعداءه أخلاقا من أخلاق أوليائه ليعيش أولياؤه مع أعدائه في دولاتهم.

وفي رواية أخرى ولو لا ذلك لما تركوا وليا لله إلا قتلوه.

١٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن العلاء بن كامل قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا خالطت الناس فإن استطعت أن لا تخالط أحدا من الناس إلا كانت يدك العليا عليه فافعل فإن العبد يكون فيه

______________________________________________________

شهر ورجوعها شهر ، وقد يتوهم بعض الناس أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار وليس كذلك ، بل الرواح والغدو عند العرب يستعملان في المسير أي وقت كان من ليل أو نهار ، وقال الأزهري وغيره : وعليه قوله عليه‌السلام : من راح إلى الجمعة في أول النهار فله كذا ، أي ذهب ، انتهى.

وكان الأنسب هنا ما ذكرنا أولا ، وقيل : لعل المراد أن الثواب يغدو على حسن خلقه ويروح يعني أنه ملازم له كملازمة حسن خلقه ، ولا يخلو من بعد.

الحديث الثالث عشر : مجهول وآخره مرسل.

« أعار أعداءه » كان الإعارة إشارة إلى أن هذه الأخلاق لا يبقى لهم ثمرتها ولا ينتفعون بها في الآخرة فكأنها عارية تسلب منهم بعد الموت ، أو أن هذه ليست مقتضى ذواتهم وطيناتهم وإنما اكتسبوها من مخالطة طينتهم مع طينة المؤمنين كما ورد في بعض الأخبار ، وقد مر شرحها ، أو إلى أنها لما لم تكن مقتضى عقائدهم ونياتهم الفاسدة وإنما أعطوها لمصلحة غيرهم فكأنها عارية عندهم ، والوجوه متقاربة.

الحديث الرابع عشر : مجهول.

والعليا بالضم مؤنث الأعلى ، وهي خبر كانت ، وعليه متعلق بالعليا ، والتعريف يفيد الحصر « فافعل » أي الإحسان أو المخالطة والأول أظهر ، أي كن أنت المحسن عليه أو أكثر إحسانا لا بالعكس ، ويحتمل كون العليا صفة لليد و « عليه » خبر كانت

١٧٢

بعض التقصير من العبادة ويكون له حسن خلق فيبلغه الله بـ [ حسن ] خلقه درجة الصائم القائم.

١٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن بحر السقاء قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يا بحر حسن الخلق يسر ثم قال ألا أخبرك بحديث ما هو في يدي أحد من أهل المدينة قلت بلى قال بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالس في المسجد إذ جاءت جارية لبعض الأنصار وهو قائم فأخذت بطرف ثوبه فقام لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم تقل شيئا ولم

______________________________________________________

أي يدك المعطية ثابتة أو مفيضة أو مشرفة عليه ، والأول أظهر ، وفي كتاب الزهد للحسين بن سعيد يدك عليه العليا ، قال في النهاية : فيه : اليد العليا خير من اليد السفلى ، العليا المتعففة والسفلى السائلة ، روي ذلك عن ابن عمر ، وروي عنه أنها المنفقة ، وقيل : العليا المعطية والسفلى الآخذة ، وقيل : السفلى المانعة.

وقال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في الغرر والدرر ، ومعنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن اليد النعمة والعطية ، وهذا الإطلاق شائع بين العرب ، فالمعنى أن العطية الجزيلة خير من العطية القليلة ، وهذا حث منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المكارم ، وتحضيض على اصطناع المعروف بأوجز الكلام وأحسنه ، انتهى.

والتعليل المذكور بعده مبني على أن الكرم أيضا من حسن الخلق أو هو من لوازمه « الصائم القائم » أي المواظب على الصيام بالنهار في غير الأيام المحرمة أو في الأيام المسنونة ، وعلى قيام الليل أي تمامه أو على صلاة الليل مراعيا لآدابها.

الحديث الخامس عشر : كالسابق.

« يسر » أي سبب ليسر الأمور على صاحبه ، ويمكن أن يقرأ يسرا بصيغة المضارع ، أي يصير سببا لسرور صاحبه أو الناس أو الأعم « ما هو » ما نافية ، والجملة صفة للحديث « وهو قائم » حال عن بعض الأنصار ، وقيل : إنما ذكر ذلك للإشعار بأن

١٧٣

يقل لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا حتى فعلت ذلك ثلاث مرات فقام لها النبي في الرابعة وهي خلفه فأخذت هدبة من ثوبه ثم رجعت فقال لها الناس فعل الله بك وفعل حبست رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث مرات لا تقولين له شيئا ولا هو يقول لك شيئا ما كانت حاجتك إليه قالت إن لنا مريضا فأرسلني أهلي لآخذ هدبة من ثوبه ليستشفي بها فلما أردت أخذها رآني فقام فاستحييت منه أن آخذها وهو يراني وأكره أن أستأمره في أخذها فأخذتها.

١٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حبيب الخثعمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أفاضلكم أحسنكم أخلاقا الموطئون

______________________________________________________

مالكها لم يكن مطلعا على هذا الأمر فحسن الخلق فيه أظهر « فقام لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » كان قيامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لظن أنها تريده لحاجة يذهب معها ، فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك فلما لم تقل شيئا ولم يعلم غرضها جلس ، وقيل : إنما قام لترى الجارية أن الهدية في أي موضع من الثوب فتأخذ.

وقال في النهاية : هدب الثوب وهدبته وهدابه طرف الثوب مما يلي طرته ، وفي القاموس : الهدب بالضم وبضمتين شعر أشفار العين وخمل الثوب ، واحدتها بهاء.

« فعل الله بك وفعل » كناية عن كثرة الدعاء عليه بإيذائه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا شائع في عرف العرب والعجم ، وقولها : يستشفي الضمير المستتر راجع إلى المريض وهو استئناف بياني أو حال مقدرة عن الهدبة ، أو هو بتقدير لأن يستشفي ، وفي بعض النسخ بل أكثرها ليستشفي « وهو يراني » حال عن فاعل أخذها ، وقيل : وأكره حال عن فاعل استحيت.

الحديث السادس عشر : حسن كالصحيح.

« أحسنكم » خبر أفاضلكم ، ويجوز في أفعل التفضيل المضاف إلى المفضل عليه الأفراد والموافقة مع صاحبه في التثنية والجمع ، كما روعي في قوله : الموطئون ،

١٧٤

أكنافا الذين يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم.

١٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام المؤمن مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.

١٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن

______________________________________________________

وفي بعض الروايات أحاسنكم كما في كتاب الزهد للحسين بن سعيد وغيره ، قال في النهاية : الواطية المارة والسابلة سموا بذلك لوطئهم الطريق ، ومنه الحديث : ألا أخبركم بأحبكم إلى وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون ، هذا مثل وحقيقته من التوطئة وهي التمهيد والتذلل ، وفراش وطئ لا يؤذي جنب النائم ، والأكناف الجوانب ، أراد الذين جوانبهم وطيئة يتمكن فيها من يصاحبهم ولا يتأذى ، انتهى.

ويقال رجل موطأ الأكناف أي كريم مضياف ، وفي بعض النسخ بالناء كناية عن غاية حسن الخلق كأنهم يحملون الناس على أكتافهم ورقابهم ، وكأنه تصحيف وإن كان موافقا لما في كتاب الحسين بن سعيد ، وفي المصباح : ألفته ألفا من باب علم أنست به وأحببته والاسم الألفة بالضم ، والألفة أيضا اسم من الإيلاف وهو الالتئام والاجتماع ، واسم الفاعل آلف مثل عالم ، والجمع ألاف مثل كفار ، انتهى.

وتوطأ رحالهم أي للضيافة أو للزيارة أو لطلب الحاجة أو الأعم ورحل الرجل منزله ومأواه وأثاث بيته.

الحديث السابع عشر : ضعيف على المشهور.

وفيه حث على الألفة وحمل على الألفة بالخيار وإن احتمل التعميم إذا لم يوافقهم بالمعاصي كما وردت الأخبار في حسن المعاشرة.

الحديث الثامن عشر : حسن كالصحيح.

١٧٥

أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم.

باب حسن البشر

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسن بن الحسين قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا بني عبد المطلب إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر.

ورواه عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام إلا أنه قال يا بني هاشم.

______________________________________________________

وقد مر مضمونه ويبلغ كينصر والباء للتعدية.

باب حسن البشر الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

لأن الحسن بن الحسين وإن كان مشتركا لكن الراوي عن الصادق عليه‌السلام منهم ثقة وسنده الثاني ضعيف.

وفي النهاية يقال : وسعه الشيء يسعه سعة فهو واسع ووسع بالضم وساعة فهو وسيع ، والوسع والسعة الجدة والطاقة ، ومنه الحديث إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم أي لا تتسع أموالكم بعطائهم فوسعوا أخلاقكم لصحبتهم ، وقال :

فيه أن تلقاه بوجه طلق ، يقال : طلق الرجل بالضم يطلق طلاقة فهو طلق وطليق ، أي منبسط الوجه متهلله ، وفي القاموس : هو طلق الوجه مثلثة وككتف وأمير ضاحكة مشرقة ، والبشر بالكسر طلاقة الوجه وبشاشته ، وقيل : حسن البشر تنبيه على أن زيادة البشر وكثرة الضحك مذمومة بل الممدوح الوسط من ذلك.

أقول : ويحتمل أن يكون للمبالغة في ذلك أو يكون إشارة إلى أن البشر إنما

١٧٦

٢ ـ عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ثلاث من أتى الله بواحدة منهن أوجب الله له الجنة الإنفاق من إقتار والبشر لجميع العالم والإنصاف من نفسه.

______________________________________________________

يكون حسنا إذا كان عن صفاء الطوية والمحبة القلبية لا ما يكون على وجه الخداع والحيلة.

وبنو هاشم وبنو عبد المطلب مصداقهما واحد ، لأنه لم يبق لهاشم ولد إلا من عبد المطلب.

الحديث الثاني : موثق.

والإقتار التضييق على الإنسان في الرزق ، يقال أقتر الله رزقه أي ضيقه وقلله والإنفاق أعم من الواجب والمستحب وكان المراد بالإقتار عدم الغناء والتوسعة في الرزق وإن كان له زائدا على رزقه ورزق عياله ما ينفقه ، ويحتمل شموله للإيثار أيضا بناء على كونه حسنا مطلقا أو لبعض الناس فإن الأخبار في ذلك مختلفة ظاهرا فبعضها يدل على حسنه وبعضها يدل على ذمه وأنه كان ممدوحا في صدر الإسلام فنسخ ، وربما يجمع بينهما باختلاف ذلك بحسب الأشخاص ، فيكون حسنا لمن يمكنه تحمل المشقة في ذلك ، ويكمل توكله ولا يضطرب عند شدة الفاقة ، ومذموما لمن لم يكن كذلك ، وعسى أن نفصل ذلك في موضع آخر إنشاء الله ، وربما يحمل ذلك على من ينقص من كفافه شيئا ويعطيه من هو أحوج منه أو من لا شيء له.

« والبشر بجميع العالم » هذا إما على عمومه بأن يكون البشر للمؤمنين لإيمانهم وحبه لهم ، وللمنافقين والفاسقين تقية منهم ومداراة لهم كما قيل : دارهم ما دمت في دارهم وأرضهم ما كنت في أرضهم ، أو مخصوص بالمؤمنين كما يشعر به الخبر الآتي.

وعلى التقديرين لا بد من تخصيصه بغير الفساق الذين يعلم من حالتهم أنهم يتركون المعصية إذا لقيهم بوجه مكفهر ولا يتركونها بغير ذلك ولا يتضرر منهم في ذلك فإن ذلك أحد مراتب النهي عن المنكر الواجب على المؤمنين « والإنصاف من

١٧٧

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجل فقال يا رسول الله أوصني فكان فيما أوصاه أن قال الق أخاك بوجه منبسط.

٤ ـ عنه ، عن ابن محبوب ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له ما حد حسن الخلق قال تلين جناحك وتطيب كلامك وتلقى أخاك

______________________________________________________

نفسه » هو أن يرجع إلى نفسه ويحكم لهم عليها فيما ينبغي أن يأتي به إليهم من غير أن يحكم عليه حاكم ، وسيأتي في باب الإنصاف هو أن يرضى لهم ما يرضى لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه.

قال الراغب : الإنصاف في المعاملة العدالة وهو أن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلا مثل ما يعطيه ولا ينيله من المضار إلا مثل ما يناله منه ، وقال الجوهري : أنصف أي عدل ، يقال : أنصفه من نفسه وانتصفت أنا منه ، وتناصفوا أي أنصف بعضهم بعضا من نفسه.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

والتخصيص بالأخ لشدة الاهتمام أو المراد به انبساط الوجه مع حب القلب.

الحديث الرابع : مرسل كالحسن لإجماع العصابة على المرسل والضمير فيه وفي الخبر الآتي راجعان إلى إبراهيم بن هاشم.

وتليين الجناح كناية عن عدم تأذي من يجاوره ويجالسه ويحاوره من خشونته بأن يكون سلس الانقياد لهم ويكف أذاه عنهم أو كناية عن شفقته عليهم كما أن الطائر يبسط جناحه على أولاده ليحفظهم ويكنفهم كقوله تعالى : « وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ » (١).

قال الراغب : الجناح جناح الطائر وسمي جانبا الشيء جناحاه ، فقيل

__________________

(١) سورة الإسراء : ٢٤.

١٧٨

ببشر حسن.

٥ ـ عنه ، عن أبيه ، عن حماد ، عن ربعي ، عن فضيل قال صنائع المعروف وحسن البشر يكسبان المحبة ويدخلان الجنة والبخل وعبوس الوجه يبعدان من الله ويدخلان النار.

______________________________________________________

جناحا السفينة وجناحا العسكر ، وجناحا الإنسان لجانبيه ، وقوله تعالى : « وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ » فاستعارة وذلك أنه لما كان الذل ضربين ضرب يضع الإنسان ، وضرب يرفعه ، وقصد في هذا المكان إلى ما يرفع الإنسان لا إلى ما يضعه استعار لفظ الجناح فكأنه قيل : استعمل الذل الذي يرفعك عند الله من أجل اكتسابك الرحمة أو من أجل رحمتك لهم وقال : الخفض ضد الرفع والخفض الدعة والسير اللين ، فهو حث على تليين الجانب والانقياد وكأنه ضد قوله : أن لا تعلوا على.

وقال البيضاوي في قوله تعالى : « وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ » تذلل لهما وتواضع فيهما ، جعل للذل جناحا وأمره بخفضها للمبالغة أو أراد جناحه كقوله : « وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ » (١) وإضافته إلى الذل للبيان والمبالغة كما أضيف حاتم إلى الجود ، والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل.

الحديث الخامس : كالصحيح موقوف والظاهر أنه مضمر.

والضمير في « قال » راجع إلى الباقر أو الصادق عليهما‌السلام وكأنه سقط من النساخ أو الرواة ، وصنائع المعروف الإحسان إلى الغير بما يعرف حسنه شرعا وعقلا وكان الإضافة للبيان. قال في النهاية : الاصطناع افتعال من الصنيعة ، وهي العطية والكرامة والإحسان. وقال : المعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله تعالى ، والتقرب إليه والإحسان إلى الناس وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات « وهو من الصفات الغالبة » أي أمر معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه ، والمعروف

__________________

(١) سورة الحجر : ٨٨.

١٧٩

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حسن البشر يذهب بالسخيمة.

باب

الصدق وأداء الأمانة

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البر والفاجر.

______________________________________________________

النصفة وحسن الصحبة مع الأهل وغيرهم من الناس والمنكر ضد ذلك جميعه « يكسبان المحبة » أي محبته تعالى بمعنى إفاضة الرحمات والهدايات أو محبة الخلق ، ويؤيد الأول قوله : ويبعدان من الله لأن الظاهر أن يترتب على أحد الضدين نقيض ما يترتب على الضد الآخر.

الحديث السادس : موثق.

والسخيمة الحقد في النفس.

باب الصدق وأداء الأمانة

الحديث الأول : حسن.

« إلا بصدق الحديث » أي متصفا بهما أو كان الأمر بهما في شريعته ، وقد مر أنه يحتمل شمول الأمانة لجميع حقوق الله ، وحقوق الخلق ، لكن الظاهر منه أداء كل حق ائتمنك عليه إنسان ، برا كان أو فاجرا ، والظاهر أن الفاجر يشمل الكافر أيضا فيدل على عدم جواز الخيانة بل التقاص أيضا في ودائع الكفار وأماناتهم ، واختلف الأصحاب في التقاص مع تحقق شرائطه في الوديعة فذهب الشيخ في الاستبصار وأكثر المتأخرين إلى الجواز على كراهة وذهب الشيخ في النهاية

١٨٠