مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٢

٢ ـ عنه ، عن محمد بن سنان ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من يضمن لي أربعة بأربعة أبيات في الجنة أنفق ولا تخف فقرا وأفش السلام في العالم واترك المراء وإن كنت محقا وأنصف الناس من نفسك.

٣ ـ عنه ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن جارود أبي

______________________________________________________

قال في المصباح : نصفت المال بين الرجلين أنصفه من باب قتل قسمته نصفين وأنصفت الرجل إنصافا عاملته بالعدل وبالقسط ، والاسم النصفة بفتحتين لأنك أعطيته من الحق ما تستحقه لنفسك.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« من يضمن لي أربعة » من للاستفهام ، ويقال : ضمنت المال وبه ضمانا فأنا ضامن وضمين التزمته « بأربعة أبيات » الباء للمقابلة والأبيات جمع بيت كالبيوت ، والحاصل من يلتزم لي أربعة من الأعمال في مقابلة أربعة أبيات ألتزمها له في الجنة ، وفي المحاسن : من يضمن لي أربعة أضمن له بأربعة أبيات ثم بين عليه‌السلام الأعمال على سبيل الاستئناف ، كان السائل قال : ما هي حتى أفعلها؟ قال : « أنفق » أي فضل مالك في سبيل الله ، وما يوجب رضاه « ولا تخف فقرا » فإن الإنفاق موجب للخلف « وأفش السلام في العالم » أي أنشر التسليم وأكثره أي سلم على كل من لقيته إلا ما استثني مما سيأتي في بابه. في القاموس : فشا خبره وعرفه وفضله فشوا وفشوا وفشيا : انتشر وأفشاه.

« واترك المراء » أي الجدال والمنازعة وإن كان في مسائل العلمية إذا لم يكن الغرض إظهار الحق وإلا فهو مطلوب كما قال تعالى : « وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » (١) وقد مر الكلام فيه.

الحديث الثالث : موثق.

__________________

(١) سورة النحل : ١٢٥ ،.

٣٤١

المنذر قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول سيد الأعمال ثلاثة إنصاف الناس من نفسك حتى لا ترضى بشيء إلا رضيت لهم مثله ومواساتك الأخ في المال وذكر الله على كل حال ليس سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فقط ولكن

______________________________________________________

« سيد الأعمال » أي أشرفها وأفضلها « حتى لا ترضى بشيء » أي لنفسك أي لا يطلب منهم من المنافع إلا مثل ما يعطيهم ، ولا ينيلهم من المضار إلا ما يرضى أن يناله منهم ويحكم لهم على نفسه « ومواساتك الأخ في المال » أي جعله شريكك في مالك وسيأتي الأخ في الله فيشمل نصرته بالنفس والمال وكلما يحتاج إلى النصرة فيه.

قال في النهاية : قد تكرر ذكر الأسوة والمواساة وهي بكسر الهمزة وضمها القدرة والمواساة المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق وأصلها الهمزة فقلبت واوا تخفيفا وفي القاموس : الأسوة بالكسر والضم القدوة واساه بماله مواساة أناله منه وجعله فيه أسوة ولا يكون ذلك إلا من كفاف ، فإن كان من فضلة فليس بمواساة وقال : واساه آساه لغة رديئة ، انتهى.

« وذكر الله على كل حال » سواء كانت الأحوال شريفة أو خسيسة كحال الجنابة وحال الخلاء وغيرهما « ليس » أي ذكر الله « سبحان الله » إلخ ، أي منحصرا فيها كما تفهمه العوام وإن كان ذلك من حيث المجموع وكل واحد من أجزائه ذكرا أيضا ولكن العمدة في الذكر ما سيذكر.

واعلم أن الذكر ثلاثة أنواع : ذكر باللسان ، وذكر بالقلب ، والأول يحصل بتلاوة القرآن والأدعية ، وذكر أسماء الله وصفاته سبحانه ودلائل التوحيد والنبوة والإمامة والعدل والمعاد والمواعظ والنصائح ، وذكر صفات الأئمة عليهم‌السلام وفضائلهم ومناقبهم ، فإنه روي عنهم عليهم‌السلام إذا ذكرنا ذكر الله وإذا ذكر أعداؤنا ذكر الشيطان وبالجملة كلما يصير سببا لذكره تعالى حتى المسائل الفقهية والأخبار المأثورة عنهم عليهم‌السلام.

٣٤٢

إذا ورد عليك شيء أمر الله عز وجل به أخذت به أو إذا ورد عليك شيء نهى الله عز وجل عنه تركته.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن علي بن المعلى ، عن يحيى بن أحمد ، عن أبي محمد الميثمي ، عن رومي بن زرارة

______________________________________________________

والثاني نوعان : أحدهما التفكر في دلائل جميع ما ذكر وتذكرها وتذكر نعم الله وآلائه والتفكر في فناء الدنيا وترجيح الآخرة عليها وأمثال ذلك مما مر في باب التفكر ، والثاني تذكر عقوبات الآخرة ومثوباتها عند عروض شيء أمر الله به أو نهى عنه ، فيصير سببا لارتكاب الأوامر والارتداع عن النواهي ، وقالوا : الثالث من أقسام الثلاثة أفضل من الأولين ، ومن العامة من فضل الأول على الثالث مستندا بأن في الأول زيادة عمل الجوارح ، وزيادة العمل تقتضي زيادة الأجر ، والحق أن الأول إذا انضم إلى أحد الأخيرين كان المجموع أفضل من كل منهما بانفراده ، إلا إذا كان الذكر القلبي بدون الذكر اللساني أكمل في الإخلاص وسائر الجهات فيمكن أن يكون بهذه الجهة أفضل من المجموع ، وأما الذكر اللساني بدون الذكر القلبي كما هو الشائع عند أكثر الخلق أنهم يذكرون الله باللسان على سبيل العادة ، مع غفلتهم عنه ، وشغل قلبهم بما يلهى عن الله ، فهذا الذكر لو كان له ثواب لكانت له درجة نازلة من الثواب ، ولا ريب أن الذكر القلبي فقط أفضل منه ، وكذا المواعظ والنصائح التي يذكرها الوعاظ رياء من غير تأثر قلبهم به ، فهذا أيضا لو لم يكن صاحبه معاقبا فليس بمثاب ، وأما الترجيح بين الثاني والثالث فمشكل مع أن لكل منهما أفراد كثيرة لا يمكن تفضيلها وترجيحها.

ثم إن العامة اختلفوا في أن الذكر القلبي هل تعرفه الملائكة وتكتبه أم لا؟

فقيل بالأول ، لأن الله تعالى يجعل له علامة تعرفه الملائكة بها ، وقيل بالثاني لأنهم لا يطلعون عليها.

الحديث الرابع : مجهول ، وكلمة من شرطية.

٣٤٣

عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في كلام له ألا إنه من ينصف الناس من نفسه لم يزده الله إلا عزا.

٥ ـ عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن عبد الله بن مسكان ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ثلاثة هم أقرب الخلق إلى الله عز وجل يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب رجل لم تدعه قدرة في حال غضبه إلى أن يحيف على من تحت يده ورجل مشى بين اثنين فلم يمل مع أحدهما على الآخر بشعيرة ورجل قال بالحق فيما له وعليه.

٦ ـ عنه ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن سالم ، عن زرارة ، عن

______________________________________________________

الحديث الخامس : موثق.

« هم أقرب الخلق » أي بالقرب المعنوي كناية عن شمول لطفه ورحمته تعالى لهم ، أو المراد به القرب من عرشه تعالى ، أو من الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام الذي إليهم حساب الخلق وعلى الأول ليس المراد بالغاية انقطاع القرب بعده ، بل المراد أن في جميع الموقف الذي الناس فيه خائفون وفارغون ومشغولون بالحساب ، هم في محل الأمن والقرب وتحت ظل العرش وبعده أيضا كذلك بالطريق الأولى.

وقوله : حتى يفرغ ، إما على بناء المعلوم والمستتر راجع إلى الله أو على بناء المجهول ، والظرف نائب الفاعل « لم تدعه » أي لم تحمله من دعا يدعو « قدرة » بالتنوين والإضافة إلى الضمير بعيد أي قدرة على الحيف وهو الجور والظلم ، ويمكن حمله هنا على ما يشمل الانتقام بالمثل المجوز أيضا ، فإن العفو أفضل ، وفي الخصال قدرته « ورجل مشى بين اثنين » بالمشي الحقيقي أو كناية عن الحكم بينهما أو الأعم منه ومن أداء رسالة أو مصالحة « بشعيرة » مبالغة مشهورة في القلة ، والمراد ترك الميل بالكلية « فيما له وعليه » أي فيما ينفعه في الدنيا أو يضره فيها.

الحديث السادس : مجهول وسيأتي تمام الخبر ، ورواه المفيد (ره) في مجالسه بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال

٣٤٤

الحسن البزاز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في حديث له ألا أخبركم بأشد ما فرض الله على خلقه فذكر ثلاثة أشياء أولها إنصاف الناس من نفسك.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سيد الأعمال إنصاف الناس من نفسك ومواساة الأخ في الله وذكر الله عز وجل على كل حال.

٨ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن زرارة ، عن الحسن البزاز قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام ألا أخبرك بأشد ما فرض الله على خلقه ثلاث قلت بلى قال إنصاف الناس من نفسك ومواساتك أخاك وذكر الله في كل موطن أما إني لا أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وإن كان هذا من ذاك ولكن ذكر الله جل وعز في كل موطن إذا هجمت على طاعة أو على معصية.

______________________________________________________

ألا أخبرك بأشد ما افترض الله على خلقه : إنصاف الناس من أنفسهم ، ومواساة الإخوان في الله عز وجل ، وذكر الله على كل حال ، فإن عرضت له طاعة لله عمل بها ، وإن عرضت له معصية تركها ، وكان المراد بالفرض أعم من الواجب والسنة المؤكدة.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور ، وقد مر في الثالث ، وهنا مكان في المال « في الله » أي الأخ الذي إخوته لله لا للأغراض الدنيوية أو هو متعلق بالمواساة ، أي تكون المواساة لله لا للشهرة والفخر ، وعلى التقديرين ما فيه المواساة يشمل غير المال أيضا.

الحديث الثامن : مجهول.

« بأشد ما فرض الله على خلقه ثلاث » ليس ثلاث في بعض النسخ وهو أظهر ، وعلى تقديره بدل أو عطف بيان للأشد أو خبر مبتدإ محذوف « إذا هجمت » على بناء المعلوم أو المجهول ، في القاموس : هجم عليه هجوما انتهى إليه بغتة أو دخل

٣٤٥

٩ ـ ابن محبوب ، عن أبي أسامة قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام ما ابتلي المؤمن بشيء أشد عليه من خصال ثلاث يحرمها قيل وما هن قال المواساة في ذات يده والإنصاف من نفسه وذكر الله كثيرا أما إني لا أقول ـ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولكن ذكر الله عند ما أحل له وذكر الله عند ما حرم عليه.

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن أبيه ، عن جده أبي البلاد رفعه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يريد بعض غزواته فأخذ بغرز راحلته فقال يا رسول الله علمني عملا أدخل

______________________________________________________

بغير إذن أو دخل وفلانا أدخله كأهجمه ، انتهى.

وفي بعض النسخ إذا همت والأول أكثر وأظهر.

الحديث التاسع : حسن كالصحيح.

« أشد عليه » أي في الآخرة « يحرمها » على بناء المجهول وهو بدل اشتمال للخصال ، أي من حرمان خصال ثلاث يقال : حرمة الشيء كضربه وعلمه حريما وحرمانا بالكسر منعه ، فهو محروم ، ومن قرأ على بناء المعلوم من قولهم حرمته إذا امتنعت فعله فقد أخطأ ، واشتبه عليه ما في كتب اللغة « في ذات يده » أي الأموال المصاحبة ليده أي المملوكة له ، فإن الملك ينسب غالبا إلى اليد كما يقال :

ملك اليمين ، قال الطيبي : ذات الشيء نفسه وحقيقته ، ويراد به ما أضيف إليه ومنه إصلاح ذات البين أي إصلاح أحوال بينكم حتى تكون أحوال ألفه ومحبة واتفاق ، كعليم بذات الصدور أي بمضمراتها ، وفي شرح جامع الأصول في ذات يده أي فيما يملكه من ملك وأثاث.

الحديث العاشر : مرفوع.

« فأخذ بغرز راحلته » قال الجوهري : الغرز ركاب الرحل من جلد عن أبي الغوث قال : فإذا كان من خشب أو حديد فهو ركاب ، وقال : رحل البعير أصغر من

٣٤٦

به الجنة فقال ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فأته إليهم وما كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم خل سبيل الراحلة.

١١ ـ أبو علي الأشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن عبيس بن هشام ، عن عبد الكريم ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال العدل أحلى من الماء يصيبه

______________________________________________________

القتب ، والراحلة : الناقة التي تصلح لأن ترحل ، ويقال : الراحلة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى ، انتهى.

« أن يأتيه الناس إليك » كأنه على الحذف والإيصال ، أي يأتي به الناس إليك ، أو هو من قولهم أتى الأمر أي فعله ، أي يفعله الناس منتهيا إليك ، ويمكن أن يقرأ على بناء التفعيل من قولهم : أتيت الماء تأتيه أي سهلت سبيله ، وقال في المصباح : أتى الرجل يأتي إيتاء : جاء ، وأتيته يستعمل لازما ومتعديا.

الحديث الحادي عشر : موثق.

والعدل ضد الجور ، ويطلق على ملكة للنفس تقتضي الاعتدال في جميع الأمور ، واختيار الوسط بين الإفراط والتفريط ، ويطلق على إجراء القوانين الشرعية في الأحكام الجارية بين الخلق.

قال الراغب : العدل ضربان : مطلق يقتضي العقل حسنه ، ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخا ولا يوصف بالاعتداء بوجه نحو الإحسان إلى من أحسن إليك وكف الأذية عمن يكف أذاه عنك ، وعدل يعرف كونه عدلا بالشرع ، ويمكن أن يكون منسوخا في بعض الأزمنة كالقصاص وأرش الجنايات ، ولذلك قال :

« فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ » (١) وقال : « وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها » (٢) فسمي ذلك اعتداء وسيئة ، وهذا النحو هو المعنى بقوله : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ » (٣) فإن العدل هو المساواة في المكافاة إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا ،

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٤.

(٢) سورة الشورى : ٤٠.

(٣) سورة النحل : ٩٠.

٣٤٧

الظمآن ما أوسع العدل إذا عدل فيه وإن قل.

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أنصف الناس من نفسه رضي به حكما لغيره.

١٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن يوسف بن عمران بن ميثم ، عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أوحى الله عز

______________________________________________________

والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه ، والشر بأقل منه ، انتهى.

وقوله عليه‌السلام : إذا عدل فيه ، يحتمل وجوها : الأول أن يكون الضمير راجعا إلى الأمر أي ما أوسع العدل إذا عدل في أمر وإن قل ذلك الأمر.

الثاني : أن يكون الضمير راجعا إلى العدل ، والمراد بالعدل الأمر الذي عدل فيه فيرجع إلى المعنى الأول ويكون تأكيدا. « الثالث » : إرجاع الضمير إلى العدل أيضا ، والمعنى ما أوسع العدل الذي عدل فيه أي يكون العدل واقعيا حقيقيا لا ما يسميه الناس عدلا ، أو يكون عدلا خالصا غير مخلوط بجور أو يكون عدلا ساريا في جميع الجوارح لا مخصوصا ببعضها ، وفي جميع الناس لا يختص بعضهم.

« الرابع » : ما قيل : أن عدل على المجهول من بناء التفعيل ، والمراد جريانه في جميع الوقائع لا أن يعدل إذا لم يتعلق به غرض فالتعديل رعاية التعادل والتساوي وعلى التقادير يحتمل أن يكون المراد بقوله : وإن قل ، بيان قلة العدل بين الناس.

الحديث الثاني عشر : مرسل.

« رضي به » على بناء المجهول « حكما » بالتحريك تميز أو حال عن ضمير به ، والمعنى أنه يجب أن يكون الحاكم بين الناس من أنصف الناس من نفسه ، ويمكن أن يقرأ على بناء المعلوم أي من أنصف الناس من نفسه لم يحتج إلى حاكم ، بل رضي أن تكون نفسه حكما بينه وبين غيره ، والأول أظهر.

الحديث الثالث عشر : ضعيف على المشهور.

٣٤٨

وجل إلى آدم عليه‌السلام أني سأجمع لك الكلام في أربع كلمات قال يا رب وما هن قال واحدة لي وواحدة لك وواحدة فيما بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين الناس قال يا رب بينهن لي حتى أعلمهن قال أما التي لي فتعبدني « لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً » وأما التي لك فأجزيك بعملك أحوج ما تكون إليه وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعلي الإجابة وأما التي بينك وبين الناس فترضى للناس ما ترضى لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك.

١٤ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن روح ابن أخت المعلى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال اتقوا الله واعدلوا

______________________________________________________

« سأجمع لك الكلام » أي الكلمات الحقة الجامعة النافعة « فتعبدني » هذه الكلمة جامعة لجميع العبادات الحقة والإخلاص الذي هو من أعظم شروطها ، ومعرفة الله تعالى بالوحدانية والتنزيه عن جميع النقائص والتوكل عليه في جميع الأمور.

قوله تعالى : أحوج ما تكون إليه ، أحوج منصوب بالظرفية الزمانية فإن كلمة ما مصدرية ، وأحوج مضاف إلى المصدر ، وكما أن المصدر يكون نائبا لظرف الزمان نحو رأيته قدوم الحاج فكذا المضاف إليه يكون نائبا له ، ونسبة الاحتياج إلى الكون على المجاز ، و « تكون » تامة و « إليه » متعلق بالأحوج ، وضميره راجع إلى الجزاء الذي هو في ضمن أجزيك.

قوله : فعليك الدعاء ، كان الدعاء مبتدأ وعليك خبره ، وكذا : على الإجابة ، ويحتمل أن يكون بتقدير عليك بالدعاء.

الحديث الرابع عشر : موثق.

« واعدلوا » أي في أهاليكم ومعامليكم ، وكل من لكم عليهم الولاية ، روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته « فإنكم تعيبون على

٣٤٩

فإنكم تعيبون على قوم لا يعدلون.

١٥ ـ عنه ، عن ابن محبوب ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال العدل أحلى من الشهد وألين من الزبد وأطيب ريحا من المسك.

١٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن عثمان بن جبلة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث خصال من كن فيه أو واحدة منهن كان في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله رجل أعطى الناس

______________________________________________________

قوم لا يعدلون » بين الناس من أمراء الجور فلا ينبغي لكم أن تفعلوا ما تلومون غيركم عليه.

الحديث الخامس عشر : موثق.

والظاهر رجوع ضمير « عنه » إلى أحمد بن محمد بن عيسى في الخبر السابق ، وغفل عن توسط خبر آخر كما لا يخفى على المتتبع ، ويحتمل عوده إلى إبراهيم ابن هاشم لروايته سابقا عن ابن محبوب ، ويمكن عوده إلى محمد بن عبد الجبار والأول أظهر كما لا يخفى على المتتبع.

« أحلى من الشهد » من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس لألف أكثر الخلق بتلك المشتهيات البدنية الدنية.

الحديث السادس عشر : مجهول.

« يوم لا ظل إلا ظله » الضمير راجع إلى الله أو إلى العرش ، فعلى الأول يحتمل أن يكون لله تعالى يوم القيامة ظلال غير ظل العرش وهو أعظمها وأشرفها يخص الله سبحانه من يشاء من عباده ومن جملتهم صاحب هذه الخصال ، وقيل على الأخير : ينافي ظاهرا ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن فإن صدقته تظله ، ومن ثم قيل : إن في القيامة ظلالا بحسب الأعمال تفيء أصحابها من حر الشمس والنار ، وأنفاس الخلائق ، ولكن ظل العرش

٣٥٠

من نفسه ما هو سائلهم ورجل لم يقدم رجلا ولم يؤخر رجلا حتى يعلم أن ذلك لله رضا ورجل لم يعب أخاه المسلم بعيب حتى ينفي ذلك العيب عن نفسه فإنه لا ينفي منها عيبا إلا بدا له عيب وكفى بالمرء شغلا بنفسه عن الناس.

______________________________________________________

أحسنها وأعظمها ، وقد يجاب بأنه يمكن أن لا يكون هناك إلا ظل العرش يظل بها من يشاء من عباده المؤمنين ولكن ظل العرش لما كان لا ينال إلا بالأعمال ، وكانت الأعمال تختلف فيحصل لكل عامل ظل يخصه من ظل العرش بحسب عمله وإضافة الظل إلى الأعمال باعتبار أن الأعمال سبب لاستقرار العامل فيه.

وقال الطيبي : في ظل عرش الله ، أي في ظل الله من الحر والوهج في الموقف ، أو أوقفه الله في ظل عرشه حقيقة وقال النووي : قيل : الظل عبارة عن الراحة والنعيم ، نحو هو في عيش ظليل ، والمراد ظل الكرامة لا ظل الشمس لأن سائر العالم تحت العرش ، وقيل : يحتمل جعل جزء من العرش حائلا تحت فلك الشمس ، وقيل : أي كنه من المكاره ووهج الموقف ويوم لا ظل إلا ظله أي دنت منهم الشمس واشتد الحر وأخذهم العرق ، وقيل : أي لا يكون من له ظل كما في الدنيا.

قوله عليه‌السلام : لم يقدم رجلا ، بكسر الراء في الموضعين وهي عبارة شايعة عند العرب والعجم في التعميم في الأعمال أو الأفعال ، أو التقديم كناية عن الفعل ، والتأخير عن الترك ، كما يقال في التردد في الفعل والترك يقدم رجلا ويؤخر أخرى ، وأما قراءة رجلا بفتح الراء وضم الجيم فهو تصحيف.

قوله عليه‌السلام : حتى ينفي قيل : « حتى » هنا مثله في قوله تعالى « حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ » (١) في التعليق على المحال لتتمة الخبر « وكفى بالمرء شغلا » الباء زائدة وشغلا تميز ، والمعنى من شغل بعيوب نفسه وإصلاحها لا يحصل له فراغ ليشتغل بعيوب الناس وتفتيشها ولومهم عليها.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٤٠.

٣٥١

١٧ ـ عنه ، عن عبد الرحمن بن حماد الكوفي ، عن عبد الله بن إبراهيم الغفاري ، عن جعفر بن إبراهيم الجعفري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من واسى الفقير من ماله وأنصف الناس من نفسه فذلك المؤمن حقا.

١٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن خالد بن نافع بياع السابري ، عن يوسف البزاز قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ما تدارأ اثنان في أمر قط فأعطى أحدهما النصف صاحبه فلم يقبل منه إلا أديل منه.

١٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن لله جنة لا يدخلها إلا ثلاثة أحدهم من حكم في نفسه بالحق.

٢٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال العدل أحلى من الماء يصيبه الظمآن ما أوسع العدل إذا عدل فيه وإن قل.

______________________________________________________

الحديث السابع عشر : مجهول وقد يعد ضعيفا.

وبنو غفار ككتاب رهط أبي ذر رضي‌الله‌عنه « فذلك المؤمن حقا » أي المؤمن الذي يحق ويستأهل أن يسمى مؤمنا لكماله في الإيمان وصفاته.

الحديث الثامن عشر : ضعيف على المشهور.

وفي القاموس تدارءوا تدافعوا في الخصومة ، وأديل منه أي جعلت الغلبة والنصرة له عليه ، يقال : أدالنا الله على عدونا أي نصرنا عليه وجعل الغلبة لنا ، وفي الصحيفة أدل لنا ولا تدل منا ، وفي الفائق : أدال الله زيدا من عمر ونزع الله الدولة من عمرو وأتاها زيدا.

الحديث التاسع عشر : صحيح على الظاهر.

الحديث العشرون : حسن كالصحيح وقد مضي عن الحلبي بسند آخر.

٣٥٢

باب

الاستغناء عن الناس

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعلي بن محمد القاساني جميعا ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ولا يكون

______________________________________________________

باب الاستغناء عن الناس

الحديث الأول : صحيح.

والشرف علو القدر والمنزلة ، والعزة الغلبة ودفع المذلة والحمل فيهما على المبالغة والمجاز ، والمراد بالاستغناء قطع الطمع عنهم والقناعة بالكفاف والتوكل على الله وعدم التوسل بهم والسؤال عنهم من غير ضرورة وإلا فالدنيا دار الحاجة والإنسان مدني بالطبع ، وبعضهم محتاجون في تعيشهم إلى بعض ، لكن كلما سعى في قلة الاحتياج والسؤال يكون أعز عند الناس ، وكلما خلى قلبه عن الطمع من الناس كان عون الله له في تيسير حوائجه أكثر.

الحديث الثاني : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : فلييأس ، وفي بعض النسخ فليأيس بتوسط الهمزة بين اليائين ، وكلاهما جائز وهو من المقلوب ، قال الجوهري نقلا عن ابن السكيت : أيست منه ييأس يأسا لغة في يئست منه إياس يأسا ومصدرهما واحد ، وآيسني منه فلان أيئسني وكذلك التأييس. وقال : اليأس القنوط وقد يئس من الشيء ييأس وفيه لغة أخرى يئس

٣٥٣

له رجاء إلا عند الله فإذا علم الله عز وجل ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه.

٣ ـ وبهذا الإسناد ، عن المنقري ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن علي بن الحسين صلوات الله عليه قال رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس ومن لم يرج الناس في شيء ورد أمره إلى الله عز وجل في جميع أموره استجاب الله عز وجل له في كل شيء.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء ، عن عبد الأعلى بن أعين قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول طلب الحوائج إلى الناس استلاب للعز ومذهبة للحياء واليأس مما في أيدي الناس عز للمؤمن

______________________________________________________

يئيس بالكسر فيهما وهو شاذ ، انتهى.

وقوله : « ولا يكون » جملة حالية أو هو من عطف الخبر على الإنشاء ويدل على أن اليأس من الخلق وترك الرجاء منهم يوجب إجابة الدعاء لأن الانقطاع عن الخلق كلما ازداد زاد القرب منه تعالى ، بل عمدة الفائدة في الدعاء ذلك كما سيأتي تحقيقه إنشاء الله في كتاب الدعاء.

الحديث الثالث : كالسابق سندا ومضمونا.

واجتماع الخيرات في قطع الطمع ظاهر إذ كل خير غيره إما موقوف عليه أو شرط له أو لازم له لأنه لا يحصل ذلك إلا بمعرفة كاملة لجناب الحق تعالى ، واليقين بأنه الضار النافع وبقضائه وقدره وأن أسباب الأمور بيد الله وبلطفه ورحمته ، وفناء الدنيا وعجز أهلها واليقين بالآخرة ومثوباتها وعقوباتها وما من خير إلا وهو داخل في ذلك الأمور.

الحديث الرابع : مجهول.

والاستلاب الاختلاس أي يصير سببا لسلب العز سريعا « مذهبة للحياء » المذهبة إما بالفتح مصدرا ميميا والحمل على المبالغة ، أو هو بمعنى اسم الفاعل أو اسم المكان

٣٥٤

في دينه والطمع هو الفقر الحاضر.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام جعلت فداك اكتب لي إلى إسماعيل بن داود الكاتب لعلي أصيب منه قال أنا أضن بك أن تطلب مثل هذا وشبهه ولكن

______________________________________________________

أي مظنة لذهاب الحياء ، أو بالكسر أي آلة لذهابه.

« عز للمؤمن في دينه » لأنه مع اليأس عن الناس لا يترك حقا ولا عبادة ولا أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر خوفا من عدم وصول منفعة منهم إليه ، فهو عزيز غالب في دينه أو يكمل دينه بذلك لأنه من أعظم مكملات الإيمان « والطمع هو الفقر الحاضر » لأنه يطمع لئلا يصير فقيرا ومفسدة الفقر الحاجة إلى الناس فهو يتعجل مفسدة الفقر لئلا يصير فقيرا فيترتب عليه مفسدته ، وقيل : يصير سببا لفقر معجل حاضر ، والأول أظهر.

الحديث الخامس : صحيح.

« لعلي أصيب منه » أي نفعا وخيرا « أنا أضن بك » في المصباح ضن بالشيء يضن من باب تعب ضنا وضنة بالكسر بخل فهو ضنين ومن باب ضرب لغة ، انتهى.

أي أنا أبخل بك أن تضيع ، وتطلب هذه المطالب الخسيسة وأشباهها من الأمور الدنيوية بل أريد أن تكون همتك أرفع من ذلك وتطلب مني المطالب العظيمة الأخروية ، أو أن تطلب حاجة من مثل هذا المخالف الموافق له في جميع الصفات أو أكثرها « وشبهه » الموافق له في كونه مخالفا فإن التذلل عند المخالفين موجب لضياع الدين وأنت عزيز علي لا أرضى بهلاكك وأضن بك « ولكن » إذا كانت لك حاجة « عول » واعتمد « على مالي » وخذ منه ما شئت.

ويدل على رفعة شأن البزنطي وكونه من خواصه عليه‌السلام كما يظهر من سائر الأخبار مثل ما رواه الكشي بإسناده عن البزنطي قال : كنت عند الرضا عليه‌السلام فأمسيت

٣٥٥

عول على مالي.

٦ ـ عنه ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن معاوية بن عمار ، عن نجم بن حطيم الغنوي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال اليأس مما في أيدي الناس عز المؤمن في دينه أوما سمعت قول حاتم :

إذا ما عزمت اليأس ألفيته الغنى

إذا عرفته النفس والطمع الفقر

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم فيكون افتقارك إليهم في لين

______________________________________________________

عنده قال : فقلت : أنصرف؟ قال : لا تنصرف فقد أمسيت ، قال : فأقمت عنده فقال لجاريته : هاتي مضربتي ووسادتي فافرشي لأحمد في ذلك البيت ، قال : فلما صرت في البيت دخلني شيء فجعل يخطر ببالي : من مثلي في بيت ولي الله وعلى مهاده! فناداني : يا أحمد إن أمير المؤمنين عليه‌السلام عاد صعصعة بن صوحان فقال : يا صعصعة لا تجعل عيادتي إياك فخرا على قومك وتواضع لله يرفعك.

الحديث السادس : مجهول.

وذكر شعر حاتم ليس للاستشهاد بل للشهرة والدلالة على أن هذا مما يحكم به عقل جميع الناس حتى الكفار « إذا ما عزمت اليأس » كلمة ما زائدة أي إذا عزمت على اليأس عن الناس « ألفيته » أي وجدته « الغناء ، إذا عرفته » بصيغة الخطاب من باب التفعيل ونصب النفس أو بصيغة الغيبة ورفع النفس والطمع مرفوع بالابتدائية والفقر بالخبرية.

الحديث السابع : ضعيف بسنديه على المشهور.

« ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم » أي العزم عليهما بأن تعاملهم ظاهرا معاملة من يفتقر إليهم في لين الكلام وحسن البشر وأن تعاملهم من

٣٥٦

كلامك وحسن بشرك ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزك.

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد قال حدثني علي بن عمر ، عن يحيى بن عمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول ثم ذكر مثله.

______________________________________________________

جهة أخرى معاملة من يستغني عنهم بأن تنزه عرضك من التدنس بالسؤال عنهم ، وتبقى عزك بعدم التذلل عندهم للأطماع الباطلة أو يجتمع في قلبك اعتقادان اعتقادك بأنك مفتقر إليهم للمعاشرة لأن الإنسان مدني بالطبع يحتاج بعضهم إلى بعض في التعيش والبقاء ، واعتقادك بأنك مستغن عنهم غير محتاج إلى سؤالهم لأن الله تعالى ضمن أرزاق العباد وهو مسبب الأسباب ، وفائدة الأول حسن المعاشرة والمخالطة معهم بلين الكلام وحسن الوجه والبشاشة ، وفائدة الثاني حفظ العرض وصوته عن النقص وحفظ العز بترك السؤال والطمع.

والحاصل أن ترك المعاشرة والمعاملة بالكلية مذموم والاعتماد عليهم والسؤال منهم والتذلل عندهم أيضا مذموم ، والممدوح من ذلك التوسط بين الإفراط والتفريط كما عرفت مرارا.

وفي القاموس : التنزه التباعد والاسم النزهة ، ونزه الرجل تباعد عن كل مكروه فهو نزيه ونزه نفسه عن القبيح تنزيها نحاها.

وقال : العرض بالكسر النفس وجانب الرجل يصونه من نفسه وحسبه أن ينتقص ويثلب ، أو سواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره أو موضع المدح والذم منه ، أو ما يفتخر به من حسب وشرف ، وقد يراد به الآباء والأجداد ، والخليفة المحمودة.

٣٥٧

باب

صلة الرحم

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله جل ذكره : « وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ

______________________________________________________

باب صلة الرحم

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ » قال البيضاوي : أي يسأل بعضكم بعضا فيقول : أسألك بالله ، وأصله تتساءلون فأدغمت الثانية في السين ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بطرحها ، انتهى.

والظاهر أن ضمير « به » راجع إلى الله وعوده إلى التقوى بعيد ، والأرحام بالجر على قراءة حمزة عطف على الضمير المجرور ، واستدل به الكوفيون على جواز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار ومنعه البصريون لأنه من قبيل العطف على بعض الكلمة ، وأجابوا عن الآية بأن الأرحام مرفوعة كما في بعض القراءات الشاذة على أنه مبتدأ محذوف الخبر ، تقديره والأرحام كذلك أي مما يتقى أو يتساءل به ، أو منصوبة كما قرأ به غير حمزة من القراء السبعة بالعطف على محل الجار والمجرور كما في قولك مررت بزيد وعمروا ، أو على الله أي اتقوا الأرحام فصلوها ولا تقطعوها ، على أن الواو يحتمل أن يكون للقسم أو بمعنى مع.

وأجيب بأن الكل خلاف الظاهر أما الأول فلان الأصل عدم الحذف ، وأما الثاني فلان العطف على المحل نادر في كلام الفصحاء ومع ندرته لا يجوز إلا مع تعذر العطف على اللفظ ، ودليل التعذر غير تام لأن امتناع العطف على بعض الكلمة إذا كان ذلك البعض أيضا كلمة ممنوع ، وأما الثالث فلبعد المسافة ولعدم فهم المساءلة في

٣٥٨

الْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً » (١) قال فقال هي أرحام الناس إن الله عز وجل أمر بصلتها وعظمها ألا ترى أنه جعلها منه.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن إسحاق بن عمار قال قال بلغني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله أهل بيتي أبوا إلا توثبا علي وقطيعة لي وشتيمة فأرفضهم قال

______________________________________________________

الأرحام حينئذ وأما الأخيران فلأن الأصل في الواو هو العطف ولا يعدل عنه إلا بدليل « إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً » أي حافظا مطلعا.

قوله عليه‌السلام : هي أرحام الناس ، أي ليس المراد هنا رحم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في أكثر الآيات « أمر بصلتها » أي في سائر الآيات أو في هذه الآية على قراءة النصب بالعطف على الله والأمر باتقاء الأرحام أمر بصلتها « وعظمها » حيث قرنها بنفسه ، « ألا ترى أنه جعلها منه » أي قرنها بنفسه ، وعلى قراءة الجر حيث قررهم على ذلك حيث كانوا يجمعون بينه تعالى وبين الرحم في السؤال فيقولون أنشدك الله والرحم وربما يقرأ منة بضم الميم وتشديد النون أي جعلها قوة وسببا لحصول المطالب أو بالكسر والتشديد أي أنعم بهما على الخلائق ولا يخفى ما فيهما من التعسف.

وفي تفسير العياشي في روايتين ألا ترى أنه جعلها معه ويؤيد العطف على الجلالة ما رواه الصدوق في العيون والخصال بإسناده عن الرضا عليه‌السلام قال : إن الله عز وجل أمر ثلاثة مقرون بها ثلاثة أخرى ، أمر بالصلاة والزكاة فمن صلى ولم يزك لم تقبل منه صلاته ، وأمر بالشكر له وللوالدين ، فمن لم يشكر والدية لم يشكر الله ، وأمر باتقاء الله وصلة الأرحام فمن لم يصل رحمه لم يتق الله عز وجل.

الحديث الثاني : موثق.

وفي القاموس : الوثب الظفر وواثبه ساوره وتوثب في ضيعتي استولى عليها ظلما ،

__________________

(١) سورة النساء : ٢.

٣٥٩

إذا يرفضكم الله جميعا قال فكيف أصنع قال تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك فإنك إذا فعلت ذلك كان لك من الله عليهم ظهير.

٣ ـ وعنه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن محمد بن عبيد الله قال قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقي

______________________________________________________

وقال : شتمه يشتمه شتما سبه والاسم الشتيمة ، وقال : رفضه يرفضه ويرفضه رفضا ورفضا تركه ، انتهى.

ورفض الله كناية عن سلب الرحمة والنصرة وإنزال العقوبة و « تصل » وما عطف عليه خبر بمعنى الأمر وقد مر تفسيرها والظهير الناصر والمعين ، والمراد هنا نصرة الله والملائكة وصالح المؤمنين كما قال تعالى في شأن زوجتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخائنتين : « وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ » (١).

الحديث الثالث : مجهول.

ويدل على أن العمر يزيد وينقص وأن صلة الرحم توجب زيادته ، وقوله :

يفعل الله ما يشاء ، إشارة إلى المحو والإثبات وأنه قادر على ذلك أو قد يزيد أكثر مما ذكر وأقل منه وقال الراغب : الرحم رحم المرأة ومنه أستعير الرحم للقرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة ، يقال رحم ورحم قال عز وجل : « وَأَقْرَبَ رُحْماً » (٢) ، انتهى.

واعلم أن العلماء اختلفوا في الرحم التي يلزم صلتها ، فقيل : الرحم والقرابة نسبة واتصال بين المنتسبين يجمعها رحم واحدة ، وقيل : الرحم عبارة عن قرابة الرجل من جهة طرفيه ، آبائه وإن علوا ، وأولاده وإن سفلوا ، وما يتصل بالطرفين من الأخوة والأخوات وأولادهم والأعمام والعمات ، وقيل : الرحم التي تجب صلتها كل رحم بين اثنين لو كان ذكرا لم يتناكحا فلا يدخل فيهم أولاد الأعمام والأخوال ، وقيل : هي عام في كل ذي رحم من ذوي الأرحام المعروفين بالنسب محرمات أو غير محرمات

__________________

(١) سورة التحريم : ٤.

(٢) سورة الكهف : ٨١.

٣٦٠