مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٢

أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ » (١) وقال : « وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ

______________________________________________________

وقال البيضاوي في الأولى « فَلا تُعْجِبْكَ » « إلخ » فإن ذلك استدراج ووبال لهم كما قال « إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها » ، بسبب ما يكابدون لجمعها وحفظها من المتاعب وما يرون فيها من الشدائد والمصائب « وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ » أي فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر في العاقبة فيكون ذلك استدراجا له ، وقال في الأخرى : تكرير للتأكيد والأمر حقيق به فإن الأبصار طامحة إلى الأموال والأولاد ، والنفوس مغتبطة عليها ، ويجوز أن يكون هذه في فريق غير الأول.

« وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ » قال في الكشاف : أي نظر عينيك ومد النظر تطويله وإن لا يكاد يرده استحسانا للمنظور إليه وتمنيا أن يكون له مثله ، وفيه أن النظر غير الممدود معفو عنه ، وذلك مثل نظر من باده الشيء بالنظر ثم غض الطرف وقد شدد العلماء من أهل التقوى في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة وعدد الفسقة في اللباس والمراكب وغير ذلك ، لأنهم اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة فالناظر إليها محصل لغرضهم وكالمغرى لهم على اتخاذها.

« أَزْواجاً مِنْهُمْ » قال البيضاوي : أصنافا من الكفرة ويجوز أن يكون حالا من الضمير والمفعول منهم أي إلى الذي متعنا به ، وهو أصناف بعضهم وناسا منهم « زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا » منصوب بمحذوف دل عليه متعنا أو به على تضمينه معنى أعطينا أو بالبدل من محل به أو من أزواجا بتقدير مضاف وذويه ، أو بالذم وهي الزينة والبهجة « لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ » لنبلونهم ونختبرهم فيه أو لنعذبهم في الآخرة بسببه « وَرِزْقُ رَبِّكَ » وما ادخره لك في الآخرة أو ما رزقك من الهدى والنبوة « خَيْرٌ » مما منحهم في الدنيا « وَأَبْقى » فإنه لا ينقطع وإنما ذكرنا تتمة الآيتين لأنهما مرادتان

__________________

(١) سورة التوبة : ٥٦. وفي المصحف « فلا تعجبك » كما تنبّه به الشارح (ره).

٣٢١

الْحَياةِ الدُّنْيا » (١) فإن دخلك من ذلك شيء فاذكر عيش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنما كان قوته الشعير وحلواه التمر ووقوده السعف إذا وجده.

______________________________________________________

وتركنا اختصارا « فإن دخلك من ذلك » أي من إطماح البصر أي من جملته « شيء » أو بسببه شيء من الرغبة في الدنيا فاذكر لعلاج ذلك وإخراجه عن نفسك « عيش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » أي طريق تعيشه في الدنيا لتسهل عليك مشاق الدنيا والقناعة فيها فإنه إذا كان أشرف المكونات هكذا تعيشه فكيف لا يرضى من دونه به ، وإن كان شريفا رفيعا عند الناس ، مع أن التأسي به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لازم.

« فإنما قوته الشعير » أي خبزه غالبا « وحلواه التمر » قال في المصباح الحلواء التي تؤكل ، تمد وتقصر وجمع الممدود حلاوي مثل صحراء وصحاري بالتشديد وجمع المقصور حلاوي بفتح الواو ، وقال الأزهري : الحلواء اسم لما يؤكل من الطعام إذا كان معالجا بحلاوة « ووقوده السعف » الوقود بالفتح الحطب وما يوقد به والسعف أغصان النخل ما دامت بالخوص ، فإن زال الخوص عنها قيل جريدة ، الواحدة سعفة ذكره في المصباح ، وفي القاموس : السعف محركة جريد النخل أو ورقه وأكثر ما يقال إذا يبست والضمير في « إن وجده » راجع إلى كل من الأمور المذكورة أو إلى السعف وحده ، وفسر بعضهم السعف بالورق ، وقال : الضمير راجع إليه ، والمعنى أنه كان يكتفي في خبز الخبز ونحوه بورق النخل ، فإذا انتهى ذلك ولم يجده كان يطبخ بالجريد ، بخلاف المسرفين فإنهم يطرحون الورق ويستعملون الجريد ابتداء.

وأقول : كأنه (ره) تكلف ذلك لأنه لا فرق بين جريد النخل وغيره في الإيقاد فأي قناعة فيه ، وليس كذلك لأن الجريد أرذل الأحطاب للإيقاد لنتنه وكثرة دخانه ، وعدم اتقاد جمرة ، وهذا بين لمن جربه.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٣١.

٣٢٢

٢ ـ الحسين بن محمد بن عامر ، عن معلى بن محمد وعلي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد جميعا ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن الهيثم بن واقد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من رضي من الله باليسير من المعاش رضي الله منه باليسير من العمل.

______________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف.

« ومن استغنى » أي عن الناس وترك الطلب أغناه الله عنه بإعطاء ما يحتاج إليه.

الحديث الثالث : مجهول.

« رضي الله منه » قيل : لأن كثرة النعمة توجب مزيد الشكر فكلما كانت النعمة أقل كان الشكر أسهل ، وبعبارة أخرى يسقط عنه كثير من العبادات المالية كالزكاة والحج وبر الوالدين وصلة الأرحام وإعانة الفقراء وأشباه ذلك والظاهر أن المراد به أكثر من ذلك من المسامحة والعفو ، كما روى الصدوق (ره) في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن النصر بن قابوس قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن معنى الحديث من رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله منه باليسير من العمل؟

قال : يطيعه في بعض ويعصيه في بعض ، وقد ورد في طريق العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخلص قلبك يكفك القليل من العمل ، وقال بعضهم : لأن من زهد في الدنيا وطهر ظاهره وباطنه من الأعمال والأخلاق القبيحة التي يقتضيها الدنيا وفرغ من المجاهدات التي يحتاج إليها السالك المبتدي ، وجعلها وراء ظهره فلم يبق عليه إلا فعل ما ينبغي فعله ، وهذا يسير بالنسبة إلى تلك المجاهدات ، انتهى.

وأقول : يحتمل إجراء مثله في هذا الخبر لأن من رضي بالقليل فقد زهد في الدنيا وأخلص قلبه من حبها.

٣٢٣

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال مكتوب في التوراة ابن آدم كن كيف شئت كما تدين تدان من رضي من الله بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل ومن رضي باليسير من الحلال خفت مئونته وزكت مكسبته وخرج من حد الفجور.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن محمد بن عرفة ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال من لم يقنعه من الرزق إلا الكثير لم يكفه من العمل إلا الكثير ومن كفاه من الرزق القليل فإنه يكفيه من العمل القليل.

______________________________________________________

الحديث الرابع : ضعيف.

« كن كيف شئت » الظاهر أنه أمر علي التهديد نحو قوله تعالى : « اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ » (١) وقيل : كن كما شئت أن يعمل معك وتتوقعه لقوله : كما تدين تدان ، وقد مر معناه « خفت مؤنته » أي مشقته في طلب المال وحفظه « وزكت » أي طهرت من الحرام « مكسبه » لأن ترك الحرام والشبهة في القليل أسهل أو نمت وحصلت فيه بركة مع قلته « وخرج من حد الفجور » أي من قرب الفجور والإشراف على الوقوع في الحرام ، فإن بين المال القليل والوقوع في الفجور فاصلة كثيرة لقلة الدواعي ، فصاحب المال الكثير لكثرة دواعي الشرور والفجور فيه كأنه على حد هو منتهى الحلال وبأدنى شيء يخرج منه إلى الفجور ، إما بالتقصير في الحقوق الواجبة فيه أو بالطغيان اللازم له أو القدرة علي المحرمات التي تدعو النفس إليه ، أو بالحرص الحاصل منه فلا يكتفي بالحلال ، ويتجاوز إلى الحرام وأشباه ذلك ، ويحتمل أن يكون المعنى خرج من حد الفجور الذي تستلزمه كثرة المال إلى الخير والصلاح اللازم لقلة المال والأول أبلغ وأتم.

الحديث الخامس : مجهول ، والمضمون مما مر معلوم.

__________________

(١) سورة فصّلت : ٤٠.

٣٢٤

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول ابن آدم إن كنت تريد من الدنيا ما يكفيك فإن أيسر ما فيها يكفيك وإن كنت إنما تريد ما لا يكفيك فإن كل ما فيها لا يكفيك.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عبد الرحمن بن محمد الأسدي ، عن سالم بن مكرم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال اشتدت حال رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت له امرأته لو أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسألته فجاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما رآه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله فقال الرجل ما يعني غيري فرجع إلى امرأته فأعلمها فقالت إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشر فأعلمه فأتاه فلما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله حتى فعل الرجل ذلك ثلاثا ثم ذهب الرجل فاستعار معولا ثم أتى الجبل فصعده فقطع

______________________________________________________

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

« ما يكفيك » أي ما تكتفي وتقنع به ، أي بقدر الكفاف والضرورة ، وقوله :

فإن أيسر ، من قبيل وضع الدليل موضع المدلول أي فيحصل مرادك لأن أيسر ما في الدنيا يمكن أن يكتفي به « وإن كنت تريد مالا يكفيك » أي مالا تكتفي به وتريد أزيد منه ، فلا تصل إلى مقصودك ولا تنتهي إلى حد فإنه إن حصل لك جميع الدنيا تريد أزيد منها لما مر وجرب أن كثرة المال يصير سببا لكثرة الحرص ، وسيأتي أوضح من ذلك في العاشر وبعده.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

« لو أتيت » لو للتمني « إن رسول الله بشر » أي لا يعلم الغيب إلا الله وهو بشر لا يعلم الغيب ، أي لم يكن هذا الكلام معك لأنه لا يعلم ما في ضميرك أو لا يعلم كنه شدة حالنا وإنما عرف حاجتك في الجملة ، وفي الصحاح : المعول الفأس العظيمة

٣٢٥

حطبا ثم جاء به فباعه بنصف مد من دقيق فرجع به فأكله ثم ذهب من الغد فجاء بأكثر من ذلك فباعه فلم يزل يعمل ويجمع حتى اشترى معولا ثم جمع حتى اشترى بكرين وغلاما ثم أثرى حتى أيسر فجاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأعلمه كيف جاء يسأله وكيف سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قلت لك من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله.

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن الفرات ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أراد أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يد غيره.

٩ ـ عنه ، عن ابن فضال ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر أو أبي عبد الله عليه‌السلام قال من قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس.

______________________________________________________

التي ينقر بها الصخر « من الغد » من بمعنى في ، والبكر بالفتح : الفتى من الإبل ، ويقال : أثرى الرجل إذا كثرت أمواله ، وأيسر الرجل أي استغنى ، كل ذلك ذكره الجوهري.

الحديث الثامن : ضعيف.

« فليكن بما في يد الله » أي في قدرة الله وقضائه وقدره « أوثق منه بما في يد غيره » ولو نفسه فإنه لا يصل إليه الأول ولا ينتفع بالثاني إلا بقضاء الله وقدره ، والحاصل أن الغناء عن الخلق لا يحصل إلا بالوثوق بالله سبحانه والتوكل عليه وعدم الاعتماد على غيره ، والعلم بأن الضار النافع هو الله ، ويفعل بالعباد ما علم صلاحهم فيه ويمنعهم ما علم أنه لا يصلح لهم.

الحديث التاسع : موثق كالصحيح.

« فهو من أغنى الناس » لأن الغناء عدم الحاجة إلى الغير ، والقانع بما رزقه الله لا يحتاج إلى السؤال عن غيره تعالى.

٣٢٦

١٠ ـ عنه ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن حمزة بن حمران قال شكا رجل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أنه يطلب فيصيب ولا يقنع وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه وقال علمني شيئا أنتفع به فقال أبو عبد الله عليه‌السلام إن كان ما يكفيك يغنيك فأدنى ما فيها يغنيك وإن كان ما يكفيك لا يغنيك فكل ما فيها لا يغنيك.

١١ ـ عنه ، عن عدة من أصحابنا ، عن حنان بن سدير رفعه قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام من رضي من الدنيا بما يجزيه كان أيسر ما فيها يكفيه ومن لم يرض من الدنيا بما يجزيه لم يكن فيها شيء يكفيه.

باب الكفاف

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن غير واحد ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي عبيدة الحذاء قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله عز

______________________________________________________

الحديث العاشر : مجهول وقد مر مضمونه.

الحديث الحادي عشر : مرفوع « وأجزأ » مهموز وقد يخفف أي أغنى وكفى ، قال في المصباح : قال الأزهري والفقهاء يقولون فيه أجزي من غير همز ولم أجده لأحد من أئمة اللغة ولكن إن همز أجزأ فهو بمعنى كفى ، وفيه نظر لأنه أراد امتناع التسهيل فقد توقف في غير موضع التوقف ، فإن تسهيل همزة الطرف في الفعل المزيد ، وتسهيل الهمزة الساكنة قياسي فيقال أرجأت الأمر وأرجيته وأنسأت وأنسيت وأخطأت وأخطيت.

باب الكفاف الحديث الأول : مرسل كالحسن.

والأغبط مأخوذ من الغبطة بالكسر وهي حسن الحال والمسرة « خفيف الحال » في بعض النسخ بالحاء المهملة وفي بعضها بالمعجمة فعلى الثاني أي قليل المال والحظ

٣٢٧

وجل إن من أغبط أوليائي عندي رجلا خفيف الحال ذا حظ من صلاة أحسن

______________________________________________________

من الدنيا والأول أيضا قريب منه ، قال في النهاية : فيه أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يشبع من طعام إلا على حفف ، الحفف الضيق وقلة المعيشة ، يقال : أصابه حفف وحفوف ، وحفت الأرض إذا يبس نباتها ، أي لم يشبع إلا والحال عنده خلاف الرخاء والخصب ، ومنه حديث قال له وفد العراق إن أمير المؤمنين بلغ منا وهو حاف المطعم أي يابسه وقحله ومنه رأيت أبا عبيدة حفوفا أي ضيق عيش ، ومنه أن عبد الله بن جعفر حفف وجهد أي قل ماله ، انتهى.

« ذا حظ من صلاة » أي صاحب نصيب حسن وافر من الصلاة فرضا ونفلا كما وكيفا ، ويحتمل أن يكون من للتعليل أي ذا حظ عظيم من القرب أو الثواب أو العفة وترك المحرمات أو الأعم بسبب الصلاة لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وهي قربان كل تقي.

« أحسن عبادة ربه بالغيب » أي غائبا عن الناس والتخصيص لأنه أخلص وأبعد من الرياء أو بسبب إيمانه بموعود غائب عن حواسه كما قال تعالى : « يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ » (١) أو الباء للآلة أي إحسان عبادتهم بالقلب لا بالجوارح الظاهرة فقط والأول أظهر.

« وكان غامضا في الناس » في النهاية أي مغمورا غير مشهور.

وأقول : إما للتقية أو المعنى أنه ليس طالبا للشهرة ورفعة الذكر بين الناس « جعل » على بناء المفعول « رزقه كفافا » أي بقدر الحاجة وبقدر ما يكفه عن السؤال قال في النهاية : الكفاف هو الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة إليه ، ومنه لا تلام على كفاف ، أي إذا لم يكن عندك كفاف لم تلم على أن لا تعطى أحدا ، وفي المصباح : قوته كفاف ، بالفتح أي مقدار حاجته من غير زيادة ولا نقص ، سمي بذلك لأنه يكف عن سؤال الناس ويغني عنهم.

__________________

(١) سورة البقرة : ٥.

٣٢٨

عبادة ربه بالغيب وكان غامضا في الناس جعل رزقه كفافا فصبر عليه عجلت منيته فقل تراثه وقلت بواكيه.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طوبى لمن أسلم وكان عيشه كفافا.

٣ ـ النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم ارزق محمدا وآل محمد ومن أحب محمدا وآل محمد العفاف والكفاف وارزق من أبغض

______________________________________________________

« عجلت منيته » كان ذكر تعجيل المنية لأنه من المصائب التي ترد عليه ، وعلم الله صلاحه في ذلك لخلاصه من أيدي الظلمة أو بذله نفسه لله بالشهادة ، وقيل : كان المراد بعجلة منيته زهده في مشتهيات الدنيا وعدم افتقاره إلى شيء منها كأنه ميت ، وقد ورد في الحديث المشهور : موتوا قبل أن تموتوا ، أو المراد أنه مهما قرب موته قل تراثه وقلت بواكيه لانسلاله متدرجا عن أمواله وأولاده.

وأقول : في مشكاة الأنوار : مات فقل تراثه ، وقال في الصحاح : التراث أصل التاء فيه واو ، وقلة البواكي لقلة عياله وأولاده وغموضه وعدم اشتهاره ، ولأنه ليس له مال ينفق في تعزيته فيجتمع عليه الناس.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

وقال في النهاية : فيه فطوبى للغرباء ، طوبى اسم الجنة وقيل : هي شجرة فيها وأصلها فعلى من الطيب ، فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واوا ، وفي القاموس : العيش الحياة عاش يعيش عيشا ومعيشة وعيشة بالكسر ، والطعام وما يعاش به والخبز.

الحديث الثالث : كالسابق.

والعفاف بالفتح عفة البطن والفرج ، أو التعفف عن السؤال من الخلق أو الأعم.

ثم إن هذه الأخبار تدل على ذم كثرة الأموال والأولاد ، والأخبار في ذلك

٣٢٩

محمدا وآل محمد المال والولد.

______________________________________________________

مختلفة وورد في كثير من الأدعية طلب الغناء وكثرة الأموال والأولاد ، وورد في كثير منها ذم الفقر والاستعاذة منه ، والجمع بينها لا يخلو من إشكال ، ويمكن الجمع بينها بأن الغناء الممدوح ما يكون وسيلة إلى تحصيل الآخرة ، ولا يكون مانعا من الاشتغال بالطاعات كما ورد : نعم المال الصالح للعبد الصالح وهو نادر ، والفقر المذموم هو ما لا يصبر عليه ، ويكون سببا للمذلة والافتقار إلى الناس وربما يحمل الفقر والغناء الممدوحان على الكفاف فإنه غنى بحسب الواقع ، ويعده أكثر الناس فقرا ولا ريب في أن كثرة الأموال والأولاد والخدم ملهية غالبا عن ذكر الله والآخرة كما قال سبحانه : « أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ » (١) وقال « إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى » (٢) وأما إذا لم تكن حصول هذه الأشياء مانعة عن تحصيل الآخرة وكان الغرض فيها طاعة الله وكثرة العابدين لله فهي من نعم الله على من علم الله صلاحه فيه ، وكان هذه الأخبار محمولة على الغالب.

ومضمون هذا الحديث مروي في طريق العامة أيضا ، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : اللهم اجعل رزق محمد قوتا ، وعنه أيضا : اللهم اجعل رزق محمد كفافا ، وفي رواية أخرى اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا.

قال عياض : لا خلاف في فضيلة ذلك لقلة الحساب عليه وإنما اختلف أيهما أفضل الفقر أو الغناء واحتج من فضل الفقر بدخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء قال القرطبي : القوت ما يقوت الأبدان ويكف عن الحاجة ، وهذا الحديث حجة لمن قال أن الكفاف أفضل لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما يدعو بالأرجح ، وأيضا فإن الكفاف حالة متوسطة بين الفقر والغناء ، وخير الأمور أوسطها ، وأيضا فإنه حالة يسلم معها من آفات الفقر وآفات الغناء ، وقال الآبي في إكمال الإكمال : في المسألة خلاف والمتحصل

__________________

(١) سورة التغابن : ١٥.

(٢) سورة العلق : ٧.

٣٣٠

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن إبراهيم بن محمد النوفلي رفعه إلى علي بن الحسين صلوات الله عليه قال مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله براعي إبل فبعث يستسقيه فقال أما ما في ضروعها فصبوح الحي وأما ما في آنيتنا فغبوقهم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ اللهم أكثر ماله وولده ثم مر براعي غنم فبعث إليه يستسقيه فحلب له ما في ضروعها وأكفأ ما في إنائه في إناء ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعث إليه بشاة وقال هذا ما عندنا وإن أحببت أن نزيدك زدناك قال فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ اللهم ارزقه الكفاف فقال له بعض أصحابه يا رسول الله دعوت للذي ردك بدعاء عامتنا نحبه ودعوت للذي أسعفك بحاجتك بدعاء كلنا نكرهه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى اللهم ارزق محمدا وآل محمد الكفاف.

٥ ـ عنه ، عن أبيه ، عن أبي البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله عز

______________________________________________________

فيها أربعة أقوال : قيل الغناء أفضل وقيل : الفقر أفضل وقيل : الكفاف أفضل ، وقيل : بالوقف ، وقال : المراد بالرزق المذكور ما ينتفع به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفسه وفي أهل بيته ، وليس المراد به الكسب لأنه كسب من خيبر وغيرها فوق القوت ، انتهى.

الحديث الرابع : مرفوع.

والصبوح بالفتح شرب الغداة وما حلب أول النهار ، والغبوق بالفتح أيضا الشرب بالعشي أو ما حلب آخر النهار ، وفي القاموس : كفاه كمنعه صرفه وكبه وقلبه كاكفاه ، وقال الجوهري : كفأت الإناء كببته وقلبته فهو مكفوء وزعم ابن الأعرابي أن أكفأته لغة وقال الكسائي : كفأت الإناء وأكفأته أملته ، وقال : أسعفت الرجل بحاجته إذا قضيتها له.

الحديث الخامس : ضعيف.

والحزن بالضم الهم وحزن كفرح لازم وحزن كنصر متعد ، يقال حزنه

٣٣١

وجل يقول يحزن عبدي المؤمن إن قترت عليه وذلك أقرب له مني ويفرح عبدي المؤمن إن وسعت عليه وذلك أبعد له مني.

٦ ـ الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد الأزدي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله عز وجل إن من أغبط أوليائي عندي عبدا مؤمنا ذا حظ من صلاح أحسن عبادة ربه وعبد الله في السريرة وكان غامضا في الناس فلم يشر إليه بالأصابع وكان رزقه كفافا فصبر عليه فعجلت به المنية فقل تراثه وقلت بواكيه.

______________________________________________________

الأمر حزنا وأحزنه ، وهنا يحتمل الوجهين بأن يكون يحزن بفتح الزاي ، وعبدي فاعله وإن بالكسر حرف شرط ، أو يحزن بالضم وعبدي مفعوله وأن بالفتح مصدرية في محل الفاعل ، والتقتير التضييق ، وكذا قوله : يفرح يحتمل بناء المجرد ورفع عبدي ، وكسر إن ، أو بناء التفعيل ونصب عبدي وفتح أن واللام في له في الموضعين للتعدية.

الحديث السادس : صحيح.

والسر والسريرة ما يكتم ، أي عبد الله خفية فهو يؤيد الغيب بالمعنى الأول ، أو في القلب عند حضور المخالفين ، فيؤيد الأخير ، والأول أظهر « فلم يشر » علي بناء المجهول كناية عن عدم الشهرة تأكيدا وتفريعا على الفقرة السابقة وقد مر مضمونه في الحديث الأول ، ولله در من نظم الحديثين فقال :

أخص الناس بالإيمان عبد

خفيف الحال مسكنه القفار

له في الليل حظ من صلاة

ومن صوم إذا طلع النهار

وقوت النفس يأتي من كفاف

وكان له على ذاك اصطبار

وفيه عفة وبه خمول

إليه بالأصابع لا يشار

وقل الباكيات عليه لما

قضى وليس له يسار

فذاك قد نجا من كل شر

ولم تمسسه يوم البعث نار.

٣٣٢

باب

تعجيل فعل الخير

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان قال حدثني حمزة بن حمران قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إذا هم أحدكم بخير فلا يؤخره فإن العبد ربما صلى الصلاة أو صام اليوم فيقال له اعمل ما شئت بعدها فقد غفر الله لك.

______________________________________________________

باب تعجيل فعل الخير

الحديث الأول : مجهول.

قوله عليه‌السلام : فإن العبد ، يعني أن العبادة التي توجب المغفرة التامة والقرب الكامل من جناب الحق تعالى مستورة على العبد لا يدري أيها هي فكلما هم بعبادة فعليه إمضاؤها قبل أن تفوته فلعلها تكون هي تلك العبادة كما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها ، والصلاة والصوم منصوبان بالمصدرية للنوع أي نوعا من الصلاة ونوعا من الصوم ، وفي بعض النسخ مكان الصوم اليوم ، فهو منصوب على الظرفية.

« فيقال له » القائل هو الله كما سيأتي أو الملائكة « بعدها » الضمير راجع إلى الصلاة على المثال أو إلى كل منهما بتأويل العبادة وفي قوله : « اعمل ما شئت » إشكال فإنه ظاهرا أمر بالقبيح؟ والجواب أنه معلوم أنه ليس الأمر هنا على حقيقته بل الغرض بيان أن الأعمال السيئة لا تضرك بحيث تحرمك عن دخول الجنة بأن وفقت لعدم الإصرار على الكبيرة ، أو صرت قابلا للعفو والمغفرة فيغفر الله لك ، فإن قيل : هذا إغراء بالقبيح؟ قلت : الإغراء بالقبيح إنما يكون إذا علم العبد صدور مثل ذلك العمل عنه ، وأنه أي عمل هو وهو مستور عنه ، وقد يقال : إن

٣٣٣

٢ ـ عنه ، عن علي بن الحكم ، عن أبي جميلة قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام افتتحوا نهاركم بخير وأملوا على حفظتكم في أوله خيرا وفي آخره خيرا يغفر لكم ما بين ذلك إن شاء الله.

٣ ـ عنه ، عن ابن أبي عمير ، عن مرازم بن حكيم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أبي يقول إذا هممت بخير فبادر فإنك لا تدري ما يحدث.

______________________________________________________

المعنى أنك لا تحاسب على ما مضى فقد غفر لك فبعد ذلك استأنف العمل إما للجنة فتستوجبها ، وإما للنار فتستحقها كقوله : اعمل ما شئت فإنك ملاقيه.

وهذا الخبر منقول في طرق العامة وقال القرطبي : الأمر في قوله : اعمل ما شئت أمر إكرام كما في قوله تعالى : « ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ » (١) وإخبار عن الرجل بأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه ومحفوظ في الآتي ، وقال الآبي : يريد بأمر الإكرام أنه ليس إباحة لأن يفعل ما يشاء.

الحديث الثاني : ضعيف.

ويدل على الحث على فعل الطاعات في أول النهار وافتتاح النهار بالأدعية والأذكار والتلاوة وسائر الأقوال الحسنة فإن ملائكة النهار يكتبونها في أول صحيفة أعمالهم فكأنهم يملي عليهم ، وكذا في آخر النهار فإن الإملاء هو أن تلقى شيئا على غيرك ليكتب وأصله الإملال وعلى أن فعل ذلك يوجب غفران ما بينهما من الذنوب ، ولذا وردت عن أئمتنا عليهم‌السلام أذكار وأدعية كثيرة للصباح والمساء ، والتقييد بالمشية للتبرك أو لعدم الاغترار.

الحديث الثالث : صحيح.

« فإنك لا تدري ما يحدث » أي كموت أو هرم أو مرض أو سهو أو نسيان أو وسوسة شيطان أو مانع من الموانع التي لا تعد ولا تحصى.

__________________

(١) سورة الحجر : ٣٦.

٣٣٤

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله يحب من الخير ما يعجل.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن بشير بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا أردت شيئا من الخير فلا تؤخره فإن العبد يصوم اليوم الحار يريد ما عند الله فيعتقه الله به من النار ولا تستقل ما يتقرب به إلى الله عز وجل ولو شق تمرة.

٦ ـ عنه ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من هم بخير فليعجله ولا يؤخره فإن العبد ربما عمل العمل فيقول

______________________________________________________

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

ويدل على استحباب تعجيل الخيرات كما قال تعالى : « وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ » (١) وقال سبحانه : « أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ » (٢) ويدل على استحباب المبادرة إلى الصلوات في أوائل أوقاتها وكذا سائر العبادات.

الحديث الخامس : مجهول.

« ولو بشق تمرة » أي نصفها فإنه قد يحفظ به النفس عن الجوع المهلك ، وقد يعلل به اليتيم ولأنه إذا اجتمع منه كثير يصير قوتا لشخص ، قال في النهاية : فيه : اتقوا النار ولو بشق تمرة فإنها تقع من الجائع موقعها من الشبعان ، قيل : أراد أن شق التمرة أي نصفها لا يتبين له كبير موقع من الجائع إذا تناوله كما لا يتبين على شبع الشبعان إذا أكله فلا تعجزوا أن تتصدقوا به ، وقيل : لأنه يسأل هذا شق تمرة وذا شق تمرة وثالثا ورابعا فيجتمع له ما يسد به جوعته.

الحديث السادس : مرسل.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٣٣.

(٢) سورة المؤمنون : ٦١.

٣٣٥

الله تبارك وتعالى قد غفرت لك ولا أكتب عليك شيئا أبدا ومن هم بسيئة فلا يعملها فإنه ربما عمل العبد السيئة فيراه الله سبحانه فيقول لا وعزتي وجلالي لا أغفر لك بعدها أبدا.

٧ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا هممت بشيء من الخير فلا تؤخره فإن الله عز وجل ربما اطلع على العبد وهو على شيء من الطاعة فيقول وعزتي وجلالي لا أعذبك بعدها أبدا وإذا هممت بسيئة فلا تعملها فإنه ربما اطلع الله على العبد وهو على شيء من المعصية فيقول وعزتي وجلالي لا أغفر لك بعدها أبدا.

٨ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا هم أحدكم بخير أو صلة فإن عن

______________________________________________________

قوله تعالى : قد غفرت لك ، الظاهر أن هذا من باب التفضل وذلك العمل يصير سببا لاستحقاق هذا الفضل ، ويحتمل أن يكون مبنيا على التكفير فإن الحسنات يذهبن السيئات ، ويكون هذا العمل مكفرا لما بعده أيضا ويحفظه الله فيما يأتي عن الكبائر كما مر ، وأما قوله : لا أغفر لك بعدها أبدا ، فهو إما لخروجه بذلك عن استحقاق الغفران فيعاقب على جميع معاصيه بعد ذلك ، أو لاستحقاقه للخذلان فيتسلط عليه الشيطان فيخرجه من الإيمان ، أو هو مبني على الحبط فيحبط هذا العمل ما يأتي به من الطاعات بعده ، أعاذنا الله وسائر المؤمنين من ذلك والله المستعان.

الحديث السابع : حسن كالصحيح.

وفي المصباح اطلعت زيدا على كذا مثال أعلمته وزنا ومعنى فاطلع على افتعل أي أشرف عليه وعلم به.

الحديث الثامن : ضعيف.

« بخير » أي إيصال نفع إلى الغير أو الأعم منه ومن سائر الأعمال الصالحة

٣٣٦

يمينه وشماله شيطانين فليبادر لا يكفاه عن ذلك.

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول من هم بشيء من الخير فليعجله فإن كل شيء فيه تأخير فإن للشيطان فيه نظرة.

______________________________________________________

التي ينتفع بها في الآخرة « أو صلة » أي صلة رحم من الوالدين والأقارب أو الأعم منهم ومن المؤمنين فيكون تخصيصا بعد التعميم أو المراد بالخير ما يصل نفعه إلى نفسه ، وبالصلة ما يصل إلى الغير « فإن عن يمينه وشماله » قد يقال صاحب اليمين يضله من جهة الطاعة وصاحب الشمال من جهة المعصية.

واعلم أن النفوس البشرية نافرة على العبادات لما فيها من المشقة الثقيلة عليها ، وعن صلة الأرحام والمبرات لما فيها من صرف المال المحبوب لها ، فإذا هم أحدهم بشيء من ذلك مما يوجب وصوله إلى مقام الزلفى وتشرفه بالسعادة العظمى فليبادر إلى إمضائه وليعجل إلى اقتنائه فإن الشيطان أبدا في مكمن ينتهض الفرصة لنفثه في نفسه الأمارة بالسوء ويتحرى الحيلة مرة بعد أخرى في منعها عن الإرادات الصحيحة الموجبة لسعادتها وأمرها بالقبائح المورثة لشقاوتها ، ويجلب عليها خيله ورجله من جميع الجهات ليسد عليها طرق الوصول إلى الخيرات ، وهي مع ذلك قابلة لتلك الوساوس ومائلة بالطبع إلى هذه الخسائس فربما يتمكن منها الشيطان غاية التمكن حتى يصرفها عن تلك الإرادة ويكفها عن هذه السعادة وهي مجربة مشاهدة في أكثر الناس إلا من عصمه الله « لا يكفاه » أي لا يمنعاه.

الحديث التاسع : ضعيف.

« فإن للشيطان فيه نظرة » بسكون الظاء أي فكرة لإحداث حيلة يكف بها العبد عن الإتيان بالخير ، أو بكسرها يعني مهلة يتفكر فيها لذلك ، أو بالتحريك بمعنى الحكم أو بمعنى الفكر أو بمعنى الانتظار والكل مناسب ، قال في القاموس : نظره كنصره

٣٣٧

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن أسباط ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إن الله ثقل الخير على أهل الدنيا

______________________________________________________

وسمعه وإليه نظرا ومنظرا تأمله بعينه ، وبينهم حكم والنظر محركة الفكر في الشيء تقدره وتقيسه ، والانتظار والحكم بين القوم والإعانة والفعل كنصر والنظرة كفرحة : التأخير في الأمر والنظرة : الهيبة.

الحديث العاشر : موثق كالصحيح.

« ثقل الخير على أهل الدنيا » أي على جميع المكلفين في الدنيا بأن جعل ما كلفهم به مخالفا لمشتهيات طباعهم وإن كان المقربون لقوة عقولهم وكثرة علومهم ورياضاتهم غلبوا على أهوائهم وصار عليهم خفيفا بل يلتذون به أو المراد بأهل الدنيا الراغبون فيها والطالبون مع ذلك للآخرة فهم يزجرون أنفسهم على ترك الشهوات فالحسنات عليهم ثقيلة والشرور عليهم خفيفة ، والثقل والخفة في الموازين إشارة إلى قوله تعالى : « فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ، وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ » (١).

واعلم أنه لا خلاف في حقية الميزان وقد نطق به صريح القرآن في مواضع لكن اختلف المتكلمون من الخاصة والعامة في معناه ، فمنهم من حمله على المجاز وأن المراد من الموازين هي التعديل بين الأعمال والجزاء عليها ووضع كل جزاء في موضعه وإيصال كل ذي حق إلى حقه ، ذهب إليه الشيخ المفيد قدس الله روحه وجماعة من العامة ، والأكثرون منا ومنهم حملوه على الحقيقة ، وقالوا : إن الله ينصب ميزانا له لسان وكفتان يوم القيامة فتوزن به أعمال العباد والحسنات والسيئات ، واختلفوا في كيفية الوزن لأن الأعمال إعراض لا تجوز عليها الإعادة ولا يكون لها وزن ولا تقوم بأنفسها ، فقيل : توزن صحائف الأعمال

__________________

(١) سورة القارعة : ٨ ـ ٩.

٣٣٨

كثقله في موازينهم يوم القيامة وإن الله عز وجل خفف الشر على أهل الدنيا كخفته في موازينهم يوم القيامة.

______________________________________________________

وقيل : تظهر علامات للحسنات وعلامات للسيئات في الكفتين فتراها الناس وقيل : تظهر للحسنات صور حسنة وللسيئات صور سيئة وهو مروي عن ابن عباس ، وقيل : بتجسم الأعمال في تلك النشأة وقالوا بجواز تبدل الحقائق في النشأتين كما في النوم واليقظة ، وقيل : توزن نفس المؤمن والكافر فعن عبيد بن عمير قال : يؤتى بالرجل العظيم الجثة فلا يزن جناح بعوضة وقيل : الميزان واحد والجمع باعتبار أنواع الأعمال والأشخاص ، وقيل : الموازين متعددة بحسب ذلك ، وقد ورد في الأخبار أن الأئمة عليهم‌السلام هم الموازين القسط ، فيمكن حملها على أنهم الحاضرون عندها والحاكمون عليها وعدم صرف ألفاظ القرآن عن حقائقها بدون حجة قاطعة أولى.

فعلى القول بظاهر الميزان نسبة الخفة والثقل إلى الموازين باعتبار كفة الحسنات فالمراد بمن خفت موازينه من خفت كفة حسناته بسبب ثقل كفة سيئاته ، قال الطبرسي (ره) في قوله تعالى : « فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ » إلخ ، قد ذكر سبحانه الحسنات في الموضعين ولم يذكر وزن السيئات لأن الوزن عبارة عن القدر والخطر والسيئة لا خطر لها ولا قدر وإنما الخطر والقدر للحسنات فكان المعنى فأما من عظم قدره عند الله لكثرة حسناته ، ومن خف قدره عند الله لخفة حسناته ، انتهى.

وأما ما ورد في الخبر من نسبة الخفة إلى الشر فيمكن أن يكون الإسناد على المجاز ، فإن الشر لما كان علة لخفة كفة الحسنات نسبة الخفة إليها أو لأنه يصير سببا لخفة قدر صاحبه ومذلته ، ولا يبعد القول بوحدة كفة الميزان في القيامة فتوضع فيها الحسنات والسيئات معا فتخف بسبب السيئات وتثقل بسبب الحسنات ، فتكون لوقوفها منازل من الاعتدال والثقل والخفة ، كما ذهب إليه بعض المحدثين فالآيات والأخبار تعتدل على ظواهرها ، والله يعلم حقائق كلامه وكلام حججه وهم عليهم‌السلام.

٣٣٩

باب

الإنصاف والعدل

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن الحسن بن حمزة ، عن جده ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين صلوات الله عليه قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في آخر خطبته طوبى لمن طاب خلقه وطهرت سجيته وصلحت سريرته وحسنت علانيته وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله وأنصف الناس من نفسه

______________________________________________________

باب الإنصاف والعدل

الحديث الأول : مجهول.

« طوبى » أي الجنة أو شجرتها المعروفة أو أطيب الأحوال في الدنيا والآخرة « لمن طاب خلقه » بضم الخاء أي تخلق بالأخلاق الحسنة ، ويحتمل الفتح أيضا أي يكون مخلوقا من طينة حسنة « وطهرت سجيته » أي طبيعته من الأخلاق الرذيلة فعلى الأول يكون تأكيدا لما سبق ، وفي المصباح : السجية الغريزة والجمع سجايا « وصلحت سريرته » أي قلبه بالمعارف الإلهية والعقائد الإيمانية وبالخلو عن الحقد والنفاق وقصد إضرار المسلمين ، أو بواطن أحواله بأن لا تكون مخالفة لظواهرها كالمرائين ، وفي القاموس : السر ما يكتم كالسريرة.

« وحسنت علانيته » بكونها موافقة للآداب الشرعية « وأنفق الفضل من ماله » بإخراج الحقوق الواجبة والمندوبة أو الأعم منهما ومما فضل من الكفاف « وأمسك الفضل من قوله » بحفظ لسانه عما لا يعنيه « وأنصف الناس من نفسه » أي كان حكما وحاكما على نفسه فيما كان بينه وبين الناس ، ورضي لهم ما رضي لنفسه ، وكره لهم ما كره لنفسه ، وكان كلمة من للتعليل ، أي كان إنصافه الناس بسبب نفسه لا بانتصاف حاكم غيره.

٣٤٠