مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٢

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعلي بن محمد ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان المنقري ، عن حفص بن غياث قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الورع من الناس فقال الذي يتورع عن محارم الله عز وجل.

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن أبي أسامة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زينا ولا تكونوا شينا وعليكم بطول الركوع والسجود فإن أحدكم

______________________________________________________

المحارم وترك الطاعات كما هو الشائع بين الناس ، أو هو تعريض بأرباب البدع الذين يحرمون ما أحل الله على أنفسهم ويسمونه ورعا أو تنبيه على أن الورع إنما هو بترك المعاصي لا بالمبالغة في الطاعات والإكثار منها.

الحديث الثامن : ضعيف والوجوه السابقة جارية فيه.

الحديث التاسع : صحيح.

« وحسن الجوار » لكل من جاوره وصاحبه أو لجار بيته « وكونوا دعاة » أي كونوا داعين للناس إلى طريقتكم المثلي ومذهبكم الحق بمحاسن أعمالكم ومكارم أخلاقكم ، فإن الناس إذا رأوكم على سيرة حسنة وهدى جميل نازعتهم أنفسهم إلى الدخول فيما ذهبتم إليه من التشيع وتصويبكم فيما تقلدتم من طاعة أئمتكم عليهم‌السلام « وكونوا زينا » أي زينة لنا « ولا تكونوا شينا » أي عيبا وعارا علينا ، وفي النهاية في حديث أبي هريرة إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله ، الويل : الحزن والهلاك والمشقة من العذاب وكل من وقع في هلكة دعا بالويل ، ومعنى النداء فيه يا ويلي ويا حزني ويا هلاكي ويا عذابي احضر فهذا وقتك وأو أنك ، فكأنه نادى الويل أن يحضره لما عرض له من الأمر الفظيع وهو الندم على ترك السجود لآدم عليه‌السلام ، وأضاف الويل إلى ضمير الغائب حملا على

٦١

إذا أطال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه وقال يا ويله أطاع وعصيت وسجد وأبيت.

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن أبي زيد ، عن أبيه قال كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل عيسى بن عبد الله القمي فرحب به وقرب من مجلسه ثم قال يا عيسى بن عبد الله ليس منا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد أورع منه.

______________________________________________________

المعنى ، وعدل عن حكاية قول إبليس يا ويلي كراهة أن يضيف الويل إلى نفسه ، انتهى.

وقال : النووي : هو من أدب الكلام أنه إذا عرض في الحكاية عن الغير ما فيه سوء صرف الحاكي عن نفسه إلى الغيبة صونا عن صورة إضافة السؤال إلى نفسه ، انتهى.

وقيل : الضمير راجع إلى الساجد ودعا إبليس له بالعذاب والويل ، أو هو من كلام الإمام والضمير لإبليس والجملة معترضة ، ولا يخفى بعدهما ، ويحتمل على الأول أن يكون المنادي محذوفا نحو ألا يا اسجدوا أي يا قوم احضروا ويلي.

الحديث العاشر : مجهول.

وقال الجوهري : الرحب بالضم السعة ، وقولهم : مرحبا وأهلا أي أتيت سعة وأتيت أهلا فاستأنس ولا تستوحش ، وقدر حب به ترحيبا إذا قال له مرحبا ، انتهى.

وفي النهاية : وقيل : معناه رحب الله بك مرحبا ، فجعل المرحب موضع الترحيب ، انتهى.

وقوله : ولا كرامة جملة معترضة أي لا كرامة له عند الله أو عندنا أو أعم منهما « فيه مائة ألف » أي من المخالفين أو الأعم ، ويدل على مدح عيسى بن عبد الله وروى الشيخ المفيد في مجالسه حديثا يدل على مدح عظيم له ، وأنه قال عليه‌السلام فيه هو منا أهل البيت ، وزعم الأكثر أنه الأشعري جد أحمد بن محمد ، والأظهر عندي أنه غيره لبعد ملاقاة الأشعري الصادق عليه‌السلام ، بل ذكروا أن له مسائل عن الرضا عليه‌السلام.

٦٢

١١ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبي كهمس ، عن عمرو بن سعيد بن هلال قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أوصني قال أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه.

١٢ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال أعينونا بالورع فإنه من لقي الله عز وجل منكم بالورع كان له عند الله فرجا وإن الله عز وجل يقول : « مَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ

______________________________________________________

الحديث الحادي عشر : مجهول ، وقد مر مضمونه.

الحديث الثاني عشر : صحيح.

« أعينونا بالورع » إشارة إلى أن الأئمة عليهم‌السلام متكفلون لنجاة شيعتهم من العذاب ، فكلما كان ورعهم أشد وأكمل كانت الشفاعة عليهم أسهل ، فالورع إعانة لهم عليهم‌السلام على ذلك.

فإن قلت : مع الورع أي حاجة إلى الشفاعة فإنه يجب عليه سبحانه بمقتضى وعده إدخالهم الجنة وإبعادهم عن العذاب.

قلت : يحتمل أن يكون المراد عدم تجشم الشفاعة أو يكون الورع ترك المعاصي فقط ، فلا ينافي الاحتياج إلى الشفاعة للتقصير في الواجبات ، أو يكون المراد بالورع ترك الكبائر أو أعم من ترك كل المعاصي أو بعضها مع أنه لا استبعاد في الحاجة إلى الشفاعة مع فعل الطاعات وترك المعاصي لسرعة دخول الجنة أو التخلص من أهوال القيامة أو عدم الحساب ، أو تخفيفه.

« كان له عند الله فرجا » اسم كان الضمير المستتر الراجع إلى الورع ، وقيل : إلى اللقاء وفرجا بالجيم خبره ، وربما يقرأ بالحاء المهملة وعلى التقديرين التنوين للتعظيم « مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ » في سورة النساء « وَالرَّسُولَ » وكأنه نقل بالمعنى مع الإشارة إلى ما في سورة النور « وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ

٦٣

أُولئِكَ رَفِيقاً » (١) فمنا النبي ومنا الصديق والشهداء والصالحون.

١٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إنا لا نعد الرجل مؤمنا حتى يكون لجميع أمرنا متبعا مريدا ألا وإن من اتباع أمرنا وإرادته الورع فتزينوا به يرحمكم الله وكبدوا أعداءنا [ به ] ينعشكم الله.

______________________________________________________

الْفائِزُونَ » وإطاعة الله والرسول لا تكون إلا مع الورع ، فالاستشهاد لذلك وقيل : المراد بطاعة الله ورسوله إطاعتهما في الاعتقاد بإمامة أئمة الهدى عليهم‌السلام وإن كان مع المعاصي فالاستشهاد للشفاعة.

« فمنا » أي من بني هاشم وكان المراد بالصديق أمير المؤمنين عليه‌السلام وبالشهداء الحسنان عليه‌السلام أو الحسين عليه‌السلام وبالصالحين باقي الأئمة عليهم‌السلام ، أو المراد بالشهداء جميع الأئمة عليهم‌السلام وبالصالحين شيعتهم ، وقد فسرت الآية بالوجهين في الأخبار.

الحديث الثالث عشر : حسن « إنا لا نعد الرجل مؤمنا » هذا أحد معاني الإيمان التي مضت « مريدا » أي لجميع أمرنا « يرحمكم الله » جواب الأمر أو جملة دعائية وكذا قوله : ينعشكم الله يحتمل الوجهين « وكيدوا به » في أكثر النسخ بالياء المثناة أي حاربوهم بالورع لتغلبوا أو ادفعوا به كيدهم سمي كيدا مجازا أي الورع يصير سببا لكف ألسنتهم عنكم وترك ذمهم لكم أو احتالوا بالورع ليرغبوا في دينكم كما مر في قوله : عليه‌السلام « كونوا دعاة » إلخ ، وكأنه أظهر ، وفي بعض النسخ بالباء الموحدة المشددة من الكبد بمعنى الشدة والمشقة ، أي أوقعوهم في الألم والمشقة لأنه يصعب عليهم ورعكم والأول أكثر وأظهر.

« ينعشكم الله » أي يرفعكم الله في الدنيا والآخرة ، في القاموس : نعشه الله كمنعه رفعه كأنعشه ونعشه وفلانا جبره بعد فقر ، والميت ذكره ذكرا حسنا.

__________________

(١) سورة النساء : ٦٩ ، وفيها « والرسول » كما ذكره الشارح (ره).

٦٤

١٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن العلاء ، عن ابن أبي يعفور قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير فإن ذلك داعية.

١٥ ـ الحسين بن محمد ، عن علي بن محمد بن سعيد ، عن محمد بن مسلم ، عن محمد بن حمزة العلوي قال أخبرني عبيد الله بن علي ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال كثيرا ما كنت أسمع أبي يقول ليس من شيعتنا من لا تتحدث المخدرات بورعه في خدورهن وليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم [ من ] خلق [ ا ] لله أورع منه.

______________________________________________________

الحديث الرابع عشر : صحيح.

« فإن ذلك داعية » أي للمخالفين إلى الدخول في دينكم كما مر ، والتاء للمبالغة وسيأتي هذا الخبر في باب الصدق بأدنى تفاوت في السند والمتن ، وفيه الصدق مكان الصلاة.

الحديث الخامس عشر : مجهول.

وفي القاموس الخدر بالكسر ستر يمد للجارية في ناحية البيت ، وكل ما واراك من بيت ونحوه ، والجمع خدور وأخدار ، وبالفتح إلزام البنت الخدر كالإخدار والتخدير وهي مخدرة ومخدرة ، انتهى.

والمعنى اشتهر ورعه بحيث تتحدث النساء المستورات غير البارزات بورعه في بيوتهن ، وقيل : إنه يدل على أن إظهار الصلاح ليشتهر أمر مطلوب ، ولكن بشرط أن لا يكون لقصد الرياء والسمعة بل لغرض صحيح مثل الاقتداء به والتحفظ من نسبة الفسق إليه ونحوهما ، وفيه نظر.

٦٥

باب العفة

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ما عبد الله بشيء أفضل من عفة بطن وفرج.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه قال قال أبو جعفر عليه‌السلام إن أفضل العبادة عفة البطن والفرج.

______________________________________________________

باب العفة

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

والعفة في الأصل الكف قال في القاموس : عف عفا وعفافا وعفافة بفتحهن وعفة بالكسر فهو عف وعفيف : كف عما لا يحل ولا يجمل كاستعف وتعفف ، وقال الراغب : العفة حصول حالة للنفس تمنع بها عن غلبة الشهوة ، والمتعفف المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر ، وأصله الاقتصار على تناول الشيء القليل الجاري مجرى العفافة ، والعفة أي البقية من الشيء أو مجرى العفف وهو ثمر الأراك ، والاستعفاف طلب العفة ، انتهى.

وتطلق في الأخبار غالبا على عفة البطن والفرج وكفهما عن مشتهياتها المحرمة بل المشتبهة والمكروهة أيضا من المأكولات والمشروبات والمنكوحات ، بل من مقدماتهما من تحصيل الأموال المحرمة لذلك ومن القبلة واللمس والنظر إلى المحرم ، ويدل على أن ترك المحرمات من العبادات وكونهما من أفضل العبادات ، لكونهما أشقهما.

الحديث الثاني : حسن أو موثق.

٦٦

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول أفضل العبادة العفاف.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن معلى أبي عثمان ، عن أبي بصير قال قال رجل لأبي جعفر عليه‌السلام إني ضعيف العمل قليل الصيام ولكني أرجو أن لا آكل إلا حلالا قال فقال له أي الاجتهاد أفضل من عفة بطن وفرج.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر ما تلج به أمتي النار الأجوفان البطن والفرج.

٦ ـ وبإسناده قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث أخافهن على أمتي من بعدي الضلالة بعد المعرفة ومضلات الفتن وشهوة البطن والفرج.

______________________________________________________

الحديث الثالث : ضعيف ، ويمكن حمل العفاف هنا على ما يشمل ترك جميع المحرمات.

الحديث الرابع : صحيح ، والاجتهاد بذل الوسع في طلب الأمر والمراد هنا المبالغة في الطاعة.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« ما تلج » أي تدخل ، وفي النهاية : الأجوف الذي له جوف ، ومنه الحديث :

أن لا تنسوا الجوف وما وعى ، أي ما يدخل إليه من الطعام والشراب ويجمع فيه ، وقيل : أراد بالجوف القلب وما وعى وحفظ من معرفة الله تعالى ، وقيل : أراد بالجوف البطن والفرج معا ، ومنه الحديث : إن أخوف ما أخاف عليكم الأجوفان.

« وبإسناده » الضمير لعلي أو للسكوني ، وعلى التقديرين المراد به الإسناد

٦٧

٦ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن بعض أصحابه ، عن ميمون القداح قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ما من عبادة أفضل من عفة بطن وفرج.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن منصور بن حازم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ما من عبادة أفضل عند الله من عفة بطن وفرج.

باب اجتناب المحارم

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن داود بن كثير الرقي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ » (١) قال من علم أن الله عز وجل يراه ويسمع ما يقوله ويفعله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الذي « خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ».

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر

______________________________________________________

السابق وقيل : ليس هذا في نسخة الشهيد الثاني (ره) ، وأقول : قد وقعت الأمة في كل ما خاف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم إلا من عصمه الله ، وهم قليل من الأمة.

الحديث السادس : مرسل.

الحديث السابع : صحيح.

باب اجتناب المحارم

الحديث الأول : مختلف فيه صحيح على الأقوى ، وقد مر في آخر باب الخوف والرجاء بأدنى تغيير في المتن مع شرحه.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

__________________

(١) سورة الرحمن : ٤٦.

٦٨

اليماني ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كل عين باكية يوم القيامة غير ثلاث عين سهرت في سبيل الله وعين فاضت من خشية الله وعين غضت عن محارم الله.

٣ ـ علي ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال فيما ناجى الله عز وجل به موسى عليه‌السلام يا موسى ما تقرب إلي المتقربون بمثل الورع عن محارمي فإني أبيحهم جنات عدن لا أشرك معهم أحدا.

٤ ـ علي [ بن إبراهيم ] ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبيدة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أشد ما فرض الله على خلقه ذكر الله كثيرا ثم قال لا أعني سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وإن كان منه ولكن

______________________________________________________

« في سبيل الله » أي في الجهاد أو الأعم منه ومن السفر إلى الحج والزيارات أو الأعم منها ومن السهر للعبادة ومطالعة العلوم الدينية وهذا أظهر ، وإسناد الفيض إلى العين مجاز يقال : فاض الماء والدمع يفيض فيضا كثر حتى سال ، وغضت على بناء المفعول يقال غض طرفه أي كسره وأطرق ولم يفتح عينه.

الحديث الثالث : مرسل.

« جنات عدن » قال الراغب : أي استقرار وثبات ، وعدن بمكان كذا استقر ومنه المعدن لمستقر الجواهر.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

« ما فرض الله » أي قرره أعم من الواجب والندب ، ويحتمل الوجوب « وإن كان » أي هذا الذكر اللساني « منه » أي من مطلق الذكر ، لكن الذكر الشديد الذكر عند الطاعة والمعصية ، والذكر اللساني هين بالنسبة إليه ، والحاصل أن الله سبحانه أمر بالذكر ومدحه في مواضع كثيرة من الذكر الحكيم كقوله سبحانه : « اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً » (١) وقوله « وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٤١.

٦٩

ذكر الله عند ما أحل وحرم فإن كان طاعة عمل بها وإن كان معصية تركها.

٥ ـ ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً

______________________________________________________

الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ » (١) وقوله تعالى : « الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ » (٢) وأصل الذكر التذكر بالقلب ومنه : و « اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ » (٣) أي تذكروا ثم يطلق على الذكر اللساني حقيقة أو من باب تسمية الدال باسم المدلول ثم كثر استعماله فيه لظهوره حتى صار هو السابق إلى الفهم ، فنص عليه‌السلام على إرادة الأول دون الثاني فقط دفعا لتوهم تخصيصه بالثاني ، وإشارة إلى أكمل أفراده.

وقال بعضهم : ذكر اللسان مع خلو القلب عنه لا يخلو من فائدة لأنه يمنعه من التكلم باللغو ، ويجعل لسانه معتادا بالخير ، وقد يلقي الشيطان إليه أن حركة اللسان بدون توجه القلب عبث ينبغي تركه فاللائق بحال الذكر حينئذ أن يحضر قلبه رغما للشيطان ، ولو لم يحضره فاللائق به أن لا يترك ذكر اللسان رغما لأنفه أيضا.

وأن يجيبه بأن اللسان آلة للذكر كالقلب ولا يترك أحدهما بترك الآخر فإن لكل عضو عبادة.

ثم اعلم أن الذكر القلبي من أعظم بواعث المحبة والمحبة أرفع منازل المقربين ، رزقنا الله إياها وسائر المؤمنين.

الحديث الخامس : كالسابق « وَقَدِمْنا » أي عمدنا وقصدنا « إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ » كقري الضعيف وصلة الرحم وإغاثة الملهوف وغيرها « فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً » فلم يبق له أثر والهباء غبار

__________________

(١) سورة الأعراف : ٢٠٧.

(٢) سورة آل عمران : ١٩١.

(٣) سورة البقرة : ١٢١.

٧٠

مَنْثُوراً » (١) قال أما والله إن كانت أعمالهم أشد بياضا من القباطي ولكن كانوا إذا عرض لهم الحرام لم يدعوه

______________________________________________________

في شعاع الشمس الطالع من الكوة من الهبوة وهو الغبار ، والقباطي بالفتح جمع القبطية بالكسر ثياب بيض رقاق من كتان تتخذ بمصر وقد يضم لأنهم يغيرون في النسبة ، وفي المصباح القبطي بالضم من كتان رقيق يعمل بمصر نسبة إلى القبط على غير قياس فرقا بين الإنسان والثوب وثياب قبطية أيضا بالضم والجمع قباطي ، انتهى.

وفيه دلالة على حبط الطاعات بالفسوق وخصه بعض المفسرين بالكفر ولا كلام فيه.

ولنذكر هنا مجملا من معاني الحبط والتكفير والاختلافات الواردة فيه.

اعلم أن الإحباط في عرف المتكلمين عبارة عن إبطال الحسنة بعدم ترتب ما يتوقع منها عليها ويقابلها التكفير وهو إسقاط السيئة بعدم جريان مقتضاها عليها فهو في المعصية نظير الإحباط في الطاعة ، والحبط والتكفير ، وإطلاقهما بهذين اللفظين وبما يساوقهما كثير في الآيات والأخبار ، وقد اشتهر بين المتكلمين أن الوعيدية من المعتزلة وغيرهم يقولون بالإحباط والتكفير دون من سواهم من الأشاعرة وغيرهم وهذا على إطلاقه غير صحيح فإن أصل الإحباط والتكفير مما لا يمكن إنكاره لأحد من المسلمين كما ظهر مما تلونا عليك فلا بد أن يحرر مقصود كل طائفة ليتبين ما هو الحق.

فنقول : لا خلاف بين من يعتد به من أهل الإسلام في أن كل مؤمن صالح يدخل الجنة خالدا فيها حقيقة ، وكل كافر يدخل النار خالدا فيها كذلك ، وأما المؤمن الذي خلط عملا صالحا بعمل غير صالح فاختلفوا فيه فذهب بعض المرجئة إلى أن الإيمان يحبط الزلات فلا عقاب على زلة مع الإيمان ، كما لا ثواب لطاعة مع

__________________

(١) سورة الفرقان : ٢٣.

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

الكفر ، وذهب الآخرون إلى ثبوت الثواب والعقاب في حقه ، أما المعتزلة فبعنوان الاستحقاق المعلوم عقلا باعتبار الحسن والقبح العقليين ، وشرعا باعتبار الآيات الدالة عليه من الوعد والوعيد ، وأما الأشاعرة فبعنوان الاتفاق يقولون : أنه لا يجب على الله شيء فلا يستحق المكلف ثوابا منه تعالى فإن أثابه فبفضله وإن عاقبه فبعدله ، بل له أثابه العاصي وعقاب المطيع أيضا ، وبالجملة قول المعتزلة في المؤمن الخارج من الدنيا بغير توبة عن كبيرة ارتكبها أنه استحق الخلود في النار لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار أما مطلق الاستحقاق فلما عرفت وأما خصوص الخلود فللعمومات المتداولة عند غيرهم بتخصيصها بالكفار أو بحمل الخلود على المكث الطويل لقوله تعالى : « وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها » (١) وقوله : « وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها » (٢) فلهذا حكموا بأن كبيرة واحدة تحبط جميع الطاعات فإن الخلود الموعود مستلزم لذلك.

هذا قول جمهورهم في أصل الإحباط.

ثم إن الجبائيين أبا علي وابنه أبا هاشم منهم على ما نقل عنهما الآمدي ذهبا إلى اشتراط الكثرة في المحبط بمعنى أن من زادت معاصيه على طاعاته أحبطت معاصيه طاعاته وبالعكس ، لكنهما اختلفا فقال أبو علي : ينحبط الناقص برمته من غير أن ينتقص من الزائد شيء ، وقال أبو هاشم : بل ينتقص من الزائد أيضا بقدره ويبقى الباقي.

إذا عرفت هذا فاعلم أن ما ذكره أكثر أصحابنا من نفي الإحباط والتكفير مع ورود الآيات الكثيرة والأخبار المستفيضة بل المتواترة بالمعنى في كل منهما مما يقضي منه العجب ، مع أنه ليس لهم على ذلك إلا شبه ضعيفة مذكورة في كتب

__________________

(١) سورة الجنّ : ٢٣.

(٢) سورة النساء : ١٤.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الكلام كالتجريد وغيره ، لكن بعد التأمل والتحقيق يظهر أن الذي ينفونه منهما لا ينافي ظواهر الآيات والأخبار كثيرا بل يرجع إلى مناقشة لفظية لأنهم قائلون بأن التوبة ترفع العقاب وأن الموت على الكفر تبطل ثواب جميع الأعمال ، لكن الأكثر يقولون ليس هذا بالإحباط ، بل باشتراط الموافاة على الإيمان في استحقاق الثواب على القول بالاستحقاق ، وفي الوعد بالثواب علي القول بعدم الاستحقاق ، وكذا يمكنهم القول بأحد الأمرين في المعاصي التي وردت أنها حابطة لبعض الحسنات من غير قول بالحبط بأن يكون الاستحقاق أو الوعد مشروطا بعدم صدور تلك المعصية وأما التوبة والأعمال المكفرة فلا حاجة إلى ارتكاب أمثال ذلك فيها إذ في تجويز التفضل والعفو كما هو مذهبنا غنى عنها ، وأيضا لا نقول بإذهاب كل معصية كل طاعة وبالعكس كما ذهب إليه المعتزلة ، بل نتبع في ذلك النصوص الواردة في ذلك فكل معصية وردت في الكتاب أو في الآثار الصحيحة أنها ذاهبة أو منقصة لثواب جميع الحسنات وبعضها نقول به وبالعكس ، تابعين للنص في جميع ذلك.

ومن أصحابنا من لم يقل بالموافاة ولا بالإحباط بل يقول كل من الإيمان والكفر يتحقق بتحقق شروطه المقارنة ، وليس شيء من استحقاق الثواب والعقاب مشروطا بشرط متأخر ، بل إن تحقق الإيمان تحقق استحقاق الثواب وإن تحقق الكفر تحقق معه استحقاق العقاب ، فإن كفر بعد الإيمان كان كفره اللاحق كاشفا عن أنه لم يكن مؤمنا سابقا ولم يكن مستحقا للثواب عليه ، وإطلاق المؤمن عليه بمحض اللفظ وبحسب الظاهر ، وإن آمن أحد بعد الكفر زال كفره الأصلي بالإيمان اللاحق ، وسقط استحقاقه العقاب لعفو الله تعالى لا بالإحباط ولا لعدم الموافاة كما يقول الآخرون.

وتفصيل هذا المطلب وتنقيحه يحتاج إلى إيراد مقاصد :

الأول : أن النافين للحسن والقبح لا يثبتون استحقاق شيء من الثواب والعقاب بشيء من الأعمال ، بل المالك للعباد عندهم قادر على الثواب والعقاب ومالك للتصرف

٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فيهم كيف شاء ، وليس من شأن فعله في خلقه استحقاق الذم بل ولا المدح وكلاهما اصطلاح ومواضعة من الشارع ، وأما المثبتون لهما فلا كلام عندهم في استحقاق العقاب نعم ربما قيل بعدم استقلال العقل فيه ضرورة أو نظرا وأما الثواب فعند بعضهم أنه مما يستحقه العبد بطاعته ، وإليه يذهب جماعة من أصحابنا ويحتجون لذلك بأن إلزام المشقة بدون التزام نفع في مقابله قبيح ، وربما يوجه عليه أن التزام النفع في مقابله إنما يلزم لو لم يسبق النعم عليه بما يحسن إلزام المشقة بإزائها والفرق بين النفع المستقبل والنعمة الماضية تحكم وربما كفى في إلزام المشقة حسن العمل الشاق ولم نحتج في حسن الإلزام إلى أزيد منه ، ولهذا ذهب بعض أصحابنا وغيرهم إلى أن الثواب تفضل ووعد منه تعالى بدون استحقاق للعبد ، وهو الظاهر من كلام أكثر أصحابنا رضوان الله عليهم ، ويدل عليه كثير من الأخبار والأدعية.

الثاني : أن الثواب والعقاب هل يجب دوامهما أم لا فذهب المعتزلة إلى الأول وطريقه العقل عندهم ، والصحيح عند أصحابنا أنه لا يجب عقلا ، وأما شرعا فالثواب دائم وكذا عقاب الكفر إجماعا من المسلمين إلا ما نقل من شذاذ من المتصوفين الذين لا يعدون من المسلمين ، وأما عقاب العاصي فمنقطع ويكفي هنا عدم وجدان طريق عقلي إلى دوامهما ، وفي عبارة التجريد في هذا المطلب تناقض يحتاج إلى تكلف تام في دفعه.

الثالث : أن الإحباط بالمعنى الذي ذكرناه من إفناء كل من الاستحقاقين للآخر أو المتأخر للمتقدم باطل عند أصحابنا ، ومذهب أبي علي وهو بقاء المتأخر وفناء المتقدم مناف للنصوص الكثيرة المتضمنة لعدم تضييع العمل ، وأما مذهب أبي هاشم فلا ينافي ظواهر النصوص لأنه إذا أفنى المتقدم المتأخر أيضا فليس بضائع ولا مما لم يره العامل ، لكن الظاهر أن ما ذهب إليه من إبطاله له من جهة المنافاة بينهما فليس بصحيح ، إذ لا منافاة عقلا بين الثواب والعقاب واستحقاقهما ، بل يكاد

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

العقل يجزم بعدم مساواة من أعقب كثيرا من الطاعة بقليل من المعصية مع من اكتفى بالفضل بينهما حسب ، وعدم مساواة من أعقب أحدهما بما يساوي الآخر مع من لم يفعل شيئا.

ثم إنه يمكن أن يسقط العقاب المتقدم عند الطاعة المتأخرة وعلى سبيل العفو وهو إسقاط الله تعالى ما يستحقه على العبد من العقوبة وهو الظاهر من مذاهب أصحابنا رضي الله عنهم ، وأما الثواب فلا يتصور فيه ذلك ، ويمكن أن يكون الوعد بالثواب على الطاعة المتقدمة أو استحقاقه مشروطا بعدم معاقبة المعصية لها كما يشترط ثواب الإيمان والطاعات بالموافاة على الإيمان بأن يموت مؤمنا عند كثير من أصحابنا.

لكن ذلك الاشتراط ليس بعام لجميع المعاصي بل مخصوص بمقتضى النصوص ببعضها ، وليس كلما ورد بطلان الطاعة بسببه مما يقطع باشتراط الثواب به لأن كلا منها أخبار آحاد لا تفيد القطع ، نعم ربما حصل القطع بأن شيئا من تلك المعاصي يشترط استمرار انتفائه لاستحقاق الثواب أو هو شرط في الوعد به.

والفرق بين هذا وبين الإحباط ظاهر من وجوه :

الأول : أن إبطال الثواب في الإحباط من حيث التضاد عقلا بين الاستحقاقين وهيهنا من جهة اشتراطه شرعا بنفي المعصية.

الثاني : أن المنافاة هناك بين الاستحقاقين فلو لم يحصل استحقاق العقاب لانتفاء شرطه لم يحصل الإحباط وهيهنا بنفس المعصية ينتفي الثواب ، أو استحقاقه إن ثبت وكان مستمرا وإن توقف أصل الاستحقاق على استمرار النفي لم يحصل أصلا وإنما يحصل في موضع الحصول بالموت ، ولا يختلف الحال باستحقاق العقاب على تلك المعصية لاستجماع شرائطه وعدمه لفقد شيء منه كمنع الله تعالى لطفا معلوما عن المكلف ، وكما لو أعلم الله تعالى المكلف أنه يغفر له ويعفو عن جميع معاصيه فكان مغريا له بالقبيح ، وكما لو لم يقع فعل القبيح ولا الإخلال بالواجب عن المكلف على سبيل

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

إيثاره على فعل الواجب والامتناع من القبيح ، بل وقع لا على وجه الإيثار فإن العاصي في جميع هذه الصور يستحق ذما ، ولا يستحق عقابا عند أبي هاشم ومن يحذو حذوه وعلى تقدير الاشتراط باستمرار انتفاء المعصية ينتفي استحقاق الثواب وعلى تقدير الإحباط لا ينتفي.

الثالث : أن التوبة على مذهب الإحباط يمنع من الإحباط وعلى ما ذكرنا لا يمنع من الإحباط ، نعم لو كان الشرط استمرار انتفاء المعصية أو الموافاة بالتوبة من المعصية دون استمرار انتفائها فقط منع من الإحباط كمذهب القائلين به.

الثالث : أن التوبة على مذهب الإحباط يمنع من الإحباط وعلى ما ذكرنا لا يمنع من إحباط ، نعم لو كان الشرط استمرار انتفاء المعصية أو الموافاة بالتوبة من المعصية دون استمرار انتفائها فقط منع من الإحباط كمذهب القائلين به.

الرابع : أن هذا يجري في مذهب النافين للاستحقاق دون الإحباط ، وهذا الذي ذكرناه وإن لم يكن مذهبا صريحا لأصحابنا إلا أن من يذهب إلى الموافاة لا بدله من تجويزه وبه يجمع بين نفي الإحباط كما تقتضيه الأدلة بزعمهم وبين الآيات وكثير من الروايات الدالة على أن بعضا من المعاصي يبطل الأعمال السابقة ويمكن القول بمثل هذا في المعاصي بأن يكون استحقاق العقاب عليها أو استمراره مشروط بعدم بعض الطاعات في المستقبل ، فيأول ما يتضمن شبه هذا المعنى من الروايات به لكن عدم استحقاق العقاب بتعمد معصية الله تعالى وتوقفه على أمر منتظر بعيد ، وكذلك انقطاع استمراره وفي العفو مندوحة عنه ، والكلام فيه كالكلام في التوبة وهو ظاهر النصوص.

وفي كلام الشارح العلامة الحلي قدس‌سره في شرح التجريد عند قول المصنف (ره) : وهو مشروط بالموافاة « إلخ » ما يدل على أن في المعتزلة من يقول باشتراط الطاعات بالمعاصي المتأخرة وبالعكس ، وظاهره أنه حمل كلام المصنف على هذا المعنى فيكون قائلا بالموافاة في الطاعات باشتراطه بانتفائه الذنب في المستقبل ، وفي المعاصي باشتراطه بعدم الطاعة الصالحة للتكفير في المستقبل إلا أني لم أقف على

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

قائل به من الأصحاب صريحا ، وكلام التجريد ليس بصريح إلا في الموافاة بالإيمان.

الرابع : (١) أن العفو مطلقا سواء كانت المعصية مما تاب المكلف منها أو لا وسواء كانت صغيرة مكفرة أو كبيرة غير واقع بالسمع عند جميع المعتزلة وذهب بعضهم وهم البغداديون منهم إلى أنه قبيح عقلا والسمع أكده ، والبصريون إلى جوازه عقلا وإنما المانع منه السمع فمزيل العقاب عندهم منحصر في أمرين أحدهما التوبة ، والثاني التكفير بالثواب ، وذلك عند من قال بأن التوبة إنما تسقط العقاب لكونه ندما على المعصية ، وإما عند من قال أنه يسقط لكثرة الثواب فالمزيل منحصر في أمر واحد هو الإحباط فتوهم غير هذا باطل ، ودعوى الاتفاق على العفو من الصغائر عند اجتناب الكبائر ، ومن الذنوب مطلقا عند التوبة كما وقع من الشارح الجديد للتجريد مضمحل عند التحقيق كما ذكره بعض الأفاضل.

قال صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى : « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ » (٢) نمط ما تستحقونه من العقاب في كل وقت على صغائركم ، ونجعلها كان لم تكن لزيادة الثواب المستحق على اجتنابكم الكبائر وصبركم عنها على عقاب السيئات ، وأما إسقاط التوبة للعقاب ففيه ثلاث مذاهب : « الأول » أنها تسقطه على سبيل الوجوب عند اجتماع شرائطها لكونها ندما على المعصية كما أن الندم على الطاعة يحبطها لكونه ندما عليها مع قطن النظر عن استتباعها الثواب والعقاب الثاني : أنها تسقطه على سبيل الوجوب ، لا لكونها ندما عليها ، بل لاستتباعها ثوابا كثيرا ، الثالث : أنها لا تسقطه وإنما تسقط العقاب عندها ، لأنها على سبيل العفو دون الاستحقاق ، وهذه المذاهب مشهورة مسطورة في كتب الكلام.

وأقول : بهذا التفصيل الذي ذكر ارتفع التشنيع واللوم عن محققي أصحابنا

__________________

(١) أي الرابع من المقاصد.

(٢) سورة النساء : ٣١.

٧٧

٦ ـ علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ترك معصية لله مخافة الله تبارك وتعالى أرضاه الله يوم القيامة.

باب

أداء الفرائض

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي قال قال علي بن الحسين صلوات الله عليه من عمل بما افترض الله عليه فهو من خير الناس.

______________________________________________________

رضوان الله عليهم بمخالفتهم للآيات المتظافرة والروايات المتواترة ، وأن الإحباط والتكفير بالمعنى الذي هو المتنازع فيه بين أصحابنا وبين المعتزلة نفيهما لا ينافي شيئا من ذلك وإنما أطنبنا الكلام في هذا المقام لأنه من مهمات المسائل الكلامية ، ومن تعرض لتحقيقه لم يستوف حقه ، والله الموفق.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

ويمكن تعميم المعصية ليشمل ترك الطاعة أيضا ، وعدم ذكر ما يرضيه به لتفخيمه إيماء إلى أن عقل البشر لا يصل إلى كنه حقيقته كما قال سبحانه : « وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ » (١).

باب أداء الفرائض

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« فهو من خير الناس » ليس من في بعض النسخ فالخيرية إضافية بالنسبة إلى من يأتي بالمستحبات ، ويترك بعض الفرائض.

__________________

(١) سورة التوبة : ٧٢.

٧٨

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا » (١) قال اصبروا على الفرائض.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي السفاتج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا » قال « اصْبِرُوا » على الفرائض « وَصابِرُوا » على المصائب « وَرابِطُوا »

______________________________________________________

الحديث الثاني : حسن أو موثق.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور وآخره مجهول.

« اصْبِرُوا » قال الطبرسي (ره) : اختلف في معناها على وجوه :

أحدها : أن المعنى فاصبروا على دينكم أي اثبتوا عليه وصابروا الكفار ورابطوهم في سبيل الله فالمعنى اصبروا على طاعة الله سبحانه وعن معاصيه ، وقاتلوا العدو « وَصابِرُوا » على قتالهم في الحق كما يصبرون على قتالكم في الباطل لأن الرباط هو المرابطة فيكون بين اثنين يعني أعدوا لهم من الخيل ما يعدونه لكم.

وثانيها : أن المراد اصبروا على دينكم وصابروا وعدي إياكم ، ورابطوا عدوي وعدوكم.

وثالثها : أن المراد اصبروا على الجهاد ، وقيل : إن معنى رابطوا رابطوا الصلوات ، ومعناه انتظروها واحدة بعد واحدة ، لأن المرابطة لم تكن حينئذ روي ذلك عن علي عليه‌السلام ، وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سئل عن أفضل الأعمال فقال : إسباغ الوضوء في السبرات ، ونقل الأقدام إلى الجماعات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط.

وروي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : معناه اصبروا على المصائب وصابروا على عدوكم ورابطوا عدوكم وهو قريب من الأول ، انتهى.

« على الفرائض » يحتمل شمولها لترك المحرمات أيضا « وصابروا على المصائب »

__________________

(١) سورة آل عمران : ٢٠٠.

٧٩

على الأئمة عليهم‌السلام.

وفي رواية ابن محبوب ، عن أبي السفاتج وزاد فيه فاتقوا الله ربكم فيما افترض عليكم.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال الله تبارك وتعالى ما تحبب إلي عبدي بأحب مما افترضت عليه.

باب

استواء العمل والمداومة عليه

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا كان الرجل على عمل فليدم عليه سنة ثم يتحول عنه إن

______________________________________________________

لعل صيغة المفاعلة على هذا الوجه للمبالغة لأن ما يكون بين الاثنين يكون الاهتمام فيه أشد أو لأن فيه معارضة النفس والشيطان ، وكذا قوله : رابطوا يحتمل الوجهين لأن المراد به ربط النفس على طاعتهم وانقيادهم وانتظار فرجهم مع أن في ذلك معارضة لعدوهم « فيما افترض عليكم » من فعل الواجبات وترك المحرمات.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور وقد مر الكلام فيه.

الحديث الخامس : ضعيف والتحبب جلب المحبة وإظهارها والأول أنسب ، ولو لم تكن الفرائض أحب إليه تعالى لما افترضه.

باب استواء العمل والمداومة عليه

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« ثم يتحول عنه إنشاء » إلى غيره من الطاعات لا أن يتركه بغير عوض « يكون »

٨٠