مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٢

مستعتب وما بعدها من دار إلا الجنة أو النار.

١٠ ـ عنه ، عن أحمد ، عن ابن محبوب ، عن داود الرقي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ » (١) قال من علم أن الله يراه ويسمع

______________________________________________________

الجوهري : الشباب الحداثة وكذلك الشبيبة وهو خلاف الشيب ، وفي بعض النسخ وفي الشيبة وهي كبر السن وابيضاض الشعر ، وعلى الأول وهو الأظهر المعنى وليعمل في سن الشباب قبل سن الشيخوخة لأنه قد لا يصل إلى الكبر ، وإن وصل فالعمل في الحالتين أفضل من العمل في حالة واحدة ، مع أن المرء في الشباب أقوى على العمل منه في المشيب ، وإذا صار العمل ملكة في الشباب تصير سببا لسهولة العمل عليه في المشيب وأيضا إذا أقبل على الطاعات في شبابه لا يتكدر ولا يرين مرآة قلبه بالفسوق والمعاصي وإذا أقبل على المعاصي وران قلبه بها فلما ينفك عنها ، ولو تركها قلما تصفو نفسه من كدوراتها ، وعلى الثاني المراد بالكبر سن الهرم والزمن أي ينبغي أن يغتنم أوائل الشيخوخة للطاعة قبل تعطل القوي وذهاب العقل ، فيكون قريبا من الفقرة الآتية « وفي الحياة قبل الممات » أي ينبغي أن يغتنم كل جزء من الحياة ولا يسوف العمل لاحتمال انقطاع الحياة بعده.

والمستعتب إما مصدر أو اسم مكان ، والاستعتاب الاسترضاء قال في النهاية : أعتبني فلان ، إذا عاد إلى مسرتي واستعتب طلب أن يرضى عنه كما يقول : استرضيته فأرضاني ، والمعتب المرضي ، ومنه الحديث : لا يتمنين أحدكم الموت إما محسنا فلعله يزداد ، وإما مسيئا فلعله يستعتب أي يرجع عن الإساءة ويطلب الرضا ، ومنه الحديث : ولا بعد الموت من مستعتب ، أي ليس بعد الموت من استرضاء لأن الأعمال بطلت وانقضى زمانها ، وما بعد الموت دار جزاء لا دار عمل والعتبي الرجوع عن الذنب والإساءة.

الحديث العاشر : مختلف فيه صحيح عندي.

« وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ » قال البيضاوي : أي موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب

__________________

(١) سورة الرحمن : ٤٦.

٤١

ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الذي « خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ».

١١ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الحسن بن أبي سارة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو.

______________________________________________________

أو قيامه على أحواله من قام عليه إذا راقبه أو مقام الخائف عند ربه للحساب بأحد المعنيين فأضاف إلى الرب تفخيما وتهويلا أو ربه مقام مقحم للمبالغة « جَنَّتانِ » جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجني ، فإن الخطاب للفريقين والمعنى لكل خائفين منكما ، أو لكل أحد جنة لعقيدته وأخرى لعمله ، أو جنة لفعل الطاعات وأخرى لترك المعاصي ، أو جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه ، أو روحانية وجسمانية ، انتهى.

وأقول : يحتمل أن يكون المراد جنة البرزخ وجنة الخلد أو اللذات المعنوية في الدنيا للمقربين وجنات الآخرة ، قوله : فذلك الذي ، إشارة إلى تفسير آية أخرى في النازعات تنبيها على تقارب مضمون الآيتين واتحاد الموصول في الموضعين وأن نهي النفس عن الهوى مراد في تلك الآية أيضا ، فإن الخوف بدون ترك المناهي ليس بخوف حقيقة ، ووحدة الجنة لا تنافي التثنية في الأخرى ، لأن المراد بها الجنس وأشار عليه‌السلام إلى أن الخوف تابع للعلم كما قال سبحانه : « إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ».

الحديث الحادي عشر ضعيف على المشهور ، ويدل على أن كمال الإيمان منوط بالخوف والرجاء ، والخوف والرجاء لا يصدقان إلا بالعمل.

٤٢

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن فضيل بن عثمان ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال المؤمن بين مخافتين ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك فهو لا يصبح إلا خائفا ولا يصلحه إلا الخوف.

١٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أبي عليه‌السلام يقول إنه ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران نور خيفة ونور رجاء لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا.

باب

حسن الظن بالله عز وجل

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن داود بن كثير ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله تبارك وتعالى لا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي والنعيم في جناتي ورفيع الدرجات العلى في جواري

______________________________________________________

الحديث الثاني عشر : صحيح.

ويدل على أنه لا يصلح الإنسان ، ولا تنكسر شهواته إلا بالخوف منه تعالى.

الحديث الثالث عشر : حسن وقد مر مضمونه.

باب حسن الظن بالله عز وجل

الحديث الأول : مختلف فيه صحيح عندي ، وهو جزء من خبر قد مضى في باب الرضا.

٤٣

ولكن برحمتي فليثقوا وفضلي فليرجوا وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا فإن رحمتي عند ذلك تدركهم ومني يبلغهم رضواني ومغفرتي تلبسهم عفوي فإني أنا الله الرحمن الرحيم وبذلك تسميت.

٢ ـ ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن بريد بن معاوية ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال وهو على منبره والذي لا إله إلا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن ظنه بالله ورجائه له وحسن خلقه والكف عن اغتياب المؤمنين والذي لا إله إلا هو لا يعذب الله مؤمنا بعد التوبة والاستغفار إلا بسوء ظنه بالله وتقصيره من رجائه وسوء خلقه واغتيابه للمؤمنين والذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن لأن الله كريم بيده الخيرات يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه ورجاءه فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه.

______________________________________________________

الحديث الثاني : صحيح ومعلق على الخبر السابق.

قوله عليه‌السلام : إلا بحسن ظنه قيل : معناه حسن ظنه بالغفران إذا ظنه حين يستغفر ، وبالقبول إذا ظنه حين يتوب وبالإجابة إذا ظنه حين يدعو ، وبالكفاية إذا ظنها حين يستكفي ، لأن هذه صفات لا تظهر إلا إذا حسن ظنه بالله تعالى وكذلك تحسين الظن بقبول العمل عند فعله إياه ، فينبغي للمستغفر والتائب والداعي والعامل أن يأتوا بذلك موقنين بالإجابة بوعد الله الصادق ، فإن الله تعالى وعد بقبول التوبة الصادقة والأعمال الصالحة ، وأما لو فعل هذه الأشياء وهو يظن أن لا يقبل ولا ينفعه فذلك قنوط من رحمة الله تعالى والقنوط كبيرة مهلكة ، وأما ظن المغفرة مع الإصرار وظن الثواب مع ترك الأعمال فذلك جهل وغرور يجر إلى مذهب المرجئة ، والظن هو ترجيح أحد الجانبين بسبب يقتضي الترجيح ، فإذا خلا عن سبب فإنما هو غرور وتمن للمحال.

٤٤

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال أحسن الظن بالله فإن الله عز وجل يقول أنا عند ظن عبدي المؤمن بي إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن سفيان بن عيينة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول حسن الظن بالله أن لا ترجو إلا الله ولا تخاف إلا ذنبك.

باب

الاعتراف بالتقصير

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن سعد بن أبي خلف ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال قال لبعض ولده يا بني عليك بالجد لا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله عز وجل وطاعته فإن الله

______________________________________________________

الحديث الثالث : صحيح.

« أنا عند ظن عبدي » هذا الخبر مروي من طرق العامة أيضا ، وقال الخطابي : معناه أنا عند ظن عبدي في حسن عمله وسوء عمله ، لأن من حسن عمله حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنه.

الحديث الرابع : ضعيف.

وفيه إشارة إلى أن حسن الظن بالله ليس معناه ومقتضاه ترك العمل والاجتراء على المعاصي اتكالا على رحمة الله ، بل معناه أنه مع العمل لا يتكل على عمله وإنما يرجو قبوله من فضله وكرمه ، ويكون خوفه من ذنبه وقصور عمله لا من ربه فحسن الظن لا ينافي الخوف ، بل لا بد من الخوف وضمه مع الرجاء وحسن الظن كما مر.

باب الاعتراف بالتقصير

الحديث الأول : صحيح.

« لا تخرجن نفسك من حد التقصير » أي عد نفسك مقصرا في طاعة الله وإن

٤٥

لا يعبد حق عبادته.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن بعض العراقيين ، عن محمد بن المثنى الحضرمي ، عن أبيه ، عن عثمان بن زيد ، عن جابر قال قال لي أبو جعفر عليه‌السلام يا جابر لا أخرجك الله من النقص و [ لا ] التقصير.

٣ ـ عنه ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم قال سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول إن رجلا في بني إسرائيل عبد الله أربعين سنة ثم قرب قربانا فلم يقبل منه فقال لنفسه ما أتيت إلا منك وما الذنب إلا لك قال فأوحى الله تبارك وتعالى إليه ذمك لنفسك أفضل من عبادتك أربعين سنة.

______________________________________________________

بذلت الجهد فيها ، فإن الله لا يمكن أن يعبد حق عبادته كما قال سيد البشر : ما عبدناك حق عبادتك.

الحديث الثاني : مجهول.

« عن بعض العراقيين » أي علماء الكوفة « لا أخرجك الله » أي وفقك الله لأن تعد عبادتك ناقصة ونفسك مقصرة أبدا.

الحديث الثالث : موثق.

والقربان بالضم ما يتقرب به إلى الله من هدى أو غيره ، وكانت علامة القبول في بني إسرائيل أن تجيء نار من السماء فتحرقه ، وقال في المغرب : من هنا أتيت ، أي من هنا دخل البلاء عليك.

« فأوحى الله » يحتمل أن يكون ذلك الرجل نبيا ويحتمل أن يكون الوحي بتوسط نبي في ذلك الزمان ، مع أنه لم يثبت امتناع نزول الوحي على غير الأنبياء كما أن ظاهر الآية نزول الوحي على أم موسى.

قال الطبرسي قدس‌سره في قوله تعالى : « وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى » أي ألهمناها وقذفنا في قلبها وليس بوحي نبوة ، عن قتادة وغيره ، وقيل : أتاها جبرئيل بذلك ، عن مقاتل ، وقيل : كان هذا الوحي رؤيا منام عبر عنها من تثق به من علماء بني إسرائيل عن الجبائي.

٤٦

٤ ـ أبو علي الأشعري ، عن عيسى بن أيوب ، عن علي بن مهزيار ، عن الفضل بن يونس ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال قال أكثر من أن تقول ـ اللهم لا تجعلني من المعارين ولا تخرجني من التقصير ـ قال قلت أما المعارون فقد عرفت أن الرجل يعار الدين ثم يخرج منه فما معنى لا تخرجني من التقصير فقال كل عمل تريد به الله عز وجل فكن فيه مقصرا عند نفسك فإن الناس كلهم في أعمالهم فيما بينهم وبين الله مقصرون إلا من عصمه الله عز وجل.

______________________________________________________

الحديث الرابع : مجهول.

« من المعارين » قال السيد الداماد قدس الله روحه : المعاري من يركب الفرس عريانا ، قال في القاموس : اعرورى سار في الأرض وحده وقبيحا أتاه ، وفرسه ركبه عريانا ، ونحن نعاري : نركب الخيل أعراء ، والمعني بالمعاري هيهنا : المتعبدون الذين يتعبدون لا على أسبغ الوجوه ، والطائعون الذين يلتزمون الطاعات ولكن لا على قصيا المراتب بل على ضرب من التقصير كالذين يركبون الخيل ولكن أعراء بلغنا الله تعالى أقصى المدى في طاعته ، انتهى.

ولعله « ره » غفل عن هذا الخبر وغيره مما سيأتي في باب المعارين فإنها صريحة في أنه مأخوذ من العارية.

« إلا من عصمه الله » أي من الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام فإنهم لا يقصرون في شرائط الطاعة بحسب الإمكان وإن كانوا أيضا يعدون أنفسهم مقصرين ، إظهارا للعجز والنقصان ولما يرون أعمالهم قاصرة في جنب ما أنعم الله عليهم من الفضل والإحسان إلا من عصمه الله من التقصير بالاعتراف بالتقصير.

٤٧

باب

الطاعة والتقوى

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن محمد أخي عرام ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال لا تذهب بكم المذاهب فو الله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عز وجل.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال خطب رسول الله عليه‌السلام في حجة الوداع فقال يا أيها الناس والله ما من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به وما من شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه ألا وإن الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها

______________________________________________________

باب الطاعة والتقوى

الحديث الأول : مجهول.

« لا يذهب بكم المذاهب » على بناء المعلوم والباء للتعدية وإسناد الإذهاب إلى المذاهب على المجاز فإن فاعله النفس أو الشيطان ، أي لا يذهبكم المذاهب الباطلة إلى الضلال والوبال أو على بناء المجهول أي لا يذهب بكم الشيطان في المذاهب الباطلة من الأماني الكاذبة والعقائد الفاسدة بأن تجترئوا على المعاصي اتكالا على دعوى التشيع والمحبة والولاية من غير حقيقة فإنه ليس شيعتهم إلا من شايعهم في الأقوال والأفعال لا من ادعى التشيع بمحض المقال.

الحديث الثاني : موثق كالصحيح.

والروح الأمين جبرئيل لأنه سبب لحياة النفوس بالعلم وأمين على وحي الله

٤٨

فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحمل أحدكم استبطاء شيء من الرزق أن يطلبه بغير حله فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته.

______________________________________________________

إلى الرسل ، وفي النهاية : فيه : أن روح القدس نفث في روعي ، يعني جبرئيل أي أوحى وألقى ، من النفث بالضم وهو شبيه بالنفخ ، وهو أقل من التفل لأن التفل لا يكون إلا ومعه شيء من الريق ، في روعي أي في نفسي وخلدي ، انتهى.

« حتى تستكمل رزقها » أي تأخذ رزقها المقدر على وجه الكمال « فاتقوا الله » أي في خصوص طلب الرزق أو مطلقا « وأجملوا في الطلب » أي اطلبوا طلبا جميلا ولا يكن كدكم كدا فاحشا ، وفي المصباح أجملت في الطلب رفقت ، قال الشيخ البهائي قدس‌سره : يحتمل معنيين : الأول أن يكون المراد اتقوا الله في هذا الكد الفاحش أي لا تقيموا عليه ، كما تقول : اتق الله في فعل كذا أي لا تفعله ، والثاني : أن يكون المراد أنكم إذا اتقيتموه لا تحتاجون إلى هذا الكد والتعب ، ويكون إشارة إلى قوله تعالى : « وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ » (١).

« ولا يحمل أحدكم » أي لا يبعثه ويحدوه ، والمصدر المسبوك من أن المصدرية ومعمولها منصوب بنزع الخافض ، أي لا يبعثكم استبطاء الرزق على طلبه من غير حله ، وسيأتي في خبر آخر : ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بشيء من معصية الله فإن الله تعالى قسم الأرزاق بين خلقه حلالا ولم يقسمها حراما فمن اتقى الله وصبر أتاه رزقه من حله ، ومن هتك حجاب ستر الله عز وجل وأخذه من غير حله قصر به من رزقه الحلال وحوسب عليه يوم القيامة.

وأقول : هذه الجمل كالتفسير لقوله عليه‌السلام : فإنه لا يدرك ما عند الله ، أي من الثواب الجزيل والرزق الحلال إلا بطاعته في الأوامر والنواهي ، والحاصل أن

__________________

(١) سورة الطلاق : ٢.

٤٩

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن سالم وأحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه جميعا ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال لي يا جابر أيكتفي من انتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت فو الله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع والأمانة

______________________________________________________

قوله : ما عند الله يحتمل الرزق الحلال والدرجات الأخروية والأعم والأول أوفق بالتعليل ، وكذا الثالث وإن كان الثاني أظهر في نفسه.

واعلم أن الرزق عند المعتزلة كلما صح الانتفاع به بالتغذي وغيره وليس لأحد منعه منه ، وليس الحرام عندهم رزقا ، والحديث يدل عليه ، وعند الأشاعرة كلما ينتفع به ذو حياة بالتغذي وغيره ، وإن كان حراما ، وخص بعضهم بالأغذية والأشربة ، وسيأتي تمام القول في ذلك في كتاب المكاسب إنشاء الله تعالى.

الحديث الثالث : ضعيف.

« من ينتحل التشيع » أي يدعيه من غير أن يتصف به ، في القاموس : انتحله وتنحله ادعاه لنفسه وهو لغيره « وما كانوا يعرفون » على بناء المجهول ، والضمير راجع إلى الشيعة أو إلى خيار العباد ، أي كان في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين وسائر الأئمة الماضين صلوات الله عليهم يعرفون الشيعة بتلك الصفات فمن لم يكن فيه تلك الخلال لم يكونوا يعدونهم من الشيعة أو كانوا موصوفين معروفين باتصافهم بها « إلا بالتواضع » أي بالتذلل لله عند أو أمره ونواهيه ولأئمة الدين بتعظيمهم وإطاعتهم وللمؤمنين بتكريمهم وإظهار حبهم وعدم التكبر عليهم وحسن العشرة معهم والتخشع إظهار الخشوع وهو التذلل لله مع الخوف منه واستعمال الجوارح فيما أمر الله به ، وينسب إلى القلب وإلى الجوارح معا ، والأمانة ضد الخيانة أي أداء حقوق الله والخلق وعهودهم وترك الغدر والخيانة فيها ، وفي مجالس الشيخ والإنابة أي التوبة والرجوع إلى الله.

٥٠

وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء قال جابر فقلت يا ابن رسول الله ما نعرف اليوم أحدا بهذه الصفة فقال يا جابر لا تذهبن بك المذاهب حسب الرجل أن يقول أحب عليا وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالا فلو قال إني أحب رسول الله ـ فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خير من علي عليه‌السلام ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته

______________________________________________________

« وكثرة ذكر الله » باللسان والقلب ، والصوم عطف على الذكر ، والتعهد للجيران أي رعاية أحوالهم وترك إيذائهم ، وتحمل الأذى عنهم ، وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وعدم منع الماعون عنهم وسيأتي الخلاف في كون الفقير أسوأ حالا أو المسكين والتخصيص بهما لكون رعايتهما أهم وإلا يلزم رعاية الجيران مطلقا ، وفي المجالس : وتعاهد الجيران « والغارمين » إما عطف على الفقراء أو على الجيران « وكانوا أمناء عشائرهم » أي يأتمنونهم ويعتمدون عليهم في جميع الأشياء من الأموال والفروج وحفظ الأسرار ، والعشائر جمع العشيرة وهي القبيلة.

« حسب الرجل أن يقول » التركيب مثل حسبك درهم أي كافيك وحرف الاستفهام مقدر وهو على الإنكار أي لا يكفيه ذلك « فعالا » أي كثير الفعل لما يقتضيه اعتقاده من متابعة الأئمة عليهم‌السلام في جميع الأمور.

قوله : فرسول الله ، الظاهر أنها جملة معترضة ، وفي المجالس وبعض الكتب ورسول الله وهو أظهر ، فتكون جملة حالية ، ويحتمل أن يكون على النسختين عطفا على أحب ويكون داخلا في مقول القول ، أي لو قال المخالف إني أحب رسول الله وهو أفضل من علي فكما أنكم تتكلمون على حب علي عليه‌السلام أنا اتكل على حب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يمكنكم إلزامه بالجواب لأنكم إذا قلتم لا ينفعكم حب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع مخالفته في القول بأوصيائه يمكنه أن يقول فكذا لا ينفعكم حب على

٥١

ما نفعه حبه إياه شيئا فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ليس بين الله وبين أحد قرابة أحب العباد إلى الله عز وجل وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته يا جابر والله ما يتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة وما معنا براءة من النار ولا على الله لأحد من حجة من كان لله مطيعا فهو لنا ولي ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو وما تنال

______________________________________________________

مع مخالفتكم له في الأقوال والأفعال.

« ليس بين الله وبين أحد قرابة » أي ليس بين الله وبين الشيعة قرابة حتى يسامحكم ولا يسامح مخالفيكم مع كونكم مشتركين معهم في مخالفته تعالى أو ليس بينه وبين علي عليه‌السلام قرابة حتى يسامح شيعة علي عليه‌السلام ، ولا يسامح شيعة الرسول ، والحاصل أن جهة القرب بين العبد وبين الله إنما هي بالطاعة والتقوى ، ولذا صار أئمتكم أحب الخلق إلى الله فلو لم تكن هذه الجهة فيكم لم ينفعكم شيء « وما معنا براءة من النار » أي ليس معنا صك وحكم ببراءتنا وبراءة شيعتنا من النار ، وإن عملوا بعمل الفجار.

« ولا على الله لأحد من حجة » أي ليس لأحد على الله حجة إذا لم يغفر له بأن يقول. كنت من شيعة علي ، فلم لم تغفر لي ، لأن الله لم يحتم بغفران من ادعى التشيع بلا عمل ، أو المعنى ليس لنا على الله حجة في إنقاذ من ادعى التشيع من العذاب ، ويؤيده أن في المجالس : وما لنا على الله حجة « من كان لله مطيعا » كأنه جواب عما يتوهم في هذا المقام أنهم عليهم‌السلام حكموا بأن شيعتهم وأولياءهم لا يدخلون النار ، فأجاب عليه‌السلام بأن العاصي لله ليس بولي لنا ولا تدرك ولايتنا إلا بالعمل بالطاعات والورع عن المعاصي.

قيل : للورع أربع درجات : الأولى : ورع التائبين وهو ما يخرج به الإنسان من الفسق وهو المصحح لقبول الشهادة ، الثانية : ورع الصالحين وهو الاجتناب عن الشبهات خوفا منها ومن الوقوع في المحرمات ، الثالثة : ورع المتقين وهو ترك

٥٢

ولايتنا إلا بالعمل والورع.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنة فيضربونه فيقال لهم من أنتم فيقولون نحن أهل الصبر فيقال لهم على ما صبرتم فيقولون كنا نصبر على طاعة الله ونصبر عن معاصي الله فيقول الله عز وجل صدقوا أدخلوهم الجنة وهو قول الله عز وجل : « إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ » (١).

______________________________________________________

الحلال خوفا من أن ينجر إلى الحرام مثل ترك التحدث بأحوال الناس مخافة أن ينجر إلى الغيبة ، الرابع : ورع السالكين وهو الإعراض عما سواه تعالى خوفا من صرف ساعة من العمر فيما لا يفيد زيادة القرب منه تعالى وإن علم أنه ينجر إلى الحرام.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

وفي النهاية : عنق ، أي جماعة من الناس وفي القاموس : العنق بالضم وبضمتين الجماعة من الناس والرؤساء « أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ » قيل : أي أجرا لا يهتدي إليه حساب الحساب ، ويظهر من الخبر أن المعنى أنهم لا يوقفون في موقف الحساب بل يذهب بهم إلى الجنة بغير حساب ، قال الطبرسي (ره) : لكثرته لا يمكن عده وحسابه ، وروى العياشي بالإسناد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا نشرت الدواوين ونصبت الموازين لم ينصب لأهل البلاء ميزان ، ولم ينشر لهم ديوان ، ثم تلا هذه الآية : « إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ ».

__________________

(١) سورة الزمر : ١٠.

٥٣

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن فضيل بن عثمان ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل.

٦ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن بعض أصحابه ، عن أبان ، عن عمرو بن خالد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال يا معشر الشيعة شيعة آل محمد كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي فقال له رجل من الأنصار

______________________________________________________

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« وكيف يقل ما يتقبل » لأن الله تعالى يقول : « إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » (١).

الحديث السادس : مرسل.

وقال الجوهري : النمرقة وسادة صغيرة وكذلك النمرقة بالكسر لغة حكاها يعقوب ، وربما سموا الطنفسة التي فوق الرحل نمرقة عن أبي عبيد ، وفي القاموس : النمرق والنمرقة مثلثة الوسادة الصغيرة أو المثيرة أو الطنفسة فوق الرحل ، والنمرقة بالكسر من السحاب ما كان بينه فتوق ، انتهى.

وكان التشبيه بالنمرقة باعتبار أنها محل الاعتماد ، والتقييد بالوسطى لكونهم واسطة بين الإفراط والتفريط ، أو التشبيه بالنمرقة الوسطى باعتبار أنها في المجالس صدر ومكان لصاحبه يلحق به ، ويتوجه إليه من على الجانبين ، وقيل : المراد كونوا أهل النمرقة الوسطى وقيل : المراد أنه كما كانت الوسادة التي يتوسد عليها الرجل إذا كانت رفيعة جدا أو خفيفة جدا لا تصلح للتوسد بل لا بد لها من حد من الارتفاع والانخفاض ، حتى يصلح لذلك ، كذلك أنتم في دينكم وأئمتكم لا تكونوا غالين تجاوزون بهم عن مرتبتهم التي أقامهم الله عليها وجعلهم أهلا لها وهي الإمامة

__________________

(١) سورة المائدة : ٢٧.

٥٤

يقال له سعد جعلت فداك ما الغالي قال قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا فليس أولئك منا ولسنا منهم قال فما التالي قال المرتاد يريد الخير يبلغه الخير يؤجر عليه ثم أقبل علينا فقال والله ما معنا من الله براءة ولا بيننا وبين الله

______________________________________________________

والوصاية النازلتان عن الألوهية والنبوة كالنصارى الغالين في المسيح المعتقدين فيه الألوهية أو النبوة لآله ، ولا تكونوا أيضا مقصرين فيهم تنزلونهم عن مرتبتهم وتجعلونهم كسائر الناس أو أنزل ، كالمقصرين من اليهود في المسيح المنزلين له عن مرتبته ، بل كونوا كالنمرقة الوسطى وهي المقتصدة للتوسد « يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي ».

قوله عليه‌السلام : ما لا نقوله في أنفسنا ، كالألوهية وكونهم خالقين للأشياء والنبوة « المرتاد يريد الخير يبلغه الخير » كأنه من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر أي يريد الأعمال الصالحة التي تبلغه أن يعملها ، ولكن لا يعمل بها يؤجر عليه بمحض هذه النية ، أو المعنى أنه المرتاد الطالب لدين الحق وكما له ، وقوله : يبلغه الخير ، جملة أخرى لبيان أن طالب الخير سيجده ويوفقه الله لذلك ، كما قال تعالى : « وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا » (١) وقوله : يؤجر عليه ، لبيان أنه بمحض الطلب مأجور ، وقيل : المرتاد الطالب للاهتداء الذي لا يعرف الإمام ، ومراسم الدين بعد يريد التعلم ونيل الحق ، يبلغه الخير بدل من الخير يعني يريد أن يبلغه الخير ليوجر عليه ، وقيل : المرتاد أي الطالب من ارتاد الرجل الشيء إذا طلبه ، والمطلوب أعم من الخير والشر ، فقوله : يريد الخير تخصيص وبيان للمعنى المراد هيهنا « يبلغه الخير » من الإبلاغ أو التبليغ وفاعله معلوم بقرينة المقام ، أي من يوصله إلى الخير المطلوب ثم يؤجر عليه لهدايته وإرشاده.

وأقول : على هذا يمكن أن يكون فاعله الضمير الراجع إلى النمرقة لما فهم

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٦٩.

٥٥

قرابة ولا لنا على الله حجة ولا نتقرب إلى الله إلا بالطاعة فمن كان منكم مطيعا لله تنفعه ولايتنا ومن كان منكم عاصيا لله لم تنفعه ولايتنا ويحكم لا تغتروا ويحكم لا تغتروا.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن مفضل بن عمر قال كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فذكرنا الأعمال فقلت أنا ما أضعف

______________________________________________________

سابقا أنه يلحق التالي بنفسه ، وقيل : جملة يريد الخير صفة المرتاد ، إذ اللام للعهد الذهني وهو في حكم النكرة ، وجملة « يبلغه » إما على المجرد من باب نصر أو على بناء الأفعال أو التفعيل استئناف بياني ، وعلي الأول الخير مرفوع بالفاعلية إشارة إلى أن الدين الحق لوضوح براهينه كأنه يطلبه ويصل إليه ، وعلي الثاني والثالث الضمير راجع إلى مصدر يريد ، والخير منصوب ويؤجر عليه استئناف للاستئناف الأول لدفع توهم أن لا يؤجر لشدة وضوح الأمر ، فكأنه اضطر إليه وأكثر الوجوه لا تخلو من تكلف ، وكان فيه تصحيفا وتحريفا.

« ولا لنا علي الله حجة » أي بمحض قرابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير عمل لأنفسنا ، ولا لتخليص شيعتنا « ولا نتقرب » بصيغة المتكلم أو الغائب المجهول « ويحكم لا تغتروا » في القاموس ويح لزيد وويحا له كلمة رحمة ورفعه على الابتداء ، ونصبه بإضمار فعل وويح زيد وويحه نصبهما به أيضا أو أصله وي فوصلت بحاء مرة وبلام مرة ، وبياء مرة وبسين مرة ، وفي النهاية : ويح كلمة ترحم وتوجع يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وهي منصوبة على المصدر ، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف ، يقال : ويح زيد وويحا له وويح له ، انتهى.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور معتبر.

« فذكرنا الأعمال » أي قلتها وكثرتها أو مدخليتها في الإيمان « ما أضعف » على صيغة تعجب كما هو الظاهر ، أو ما نافية وأضعف بصيغة المتكلم أي ما أعد

٥٦

عملي فقال مه استغفر الله ثم قال لي إن قليل العمل مع التقوى خير من كثير العمل بلا تقوى قلت كيف يكون كثير بلا تقوى قال نعم مثل الرجل يطعم طعامه ويرفق جيرانه ويوطئ رحله فإذا ارتفع له الباب من الحرام دخل فيه

______________________________________________________

عملي ضعيفا ، وعلى الأول يتوهم في نهيه عليه‌السلام عنه وأمره بالاستغفار منافاة لما مر في الأخبار من ترك العجب والاعتراف بالتقصير.

ويمكن الجواب عنه بوجوه : « الأول » ما قيل : أن النهي للفتوى بغير علم لا للاعتراف بالتقصير.

الثاني : أنه كان ذلك لاستشمامه منه رائحة الاتكال علي العمل ، مع أن العمل هين جدا في جنب التقوى لاشتراط قبوله بها ، ولذا نبهه على ذلك ، والحاصل أنه لما كان كلامه مبنيا على أن المدار علي قلة العمل وكثرته نهاه عن ذلك.

الثالث : ما قيل أن الأقوال والأفعال يختلف حكمها باختلاف النيات والقصود ، وهو لم يقصد بهذا القول أن عمله ضعيف قليل بالنظر إلى عظمة الحق وما يستحقه من العبادة وإنما قصد به ضعفه وقلته لذاته ، وبينهما فرق ظاهر والأول هو الاعتراف بالتقصير دون الثاني.

الرابع : أنه عليه‌السلام لما علم أن المفضل يعتد بعمله ويعده كثيرا وإنما يقول ذلك تواضعا وإخفاء للعمل نهاه عن ذلك ، وفي القاموس : رفق فلانا نفعه كأرفقه ووطئ الرجل كناية عن كثرة الضيافة قال في القاموس : رجل موطأ الأكناف كمعظم سهل دمث كريم مضياف ، أو يتمكن في ناحيته صاحبه غير مؤذى ولا ناب به موضعه ، وفي النهاية في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا ، هذا مثل وحقيقته من التوطئة وهي التمهيد والتذليل ، وفراش ووطؤ لا يؤذي جنب النائم والأكناف الجوانب ، أراد الذين جوانبهم وطئة يتمكن فيها من يصاحبهم ، ولا

٥٧

فهذا العمل بلا تقوى ويكون الآخر ليس عنده فإذا ارتفع له الباب من الحرام لم يدخل فيه.

٨ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أبي داود المسترق ، عن محسن الميثمي ، عن يعقوب بن شعيب قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ما نقل الله عز وجل عبدا من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه من غير مال وأعزه من غير عشيرة وآنسه من غير بشر.

باب الورع

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي المغراء ، عن زيد الشحام ، عن عمرو بن سعيد بن هلال الثقفي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له إني لا ألقاك إلا في السنين فأخبرني بشيء آخذ به فقال أوصيك بتقوى الله والورع

______________________________________________________

يتأذى ، انتهى.

وقيل : توطئة الرجل كناية عن التواضع والتذلل.

« فإذا ارتفع له الباب من الحرام » أي ظهر له ما يدخله في الحرام من مال حرام أو فرج حرام وغير ذلك « ليس عنده » أي العمل الكثير الذي كان عند صاحبه.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

« وآنسه من غير بشر » أي من غير أنيس من البشر بل الله مؤنسه كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اللهم إنك أنس الآنسين بأوليائك.

باب الورع

الحديث الأول : مجهول كالحسن.

ولعل المراد بالتقوى ترك المحرمات وبالورع ترك الشبهات بل بعض المباحات

٥٨

والاجتهاد واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن حديد بن حكيم قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن يزيد بن خليفة قال وعظنا أبو عبد الله عليه‌السلام فأمر وزهد ثم قال عليكم بالورع فإنه لا ينال ما عند الله إلا بالورع.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه.

٥ ـ عنه ، عن أبيه ، عن فضالة بن أيوب ، عن الحسن بن زياد الصيقل ، عن

______________________________________________________

وبالاجتهاد بذل الجهد في فعل الطاعات ، يقال : وقاه الله السوء يقيه وقاية ، أي حفظه واتقيت الله اتقاء أي حفظت نفسي من عذابه أو من مخالفته ، والتقوى اسم منه والتاء مبدلة من واو ، والأصل وقوي من وقيت لكن أبدل ولزمت التاء في تصاريف الكلمة ، وفي النهاية : فيه ملاك الدين الورع ، الورع في الأصل الكف عن المحارم والتحرج منه ، يقال : ورع الرجل يرع بالكسر فيهما ورعا ورعة فهو ورع ، وتورع من كذا ثم أستعير للكف عن المباح والحلال « لا ينفع » أي نفعا كاملا.

الحديث الثاني : صحيح ، ويدل على أن ترك الورع عن المحرمات يصير الإيمان بمعرض الضياع والزوال ، فإن فعل الطاعات وترك المعاصي حصون للإيمان من أن يذهب به الشيطان.

الحديث الثالث : ضعيف بيزيد لأنه واقفي لكن فيه مدح « فأمر » أي بالطاعات وما يوجب الفوز بأرفع الدرجات ، و « زهد » على بناء التفعيل أي أمر بالزهد في الشيء وعن الشيء خلاف الترغيب فيه.

الحديث الرابع : ضعيف وقد مر.

الحديث الخامس : مجهول.

٥٩

فضيل بن يسار قال قال أبو جعفر عليه‌السلام إن أشد العبادة الورع.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن حنان بن سدير قال قال أبو الصباح الكناني ـ لأبي عبد الله عليه‌السلام ما نلقى من الناس فيك فقال أبو عبد الله عليه‌السلام وما الذي تلقى من الناس في فقال لا يزال يكون بيننا وبين الرجل الكلام فيقول جعفري خبيث فقال يعيركم الناس بي فقال له أبو الصباح نعم قال فقال ما أقل والله من يتبع جعفرا منكم إنما أصحابي من اشتد ورعه وعمل لخالقه ورجا ثوابه فهؤلاء أصحابي.

٧ ـ حنان بن سدير ، عن أبي سارة الغزال ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال الله عز وجل ابن آدم اجتنب ما حرمت عليك تكن من أورع الناس.

______________________________________________________

« إن أشد العبادة الورع » إذ ترك المحرمات أشق على النفس من فعل الطاعات وأفضل الأعمال أحمزها.

الحديث السادس : موثق.

وكان فيه نوع ذم لأبي الصباح وإن كان ثقة ، قال الشيخ البهائي رحمه‌الله : يعلم منه أنه لم يرتض عليه‌السلام ما قاله أبو الصباح ، لما فيه من الخشونة وسوء الأدب « وعمل لخالقه » أي أخلص العمل لله « ورجا ثوابه » كأنه إشارة إلى أن رجاء الثواب إنما يحسن مع الورع والطاعة وإلا فهو غرور كما مر ، وإلى أنه مع العمل أيضا لا ينبغي اليقين بالثواب لكثرة آفات العمل ، ويمكن أن يكون ما ذكره عليه‌السلام إيماء إلى أن ما تسمعون من المخالفين إنما هو لعدم الطاعة إما بترك الطاعات والأعمال الرضية أو لترك ما أمرتكم به من التقية.

الحديث السابع : مجهول.

وكان الأورع بالنسبة إلى من يجتنب المكروهات ويأتي بالسنن ويجترئ على

٦٠