مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٢

وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ » (١) وأثابه الله مكان غيظه ذلك.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة قال حدثني من سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه أملأ الله قلبه يوم القيامة رضاه.

______________________________________________________

فكفى عزا لهم في الآخرة بأن بشر الله لهم بالجنة وحكم بأنها أعدت لهم وأنه تعالى يحبهم ، ويحتمل أن يكون تعليلا لعز الدنيا أيضا بأنهم يدخلون تحت هذه الآية وهذا شرف في الدنيا أيضا ، أو تدل الآية على أنهم من المحسنين وممن يحبهم الله ومحبوبة تعالى عزيز في الدنيا والآخرة كما قيل.

قوله عليه‌السلام : وأثابه الله مكان غيظه ذلك ، يحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى المذكور في الآية ويكون فيه تقدير أي مكان كظم غيظه أي لأجله أو عوضه ، ويحتمل أن يكون ذلك عطف بيان أو بدلا من غيظه ، ويكون أثابه عطفا على زاده أي ويعطيه الله أيضا مع عز الدنيا والآخرة أجرا لأصل الغيظ لأنه من البلايا التي يصيب الإنسان بغير اختياره ، ويعطي الله لها عوضا على اصطلاح المتكلمين فالمراد بالثواب العوض لأن الثواب إنما يكون علي الأمور الاختيارية بزعمهم ، والغيظ ليس باختياره وإن كان الكظم باختياره فالجنة على الكظم ، والثواب أي العوض لأصل الغيظ ، وقيل : المراد بالمكان المنزل المخصوص لكل من أهل الجنة وإضافته من قبيل إضافة المعلول إلى العلة.

الحديث السادس : مرسل.

« ولو شاء أن يمضيه » أي يعمل بمقتضى الغيظ « أملأ الله قلبه يوم القيامة » أي يعطيه من الثواب والكرامة والشفاعة والدرجة حتى يرضى رضا كاملا لا يتصور فوقه.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٢٨.

٢٠١

٧ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن عبد الله بن منذر ، عن الوصافي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال من كظم غيظا وهو يقدر على إمضائه حشا الله قلبه أمنا وإيمانا يوم القيامة.

٨ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن عبد الكريم بن عمرو ، عن أبي أسامة زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال لي يا زيد اصبر على أعداء النعم فإنك لن تكافئ من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه يا زيد إن الله اصطفى الإسلام واختاره فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن حفص بياع السابري ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أحب السبيل إلى الله عز وجل جرعتان جرعة غيظ تردها بحلم وجرعة مصيبة تردها بصبر.

______________________________________________________

الحديث السابع : مجهول.

« أمنا وإيمانا » كان المراد بالإيمان التصديق الكامل بكرمه ولطفه ورحمته ، لكثرة ما يعطيه من الثواب فيرجع إلى الخبر السابق ، ويحتمل الأعم بأن يزيد الله تعالى في يقينه وإيمانه فيستحق مزيد الثواب والكرامة ، ولا دليل على عدم جواز مزيد الإيمان في ذلك اليوم.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

وفي قوله : فأحسنوا صحبته ، إيماء إلى أن مع ترك هاتين الخصلتين يخاف زوال الإسلام ، فإن لم يحسن صحبته يهجر غالبا.

الحديث التاسع : مجهول.

« تردها » هذا على التمثيل كان المغتاظ الذي يريد إظهار غيظه فيدفعه ولا يظهره لمنافعه الدنيوية والأخروية كمن شرب دواء بشعا لا يقبله طبعه ، ويريد

٢٠٢

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن ربعي عمن حدثه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال لي أبي يا بني ما من شيء أقر لعين أبيك من جرعة غيظ عاقبتها صبر وما من شيء يسرني أن لي بذل نفسي حمر النعم.

______________________________________________________

أن يدفعه فيتصور نفع هذا الدواء فيرده ، وكذا الصبر عند البلاء وترك الجزع يشبه تلك الحالة ، ففيهما استعارة تمثيلية ، والفرق بين الكظم والصبر أن الكظم فيما يقدر على الانتقام ، والصبر فيما لا يقدر عليه.

الحديث العاشر : مرسل.

« ما من شيء » ما نافية ومن زائدة للتصريح بالتعميم ، وهو مرفوع محلا لأنه اسم « ما » وأقر خبره ، واللام في لعين للتعدية ، قال الراغب : قرت عينه تقر سرت قال تعالى : « كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها » (١) وقيل : لمن يسر به قرة عين قال تعالى : « قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ » (٢) قيل : أصله من القر أي البرد ، فقرت عينه قيل : معناه بردت فصحت ، وقيل : بل لأن للسرور دمعة قارة ، وللحزن دمعة حارة ، وكذلك يقال فيمن يدعي عليه : أسخن الله عينه ، وقيل : هو من القرار والمعنى أعطاه الله ما تسكن به عينه ، فلا تطمح إلى غيره.

قوله عليه‌السلام : عاقبتها صبر ، كان المراد بالصبر الرضا بكظم الغيظ ، والعزم على ترك الانتقام ، أو المعنى أنه يكظم الغيظ بشدة ومشقة إلى أن ينتهي إلى درجة الصابرين ، بحيث يكون موافقا لطبعه غير كاره له ، وهذا من أفضل صفات المقربين ، وقيل : إشارة إلى أن كظم الغيظ إنما هو مع القدرة على الانتقام ، وهو محبوب ، وإن انتهى إلى حد يصبر مع عدم القدرة علي الانتقام أيضا ، ولا يخفى ما فيه.

__________________

(١) سورة القصص : ١٣.

(٢) سورة القصص : ٩.

٢٠٣

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن وهب ، عن معاذ بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال اصبروا على أعداء النعم فإنك لن تكافئ من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه.

١٢ ـ عنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن خلاد ، عن الثمالي ، عن علي بن الحسين صلوات الله عليه قال قال ما أحب أن لي بذل نفسي حمر النعم وما تجرعت من جرعة أحب إلي من جرعة غيظ لا أكافي بها صاحبها.

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الوشاء ، عن مثنى الحناط ، عن أبي حمزة قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام ما من جرعة يتجرعها العبد أحب إلى الله عز وجل من جرعة غيظ يتجرعها عند ترددها في قلبه إما بصبر وإما بحلم.

______________________________________________________

الحديث الحادي عشر : حسن كالصحيح وقد مر بسند آخر.

الحديث الثاني عشر : مجهول وقد مر.

الحديث الثالث عشر : حسن.

والمراد بترددها في قلبه إقدام القلب تارة إلى تجرعها لما فيه من الأجر الجزيل وإصلاح النفس ، وتارة إلى ترك تجرعها لما فيه من البشاعة والمرارة « إما بصبر وإما بحلم » الفرق بينهما إما بأن الأول فيما إذا لم يكن حليما فيتحلم ويصبر ، والثاني فيما إذا كان حليما وكان ذلك خلقه وكان عليه يسرا ، أو الأول فيما إذا لم يقدر على الانتقام فيصبر ولا يجزع ، والثاني فيما إذا قدر ولم يفعل حلما وتكرما بناء على أن كظم الغيظ قد يستعمل فيما إذا لم يقدر علي الانتقام أيضا ، وقيل : الصبر هو أن لا يقول ولا يفعل شيئا أصلا ، والحلم أن يقول أو يفعل شيئا يوجب رفع الفتنة وتسكين الغضب ، فيكون الحلم بمعنى العقل واستعماله.

٢٠٤

باب الحلم

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن محمد بن عبيد الله قال سمعت الرضا عليه‌السلام يقول لا يكون الرجل عابدا حتى يكون حليما وإن الرجل كان إذا تعبد في بني إسرائيل لم يعد عابدا حتى يصمت قبل ذلك عشر سنين.

______________________________________________________

باب الحلم الحديث الأول : مجهول.

وقال الراغب : الحلم ضبط النفس عن هيجان الغضب ، وقيل : الحلم الأناءة والتثبت في الأمور ، وهو يحصل من الاعتدال في القوة الغضبية ويمنع النفس من الانفعال عن الواردات المكروهة المؤذية ، ومن آثاره عدم جزع النفس عند الأمور الهائلة ، وعدم طيشها في المؤاخذة وعدم صدور حركات غير منتظمة منها ، وعدم إظهار المزية على الغير ، وعدم التهاون في حفظ ما يجب حفظه شرعا وعقلا ، انتهى.

ويدل الحديث على اشتراط قبول العبادة وكمالها بالحلم لأن السفيه يبادر بأمور قبيحة من الفحش والبذاء والضرب والإيذاء بل الجراحة والقتل ، وكل ذلك يفسد العبادة فإن الله إنما يتقبلها من المتقين ، وقيل : الحليم هنا العاقل وقد مر أن عبادة غير العاقل ليس بكامل ولما كانت الصمت عما لا يعني من لوازم الحلم غالبا ذكره بعده ، ولذلك قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا غضب أحدكم فليسكت.

وصوم الصمت كان في بني إسرائيل ، وهو وإن نسخ في هذه الأمة لكن كمال الصمت غير منسوخ فاستشهد عليه‌السلام على حسنه بكونه شرعا مقررا في بني إسرائيل ولم يكونوا يعدون الرجل في العابدين المعروفين بالعبادة إلا بعد المواظبة على صوم الصمت أو أصله عشر سنين.

٢٠٥

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن أبي حمزة قال المؤمن خلط عمله بالحلم يجلس ليعلم وينطق ليفهم لا يحدث أمانته الأصدقاء ولا يكتم شهادته الأعداء ولا يفعل شيئا من الحق رياء ولا يتركه حياء إن زكي خاف مما يقولون واستغفر الله مما لا يعلمون لا يغره قول :

______________________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

« خلط عمله » في مجالس الصدوق علمه وهو أظهر وأوفق بسائر الأخبار ، إذ العلم بدون العمل يصير غالبا سببا للتكبر والترفع والسفاهة وترك الحلم « يجلس ليعلم » أي يختار مجلسا يحصل فيه التعلم وإنما يجلس له لا للأغراض الفاسدة ، وفي المجالس بعده : وينصت ليسلم أي من مفاسد النطق « وينطق ليفهم » أي إنما ينطق في تلك المجالس ليفهم ما أفاده العالم إن لم يفهمه لا للمعارضة والجدال وإظهار الفضل « لا يحدث أمانته » أي السر الذي ائتمن عليه « الأصدقاء » فكيف الأعداء « ولا يكتم شهادته الأعداء » أي لو كان عنده شهادة لعدو لا تحمله العداوة على أن لا ـ يقول له أنا شاهد لك ، أو لا يكتمه إذا استشهده ، وطلب منه أداء الشهادة ، أو المراد للأعداء « ولا يفعل شيئا من الحق » أي العبادات الحقة ليراه الناس ، وفيه إشعار بأنه لا يفعل شيئا إلا ما هو حق ولا يأتي ببدعة.

« ولا يتركه » أي الحق « حياء » لأنه من الحياء المذموم ولا حياء في الحق « إن زكي » أي أثنى عليه ومدح بما يفعله « خاف مما يقولون » وفي المجالس ما يقولون وكلاهما حسن ، أي خاف أن يصير قولهم سببا لإعجابه بنفسه وبعمله فتضيع أعماله ، أو يكونوا في ذلك كاذبين ورضي بكذبهم فيعاقب على ذلك ، مع أنه لا ينفع تزكيتهم كما قال تعالى : « فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ » (١).

« مما لا يعلمون » أي من عيوبه ومعاصيه التي صار عدم علمهم بها سببا لتزكيتهم ،

__________________

(١) سورة النساء : ٤٩.

٢٠٦

من جهله ويخشى إحصاء ما قد عمله.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كان علي بن الحسين عليه‌السلام يقول إنه ليعجبني الرجل أن يدركه حلمه عند غضبه.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن الحكم ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن الله عز وجل يحب الحيي الحليم.

٥ ـ عنه ، عن علي بن حفص العوسي الكوفي رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أعز الله بجهل قط ولا أذل بحلم قط.

______________________________________________________

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : وإذا زكي أحد منهم خاف مما يقال فيه فيقول : أنا أعلم بنفسي من غيري ، وربي أعلم مني بنفسي اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون « لا يغره » تأكيد لما سبق أو استيناف بياني وكذا الفقرة الثانية على اللف والنشر المرتب ، أي لا يغتر بتزكية من لا يطلع على عيوبه الخفية ، فيعجب بقولهم ، ويخشى إحصاء الله أو الملائكة ما عمله من المعاصي ، وفي المجالس ويخشى إحصاء من قد علمه وكأنه أظهر.

الحديث الثالث : موثق كالصحيح ، وقوله : أن يدركه بدل اشتمال للرجل.

الحديث الرابع : ضعيف.

الحديث الخامس : مرفوع.

والجهل يطلق على خلاف العلم ، وعلى ما هو مقتضاه من السفاهة وصدور الأفعال المخالفة للعقل ، وهنا يحتمل الوجهين كما أن الحلم يحتمل مقابلهما والثاني أظهر فيهما.

٢٠٧

٦ ـ عنه ، عن بعض أصحابه رفعه قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام كفى بالحلم ناصرا وقال إذا لم تكن حليما فتحلم.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الله الحجال ، عن حفص بن أبي عائشة قال بعث أبو عبد الله عليه‌السلام غلاما له في حاجة فأبطأ فخرج أبو عبد الله عليه‌السلام على أثره لما أبطأ فوجده نائما فجلس عند رأسه يروحه حتى انتبه فلما تنبه قال له أبو عبد الله عليه‌السلام يا فلان والله ما ذلك لك تنام الليل والنهار لك الليل ولنا منك النهار.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله يحب الحيي الحليم العفيف المتعفف.

______________________________________________________

الحديث السادس : مرسل.

« كفى بالحلم ناصرا » لأنه بالحلم تندفع الخصومة ، بل يصير الخصم محبا له وهذا أحسن النصر ، مع أن. الحليم يصير محبوبا عند الناس فالناس ينصرونه على الخصوم ويعينونه في المكاره « وقال : إذا لم تكن حليما » أي بحسب الخلقة والطبع « فتحلم » أي أظهر الحلم تكلفا ، وجاهد نفسك في ذلك حتى يصير خلقا لك ويسهل عليك ، مع أن تكلفه بمشقة أكثر ثوابا كما مر ، وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن لم تكن حليما فتحلم فإنه قل من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم.

الحديث السابع : مجهول.

« تنام » مرفوع أو منصوب بتقدير أن ، وهو بدل ذلك « لك الليل » استئناف ويدل على جواز تكليف العبد بعدم النوم في النهار إذا لم يستخدمه في الليل ، وعلى استحباب عدم تنبيه المملوك عن النوم وترويحه ، وهذا غاية المروة والحلم.

الحديث الثامن : ضعيف.

والعفيف المجتنب عن المحرمات لا سيما ما يتعلق منها بالبطن والفرج ، والمتعفف إما تأكيد كقولهم ليل أليل أو العفيف عن المحرمات المتعفف عن المكروهات

٢٠٨

٩ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن أيوب بن نوح ، عن عباس بن عامر ، عن ربيع بن محمد المسلي ، عن أبي محمد ، عن عمران ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان فيقولان للسفيه منهما قلت وقلت وأنت أهل لما قلت ستجزى بما قلت ويقولان للحليم

______________________________________________________

لأنه أشد فيناسب هذا البناء ، أو العفيف في البطن المتعفف في الفرج أو العفيف عن الحرام المتعفف عن السؤال كما قال تعالى : « يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ » (١) أو العفيف خلقا المتعفف تكلفا فإن العفة قد يكون عن بعض المحرمات خلقا وطبيعيا ، وعن بعضها تكلفا ولعل هذا أنسب.

قال الراغب : العفة حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة ، والتعفف التعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر ، وأصله الاقتصار على تناول الشيء القليل الجاري مجرى العفافة ، والعفة أي البقية من الشيء أو العفف وهو ثمر الأراك ، وفي النهاية فيه من يستعفف يعفه الله ، الاستعفاف طلب العفاف والتعفف وهو الكف عن الحرام والسؤال من الناس ، أي من طلب العفة وتكلفها أعطاه الله تعالى إياها.

الحديث التاسع : مجهول.

« قلت وقلت » التكرار لبيان كثرة الشتم وقول الباطل ، وربما يقرأ الثاني بالفاء ، قال في النهاية يقال : فال الرجل في رأيه وفيل إذا لم يصب فيه ، ورجل فائل الرأي وفاله وفيل ، انتهى والظاهر أنه تصحيف.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٧٣.

٢٠٩

منهما صبرت وحلمت سيغفر الله لك إن أتممت ذلك قال فإن رد الحليم عليه ارتفع الملكان.

باب

الصمت وحفظ اللسان

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت إن

______________________________________________________

« فإن رد الحليم عليه » أي بعد حلمه عنه أولا ارتفع الملكان ساخطين عليهما ويكلانهما إلى الملكين ليكتبا عليهما قولهما ، والرد بعد مبالغة الآخر في الشتم والفحش لا ينافي وصفه بالحلم لأنه قد حلم أولا ومراتب الحلم متفاوتة.

باب الصمت وحفظ اللسان

الحديث الأول : صحيح.

وكان المراد بالفقه العلم المقرون بالعمل ، فلا ينافي كون مطلق العلم من علاماته ، أو المراد بالفقه التفكر والتدبر في الأمور ، قال الراغب : الفقه هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم ، قال تعالى : « فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً » (١) « بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ » (٢) إلى غير ذلك من الآيات ، والفقه العلم بأحكام الشريعة ، انتهى.

وقيل : أراد العلم فيما يقول والصمت عما لا يعلم أو يضر ، وقيل : المراد بالعلم آثاره أعني إثبات الحق وإبطال الباطل ، وترويج الدين وحل المشكلات ، انتهى.

__________________

(١) سورة النساء : ٧٨.

(٢) سورة الأنفال : ٦٥.

٢١٠

الصمت باب من أبواب الحكمة إن الصمت يكسب المحبة إنه دليل على كل خير.

٢ ـ عنه ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إنما شيعتنا الخرس.

٣ ـ عنه ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي علي الجواني قال شهدت أبا عبد الله عليه‌السلام وهو يقول لمولى له يقال له سالم ووضع يده على شفتيه وقال :

______________________________________________________

وأقول : قد مر بسند آخر عنه عليه‌السلام من علامات الفقيه الحلم والصمت ، ويظهر من بعض الأخبار أن الفقه هو العلم الرباني المستقر في القلب الذي يظهر آثاره على الجوارح.

« إن الصمت باب من أبواب الحكمة » أي سبب من أسباب حصول العلوم الربانية فإن بالصمت يتم التفكر ، وبالتفكر يحصل الحكمة أو هو سبب لإفاضة الحكم عليه من الله سبحانه ، أو الصمت عند العالم وعدم معارضته ، والإنصات إليه سبب لإفاضة الحكم منه ، أو الصمت دليل من دلائل وجود الحكمة في صاحبه « يكسب المحبة » أي محبة الله أو محبة الخلق ، لأن عمدة أسباب العداوة بين الخلق الكلام من المنازعة والمجادلة والشتم والغيبة والنميمة والمزاح ، وفي بعض النسخ يكسب الجنة ، وفي سائر نسخ الحديث المحبة « أنه دليل على كل خير » أي وجود كل خير في صاحبه أو دليل لصاحبه إلى كل خير.

الحديث الثاني : صحيح.

والخرس بالضم جمع الأخرس ، أي هم لا يتكلمون باللغو والباطل ، وفيما لا يعلمون ، وفي مقام التقية خوفا على أئمتهم وأنفسهم وإخوانهم فكلامهم قليل فكأنهم خرس.

الحديث الثالث : مجهول.

٢١١

يا سالم احفظ لسانك تسلم ولا تحمل الناس على رقابنا.

٤ ـ عنه ، عن عثمان بن عيسى قال حضرت أبا الحسن صلوات الله عليه وقال له رجل أوصني فقال له احفظ لسانك تعز ولا تمكن الناس من قيادك فتذل رقبتك.

٥ ـ عنه ، عن الهيثم بن أبي مسروق ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل أتاه ألا أدلك على أمر يدخلك الله به الجنة قال بلى يا رسول الله قال أنل مما أنالك الله قال فإن كنت أحوج ممن

______________________________________________________

وضمير شفتيه للإمام عليه‌السلام ورجوعه إلى سالم بعيد « تسلم » أي من معاصي اللسان ومفاسد الكلام « ولا تحمل الناس على رقابنا » أي لا تسلطهم علينا بترك التقية وإذاعة أسرارنا.

الحديث الرابع : موثق.

وقال الراغب الوصية التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ ، من قولهم أرض واصية متصلة النبات ، يقال : أوصاه ووصاه ، والقياد ككتاب حبل تقاد به الدابة وتمكين الناس من القياد كناية عن تسلطهم وإعطاء حجة لهم على إيذائه وإهانته بترك التقية ، ونسبة الإذلال إلى الرقبة لظهور الذل فيها أكثر من سائر الأعضاء ، وفيه ترشيح للاستعارة السابقة لأن القياد يشد على الرقبة.

الحديث الخامس : حسن.

« أنل مما أنالك الله » أي أعط المحتاجين مما أعطاك الله تعالى ، قال الجوهري : نال خيرا ينال نيلا أي أصاب ، وأنا له غيره والأمر فيه نل بفتح النون « للأخرق » أي الجاهل بمصالح نفسه ، في القاموس : صنع إليه معروفا كمنع صنعا بالضم وصنع به صنيعا قبيحا فعله ، والشيء صنعا بالفتح والضم عمله ، وصنعة الفرس حسن القيام عليه ، وأصنع أعان آخر والأخرق تعلم وأحكم واصطنع عنده صنيعة اتخذها ، و

٢١٢

أنيله قال فانصر المظلوم قال وإن كنت أضعف ممن أنصره قال فاصنع للأخرق يعني أشر عليه قال : فإن كنت أخرق ممن أصنع له قال فأصمت لسانك إلا من خير أما يسرك أن تكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرك إلى الجنة؟.

______________________________________________________

في النهاية : الخرق بالضم الجهل والحمق ، وقد خرق يخرق خرقا فهو أخرق ، والاسم الخرق بالضم ، ومنه الحديث تعين ضائعا أو تصنع لأخرق ، أي جاهل بما يجب أن يعمله ولم يكن في يده صنعة يكتسب بها ، انتهى.

والظاهر أن « يعني » من كلام الصادق عليه‌السلام ويحتمل كونه كلام بعض الرواة أي ليس المراد نفعه بمال ونحوه ، بل برأي ومشورة ينفعه ، وفيه حث على إرشاد كل من لم يعلم أمرا من مصالح الدين والدنيا.

« فإن كنت أخرق » أي أشد خرقا وإن كان نادرا « فأصمت » على بناء المجرد أو الأفعال ، وفي القاموس : الصمت والصموت والصمات السكوت كالأصمات والتصميت وأصمته وصمته أسكته لا زمان متعديان ، والمراد بالخير ما يورث ثوابا في الآخرة أو نفعا في الدنيا بلا مضرة أحد فالمباح غالبا مما ينبغي السكوت عنه ، والأمر لمطلق الطلب الشامل للوجوب والرجحان.

واختلف في المباح هل يكتب أم لا؟ نقل عن ابن العباس أنه لا يكتب ولا يجازي عليه والأظهر أنه يكتب لعموم قوله تعالى : « ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ » (١) وقوله سبحانه : « كُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ » (٢) ولدلالة كثير من الروايات عليه ، وقد أوردناها في كتابنا الكبير ، وعدم المجازاة لا يدل على عدم الكتابة إذ لعل الكتابة لغرض آخر كالتأسف والتحسر على تضييع العمر فيما لا ينفع مع القدرة

__________________

(١) سورة ق : ١٨.

(٢) سورة القمر : ٥٣.

٢١٣

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال لقمان لابنه يا بني إن كنت زعمت أن الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب.

______________________________________________________

على فعل ما يوجب الثواب ، ويدل الخبر على أن كمال خصلة واحدة من تلك الخصال يوجب الجنة ، ويحتمل اشتراطها بترك الكبائر أو نحوه ، أو يكون الجر إليها كناية عن القرب منها ، وقيل : يمكن أن يراد أن الخصلة الواحدة تجر إلى أسباب الدخول في الجنة وهي الخصال الأخر ، فإن الخير بعضه يفضي إلى بعض.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

ويدل على أن السكوت أفضل من الكلام ، وكأنه مبني على الغالب وإلا فظاهر أن الكلام خير من السكوت في كثير من الموارد ، بل يجب الكلام ويحرم السكوت عند إظهار أصول الدين وفروعه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويستحب في المواعظ والنصائح وإرشاد الناس إلى مصالحهم وترويج العلوم الدينية والشفاعة للمؤمنين وقضاء حوائجهم وأمثال ذلك.

فتلك الأخبار مخصوصة بغير تلك الموارد ، أو بأحوال عامة الخلق فإن غالب كلامهم إنما هو فيما لا يعنيهم أو هو مقصور على المباحات كما روى الطبرسي في كتاب الاحتجاج أنه سئل علي بن الحسين عليه‌السلام عن الكلام والسكوت أيهما أفضل؟

فقال عليه‌السلام : لكل واحد منهما آفات فإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت ، قيل : كيف ذلك يا بن رسول الله؟ قال : لأن الله عز وجل ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت إنما بعثهم بالكلام ، ولا استحقت الجنة بالسكوت ، ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت ، ولا توفيت النار بالسكوت ، إنما ذلك كله بالكلام ، ما كنت لأعدل القمر بالشمس إنك تصف السكوت بالكلام ولست تصف فضل الكلام بالسكوت.

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ، وقال أمير ـ المؤمنين عليه‌السلام : جمع الخير كله في ثلاث خصال : النظر والسكوت والكلام فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو ، وكل سكوت ليس فيه فكرة فهو سهو ، وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو ، وقال أبو جعفر عليه‌السلام : إن داود قال لسليمان عليه‌السلام يا بني عليك بطول الصمت إلا من خير ، فإن الندامة على طول الصمت مرة واحدة خير من الندامة على كثرة الكلام مرات.

وقال الصادق عليه‌السلام : النوم راحة للجسد ، والنطق راحة للروح ، والسكوت راحة للعقل.

وقال عليه‌السلام : لا تتكلم بما لا يعنيك ودع كثيرا من الكلام فيما يعنيك.

وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا خير في الصمت عن الحكم كما أنه لا خير في القول بالجهل.

وقال عليه‌السلام : من كثر كلامه كثر خطاؤه ، ومن كثر خطاؤه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ، ومن قل ورعه مات قلبه ، ومن مات قلبه دخل النار.

وقال عليه‌السلام : من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.

وقال عليه‌السلام : تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه.

وقد مر في كتاب العقل في حديث هشام أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول إن من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال : يجيب إذا سئل وينطق إذا عجز القوم عن الكلام ، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله ، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شيء فهو أحمق.

أقول : وقد أوردت الأخبار الكثيرة في ذلك في كتاب البحار وإنما أوردت قليلا منها هنا لتعرف موقع حسن الكلام وموضع فضل السكوت وتجمع به بين الأخبار.

٢١٥

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحلبي رفعه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمسك لسانك فإنها صدقة تصدق بها على نفسك ثم قال ولا يعرف عبد حقيقة الإيمان حتى يخزن من لسانه.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن عبيد الله بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا

______________________________________________________

الحديث السابع : مرفوع.

« فإنها » أي الإمساك والتأنيث بتأويل الخصلة أو الفعلة أو الصفة أي صفته أنه صدقة أو باعتبار تأنيث الخبر وتشبيه الإمساك بالصدقة على النفس باعتبار أنه ينفعها في الدنيا والآخرة ، كما أن الصدقة تنفع الفقير وباعتبار أنه معط يدفع عنه البلايا ويوجب قربه من الحق كالصدقة فالتشبيه كامل من الجهتين.

« ولا يعرف عبد. إلخ » أشار عليه‌السلام بذلك إلى أن الإيمان لا يكمل إلا باستقامة اللسان على الحق وخزنه عن الباطل كالغيبة والنميمة والقذف والشتم والكذب والزور والفتوى بغير الحق والقول بالرأي وأشباهها من الأمور التي نهى الشارع عنها ، وذلك لأن الإيمان عبارة عن التصديق بالله وبرسوله والاعتقاد بحقية جميع ما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يستلزم استقامة اللسان وهي إقراره بالشهادتين وجميع العقائد الحقة ولوازمها وإمساكه عما لا ينبغي ، ومن البين أن الملزوم لا يستقيم بدون استقامة اللازم ، وقد أشار إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ، وأيضا كلما يتناوله اللسان من الأباطيل والأكاذيب تدخل مفهوماتها في القلب ، وهو ينافي استقرار حقيقة الإيمان فيه.

الحديث الثامن : حسن موثق.

والآية في سورة النساء هكذا : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ

٢١٦

أَيْدِيَكُمْ » (١) قال يعني كفوا ألسنتكم.

______________________________________________________

أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ، قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً » وقال المفسرون : قيل لهم أي بمكة « كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ » أي أمسكوا عن قتال الكفار فإني لم أومر بقتالهم « فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ » بالمدينة خافوا من الناس وقتلهم إياهم كخشية الله من عقابه « أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ » وهو أن نموت بآجالنا وكذا في تفسير علي بن إبراهيم أيضا.

وفي بعض الأخبار أن ذلك أمر لشيعتنا بالتقية إلى زمن القائم عليه‌السلام كما قال الصادق عليه‌السلام : أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفوا وتدخلوا الجنة ، وعن الباقر عليه‌السلام : أنتم والله أهل هذه الآية ، وفي بعض الأخبار « كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ » مع الحسن عليه‌السلام « كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ » مع الحسين عليه‌السلام « إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ » إلى خروج القائم عليه‌السلام فإن معه الظفر ، فهذا الخبر إما تفسير لظهر الآية كما ذكرنا أولا أو لبطنها بتنزيل الآية على الشيعة في زمن التقية وهذا أنسب بكف الألسن تقية فإن أحوال أمير المؤمنين صلوات الله عليه في أول أمره وآخره كان شبيها بأحوال الرسول في أول الأمر حين كونه بمكة وترك القتال لعدم الأعوان وأمره في المدينة بالجهاد لوجود الأنصار ، وكذا حال الحسن عليه‌السلام في الصلح والهدنة وحال الحسين عليه‌السلام عند وجود الأنصار ظاهرا وحال سائر الأئمة عليهم‌السلام في ترك القتال والتقية مع حال القائم عليه‌السلام ، فالآية وإن نزلت في حال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهي شاملة لتلك الأحوال أيضا لمشابهتها لها واشتراك العلل بينها وبينها.

وأما تفسيره عليه‌السلام كف الأيدي بكف الألسن على الوجهين يحتمل وجوها

__________________

(١) سورة النساء : ٧٧.

٢١٧

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحلبي رفعه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نجاة المؤمن في حفظ لسانه.

١٠ ـ يونس ، عن مثنى ، عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول كان أبو ذر رحمه‌الله يقول يا مبتغي العلم إن هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح

______________________________________________________

الأول : أن يكون المعنى أن المراد بكف الأيدي عن القتال الكف عنها وعما يوجب بسطها بسط الأيدي وهي الألسنة فإن مع عدم كف الألسنة ينتهي الأمر إلى القتال شاءوا أم أبوا ، فالنهي عن بسط الأيدي يستلزم النهي عن بسط الألسنة فالنهي عن القتال في زمن الهدنة يستلزم الأمر بالتقية.

الثاني : أن يكون المراد بكف الأيدي كف الألسن إطلاقا لاسم المسبب على السبب أو الملزوم على اللازم.

الثالث : أن يكون المراد بالأيدي في الآية الألسن لتشابههما في القوة وكونهما آلة المجادلة وهذا أبعد الوجوه كما أن الأول أقربها.

الحديث التاسع : مرفوع.

« نجاة المؤمن » أي من مهالك الدنيا والآخرة « حفظ لسانه » الحمل علي المبالغة وفي بعض النسخ من حفظ لسانه أي هو من أعظم أسباب النجاة فكأنها منحصرة فيه ، والحاصل أنه لا ينجو إلا من حفظ لسانه.

الحديث العاشر : حسن.

« يا مبتغي العلم » أي يا طالبه ، وفيه ترغيب على التكلم بما ينفع في الآخرة أو في الدنيا أيضا إذا لم يضر بالآخرة « فاختم على لسانك » أي إذا كان اللسان مفتاحا للشر فاخزنه حتى لا يجري عليه ما يوجب خسارك وبوارك ، كما أن ذهبك وفضتك تخزنهما لتوهم صلاح عاجل فيهما فاللسان أولى بذلك ، فإنه مادة لصلاح الدنيا والآخرة ، وفساده يوجب فساد الدارين ، وفي القاموس : الورق مثلثة وككتف

٢١٨

شر فاختم على لسانك كما تختم على ذهبك وورقك.

١١ ـ حميد بن زياد ، عن الخشاب ، عن ابن بقاح ، عن معاذ بن ثابت ، عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان المسيح عليه‌السلام يقول لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله فإن الذين يكثرون الكلام في غير ذكر الله قاسية قلوبهم ولكن لا يعلمون.

١٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي نجران ، عن أبي جميلة عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما من يوم إلا وكل عضو من أعضاء

______________________________________________________

وجبل ، الدراهم المضروبة والجمع أوراق ووراق ، وفي المصباح : ومنهم من يقول هو النقرة مضروبة أو غير مضروبة ، وقال الفارابي : الورق المال من الدراهم.

وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به فإذا تكلمت به صرت في وثاقه ، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك فرب كلمة سلبت نعمة.

الحديث الحادي عشر : ضعيف.

وقساوة القلب غلظه وشدته وصلابته بحيث يتأبى عن قبول الحق كالحجر الصلب يمر عليه الماء ولا يقف فيه ، وفيه دلالة على أن كثرة الكلام في الأمور المباحة يوجب قساوة القلب ، وأما الكلام في الأمور الباطلة فقليله كالكثير في إيجاب القساوة والنهي عنه ، وكان في الحديث إشارة إلى قوله سبحانه : « أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » (١) قال البيضاوي : الآية في حمزة وعلى وأبي لهب وولده.

الحديث الثاني عشر : كالسابق.

وفي النهاية في حديث الخدري : إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر

__________________

(١) سورة الزمر : ٢٢.

٢١٩

الجسد يكفر اللسان يقول نشدتك الله أن نعذب فيك.

١٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن إبراهيم بن مهزم الأسدي ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال إن لسان ابن آدم يشرف على جميع جوارحه ـ كل صباح فيقول كيف أصبحتم فيقولون بخير إن تركتنا ويقولون الله الله فينا ويناشدونه ويقولون إنما نثاب ونعاقب بك.

١٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن قيس أبي إسماعيل وذكر أنه لا بأس به من أصحابنا رفعه قال جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :

______________________________________________________

اللسان أي تذل وتخضع ، والتكفير هو أن ينحني الإنسان ويطأطئ رأسه قريبا من الركوع كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه وقال : نشدتك الله والرحم أي سألتك بالله وبالرحم ، يقال : نشدتك الله وأنشدك الله وبالله وناشدتك الله وبالله ، أي سألتك وأقسمت عليك وتعديته إلى مفعولين إما لأنه بمنزلة دعوت ، أو لأنهم ضمنوه معنى ذكرت فأما أنشدتك بالله فخطأ ، انتهى.

وكان الكلام بلسان الحال ، وفيه استعارة تمثيلية.

قوله : « أن نعذب » كان في الكلام تقديرا أي تكف نفسك من أن نعذب فيك أي بسببك.

الحديث الثالث عشر : صحيح.

قوله عليه‌السلام : يشرف كان إشرافه كناية عن تسلطه عليها وعليها وكونها تحت حكمه والله منصوب بتقدير اتق أو أحذر ، والتكرار للتأكيد ، والحصر في قوله : إنما نثاب ، ادعائي بناء على الغالب ، والحاصل أن العمدة في ثوابنا وعقابنا أنت.

الحديث الرابع عشر : مرفوع.

« جاء رجل » في روايات العامة أن الرجل كان معاذ بن جبل ، وويح كأنه

٢٢٠