مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٢

ظفرا بموضع التوكل أوطنا.

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمد بن علي ، عن علي بن حسان مثله

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أيما عبد أقبل قبل ما يحب الله عز وجل

______________________________________________________

فإذا وجدا موضع التوكل أي المتوكل « أوطنا » عنده ولزماه وكأنه استعارة تمثيلية لبيان أن الغناء والعز يلزمان التوكل فإن المتوكل يعتمد على الله ولا يلتجئ إلى المخلوقين فينجو من ذل الطلب ويستغني عنهم فإن الغناء غنى النفس لا الغناء بالمال ، مع أنه سبحانه يغنيه عن التوسل إليهم على كل حال.

ثم إن التوكل ليس معناه ترك السعي في الأمور الضرورية وعدم الحذر عن الأمور المحذورة بالكلية بل لا بد من التوسل بالوسائل والأسباب على ما ورد في الشريعة من غير حرص ومبالغة فيه ومع ذلك لا يعتمد على سعيه وما يحصله من الأسباب بل يعتمد على مسبب الأسباب ، قال المحقق الطوسي (ره) في أوصاف الأشراف : المراد بالتوكل أن يكل العبد جميع ما يصدر عنه ويرد عليه إلى الله تعالى ، لعلمه بأنه أقوى وأقدر ويصنع ما قدر عليه على وجه أحسن وأكمل ، ثم يرضى بما فعل وهو مع ذلك يسعى ويجتهد فيما وكله الله إليه ويعد نفسه وعمله وقدرته وإرادته من الأسباب والشروط والمخصصة لتعلق قدرته تعالى وإرادته بما صنعه بالنسبة إليه ، ومن ذلك يظهر معنى : لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين. بما صنعه بالنسبة إليه ، ومن ذلك يظهر معنى : لا جبر ولا تفويض بل أمرين أمرين.

الحديث الرابع : صحيح.

وفي القاموس إذن أقبل قبلك ، بالضم أقصد قصيدك ، وقبالته بالضم تجاهه ، والقبل محركة المحجة الواضحة ، ولي قبله بكسر القاف أي عنده ، انتهى.

والمراد إقبال العبد نحو ما يحبه الله وكون ذلك مقصوده دائما ، وإقبال

٢١

أقبل الله قبل ما يحب ومن اعتصم بالله عصمه الله ومن أقبل الله قبله وعصمه لم يبال لو سقطت السماء على الأرض أو كانت نازلة نزلت على أهل الأرض فشملتهم بلية كان في حزب الله بالتقوى من كل بلية أليس الله عز وجل يقول : « إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ » (١).

______________________________________________________

الله نحو ما يحبه العبد توجيه أسباب ما يحبه العبد من مطلوبات الدنيا والآخرة ، والاعتصام بالله الاعتماد والتوكل عليه.

« ومن أقبل الله » إلخ ، هذه الجمل تحتمل وجهين : الأول : أن يكون لم يبال ، خبرا للموصول ، وقوله : لو سقطت جملة أخرى استئنافية وقوله : كان في حزب الله ، جزاء الشرط « الثاني » أن يكون لم يبال جزاء الشرط ومجموع الشرط والجزاء خبر الموصول ، وقوله : كان في حزب الله استئنافا « فشملتهم بلية » بالنصب على التميز ، أو بالرفع أي شملتهم بلية بسبب النازلة أو يكون من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر « بالتقوى » أي بسببه كما هو ظاهر الآية فقوله من كل بلية متعلق بمحذوف أي محفوظا من كل بلية أو الباء للملابسة ، ومن كل متعلق بالتقوى أي يقيه من كل بلية ، والأول أظهر.

وقوله : في حزب الله ، كناية عن الغلبة والظفر ، أي الحزب الذين وعد الله نصرهم ويتيسر أمورهم ، كما قال تعالى : « فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ » (٢).

« إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ » قرأ ابن عامر ونافع بضم الميم والباقون بالفتح ، أي في موضع إقامة « أَمِينٍ » أي أمنوا فيه الغير من الموت والحوادث ، أو أمنوا فيه من الشيطان والأحزان ، وقال البيضاوي : يأمن صاحبه عن الآفة والانتقال ، انتهى.

وأقول : ظاهر أكثر المفسرين أن المراد وصف مقامهم في الآخرة بالأمن ، وظاهر الرواية الدنيا ، ويمكن حمله علي الأعم ولا يأبى عنه الخبر ، ولعل المراد

__________________

(١) سورة الدخان : ٥١.

(٢) سورة المائدة : ٥٦.

٢٢

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن غير واحد ، عن علي بن أسباط ، عن أحمد بن عمر الحلال ، عن علي بن سويد ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال سألته عن قول الله عز وجل : « وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ » (١) فقال التوكل على الله درجات منها أن تتوكل على الله في أمورك كلها فما فعل بك كنت عنه

______________________________________________________

أمنهم من الضلال والحيرة ومضلات الفتن في الدنيا ، ومن جميع الآفات والعقوبات في الآخرة ، وعليه يحمل قوله سبحانه : « أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » (٢) فإنه لا يتخوف عليهم الضلالة بعد الهداية ، ولا يحزنون من مصائب الدنيا لعلمهم بحسن عواقبها ، ويحتمل أن يكون المعنى هنا أن الله تعالى يحفظ المطيعين والمتقين المتوكلين عليه من أكثر النوازل والمصائب وينصرهم على أعدائهم غالبا كما نصر كثيرا من الأنبياء والأولياء على كثير من الفراعنة ، ولا ينافي مغلوبيتهم في بعض الأحيان لبعض المصالح.

الحديث الخامس : مرسل كالموثق.

والحلال بالتشديد بياع الحل بالفتح وهو دهن السمسم « وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ » أي ومن يفوض أموره إلى الله ووثق بحسن تدبيره وتقديره فهو كافيه يكفيه أمر دنياه ويعطيه ثواب الجنة ، ويجعله بحيث لا يحتاج إلى غيره.

« منها أن تتوكل » الظاهر أن هذا آخر أفراد التوكل وسائر درجات التوكل أن يتوكل على الله في بعض أموره دون بعض ، وتعددها بحسب كثرة الأمور المتوكل فيها وقلتها.

« فما فعل بك » إلخ ، بيان للوازم التوكل وآثاره وأسبابه ، والألو التقصير وإذا عدي إلى مفعولين ضمن معنى المنع ، قال في النهاية : ألوت قصرت ، يقال :

__________________

(١) سورة الطلاق : ٣.

(٢) سورة يونس : ٦٢.

٢٣

راضيا تعلم أنه لا يألوك خيرا وفضلا وتعلم أن الحكم في ذلك له فتوكل على الله بتفويض ذلك إليه وثق به فيها وفي غيرها.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن جبلة ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أعطي ثلاثا لم يمنع ثلاثا من أعطي الدعاء أعطي الإجابة ومن أعطي الشكر أعطي الزيادة ومن أعطي التوكل أعطي الكفاية ثم قال أتلوت كتاب الله عز وجل « وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ » وقال « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ » (١) وقال « ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ » (٢).

٧ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أبي علي ، عن محمد بن الحسن ، عن الحسين بن راشد ، عن الحسين بن علوان قال كنا في مجلس نطلب فيه العلم

______________________________________________________

إلى الرجل وآلى إذا قصر وترك الجهد ، قوله : فيها ، أي في أمورك كلها « وفي غيرها » أي في أمور غيرك من عشائرك وأتباعك وغيرهم.

الحديث السادس : مجهول.

والنشر في الآيات علي عكس ترتيب اللف والمراد بالإعطاء توفيق الإتيان به في الكل والتخلف المتوهم في بعض الموارد لعدم تحقق بعض الشرائط فإن « كلا » منها مشروط بعدم كون المصلحة في خلافها ، وعدم صدور ما يمنع الاستحقاق عن فاعله ، وقد قال تعالى : « أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ » (٣) وسيأتي مزيد تحقيق لذلك إنشاء الله تعالى.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

وأسعف حاجته قضاها له ، وفي أكثر النسخ لا تسعف ولا تنجح بالتاء فهما

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٧.

(٢) سورة المؤمن : ٦٠.

(٣) سورة البقرة : ٤٠.

٢٤

وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار فقال لي بعض أصحابنا من تؤمل لما قد نزل بك فقلت فلانا فقال إذا والله لا تسعف حاجتك ولا يبلغك أملك ولا تنجح طلبتك قلت وما علمك رحمك الله قال إن أبا عبد الله عليه‌السلام حدثني أنه قرأ في بعض الكتب أن الله تبارك وتعالى يقول وعزتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي لأقطعن أمل كل مؤمل [ من الناس ] غيري باليأس ولأكسونه ثوب المذلة عند الناس ولأنحينه من قربي ولأبعدنه من فضلي أيؤمل غيري في الشدائد والشدائد بيدي ويرجو غيري ويقرع بالفكر باب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب

______________________________________________________

على بناء المفعول وفي بعضها بالياء فهما على بناء الفاعل وحينئذ « لا يبلغك » علي التفعيل أو الأفعال والضمائر المستترة لفلان ، وما علمك أي ما سبب علمك.

والعزة الشدة والقوة والغلبة والسلطنة والملك ، قال الراغب : العزة حالة مانعة للإنسان من أن يقهر من قولهم أرض عزاز أي صلبة والعزيز الذي يقهر ولا يقهر والجلالة العظمة والتنزه عن النقائص ، قال الراغب : الجلالة عظم القدر ، والجلال بغير الهاء التناهي في ذلك ، وخص بوصف الله فقيل : ذو الجلال ولم يستعمل في غيره ، والجليل : العظيم القدر ، ووصفه تعالى بذلك إما لخلقه الأشياء العظيمة المستدل بها عليه أو لأنه يجل عن الإحاطة به أو لأنه يجل عن أن يدرك بالحواس وقال : المجد السعة في الكرم والجلالة ، انتهى.

وارتفاعه إما على عرش العظمة والجلال أو هو كناية عن استيلائه على العرش العظيم ، فهو يتضمن الاستيلاء علي كل شيء لأن تقدير جميع الأمور فيه ، أو لكونه محيطا بالجميع ، أو المراد بالعرش جميع الأشياء وهو أحد إطلاقاته كما مر.

وقوله باليأس متعلق بقوله : لا قطعن أي ييأس غالبا أو إلا بإذنه تعالى ، وإضافة الثوب إلى المذلة من إضافة المشبه به إلى المشبه ، والكسوة ترشيح التشبيه ، ولأنحينه أي لأبعدنه وأزيلنه « والشدائد بيدي » أي تحت قدرتي و « يقرع بالفكر » تشبيه الفكر باليد مكنية ، وإثبات القرع له تخييلية وذكر الباب ترشيح.

٢٥

وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني فمن ذا الذي أملني لنوائبه فقطعته دونها ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه مني جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظي وملأت سماواتي ممن لا يمل من تسبيحي وأمرتهم أن لا يغلقوا

______________________________________________________

« وهي مغلقة » أي أبواب الحاجات مغلقة ومفاتيحها بيده سبحانه ، وهو استعارة على التمثيل للتنبيه على أن قضاء الحاجة المرفوعة إلى الخلق لا يتحقق إلا بإذنه والنائبة المصيبة واحدة نوائب الدهر أي أمل رحمتي لدفع نوائبه.

« فقطعته دونها » أي فجعلته منقطعا عاجزا قبل الوصول إلى دفعها من قولهم قطع بفلان فهو مقطوع به إذا عجز عن سفره من نفقة ذهبت أو قامت عليه راحلة ونحوه ، فالدفع أو نحوه مقدر في الموضعين ، أو التقدير فقطعته أي تجاوزت عنه عند تلك المصيبة فلم أخلصه عنها من قولهم قطع النهر إذا تجاوزه ، وقيل : المعنى قطعته عن نفسي قبل تلك المصيبة فلم أرافقه لدفعها ، وقيل : أي قطعته عند النوائب وهجرته ، أو منعته من أمله ورجائه ولم أدفع نوائبه تقول : قطعت الصديق قطيعة إذا هجرته ، وقطعته من حقه إذا منعته.

« لعظيمة » أي لمطالب عظيمة أو لنازلة عظيمة عندي محفوظة أي لم أعطهم إياها لعدم مصلحتهم ، وحفظت عوضها من المثوبات العظيمة فلم يرضوا بهذا الحفظ بل حملوه على التقصير أو العجز ، أو قلة اللطف وعجلوا طلبها وطلبوا من غيري « ممن لا يمل » أي من الملائكة « وأمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب » كناية عن السعي في قضاء حوائجهم أو رفع وساوس الشيطان عنهم وتوفيقهم للدعاء والمسألة ، بل الدعاء وسؤال المغفرة والرحمة لهم ، أو رفع حاجاتهم إلى الله وعرضها عليه سبحانه وإن كان تعالى عالما بها ، فإنه من أسباب الإجابة ، وكل ذلك ورد في الآيات والأخبار مع أنه لا استبعاد في أن يكون للسماوات أبواب تفتح عند دعاء المؤمنين علامة لإجابتهم.

٢٦

الأبواب بيني وبين عبادي فلم يثقوا بقولي ألم يعلم [ أن ] من طرقته نائبة من نوائبي أنه لا يملك كشفها أحد غيري إلا من بعد إذني ـ فما لي أراه لاهيا عني أعطيته بجودي ما لم يسألني ثم انتزعته عنه فلم يسألني رده وسأل غيري أفيراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة ثم أسأل فلا أجيب سائلي أبخيل أنا فيبخلني عبدي أوليس الجود والكرم لي أوليس العفو والرحمة بيدي أوليس أنا محل الآمال فمن يقطعها دوني أفلا يخشى المؤملون أن يؤملوا غيري فلو أن أهل سماواتي وأهل أرضي أملوا جميعا ثم أعطيت كل واحد منهم مثل ما أمل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة وكيف ينقص ملك أنا قيمه فيا بؤسا للقانطين من رحمتي

______________________________________________________

« فلم يثقوا بقولي » أي وعدي الإجابة لهم وأني أعطيهم مع عدم الإجابة أفضل من ذلك وأن مفاتيح الأمور بيدي « من طرقته » أي نزلت به وأتته مطلقا وإن كان إطلاقه على ما نزل بالليل أكثر « إلا من بعد إذني » أي يتيسر الأسباب ورفع الموانع « أعطيته » الضمير راجع إلى من طرقته نائبة أو إلى الإنسان مطلقا « أفيراني » الاستفهام للإنكار والتعجب ويقال بخلة بالتشديد أي نسبه إلى البخل.

« أو ليس » عطف على بخيل أو الهمزة للاستفهام والواو للعطف على الجمل السابقة ، وكذا الفقرة الآتية يحتمل الوجهين « فمن يقطعها دوني » أي فمن يقدر أن يقطع آمال العباد عني قبل وصولها إلى أو من يقدر أن يقطع الآمال عن العباد غيري ، وعلى الأول أيضا يشعر بأنه سبحانه قادر على قطع آمال العباد بعضهم عن بعض.

« أفلا يخشى المؤملون » الخشية إما من العقوبة أو من قطع الآمال أو من الإبعاد عن مقام القرب ، أو من إزالة النعماء عنه « أنا قيمه » أي قائم بسياسة أموره ، وفيه إشارة إلى أن مقدوراته تعالى غير متناهية ، والزيادة والنقصان من خواص المتناهي « فيا بؤسا » البؤس والبأساء الشدة والفقر والحزن ، ونصب بؤسا بالنداء

٢٧

ويا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبني.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن ، عن بعض أصحابنا ، عن عباد بن يعقوب الرواجني ، عن سعيد بن عبد الرحمن قال كنت مع موسى بن عبد الله ـ بينبع وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار فقال لي بعض ولد الحسين من تؤمل لما قد نزل بك فقلت موسى بن عبد الله فقال إذا لا تقضى حاجتك ثم لا تنجح طلبتك قلت ولم ذاك قال لأني قد وجدت في بعض كتب آبائي أن الله عز وجل يقول ثم ذكر مثله فقلت يا ابن رسول الله أمل علي فأملاه علي فقلت لا والله ما أسأله حاجة بعدها.

______________________________________________________

لكونه نكرة والنداء مجاز لبيان أن القانط والعاصي هو محل ذلك ومستحقه ، وقيل : تقديره يا قوم أبصروا بؤسا.

وأقول : يحتمل أن يكون « يا » للتنبيه وقوله بؤسا كقوله سبحانه : « فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ » (١) فإن التقدير أسحقهم الله سحقا ، فكذا هيهنا « ولم يراقبني » أي لم يخف عذابي أو لم يحفظ حقوقي.

الحديث الثامن : مجهول.

وقد مر بعض أحوال موسى بن عبد الله بن الحسن في كتاب الحجة ، وفي القاموس ينبع كينصر حصن له عيون ونخيل وزروع بطريق حاج مصر.

__________________

(١) سورة الملك : ١١.

٢٨

باب الخوف والرجاء

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن حديد ، عن منصور بن يونس ، عن الحارث بن المغيرة أو أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له ما كان في وصية لقمان قال كان فيها الأعاجيب وكان أعجب ما كان فيها أن قال لابنه

______________________________________________________

باب الخوف والرجاء

الحديث الأول : ضعيف.

والأعاجيب جمع الأعجوبة وهي ما يعجبك حسنة أو قبحه ، والمراد هنا الأول ويدل على أنه ينبغي أن يكون الخوف والرجاء كلاهما كاملين في النفس ، ولا تنافي بينهما فإن ملاحظة سعة رحمة الله وغنائه وجوده ولطفه على عباده سبب للرجاء والنظر إلى شدة بأس الله وبطشه وما أوعد العاصين من عباده موجب للخوف مع أن أسباب الخوف ترجع إلى نقص العبد وتقصيره وسوء أعماله وقصوره عن الوصول إلى مراتب القرب والوصال ، وانهماكه فيما يوجب الخسران والوبال ، وأسباب الرجاء تؤول إلى لطف الله ورحمته وعفوه وغفرانه ووفور إحسانه ، وكل منهما في أعلى مدارج الكمال.

قال بعضهم : كلما يلاقيك من مكروه ومحبوب ينقسم إلى موجود في الحال وإلى موجود فيما مضى وإلى منتظر في الاستقبال ، فإذا خطر ببالك موجود فيما مضى سمي فكرا وتذكرا وإن كان ما خطر بقلبك موجودا في الحال سمي إدراكا وإن كان خطر ببالك وجود شيء في الاستقبال وغلب ذلك على قلبك سمي انتظارا وتوقعا ، فإن كان المنتظر مكروها حصل منه ألم في القلب سمي خوفا وإشفاقا وإن كان محبوبا حصل من انتظاره وتعلق القلب وإخطار وجوده بالبال لذة في القلب وارتياح يسمى

٢٩

خف الله عز وجل خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام كان أبي يقول إنه ليس من عبد مؤمن

______________________________________________________

ذلك الارتياح رجاء ، فالرجاء هو ارتياح القلب لانتظار ما هو محبوب ، ولكن ذلك المحبوب المتوقع لا بد وأن يكون له سبب ، فإن كان انتظاره لأجل حصول أكثر أسبابه فاسم الرجاء عليه صادق ، وإن كان ذلك انتظارا مع عدم تهيئ أسبابه واضطرابها ، فاسم الغرور والحمق عليه أصدق من اسم الرجاء ، وإن لم تكن الأسباب معلومة الوجود ولا معلومة الانتفاء فاسم التمني أصدق على انتظاره لأنه انتظار من غير سبب ، وعلى كل حال فلا يطلق اسم الرجاء والخوف إلا على ما يتردد فيه ، أما ما يقطع به فلا ، إذ لا يقال أرجو طلوع الشمس وقت الطلوع وأخاف غروبها وقت الغروب ، لأن ذلك مقطوع به ، نعم يقال أرجو نزول المطر وأخاف انقطاعه.

وقد علم أرباب القلوب أن الدنيا مزرعة الآخرة ، والقلب كالأرض والإيمان كالبذر فيه والطاعات جارية مجرى تقليب الأرض وتطهيرها ومجرى حفر الأنهار وسياقة الماء إليها ، والقلب المستغرق بالدنيا كالأرض السبخة التي لا ينمو فيها البذر ، ويوم القيامة الحصاد ولا يحصد أحد إلا ما زرع ولا ينمو زرع إلا من بذر الإيمان وقل ما ينفع إيمان مع خبث القلب وسوء أخلاقه كما لا ينمو بذر في أرض سبخة.

فينبغي أن يقاس رجاء العبد للمغفرة برجاء صاحب الزرع فكل من طلب أرضا طيبة وألقى فيها بذرا جيدا غير عفن ولا مسوس ثم أمده بما يحتاج إليه وهو سياق الماء إليه في أوقاته ثم نقى الأرض عن الشوك والحشيش وكلما يمنع نبات البذر أو يفسده ثم جلس منتظرا من فضل الله دفع الصواعق والآفات المفسدة إلى أن يثمر الزرع ويبلغ غايته سمي انتظاره رجاء ، وإن بث البذر في أرض صلبة سبخة مرتفعة لا ينصب الماء إليها ولم يشغل بتعهد البذر أصلا ثم انتظر حصاد الزرع يسمى انتظاره حمقا وغرورا لا رجاء ، وإن بث البذر في أرض طيبة ولكن لا ماء

٣٠

إلا [ و ] في قلبه نوران نور خيفة ونور رجاء لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا.

______________________________________________________

لها وينتظر مياه الأمطار حيث لا تغلب الأمطار ولا يمتنع سمي انتظاره تمنيا لا رجاء.

فإذا اسم الرجاء إنما يصدق على انتظار محبوب تمهدت جميع أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد ، ولم يبق إلا ما ليس يدخل تحت اختياره وهو فضل الله بصرف القواطع والمفسدات ، فالعبد إذا بث بذر الإيمان وسقاه بماء الطاعة ، وطهر القلب عن شوك الأخلاق الرديئة وانتظر من فضل الله تعالى تثبيته على ذلك إلى الموت وحسن الخاتمة المفضية إلى المغفرة كان انتظاره رجاء حقيقيا محمودا في نفسه باعثا له على المواظبة والقيام بمقتضى الإيمان في إتمام أسباب المغفرة إلى الموت ، وإن انقطع عن بذر الإيمان تعهده بماء الطاعات أو ترك القلب مشحونا برذائل الأخلاق ، وانهمك في طلب لذات الدنيا ثم انتظر المغفرة فانتظاره حمق وغرور ، كما قال تعالى : « فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا » (١) وإنما الرجاء بعد تأكد الأسباب ولذا قال تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ » (٢) وأما من ينهمك فيما يكرهه الله ولا يذم نفسه عليه ولا يعزم على التوبة والرجوع فرجاؤه المغفرة حمق كرجاء من بث البذر في أرض سبخة وعزم على أن لا يتعهدها بسقي ولا تنقية.

فإذا عرفت حقيقة الرجاء ومظنته فقد عرفت أنها حالة أثمرها العلم بجريان أكثر الأسباب ، وهذه الحالة تثمر الجهد للقيام ببقية الأسباب على حسب الإمكان ، فإن من حسن بذره وطابت أرضه وغزر ماؤه صدق رجاؤه فلا يزال يحمله صدق الرجاء على تفقد الأرض وتعهده وتنقية كل حشيش ينبت فيه ، ولا يفتر عن تعهده أصلا إلى وقت الحصاد ، وهذا لأن الرجاء يضاده اليأس ، واليأس يمنع من التعهد

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٦٩.

(٢) سورة البقرة : ٢١٨.

٣١

٢ ـ محمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن

______________________________________________________

والخوف ليس بضد للرجاء ، بل هو رفيق له وباعث آخر بطريق الرهبة كما أن الرجاء باعث بطريق الرغبة ، انتهى.

ثم ظاهر الخبر أنه لا بد أن يكون العبد دائما بين الخوف والرجاء ، لا يغلب أحدهما على الآخر إذ لو رجح الرجاء لزم الأمن لا في موضعه وقال تعالى : « أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ » (١) ولو رجح الخوف لزم اليأس الموجب للهلاك كما قال سبحانه : « إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ » (٢) وقيل : يستحب أن يغلب في حال الصحة الخوف ، فإذا انقطع الأجل يستحب أن يغلب الرجاء ليلقى الله على حالة هي أحب إليه إذ هو سبحانه الرحمن الرحيم ويحب الرجاء ، وقيل : ثمرة الخوف الكف عن المعاصي فعند دنو الأجل زالت تلك الثمرة فينبغي غلبة الرجاء.

وقال بعضهم : الخوف ليس من الفضائل والكمالات العقلية في النشأة الآخرة وإنما هو من الأمور النافعة للنفس في الهرب عن المعاصي وفعل الطاعات ما دامت في دار العمل ، وأما عند انقضاء الأجل والخروج من الدنيا فلا فائدة فيه ، وأما الرجاء فإنه باق أبدا إلى يوم القيامة لا ينقطع لأنه كلما نال العبد من رحمة الله أكثر كان ازدياد طمعه فيما عند الله أعظم وأشد لأن خزائن جوده وخيره ورحمته غير متناهية لا تبيد ولا تنقص ، فثبت أن الخوف منقطع والرجاء أبدا لا ينقطع ، انتهى.

والحق أن العبد ما دام في دار التكليف لا بد له من الخوف والرجاء وبعد مشاهدة أمور الآخرة يغلب عليه أحدهما لا محالة بحسب ما يشاهده من أحوالها.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

واعلم أن الرؤية تطلق على الرؤية بالبصر وعلى الرؤية القلبية وهي كناية

__________________

(١) سورة الأعراف : ٩٩.

(٢) سورة يوسف : ٨٧.

٣٢

جبلة ، عن إسحاق بن عمار قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام يا إسحاق خف الله كأنك تراه وإن كنت لا تراه فإنه يراك فإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت وإن كنت تعلم أنه يراك ثم برزت له بالمعصية فقد جعلته من أهون الناظرين عليك.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن الهيثم بن واقد قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء.

______________________________________________________

عن غاية الانكشاف والظهور ، والمعنى الأول هنا أنسب أي خف الله خوف من يشاهده بعينه وإن كان محالا ، ويحتمل الثاني أيضا فإن المخاطب لما لم يكن من أهل الرؤية القلبية ولم يرتق إلى تلك الدرجة العلية فإنها مخصوصة بالأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام قال : كأنك تراه ، وهذه مرتبة عين اليقين وأعلى مراتب السالكين ، وقوله : فإن لم تكن تراه ، أي إن لم تحصل لك هذه المرتبة من الانكشاف والعيان ، فكن بحيث تتذكر دائما أنه يراك ، وهذه مقام المراقبة كما قال تعالى : « أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ». « إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً » (١) والمراقبة مراعاة القلب للرقيب واشتغاله به والمثمر لها هو تذكر أن الله تعالى مطلع على كل نفس بما كسبت ، وأنه سبحانه عالم بسرائر القلوب وخطراتها ، فإذا استقر هذا العلم في القلب جذبه إلى مراقبة الله سبحانه دائما وترك معاصيه خوفا وحياءا ، والمواظبة على طاعته وخدمته دائما.

وقوله : وإن كنت ترى ، تعليم لطريق جعل المراقبة ملكة للنفس فتصير سببا لترك المعاصي ، والحق أن هذه شبهة عظيمة للحكم بكفر أرباب المعاصي ، ولا يمكن التفصي عنها إلا بالاتكال على عفوه وكرمه سبحانه ، ومن هنا يظهر أنه لا يجتمع الإيمان الحقيقي مع الإصرار على المعاصي ، كما مرت الإشارة إليه.

« ثم برزت له بالمعصية » أي أظهرت له المعصية ، أو من البراز للمقاتلة كأنك عاديته وحاربته ، و « عليك » متعلق بأهون.

الحديث الثالث : مجهول ، والمضمون مجرب معلوم.

__________________

(١) سورة النساء : ١.

٣٣

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن حمزة بن عبد الله الجعفري ، عن جميل بن دراج ، عن أبي حمزة قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام من عرف الله خاف الله ومن خاف الله سخت نفسه عن الدنيا.

٥ ـ عنه ، عن ابن أبي نجران عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له قوم يعملون بالمعاصي ويقولون نرجو فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت فقال هؤلاء قوم يترجحون في الأماني كذبوا ليسوا براجين إن من رجا شيئا طلبه ومن خاف من شيء هرب منه.

______________________________________________________

الحديث الرابع : كالسابق.

ويقال : سخي عن الشيء يسخى من باب تعب ترك ، ويدل على أن الخوف من الله لازم لمعرفته كما قال تعالى : « إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » (١) وذلك لأن من عرف عظمته وغلبته على جميع الأشياء ، وقدرته على جميع الممكنات بالإيجاد والإفناء خاف منه ، وأيضا من علم من علم احتياجه إليه في وجوده وبقائه وسائر كمالاته في جميع أحواله خاف سلب ذلك منه ، ومعلوم أن الخوف من الله سبب لترك ملاذ الدنيا وشهواتها الموجبة لسخط الله.

الحديث الخامس : مرسل.

« ويقولون نرجو » أي رحمة الله وغفرانه « حتى تأتيهم الموت » أي بلا توبة ولا تدارك ، والترجح تذبذب الشيء المعلق في الهواء والتميل من جانب إلى جانب ، وترجحت به الأرجوحة مالت ، وهي حبل يعلق ويركبه الصبيان ، فكأنه عليه‌السلام شبه أمانيهم بأرجوحة يركبه الصبيان ، يتحرك بأدنى نسيم وحركة ، فكذا هؤلاء يميلون بسبب الأماني من الخوف إلى الرجاء بأدنى وهم ، و « في » يحتمل الظرفية والسببية ، وكونه بمعنى على ، ولما كان الخوف والرجاء متلازمين ذكر الخوف أيضا فإن رجاء كل شيء مستلزم للخوف من فواته.

__________________

(١) سورة الفاطر : ٢٨.

٣٤

٦ ـ ورواه علي بن محمد رفعه قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن قوما من مواليك يلمون بالمعاصي ويقولون نرجو فقال كذبوا ليسوا لنا بموال أولئك قوم ترجحت بهم الأماني من رجا شيئا عمل له ومن خاف من شيء هرب منه.

______________________________________________________

الحديث السادس : مرفوع.

وفي القاموس : ألم باشر اللمم ، وبه نزل كلم واللمم : صغار الذنوب « ليسوا لنا بموال » لأن الموالاة ليست مجرد القول ، بل هي اعتقاد ومحبة في الباطن ومتابعة وموافقة في الظاهر لا ينفك أحدهما عن الآخر.

وروي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال بعد كلام طويل لمدع كاذب أنه يرجو الله يدعي أنه يرجو الله : كذب والله العظيم ما باله لا يتبين رجاؤه في عمله ، وكل من رجا عرف رجاؤه في عمله ، إلا رجاء الله فإنه مدخول ، وكل خوف محقق إلا خوف الله فإنه معلول يرجو الله فإنه مدخول ، وكل خوف محقق إلا خوف الله فإنه معلول يرجو الله في الكبير ، ويرجو العباد في الصغير ، فيعطى العبد ما لا يعطي الرب ، فما بال الله جل ثناؤه يقصر به عما يصنع لعباده ألا تخاف أن تكون في رجائك له كاذبا ، أو تكون لا تراه للرجاء موضعا ، وكذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطي ربه فجعل خوفه من العباد فقدا وخوفه من خالقه ضمارا ووعدا.

وقال ابن ميثم في شرح هذا الكلام : المدخول الذي فيه شبهة وريبة ، والمعلول الغير الخالص ، والضمار الذي لا يرجى من الموعود ، قال : وبيان الدليل أن كل من رجا أمرا من سلطان أو غيره فإنه يخدمه الخدمة التامة ويبالغ في طلب رضاه ، ويكون عمله له بقدر قوة رجائه له وخلوصه ، ويرى هذا المدعي للرجاء غير عامل فيستدل بتقصيره في الأعمال الدينية على عدم رجائه الخالص في الله ، وكذلك كل خوف محقق إلا خوف الله فإنه معلول توبيخ للطامعين في رجائه مع تقصيرهم في الأعمال الدينية ، انتهى.

٣٥

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابه ، عن صالح بن حمزة رفعه قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن من العبادة شدة الخوف من الله عز وجل يقول الله : « إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » (١) وقال جل ثناؤه : « فَلا تَخْشَوُا

______________________________________________________

والحاصل أن الأحاديث الواردة في سعة عفو الله سبحانه وجزيل رحمته ووفور مغفرته كثيرة جدا ، ولكن لا بد لمن يرجوها ويتوقعها من العمل الخالص المعد لحصولها ، وترك الانهماك في المعاصي ، المفوت لهذا الاستعداد كما عرفت في التمثيل بالباذرين سابقا ، فاحذر أن يغرك الشيطان ويثبطك عن العمل ويقنعك بمحض الرجاء والأمل ، وانظر إلى حال الأنبياء والأولياء واجتهادهم في الطاعات وصرفهم العمر في العبادات ليلا ونهارا ، أما كانوا يرجون عفو الله ورحمته! بلى والله إنهم كانوا أعلم بسعة رحمته وأرجى لها منك ومن كل أحد ، ولكن علموا أن رجاء الرحمة من دون العمل غرور محض وسفه بحث فصرفوا في العبادات أعمارهم ، وقصروا على الطاعات ليلهم ونهارهم.

الحديث السابع : كالسابق.

« إن من العبادة » أي من أعظم أسبابها أو هي بنفسها عبادة أمر الله بها كما سيأتي ، والخوف مبدؤه تصور عظمة الخالق ووعيده وأهوال الآخرة ، والتصديق بها وبحسب قوة ذلك التصور وهذا التصديق يكون قوة الخوف وشدته وهي مطلوبة ما لم تبلغ حد القنوط.

« إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » وهم الذين علموا عظمة الله وجلاله وعزه وقهره وجوده وفضله علما يقينيا يورث العمل ومعاينة أحوال الآخرة وأهوالها كما مر.

وقال المحقق الطوسي (ره) في أوصاف الأشراف ما حاصله : أن الخوف

__________________

(١) سورة الفاطر : ٢٨.

٣٦

النَّاسَ وَاخْشَوْنِ » (١) وقال تبارك وتعالى : « وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً » (٢) قال وقال

______________________________________________________

والخشية وإن كانا بمعنى واحد في اللغة إلا أن بينهما فرقا بين أرباب القلوب ، وهو أن الخوف تألم النفس من المكروه المنتظر ، والعقاب المتوقع بسبب احتمال فعل المنهيات وترك الطاعات ، وهو يحصل لأكثر الخلق وإن كانت مراتبه متفاوتة جدا والمرتبة العليا منه لا تحصل إلا للقليل ، والخشية حالة نفسانية تنشأ عن الشعور بعظمة الرب وهيبته ، وخوف الحجب عنه ، وهذه الحالة لا تحصل إلا لمن اطلع على جلال الكبرياء وذاق لذة القرب ، ولذلك قال سبحانه : « إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » والخشية خوف خاص وقد يطلقون عليها الخوف أيضا ، انتهى.

« وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً » التقوى على مراتب : أولها : التبري عن الشرك وما يوجب الخلود في النار ، وثانيها : التجنب عما يؤثم والاتقاء عن العذاب مطلقا ، وثالثها : التنزه عما يشغل القلب عن الحق ، وبناء الكل على الخوف من العقوبة ، والبعد عن الحق.

ولعل المراد هنا إحدى الأخيرتين ، أي ومن يتق الله خوفا منه يجعل له مخرجا من شدائد الدنيا والآخرة ، كما روي عن ابن عباس أو من ضيق المعاش كما يشعر به قوله تعالى : « وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ » قيل : وكان السر في الأول أن شدائد الدارين من الحرص على الدنيا واقتراف الذنوب والغفلة عن الحق والمتقي منزه عن جميع ذلك ، وفي الثاني أن فيضه تعالى وجوده عام لا بخل فيه ، وإنما المانع من قبول فيضه هو بعد العبد عنه ، وعدم استعداده له بالذنوب ، فإذا اتقى منها قرب منه تعالى ، واستحق قبول فيضه بلا تعب ولا كلفة ، فيجمع بذلك خير الدنيا والآخرة.

__________________

(١) سورة المائدة : ٤٤.

(٢) سورة الطلاق : ٢.

٣٧

أبو عبد الله عليه‌السلام إن حب الشرف والذكر لا يكونان في قلب الخائف الراهب.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن الحسن بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن أبي سعيد المكاري ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين صلوات الله عليه [ قال ] قال إن رجلا ركب البحر بأهله فكسر بهم فلم ينج ممن كان في السفينة إلا امرأة الرجل فإنها نجت على لوح من ألواح السفينة حتى ألجأت على جزيرة من جزائر البحر وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق ولم يدع لله حرمة إلا انتهكها فلم يعلم إلا والمرأة قائمة على رأسه فرفع رأسه إليها فقال إنسية أم جنية فقالت إنسية فلم يكلمها كلمة حتى جلس منها مجلس الرجل من أهله فلما أن هم بها اضطربت فقال لها ما لك تضطربين فقالت :

______________________________________________________

« إن حب الشرف والذكر » أي حب الجاه والرئاسة والعزة في الناس ، وحب الذكر والمدح والثناء منهم والشهرة فيهم « لا يكونان في قلب الخائف الراهب » لأن حبهما من آثار الميل إلى الدنيا وأهلها ، والخائف الراهب منزه عنه ، وأيضا حبهما من الأمراض النفسانية المهلكة ، والخوف والرهبة ينزهان النفس عنها ، وذكر الراهب بعد الخائف من قبيل ذكر الخاص بعد العام إذ الرهبة بمعنى الخشية وهي أخص من الخوف.

الحديث الثامن : ضعيف.

« ركب البحر » البحر مفعول به أو مفعول فيه ، أي ركب السفينة في البحر ، وقيل : أراد بالبحر السفينة من قبيل تسمية الحال باسم المحل بقرينة رجوع الضمير المستتر في قوله « فكسر » إليه ، والباء في « بأهله » بمعنى مع ، وانتهاك الحرمة تناولها بما لا يحل ، والحرمة بالضم ما لا يحل انتهاكه « فلم يعلم » أي تلك الواقعة « إلا » في حالة كانت المرأة قائمة على رأسها.

« مجلس الرجل » أي وقت الجماع ، ويقال : فرق كتعب أي خاف ، والمصدر الفرق بالتحريك وصادفه وجده ولقيه ، حمي الشمس كرضى اشتد حرها ، وتجاسر

٣٨

أفرق من هذا وأومأت بيدها إلى السماء قال فصنعت من هذا شيئا قالت لا وعزته قال فأنت تفرقين منه هذا الفرق ولم تصنعي من هذا شيئا وإنما أستكرهك استكراها فأنا والله أولى بهذا الفرق والخوف وأحق منك قال فقام ولم يحدث شيئا ورجع إلى أهله وليست له همة إلا التوبة والمراجعة فبينا هو يمشي إذ صادفه راهب يمشي في الطريق فحميت عليهما الشمس فقال الراهب للشاب ادع الله يظلنا بغمامة فقد حميت علينا الشمس فقال الشاب ما أعلم أن لي عند ربي حسنة فأتجاسر على أن أسأله شيئا قال فأدعو أنا وتؤمن أنت قال نعم فأقبل الراهب يدعو والشاب يؤمن فما كان بأسرع من أن أظلتهما غمامة فمشيا تحتها مليا من النهار ثم تفرقت الجادة جادتين فأخذ الشاب في واحدة وأخذ الراهب في واحدة فإذا السحابة مع الشاب فقال الراهب أنت خير مني لك استجيب ولم يستجب لي فأخبرني ما قصتك فأخبره بخبر المرأة فقال غفر لك ما مضى حيث دخلك الخوف فانظر كيف تكون فيما تستقبل.

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن حمزة بن حمران قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن مما حفظ من خطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال

______________________________________________________

عليه اجترأ « وتؤمن » على بناء التفعيل ، أي تقول آمين « فما كان » أي شيء أسرع من تظليل الغمامة ، وفي النهاية : الملي طائفة من الزمان لا حد لها ، يقال : مضى ملي من النهار ، وملي من الدهر ، أي طائفة منه ويدل على أن ترك كبيرة واحدة مع القدرة عليها خوفا من الله وخالصا لوجهه موجب لغفران الذنوب كلها ولو كان حق الناس ، لأن الرجل كان يقطع الطريق مع احتمال أن تكون المغفرة للخوف مع التوبة إلى الله والمراجعة إلى الناس في حقوقهم ، كما يفهم من قوله : وليس له همة إلا التوبة والمراجعة.

الحديث التاسع : مجهول.

٣٩

يا أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم ألا إن المؤمن يعمل بين مخافتين بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته وفي الشبيبة قبل الكبر وفي الحياة قبل الممات فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من

______________________________________________________

« إن لكم معالم » في القاموس معلم الشيء كمقعد مظنته وما يستدل به ، وفي الصحاح المعلم الأثر يستدل به على الطريق والمراد هنا إما الآيات القرآنية لا سيما الآيات الدالة على إمامة أئمة الدين ووجوب متابعتهم ، أو كل ما يعلم منه حكم من أحكام الدين أصولا وفروعا من الكتاب والسنة ، بل البراهين القاطعة العقلية أيضا ، ويمكن شموله لكل ما يعتبر به من آيات الله في الآفاق والأنفس ، أو المراد بها أئمة الدين فإنها معالم الحلال والحرام والحكم والأحكام كما مر في الأخبار ، والنهاية بالكسر الغاية التي ينتهي إليها ، والمراد هنا إما الإمام بقرينة الأفراد إذ ليس في كل عصر إلا إمام واحد ، أو المراد نهاية كل شخص في القرب والكمال بحسب استعداده وقابليته ، وقيل : المستقر في الجنة والقرار في دار القرار ، وقيل : المراد به الأجل الموعود وهو بعيد.

قوله : بين أجل ، قد مضى المراد بالأجل هنا العمر ، وقيل : دل هذا على أن الخوف يطلق بالنسبة إلى ما مضى ، ولا يخفى وهنه لأن الخوف ليس من الأجل ، بل من العقوبة المترتبة على ما عمل في ما مضى من العمر ، فالخوف من المستقبل ، بل المعنى يعمل بين سبب مخافتين ، وقوله : لا يدري ما الله قاض فيه ، شامل للمصائب الدينية والدنيوية معا « فليأخذ العبد من نفسه لنفسه » يعني ليجتهد في الطاعة والعبادة ويروض نفسه بالأعمال الصالحة في أيام قلائل لراحة الأبد ، والنعيم المخلد ، ومن دنياه لآخرته بأن ينفق ما حصله في دنياه لتحصيل آخرته.

« وفي الشيبة قبل الكبر » كذا في بعض النسخ الشبيبة بالبائين كسفينة ، قال

٤٠