مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٢

يا رسول الله أوصني فقال احفظ لسانك قال يا رسول الله أوصني قال احفظ لسانك قال : يا رسول الله أوصني قال احفظ لسانك ويحك وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم.

١٥ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال عمن رواه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من لم يحسب كلامه من

______________________________________________________

منصوب على النداء كما يصرح به كثير ، أورد للتعجب من حاله كيف استصغر ما أوصاه به ولم يكتف وطلب غيره بتكرار السؤال ، وفي النهاية ويح كلمة ترحم وتوجع ، يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها ، وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وهي منصوبة على المصدر ، وقال في الحديث : وهل يكب الناس على مناخر هم في النار إلا حصائد ألسنتهم ، أي ما يقطعونه من الكلام الذي لا خير فيه ، واحدتها حصيدة تشبيها بما يحصد من الزرع ، وتشبيها للسان وما يقتطعه من القول بحد المنجل الذي يحصد به ، وفي القاموس كبه : قلبه وصرعه كأكبه وكبكبه فأكب فهو لازم متعد وقال : المنخر بفتح الميم والخاء وبكسرهما وضمهما وكمجلس ومملول : الأنف ، انتهى.

والحصر كما مر وكأنه إشارة إلى قوله تعالى : « فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ » (١) وقد وردت أخبار بأن الغاوين قوم وصفوا عدلا ثم خالفوه إلى غيره.

الحديث الخامس عشر : مرسل.

« من لم يحسب » من باب نصر من الحساب أو كنعم من الحسبان بمعنى الظن والأول أظهر ، وهذا رد علي ما يسبق إلى أوهام أكثر الخلق ، من الخواص والعوام أن الكلام ليس مما يترتب عليه عقاب فيجترون على أنواع الكلام بلا تأمل وتفكر مع أن أكثر أنواع الكفر والمعاصي من جهة اللسان لأن اللسان له تصرف في كل موجود وموهوم ومعدوم ، وله يد في العقليات والخياليات والمسموعات والمشمومات

__________________

(١) سورة الشعراء : ٩٤.

٢٢١

عمله كثرت خطاياه وحضر عذابه.

١٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئا من الجوارح فيقول أي رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئا فيقال له خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسفك بها الدم الحرام وانتهب بها المال الحرام وانتهك بها الفرج الحرام وعزتي [ وجلالي ] لأعذبنك بعذاب لا أعذب به شيئا من جوارحك.

١٧ ـ وبهذا الإسناد قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن كان في شيء شؤم ففي

______________________________________________________

والمبصرات والمذوقات والملموسات ، فصاحب هذا الحسبان الباطل لا يبالي بالكلام في أباطيل هذه الأمور وأكاذيبها فيجتمع عليه من كل وجه خطيئة فتكثر خطاياه ، وأما غير اللسان فخطاياه قليلة بالنسبة إليه ، فإن خطيئة السمع ليست إلا المسموعات وخطيئة البصر ليست إلا المبصرات ، وقس عليهما سائر الجوارح ، والمراد بحضور عذابه حضور أسبابه ، وقيل : إنما حضر عذابه لأنه أكثر ما يكون يندم على بعض ما قاله ولا ينفعه الندم ، ولأنه قلما يكون كلام لا يكون موردا للاعتراض ولا سيما إذا كثر.

الحديث السادس عشر : ضعيف على المشهور.

« خرجت منك كلمة » أي من الفتاوى الباطلة أو الأعم منها ومن أحكام الملوك وغيرهم ، وسائر ما يكون سببا لأمثال ذلك ، وقوله : من جوارحك إما بتقدير مضاف أي جوارح صاحبك ، أو الإضافة للمجاورة والملابسة أو للإشارة إلى أن سائر الجوارح تابعة له وهو رئيسها ، وكان الكلام مبني على التمثيل والسؤال والجواب بلسان الحال ، ويحتمل أن يكون الله تعالى يعطيه حياة وشعورا وقدرة على الكلام كما قيل في شهادة الجوارح.

الحديث السابع عشر : كالسابق.

والشؤم أصله الهمز وقد يخفف ، بل الغالب عليه التخفيف لكن الجوهري و

٢٢٢

اللسان.

١٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد والحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد جميعا ، عن الوشاء قال سمعت الرضا عليه‌السلام يقول كان الرجل من بني إسرائيل إذا أراد العبادة صمت قبل ذلك عشر سنين.

______________________________________________________

الفيروزآبادي لم يذكراه إلا مهموزا قال الجوهري : الشؤم نقيض اليمن ، يقال : رجل مشوم ومشؤوم ، وقد شام فلان على قومه يشأمهم فهو شائم إذا جر عليهم الشؤم وقد شئم عليهم فهو مشؤوم إذا صار شؤما عليهم ، انتهى.

وقال في النهاية : فيه إن كان الشؤم ففي ثلاث المرأة والدار والفرس ، أي إن كان ما يكره ويخاف عاقبته ثم قال : والواو في الشؤم همزة ولكنها خففت فصارت واوا غلب عليها التخفيف حتى لم ينطق بها مهموزة ، والشؤم ضد اليمن يقال : تشأمت بالشيء وتيمنت به.

وأقول : الحديث الذي أورده مروي في طرقنا أيضا ، فالحصر في هذا الخبر بالنسبة إلى أعضاء الإنسان ، وكثرة شؤم اللسان لكثرة المضرات والمفاسد المترتبة عليها ظاهرة قد سبق القول فيها.

الحديث الثامن عشر : ضعيف على المشهور معتبر ، لتعاضد السندين مع عدم ضرر ضعف الرجلين لكونهما من مشايخ إجازة كتاب الوشاء وهو أشهر من البيضاء.

« صمت قبل ذلك » أي عما لا ينبغي وتلك المدة ليصير الصمت ملكة له ثم كان يشتغل بالعبادة والاجتهاد فيها لتقع العبادة صافية خالية عن المفاسد.

وأقول : يحتمل أن يكون الصمت في تلك المدة للتفكر في المعارف اليقينية والعلوم الدينية حتى يكمل في العلم ويستحق لتعليم العباد وإرشادهم وتكميل نفسه بالأعمال الصالحة أيضا فيأمن عن الخطإ والخطل في القول والعمل ، ثم يشرع في

٢٢٣

١٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن بكر بن صالح ، عن الغفاري ، عن جعفر بن إبراهيم قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من رأى موضع كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.

٢٠ ـ أبو علي الأشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن عثمان بن عيسى ، عن سعيد بن يسار ، عن منصور بن يونس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في حكمة آل داود على العاقل أن يكون عارفا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه.

______________________________________________________

أنواع العبادات التي منها هداية الخلق وتعليمهم وتكميلهم كما مر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : كل سكوت ليس فيه فكرة فهو سهو ، وقال الكاظم عليه‌السلام : دليل العقل التفكر ودليل التفكر الصمت ومثله كثير ، وهذا وجه حسن لم يسبقني إليه فطن وإن كان بفضل المفيض المالك ، وجل ما أوردته في تلك التعليقات كذلك.

الحديث التاسع عشر : ضعيف.

والغفار ككتاب حي من العرب.

« من رأى موضع كلامه من عمله » أي يعلم أن كلامه أكثر من سائر أعماله ، أو يعلم أنه محسوب من أعماله ومجازي به كما مر والأول هنا أظهر ، ويمكن إدراج المعنيين فيه « فيما يعنيه » أي يهمه وينفعه.

الحديث العشرون : موثق.

« في حكم آل داود » أي الزبور أو الأعم منه ومما صدر عنه عليه‌السلام أو عنهم من الحكم « على العاقل » أي يجب أو يلزم عليه « أن يكون عارفا بزمانه » أي بأهل زمانه ليميز بين صديقه وعدوه الواقعيين وبين من يضله ومن يهديه ، وبين من تجب متابعته ومن تجب مفارقته ومجانبته ، فلا ينخدع منهم في دينه ودنياه ، ويعلم موضع التقية والعشرة والعزلة والحب والبغض ، وقد مر في حديث : والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس ، وفي حديث آخر : عارفا بأهل زمانه مستوحشا

٢٢٤

٢١ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن الحسن بن رباط ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا يزال العبد المؤمن يكتب محسنا ما دام ساكتا فإذا تكلم كتب محسنا أو مسيئا.

______________________________________________________

من أوثق إخوانه ، وفي وصية أمير المؤمنين للحسن صلوات الله عليهما : يا بني إنه لا بد للعاقل من أن ينظر في شأنه فليحفظ لسانه وليعرف أهل زمانه.

قوله عليه‌السلام : مقبلا على شأنه أي يكون دائما مشتغلا بإصلاح نفسه ومحاسبتها ومعالجة أدوائها وتحصيل ما ينفعها والاجتناب عما يرديها ويضرها ولا يصرف شيئا من عمره فيما لا يعنيه حافظا للسانه من اللغو والباطل كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا تم العقل نقص الكلام.

الحديث الحادي والعشرون : مرسل.

« يكتب محسنا » إما لإيمانه أو لسكوته فإنه من الأعمال الصالحة كما ذكره الناظرون في هذا الخبر.

وأقول : الأول عندي أظهر وإن لم يتفطن به الأكثر لقوله عليه‌السلام : فإذا تكلم كتب محسنا أو مسيئا لأنه على الاحتمال الثاني يبطل الحصر لأنه يمكن أن يتكلم بالمباح فلا يكون محسنا ولا مسيئا إلا أن يعم المسيء تجوزا بحيث يشمل غير المحسن مطلقا وهو بعيد.

فإن قيل : يرد على ما اخترته أن في حال التكلم بالحرام ثواب الإيمان حاصل له فيكتب محسنا ومسيئا معا فلا يصح الترديد.

قلت : يمكن أن يكون المراد بالمحسن المحسن من غير إساءة كما هو الظاهر فتصح المقابلة مع أن بقاء ثواب استمرار الإيمان مع فعل المعصية في محل المنع ، ويومئ إلى عدمه قولهم عليه‌السلام : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن وأمثاله مما قد مر بعضها ، ويمكن أن يكون هذا أحد محامل هذه الأخبار ، وأحد علل ما

٢٢٥

باب المداراة

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث من لم يكن فيه لم يتم له عمل ورع يحجزه عن معاصي الله وخلق يداري به الناس وحلم يرد به جهل الجاهل.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن الحسن قال سمعت جعفرا عليه‌السلام يقول جاء جبرئيل عليه‌السلام إلى النبي

______________________________________________________

ورد أن نوم العالم عبادة أي هو في حال النوم في حكم العبادة لاستمرار ثواب عمله وإيمانه ، وعدم صدور شيء منه يبطله في تلك الحالة.

باب المداراة الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

و « ثلاث » أي ثلاث خصال « لم يتم له عمل » أي لم يكمل ولم يقبل منه عمل من العبادات أو الأعم منها ومن أمور المعاش ومعاشرة الخلق فتأثير الورع في قبول الطاعات وكمالها ظاهر لأنه إنما يتقبل الله من المتقين ، وكذا الأخيران لأن تركهما قد ينتهي إلى ارتكاب المعاصي ويحتمل أن يكونا لأمور المعاش بناء على تعميم العمل ، وكان الفرق بين الخلق والحلم أن الخلق وجودي وهو فعل ما يوجب تطييب قلوب الناس ورضاهم ، والحلم عدمي وهو ترك المعارضة والانتقام في الإساءة ، وقال في النهاية : فيه رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس ، المداراة غير مهموزة ملائنة الناس وحسن صحبتهم واحتمالهم لئلا ينفروا عنك وقد تهمز.

الحديث الثاني : مجهول : والمداراة إما مخصوصة بالمؤمنين أو مع المشركين أيضا مع عدم الاضطرار إلى المقاتلة والمحاربة ، كما كان دأبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه كان يداريهم ما أمكن ، فإذا

٢٢٦

صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول لك دار خلقي.

٣ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السجستاني ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال في التوراة مكتوب فيما ناجى الله عز وجل به موسى بن عمران عليه‌السلام يا موسى اكتم مكتوم سري في سريرتك

______________________________________________________

لم يكن ينفع الوعظ والمداراة كان يقاتلهم ليسلموا ، وبعد الظفر عليهم أيضا كان يعفو ويصفح ولا ينتقم منهم ، أو كان ذلك قبل أن يؤمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجهاد.

الحديث الثالث : حسن.

« فيما ناجى الله » يقال : ناجاه مناجاة ونجاء ساتره ، والمراد هنا وحيه إليه بلا توسط ملك ، وإضافة المكتوم إلى السر من إضافة الصفة إلى الموصوف للمبالغة فإن السر هو الحديث المكتوم في النفس ، فكان المراد بالسريرة هنا القلب ، لأنه محل السر تسمية للمحل باسم الحال قال الجوهري : السر الذي يكتم والجمع الأسرار ، والسريرة مثله والجمع السرائر ، انتهى.

ويحتمل أن يكون بمعناه أي في جملة ما تسره وتكتمه من أسرارك ، وكان المراد بالسر هنا ما أمر بإخفائه عنهم من العلوم التي ألقاه إليه من عدم إيمانهم مثلا ، وانتهاء أمرهم إلى الهلاك والفرق ، أو الحكم بكون أسلافهم في النار ، كما أن فرعون لما سأله عليه‌السلام عن أحوالهم من السعادة والشقاوة بقوله : « فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى » لم يحكم بشقاوتهم وكونهم في النار ، بل أجمل و « قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى » على بعض الوجوه المذكورة في الآية أو بعض الأسرار التي لم يكونوا قابلين لفهمها « وأظهر في علانيتك المداراة عني » كان التعدية بعن لتضمين معنى الدفع أو يكون مهموزا من الدرء بمعنى الدفع أو لأن أصله لما كان من الدرء بمعنى الدفع عدي بها ، والنسبة إلى المتكلم لبيان أن الضرر الواصل إليك كأنه واصل إلى فالمراد المداراة عنك ،

٢٢٧

وأظهر في علانيتك المداراة عني لعدوي وعدوك من خلقي ولا تستسب لي عندهم بإظهار مكتوم سري فتشرك عدوك وعدوي في سبي.

٤ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن حمزة بن بزيع ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مداراة الناس نصف الإيمان والرفق بهم

______________________________________________________

ويحتمل أن يكون عني متعلقا بأظهر أي أظهر من قبلي المداراة كما قال تعالى : ( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً » (١).

« ولا تستسب لي عندهم » أي لا تظهر عندهم من مكتوم سري ما يصير سببا لسبهم وشتمهم لي أو لك فيكون بمنزلة سبي كما ورد هذا في قوله تعالى : « وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ » (٢) فقد روى العياشي عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن هذه الآية؟ فقال : أرأيت أحدا يسب الله؟ فقيل : لا ، وكيف؟ قال : من سب ولي الله فقد سب الله؟ وفي غيره عنه عليه‌السلام قال : لا تسبوهم فإنهم يسبوكم ، ومن سب ولي الله فقد سب الله.

« فتشرك عدوك » يدل على أن السبب للفعل كالفاعل له.

الحديث الرابع : صحيح على الظاهر لأن في حمزة كلام « بأداء الفرائض » أي الصلوات الخمس أو كلما أمر به في القرآن.

الحديث الخامس : ضعيف.

وكان المراد بالمداراة هنا التغافل والحلم عنهم وعدم معارضتهم ، وبالرفق الإحسان إليهم وحسن معاشرتهم ، ويحتمل أن يكون مرجعهما إلى أمر واحد ،

__________________

(١) سورة طه : ٤٤.

(٢) سورة الأنعام : ١٠٨.

٢٢٨

نصف العيش ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام خالطوا الأبرار سرا وخالطوا الفجار جهارا ولا تميلوا عليهم فيظلموكم فإنه سيأتي عليكم زمان لا ينجو فيه من ذوي الدين إلا من ظنوا أنه أبله وصبر نفسه على أن يقال [ له ] إنه أبله لا عقل له.

______________________________________________________

ويكون تفننا في العبارة ، فالغرض بيان أن المداراة والرفق بالعباد لهما مدخل عظيم في صلاح أمور الدين وتعيش الدنيا ، والثاني ظاهر والأول لأنه إطاعة لأمر الشارع حيث أمر به وموجب لهداية الخلق وإرشادهم بأحسن الوجوه كما قال تعالى : « ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » (١) والعيش الحياة والمراد هنا التعيش الحسن برفاهية « خالطوا الأبرار سرا » أي أحبوهم بقلوبكم أو أفشوا إليهم أسراركم بخلاف الفجار فإنه إنما يحسن مخالطتهم في الظاهر للتقية والمداراة ، ولا يجوز مودتهم قلبا من حيث فسقهم وليسوا محالا لأسرار المؤمنين ، وبين عليه‌السلام ذلك بقوله : ولا تميلوا عليهم ، على بناء المجرد ، والتعدية بعلى للضرر أي لا تعارضوهم إرادة للغلبة ، قال في المصباح : مال الحاكم في حكمه ميلا جار وظلم فهو مائل ، ومال عليهم الدهر أصابهم بجوانحه.

وفي النهاية : فيه لا يهلك أمتي حتى يكون بينهم التمايل والتمايز ، أي لا يكون لهم سلطان يكف الناس عن التظالم فيميل بعضهم على بعض بالأذى والحيف ، انتهى.

وقيل : هو على بناء الأفعال أو التفعيل أي لا تعارضوهم لتميلوهم من مذهب إلى مذهب آخر وهو تكلف وإن كان أنسب بما بعده ، وفي القاموس : رجل أبله بين البله والبلاهة : غافل أو عن الشر أو أحمق لا تمييز له ، والميت الداء ، أي من شره ميت ، والحسن الخلق القليل الفطنة لمداق الأمور أو من غلبة سلامة الصدر.

__________________

(١) سورة النحل : ١٢٥.

٢٢٩

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن بعض أصحابه ذكره ، عن محمد بن سنان ، عن حذيفة بن منصور قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن قوما من الناس قلت مداراتهم للناس فأنفوا من قريش وايم الله ما كان بأحسابهم بأس وإن قوما من

______________________________________________________

وفي المصباح : صبرت صبرا من باب ضرب حبست النفس عن الجزع وصبرت زيدا يستعمل لازما ومتعديا ، وصبرته بالتثقيل حملته على الصبر بوعد الأجر أو قلت له : اصبر ، انتهى.

والحاصل أنه لفساد الزمان وغلبة أهل الباطل يختار العزلة ، والخمول ، ولا يعارض الناس ولا يتعرض لهم ، ويتحمل منهم أنواع الأذى حتى يظن الناس أن ذلك لبلاهته وقلة عقله.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : فأنفوا من قريش ، كذا في أكثر النسخ وكأنه على بناء الأفعال مشتقا من النفي بمعنى الانتفاء فإن النفي يكون لازما ومتعديا لكن هذا البناء لم يأت في اللغة أو هو على بناء المفعول من أنف ، من قولهم أنفه يأنفه ويأنفه ضرب أنفه ، فيدل على النفي مع مبالغة فيه وهو أظهر وأبلغ ، وقيل : كأنه صيغة مجهول من الأنفة بمعنى الاستنكاف ، إذ لم يأت الإنفاء بمعنى النفي ، انتهى.

وأقول : هذا أيضا لا يستقيم لأن الفساد مشترك إذ لم يأت أنف بهذا المعنى على بناء المجهول فإنه يقال : أنف منه كفرح أنفا وأنفة استنكف ، وفي كثير من النسخ فألقوا أي أخرجوا وأطرحوا منهم ، وفي الخصال : فنفوا وهو أظهر.

ثم أشار عليه‌السلام مؤكدا بالقسم إلى أن ذلك الإلقاء كان باعتبار سوء معاشرتهم وفوات حسب أنفسهم ومأثرها لا باعتبار قدح في نسبهم أو في حسب آبائهم ومآثر أسلافهم بقوله : وأيم الله ما كان بأحسابهم بأس.

قال الجوهري : اليمين القسم والجمع أيمن وأيمان ثم قال : وأيمن الله

٢٣٠

غير قريش حسنت مداراتهم فألحقوا بالبيت الرفيع قال ثم قال من كف يده

______________________________________________________

اسم وضع للقسم هكذا بضم الميم والنون وألفه ألف وصل عند أكثر النحويين ولم يجيء في الأسماء ألف الوصل مفتوحة غيرها ، وقد تدخل عليه اللام لتأكيد الابتداء تقول : ليمن الله فتذهب الألف في الوصل وهو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف ، والتقدير ليمن الله قسمي وليمن الله ما أقسم به ، وإذا خاطبت قلت ليمنك ، وربما حذفوا منه النون قالوا : أيم الله وايم الله بكسر الهمزة ، وربما حذفوا منه الياء قالوا أم الله ، وربما أبقوا الميم وحدها قالوا : م الله ، ثم يكسرونها لأنها صارت حرفا واحدا فيشبهونها بالباء فيقولون م الله ، وربما قالوا من الله بضم الميم والنون ، ومن الله بفتحهما ، ومن الله بكسرهما ، قال أبو عبيد : وكانوا يحلفون باليمين يقولون : يمين الله لا أفعل ثم يجمع اليمين على أيمن ثم حلفوا به فقالوا : أيمن الله لأفعلن كذا ، قال : فهذا هو الأصل في أيمن الله ثم كثر هذا في كلامهم وخف على ألسنتهم حتى حذفوا منه النون كما حذفوا في قوله : لم يكن فقالوا لم يك ، قال : وفيها لغات كثيرة سوى هذا ، وإلى هذا ذهب ابن كيسان وابن درستويه فقالا : ألف أيمن ألف قطع ، وهو جمع يمين وإنما خففت وطرحت في الوصل لكثرة استعمالهم لها.

وقال : الحسب ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه ويقال : حسبه دينه ويقال : ماله والرجل حسيب ، قال ابن السكيت : الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف ، قال : والشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء انتهى.

والحاصل أن الكلام يحتمل وجهين : أحدهما : أنه لا بد من حسن المعاشرة والمداراة مع المخالفين في دولاتهم مع المخالفة لهم باطنا في أديانهم وأعمالهم فإن قوما قلت مداراتهم للمخالفين فنفاهم خلفاء الجور والضلالة من قبيلة قريش

٢٣١

عن الناس فإنما يكف عنهم يدا واحدة ويكفون عنه أيدي كثيرة.

______________________________________________________

وضيعوا أنسابهم وأحسابهم مع أنه لم يكن في أحساب أنفسهم شيء إلا ترك المداراة والتقية أو لم يكن في شرف آبائهم نقص ، وإن قوما من غير قريش لم يكن فيهم حسب أو في آبائهم شرف فألحقهم خلفاء الضلالة وقضاة الجور في الشرف والعطاء والكرم بالبيت الرفيع من قريش ، وهم بنو هاشم.

وثانيهما : أن المعنى أن القوم الأول بتركهم متابعة الأئمة عليهم‌السلام في أو أمرهم التي منها المداراة مع المخالفين في دولاتهم ومع سائر الناس نفاهم الأئمة عن أنفسهم فذهب فضلهم وكأنهم خرجوا من قريش ولم ينفعهم شرف آبائهم ، وإن قوما من غير قريش بسبب متابعة الأئمة عليهم‌السلام ألحقوا بالبيت الرفيع وهم أهل البيت عليهم‌السلام كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سلمان منا أهل البيت وكأصحاب سائر الأئمة عليهم‌السلام ، من الموالي فإنهم كانوا أقرب إلى الأئمة من كثير من بني هاشم بل كثير من أولاد الأئمة عليهم‌السلام والمراد بالبيت هنا بيت الشرف والكرامة.

قال في المصباح : بيت العرب شرفها يقال بيت تميم في حنظلة أي شرفها ، أو المراد أهل البيت الرفيع وهم آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من كف يده » هذا مثل ما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما يقبض عنهم يدا واحدة ويقبض منهم عنه أيدي كثيرة ، ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة.

قال السيد الرضي رضي‌الله‌عنه : وما أحسن هذا المعنى الذي أراده عليه‌السلام بقوله : من يقبض فإن الممسك خيره يعني ماله عن عشيرته إنما يمسك نفع يد واحدة ، وإذا احتاج إلى نصرتهم واضطر إلى مرادفتهم ومعاونتهم قعدوا من نصره وتثاقلوا عن صوته واستغاثته فمنع ترافد الأيدي الكثيرة وتناهض الأقدام الجمة ، انتهى.

وأقول : يحتمل أن يكون المراد بكف يد واحدة كف ضرر يد واحدة ويصير ذلك سببا لكف ضرر أيد كثيرة عنه ، وكان هذا أنسب بالمقام.

٢٣٢

باب الرفق

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه عمن ذكره ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن لكل شيء قفلا وقفل الإيمان الرفق.

______________________________________________________

باب الرفق الحديث الأول : ضعيف.

وقال في النهاية : الرفق لين الجانب وهو خلاف العنف ، تقول منه رفق يرفق ويرفق ومنه الحديث : ما كان الرفق في شيء إلا زانه أي اللطف والحديث الآخر : أنت رفيق والله الطبيب ، أي أنت ترفق بالمريض وتتلطفه وهو الذي يبرئه ويعافيه ، ومنه الحديث في إرفاق ضعيفهم وسد خلتهم أي إيصال الرفق إليهم ، انتهى.

« إن لكل شيء قفلا » أي حافظا له من ورود أمر فاسد عليه ، وخروج أمر صالح منه على الاستعارة وتشبيه المعقول بالمحسوس « وقفل الإيمان الرفق » وهو لين الجانب والرأفة وترك العنف والغلظة في الأفعال والأقوال على الخلق في جميع الأحوال ، سواء صدر عنهم بالنسبة إليه خلاف الآداب أو لم يصدر ، ففيه تشبيه الإيمان بالجوهر النفيس الذي يعتنى بحفظه والقلب بخزانته ، والرفق بالقفل لأنه يحفظه عن خروجه وطريان المفاسد عليه ، فإن الشيطان سارق الإيمان ومع فتح القفل وترك الرفق يبعث الإنسان على أمور من الخشونة والفحش والقهر والضرب ، وأنواع الفساد وغيرها من الأمور التي توجب نقص الإيمان ، أو زواله.

وقال بعض الأفاضل : وذلك لأن من لم يرفق يعنف فيعنف عليه فيغضب فيحمله الغضب على قول أو فعل به يخرج الإيمان من قلبه فالرفق قفل الإيمان يحفظه.

٢٣٣

٢ ـ وبإسناده قال قال أبو جعفر عليه‌السلام من قسم له الرفق قسم له الإيمان.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن يحيى الأزرق ، عن حماد بن بشير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى رفيق يحب

______________________________________________________

الحديث الثاني : كالسابق.

« من قسم له الرفق » أي قدر له قسط منه في علم الله « قسم له الإيمان » أي الكامل منه.

الحديث الثالث : مجهول.

« إن الله تعالى رفيق » أقول : روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال :

إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ، قال القرطبي : الرفيق هو الكثير الرفق يجيء بمعنى التسهيل وهو ضد العنف والتشديد والتعصيب ، وبمعنى الإرفاق وهو إعطاء ما يرتفق به ، وبمعنى التأني والعجلة ، وصحت نسبة هذه المعاني إلى الله تعالى لأنه المسهل والمعطي وغير المعجل في عقوبة العصاة ، وقال الطيبي : الرفق اللطف وأخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها « الله رفيق » أي لطيف بعباده يريد بهم اليسر لا العسر ولا يجوز إطلاقه على الله لأنه لم يتواتر ولم يستعمل هنا على التسمية ، بل تمهيد الأمر أي الرفق أنجح الأسباب وأنفعها فلا ينبغي الحرص في الرزق بل يكل إلى الله.

وقال النووي : يجوز تسمية الله بالرفيق وغيره مما ورد في خبر الواحد على الصحيح واختلف أهل الأصول في التسمية بخبر الواحد ، انتهى.

وقال في المصباح : رفقت العمل من باب قتل أحكمته ، انتهى.

فيجوز أن يكون إطلاق الرفيق عليه سبحانه بهذا المعنى ، ومعنى يحب الرفق أنه يأمر به ويحث عليه ويثيب به ، والسل انتزاعك الشيء وإخراجه في رفق كالاستلال كذا في القاموس ، وكان بناء التفعيل للمبالغة ، والضغن بالكسر والضغينة

٢٣٤

الرفق فمن رفقه بعباده تسليله أضغانهم ومضادتهم لهواهم وقلوبهم ومن رفقه بهم

______________________________________________________

الحقد ، والأضغان جمع الضغن كالأحمال والحمل ، والمعنى أنه من رفقه بعباده ولطفه لهم أنه يخرج أضغانهم قليلا وتدريجا من قلوبهم وإلا لأفنى بعضهم بعضا ، وقيل : لم يكلفهم برفعها دفعة لصعوبتها عليهم بل كلفهم بأن يسعوا في ذلك ويخرجوها تدريجا وهو بعيد.

ويحتمل أن يكون المعنى أنه أمر أنبياءه وأوصياءهم بالرفق بعباده الكافرين والمنافقين والإحسان إليهم وتأليف قلوبهم ببذل الأموال وحسن العشرة فيسل بذلك أضغانهم الله وللرسول وللمؤمنين برفق ، ويمكن أن يكون المراد بالتسليل إظهار كفرهم ونفاقهم على المؤمنين لئلا ينخدعوا منهم كما قال سبحانه : « أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ » أي أحقادهم على المؤمنين ثم قال : « وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ » ، « إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ، إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ » (١) قالوا إن يسألكموها فيحفكم أي يجهدكم بمسألة جميعها أو أجرا على الرسالة فيبالغ فيه تبخلوا بها فلا تعطوها ويخرج أضغانكم أي بغضكم وعداوتكم لله والرسول ، ولكنه فرض عليكم ربع العشر أو لم يسألكم أجرا على الرسالة ، وهذا يؤيد المعنى السابق أيضا.

قوله : ومضادتهم لهواهم وقلوبهم ، هذا أيضا يحتمل وجوها : « الأول » أن يكون معطوفا على الأضغان أي من لطفه بعباده دفع مضادة أهوية بعضهم لبعض وقلوب بعضهم لبعض ، فيكون قريبا من الفقرة السابقة على بعض الوجوه.

الثاني : أن يكون عطفا على تسليله ، أي من لطفه بعباده المؤمنين أن جعل

__________________

(١) سورة محمّد : ٢٩.

٢٣٥

أنه يدعهم على الأمر يريد إزالتهم عنه رفقا بهم لكيلا يلقي عليهم عرى الإيمان

______________________________________________________

أهوية المخالفين والكافرين متضادة مختلفة فلو كانوا مجتمعين متفقين في الأهواء لأفنوا المؤمنين واستأصلوهم كما قال تعالى : « لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ » (١).

الثالث : أن يكون عطفا على تسليله أيضا والمعنى أنه من لطفه جعل المضادة بين هوى كل امرء وقلبه أي روحه وعقله ، فلو لم يكن القلب معارضا للهوى لم يختر أحد الآخرة على الدنيا ، وفي بعض النسخ ومضادته وهو أنسب بهذا المعنى ، والمضادة بمعنى جعل الشيء ضد الشيء شائع كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ضاد النور بالظلمة واليبس بالبلل.

الرابع : أن يكون الواو بمعنى مع ، ويكون تتمة للفقرة السابقة أي أخرج أحقادهم مع وجود سببها وهو مضادة أهوائهم وقلوبهم.

الخامس : أن يكون المعنى من رفقه أنه أوجب عليهم التكاليف المضادة لهواهم وقلوبهم ، لكن برفق ولين بحيث لم يشق عليهم ، بل إنما كلف عباده بالأوامر والنواهي متدرجا كيلا ينفروا كما أنهم لما كانوا اعتادوا بشرب الخمر نزلت أو لا آية تدل على مفاسدها ثم نهوا عن شربها قريبا من وقت الصلاة ثم عمم وشدد ولم ينزل عليهم الأحكام دفعة ليشد عليهم بل أنزلها تدريجا وكل ذلك ظاهر لم تتبع موارد نزول الآيات وتقرير الأحكام ، وفي لفظ المضادة إيماء إلى ذلك ، قال الفيروزآبادي ضده في الخصومة : غلبه وعنه صرفه ومنعه برفق وضاده خالفه.

« ومن رفقه بهم أنه يدعهم على الأمر » حاصله أنه يريد إزالتهم عن أمر من الأمور لكن يعلم أنه لو بادر إلى ذلك يثقل عليهم فيؤخر ذلك إلى أن يسهل عليهم ثم يحولهم عنه إلى غيره فيصير الأول منسوخا ، كأمر القبلة فإن الله تعالى كان يحب

__________________

(١) سورة الحشر ، ١٤.

٢٣٦

ومثاقلته جملة واحدة فيضعفوا فإذا أراد ذلك نسخ الأمر بالآخر فصار منسوخا.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن معاوية بن وهب ، عن معاذ بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التوجه إلى الكعبة وكان في أول وروده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة هذا الحكم شاقا عليهم لألفهم بالصلاة إلى بيت المقدس فتركهم عليها فلما كملوا وأنسوا بأحكام الإسلام وصار سهلا يسيرا عليهم حولهم إلى الكعبة.

وعرى الإسلام أحكامه وشرائعه كأنها للإسلام بمنزلة العروة من جهة أن من أراد الشرب من الكوز يتمسك بعروته فكذا من أراد التمتع بالإسلام يستمسك بشرائعه وأحكامه ، والتعبير عن الثقل بالمثاقلة للمبالغة اللازمة للمفاعلة ، ولا يبعد أن يكون في الأصل مثاقيله ، يقال : ألقى عليه مثاقيله أي مؤنته.

وقيل : المراد أنه تعالى يعلم أن صلاح العباد في أمرين وأنه لو كلفهم بها دفعة وفي زمان واحد ثقل ذلك عليهم ، وضعفوا عن تحملها فمن رفقه بهم أن يأمرهم بأحدهما ويدعهم عليه حينا ثم إذا أراد إزالتهم عنه نسخ الأمر الأول بالأمر الآخر ليفوزوا بالمصلحتين ، وهذا وجه آخر للنسخ غير ما هو المعروف من اختصاص كل أمر بوقت دون آخر ، انتهى.

ولا يخفى ما فيه ، وقوله عليه‌السلام : نسخ الأمر بالآخر إما من مؤيدات اليسر لأن ترك الناس أمرا رأسا أشق عليهم من تبديله بأمر آخر ، أو لبيان أن النسخ يكون كذلك كما قال تعالى : « ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها » (١) وسيأتي ما يؤيد الأول.

الحديث الرابع : صحيح.

واليمن بالضم البركة كالميمنة ، يمن كعلم وعني وجعل وكرم فهو ميمون

__________________

(١) سورة البقرة : ١٠٦.

٢٣٧

الرفق يمن والخرق شؤم.

٥ ـ عنه ، عن ابن محبوب ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن الله عز وجل رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه.

٧ ـ علي ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن عمرو بن أبي المقدام رفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال إن في الرفق الزيادة والبركة ومن يحرم الرفق يحرم الخير.

______________________________________________________

كذا في القاموس ، أي الرفق مبارك ميمون ، فإذا استعمل في أمر كان ذلك الأمر مقرونا بخير الدنيا والآخرة : والخرق بعكسه ، قال في القاموس : الخرق بالضم وبالتحريك ضد الرفق وأن لا يحسن الرجل العمل والتصرف في الأمور ، والحمق.

الحديث الخامس : ضعيف.

« يعطي على الرفق » من أجر الدنيا وثواب الآخرة.

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

وفي المصباح زان الشيء صاحبه زينا من باب سار ، وأزانه مثله ، والاسم الزينة وزينه تزيينا مثله ، والزين ضد الشين ، وقال : شأنه شينا من باب باع : عابه ، والشين خلاف الزين.

الحديث السابع : ضعيف.

« إن في الرفق الزيادة » أي في الرزق أو في جميع الخيرات والبركة والثبات فيها ، « ومن يحرم الرفق » على بناء المجهول أي منع منه ولم يوفق له حرم خيرات الدنيا والآخرة ، في القاموس : حرمة الشيء كضربه وعلمه حريما وحرمانا بالكسر منعه وأحرمه لغة والمحروم الممنوع من الخير ومن لا ينمي له مال ، والمحارف الذي لا يكاد يكتسب.

٢٣٨

٨ ـ عنه ، عن عبد الله بن المغيرة عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما زوي الرفق عن أهل بيت إلا زوي عنهم الخير.

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن علي بن المعلى ، عن إسماعيل بن يسار ، عن أحمد بن زياد بن أرقم الكوفي ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أيما أهل بيت أعطوا حظهم من الرفق فقد وسع الله عليهم في الرزق والرفق في تقدير المعيشة خير من السعة في المال والرفق لا يعجز عنه شيء والتبذير لا يبقى معه شيء إن الله عز وجل رفيق يحب الرفق.

______________________________________________________

الحديث الثامن : مرسل.

« ما زوي » على بناء المفعول أي نحي وأبعد ، في القاموس : زواه زيا وزويا نحاه فانزوى وسره عنه طواه ، والشيء جمعه وقبضه.

الحديث التاسع : ضعيف.

« أعطوا حظهم » أي أعطاهم الله نصيبا وافرا من الرفق ، أي رفق بعضهم ببعض أو رفقهم بخلق الله أو رفقهم في المعيشة بالتوسط من غير إسراف وتقتير أو الأعم من الجميع « فقد وسع الله عليهم في الرزق » لأن أعظم أسباب الرزق المداراة مع الخلق وحسن المعاملة معهم ، فإنه يوجب إقبالهم إليه ، مع أن الله تعالى يوفقه لا طاعة أمره لا سيما مع التقدير في المعيشة كما قال عليه‌السلام : والرفق في تقدير المعيشة أي في خصوص هذا الأمر أو معه بأن يكون « في » بمعنى « مع » وتقدير المعيشة يكون بمعنى التقتير كقوله تعالى « يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ » وبمعنى التوسط بين الإسراف والتقتير وهو المراد هنا « خير من السعة في المال » أي بلا تقدير وقوله عليه‌السلام : والرفق لا يعجز عنه شيء ، كأنه تعليل للمقدمتين السابقتين أي الرفق في تقدير المعيشة لا يضعف ولا يقصر عنه شيء من المال أو الكسب ، لأن القليل منهما يكفي مع التقدير والقدر الضروري قد ضمنه العدل الحكيم « والتبذير » أي الإسراف « لا يبقى معه شيء » من المال وإن كثر ، وقيل : أراد بقوله : الرفق لا يعجز عنه شيء وأن الرفيق يقدر على كل ما يريد بخلاف الأخرق

٢٣٩

١٠ ـ علي بن إبراهيم رفعه ، عن صالح بن عقبة ، عن هشام بن أحمر ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال قال لي وجرى بيني وبين رجل من القوم كلام فقال لي ارفق بهم ـ فإن كفر أحدهم في غضبه ولا خير فيمن كان كفره في غضبه.

١١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن حسان ، عن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال الرفق نصف العيش.

______________________________________________________

ولا يخفى ما فيه.

ثم قال : والسر في جميع ذلك أن الناس إذا رأوا من أحد الرفق أحبوه وأعانوه وألقى الله تعالى له في قلوبهم العطف والود فلم يدعوه يتعب أو يتعسر عليه أمره.

الحديث العاشر : ضعيف.

« فإن كفر أحدهم في غضبه » لأن أكثر الناس عند الغضب يتكلمون بكلمة الكفر وينسبون إلى الله سبحانه وإلى الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ما لا يليق بهم ، وأي خير يتوقع ممن لا يبالي عند الغضب من الخروج عن الإسلام واستحقاق القتل في الدنيا والعقاب الدائم في الآخرة. فإذا لم يبال بذلك لم يبال بشتمك وضربك وقتلك والافتراء عليك بما يوجب استئصالك.

ويحتمل أن يكون الكفر هنا شاملا لارتكاب الكبائر كما مر أنه أحد معانيه.

الحديث الحادي عشر : كالسابق.

« نصف العيش » أي نصف أسباب العيش الطيب لأن رفاهية العيش إما بكثرة المال والجاه وحصول أسباب الغلبة أو بالرفق في المعيشة والمعاشرة ، بل هذا أحسن كما مر ، وإذا تأملت ذلك علمت أنه شامل لجميع الأمور حتى التعيش في الدار والمعاملة مع أهلها فإن تحصيل رضاهم إما بالتوسعة عليهم في المال ، أو بالرفق معهم في كل حال وبكل منهما يحصل رضاهم ، والغالب أنهم بالثاني أرضي.

٢٤٠