مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٢

٢ ـ عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن إسحاق بن عمار وغيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي نجران ، عن مثنى الحناط ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من صدق لسانه زكى عمله.

______________________________________________________

وجماعة إلى التحريم ، والأخبار مختلفة وسيأتي تحقيقه في محله إنشاء الله ، وستأتي الأخبار في وجوب أداء الأمانة والوديعة إلى الكافر ، وإلى قاتل علي صلوات الله عليه.

الحديث الثاني : موثق.

وقال الجوهري : اغتر بالشيء خدع به ، وقال : اللهج بالشيء الولوع به ، وقد لهج به بالكسر يلهج لهجا إذا أغرى به فثابر عليه ، انتهى.

وحاصل الحديث أن كثرة الصلاة والصوم ليست مما يختبر به صلاح المرء وخوفه من الله تعالى ، فإنهما من الأفعال الظاهرة التي لا بد للمرء من الإتيان بها خوفا أو طمعا ورياء لا سيما للمتسمين بالصلاح فيأتون بها من غير إخلاص حتى يعتادونها ، ولا غرض لهم في تركها غالبا والدواعي الدنيوية في فعلها لهم كثيرة بخلاف الصدق والأمانة فإنهما من الأمور الخفية وظهور خلافهما على الناس نادر ، والدواعي الدنيوية على تركهما كثيرة فاختبروهم بهما ، لأن الآتي بهما غالبا من أهل الصلاح والخوف من الله مع أنهما من الصفات الحسنة التي تدعو إلى كثير من الخيرات ، وبهما يحصل كمال النفس وإن لم تكونا لله ، وأيضا الصدق يمنع كون العمل لغير الله فإن الرياء حقيقة من أقبح أنواع الكذب كما يومئ إليه الخبر الآتي.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« زكي عمله » أي يصير عمله بسببه زاكيا أي ناميا في الثواب لأنه إنما يتقبل الله من المتقين ، وهو من أعظم أركان التقوى ، أو كثيرا لأن الصدق مع الله يوجب

١٨١

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عمرو بن أبي المقدام قال قال لي أبو جعفر عليه‌السلام في أول دخلة دخلت عليه تعلموا الصدق قبل الحديث.

______________________________________________________

الإتيان بما أمر الله والصدق مع الخلق أيضا يوجب ذلك ، لأنه إذا سئل عن عمل هل يفعله؟ ولم يفعله لا يمكنه ادعاء فعله ، فيأتي بذلك ، ولعله بذلك يصير خالصا لله ، أو يقال لما كان الصدق لازما للخوف والخوف ملزوما لكثرة الأعمال فالصدق ملزوم لها ، أو المعنى طهر عمله من الرياء فإنها نوع من الكذب كما أشرنا إليه في الخبر السابق وفي بعض النسخ زكي على المجهول من بناء التفعيل بمعنى القبول ، أي يمدح الله عمله ويقبله ، فيرجع إلى المعنى الأول ويؤيده.

الحديث الرابع : ضعيف.

والدخلة مصدر كالجلسة وإن لم يذكر بخصوصه في اللغة « تعلموا الصدق » أي قواعده كجواز النقل بالمعنى ، ونسبة الحديث المأخوذ عن واحد من الأئمة إلى آبائه أو إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تبعيض الحديث وأمثال ذلك ، أو يكون تعلمه كناية عن العمل به والتمرن عليه على المشاكلة ، أو المراد تعلم وجوبه ولزومه وحرمة تركه « قبل الحديث » أي قبل سماع الحديث منا وروايته وضبطه ونقله ، وهذا يناسب أول دخوله فإنه كان مريدا لسماع الحديث منه عليه‌السلام ولم يسمع بعد هذا ما أفهمه.

وقيل فيه وجوه مبنية على أن المراد بالحديث التكلم لا الحديث بالمعنى المصطلح :

الأول : أن المراد التفكر في الكلام ليعرف الصدق وفيما يتكلم به ، ومثله قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : لسان العاقل وراء قلبه وقلب الأحمق وراء لسانه ، يعني أن العاقل يعلم الصدق والكذب أولا ويتفكر فيما يقول ثم يقول ما هو الحق والصدق ، والأحمق يتكلم ويقول من غير تأمل وتفكر فيتكلم بالكذب والباطل كثيرا.

الثاني : أن لا يكون قبل متعلقا بتعلموا ، بل يكون بدلا من قوله في أول دخلة.

١٨٢

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي كهمس قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ـ عبد الله بن أبي يعفور يقرئك السلام قال عليك وعليه‌السلام إذا أتيت عبد الله فأقرئه السلام وقل له إن جعفر بن محمد يقول لك انظر ما بلغ به علي عليه‌السلام عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فالزمه فإن عليا عليه‌السلام إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بصدق الحديث وأداء الأمانة.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي إسماعيل البصري ، عن فضيل بن يسار قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام يا فضيل إن الصادق أول من يصدقه الله عز وجل يعلم أنه صادق وتصدقه نفسه تعلم أنه صادق.

______________________________________________________

الثالث : أن يكون قبل متعلقا بقال أي قال عليه‌السلام ابتداء قبل التكلم بكلام آخر : تعلموا.

الرابع : أن يكون المعنى تعلموا الصدق قبل تعلم آداب التكلم من قواعد العربية والفصاحة والبلاغة وأمثالها.

ولا يخفى بعد الجميع لا سيما الثاني والثالث ، وكون ما ذكرنا أظهر وأنسب.

الحديث الخامس : مجهول.

« ما بلغ به علي عليه‌السلام » كان مفعول البلوغ محذوف ، أي انظر الشيء الذي بسببه بلغ علي عليه‌السلام عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المبلغ الذي بلغه من القرب والمنزلة ، وقوله بعد ذلك : ما بلغ به ، كأنه زيدت كلمة « به » من النساخ ، وليست في بعض النسخ ، وعلى تقديرها كان الباء زائدة ، فإنه يقال بلغت المنزل أو الدار ، وقد يقال بلغت إليه بتضمين ، فيمكن أن يكون الباء بمعنى إلى ، ويحتمل على بعد أن يكون قوله : فإن عليا تعليلا للزوم وضمير « به » راجعا إلى الموصول في ما بلغ به أولا ، وقوله : بصدق الحديث كلاما مستأنفا متعلقا بفعل مقدر أي بلغ ذلك بصدق الحديث.

الحديث السادس : مجهول ، والمضمون معلوم.

١٨٣

٧ ـ ابن أبي عمير ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إنما سمي إسماعيل صادق الوعد لأنه وعد رجلا في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة فسماه الله عز وجل صادق الوعد ثم [ قال ] إن الرجل أتاه بعد ذلك فقال له إسماعيل ما زلت منتظرا لك.

٨ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن سالم ، عن أحمد بن النضر الخزاز ، عن جده الربيع بن سعد قال قال لي أبو جعفر عليه‌السلام يا ربيع إن الرجل ليصدق حتى يكتبه الله صديقا.

______________________________________________________

الحديث السابع : حسن.

واختلف المفسرون في إسماعيل المذكور في هذه الآية ، قال الطبرسي (ره) :

هو إسماعيل بن إبراهيم وأنه كان صادق الوعد ، إذا وعد بشيء وفي به ولم يخلف ، وكان مع ذلك رسولا إلى جرهم نبيا رفيع الشأن ، عالي القدر ، قال ابن عباس : أنه واعد رجلا أن ينتظره في مكان ونسي الرجل فانتظره سنة حتى أتاه الرجل ، وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقيل : أقام ينتظره ثلاثة أيام عن مقاتل.

وقيل : إن إسماعيل بن إبراهيم مات قبل أبيه إبراهيم وإن هذا هو إسماعيل بن حزقيل ، بعثه الله إلى قوم فسلخوا جلدة وجهه وفروة رأسه فخيره الله فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضي بثوابه ، وفوض أمرهم إلى الله في عفوه وعقابه ، ورواه أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ثم قال في آخره : أتاه ملك من ربه يقرئه السلام ويقول : قد رأيت ما صنع بك وقد أمرني بطاعتك ، فمرني بما شئت ، فقال : يكون بي بالحسين أسوة.

الحديث الثامن : مجهول.

والصديق مبالغة في الصدق أو التصديق والإيمان بالرسول قولا وفعلا ، قال الطبرسي (ره) في قوله تعالى : « إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً » (١) أي كثير التصديق في أمور الدين عن الجبائي ، وقيل : صادقا مبالغا في الصدق فيما يخبر عن الله.

__________________

(١) سورة مريم : ٤١ ـ ٥٦.

١٨٤

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الوشاء ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن العبد ليصدق حتى يكتب عند الله من الصادقين ويكذب حتى يكتب عند الله من الكاذبين فإذا صدق قال الله عز وجل :

______________________________________________________

وقال الراغب : الصدق والكذب أصلهما في القول ماضيا كان أو مستقبلا وعدا كان أو غيره ، ولا يكونان بالقصد الأول إلا في القول ، ولا يكونان من القول إلا في الخبر دون غيره من أصناف الكلام ، وقد يكونان بالعرض في غيره من أنواع الكلام الاستفهام والأمر والدعاء ، وذلك نحو قول القائل : أزيد في الدار؟ فإن في ضمنه إخبارا بكونه جاهلا بحال زيد ، وكذا إذا قال : واسني ، في ضمنه أنه محتاج إلى المواساة ، وإذا قال : لا تؤذني ففي ضمنه أنه يؤذيه.

والصديق من كثر منه الصدق ، وقيل : بل يقال ذلك لمن لم يكذب قط ، وقيل : بل لمن لا يتأتى منه الكذب لتعوده الصدق ، وقيل : بل لمن صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله فالصديقون هم قوم دوين الأنبياء في الفضيلة وقد يستعمل الصدق والكذب في كل ما يحق ويحصل في الاعتقاد ، نحو صدق ظني وكذب ، ويستعملان في أفعال الجوارح ، فيقال : صدق في القتال إذا وفي حقه ، وفعل على ما يجب وكما يجب ، وكذب في القتال إذا كان بخلاف ذلك ، قال الله تعالى : « رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ » (١) أي حققوا العهد بما أظهروه من أفعالهم ، وقوله : « لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ » (٢) أي يسأل من صدق بلسانه عن صدق فعله تنبيها على أنه لا يكفي الاعتراف بالحق دون تحريه بالفعل.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور.

ويدل على رفعة درجة الصادقين عند الله ، وقال الراغب : البر التوسع في فعل

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٢٣.

(٢) سورة الأحزاب : ٨.

١٨٥

صدق وبر وإذا كذب قال الله عز وجل كذب وفجر.

١٠ ـ عنه ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع.

١١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم قال قال أبو الوليد حسن بن زياد الصيقل قال أبو عبد الله عليه‌السلام من صدق لسانه زكى عمله ومن حسنت نيته زيد في رزقه ومن حسن بره بأهل بيته مد له في عمره.

١٢ ـ عنه ، عن أبي طالب رفعه قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده فإن ذلك شيء اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته.

______________________________________________________

الخير ويستعمل في الصدق لكونه بعض الخيرات المتوسع فيه ، وبر العبد ربه : توسع في طاعته ، وقال : سمي الكاذب فاجرا لكون الكذب بعض الفجور.

الحديث العاشر : صحيح ، والضمير راجع إلى أحمد.

« بغير ألسنتكم » أي بجوار حكم وأعمالكم الصادرة عنها ، وإن كان اللسان أيضا داخلا فيها من جهة الأعمال لا من جهة الدعوة الصريحة ، والاجتهاد المبالغة في الطاعات والورع اجتناب المنهيات والشبهات كما مر.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

« ومن حسنت نيته » أي عزمه على الطاعات أو على إيصال النفع إلى العباد « أو سريرته » في معاملة الخلق بأن يكون ناصحا لهم غير مبطن لهم غشا وعداوة وخديعة ، أو في معاملة الله أيضا بأن يكون مخلصا ، ولا يكون مرائيا ولا يكون عازما على المعاصي ، ومبطنا خلاف ما يظهر من مخافة الله عز وجل ، والمراد بأهل بيته عياله أو الأعم منهم ومن أقاربه بالتوسعة عليهم وحسن المعاشرة معهم.

الحديث الثاني عشر : مرفوع.

والمراد بطول الركوع والسجود حقيقته أو كناية عن كثرة الصلاة والأول أظهر

١٨٦

باب الحياء

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة.

______________________________________________________

باب الحياء

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

والحياء ملكة للنفس توجب انقباضها عن القبيح وانزجارها عن خلاف الآداب خوفا من اللوم ، و « من » في قوله : من الإيمان ، إما سببية أي تحصل بسبب الإيمان ، لأن الإيمان بالله وبرسوله وبالثواب والعقاب وقبح ما بين الشارع قبحه يوجب الحياء من الله ومن الرسول ، ومن الملائكة وانزجار النفس من القبائح والمحرمات لذلك ، أو تبعيضية أي من الخصال التي هي من أركان الإيمان ، أو توجب كماله وقال الراوندي (ره) في ضوء الشهاب : الحياء انقباض النفس عن القبائح وتركها لذلك ، يقال : حيي يحيي حياء فهو حيي واستحيا فهو مستحيي ، واستحى فهو مستح ، والحياء إذا نسب إلى الله فالمراد به التنزيه ، وأنه لا يرضي فيوصف بأنه يستحي منه ، ويتركه كرما.

وما أكثر ما يمنع الحياء من الفواحش والذنوب ، ولذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحياء من الإيمان ، الحياء خير كله ، الحياء لا يأتي إلا بالخير ، فإن الرجل إذا كان حييا لم يرخص حياؤه من الخلق في شيء من الفواحش فضلا عن الحياء من الله ، وروى ابن مسعود أنه جاء قوم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : إن صاحبنا قد أفسده الحياء؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الحياء من الإسلام وإن البذاء من لؤم المرء ، انتهى.

« والإيمان في الجنة » أي صاحبه.

١٨٧

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الحسن الصيقل قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام الحياء والعفاف والعي أعني عي اللسان لا عي القلب من الإيمان.

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن مصعب بن يزيد ، عن العوام

______________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

والعفاف أي ترك المحرمات بل الشبهات أيضا ويطلق غالبا على عفة البطن والفرج ، وفي القاموس : عي بالأمر وعيي كرضي ، وتعايا واستعيا وتعيا لم يهتد لوجه مراده أو عجز عنه ولم يطق أحكامه ، وعيي في المنطق كرضى عيا بالكسر حصر ، وأعيى الماشي كل ، انتهى.

والمراد بعي اللسان ترك الكلام فيما لا فائدة فيه ، وعدم الاجتراء على الفتوى بغير علم ، وعلى إيذاء الناس وأمثاله وهذا ممدوح ، وعي القلب عجزه عن إدراك دقائق المسائل ، وحقائق الأمور وهو مذموم.

« من الإيمان » قيل : أي من قبيلة في المنع عن القبائح أو من أفراده أو من أجزائه ، أو من شيم أهله ومحاسنه التي ينبغي التخلق بها ، انتهى.

أقول : وروى الحسين بن سعيد في كتاب الزهد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن الصيقل قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام جالسا فبعث غلاما له أعجميا في حاجة إلى رجل فانطلق ثم رجع فجعل أبي عبد الله عليه‌السلام يستفهمه الجواب وجعل الغلام لا يفهمه مرارا ، قال : فلما رأيته لا يتعبر لسانه ولا يفهمه ظننت أن أبا عبد الله عليه‌السلام سيغضب عليه ، قال : وأحد أبو عبد الله عليه‌السلام النظر إليه ثم قال : أما والله لئن كنت عيي اللسان فما أنت بعيي القلب ، ثم قال : إن الحياء والعي عي اللسان لا عي القلب من الإيمان ، والفحش والبذاء والسلاطة من النفاق.

الحديث الثالث : ضعيف.

١٨٨

بن الزبير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من رق وجهه رق علمه.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن يحيى أخي دارم ، عن معاذ بن كثير ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال الحياء والإيمان مقرونان في قرن فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه.

______________________________________________________

والمراد برقة الوجه الاستحياء عن السؤال وطلب العلم ، وهو مذموم فإنه لا حياء في طلب العلم ، ولا في إظهار الحق ، وإنما الحياء عن الأمر القبيح ، قال تعالى : « وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ » (١) ورقة العلم كناية عن قلته ، وما قيل : إن المراد برقة الوجه قلة الحياء فضعفه ظاهر ، وفي القاموس : الرقة بالكسر الرحمة ، رققت له أرق والاستحياء والرقة ، رق يرق فهو رقاق ، انتهى.

واستعارة رقة الوجه للحياء شائع بين العرب والعجم ، وقيل : المراد برقة العلم الاكتفاء بما يجب ويحسن طلبه ، لا الغلو فيه بطلب ما لا يفيد بل يضر كعلم الفلاسفة ونحوه ، أو استعارة للإنتاج فإن الثوب الرقيق يحكي ما تحته أو يكون نسبة الرقة إلى العلم على المجاز ، والمراد رقة المعلوم أي يتعلق علمه بالدقائق والحقائق الخفية ، ولا يخفى ما في الجميع من التكلف والتعسف.

الحديث الرابع : مجهول.

وفي القاموس : القرن بالتحريك حبل يجمع به البعيران ، وخيط من سلب يشد به الفدان ، انتهى.

والغرض بيان تلازمهما ، ولا ينافي الجزئية ، ويحتمل أن يكون المراد هنا بالإيمان العقائد اليقينية المستلزمة للأخلاق الجميلة والأفعال الحسنة كما عرفت أنه أحد معانيه.

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٥٣.

١٨٩

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن الفضل بن كثير عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا إيمان لمن لا حياء له.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن بعض أصحابنا رفعه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحياء حياءان حياء عقل وحياء حمق فحياء العقل هو العلم وحياء الحمق هو الجهل.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن علي ، عن عبد الله بن إبراهيم ، عن علي بن أبي علي اللهبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربع من كن فيه وكان من قرنه إلى قدمه ذنوبا بدلها الله حسنات :

______________________________________________________

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور ومؤيد للسابق.

الحديث السادس : مرسل.

ويدل على انقسام الحياء إلى قسمين ، ممدوح ومذموم ، فأما الممدوح فهو حياء ناش عن العقل بأن يكون حياؤه وانقباض نفسه عن أمر يحكم العقل الصحيح أو الشرع بقبحه ، كالحياء عن المعاصي أو المكروهات ، وأما المذموم فهو الحياء الناشئ عن الحمق بأن يستحيي عن أمر يستقبحه أهل العرف من العوام ، وليست له قباحة واقعية يحكم بها العقل الصحيح والشرع الصريح كالاستحياء عن سؤال المسائل العلمية أو الإتيان بالعبادات الشرعية التي يستقبحها الجهال « فحياء العقل هو العلم » أي موجب لوفور العلم ، أو سببه العلم المميز بين الحسن والقبيح ، وحياء الحمق سببه الجهل وعدم التميز المذكور ، أو موجب للجهل لأنه يستحيى عن طلب العلم ، فهو مؤيد لما ذكرنا في الخبر الثالث.

الحديث السابع : ضعيف.

« بدلها الله حسنات » إشارة إلى قوله تعالى : « إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً

١٩٠

الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر.

______________________________________________________

صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً » (١) وقد قيل في هذا التبديل وجوه : « الأول » : أنه يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم « الثاني » أنه يبدل ملكة المعصية في النفس بملكة الطاعة « الثالث » أنه تعالى يوفقه لأضداد ما سلف منه «الرابع» أنه يثبت له بدل كل عقاب ثوابا.

ويؤيده ما رواه مسلم عن أبي ذر رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال : (٢) أعرضا عليه صغار ذنوبه ونحيا عنه كبارها ، فيقال : عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا ، وهو مقر لا ينكر وهو مشفق من الكبار ، فيقال : أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة ، فيقول : إن لي ذنوبا ما أراها ههنا؟ قال : ولقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضحك حتى بدت نواجذه.

وما رواه علي بن إبراهيم بإسناده عن الرضا عليه‌السلام قال : إذا كان يوم القيامة أوقف الله عز وجل المؤمن بين يديه ويعرض عليه عمله فينظر في صحيفته فأول ما يرى سيئاته فيتغير لذلك لونه وترتعد فرائصه ثم تعرض عليه حسناته فتفرح لذلك نفسه ، فيقول الله عز وجل : بدلوا سيئاتهم حسنات وأظهروها للناس ، فيبدل الله لهم فيقول الناس : أما كان لهؤلاء سيئة واحدة؟ وهو قوله تعالى : « يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ».

وأقول : أكثر الوجوه جارية في الخبر بأن يوفقه الله للتوبة والأعمال الصالحة فيبدل فسوقه بالطاعات ، أو مساوئ أخلاقه بمحاسنها أو يكتب له في القيامة بدل سيئاته حسنات.

__________________

(١) سورة الفرقان : ٧٠.

(٢) أي للملكان ، بقرينة ضمير التثنية في الأفعال الآتية.

١٩١

باب العفو

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبته ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة العفو عمن ظلمك وتصل من قطعك والإحسان إلى من أساء إليك وإعطاء من حرمك.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن يونس بن يعقوب ، عن غرة بن دينار الرقي ، عن أبي إسحاق السبيعي رفعه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألا أدلكم على خير أخلاق الدنيا والآخرة تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك.

______________________________________________________

باب العفو

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

والخلائق جمع الخليفة وهي الطبيعة ، والمراد هنا الملكات النفسانية الراسخة أي خير الصفات النافعة في الدنيا والآخرة ، وتصل في سائر الروايات وصلة وعلى ما هنا لعله مصدر أيضا بتقدير « أن » أو يقال : عدل إلى الجملة الفعلية التي هي في قوة الأمر لزيادة التأكيد ، والفرق بينها وبين الأولى أن القطع لا يستلزم الظلم بل أريد بها المعاشرة لمن اختار الهجران ، ويمكن تخصيصها بالرحم لاستعمال الصلة غالبا فيها ، والإحسان في مقابلة الإساءة أخص منهما ، لأن الإحسان يزيد على العفو ، والإساءة أخص من القطع الذي هو ترك المواصلة ، وكذا الحرمان غير الإساءة والقطع إذ يعتبر في الإساءة فعل ما يضره والقطع إنما هو في المعاشرة مع أنه يمكن أن يكون بعضها تأكيدا لبعض كما هو الشائع في الخطب والمواعظ.

الحديث الثاني : ضعيف.

١٩٢

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الله نشيب اللفائفي ، عن حمران بن أعين قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام ثلاث من مكارم الدنيا والآخرة تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتحلم إذا جهل عليك.

٤ ـ علي ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال سمعته يقول إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد ثم ينادي مناد أين أهل الفضل ـ قال فيقوم عنق من الناس فتلقاهم الملائكة فيقولون وما كان فضلكم فيقولون كنا نصل من قطعنا ونعطي من حرمنا ونعفو عمن ظلمنا قال فيقال لهم صدقتم ادخلوا الجنة.

______________________________________________________

الحديث الثالث : مجهول.

واللفائفي كأنه بياع اللفافة ، وفي القاموس : اللفافة بالكسر ما يلف به على الرجل وغيرها ، والجمع لفائف ، انتهى.

ويقال : جهل على غيره سفه.

الحديث الرابع : حسن موثق.

وفي القاموس : العنق بالضم وبضمتين وكأمير وصرد الجيد ، والجمع أعناق ، والجماعة من الناس والرؤساء ، انتهى.

والمراد بأهل الفضل أما أهل الفضيلة والكمال أو أهل الرجحان أو أهل التفضيل والإحسان « فيقال لهم » أي من قبل الله تعالى « صدقتم » أي في اتصافكم بتلك الصفات أو في كونها سبب الفضل أو فيهما معا وهو أظهر.

واعلم أن هذه الخصال فضيلة وأية فضيلة ، ومكرمة وأية مكرمة ، لا يدرك كنه شرفها وفضلها ، إذ العامل بها يثبت بها لنفسه الفضيلة ، ويرفع بها عن صاحبه الرذيلة

١٩٣

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن جهم بن الحكم المدائني ، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليكم بالعفو فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا فتعافوا يعزكم الله.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن أبي خالد القماط ، عن حمران ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال الندامة على العفو أفضل

______________________________________________________

ويغلب على صاحبه بقوة قلبه يكسر بها عدو نفسه ونفس عدوه ، وإلى هذا أشير في القرآن المجيد بقوله سبحانه : « ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » (١) يعني « السيئة « فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ » ثم أشير إلى فضلها العالي وشرفها الرفيع بقوله عز وجل : « وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ » يعني من الإيمان والمعرفة ، رزقنا الله الوصول إليها وجعلنا من أهلها.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« لا يزيد العبد إلا عزا » أي في الدنيا ردا على يسول الشيطان للإنسان بأن ترك الانتقام يوجب المذلة بين الناس ، وجرأتهم عليه ، وليس كذلك ، بل يصير سببا لرفعة قدره وعلو أمره عند الناس ، لا سيما إذا عفا مع القدرة ، وترك العفو ينجر إلى المعارضات والمجادلات والمرافعة إلى الحكام أو إلى إثارة الفتن الموجبة لتلف النفوس والأموال ، وكل ذلك مورث للمذلة ، والعزة الأخروية ظاهرة كما مر ، والتعافي عفو كل عن صاحبه.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور حسن عندي.

« الندامة على العفو أفضل » يحتمل وجوها : الأول : أن صاحب الندامة الأولى أفضل من صاحب الندامة الثانية وإن كانت الندامة الأولى أخس وأرذل.

الثاني : أن يكون الكلام مبنيا على التنزل ، أي لو كان في العفو ندامة فهي

__________________

(١) سورة فصّلت : ٣٤.

١٩٤

وأيسر من الندامة على العقوبة.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن سعدان ، عن معتب قال كان أبو الحسن موسى عليه‌السلام في حائط له يصرم فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارة من تمر فرمى بها وراء الحائط فأتيته وأخذته وذهبت به إليه فقلت جعلت فداك إني وجدت هذا وهذه الكارة فقال للغلام يا فلان قال لبيك قال أتجوع قال لا يا سيدي قال فتعرى قال لا يا سيدي قال فلأي شيء أخذت هذه قال اشتهيت ذلك قال اذهب فهي لك وقال خلوا عنه.

٨ ـ عنه ، عن ابن فضال قال سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول ما التقت فئتان قط إلا نصر أعظمهما عفوا.

______________________________________________________

أفضل وأيسر إذ يمكن تداركه غالبا ، بخلاف الندامة على العقوبة فإنه لا يمكن تدارك العقوبة بعد وقوعها غالبا ، فلا تزول تلك الندامة ، فيرجع إلى أن العفو أفضل فإنه يمكن إزالة الندامة بخلاف المبادرة بالعقوبة فإنه لا يمكن إزالة ندامتها وتداركها.

الثالث : أن يقدر مضاف فيهما مثل الدفع أو الرفع ، أي رفع تلك الندامة أيسر من رفع هذه.

الرابع : أن يكون المعنى أن مجموع تلك الحالتين أي العفو والندم عليه أفضل من مجموع حالتي العقوبة والندم عليها فلا ينافي كون الندم على العقوبة ممدوحا والندم على العفو مذموما ، إذ العفو أفضل من تلك الندم والعقوبة أقبح من هذا الندم وهذا وجه وجيه.

الحديث السابع : مجهول.

وصرم النخل جزه ، والفعل كضرب ، وفي القاموس : الكارة مقدار معلوم من الطعام ، ويدل على استحباب العفو عن السارق وترك ما سرقه له.

الحديث الثامن : موثق كالصحيح.

وأبو الحسن هو الرضا عليه‌السلام ويدل على أن نية العفو تورث الغلبة على الخصم.

١٩٥

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتي باليهودية التي سمت الشاة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لها ما حملك على ما صنعت فقالت قلت إن كان نبيا لم يضره وإن كان ملكا أرحت الناس منه قال فعفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنها.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ثلاث لا يزيد الله بهن المرء المسلم إلا عزا الصفح عمن ظلمه وإعطاء من حرمه والصلة لمن قطعه.

______________________________________________________

الحديث التاسع : كالسابق ويدل علي حسن العفو عن الكافر وإن أراد القتل وتمسك بحجة كاذبة ، وظاهر أكثر الروايات أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكل منها ولكن بإعجازه لم يؤثر فيه عاجلا ، وفي بعض الروايات أن أثره بقي في جسده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى توفي به بعد سنين ، فصار شهيدا فجمع الله له بذلك بين كرم النبوة وفضل الشهادة ، واختلف المخالفون في أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل قتلها أم لا؟ واختلفت رواياتهم أيضا في ذلك ، ففي أكثر روايات الفريقين أنه عفا عنها ولم يقتلها ، وقال بعضهم : أنه قتلها ، ورووا عن ابن عباس أنه دفعها إلى أولياء بشر وقد كان أكل من الشاة فمات فقتلوها ، وبه جمعوا بين الروايات.

الحديث العاشر : ضعيف.

١٩٦

باب كظم الغيظ

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان علي بن الحسين عليه‌السلام يقول ما أحب أن لي بذل نفسي حمر النعم وما تجرعت جرعة أحب إلي من جرعة غيظ لا أكافي

______________________________________________________

باب كظم الغيظ

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

وذل النفس بالكسر سهولتها وانقيادها ، وهي ذلول وبالضم مذلتها وضعفها وهي ذليل ، والنعم المال الراعي وهو جمع لا واحد له من لفظه ، وأكثر ما يقع على الإبل ، قال أبو عبيد : النعم الجمال فقط ، ويؤنث ويذكر ، وجمعه نعمان وإنعام أيضا ، وقيل : النعم الإبل خاصة ، والأنعام ذوات الخف والظلف وهي الإبل والبقر والغنم ، وقيل : تطلق الأنعام على هذه الثلاثة فإذا انفردت الإبل فهي نعم ، وإن انفردت البقر والغنم لم تسم نعما كذا في المصباح وقال الكرماني : حمر النعم بضم الحاء وسكون الميم أي أقواها وأجلدها ، وقال الطيبي : أي الإبل الحمر وهي أنفس أموال العرب ، وقال في المغرب : حمر النعم كرائمها وهي مثل في كل نفيس ، وقيل : الحسن أحمر ، انتهى.

وربما يقرأ النعم بالكسر جمع نعمة ، والحمرة كناية عن الحسن أي محاسن النعم والأول أشهر وأظهر.

والخبر يحتمل وجهين : « الأول » أن يكون الذل بالضم والباء للسببية أو المصاحبة أي لا أحب أن يكون لي مع ذل نفسي أو بسببه نفائس أموال الدنيا أقتنيها أو أتصدق بها لأنه لم يكن للمال عنده عليه‌السلام قدر ومنزلة ، وقال الطيبي : هو كناية عن خير الدنيا كله ، والحاصل أني ما أرضى أن أذل نفسي ولي بذلك كرائم الدنيا ،

١٩٧

بها صاحبها.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان وعلي بن النعمان ، عن عمار بن مروان ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال نعم الجرعة الغيظ لمن صبر عليها فإن عظيم الأجر لمن عظيم البلاء وما أحب الله قوما

______________________________________________________

ونبه عليه‌السلام بذكر تجرع الغيظ عقيب هذا علي أن في التجرع العز وفي المكافاة الذل كما مر وسيأتي ، أو المعنى مع أني لا أرضى بذل نفسي أحب ذلك لكثرة ثوابه وعظم فوائده والأول أظهر.

الثاني : أن يكون الذل بالكسر والباء للعوض ، أي لا أرضى أن يكون لي عوض انقياد نفسي وسهولتها وتواضعها ، أو بالضم أيضا أي المذلة الحاصلة عند إطاعة أمر الله بكظم الغيظ والعفو نفائس الأموال ، وقيل : التشبيه للتقريب إلى الأفهام وإلا قذرة من الآخرة خير من الأرض وما فيها.

قوله عليه‌السلام : وما تجرعت جرعة ، الجرعة من الماء كاللقمة من الطعام وهو ما يجرع مرة واحدة والجمع جرع كغرفة وغرف ، وتجرع الغصص مستعار منه وأصله الشرب من عجلة وقيل : الشرب قليلا وإضافة الجرعة إلى الغيظ من قبيل لجين الماء ، والغيظ صفة للنفس عند احتدادها موجبة لتحركها نحو الانتقام ، وفي الكلام تمثيل.

وقال بعض الأفاضل : لا يقال الغيظ أمر جبلي لا اختيار للعبد في حصوله فكيف يكلف برفعه؟ لأنا نقول : هو مكلف بتصفية النفس على وجه لا يحركها أسباب الغيظ بسهولة.

وأقول : على تقدير حصول الغيظ بغير اختيار فهو غير مكلف برفعه ولكنه بعدم العمل بمقتضاه فإنه باختياره غالبا وإن سلب اختياره فلا يكون مكلفا.

الحديث الثاني : صحيح.

« لمن عظيم البلاء » أي الامتحان والاختبار فإن الله تعالى ابتلى المؤمنين بمعاشرة

١٩٨

إلا ابتلاهم.

٣ ـ عنه ، عن علي بن النعمان ومحمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال اصبر على أعداء النعم فإنك لن تكافئ من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه.

٤ ـ عنه ، عن محمد بن سنان ، عن ثابت مولى آل حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كظم الغيظ عن العدو في دولاتهم تقية حزم لمن أخذ به وتحرز من التعرض

______________________________________________________

المخالفين والظلمة وأرباب الأخلاق السيئة وأمرهم بالصبر وكظم الغيظ وهذا من أشد البلاء وأشق الابتلاء.

الحديث الثالث : كالسابق.

والضمير لأحمد ولعل المراد بأعداء النعم الحاسدون الذين يحبون زوال النعم عن غيرهم فهم أعداء لنعم غيرهم يسعون في سلبها ، أو الذين أنعم الله عليهم بنعم وهم يطغون ويظلمون الناس فبذلك يتعرضون لزوال النعم عن أنفسهم فهم أعداء لنعم أنفسهم ، ويحتمل أن يكون المراد بالنعم الأئمة عليهم‌السلام « من عصى الله فيك » بالحسد وما يترتب عليه ، أو بالظلم والطغيان والأذى « من أن تطيع الله فيه » بالعفو وكظم الغيظ والصبر على أذاه كما قال تعالى : « وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ » الآية وفي صيغة التفضيل دلالة على جواز المكافاة بشرط أن لا يتعدى كما قال سبحانه « فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ » (١) وغيره ولكن العفو أفضل.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور ، وفي النهاية كظم الغيظ تجرعه واحتمال سببه والصبر عليه ، ومنه الحديث إذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع ، أي ليحبسه ما أمكنه ، وقال : الحزم ضبط الرجل أمره والحذر من فواته من قولهم حزمت الشيء أي شددته ، وفي القاموس الحزم : ضبط الأمر والأخذ فيه بالثقة ، وقال : المظاظة شدة

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٤.

١٩٩

للبلاء في الدنيا ومعاندة الأعداء في دولاتهم ومماظتهم في غير تقية ترك أمر الله فجاملوا الناس يسمن ذلك لكم عندهم ولا تعادوهم فتحملوهم على رقابكم فتذلوا.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن بعض أصحابه ، عن مالك بن حصين السكوني قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام ما من عبد كظم غيظا إلا زاده الله عز وجل عزا في الدنيا والآخرة وقد قال الله عز وجل : « وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ

______________________________________________________

الخلق وفظاظته ومظظته لمته. وماظظته مماظة ومماظا شاردته ونازعته ، والخصم لازمته وقال : جامله لم يصفه الإخاء بل ماسحة بالجميل له وأحسن عشرته ، قوله : يسمن ذلك عندهم ، كذا في أكثر النسخ من قولهم سمن فلان يسمن من باب تعب ، وفي لغة من باب قرب إذا كثر لحمه وشحمه كناية عن العظمة والنمو ويمكن أن يقرأ على بناء المفعول من الأفعال أو التفعيل ، أي يفعل الله ذلك مرضيا محبوبا عندهم ، وفي بعض النسخ يسمى على بناء المفعول من التسمية أي يذكر عندهم ويحمدونكم بذلك ، فيكون مرفوعا بالاستيناف البياني والحمل على الرقاب كناية عن التسلط والاستيلاء.

الحديث الخامس : مجهول.

« وقد قال الله » بيان لعز الآخرة لأنه تعالى قال في سورة آل عمران : « وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ » (١) قال البيضاوي : الممسكين عليه ، الكافين عن إمضائه مع القدرة ، من كظمت القربة إذا ملأتها وشددت رأسها ، وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا « وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ » التاركين عقوبة من استحقوا مؤاخذته « وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ » (١) يحتمل الجنس ويدخل تحته هؤلاء ، والعهد فيكون إشارة إليهم ، انتهى.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٣٤.

٢٠٠