رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

فإذاً الأقوى ما عليه الجماعة من الحرمة قبل المدّة.

وفيما بعدها أقوال مختلفة باختلاف الأنظار في الجمع بين أخبار المسألة ، أشهرها كما في الدروس (١) ، ولعلّه الظاهر من كلام الجماعة الجواز مع الكراهة ؛ استناداً في الثاني إلى الشبهة الناشئة من إطلاق النهي في النصوص المتقدّمة وكلام جماعة (٢).

وفي الأوّل إلى الأصل ، والعمومات ، والصحيح : قلت : وإن كانت حبلى فمالي منها إن أردت؟ قال : « لك ما دون الفرج إلى أن تبلغ في حبلها أربعة أشهر وعشرة أيّام فلا بأس بنكاحها في الفرج » (٣) الحديث. وبه يقيّد الإطلاق المتقدّم.

وفيه إشكال ، أوّلاً : بقصوره عن المقاومة لما تقدّم عدداً ، مع بُعد التقييد فيها جدّاً ، فإنّ أظهر أفراد الحبلى المنهي عن وطئها فيه هو من استبان حملها ، وليس إلاّ بعد انقضاء المدّة المزبورة غالباً ، وبذلك صرّح بعض أصحابنا (٤).

وثانياً : بمعارضته بكثير من المعتبرة المصرّحة بالمنع إلى حين الوضع ، كالصحيح : « في الوليدة يشتريها الرجل وهي حبلى ، قال : « لا يقربها حتى تضع ولدها » (٥).

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢٢٩.

(٢) منهم : الشيخ في التهذيب ٨ : ١٧٨ ، والاستبصار ٣ : ٣٦٣ ، والسبزواري في الكفاية : ١٠١.

(٣) التهذيب ٨ : ١٧٧ / ٦٢٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٤ / ١٣٠٥ ، الوسائل ٢١ : ٩٢ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨ ح ٣.

(٤) مجمع الفائدة ٨ : ٢٧٦.

(٥) الكافي ٥ : ٤٧٥ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٧٦ / ٦١٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٢ / ١٢٩٩ ، الوسائل ٢١ : ٩١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨ ح ١.

٨١

ونحوه النبوي المروي عن العيون : « نهى عن وطء الحبالى حتى يضعن » (١).

وحملهما على الكراهة فرع المكافأة ورحجان الاولى ، وليس ، لاعتضاد هذين بالأصل وإطلاق النصوص المتقدّمين ، وتأيّدهما بظاهر الصحيح الأوّل من حيث دلالته على انحصار الأمر بين الإباحة المطلقة ، كما دلّت عليه الآية الأُولى ، أو الحرمة كذلك ، كما صرّحت به الثانية ، وحيث ظهر لنا الحرمة في الجملة بالأدلّة السابقة تعيّن ترجيح الآية الثانية ، وهي في الحرمة إلى الوضع صريحة ، ولا آية هنا تدلّ على التفصيل بين المدّتين بالبديهة.

وثالثاً : بتطرّق الوهن إليه بخلوّه في الكافي من التحديد إلى الغاية (٢) ، بل الرواية فيه مطلقة وبالغاية غير مقيّدة ، وليست الشهرة بمجرّدها هنا توجب الرجحان والتقوية ، بحيث يتقوّى ويترجّح على تلك الأدلّة ، مع أنّ عبائر المقيّدين للحرمة بهذه المدّة مختلفة ، فبين من عبّر بنفس ما في الرواية (٣) ، ومن عبّر بالأربعة أشهر وأسقط الزيادة (٤).

فإذاً القول بالحرمة قويّ غاية القوّة ، وفاقاً للمفيد في المقنعة في باب لحوق الأولاد ، والفاضل في المختلف والمحقق الثاني والشهيد في اللمعة (٥) ، مع أنّه طريق الاحتياط في المسألة.

__________________

(١) عيون الأخبار ٢ : ٦٣ / ٢٧١ ، الوسائل ٢١ : ٩٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨ ح ٧.

(٢) انظر الكافي ٥ : ٤٧٤ / ١.

(٣) منهم : الشيخ في النهاية : ٤٩٦ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٨ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٥٩.

(٤) منهم : المفيد في المقنعة : ٥٤٤ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٢ وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ٣٠٠.

(٥) المقنعة : ٥٤٤ ، المختلف : ٥٧٢ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٥٤ ، اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ٣١٦.

٨٢

وهنا أقوال أُخر مداركها غير معلومة ، وإن كان يجمع بها النصوص المختلفة ؛ لخلوّها عن شاهد وقرينة.

ثم إنّ تخصيص العبارة الوطء بالقبل ظاهر الأكثر ، وادّعى عليه في الدروس الشهرة (١) ؛ ولعلّه للأصل ، واختصاص النصوص بحكم التبادر والغلبة به دون الدبر.

وقيل بإلحاقه به (٢) ؛ للإطلاق. وفيه ما مرّ.

ولورود النهي عن القرب الشامل لقربه في بعض الأخبار.

وفيه مضافاً إلى قصور السند وضعف الدلالة باحتمال إرادة الغالب مخالفة للإجماع والنصوص إن ابقي على عمومه ، وإلاّ فاللازم ترجيح ما يوافق الأصل من بين أفراده ، فتأمّل. ولا ريب أنّه أحوط.

( و ) اعلم أنّه ( لو وطئها ) أي الحامل المستبين حملها ( عزل ) استحباباً ، كما عن التحرير والقواعد (٣) ؛ ولعلّه لإشعار بعض النصوص الآتية به ، مع عدم دليل على وجوبه من أمر أو غيره عدا ما ربما يتوهّم من الأخبار الناهية عن وطئها ، وهو أعمّ من الأمر بالعزل جدّاً.

( ولو لم يعزل كره له بيع ولدها ) بل حرم ، وفاقاً لجماعة من قدمائنا ، كالمفيد والشيخ في النهاية وابن حمزة والحلبي والديلمي وابن زهرة العلوي (٤) مدّعياً عليه الإجماع ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى ظواهر النصوص الآتية.

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢٢٨.

(٢) التنقيح الرائع ٢ : ١٢٤.

(٣) التحرير ١ : ١٩١ ، القواعد ١ : ١٣٠.

(٤) المفيد في المقنعة : ٥٤٤ ، النهاية : ٥٠٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٨ ، الحلبي في الكافي : ٣٠١ ، الديلمي في المراسم : ١٥٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٢.

٨٣

( واستحب أن يعزل له من ميراثه قسطاً ) يعيش به ، ففي الموثّق المتقدّم صدره إلى قوله : « بئس ما صنع » قلت : فما تقول فيه؟ قال : « أعَزَلَ عنها أم لا؟ » فقلت : أجبني في الوجهين ، قال : « إن كان عزل عنها فليتّق الله سبحانه ولا يعود ، وإن كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد ولا يورثه ، ولكن يعتقه ويجعل له شيئاً من ماله يعيش به ، فإنّه غذّاه بنطفته » (١).

ونحوه في الأمر بالعتق خبران آخران (٢) ، ظاهرهما كالأوّل وجوب العتق ، من حيث الأمر به. بل في أحدهما أنّ عليه ذلك ، وهو كالصريح في الوجوب.

إلاّ أنّ ظاهر متأخّري الأصحاب كافّة وجمع من القدماء (٣) الاستحباب ؛ ولعلّه لقصور الأسانيد مع أصالة البراءة.

وفيهما مناقشة ، فإن كان إجماع ، وإلاّ فالوجوب لا يخلو عن قوّة ؛ لاعتبار سند الروايات ، سيّما الاولى ، واعتضاد بعضها ببعض ، لكن مخالفة الأصحاب مشكلة ، ولا ريب أنّ الوجوب أحوط.

( الرابعة : يكره التفرقة بين الأطفال وأُمّهاتهم حتى يستغنوا ) عنهنّ ، بلا خلاف ، بل سيأتي عن جماعة التصريح بالحرمة ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ، العاميّة والخاصيّة.

__________________

(١) راجع ص : ٨٠.

(٢) الأول : الكافي ٥ : ٤٨٨ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٧٩ / ٦٢٦ ، الوسائل ٢١ : ٩٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٩ ح ٢. الثاني : الكافي ٥ : ٤٨٧ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٧٨ / ٦٢٥ ، الوسائل ٢١ : ٩٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٩ ح ٣.

(٣) منهم : المفيد في المقنعة : ٥٤٤ ، والشيخ في النهاية : ٥٠٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٨.

٨٤

ففي النبوي : « من فرّق بين والدة وولدها فرّق الله تعالى بينه وبين أحبّته » (١).

وفي الصحيح : أنّه اشتريت لمولانا الصادق عليه‌السلام جارية من الكوفة.

فذهبت تقوم في بعض الحاجة ، فقالت : يا أُمّاه ، فقال عليه‌السلام لها : « ألكِ أُمّ؟ » قالت : نعم ، فأمر بها فردّت ، وقال : « ما أمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره » (٢).

وفي الخبر : الجارية الصغيرة يشتريها الرجل ، فقال : « إن كانت قد استغنت عن أبويها فلا بأس » (٣).

( و ) اختلف الأصحاب في ( حدّه ) أي الاستغناء ، فقيل : ( سبع سنين ) مطلقاً (٤) ( وقيل : أن يستغني عن الرضاع ) كذلك (٥) ، وقيل بالتفصيل بين الأُنثى فالأوّل ، والذكر فالثاني (٦) ، وقيل فيه أقوال أُخر مختلفة مبنيّة عند جماعة (٧) على الاختلاف في مدّة الحضانة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ترجيح الثالث ثمة.

إلاّ أنّه لا إشعار في شي‌ء من نصوص المسألة بشي‌ء من الأقوال‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٤٩ / ٢٠ ، المستدرك ١٣ : ٣٧٥ أبواب بيع الحيوان ب ١٠ ح ٤ ، وانظر مسند أحمد ٥ : ٤١٣ ، ومستدرك الحاكم ٢ : ٥٥.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٩ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٧٣ / ٣١٣ ، الوسائل ١٨ : ٢٦٤ أبواب بيع الحيوان ب ١٣ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٢١٩ / ٤ ، الوسائل ١٨ : ٢٦٥ أبواب بيع الحيوان ب ١٣ ح ٥.

(٤) قال به المحقق في الشرائع ٢ : ٥٩ ، والعلامة في القواعد ١ : ١٣٠ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة ٣ ) : ٣٢٨.

(٥) قال به العلامة في القواعد ١ : ١٣٠.

(٦) قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٥٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢١٠.

(٧) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٥٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢١٠.

٨٥

المزبورة ، بل هي بخلاف بعضها كالثاني ظاهرة الدلالة.

ولا يترك الاحتياط في المسألة ، سيّما على القول بالحرمة ، وقد أشار إليه بقوله : ( ومنهم من حرّم ) التفرقة ، كالإسكافي والمفيد والقاضي والديلمي وأحد قولي الطوسي والشهيدين والمحقق الثاني (١) ، وعن التذكرة عليه الشهرة (٢).

ولا يخلو عن قوّة ؛ لظواهر كثير من المعتبرة ، بل صريح بعضها ، ففي الصحيح : في الرجل يشتري الغلام والجارية وله أخ أو أُخت أو أب أو أُمّ بمصر من الأمصار ، قال : « لا يخرجه إلى مصر آخر [ إن كان صغيراً ] ولا تشتره ، وإن كان له أُمّ فطابت نفسها ونفسه فاشتره إن شئت » (٣).

وفيه : « بيعوهما جميعاً أو أمسكوهما جميعاً » (٤).

وفي الموثق كالصحيح : عن أخوين مملوكين هل يفرّق بينهما وبين المرأة وولدها؟ فقال : « لا ، هو حرام إلاّ أن يريدوا ذلك » (٥).

وهذه النصوص مع وضوح أسانيدها وقوّة دلالتها ظهوراً في الأوّلين‌

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٨١ ، المفيد في المقنعة : ٥٤٥ ، القاضي في المهذب ١ : ٣١٨ ، الديلمي في المراسم : ١٧٧ ، الطوسي في النهاية : ٤١٠ ، الشهيدين في اللمعة والروضة البهية ٣ : ٣١٨ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٥٧.

(٢) التذكرة ١ : ٥٠١.

(٣) الكافي ٥ : ٢١٩ / ٥ ، الفقيه ٣ : ١٤٠ / ٦١٦ ، التهذيب ٧ : ٦٧ / ٢٩٠ ، الوسائل ١٨ : ٢٦٣ أبواب بيع الحيوان ب ١٣ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ٢١٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٣٧ / ٥٩٩ ، التهذيب ٧ : ٧٣ / ٣١٤ ، الوسائل ١٨ : ٢٦٤ أبواب بيع الحيوان ب ١٣ ح ٢.

(٥) الكافي ٥ : ٢١٨ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٧ / ٦٠٠ ، التهذيب ٧ : ٧٣ / ٣١٢ ، الوسائل ١٨ : ٢٦٥ أبواب بيع الحيوان ب ١٣ ح ٤.

٨٦

من حيث النهي والأمر ، وصراحة في الثالث من حيث التصريح بلفظ التحريم الناصّ على المنع معتضدة بفتوى عظماء الطائفة ، والشهرة المحكية ، بل المتحققة ، مع سلامتها عمّا يصلح للمعارضة عدا الأصل والعمومات المثبتين للمالك السلطنة. ويخصّصان بما مرّ من الأدلّة.

وليس في النبوي وتاليه مع قصور سند الأوّل ما ينافيه أيضاً نصّاً ، بل ولا ظهوراً ، بل ربما كان فيهما سيّما الأوّل إشعار بالتحريم جدّاً.

فالقول بالكراهة كما هنا وفي الشرائع والقواعد والإرشاد والمختلف والسرائر (١) ضعيف ، كتخصيص الحكم كراهةً أو تحريماً في العبارة وغيرها بالأُمّ وولدها ، وتعميمه لصورتي المراضاة بالفرقة وعدمها.

بل الأصلح التعدية إلى غير الام من الأرحام المشاركة لها في الاستيناس والشفقة كالأب والأخ والأُخت والعمّة والخالة ، وفاقاً للإسكافي وجماعة (٢) ؛ لتصريح الصحيح الأوّل والموثّق بمن عدا الأخيرين ، وظهور الحكم فيهما بعدم القائل بالفرق ، مع قوّة احتمال قطعيّة المناط في المنع هنا.

وتخصيص (٣) المنع بصورة عدم المراضاة ؛ لتصريح الخبرين بالجواز فيما عداها ، مضافاً إلى الأصل ، واختصاص النصوص المانعة غيرهما بحكم التبادر وغيره بالصورة الأُولى.

ومنه يظهر الوجه في عدم تعدية الحكم إلى البهيمة ، بل يجوز التفرقة بينهما بعد الاستغناء عن اللبن مطلقاً ، وقبله إن كان ممّا يقع عليه الزكاة ، أو‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٥٩ ، القواعد ١ : ١٣٠ ، الإرشاد ١ : ٣٦٦ ، المختلف : ٣٨١ ، السرائر ٢ : ٣٤٧.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٨١ ؛ وانظر الجامع للشرائع : ٢٦٣ ، والدروس ٣ : ٢٢٦ ، وجامع المقاصد ٤ : ١٥٨ ، والمسالك ١ : ٢١٠ ، ومفاتيح الشرائع ٣ : ٤٢.

(٣) عطف على التعدية.

٨٧

كان له ما يمونه من غير لبن امّه.

قيل : وموضع الخلاف بعد سقي الأُمّ اللبأ ، أمّا قبله فلا يجوز مطلقاً ؛ لما فيه من التسبيب إلى هلاك الولد ، فإنّه لا يعيش بدونه ، على ما صرّح به جماعة (١).

( الخامسة : إذا وطئ المشتري الأمة ) المبتاعة جهلاً منه بالغصبية ( ثم بان استحقاقها ) لغير البائع بالبيّنة ونحوها ( انتزعها ) المالك ( المستحق ) لها ، اتّفاقاً ، فتوًى ونصّاً مستفيضاً ، منها الصحيح : في وليدة باعها ابن سيّدها وأبوه غائب ، فاستولدها الذي اشتراها إلى أن قال ـ : « الحكم أن يأخذ وليدته وابنها » (٢) ونحوه الموثّق وغيره ممّا سيأتي (٣).

( وله ) أي للمالك على المشتري ( عقرها ) أي ( نصف العشر ) من ثمنها ( إن كانت ثيّباً ، والعشر ) منه ( إن كانت ) حين الوطء ( بكراً ) على الأشهر الأقوى ، بل عليه الإجماع في الخلاف (٤) ؛ عملاً بالمعتبرة الواردة في التحليل ، كالصحيح أرأيت إن أحلّ له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضّها ، قال : « لا ينبغي له ذلك » قلت : فإن فعل ، أيكون زانياً؟ قال : « لا ، ويكون خائناً ويغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكراً ، وإن لم تكن بكراً فنصف عشر قيمتها » (٥).

__________________

(١) منهم : العلاّمة في التذكرة ١ : ٥٠١ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٥٨ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٣١٨.

(٢) التهذيب ٧ : ٧٤ / ٣١٩ ، الإستبصار ٣ : ٨٥ / ٢٨٨ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٨ ح ١.

(٣) في ص : ٩٠.

(٤) الخلاف ٣ : ١٥٨.

(٥) الكافي ٥ : ٤٦٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٨٩ / ١٣٧٧ ، التهذيب ٧ : ٢٤٤ / ١٠٦٤ ، الوسائل ٢١ : ١٣٢ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٥ ح ١.

٨٨

وفي تزويج الأمة المدلّسة نفسها بالحرّة ، كالصحيح : في رجل تزوّج بامرأة فوجدها أمة دلّست نفسها ، قال : « إن كان الذي زوّجها إيّاه من غير مواليها فالنكاح فاسد » قلت : كيف يصنع بالمهر إلى أن قال ـ : « وإن زوّجها إيّاه وليّ لها ارتجع على وليّها بما أخذته منه ، ولمواليها عشر قيمتها إن كانت بكراً ، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحلّ من فرجها » قلت : فإن جاءت منه بولد؟ قال : « أولادها منه أحرار » (١) الحديث.

ومغايرة المورد للمقام مدفوعة باتّحاد طريق المسألتين ، وبإشعار الثاني بالعموم وانسحاب الحكم في البين لوجهين ، أجودهما تعقيبه بما هو كالتعليل له من استحلال الفرج المتحقق هنا ، وثانيهما الفحوى ، كما استدلّ به لذلك بعض أصحابنا (٢).

( وقيل : ) كما عن الطوسي والحلّي (٣) أنّه ( يلزمه مهر أمثالها ) لأنّه القاعدة الكلّية في عوض البضع ، وأنّه بمنزلة قيمة المثل في غيره.

وهو حسن لولا ما مرّ من الدليل المعتضد بعمل الأكثر.

ولا فرق في ثبوت العقر أو المهر بالوطء بين علم الأمة بعدم صحة البيع وجهلها ، على أصحّ القولين ، وهو الذي يقتضيه إطلاق العبارة وغيرها ؛ لأنّ ذلك حقّ للمولى ، و ( لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ).

وفي الدروس : لا يرجع عليه بالمهر إلاّ مع الإكراه ؛ استناداً إلى أنّه لا مهر لبغيّ (٤).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٤٢٢ / ١٦٩٠ ، الإستبصار ٣ : ٢١٦ / ٧٨٧ ، الوسائل ٢١ : ١٨٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦٧ ح ١.

(٢) مجمع الفائدة ٨ : ٢٨٩ ، الحدائق ١٩ : ٤٥٢.

(٣) الطوسي في المبسوط ٣ : ١٠٢ ، الحلي في السرائر ٢ : ٣٤٧.

(٤) الدروس ٣ : ١١٥ ، وانظر ص ٢٣٠.

٨٩

ويضعّف بما مرّ ، وأنّ المهر المنفي مهر الحرّة بظاهر الاستحقاق المستفاد من اللام في لبغيّ ، ونسبة المهر ، ومن ثمّ يطلق عليها المهيرة.

( وعليه ) اجرة المنافع المستوفاة له منها و ( قيمة الولد ) إن كان قد أولَدَها ( يوم سقط حيّاً ) لأنّه نماء ملكه فيتبعه. وإنّما عدل إلى القيمة مع اقتضاء الأصل الرقبة ؛ لما دلّ على أنّ الولد يتبع الأشرف ، من المعتبرة المستفيضة (١).

مضافاً إلى خصوص الموثق : في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجي‌ء مستحق الجارية ، فقال : « يأخذ الجارية المستحق ، ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ، ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أُخذت منه » (٢).

وللمرسل كالصحيح على الصحيح : في رجل اشترى جارية فأولَدَها فوجدت الجارية مسروقة ، قال : « يأخذ الجارية صاحبها ويأخذ الرجل ولده بقيمته » (٣).

ونحوهما الخبر (٤) الذي قصور سنده بالجهالة منجبر بفتوى الأكثر ، بل الإجماع كما في الخلاف (٥).

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ١٢١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٠.

(٢) التهذيب ٧ : ٨٢ / ٣٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٨٤ / ٢٨٥ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٨ ح ٥.

(٣) الكافي ٥ : ٢١٥ / ١٠ ، التهذيب ٧ : ٦٥ / ٢٨٠ ، الإستبصار ٣ : ٨٤ / ٢٨٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٨ ح ٣.

(٤) الكافي ٥ : ٢١٦ / ١٣ ، التهذيب ٧ : ٦٤ / ٢٧٦ ، الإستبصار ٣ : ٨٤ / ٢٨٧ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٨ ح ٢.

(٥) الخلاف ٣ : ١٥٩.

٩٠

خلافاً للمفيد ، فحكم برقّية الولد (١) ؛ وله الصحيح المتقدّم (٢).

وحمله الشيخ على أنّ المراد بالولد قيمته ، إقامةً للمضاف إليه مقام المضاف (٣) ؛ جمعاً بينه وبين ما مرّ (٤) وغيره ، كالخبر : رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولاداً ، ثم أتاها من يزعم أنّها له ، وأقام على ذلك البيّنة ، قال : « يقبض ولده ، ويدفع إليه الجارية ويعوّضه من قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها » (٥) فإنّ المراد بقبض الولد قبضه بالقيمة.

( و ) يستفاد من الموثّق الوجه في أنّه يجوز للمشتري أن ( يرجع بالثمن وقيمة الولد ) اللذين غرمهما للمالك ( على البائع ) الغارّ له مع جهله.

ولو كان عالماً باستحقاقها حال الانتفاع لم يرجع بشي‌ء.

ولو علم مع ذلك بالتحريم كان زانياً والولد رقّ ؛ لأنّه نماء ملكه فيتبعه ، وللصحيح : « في رجل أقرّ على نفسه أنّه غصب جارية فولدت الجارية من الغاصب ، قال : « تردّ الجارية والولد على المغصوب إذا أقرّ بذلك الغاصب أو كانت عليه بيّنة » (٦).

__________________

(١) المقنعة : ٦٠١.

(٢) في ص : ٨٨.

(٣) الاستبصار ٣ : ٨٥.

(٤) وادّعى في المبسوط ( ٣ : ١٠٢ ) والخلاف ( ٣ : ١٥٩ ) الإجماع على انعقاد الولد على الحرّية فيضعّف به ما ذكره المفيد من الرقيّة. ( منه رحمه‌الله ).

(٥) التهذيب ٧ : ٨٣ / ٣٥٧ ، الإستبصار ٣ : ٨٥ / ٢٨٩ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٨ ح ٤.

(٦) الكافي ٥ : ٥٥٦ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٤٨٢ / ١٩٣٦ ، الوسائل ٢١ : ١٧٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦١ ح ١.

٩١

وعليه الحدّ بموجب الزنا ، والمهر اتّفاقاً ؛ لفحوى ما مضى.

ولو اختلف حاله بأن كان جاهلاً عند البيع ثم تجدّد له العلم رجع بما غرمه حال الجهل وسقط الباقي.

( وفي رجوعه بالعُقر ) مع الجهل ( قولان ) من أنّ المغرور يرجع على من غرّه بما لا يحصل في مقابلته نفع كالعمارة والنفقة ونحوهما ، أمّا ما حصل له في مقابلته نفع كالثمرة والسكنى وعوض البضع فلا.

ومن أنّه دخل على إباحة هذه الأشياء بغير عوض ، فإذا غرم عوضها رجع به المغرور على من غرّه.

و ( أشبههما ) عند الماتن هنا وغيره (١) ( الرجوع ) إمّا لما مرّ ، أو لفحوى الرجوع بقيمة الولد المستلزم ثبوته فيه مع كونه نفعاً عظيماً في مقابلة الثمن المدفوع جدّاً إيّاه هنا بطريق أولى ، فتأمّل.

( السادسة : يجوز ابتياع ما يسبيه الظالم ) مطلقاً ، مسلماً كان أم كافراً ( وإن كان للإمام بعضه ) فيما لو أُخذ غيلة ونحوها ممّا لا قتال فيه ، فإنّه لآخذه وعليه الخمس ( أو كلّه ) فيما لو أُخذ بالقتال بغير إذن منه عليه‌السلام ، فإنّه حينئذٍ بأجمعه له عليه‌السلام على الأظهر الأشهر ، بل عن الخلاف والحلّي الإجماع عليه (٢) خلافاً للماتن ، فجعله كالأوّل (٣).

ومن هنا ينقدح وجه احتمال كون الترديد بسبب الخلاف في أنّ المغنوم بغير إذن الإمام هل هو له ، كما هو المشهور ووردت به الرواية (٤) ،

__________________

(١) الماتن في الشرائع ٢ : ٥٩ ؛ وانظر الدروس ٣ : ٢٣٠. والتنقيح الرائع ٢ : ١٢٧ ، والروضة ٣ : ٣٢٧.

(٢) الخلاف ٤ : ١٩٠ ، الحلي في السرائر ٢ : ٣٤٨.

(٣) المختصر النافع : ٦٤.

(٤) التهذيب ٤ : ١٣٥ / ٣٧٨ ، الوسائل ٩ : ٥٢٩ أبواب الأنفال ب ١ ح ١٦.

٩٢

أم لآخذه وعليه الخمس ، نظراً إلى قطع الرواية؟

وكيف ما كان ، لا خلاف في إباحة التملّك له حال الغيبة للشيعة ، وأنّه لا يجب إخراج حصّة الموجودين من الهاشمييّن ؛ لإباحة الأئمّة عليهم‌السلام ذلك لتطيب مواليدهم كما في النصوص المستفيضة (١) المتّفق عليها بين الطائفة ، كما حكاه جماعة (٢).

وتمام الكلام في المسألة يطلب من كتاب الخمس ، فإنّه محلّه.

ولا ريب في ثبوت الرخصة لنا.

وأمّا غيرنا فعن الأصحاب وبه صرّح جماعة (٣) أنّه تقرّ يده عليه ويحكم له بظاهر الملك ؛ للشبهة الناشئة عن اعتقادهم الملكيّة كتملّك الخراج والمقاسمة ، فلا يؤخذ منه من دون رضاه مطلقاً ، لا سرّاً ولا علانيةً.

فإن كان إجماع ، وإلاّ فما ذكروه محلّ ريبة ومناقشة ، فإنّ ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب اختصاص الإباحة له بالشيعة وحصول التملّك لهم بمجرّد الاستيلاء عليه ولو من دون بذل عوض.

إلاّ أن يقال : إنّ هذه يد ظاهراً ، ولا بدّ من بذل عوضٍ في مقابلها ، فيكون استنقاذاً لا بيعاً حقيقة. ولكنّه كما ترى ، والاحتياط لا يخفى.

( ولو اشترى أمةً سرقت من أرض الصلح ردّها على البائع واستعاد ثمنها ) منه إن كان حيّاً ( فإن مات ) البائع ( ولا عقب ) ولا وارث ( له سَعَتِ الأمة في ) ثمن ( رقبتها على رواية مسكين السمّان ) (٤) الصحيحة‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٩ : ٥٤٣ أبواب الأنفال ب ٤.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢١٠ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٢٨٢ ٢٨٣ ، والسبزواري في الكفاية : ١٠٢ ، وصاحب الحدائق ١٩ : ٤٦٢.

(٣) منهم : الشهيد الأول في الدروس ٣ : ٢٣٣ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٣١ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢١٢.

(٤) التهذيب ٧ : ٨٣ / ٣٥٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٧٧ أبواب بيع الحيوان ب ٢٣ ح ١.

٩٣

إليه ، القاصرة بجهالته ، ولكن عمل بها النهاية وتبعه القاضي والشهيد الأوّل (١).

وفيها مضافاً إلى القصور بالجهالة مع عدم جابر لها في المسألة مخالفتها للقواعد المقرّرة ، إحداها : وجوب الردّ على البائع أو وارثه مع فقده ، فإنّه غير مالك ولا ذو يد شرعيّة ، فكيف يجوز تسليم المال المعصوم إليه ، بل لا يجوز بالضرورة.

وثانيتها : أنّ استسعاءها في الثمن المدفوع إلى البائع كما فيها يقتضي أخذه من غير آخذه ، لأنّ ما بيدها لمالكها.

وما ربما يعتذر به عن الأوّل : بأنّ البائع لم يثبت كونه سارقاً ، ويده أقدم ، ومخاطبته بالردّ ألزم ، خصوصاً مع بُعد دار الكفر.

وعن الثاني : بأن مال الحربي في‌ء في الحقيقة وبالصلح صار محترماً احتراماً عرضيا ، فلا يعارض ذهاب مال محترم احتراماً حقيقيّا.

مضعّف ، فالأوّل : بأنّ يده إن كانت شرعية فالبيع صحيح ماضٍ ولا ردّ ، وإن كانت يد عدوان لم يجز التسليم إليه ، ومخاطبته بالردّ لا تقتضي جواز تسليم مَن هي في يده وإن وجب عليه السعي في ذلك ، فإنّ له طريقاً إليه ، إمّا بمراجعة المالك أو الحاكم.

والثاني : بأنّ الاحترام يقتضي عصمة المال ، ولا تفاوت في ذلك بين كون الاحترام حقيقيّا أو عرضيّاً ، والمتلِف للمال المحترم ليس هو مولى الجارية حقيقة ، بل الذي غرّه ، والمغرور يرجع على الغارّ لا من لم يغرّه لا مباشرةً ولا تسبيباً ، وحقيقة الحال أنّ كلاًّ منهما مظلوم بضياع ماله ،

__________________

(١) النهاية : ٤١٤ ، القاضي في الكامل نقله عنه في المختلف : ٣٨٤ ، الشهيد الأوّل في الدروس ٣ : ٢٣٢.

٩٤

ولا يرجع أحد المظلومين على الآخر ، بل على ظالمه.

( و ) لما ذكرنا ( قيل : ) كما عن الحلّي (١) ( يحفظها كاللقطة. ولو قيل تدفع إلى الحاكم ولا تكلّف ) الأمة ( السعي ) لأداء الثمن ( كان حسناً ) لكن لا مطلقاً ، بل يجب التسليم إلى المالك أو وكيله ، فإن تعذّر الوصول إليهما فإلى الحاكم. ويمكن تنزيل الإطلاق عليه بحمله على تعذّر الوصول إلى المالك ومن في حكمه ، ولعلّه الغالب ، لبعد دار الكفر.

وصار إلى هذا القول كثير من المتأخّرين (٢) ، ووجهه واضح ممّا قرّرناه.

وظاهره كسابقه أنّ الدفع إلى الحاكم إنّما هو لكونه وليّاً عن الغائب ، وأنّه يجب إيصاله إليه.

خلافاً لتوهّم بعض من تأخّر (٣) ، فحسب أنّ ذلك من حيث كونه نائباً عن الإمام ، وأنّ الجارية له عليه‌السلام يجب عليه إيصاله إلى مصارفه. وليس في كلام الجماعة ما يوجب التوهّم ، بل عبائر جملة منهم بخلافه مصرّحة ، ومتعلّق الموت في الرواية ليس هو المالك بالضرورة بل إنّما هو البائع خاصّة.

( السابعة : إذا دفع ) رجل ( إلى ) عبد لغيره ( مأذون ) منه للتجارة ( مالاً ليشتري نسمة ويعتقها ) عنه ( ويحجّ ) عنه ( ببقيّة المال ، فاشترى )

__________________

(١) انظر السرائر ٢ : ٣٥٦.

(٢) كالمحقق في الشرائع ٢ : ٦١ ، والعلاّمة في المختلف : ٣٨٤ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ١٣٠ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٤٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢١٢ ، والروضة ٣ : ٣٤٦.

(٣) الشهيد في الدروس ٣ : ٢٣٣ ، مجمع الفائدة ٨ : ٢٩١.

٩٥

المأذون أباه ( وتحاقَّ ) أي تخالف في الحق كلّ من ( مولاه ومولى الأب ) المعتق ( وورثة الآمر بعد العتق والحج ، وكل يقول : اشترى ) العبد ( بمالي ، ففي رواية ابن أشْيَم ) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الياء المنقطة تحتها نقطتين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، الواردة في القضيّة (١) أنّه ( مضت الحَجّة ويردّ المعتق على مولاه رقّاً ، ثم أيّ الفريقين أقام البيّنة كان له رقّاً ).

( وفي السند ضعف ) بجهالة الراوي ، أو غلوّه كما حكم به الشهيد الثاني وفاقاً للمحقق الثاني (٢).

وفي المتن مخالفة لأُصول المذهب من حيث اشتماله على الأمر بردّ العبد إلى مولاه مع اعترافه ببيعه ودعواه فساده ، ومدّعي الصحة مقدّم ؛ وعلى مضيّ الحَجّة ، مع أنّ ظاهر الأمر حجّة بنفسه ولم يفعل ؛ وعلى مجامعة صحة الحج لعوده رقّاً ، وقد حجّ بغير إذن السيد.

وما يعتذر به عن الأوّل : بأنّ المأذون بيده مال لمولى الأب وغيره ، وبتصادم الدعاوي المتكافئة يرجع إلى أصالة بقاء الملك على مالكه ، وأنّه لا يعارضه فتواهم بتقديم دعوى الصحة على الفساد ، لأنّها مشتركة بين متقابلين متكافئين هما مولى المأذون وورثة الآمر فتساقطا.

مضعّف بمنع تكافئها ، مع كون من عدا مولاه خارجاً ، والداخل متقدّم ، فسقطا دونه ، ولم يتمّ الأصل ، وهو بقاء الملك.

ومنه يظهر عدم تكافؤ الدعويين الأُخريين ، لخروج الآمر وورثته عمّا‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٦٢ / ٢٠ ، التهذيب ٧ : ٢٣٤ / ١٠٢٣ ، الوسائل ١٨ : ٢٨٠ أبواب بيع الحيوان ب ٢٥ ح ١.

(٢) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢١٠ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٤٤.

٩٦

في يد المأذون التي هي بمنزلة يد سيّده ، والخارجة لا تكافئ الداخلة ، فتقدّم ، وإقرار المأذون بما في يده لغير المولى غير مسموع.

فالاعتذار ضعيف ، كالاعتذار بحمل الرواية على إنكار مولى الأب البيع لا فساده ، هرباً من تقديم مدّعي الفساد ، والتجاءً إلى تقديم منكر بيع عبده ؛ لمنافاته لمنطوق الرواية ومفروض عبائر الجماعة الدالّين على دعوى كونه اشترى بماله.

( و ) لما ذكرنا حصل ( في الفتوى اضطراب ) واختلاف ، فبين من عكف على ظاهر الرواية ، كالقاضي والنهاية (١). والمناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.

وبين من حكم لمولى المأذون بعد حلفه باسترقاق العبد المعتق ؛ لأنّ يده على ما بيد المأذون ، فيكون قوله مقدّماً على من خرج عند عدم البيّنة. ذهب إليه الماتن في الشرائع ، والفاضل في المختلف والقواعد ، والشهيدان في الروضتين والمسالك ، والمحقق الثاني في شرح القواعد ، تبعاً للحلّي (٢).

وعليه لا فرق بين كون العبد الذي أعتقه المأذون أباً له أو لا ، وإن كانت الرواية تضمّنت الأوّل ؛ لاشتراكهما في المعنى المقتضي لترجيح قول ذي اليد.

ولا بين دعوى مولى الأب شراءه من ماله ، بأن يكون قد دفع للمأذون مالاً يتّجر به فاشترى أباه من سيّده بماله ، وعدمه ؛ لأنّه على‌

__________________

(١) نقله عن القاضي في المختلف : ٣٨٤ ، النهاية : ٤١٤.

(٢) الشرائع ٢ : ٦٠ ، المختلف : ٣٨٥ ، القواعد ١ : ١٢٩ ، اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ٣٣٠ ، المسالك ١ : ٢١٠ ، جامع المقاصد ٤ : ١٤٣ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٣٥٧.

٩٧

التقدير الأوّل يدّعي فساد البيع ، ومدّعي صحته مقدّم ، وعلى الثاني خارج ، لمعارضة يده القديمة يد المأذون الحادثة فتقدّم ، والرواية تضمّنت الأوّل.

ولا بين استيجاره على حجّ وعدمه ؛ لعدم مدخليته لذلك في الترجيح ، وإن كانت الرواية تضمّنت الأوّل.

( و ) ذكر الماتن هنا وتبعه ابن فهد في الشرح (١) أنّه ( يناسب الأصل ) في نحو المسألة ( الحكم بإمضاء ما فعله المأذون ما لم تقم بيّنة تنافيه ) وكأنّه يريد بالأصل أصالة صحّة ما فعل من شراء وعتق وحجّ وغيرها.

قال في الدروس : وهو قويّ إذا أقرّ بذلك ؛ لأنّه في معنى التوكيل ، إلاّ أنّ فيه طرحاً للرواية المشهورة (٢).

ويضعّف أوّلاً : بأنّ إقرار الوكيل إنّما يعتبر إذا لم يكن إقراراً على الغير ، ومعلوم أنّ إقرار العبد على ما في يده إقرار على سيّده ، فلا يسمع.

وثانياً : بأنّ دعواه اشتهار الرواية غير واضحة إن أراد بحسب الفتوى والعمل ، إذ لم يعمل به إلاّ من مرّ إليه الإشارة ، وهو بالإضافة إلى باقي الجماعة نادر بالبديهة ، وجيّدة إن أراد الشهرة بحسب الرواية ، إلاّ أنّها بمجرّدها غير كافية في الاستناد إليها بالضرورة.

هذا كلّه مع عدم البيّنة ، ومعها تقدّم إن كانت لواحد ، ولو كانت لاثنين أو للجميع بني على تقديم بيّنة الداخل أو الخارج عند التعارض ، فعلى الأوّل : الحكم لمولى المأذون كما تقدّم ، لكن من دون يمين.

__________________

(١) المهذب البارع ٢ : ٤٦٤.

(٢) الدروس ٣ : ٢٣٣.

٩٨

وعلى الثاني : يتعارض الخارجان ، والأقوى وفاقاً لجماعة (١) تقديم بيّنة الدافع ، عملاً بمقتضى صحّة البيع.

مع احتمال تقديم بيّنة مولى الأب ، لادّعائه ما ينافي الأصل وهو الفساد ، وتوضيحه أن مولى الأب بالإضافة إلى ورثة الدافع مدّعٍ خارج ، فتقدّم بيّنته ؛ لأنّه مدّعٍ بأحد تفاسير المدّعى ، لأنّه يدّعي ما ينافي الأصل.

ويضعّف : بأنّه مدّعٍ وخارج بالإضافة إلى مولى المأذون ، كما أنّ الآخر أيضاً مدّعٍ وخارج بالإضافة إليه ، ولا يلزم من كون دعوى أحدهما توافق الأصل ودعوى الآخر تخالفه أن يكون أحدهما بالإضافة إلى الآخر مدّعياً وخارجاً ، فترجيح بيّنته وتقديم بيّنة مدّعي الفساد إنّما يكون حيث لا يقطع بكون الآخر مدّعياً ، فأمّا إذا قطع به وأقاما بيّنتين فلا بدّ من الترجيح ، وهو ثابت في جانب مدّعي الصحة.

( الثامنة : إذا اشترى ) رجل من غيره ( عبداً ) في الذمة ( فدفع البائع إليه عبدين ليختار أحدهما فأبق واحد ) منهما من يده من دون تفريط ( قيل ) كما عن الطوسي والقاضي (٢) ( يرتجع ) المشتري ( نصف الثمن ) من البائع ويأخذ في الفحص عن الآبق.

( ثم إن وجده ) ردّ الثمن المرتجع و ( تخيّر ) بينهما واختار أيّهما شاء ( وإلاّ ) يجده ( كان ) العبد ( الآخر ) الموجود ( بينهما نصفين ) لرواية النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله (٣) عليه‌السلام.

__________________

(١) منهم : العلامة في القواعد ١ : ١٢٩ ، والتذكرة ١ : ٤٩٩ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٤٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢١٠ ، وصاحب الحدائق ١٩ : ٤٧٠.

(٢) الطوسي في النهاية : ٤١١ ، القاضي في الكامل على ما نقله عنه في المختلف : ٣٨٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٨٢ / ٣٥٤ ، الوسائل ١٨ : ٢٦٨ أبواب بيع الحيوان ب ١٦ ذيل الحديث ١.

٩٩

( وفي الرواية ) كما ترى ( ضعف ) من حيث السند بالراويين ، والمتن بمخالفته لأُصول المذهب ، من حيث إنّ التالف مضمون على المشتري ، لقبضه بالسوم ، وله المطالبة بالمبيع ، لأنّه موصوف في الذمّة ، ولا وجه لكون العبد الباقي بينهما ، فإنّ المبيع ليس نصف كلّ واحد منهما.

( و ) حينئذٍ المعتمد الرجوع إلى ما ( يناسب الأصل ) وهو ( أن يضمن ) المشتري ( له ) أي للبائع ( الآبق ، ويطالبه بما ابتاعه ) منه في الذمّة.

ولا ريب في الثاني. ويبنى الأوّل على ضمان المقبوض بالسوم ، وهو الذي قبضه ليشتريه فتلف في يده بغير تفريط. وحيث إنّ ذلك هو الأظهر الأشهر صحّ الحكم هنا ؛ لأنّ القبض هنا في معنى القبض بالسوم ، إذ الخصوصيّة (١) ليست لقبض السوم ، بل لعموم ما دلّ على ضمان اليد المشترك بينهما.

ويأتي على القول بعدم الضمان ثَمّ عدمه هنا ؛ لاتّحاد دليل العدم ، وهو القبض بإذن المالك مع عدم تفريط ، فيكون كالودعي.

بل قيل : يمكن عدم الضمان هنا وإن قلنا به ثمّة ؛ لأنّ المقبوض بالسوم مبيع بالقوّة ، أو مجازاً بما يؤول إليه ، وصحيح المبيع وفاسده مضمون. بخلاف صورة الفرض ؛ لأنّ المقبوض فيه ليس كذلك ، لوقوع البيع سابقاً وإنّما هو محض استيفاء حقّ. لكن يندفع ذلك بأنّ المبيع لما كان أمراً كلّياً وكان كلّ واحد من المدفوع صالحاً لكونه فرداً له كان في قوّة المبيع ، بل دفعهما للتخيير حصر له فيهما فيكون بمنزلة المبيع حيث إنّه‌

__________________

(١) أي خصوصيّة الضمان. ( منه رحمه‌الله ).

١٠٠